إسلام ويب

دليل الطالب كتاب الحدود [2]للشيخ : حمد الحمد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الحدود الشرعية في الإسلام حد الزنا وحد القذف، وهما مما شرع لحماية الأعراض وصونها من الجناية عليها، ولهذه الحدود شروط وأركان وأسباب وآداب.

    تعريف الزنا

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب حد الزنا ].

    الزنا هو فعل الفاحشة في قبلٍ أو دبر، والدبر وإن كان لا يحل من الزوجة، وليس محلاً للوطء المشروع، لكن الفقهاء يذكرون مسائل تترتب على فعله، وإلا فإنه لا يجوز شرعاً، وتقدم شرح هذا في كتاب عشرة النساء، والمراد هنا الدبر من أجنبية.

    قال: [ هو فعل الفاحشة في قبلٍ أو دبرٍ ] يعني: أن يطأ امرأة لا تحل له في قبلها، أو أن يطأ دبر أجنبية، ويأتي الكلام على اللواط في مسألة في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

    حد الزاني المحصن

    قال الله جل وعلا: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، فإذا زنا المحصن وجب رجمه حتى يموت، وعلى ذلك فحد الزاني المحصن الرجم، وقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين قال: (واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، ورجم عليه الصلاة والسلام ماعزاً كما في الصحيحين، ورجم الغامدية كما في الصحيحين أيضاً، وكان في القرآن آية تتلى فيها الرجم، فنسخ لفظها وبقي حكمها؛ ابتلاءً لهذه الأمة.

    وقد جاء في الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال: إن الله قد بعث محمداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فجلد النبي عليه الصلاة والسلام وجلدنا بعده، وإني أخشى إن طال بالناس زمنٌ أن يقول قائل: إنا لا نجد الرجم في كتاب الله، وإن الرجم حقٌ في كتاب الله على من زنا إذا أحصن، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف ]]، والحبل هو الحمل.

    وعلى ذلك: كانت آية من القرآن تتلى، ثم نسخ لفظها وبقي حكمها؛ ابتلاءً لهذه الأمة، ولبيان فضيلتها وأنها تعمل بما نسخ لفظه من القرآن وبقي حكمه، بخلاف أهل الكتاب الذين تركوا العمل بما بقي حكمه وبقي لفظه عندهم، وتحايلوا في ترك العمل به، كالرجم هنا، فقد وضع رجل من اليهود يده على آية الرجم بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام، وهي مكتوبة في كتابهم كما ثبت في الصحيح.

    قال: [ وجب رجمه حتى يموت ]، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم).

    ضابط الإحصان

    قال: [ والمحصن ]، المحصن هو الذي إذا زنا وجب رجمه، قال: [ والمحصن هو من وطئ زوجته في قبلها ]، يعني: بهذا يثبت الإحصان، أي: نحكم بأنه محصن إذا وطئ زوجته في قبلها بنكاحٍ صحيح، وعلى ذلك فإذا عقد فقط ولم يطأ فلا يكون محصناً حتى يطأ، ويكون وطؤه لزوجته، فلو كان وطؤه لسريته -وهي أمته- فلا يكون محصناً، وإنما يكون بكراً غير محصن.

    إذاً: المحصن هو المتزوج الذي وطئ زوجته في قبلها بنكاحٍ صحيح لا بنكاحٍ باطل، ولا بنكاح فاسدٍ يعتقد فساده، فإذا نكحها بنكاحٍ باطل كالذي ينكح المعتدة فهذا النكاح للمعتدة نكاح باطل، ولا يحصل به الإحصان، وكذلك إذا كان بنكاحٍ فاسدٍ وهو يعتقد فساده، كنكاح المرأة بلا ولي وهو يعتقد أنه فاسد، وأما إذا كان على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله أو من وافقه، فهو يعتقد صحته، فإنه يكون محصناً بذلك، لكن الذي ينكح بلا ولي وهو يعتقد أن هذا فاسد، فلا نقول إنه محصن بذلك بحيث إنه إذا زنا بعد ذلك أقمنا عليه الحد، لا.

    قال: [ وهما حران ]، فلو كانت زوجته أمةً فلا إحصان؛ لا إحصان إلا بالحرة.

    [ مكلفان ]: إذا كان هو أو هي غير مكلفين فكذلك، فلا بد أن يكون هو مكلفاً، وأن تكون هي مكلفة، ومعلوم أن المكلف يحصل به من الإحصان والحفظ ما لا يحصل بمن هو دونه، وهذا هو قول جمهور العلماء.

    إذاً: أن يطأ زوجة لا سرية، في قبلٍِ، وأن يكون حراً، وأن يكون مكلفاً، وأن يكون الطرف الثاني كذلك، وعلى ذلك فلو كان رجلاً مكلفاً لكن زوجته صبية، فلا يقام عليه حد الزنا للمحصن، وإنما يقام عليه حد الزنا لغير المحصن وهو البكر، والحدود تدرأ بالشبهات.

    حد الزاني غير المحصن

    قال: [ وإن زنا الحر غير المحصن جلد مائة جلدة ]، ما تقدم في المحصن، وأما غير المحصن فإنه يجلد مائة جلدة؛ للأحاديث التي تقدم ذكرها، ولا خلاف بين أهل العلم في هذا، قال: [ وغرب عاماً ]؛ للحديث المتقدم وهو حديث عبادة ، وفيه: (البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة)، وفي الترمذي أن أبا بكر رضي الله عنه جلد وغرب، وأن عمر رضي الله عنه جلد وغرب.

    [ إلى مسافة قصر ]؛ لأن المسافة التي هي دون هذه المسافة لا تعد تغريباً، بل ويكون من حاضري المكان، وعلى ذلك فيغرب مسافة قصرٍ فأكثر، والمرأة كذلك تغرب مسافة قصرٍ وأكثر، لكن لا بد لها من محرم يحفظها، [ وأما في الرجم فيكفي فيه -على الصحيح، وهو المذهب، وهو قول الجمهور- يكفي فيه الرجم ]، وأما حديث عبادة الذي فيه: (خذوا عني) الحديث، وفيه: (والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) فهذا منسوخ؛ لأن آخر الأمر من النبي عليه الصلاة والسلام أنه اكتفى بالرجم كما في حديث: (واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، ورجم ماعزاً والغامدية ولم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام جلدهما.

    وصح ذلك أيضاً عن عمر رضي الله عنه كما في مصنف ابن أبي شيبة أنه رجم ولم يجلد، ولأن الرجم يأتي على الجلد، فالقتل يحيط بما دونه، وحديث عبادة واضح في أن النبي عليه الصلاة والسلام قاله في أول الأمر؛ لأنه قال: (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً)، والله جل وعلا يقول في كتابه: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ [النساء:16] إلى أن قال سبحانه وتعالى: أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15].

    حكم الذمي إذا زنا بمسلمة وكذلك الحربي

    ثم قال: [ وإن زنا الذمي بمسلمة قتل ]، الذمي إذا زنى بمسلمة فإنه يقتل؛ لأنه يكون بذلك قد نقض عهده، فلا ذمة له، وإن زنى الحربي فلا شيء عليه؛ لأنه غير ملتزمٍ بشريعتنا، ولأنه مهدر الدم، فدمه هدر، وعلى ذلك فلا شيء عليه من هذه الجهة؛ لأنه حربي والحربي مهدر الدم.

    حكم الرقيق إذا زنا

    وقال قبل ذلك: [ وإن زنا الرقيق جلد خمسين ]؛ لأن الله جل وعلا قال: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، ومعلوم أن الرجم لا يمكن تنصيفه؛ لأنه قتل، وعلى ذلك فحدهن وحد العبيد هو الجلد فقط، ويكون الجلد خمسين جلدة، فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، ولا يغرب؛ لأن تغريبه إضرارٌ بسيده، فبذلك نفوت حق السيد.

    حكم المحصن إذا زنا بغير المحصن

    قال: [ وإن زنى المحصن بغير المحصن فلكل حده ]، إذا زنى رجل محصن بامرأة بكر ليست محصنة فهذا له حده وهذا له حده، فالمحصن حده الرجم، والبكر حده الجلد، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، وقال للرجل: (على ابنك جلد مائة وتغريب عام)، فقضى أن على العسيف الذي زنى بهذه المرأة أن عليه جلد مائة وتغريب عام؛ لأنه بكر، وقضى على المرأة بالرجم، فهنا أحدهما يرجم والآخر يجلد.

    والتغريب عاماً يكون باعتبار السنة الهجرية؛ لأن هي المعتبرة في الشرع، فيكون بالسنة الهجرية لا الشمسية.

    حكم من زنا ببهيمة

    قال: [ ومن زنى ببهيمة عزر، ولا حد عليه؛ لأنها معصية، والمعصية فيها التعزير ]، كما سيأتي إن شاء الله، فالمعصية فيها التعزير، ولا يقتل رجماً إن كان محصناً، ولا يجلد إن كان بكراً، وأما ما جاء عند الخمسة إلا النسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة) فالحديث منكر، وقد رواه أحمد وأبو داود والترمذي والطحاوي وغيرهم، فلا يصح هذا الحديث، بل هو حديث معل.

    حكم اللواط

    قال: [ ولو تلوط ]، اللواط فيه الحد في المشهور في المذهب، وقد جاء عند البيهقي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان، وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان)، والحديث لا يصح، لكنهم جعلوه قياساً على الزنا؛ بجامع أن كليهما وطء لفرج.

    والقول الثاني في المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم الجوزية ورواية عن أحمد : أنه يرجم مطلقاً محصناً كان أو غير محصنٍ، وذلك لإجماع الصحابة على ذلك، وقد حكى الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأورد الآثار في ذلك ابن نصر ، وأورد الآثار في ذلك الآجري رحمه الله تعالى في كتابه (تحريم اللواط).

    واختلف الصحابة في كيفية قتله مع إجماعهم على أنه يقتل، فمنهم من قال: إنه يرجم، كـابن عباس ، ومنهم من قال: إنه يرمى من شاهق، ومنهم من قال: إنه يحرق، ومنهم من قال: إنه يقتل بالسيف، وأصحها أنه يرجم، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه، قال الله جل وعلا: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر:74]، فأمطر الله عز وجل عليهم هذه الحجارة، وعلى ذلك فلإجماع الصحابة رضي الله عنهم نقول: بأنه يقتل، ويكون قتله بالحجارة، يعني: يرجم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

    من شروط وجوب حد الزنا تغييب الحشفة

    قال: [ وشرط وجوب الحد ثلاثة أحدها: تغييب الحشفة أو قدرها ]، هذا هو الشرط الأول: أن يغيب الحشفة وهي موضع الختان من الرجل، [ وهي موضع الختان من المرأة ]، بأن يكون هناك إيلاج بتغييب هذه الحشفة، فلا بد من إيلاج، فإذا لم يكن هناك إيلاج فلا حد، ولا بد أن يكون هذا الإيلاج بالحشفة، أو بقدرها لمن لا حشفة له.

    قال: في فرجٍ أو دبرٍ لآدمي حي لا ميت. فلو وطئ ميتةً لم يحد؛ لأنها لا تشتهى في العادة، وتنفر الطباع منها ، إذاً: لا بد من الإيلاج، فلو باشر المرأة بين فخذيها أو نحو ذلك فإنه لا يحد، وإنما يعزر، وأما الحد فإنه لا بد فيه من إيلاج، يعني: بأن يولج في المرأة كالرشا في البئر، وكالمرود في المكحلة.

    من شروط وجوب حد الزنا انتفاء الشبهة

    قال: [ الثاني: انتفاء الشبهة ]، وقد جاء في الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ادرءوا القتل والقطع عن المسلم ما استطعتم)، والحديث ضعيف، لكنه صح عن ابن مسعود رضي الله عنه عند البيهقي ولا يعلم له مخالف، بل قد أجمع أهل العلم كما قال ابن المنذر رحمه الله على ذلك: إن الحدود تدرأ بالشبهات.

    وعلى ذلك فلو وطئ أمةً له فيها شرك، يعني: مشتركة بينه وبين صاحبٍ له، فهذه لا توطأ في الأصل، فلو وطئها فهذه شبهة، فيعزر ولا يحد، ولو وطئ الأب أمة ولده كذلك، ولو نكح نكاحاً مختلفاً فيه إن كان يعتقد فساده، كالذي ينكح امرأةً بلا ولي، يعني: يكتفي بالرضا وبقية الشروط لكن لا يكون هناك ولي، فهذا نكاح فاسد عند الجمهور، فإذا فعله من يعتقد فساده، وأنه لا يجوز للرجل أن ينكح المرأة إلا بولي، ومع ذلك نكح، فإنا لا نقيم عليه الحد؛ للشبهة، أو نكح امرأة معتدة، وهو يعتقد الصحة ويظن أنها غير معتدة، أو يجهل ذلك، أو يخفى عليه، فهذه شبهة.

    من شروط وجوب حد الزنا ثبوته

    الثالث: [ ثبوته؛ إما بإقرار أربع مرات ] إذاً: الشرط الأول أن يولج الحشفة أو قدرها عند عدم الحشفة، الثاني: انتفاء الشبهة؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، الثالث: ثبوت الزنا.

    وبماذا يثبت الزنا؟ قال: إما بإقرار أربع مرات، ففي حديث أبي هريرة في الصحيحين: (فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي عليه الصلاة والسلام فقال: أبك جنون؟ قال: لا. قال: اذهبوا به فارجموه)، فلا بد إذاً أن يقر على نفسه أربع مرات في مجلس أو في مجالس، فيقر على نفسه بالزنا الصريح أربع مرات ولا تكفي مرة، ولا مرتان، ولا ثلاث، ولا أربع، فلا بد أن يقر على نفسه أربعاً.

    فثبوته إما بإقرارٍ أربع مرات ويستمر على إقراره، فإن رجع عن إقراره تُرك، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام عندما فر ماعزاً لما مسته الحجارة فلحقوه وقتلوه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (هلا تركتموه؛ لعله أن يتوب فيتوب الله عليه).

    إذاً: إذا رجع فإنه يترك، هذا في الإقرار، وأما في البينة فلا يقبل رجوعه.

    قال: [ أو شهادة أربعة رجالٍ عدول ]، قال جل وعلا: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [النور:4]، فلا بد أن يأتي بأربعة شهداء ليس فيهم زوج؛ لأن الله جل وعلا قال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [النور:4]، ولم يعد الزوج شاهداً، ولأنه متهم في حق امرأته، كما تقدم هذا في باب اللعان، وليس فيهم أعمى؛ لوجود مانع.

    إذاً: أربعة شهود عدول ليس فيهم زوج وليس فيهم أعمى، وهؤلاء الشهود العدول يثبتون الزنا في مجلسٍ واحد لا في مجالس، ويصفونه، يقولون: رأيناه كذا وكذا بالجماع الصريح، مثل أن يقولوا: رأينا المرود في المكحلة، والرشا في البئر، فيصفونه وصفاً تاماً واضحاً.

    إذا كان أحد الشهود غير عدل

    قال: [ أو شهادة أربعة رجالٍ عدول، فإذا كان أحدهم غير عدلٍ حد للقذف ]، أي: لو أن هؤلاء الأربعة كان أحدهم ليس عدلاً فإن هؤلاء الثلاثة يجلدون حد القذف، ولذا جلد عمر رضي الله عنه الثلاثة كما عند البيهقي ، فلم يثبت الرابع الزنا الصريح، فحد رضي الله عنه الثلاثة جميعاً.

    إذاً: فهؤلاء الشهود الأربعة إذا كان أحدهم ليس عدلاً فإن هؤلاء الثلاثة يجلدون حد القذف، وقلنا: إنه لا بد أن تكون شهادتهم في مجلسٍ واحد، يعني: في مجلس القاضي الواحد، فإذا كان له مجلس في الضحى فأتى ثلاثة وشهدوا في أوله، وأتى الرابع وشهد في آخره قبل، لكن لو أتى الرابع في مجلسٍ ثانٍ وشهد، لم يقبل ذلك، ولذا فإن عمر رضي الله عنه جلد الثلاثة ولم ينتظر حتى يأتوا بشاهدٍ رابع في مجلسٍ آخر، وهذا كله من باب حفظ عرض المسلم، وألا يقدم أحد على الكلام في مثل هذه المسائل إلا ببينة واضحة.

    إذاً: لا بد أن يكون ذلك في مجلسٍ واحدٍ، وأن يصفوه الوصف الصريح في الجماع.

    إذا شهد أربعة بزناه بفلانة وشهد أربعة آخرون بزنا الشهود السابقين

    قال: [ وإن شهد أربعة بزناه بفلانة ] أي: شهد أربعة أن فلاناً قد زنا بفلانة، فشهد أربعة آخرون أن الشهود هم الزناة، أي: أتى أربعة وهم عدول فقالوا: إن هؤلاء الأربعة هم الزناة، صُدِّقوا، وحُدَّ الأولون فقط والمرأة لا تحد؛ لأن الأربعة الذين شهدوا عليها ثبت أنهم غير عدول، وهؤلاء قالوا: هم الزناة، ولم يقولوا: إنهم قد زنوا بفلانة، ولا يحد المشهود عليه لقدح الآخرين في شهادتهم، وحد الأولون فقط للقذف والزنا، فقد قذفوا هذه المرأة، ولأنهم زنوا.

    حكم من حملت وليس لها زوج ولا سيد

    قال: [ وإن حملت من لا زوج لها ولا سيد لم يلزمها شيء ]، أي: إن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم يلزمها شيء؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وقد جاء عند البيهقي : أن امرأة -والأثر صحيح- حملت فأتي بها إلى عمر ، فقالت: إنها يثقل رأسها في النوم، وإنها حملت من ذلك، فلم يقم عليها الحد، فهذا واقع لا سيما في القديم مع كثرة العمل وتعب النساء، فترمي بنفسها وتنام وتكون ثقيلة الرأس، فلا تشعر فقد يطأها وهي لا تشعر، وتحمل من هذا الزنا، والحدود تدرأ بالشبهات، لكن إذا أتوا بها حامل ولم تدعي شبهة فعن الإمام أحمد : أنها إذا لم تدعي شبهة فإن الحد يقام عليها، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه، ويدل على ذلك أن عمر رضي الله عنه قال: إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف، والشبهة البعيدة جداً لا ينظر إليها، وإنما ينظر إلى الشبهة التي يجوز وقوعها، فالمرأة إذا وجدت حاملاً وأتي بها حاملاً ولم تدعي شبهةً، فالذي يظهر في هذا أنها يقام عليها الحد، والله أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088036045

    عدد مرات الحفظ

    775325182