إسلام ويب

فضائل الحجللشيخ : سيد حسين العفاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اختص الله عز وجل عشر ذي الحجة بفضائل على غيرها، مما جعلها أفضل الأيام، والعمل فيها أفضل من سائر الأعمال، وفي هذه الأيام تقام شعيرة الإسلام وركنه العظيم، وهو الحج إلى بيت الله الحرام. وقد رغب ديننا في الحج، وبين فضله ومناسكه؛ ليشمر أصحاب الهمم إلى رضوان الله.

    فضل عشر ذي الحجة على غيرها من الأيام

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل كفى خير من ما كثر وألهى، وإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134]. ثم أما بعد:

    اعلم يا أخي! أن الله اختار من الزمان شهوراً طيبة هي أفضل الزمان، وهي الأشهر الحرم، واختار من الأشهر الحرم أفضلها، وهو ذو الحجة، واختار من ذي الحجة أفضله، وهو العشر الأوائل منه، وأقسم الله تبارك وتعالى بهن، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، قال تعالى: وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2]. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة : الليالي العشر هي عشر ذي الحجة.

    وهي الأيام المعلومات التي قال الله تبارك وتعالى فيهن: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28]. قال ابن عباس : هي عشر ذي الحجة.

    وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأيام لها فضل في ذاتها، بخلاف فضل العمل فيها، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل أيام الدنيا أيام العشر) .

    قال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيامكم هذه، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير) .

    وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام - يعني: أيام العشر - قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله؟! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) .

    فالعمل المفضول في هذه الأيام أفضل من العمل الفاضل في غير هذه الأيام، والعمل المفضول وهو الذكر أفضل من الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام.

    فالذكر في هذه الأيام من تسبيح وتحميد وتهليل أفضل من الجهاد في سبيل الله، إلا من لون واحد من الجهاد، وهو رجل يخرج بنفسه وماله ثم لا يرجع من ذلك بشيء. ولذلك كان راوي الحديث سعيد بن جبير يقوم هذه الأيام ويجتهد فيها اجتهاداً لا مزيد عليه، وكان يقول: لا تطفئوا سرجكم هذه الأيام، يعني: أحيوا هذه الأيام، ولا تطفئوا سرجكم فيها، فكانت تعجبه كثرة العبادة.

    الأحاديث الواردة في صيام أيام العشر وطريق الجمع بينها

    أما صوم هذه الأيام فورد فيه حديثان:

    الحديث الأول: حديث حفصة بنت عمر رضي الله عنها في مسند الإمام أحمد قالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع صيام عاشوراء وعشر ذي الحجة وثلاثة أيام من كل شهر). وفي سند هذا الحديث اختلاف.

    والحديث الثاني: حديث عائشة الذي رواه الإمام مسلم : (ما رأيت رسول الله صائماً العشر قط)، وفي رواية: (ما رأيت رسول الله صائماً في العشر قط).

    وجمع العلماء بين الحديثين بجمعين:

    الجمع الأول: أن الحديثين خرجا مخرج الغالب، يعني: عندما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رسول الله صائماً العشر قط) كانت تعني: ما أتم صيامهن.

    وقول السيدة حفصة : (ما كان رسول الله يدع صيام عشر ذي الحجة) تعني: أنه كان يصوم أغلبهن.

    والجمع الثاني: القاعدة: أن المثبت عنده زيادة علم على النافي، والمثبت هو حفصة رضي الله عنها، والنافي هو عائشة رضي الله عنها، فقد يوافق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم في أيام عائشة وما رأته صائماً، ولكن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها رأته صائماً في أيامها عندها.

    فيكون الجمع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكمل صيام هذه الأيام وإنما صام أغلبها.

    وإذا أراد أخ أن يكمل صيام هذه الأيام التسع فلا حرج عليه؛ فقد كان عبد الله بن عمر يصوم العشر، وهذا أيضاً خرج مخرج الغالب؛ لأن اليوم العاشر -وهو يوم العيد- يحرم صومه. يعني: كان يصوم التسع بأكملهن.

    وممن قال بهذا الحسن البصري وجمهور أهل العلم، فمن أكمل صيام هذه الأيام فلا حرج عليه، وله في ذلك سلف، وهو عبد الله بن عمر .

    ومن لم يكملهن فهدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأنفع وأطيب، هذا بالنسبة للصيام.

    حكم التكبير في عشر ذي الحجة

    وأما بالنسبة للتكبير، وهل يشرع الجهر بالتكبير والتسبيح والتحميد؟ فقد اختلف فيه أهل العلم، فأنكره جماعة واستحبه الشافعي وأحمد ، إلا أن الشافعي خص الجهر بالتكبير عند رؤية بهيمة الأنعام، واستحبه الإمام أحمد مطلقاً.

    وروى الإمام الفريابي في كتاب العيدين: أن سعيد بن جبير ومجاهداً وعبد الرحمن بن أبي ليلى كانا يدخلان السوق في أيام العشر فيكبران فيكبر السوق بتكبيرهما، وأن عبد الله بن عمر وأبا هريرة كانا يدخلان السوق فيكبران لا يدخلان إلا لذلك. فبين أهل العلم اختلاف في التكبير.

    آداب عشر ذي الحجة

    عن أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً: (من أراد منكم أن يضحي فإذا ظهر هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من بشره)، وفي رواية: (ولا من أظافره شيئاً)، أي: يمسك عن قص الشعر من أراد أن يضحي، ولا يأخذ من شعره ولا من أظافره شيئاً.

    وهذه أيام طيبة فيها يوم عرفة، وصيامه كفارة للسنة الماضية والمستقبلة، فصيامه يكفر سنتين.

    وفي هذه الأيام يوم النحر، وهو أفضل أيام الدنيا عند الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأيام يوم النحر، ثم يوم القر)، وهي الأضحية، وهو علم وشريعة من شرائع الملة المحمدية الإبراهيمية، فيها ركن من أركان الإسلام العظيمة الحج.

    فضل الحج

    والملائكة تحج أفلا نحج نحن؟ وقد أقسم الله عز وجل بالبيت المعمور، وهو كعبة الملائكة في السماء، كما جاء في حديث الإسراء من حديث مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم رفع بي إلى البيت المعمور فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم)، أي: يدخله للصلاة فيه سبعون ألف ملك يومياً من يوم أن خلق الله السماوات والأرض لا يعودون إليه آخر ما عليهم.

    وفي حديث خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه لما سئل عن البيت المعمور؟ قال: كعبة في السماء السابعة حيال الكعبة -يعني: فوق الكعبة- في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك. قال ابن كثير : يطوفون حوله ويصلون نحوه، وفي كل سماء بيت يطوف حوله أهل هذه السماء من الملائكة، والذي في السماء الدنيا يسمى بيت العزة.

    وأما الذي في السماء السابعة فهو البيت المعمور، ويعظم الملائكة البيت الذي في السماء في طوافهم حوله، أفلا يعظم أهل الأرض هذا البيت؟

    والحسن بن علي ريحانة النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا حج خمساً وعشرين مرة ماشياً على قدميه، وإن النجائب لتقاد من حوله.

    وأبو عثمان النهدي شيخ وقته حج واعتمر ستين مرة.

    والأسود بن يزيد حج ثمانين مرة؛ فهذا من تعظيم العلماء والصالحين للحج وللعمرة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087682878

    عدد مرات الحفظ

    773523011