فنسأل الله عز وجل أن يجعل هذه الجلسة خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل للشيطان فيها حظاً أو نصيباً، اللهم ثقل بهذه الجلسات موازيننا يوم القيامة، وأنر بها على الصراط طريقنا، وأظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونق قلوبنا، وبيض وجوهنا، وآمن روعاتنا، واغسل ذنوبنا، ونقنا منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، واقض دين المدينين، وفك كرب المكروبين، وفرج اللهم كروبنا وكروب المسلمين، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
هذه هي الحلقة الحادية عشرة أو الدرس الحادي عشر في سلسلة حديثنا عن السيرة النبوية العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات، وهي الحلقة الثانية في الحديث عن مسألة الوحي.
والحديث عن مسألة نزول الوحي على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلح أن يقرأ على قلوب مهمومة مشغولة بهم الرزق والعيال والزوجة والجار والدار والعمل والمال وقلة ذات اليد وسوء المعاملة من الناس، فلا يصلح العلم مع قلب كهذا القلب.
ولكن المسلم الذي يريد قلبه أن يتفتح للعلم يأتي إلى المسجد أولاً ابتغاء مرضاة الله، لا أن يأتي الجامع من أجل أن يراه فلان، من أجل أنه غاضب من زوجته ساعة، أو أن هذا الرجل يقول كلاماً حلواً فقط، فانتبه أن تكون أتيت من أجل هذا.
بل يجب أن يكون قدومك إلى بيت الله من أجل أنك تلقى أعز الأحبة، وليس لنا حبيب سوى الله، وأنت قد يكون لك ابن أو أخ أو أب عزيز لديك، فما بالك بعزة الله عز وجل ومكانته عند المؤمن، وقد قيل للحسن البصري : ما مكانتي عند الله؟ فقال: انظر ما مكانة الله عندك، تعرف مكانتك أنت عند الله فإذا كان الله كل شيء عندك فأنت عند الله كل شيء، وإذا كان الله عز وجل هو آخر الاهتمامات بالنسبة لك - يعني: إن كان آخر ما تهتم به هو الله والدين وأمر الآخرة - فثق تماماً أنك لا تساوي عند الله شيئاً، اللهم اجعلنا من الذين يساوون عندك أشياء يا رب العباد!
ولا تأت إلى المسجد من أجل أن تتعلم كلمتين تتفلسف بهما على صاحبك في المكتب أو جارك الذي يحضر عند الشيخ فلان، فنحن لا نضرب الناس ببعضها، ولكن ائت إلى بيت الله ابتغاء مرضاة الله، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العالم رضاً بما يصنع، ومن أراد الدنيا فعليه بالعلم، من أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم.
فمسألة العلم أو مسألة إتيانك إلى بيت الله عز وجل يجب أن تكون خالصة لوجه الله الكريم، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يرحب بطلاب العلم ويقول: (مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى)، وكان يرحب بمن يريد العلم، وكان دائماً ينزل الناس منازلهم، وكان يقول عن سلمان الفارسي : (لقد جمع علم الأولين والآخرين).
وكان يقول عن ابن عمه ابن عباس : (وعاء ملئ علماً).
فـسلمان الفارسي جمع علم الأولين والآخرين، ومعاذ بن جبل سيرفع راية العلماء يوم القيامة، وعمر بن الخطاب الملهم، وعلي بن أبي طالب باب مدينة العلم، فما بالك بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وسيدنا عمر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم حوله نسوته أمهات المؤمنين كلهن، وهؤلاء أرقى صنف، وربنا قال فيهن: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ [الأحزاب:32] فقال عمر : ما لي أسمع ارتفاع أصواتهن عليك يا رسول الله؟!
قال: يا ابن الخطاب ! يسألنني النفقة، فـعمر لم يحتمل وقال: وحفصة منهن؟ قال: نعم، فقام عمر يضرب حفصة ، وقام أبو بكر يضرب عائشة ، والرسول يحجز بينهم ويقول: دعاهن يطالبن بالحقوق.
فلما هدأ سيدنا عمر قال: يا رسول الله! لو رفعت ابنة زيد - زوجة عمر ، وهي جميلة بنت زيد بن عبد الله ، وهي زوجته الأولى - صوتها علي بالنفقة لوجأت عنقها، فتبسم الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال: (يا
إن نظر إليها سرته، فهي ليست غاضبة، وإنما هي مبتسمة، وليست بلهاء، وليس عندها قصور في الفكر، وإنما هي مبتسمة؛ لأن هذا يشجع الزوج ويرفع حالته المعنوية، فيبدأ يعاملها معاملة جيدة، ويضعها فوق رأسه، فهو أصلاً إسلامه وإيمانه قليل، ولا يريد أحداً يشجعه على أن يرجع إلى الخلف.
وقد كان الطلبان الوحيدان كل يوم لكل الصحابيات - وما بلغنا أبداً في كتب السيرة ولا قرأنا أن واحدة من الصحابيات لما غضبت من زوجها قالت له ما لا يلذ ولا يطيب - أنها في الصباح تمسك زوجها من يده وتقول له: يا فلان! نستحلفك بالله ألا تدخل علينا حراماً؛ فإننا نصبر على حر الجوع ولا نصبر على حر جهنم يوم القيامة، هذا المطلب الأول، فقد كانت تشجع الرجل على أكل الحلال، وألا يمد يده إلى شبهة، وإذا رضيت عنك المرأة رضيت عنك الدنيا كلها.
ولا تنس أم زوجتك، فيجب أن تسترضيها، فإنها إن رضيت عنك فقد استتب الأمن في بيتك، فلا تناصبها العداء، فلست مثلها، ولو وضعتك في رأسها فلا تقل على الدنيا السلام.
ومصائبنا كلها من سوء معاملة الزوجات والأزواج، وليس معنى هذا أن الأزواج طيبون، فالطرفان متقاربان.
والمطلب الثاني للصحابية أنها كانت تأتي إلى زوجها بالليل وتقول له: يا فلان! ألك حاجة؟ أي: أتريد أن تأكل أو تشرب، فيقول: لا، جزاك الله خيراً، بارك الله فيك، فتقول: أتأذن لي أن أقوم لربي الليلة؟
ونحن نريد أن يكون في البيوت مودة ورحمة، ولا تأتي المودة ولا الرحمة إلا من ثمرة عمل طويل وصبر جميل، اللهم اجعلنا وإياهن من الصابرين والصابرات.
فتقلب حالتها النفسية والتوتر العصبي كل هذا من أثر التكوين الطبيعي وعمل الدورة الشهرية والدم الفاسد في الجسد، فيتغير تكوينها كله، فأنت يجب أن تراعي هذه النقطة، فكن في هذه الأيام خفيف الظل.
وهي التي تقوم على البيت، فهي تلبس الكبير، وترضع هذا، وتعطي الدواء لهذا، وتنتظر أن يعود هذا من المدرسة، وهذا من الجامعة، وتعد الغداء، وتعرف أنك أول ما تأتي من العمل تريد أن تأكل لقمة، وأن يكون البيت نظيفاً، فكل المشاكل هذه فوق رأسها، ثم تأتي أنت تقول لها: القميص لماذا لم يصلح زراره؟
فلماذا لا تفعل مثلما كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يفعل؟ فقد كان يرقع ثوبه، يعني: يخيطه، فكان إذا انقطع زرار قميصه خاطه بنفسه، ولا يقل: يا عائشة ! خيطيه، وكانت عائشة تفرح بخياطته له، ولكنه كان هو يحمل عنها هذا العمل، فكان يخيط ثوبه ويرقعه، ويخصف نعله، (وكان في مهنة أهله، يقم لهن البيت)، يعني: ينظفه، وهل يوجد اليوم رجل فينا يساعد زوجته في التنظيف، إذا عملنا ذلك فنحن مقتدون برسول الله صلى الله عليه وسلم (ويقطع معهن اللحم).
وكانت الصحابيات بهذا المنطق كلهن، فاستقامت حياة الصحابة، ولم نسمع أن صحابية لما ذهب زوجها غدوة مع الحبيب صوتت، ونحن كل ثلاثة أشهر نسافر نحارب إسرائيل مثلاً نجد النساء واقفات لنا عند السويس يمنعننا، ويقلن: ربما تغرق في قناة السويس، فالعينة غير العينة.
وانظر إلى الصحابيات كيف تربين، فالسيدة سمية أم عمار بن ياسر استشهدت في سبيل الله، وخولة بنت ثعلبة جاءت تشكو بأدب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسيدة فاطمة لما كانت تغضب على علي بن أبي طالب كانت تأتي تشتكي إلى أبيها، فكان يحكم بينهما وتنتهي المشكلة في لحظة، ونحن إذا كان هناك مشكلة بين الزوج والزوجة نظل ستة أشهر نصلح بينهما ولا يريدان أن يصطلح، قال تعالى: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] لكنه هو لا يريد صلحاً، ولا هي تريد صلحاً، وإنما كل واحد يريد أن يحقق ما في هواه.
ومجالس العلم يجب أن نراعي فيها الاستفادة والنية الخالصة، ونحن جئنا كلنا ابتغاء لمرضاة الله، ولم نأت لغير هذا السبب، اللهم ثقل بهذه المجالس موازيننا يوم القيامة.
فأما الخصوم فهل كان أبو جهل وأبو لهب وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف وأبو سفيان بن حرب ليسوا مقتنعين بصدق رسول الله وقد كان يسمى في الجاهلية الأمين؟
وفي ليلة الهجرة جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً ينام في مكانه لسببين: السبب الأول: من أجل أن يعمي على قريش.
والثاني: أنه قال لـعلي : يا علي ! عندما تستيقظ في الصباح أعد أمانات قريش إلى أصحابها، فهم يبحثون عنه من أجل أن يقتلوه، وهو يبحث من أجل أن يرجع لهم أماناتهم، فأي أمانة تلك؟!
ولنفرض جدلاً أن أباك ترك عندك مائة جنيه، وأخاك ترك معك مائة جنيه، ثم تخاصمتما فشتمك وطردك من بيته ولم يرض أن يزوج بنته لابنك، وأكل في ميراثك من أبيك، فهل سترجع له المائة جنيه؟ الشيطان سيقول: هذا من حقك، وهذا الذي أنت ستقوله، ولكن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم لما أخذت قريشاً بيوت الصحابة وأموالهم وخرجوا مهاجرين إلى الحبشة بثيابهم وبرواحلهم، وتركوا دورهم وحقولهم وآبارهم وأموالهم فأخذتها قريش غنيمة ورغم ذلك ما استحل النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه أن يأخذها كبدل لما ضاع من صحابته، بل بالعكس قال: (أرجع يا
وأول خصم له أبو جهل ، ولا يوجد خصم ألد من هذا الخصم، فقد كان خصماً عنيداً، وكان يقول: تسابقنا وبنو هاشم، أطعموا فأطعمنا، وسقوا فسقينا، يعني: أكرموا الناس بأن عملوا مثلهم، وقالوا: فينا السقاية فقلنا: فينا الحجابة، فقالوا: فينا السدانة، فقلنا: فينا اللواء، فقالوا: منا نبي، فأنى لنا بهذا الشرف؛ والله لن نؤمن به أبداً، يعني: المسألة تنافس غير شريف.
والرسول صلى الله عليه وسلم وهو راجع من رحلة المعراج لقيه أبو جهل فقال له: قل لنا ما يثبت صدق كلامك، وأنك كنت في بيت المقدس وصعدت إلى السماء ورجعت في جزء من الليل، ونحن نذهب إليها في شهر ونعود في شهر، فقال له: ماذا تريد أن تعرف؟ قال له: صف لنا المسجد الأقصى، وهو دخل المسجد الأقصى وجلس فيه جزءاً من الليل، مقدار صلاة ركعتين، يعني: مقدار ربع ساعة، والوقت ليل، والمسجد الأقصى مسجد كبير ليس صغيراً، فكيف يصفه وهو قد دخله في جزء من الليل وما مكث فيه إلا قليلاً ثم خرج، فإذا بجبريل عليه السلام ينقل المسجد الأقصى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ينقل ما يشابهه بقدرة الله.
ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب
فجبريل نقل المسجد الأقصى على يده فكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر ويصفه، فيه كذا باب وكذا شباك وكذا سارية وفيه كذا وفيه كذا، وسيدنا أبو بكر لأنه كان كثير السفر كان يقول: صدقت يا محمد! صدقت يا حبيب الله! صدقت يا رسول الله! صدقت يا صادق يا أمين! صدقت يا من لا تنطق عن الهوى! فسمي من يومها الصديق، لأن الكل كان يكذبه، وهو الوحيد الذي كان يقول له: صدقت.
فقالوا له: زدنا أمارة أيضاً مع أنه قد وصف المسجد تفصيلاً فقال: إن هناك قافلة قادمة، وفي القافلة بعير عليه غرارة سوداء - قطعة قماش سوداء - فرأى البعير البراق فجفل، - يعني: خاف - فتحرك سريعاً فكسرت ساقه، وسوف تصل القافلة قبل غروب شمس غد بإذن الله، وقد كان العربي يعرف المسافات والأزمنة ويحسبها فأوشكت الشمس على المغيب ولم يظهر في الأفق أثر للقافلة، ففرح أبو جهل وأبو سفيان وأبو لهب وشمتوا وقالوا: لقد كذبت علينا، فقال: يا رب! أخر لي قرص الشمس عن السقوط حتى تصل القافلة، فصاح صائح من قريش: إن قرص الشمس قد سقط خلف الجبل، فصاح آخر: وإن القافلة قد ظهرت، هذه هي الأمانة، فكان الخصوم لا يقدرون أن يكذبوه، والصدق هو أول شروط النبوة!
وليس هذا فقط، بل كان يقول: لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة أعين، يعني: لا يأتي من خلف أحدهم ويتكلم عليه، وكان لا يحب أحداً من أصحابه يكلمه عن أحد من أصحابه، ويقول: أريد أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر.
وعمر بن عبد العزيز قال في أول يوم تولى الإمارة: الذي يدخل عندنا أشترط عليه ثلاثة شروط: ألا يغتاب عندنا أحداً، وألا يمتدحنا، فنحن أعلم بأنفسنا، وأن ينقل إلينا حاجة من لا يستطيع نقلها.
يعني: إذا كان هناك أحد مظلوم في أقصى البلاد لا يستطيع أن يوصل شكواه فأوصلها أنت مشكوراً، فما دخل عليه إلا أهل العلم.
ونحن إن لم نستفد من السيرة فسنضيع وقتنا هباءً منثوراً.
و أبو حازم لما مشى خلفه أمير المؤمنين قال له: يا أمير المؤمنين! أنت تمشي خلفي من مكة إلى المدينة إلى حدود العراق فطلب شيئاً، قال له: يا أمير المؤمنين! من حاجات الدنيا أم من حاجات الآخرة؟ قال له: من حاجات الدنيا، فتبسم أبو حازم وقال: إذا كنت لم أطلب الدنيا ممن يملكها، فكيف أطلبها ممن لا يملكها؟!
وهناك ناس يقولون: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة:200-201] فهذا هو الذي فاز بالاثنين، فبدلاً من أن تطلب الدنيا اطلب الدنيا والآخرة، وبدلاً من أن تدعو وتقول: نجح الأولاد، واجعل زوجتي مهتدية، ولسانها طيباً وجاري جيداً، والمدير قلبه رحيماً، وكل هذا في الدنيا، أفلا يوجد شيء للآخرة، أو لا تريد شيئاً أبداً للجنة؟ أو لا تريد البعد عن النار؟
فـالحسن البصري قال: شربت ماء زمزم بنية أن يرويني يوم العطش الأكبر. فالنية نية كبيرة ضخمة واسعة.
وسيدنا عمر جلس مع الصحابة وقال: ليتمنى كل واحد منكم أمنية، والصحابة كانوا صرحاء، ونحن لا نعرف هذه الصراحة، ولو كنا صرحاء لقال الذي لا يعمل: أتمنى أن يعمل، والذي ليس عنده شقة أن يجد شقة، والذي لم يتزوج أن يتزوج، والذي ليس عنده ولد أن يرزقه ولداً، وأما الصحابة فأول واحد قال: أتمنى جبلاً كجبل أحد ذهباً؛ لأنفقه في سبيل الله تعالى، والذي بعده قال: أريد وادياً كوادي عوف - وهو واد كبير وواسع جداً - مليء بالخيل أغزو بها في سبيل الله تعالى، وعلى هذه الوتيرة بقيت الأماني تقال، فلما جاء الدور على أمير المؤمنين، قالوا: وأنت يا أمير المؤمنين! ما هي أمنيتك؟ فتبسم وقال: أتمنى مسجداً مثل هذا المسجد مليئاً برجال من أمثال أبي بكر الصديق .
وبالله عليك هل سمعت عن أمنية مثل هذه، ولو طلبت من كل مصري من الإسكندرية إلى أسوان أن يقول لك أمنيته لوجدتها أمنية خائبة، والمصيبة أنك تحدد على الله، والتحديد حرام، كأن تقول: نجح ابني فقط ولن أطلب شيئاً آخر، فإذا نجح ابنك ثم جاءت لك مصيبة بعد ذلك؟ فلماذا لا تدعو بأن ينجح لك ابنك ويكرمه ويوفقه ويبعده عن الشر؟ وهل خزائن الله تنفذ؟ فلماذا لا تطلب من الكريم وهو القائل: (إن من عبادي من لو جاء إلى باب أحدكم طلب منه سوطاً لمنعه، ولو طلب مني الجنة لأعطيتها له).
يعني: كأن يقول لشخص: أعطني شلناً أو عشرة فيقول له: لا يوجد، ولو قال لربه: أعطني الجنة لأعطاها له.
ومثل أبي نواس لما جاء فقير، فقال له: أعطني، قال: يا أم عبد الله ! - زوجته - قالت: نعم، قال: أعطي السائل درهماً، قالت له: ليس عندنا دراهم، قال لها: أعطيه رغيفاً، قالت: ما عندنا أرغفة، فسكت أبو نواس إذ لا يوجد لا قرش ولا رغيف، فقال: السائل: كوب ماء، قال لها: أعطيه كوب ماء، قالت: ما عندنا ماء، فـأبو نواس نظر إلى الرجل وقال له: انصرف يا فاجر! يا خاسر! يا منافق! فقال له: تمنعني وتشتمني! قال: أردت أن تنصرف مأجوراً أي: ما دام أنك لم تأخذ شيئاً من عندنا، أفلا تأخذ كلمتين في جنبيك تصبر عليهما توضع لك في ميزان الحسنات.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرقق قلوبنا، وأن يشرح صدورنا، وأن يغفر زلتنا، وأن يغسل حوبتنا، إن ربنا على ما يشاء قدير.
فربنا يقول: هؤلاء لا يكذبونك يا محمد! وهم جاءوا له وقالوا: نحن سنؤمن بك لو شققت لنا القمر نصفين، فقال: يا رب! شق لقريش القمر نصفين، فأقسم الصحابة أنهم نصف القمر على جبل أبي قبيس والنصف الآخر على الجبل المواجه له، فقالوا: سحرنا محمد.
ومن الكارثة أنك تجد كثيراً من الناس للأسف الشديد إذا أقسمت له بالله لا يصدق، وإذا خلفت له بالصلاة صدق.
فإذاً: المشركون أو الكفار كانوا لا يكذبون رسول الله، وإنما كانوا يجحدون وينكرون آيات الله، فقالوا: نحن سنؤمن لك لو صيرت لنا الجبل الذي أمامك هذا ذهباً، فقال: وإن لم تؤمنوا فقد أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، يعني: لو لم تؤمنوا فإن الصاعقة ستنزل عليكم، وأبو سفيان كان رجلاً كبير العقل، فقال: أسألك الله والرحم يا محمد! لأنه يعرف أنه صادق.
و أبو لهب لما بصق عتبة ابنه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متزوجاً ابنته أم كلثوم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك) فـأبو لهب قال لأصحاب ابنه: انتبهوا لـعتبة ، فإن دعوة محمد مستجابة.
و أبو جهل كان يشعر بالهيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا أبا جهل ! أتستطيع أن تضرب محمداً؟ قال: أقدر، فقام أبو جهل وبحث عنه فلم يجده، فعرف أنه في البيت، فطرق الباب، وقريش كلها خلف أبي جهل من أجل أن ترى ماذا سيفعل؟ فعندما فتح الرسول الباب هرب أبو جهل إلى الخلف، فقالوا: يا أبا الحكم ! إنك وعدت أن تضربه، فقال: لما فتح الباب رأيت فحلاً خلفه مثل الجمل الكبير جداً يريد أن يأخذني، فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم قال: ذلك جبريل لو مد يده لأخذه.
قال تعالى: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:48] وأنت عندما تقول لجارك إذا كنت مسافراً: انتبه للأولاد وقال لك: في عيني، فإنك تسافر وأنت مطمئن، فما بالك بالله يقول لحبيبه صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:48] ويقول: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67] ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم: سيروا أمامي فيقولون: نسير خلفك يا رسول الله؟! فيقول: خلوا ظهري لملائكة ربي، وكان إذا سار كأنه ينصب من منحدر؛ لأن الأرض كانت تطوى له طياً.
وفي مطار أمستردام (72) صالة، ومن أجل أن تتنقل بين الصالات جعلوا الطرق تمشي، فتقف على سير وينزل بنفسه؛ من أجل أن يمتعوا الناس، فإذا كان هذا يعمله الرجل الهولندي من أجل أن يريح البشر فما بالك بما يفعله الله لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان تطوى له الأرض طياً صلى الله عليه وسلم.
وسيدنا أنس رضي الله عنه حفر بئراً في بيته فخرج البئر مالحاً فردمه وحفر آخر فخرج البئر مالحاً، فذهب إلى سيدنا الحبيب وقال له: يا رسول الله! كلما حفرت بئراً وجدته مالحاً، فقال له: تعال معي، فذهبوا فأخرج دلواً فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قليلاً منه في فمه وتمضمض ثم بصقه في البئر، فكان الصحابة يتحيلون على أنس من شدة عذوبة ماء بئر أنس .
وسيدنا جابر كان له جمل كليل في السير، وكانت الجمال كلها تمشي وهو آخرها، فقال: يا رسول الله! هذا بعيري قد أتعبني، فنخسه صلى الله عليه وسلم بعصا كانت في يده، فعاد يسابق الجمال في سيره.
ولما سافروا في سفر وشح عليهم الماء قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوني بماء لأتوضأ، فتبسم الصحابة وقالوا: يا رسول الله! لا يوجد هناك ماء لا لوضوء ولا لشرب إلا قدح، فقال: ائتوني به، وفرج بين أصابعه، وصب عمر بن الخطاب ونبع الماء من بين أصابعه فشرب العدد كله، فسئل أسامة : كم كنتم يا أسامة ؟! فقال: كنا سبعمائة رجل، فقد كان مؤيداً من ربه.
ولو أراد لكان أغنى الناس، فقد كان له في كل غنيمة من الغنائم الخمس، وخمس الغنائم في غزوة بني قريظة كان عبارة عن ثمانية آلاف بعير، واثني عشر ألف رأس شاة، وسبعة آلاف وخمسمائة مثقال من الفضة والذهب، غير الدروع والسيوف، ومع هذا فقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي، فقد كان ينفقها لله، وكان عنده قانون: أنفق ينفق عليك، أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالاً، والله سبحانه وتعالى يقول: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245] وربنا عنده خزائن كثيرة كثيرة كثيرة، وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47] فاللهم وسع علينا في أرزاقنا يا أكرم الأكرمين!
ولما قابله أعرابي وقال له: يا محمد! من يشهد لك بالرسالة؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم نظر ولم ير أحدً معه، فقال له: هذه الشجرة، فالأعرابي ضحك، فقال لها: تعالي يا شجرة! فتحركت من مكانها ولها حفيف، فقال لها: من أنا؟ قالت بلسان عربي مبين: أنت محمد رسول الله، قال لها: عودي إلى مكانك.
و محمد حسين هيكل وطه حسين أنكروا معجزات رسول الله بالمرة، والرسول صلى الله عليه وسلم بغير معجزات كيف يكون؟ فقد أيده الله بمعجزات كما أيد موسى بالعصا، وكما أيد عيسى بإحياء الموتى وبإبراء الأكمه والأبرص، وأنه يعمل من الطين طيراً فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله إلى آخر المعجزات، وأيد سيدنا سليمان بالريح غدوها شهر ورواحها شهر، والشياطين كل بناء وغواص، والصافنات الجياد، وكل هذه المسائل أيد الرسل بها، فالمعجزات هذه مسألة حقيقية وردت بها الكتب الصحيحة وجاءت في كتاب الله عز وجل.
فنحن نظلم الإسلام ونظلم أنفسنا عندما نعرض الإسلام من أخلاقنا عرضاً مشوهاً، فالناس تنظر إلى الإسلام وتقول: أمعقول أن هؤلاء مسلمون، فالتصق الإسلام اليوم بالتخلف وباعتداء المسلم على أخيه المسلم، والكارثة أن الكل يتحدث باسم الإسلام.
و صدام لما اجتاح الكويت قال: أنا سأعيد توزيع الثروات، أفنصبت نفسك بديلاً عن الله عز وجل، كما قال تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الزخرف:32] فهناك الغني وهناك الفقير، والدنيا دول، وقد بقينا إلى سنة تسعة وخمسين ونحن في مصر نرسل كسوة الكعبة، ونعمل لها زفة، ثم حدث ما حدث في مصر؛ نتيجة لظروف كثيرة، فافتقرت وصارت مدينة وصار أهل الحجاز هم أصحاب المال.
وهكذا الدنيا لا تظل على حال، وإنما يصير الغني فقيراً والفقير غنياً، ولكن الغنى غنى القلب.
ومصر كنانة الله في الأرض، والكنانة هي: الجعبة التي يضعون فيها السهام، فعندما تقول: مصر كنانة الله في الأرض، أي: أن الله سوف يحفظ مصر من سهام الأعداء، وما دامت مصر قوية في الإسلام وبالإسلام فالإسلام قوي في أنحاء العالم كلها، وإذا ضعف الإسلام في مصر ضعف في العالم كله؛ لأن المصري بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والشاب المصري لن تجد مثله أبداً، فإنك تجد فيه الشهامة والنخوة والإسراع في النجدة، ولا يجلس المريض مع المريض في سريرين متقاربين إلا وتكلما مع بعضهما بالذات النساء، وأنت تأخذ المعلومات في ثلاث ساعات، والمرأة تبرمجها لك في ثلاث ثوان، وتأتي لك بتاريخ حياة الرجل من سلالة أبيه رمسيس الأول بالتفصيل. والإسلام هكذا، كله ود وحب وحنان، ونحن كمصريين هذه فطرتنا.
أما ما طرأ على المجتمع المصري في هذه الأيام فليست من طبيعتنا، فالحقد والغل والحسد ليست من طبيعة الشعب المصري أبداً، وليست هذه نزعة عرقية، والمسلم واحد في كل مكان، ولكن المصري فيه مميزات ليست موجودة في غيره، وهذا باعتراف هتلر ، فقد قال: أنا أريد العقل الألماني والعسكري الإنجليزي والعاطفة المصرية، وأحتل العالم في أسبوع، والحاكم المصري إذا خرجت منه العاطفة صرنا في مصيبة، ولكنها ترجع بسرعة.
نسأل الله أن يجنب بلادنا وبلاد المسلمين كل شر، إن ربنا على ما يشاء قدير.
وكما شهد الخصوم للنبي صلى الله عليه وسلم في وقته فقد شهدوا له وفي وقتنا الحاضر، فهذا فولتير أعظم مفكر في فرنسا وأوروبا يقول: من قال: إن محمداً ليس بنبي فهو كذاب.
و برناردشو الساخر الأيرلندي الإنجليزي المعروف يقول: لو كان محمد بن عبد الله يعيش بيننا اليوم لحل لنا مشاكل الساعة كلها ريثما عملنا له فنجاناً من القهوة، أي: في خلال عشر دقائق.
يعني: كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم، ولو قامت حرب بيننا وبين إسرائيل مثلاً فهجروا إخواننا الذين في السواحل -نسأل الله العفو والعافية- وجاء المسلم السويسي وقال لك: أنا أريد آخذ غرفتين أو غرفة في شقتك ونقسم الثلاجة نصفين، فقبل أن يكمل طلباته فستقول: إن هذا الرجل قد جن.
والرسول صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، فكان يأتي المدني الأنصاري ويقول لأخيه المهاجري مثل سعد بن الربيع الذي آخى الرسول بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ، قال: يا عبد الرحمن ! أنا لي بيتين، فالبيت الذي يعجبك خذه، وأنا متزوج امرأتين فأطلق لك واحدة فإذا انقضت العدة تزوجتها، وعندي كذا دينار فنقسمها نصفين، وأين تجد هؤلاء الناس؟
وما أخذ بسيف الحياء فهو حرام، وهذا حكم فقهي، وهذه النقطة مهمة، لأن الإيمان لما ضاع منا ضاع الحياء، مثل شخص جلس معك في المكتب، وجد أمامه قلماً جميلاً فقال: هذا القلم جميل لم أر مثله في السوق، فأعطيته وقلت: تفضل يا أخي! فيقول: لولا أنك حلفت، فأخذه في جيبه، فهذا كأنه سرقه، والإسلام يحاسبه على أنه سارق.
ومثل الموظف الذي لا يقضي لك المصلحة إلا برشوة، ويتعلل بأن الأولاد كثير هذه الأيام، والمدارس والمصاريف والحكاية والرواية.
فـعبد الرحمن بن عوف قال له: جزاك الله خيراً يا أخي! دلني على السوق، قال له: ماذا تفعل في السوق؟ وماذا لديك؟ قال: عندي أقط، وقد دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة في الرزق، فوالله لو وضعت يدي تحت حجر لظننت أني أجد تحته ديناراً، ولو أمسكت التراب لصار ذهباً، ببركة دعوة رسول الله.
ويوم موت عبد الرحمن بن عوف كانت نساؤه أربعاً، وهذا أمر حلال، أحله الله، واليوم صور الإعلام أن الزوجة الثانية بالنسبة للرجل تعني الحرب العالمية، والحاقة والصاخة والهول الأكبر.
فلما مات عبد الرحمن بن عوف كانت زوجته الرابعة حاملاً وأخذت اثنين مليون دينار، وهم ما كانوا يعرفوا المليون، وإنما كانوا يقولون: ألف ألف، والأربع يشتركن في الثمن، فهي أخذت اثنين مليون دينار، يعني: واحد من اثنين وثلاثين من التركة، فقد كانت تركة عبد الرحمن بن عوف يوم موته أربعة وستين مليون دينار، وهذا قبل ألف وأربعمائة سنة، فكانت أكثر من ميزان المدفوعات لأمريكا.
وهذا كله ببركة التجارة الحلال، وعدم الضحك على الناس، وعدم استخدام الدين للوصول إلى مآرب؛ لأن الدين غاية وليس وسيلة.
فالخصوم الحاليين قد شهدوا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكلنا قرأنا كتاب العظماء مائة، وأولهم محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه شهادة الخصوم تشهد له بالصدق والأمانة.
وكان أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء الناس، فمن أتباعه أبو بكر ، وكان من سلالة بني تيم، وعمر وكان من سلالة بني عدي، وعثمان وكان من سلالة بني أمية، وعبد الرحمن بن عوف وكان من سلالة العائلات، وخالد بن الوليد وكان من سلالة بني مخزوم، وسعد بن أبي وقاص.
وكلهم من علية القوم، ومن أعظم أصول وبطون قريش.
وقد كانوا يقولون: إن الفقير دخل الإسلام من أجل أن يحتمي فيه، وهو لم يجد الحماية في الإسلام! فقد كان يمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وهم يعذبون فيقولون له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فكان يغضب ويقول: (والذي بعثني بالحق نبياً لقد كان الرجل من قبلكم ينشر ما بين مفرق شعره إلى أخمص قدميه لا يثنيه عن قوله لا إله إلا الله، اصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده).
وكان يقول (ليبلغن هذا الدين ما زوي لي من الأرض، حتى تخرج الظعينة من أرض العراق)، تحج بيت الله الحرام لا تخاف على نفسها إلا الذئب على الغنم)، فهي ستمشي وسط بلاد مسلمة، فالمسلم لا يروع المسلم، وسبحان الله! تمشي الظعينة من أرض العراق لا تخاف.
نسأل الله ألا نكون على وجه الأرض عندما تقوم الساعة.
وذكر صلى الله عليه وسلم من علامات الصغرى أن: (يصير العام كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة) ، وهذا قد حصل.
وأخبر أنه: (يصدق الكذوب ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين).
وأن يربي الإنسان جرو كلب خير له من أن يربي له ولداً، فتجد الآن بعضهم يقول: لو ربيت كلباً كان ظهر ذلك فيه!
وقال: (وأن تصير الأمانة مغنماً) ، فإذا وضعت أمانة عند شخص أكلها على أنها غنيمة: (والزكاة مغرماً، والمال دولاً) ، أي: يتداوله الأغنياء: (وأن يبر الرجل صديقه ويعق أباه، ويطيع زوجته ويعصي أمه، وتنتشر القينات والمعازف) ، والقينات جمع قينة وهي الراقصة: (ويشرب الخمر وترتكب الفاحشة على قارعة الطريق) أو مقدمات الفاحشة. وهذا كما تجد اليوم ولداً تافهاً يخرج من الإعدادي أو الثانوي واضعاً يده على كتف بنت.
يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (أمثلهم)، أي: الغيور جداً: (أمثلهم من يقول: لو نحيتها عن الطريق قليلاً) وأن: (ينحسر الفرات عن جبل من ذهب، أو كنز من ذهب، يتقاتل الناس عليه، فيموت من كل مائة تسعة وتسعون، لا يدري القاتل لم قتل ولا المقتول لم قتل) .
وأن: (تعود أرض العرب مروجاً خضراء) ، أي: الجزيرة العربية الصحراء القاحلة تعود مروجاً خضراء، وهذا دليل على أنها كانت قبل كذا مزروعة، وثبت في تاريخ الجيولوجيا أن الجزيرة والحجاز كانت كلها أرض زراعية.
وأن: (تلد الأمة ربتها، وأن تجد الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان) ، ولا نملك إلا أن نصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنه جالس بيننا يقص واقعنا الذي نحن فيه.
اللهم تب علينا، اللهم تب علينا، اللهم تب علينا، اللهم تب علينا يا رب العالمين!
وأول علامة هي: أن تطلع الشمس من المغرب، ثم ظهور الدابة، وأيهما ظهر أولاً فالأخرى على أثرها، والدابة ذكرها الله في كتابه في قوله: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82].
والدابة هذه اسمها الجساسة، فتجوس في الأرض، وتدخل على الناس في الحرم من باب السلام معها عصا موسى وخاتم سليمان، فتخطم - تلمس - بعصا موسى وجه المؤمن فيبيض وجهه، وتلمس وجه الفاجر والفاسق والمنافق بخاتم سليمان فيسود وجهه، يعني: تعلوه كآبة، فينسى الناس الأسماء ويتعاملون بيا مؤمن ويا كافر، ثم يظهر الدخان، قال تعالى: فَارْتَقِبْ [الدخان:10] ، أي: وارتقب يا محمد! أنت وأتباعك: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ [الدخان:10-11]، أي: يصبح الناس يجدون الدنيا مثل ضباب الشتاء، وهذا الضباب أو الدخان على رأس المؤمن كالزكام البسيط، وعلى رأس الكافر والمنافق والفاجر كنيران تغلي، اللهم سلم يا رب العباد!
ثم يظهر المسيح الدجال ، ومصيبته كبيرة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه في كل صلاة، حتى أن عمر كان يقول: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدثنا على المنبر عن المسيح الدجال ، فكنت أنظر خلفي مخافة أن يأتي ليجلس بجواري.
وأما صفة المسيح الدجال ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أعور كأن عينه طافية كالعنبة، يرى المؤمن مكتوباً على جبهته كافر، عندما تمتنع السماء عن المطر والأرض عن الإنبات، يقول: يا سماء أمطري فتمطر، يا أرض أنبتي فتنبت، يا ضرع امتلئ لبناً فيمتلئ، اقلص فيقلص، ويقول: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فلا يضره بإذن الله).
والمسلم عندئذ لا يملك طعاماً ولا شراباً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طعام المؤمنين يومها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، يلهمهم الله به كما يلهمون النفس، وأكثر أتباعه اليهود والمنافقون والنساء، حتى يعود الرجل إلى بيته فيحبس أمه وزوجته وأخته وابنته؛ مخافة أن يخرجن من خلفه فيتبعن
ولا يسلط عليه أحد إلا المسيح عليه السلام، فعندما يراه يذوب كما يذوب الملح في الماء، فيقتله المسيح ثم يدخل المسيح على المسلمين في المساجد فيقدمه الإمام فيقول المسيح: لا، إنما جئت تابعاً لأخي محمد، ليصل بكم إمامكم، فيصلي خلف الإمام عليه السلام.
ثم بعد ذلك يأمر الله عيسى بأن يحرز عباده إلى جانب الطور، ثم بعد ذلك يأتي يأجوج ومأجوج، وهي العلامة السادسة من القرآن.
ولا يوجد أهم من أن نعرف علامات الساعة، فهو موضوع خطير جداً، فيظهر يأجوج ومأجوج كما قال الله: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [الأنبياء:96-97] فيدعو عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين عليهم، فتأتي طيور لها أعناق كأعناق البخت فتأخذ يأجوج ومأجوج فيلقونهم في البحر، ثم تمطر السماء، ويقول الله للأرض: ردى بركتك، ثم يقبض الله أرواح المؤمنين، فلا يبقى على الدنيا إلا لكع ابن لكع، وعليهم تقوم الساعة.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، وتوفنا على الإسلام، واجعل خير أعمالنا خواتيمها يا أكرم الأكرمين! وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
تبنا إلى الله، تبنا إلى الله، تبنا إلى الله.
ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، وعزمنا عزماً أكيداً على أننا لا نخالف أمراً من أوامر الله، وبرئنا من كل دين يخالف دين الإسلام، والله على ما نقول وكيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر