إسلام ويب

دليل الطالب كتاب الطلاق [2]للشيخ : حمد الحمد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ينقسم الطلاق من حيث السنة والبدعة إلى طلاق سني وطلاق بدعي، وطلاق لا سني ولا بدعي، والعلماء متفقون على وقوع الطلاق غير البدعي، كما أنهم يقولون إن الطلاق البدعي حرام، لكنهم مختلفون في وقوعه، وفي بعض صوره.

    الطلاق السني

    قال: [ باب سنة الطلاق وبدعته: السنة لمن أراد طلاق زوجته أن يطلقها واحدة في طهر لم يطأها فيه ].

    طلاق السنة أن يطلق المرأة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، قال جل وعلا: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]، قال ابن مسعود وابن عباس كما في مصنف عبد الرزاق : طاهراً من غير جماع.

    وقال ابن مسعود أيضاً كما في المسائل: طلاق السنة أن يطلقها طاهراً من غير جماع.

    وفي الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنه طلق امرأته وهي حائض، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لـعمر : (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر) من هذا الحيض، (ثم تحيض).

    إذاً في الطهر الذي بين الحيضة التي طلقها والحيضة الثانية ليس له أن يطلقها، (حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء فليمسكها بعد وإن شاء فليطلق، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء).

    في هذا الحديث من الفوائد أمره بالمراجعة، وهذا الأمر هل هو للاستحباب أو للوجوب.

    قال الحنابلة: للاستحباب، فإذا طلق الرجل المرأة وهي حائض فإنه يستحب له أن يراجعها.

    وقال: المالكية ورواية عن أحمد : بل يجب عليه أن يراجعها، وهذا أصح، وأنه تجب المراجعة لقوله: (مره فليراجعها).

    وفيه أن الطلاق في الطهر الذي بعد الحيضة التي طلقها فيها بدعي.

    فإذا طلقها وهي حائض نقول: راجعها الآن وهي حائض، قال: راجعتها وقد طهرت ولم أجامعها فهل أطلقها؟ نقول: لا تطلقها حتى تحيض ثم تطهر.

    حكم طلاق الحائض أو في طهر قد جامعها فيه

    قلنا: إن الطلاق في السنة هو طلاق المرأة وهي طاهر حال كونه لم يجامعها في طهرها، فإذا طلق الرجل المرأة وهي حائض فهل يقع الطلاق؟ وإذا طلقها وهي طاهر وقد جامعها في هذا الطهر فهل يقع هذا الطلاق؟

    المذاهب الأربعة والذي عليه أئمة الدعوة أن الطلاق يقع، واستدلوا بما جاء في البخاري أن ابن عمر رضي الله عنه قال: (فحسبت علي بتطليقة)، ولذا بوب الإمام البخاري على هذا بما يفيد أن طلاق الحائض يقع.

    وفي الطيالسي عنه صلى الله عليه وسلم قال له: (هي واحدة)، وعند الدارقطني عنه صلى الله عليه وسلم قال: (أن يحتسب تلك التطليقة التي طلقها أول مرة).

    وفي الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنه سئل فقيل له: وهل احتسبت تلك طلقة؟ قال: فمه، ما لي لا أحتسبها، أرأيت إن عجزت أو استحمقت، وهذا يدل على أن ابن عمر احتسبها، وهو الراوي لهذا الحديث والراوي أعلم بما روى، وهذا هو الصحيح.

    والقول الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية وهو قول أهل الظاهر، قالوا: إن طلاق الحائض لا يقع، وطلاق المرأة في طهر قد جامعها فيه لا يقع، لأن هذا كله طلاق بدعي.

    واستدلوا بما جاء في سنن أبي داود من رواية أبي الزبير عن ابن عمر وفيه أنه قال: ولم يرها شيئاً.

    وأجيب عن هذا بأن قوله: (لم يرها شيئاً) يعني: لم يرها شيئاً مستقيماً مأذوناً فيه شرعاً.

    وأجيب بجواب آخر وهو أصح من الجواب الذي قبله، قالوا: إن هذه اللفظة منكرة، ولذا قال الخطابي رحمه الله: قال أهل الحديث: لم يرو أبو الزبير شيئاً أنكر من هذا.

    وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى عن هذه الجملة: منكرة، ولم يروها غير أبي الزبير ، فقال أبو داود رحمه الله تعالى: والأحاديث كلها تخالف ما قال أبو الزبير .

    إذاً: هذه الرواية منكرة، وعلى ذلك فالصحيح أن طلاق الحائض يقع، وكذلك طلاق المرأة في طهر قد جامعها فيه.

    حكم الطلاق ثلاثاً

    قال: [ فإن طلقها ثلاثاً ولو بكلمات فحرام ]، الطلاق المأذون فيه شرعاً أن يطلق المرأة طلقة ثم يراجعها في العدة، أو يعقد عليها عقداً جديداً إذا خرجت من عدتها، ثم يطلق ثم يراجع إن كانت في العدة، وإن خرجت من العدة فيعقد عقداً جديداً، ثم يطلق؛ هذا الطلاق الذي شرعه الله سبحانه وتعالى.

    إذاً: الطلاق المشروع هو الذي يكون بعد رجعة أو بعد عقد آخر، وأما الطلاق الذي على خلاف ذلك فإنه على خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأمره، فإذا طلقها بكلمة واحدة في مجلس فقال: أنت طالق بالثلاث، فهذا طلاق محرم.

    وإذا طلقها في مجلس واحد لكن بكلمات، فقال: يا فلانة أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق، لا يريد التأكيد وإنما يريد تعدد الطلاق، أو قال: أنت طالق ثم طالق ثم طالق، فالطلاق متعدد وفي مجلس واحد.

    وقد يكون في مجالس متعددة، يقول: يا فلانة أنت طالق، ثم تذهب إلى أهلها ويتصل بها ويقول: أنت أيضاً طالق، ثم بعد ذلك يقول: أنت طالق، ولا يتخلل ذلك رجعة؛ فهذا كله طلاق محرم.

    وقد جاء في النسائي من حديث محمود بن لبيد أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر له أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً بكلمة، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم

    إذاً: طلاق الثلاث إما في مجلس أو في مجالس متعددة دون أن يتخلل ذلك رجعة أو عقد، فهذا محرم لا يجوز، وبقي هل يقع ثلاثاً أم يقع واحدة؟

    قال الجمهور وهذا الذي عليه المذاهب الأربعة: يقع ثلاثاً، قالوا: وهذا هو الذي عليه عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه، فقد جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان الطلاق في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وعهد أبي بكر وسنتين من عهد عمر طلاق الثلاث واحدة فلما استعجل الناس الطلاق -يعني كثر هذا- قال عمر : أرى لو أمضيناه عليهم، فأمضاه رضي الله تعالى عنه)، إذاً: هو من باب التعزير، كما أنه عزر شارب الخمر بثمانين جلدة فأخذت به المذاهب الأربعة وكان يحد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين.

    فهنا عمر رضي الله عنه رأى التعزير بذلك، ورأى أن الناس يأثمون بتعديدهم الطلاق بالثلاث فيعزرون بإيقاعه عليهم، وعملت بهذا المذاهب الأربعة.

    والقول الثاني في المسألة، وهو قول طائفة من أصحاب أحمد ، وطائفة من أصحاب مالك ، وطائفة من أصحاب أبي حنيفة ، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية ، واختاره أيضاً الشيخ عبد الرحمن بن سعدي والشيخ محمد بن عثيمين قالوا: بل طلاق الثلاث واحدة بكل حال، ولا تقع الثانية حتى يراجعها أو يعقد عقداً جديداً.

    وتوسط الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بين القولين فقال: إذا طلقها بكلمة واحدة بالثلاث فإنها تحسب واحدة، وأما إذا عدد الطلاق، سواء كان في مجلس أو في مجالس ولم يكن الطلاق بكلمة واحدة، يعني لم يقل: أنت طالق ثلاثاً أو أنت طالق بالثلاث، بل قال: أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أو أنت طالق وطالق وطالق، فهي ثلاث.

    أما إذا قال: أنت طالق طالق طالق، ونوى بالتكرار الإفهام أو نوى التأكيد فلا يقع إلا واحدة، وما ذكره الشيخ رحمه الله وسط بين القولين، وفيه قوة.

    ومما يدل على ما ذهب إليه أهل القول الثاني أن النبي عليه الصلاة والسلام كما في مسند أحمد بإسناد جيد سأله أبو ركانة أنه طلق امرأته ثلاثاً، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (هي واحدة).

    فالذي يترجح أنه إذا طلقها بالثلاث بكلمة واحدة فنقول هي واحدة، وأما إذا طلقها في مجلس أو في مجالس بكلمات متعددة ونوى تكرار الطلاق ولم ينو الإفهام أو التأكيد في محله، فإن الطلاق يقع متعدداً كما أوقعه على نفسه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087678273

    عدد مرات الحفظ

    773497769