إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. محاضرات الحج
  6. شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة و الحج و الزيارة
  7. شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة - أحكام رمي الجمرات وطواف الوداع

شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة - أحكام رمي الجمرات وطواف الوداعللشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يرمي الحاج في يوم النحر جمرة العقبة، ثم يطوف طواف الإفاضة ويحلق وينحر، ثم يرمي في أيام التشريق الجمرات الثلاث مرتبة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى بسبع حصيات، يكبر مع كل واحدة منها، ويلزمه المبيت بمنى إلا لعذر، وإن فرط فعليه دم، ويجب أن يبيت بمنى اليوم الأول والثاني، وإن غربت شمس الثاني وهو بمنى لزمه المبيت اليوم الثالث ورمي الجمار، ثم يذهب ويطوف الوداع، وليكن آخر عهده بالبيت.
    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    ذكرنا في الحديث السابق مناسك الحج وبلغنا إلى رمي الجمرات.

    ففي يوم النحر يرمي الحاج جمرة العقبة الكبرى فقط، ويتحلل بها التحلل الأول، ويسمى: التحلل الأصغر، وبعد أن يرمي الجمرة ينحر هديه، ويحلق شعره، ثم يطوف طواف الإفاضة، ثم يرجع إلى منى فيبيت بها، ويرمي الجمرات الثلاث في كل يوم من أيام منى، وهي: اليوم الثاني والثالث إن تعجل، وإن بات اليوم الرابع من أيام العيد ولم يتعجل فيرمي الجمرات كذلك.

    أيام رمي الجمرات

    إذا فرغ الحاج من طواف الإفاضة والسعي رجع إلى منى عقب فراغه، فإذا رجع صلى بها الظهر، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه صلى الظهر في يوم النحر في مكة، وجاء عنه أيضاً أنه صلى في منى، وكأنه صلى بالناس في مكة، فلما رجع إلى منى صلى بأصحابه نافلة له ولهم فريضة. والله أعلم.

    فإذا رجع إلى منى صلى بها الظهر، ثم يقيم في منى لرمي أيام التشريق ومبيت لياليها، ومع الزحام الشديد الموجود الآن قد يصعب الوصول إلى مكة ليطوف ويسعى، ثم يرجع إلى منى ليصلي الظهر، ولكن إذا تيسر له فعل، وإذا لم يتيسر صلى الظهر بمكة، والمهم هو المبيت في منى؛ لأن ليالي منى هي الواجبة، أما الأيام فمن الممكن أن يخرج يومياً ويطوف بالبيت ثم يرجع إلى منى، ففي النهار لا يجب عليه الإقامة بمنى، ولكن يسن له ذلك، والواجب هو المبيت بالليل.

    واليوم الأول من أيام التشريق يسمى يوم القر، وهو مأخوذ من القرار بالمكان؛ لأنهم قارُّون بمنى.

    واليوم الثاني من أيام التشريق هو يوم النفر الأول.

    وأيام العيد أربعة: اليوم الأول: يوم النحر، وقد انتهى الكلام عليه، والحجاج في فجر هذا اليوم يصلون في مزدلفة، وبعد ذلك يقفون عند المشعر الحرام بعد صلاة الفجر حتى اصفرار الشمس قبل طلوعها، ثم يتوجهون إلى منى، وفي منى يرمون جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم ينحرون، ثم يحلقون، ثم يتوجهون إلى البيت ويطوفون طواف الإفاضة، ويسعى من كان عليه سعي، ثم يرجعون بعد ذلك إلى منى، وتكون الأيام الآتية:

    يوم النحر: انتهت مناسكه.

    اليوم الثاني: يوم القر.

    اليوم الثالث من أيام العيد واسمه: يوم النفر الأول.

    اليوم الرابع من أيام العيد واسمه: يوم النفر الثاني.

    وفي يوم القر وهو الثاني من أيام العيد لابد للجميع أن يمكث هناك، ولا يجوز لأحد أن ينفر من منى وينهي المناسك بذلك، وإنما اليوم الثالث هو الذي يجوز لهم أن ينفروا فيه من منى ويتعجلون.

    كيفية رمي الجمرات

    ولو أنهم أكملوا الرمي في الأيام الأربعة سيكون المجموع سبعون حصاة: سبع منها لجمرة العقبة في يوم العيد، وثلاث وستون حصاة للأيام الباقية وهي أيام التشريق، فيرمي كل يوم الجمرات الثلاث: جمرة العقبة الأولى وهي الصغرى، ثم الثانية الوسطى، ثم الثالثة الكبرى، ويرمي كل جمرة بسبع حصيات، ويأخذ كل يوم إحدى وعشرين حصاة، فيأتي الجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد الخيف وهي أولاهن من جهة عرفات؛ لأن مكة في الإمام ومنى في النصف بين الاثنين، إذاً: الجمرة الأولى ستكون أقرب لعرفات أو ناحية عرفات.

    والجمرة التالية يتقدم نحوها باتجاه مكة، وهي الجمرة الوسطى، ثم بعدها الجمرة الكبرى، وهي أقرب الجمرات إلى مكة.

    فيأتي الجمرة الأولى حتى يكون ما عن يساره أقل مما عن يمينه، إذاً: هو متوجه إلى الجمرة، والجمرة أمامه، واتجاهه يكون للقبلة وهو يرمي الجمرة الأولى.

    وموقف النبي صلى الله عليه وسلم كان ما عن يساره أقل مما عن يمينه، فلو فرضنا أن مكان الجمرة محدود بطرفين عن اليمين وعن اليسار فكأنه أقرب لليسار قليلاً، ويرمي الجمرة وهو متوجه للقبلة من أي مكان، المهم أن يرميها سواء من الدور الأرضي، أو من فوق الكوبري، أو من أي مكان رماها فكله جائز، ولكن الأفضل هو موقف النبي صلى الله عليه وسلم لمن استطاع.

    إذاً: الجمرة الأولى يكون أقرب لليسار منه إلى اليمين، ووجهه للقبلة، ثم يرمي الجمرة بسبع حصيات يقول مع كل حصاة: الله أكبر ويرمي.

    ثم يتقدم عنها وينحرف قليلاً ويجعلها خلفه، ويقف في موضع لا يصيبه المتطاير من الحصى الذي يرمى به، فيستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى ويكبر ويهلل ويسبح ويدعو مع حضور القلب وخضوع الجوارح، ويمكث قدر سورة البقرة -هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم- يدعو ما استطاع، لكن مع الزحام الشديد أحياناً تدفع الناس بعضها بعضاً، ولا يستطيع أن يقف، فإذا استطاع أن يقف ويدعو فترة طويلة فهذا حسن.

    وإذا كان وقوفه سيضيق على الناس المرور فلا يقف، والمكان قد يموت فيه أناس ويسقط فيه أناس، فلا يضيق عليهم، وفي هذا المكان كثيراً ما يحصل الزحام ووقوع وموت بعض الناس بسبب أخطاء يفعلها الحجاج.

    ومن أخطائهم: الكسل، فتجد الرجل يرجع للخيمة من أجل أن يأخذ ما سيذهب به إلى مكة، ويأخذ معه البطانية وحقائبه، ويمشي بها في الزحام، ثم مع الزحام لا يقدر أن يشد حقيبته ويعرقل من وراءه، وإذا سقط أحد لا يقدر أن يقف بسبب الزحام الشديد، والذي يقع يداس بالأرجل، ولذلك إذا كنت سترمي الجمرة فلا تأخذ معك أكثر من حصياتك التي سترميها، ولا تضايق أحداً بها، حتى لو سقط حذاؤك فلا تتعب نفسك لتأخذه، فقد لا تستطيع الوقوف.

    ومن أخطاء الحجاج أنه إذا ضاع نعله يدفع يميناً وشمالاً يريد أن ينزل ليأخذه، ثم يعرقل الذي وراءه ويؤذي الحجاج.

    فلابد أن يكون الإنسان رفيقاً بالناس رحيماً، ولا يؤذي من معه بالأمتعة في هذا المكان، إذ المكان ليس مكان حمل أمتعة، وإذا رميت فارجع وخذ حاجاتك التي سوف توصلها إلى مكة إذا كان لك حاجات تذهب بها إلى هناك.

    وبعدما وقف ودعا سيتقدم للجمرة الثانية، وهي الجمرة الوسطى، ويصنع فيها كما صنع في الأولى، ويقف للدعاء كما وقف في الأولى، ويتركها عن يمينه ويتقدم قليلاً منقطعاً عن أن يصيبه الحصى، ثم إذا رماها أيضاً وهو متوجه إلى القبلة سيتركها عن يمينه؛ لأن موقف النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الكبرى كان على اليسار، وسيكون الطريق أسهل ليتقدم حتى يصل إلى الجمرة الثالثة بعد ذلك.

    ثم يأتي الجمرة الثالثة، وهي جمرة العقبة التي رماها يوم النحر، فيرميها من بطن الوادي ولا يقف عندها للذكر، ويجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه.

    إذاً: كل جمرة يرميها مستقبلاً للقبلة، إلا الثالثة فلا يستقبل فيها القبلة، ولو استقبلت القبلة وأنت في الدور الأرضي من أجل أن ترميها سيكون أمامك السور وليس نفس المرمى؛ لأن كل جمرة عبارة عن دائرة، والجمرة الكبرى نصف دائرة مؤخرها سور، فلو وقفت تحت ورميتها وأنت مستقبل القبلة فلن تصل إليها، فلا بد أن تكون إما أمامها وظهرك للقبلة، وإما عن يمينها أو شمالها، فموقف النبي صلى الله عليه وسلم كان على اليسار، وكانت مكة عن يساره صلى الله عليه وسلم، ومنى عن يمينه يستقبلها ويرميها من بطن الوادي صلوات الله وسلامه عليه.

    وبعد رمي الجمرة الثالثة لا يوجد دعاء، لكن في الجمرة الأولى وقف ودعا دعاء طويلاً، وكذلك الجمرة الثانية بعدما رمى وقف ودعا دعاء طويلاً.

    جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يرمي الجمرة الدنيا -أي: القريبة- بسبع حصيات، يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يسهل -أي: ينزل في السهل- فيكون مستقبلاً القبلة، فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبلاً القبلة، فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف، ويقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل).

    هذه الكيفية التي ذكرناها في الرمي: أن الجمرة الأولى يجعلها عن يمينه أكثر مما هي عن يساره ويرمي، ثم يتقدم قليلاً ويقف ويدعو، ثم يتقدم إلى الثانية ويفعل مثلما فعل في الأولى، ثم يتقدم عن الشمال إلى الثالثة ويقف، ويجعل جانبه الأيسر إلى مكة وجانبه الأيمن إلى منى، ويرمي تلقاء وجهه.

    هذا كله من السنة، لكن الفرض الذي فيه هو رمي كل واحدة بسبع حصيات، وأن يرتبها، فيبدأ بالأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة.

    كما أن الدعاء والذكر وغيرهما مما زاد على أصل الرمي هو مستحب، فإذا رمى الأولى ثم انطلق إلى الثانية ولم يدع أو دعا قليلاً فقد ترك الفضيلة ولا شيء عليه.

    عليه أن يرمي في المرمى سواء كان بحذائه أو فوقه أو في الطوابق العليا قريباً منه أو بعيداً، والشرط أن تقع الحصيات في المرمى، وليحذر الحاج من إيذاء أحد في رميه.

    وقت رمي الجمرات

    هذا هو اليوم الأول من أيام التشريق وهو ثاني أيام العيد الذي نسميه يوم القر.

    في اليوم التالي من أيام التشريق -ثالث أيام العيد وهو يوم النفر الأول- سيفعل كما فعل بالأمس، إذاً كان المبيت فرضاً عليه يبيت في منى أغلب الليل، أو النصف الثاني من الليل، فإذا بات في منى حتى أصبح سينتظر حتى وقت صلاة الظهر ليرمي بعد الزوال.

    وفي ثالث أيام التشريق -وهو رابع أيام العيد- يفعل كذلك، ولا يكون الرمي إلا بعد الزوال، أي: وقت صلاة الظهر، فإذا زالت الشمس يرمي الجمرات، ووقتها يمتد إلى الفجر الثاني من تلك الليلة، والوقت المستحب ينتهي قبل غروب الشمس، ويجوز الرمي إلى بعد الغروب حتى الفجر، فقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (رميت بعدما أمسيت، قال: لا حرج)، إذاً: الأمر مفتوح أمامه، وبحسب الزحام الشديد يختار الوقت الذي ليس فيه زحام ليرمي فيه الجمرات، فوقتها إلى الفجر الثاني من تلك الليلة، إلا آخر أيام التشريق وهو آخر أيام العيد، فإن الرمي سيكون فيه حتى غروب الشمس فقط، وبعد غروب الشمس لا يوجد رمي.

    يشترط في الرمي الترتيب بين الجمرات: فيبتدئ من الجمرة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، ولو بدأ بالثانية فلا تحسب ويرجع ليرمي الأولى، ويشترط وقته على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

    وإن ترك الوقوف عندها والدعاء ترك السنة ولا شيء عليه.

    اشتراط العدد في الرمي

    إذاً: كل يوم سيرمي الجمرات الثلاث بإحدى وعشرين حصاة، كل جمرة بسبع حصيات إلا أن ينسى، وإذا نسي حصاة أو جهل الحكم فرمى بأقل من سبع حصيات، فالراجح أنه لا شيء عليه، وإن تصدق بشيء فحسن؛ لما روى النسائي عن مجاهد قال: قال سعد رضي الله عنه: (رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعضنا يقول: رميت بسبع حصيات، وبعضنا يقول: رميت بست، فلم يعب بعضهم على بعض)، فمن جهل الحكم فلا شيء عليه ولكن لا يتعمد ذلك، وإذا نسي أرمى بست أو بسبع؟ فإذا كان مازال واقفاً فيرمي السابعة، وإذا انصرف وانتهى الوقت لو تصدق بشيء فحسن، وإذا لم يفعل فلا شيء عليه.

    والخمس حصيات واجبة؛ لأن الصحابة قالوا: ست أو سبع وما عاب أحد على أحد، إذاً: أقل من ذلك يعاب على فاعله فإذا استدرك ورماها فقد فعل ما عليه، وإذا لم يستدرك ذلك فبحسب عدد الحصيات التي تركها جزء من الدم، كما سنفصل في ذلك.

    إذاً: إذا أخل بحصاة واجبة من الأولى لم يصح رمي الثانية حتى يكمل الأولى؛ فإن لم يدر من أي الجمار تركها بنى على اليقين، أي: لو أنه انتهى من الرمي وقال: الجمرة الثانية رميتها بست حصيات فقط، فلا شيء عليه؛ لأن الصحابة فعلوا ذلك ولم ينكر بعضهم على بعض، ولكن لو أنه رمى بأربع حصيات فقط فقد أخل بالواجب الذي عليه، ويرجع إلى الجمرة الثانية ويكمل الباقي، وبعد ذلك يبدأ من الجمرة الثالثة من جديد ويرميها بسبع حصيات، هذا معنى أنه يبني على اليقين.

    ولو فرضنا أنه رمى أربع حصيات لكن نسي في أي منها، في الأولى أو الثانية أو الثالثة؟ فنقول له: ابن على اليقين، ويعتبرها في الأولى، ويرجع ويرميها ثلاثاً ويكمل السبع، ويعيد رمي الجمرة الثانية والثالثة.

    الموالاة والترتيب في رمي الجمرات

    ينبغي أن يوالي بين الحصيات في الجمرة الواحدة، ولا يجب، فلو رجع بعد فترة وكمل الأولى فلا شيء عليه، لكن الترتيب: الجمرة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال: (خذوا عني مناسككم).

    وإذا أخر الرمي كله أو بعضه إلى آخر أيام التشريق فقد ترك السنة ولا شيء عليه، إلا أنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث، فلو أنه بسبب عذر من الأعذار مثل شدة الزحام لم يتمكن من الرمي في اليوم الأول ولا الثاني، فعليه رمي كل الجمرات الماضية، ويبدأ برمي الجمرة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، ثم يرجع ويرمي عن اليوم الثاني وهكذا، لكن الآن صعب جداً أن يفعل هذا، فيرخص في أنه يرمي الجمرة الأولى عن أول يوم، ثم عن اليوم الذي يليه، ثم عن اليوم الذي يليه، ثم عن اليوم الذي هو فيه، والثانية كذلك، والثالثة كذلك، فينوي أن هذه السبع الحصيات عن اليوم الأول، وهذه السبع الحصيات عن اليوم الثاني، وهذه السبع الحصيات عن اليوم الثالث، ثم ينطلق إلى التي تليها.. وهكذا، هذا إذا كان له عذر، وإذا كان ليس له عذر فلا شيء عليه وهو مسيء في ذلك، وبعض أهل العلم يلزم في هذه الأحوال بالدم، ولكن الراجح أن وجوب الدم في ذلك فيه نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يرموا يومين في يوم، فهذا مقصر، ولكن إلزامه بالدم يحتاج إلى دليل.

    حكم رمي الجمرات ليلاً

    يجوز الرمي بالليل؛ لما في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: رميت بعدما أمسيت، فقال: لا حرج)، فهذا الحديث فيه ترخيص في الرمي حتى الليل، وإن كان بعض أهل العلم اعترض على ذلك، ومنهم الإمام أبو محمد ابن قدامة رحمه الله فقد قال: ليس في الحديث دليل، والمساء الأصل فيه أنه بعد الزوال، فعلى ذلك يكون المقصود أنه رمى بعد وقت الزوال، لكن هذا فيه تضييق المعنى اللغوي للمساء من بعد الزوال حتى منتصف الليل، وكلام ابن قدامة له وجهة من النظر، حيث إنه يذكر أن الرجل قال: في يوم النحر.

    وفي رواية قال: سأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: واليوم يكون في النهار وليس في الليل، فعلى ذلك هو رمى في عصر هذا اليوم قبل غروب الشمس؛ لأنه ذكر يوم النحر، لكن لعل راوي الحديث ذكر أن هذا في يوم النحر، وقد يطلق اليوم كله من أوله إلى آخره حتى بعد الغروب، يقول: هذا اليوم الذي نحن فيه يوم النحر، والرجل قال: رميت بعدما أمسيت، وعلى المعنى اللغوي أنه في العشاء أو المغرب، كما يقول: صليت العشاء في يوم النحر في المكان الفلاني، والعشاء هي من الليلة التالية وليست من هذا اليوم، ولكن كأنه قاله تجوزاً، وهذا فيه رخصة مع وجود الزحام الشديد، فللحاج أن يأخذ بالمعنى اللغوي في قوله: (بعدما أمسيت).

    إذاً: إلى منتصف الليل، أو إلى الليل، ولا يشترط نصف الليل أو أكثر من ذلك، فيرمي في النهار ويرمي بالليل، لكن لا يرمي هذه الجمرات في اليوم الثاني والثالث والرابع من أيام العيد قبل الزوال، ولو رمى في كل جمرة أربع عشرة حصاة سبعاً عن يومه وسبعاً عن أمسه جاز، أي: أنه يرمي الجمرة الأولى عن اليوم بالنية، وعن الأمس بالنية أيضاً، وبعد ذلك انتقل إلى الجمرة التي تليها، وكأنه في كل جمرة يرمي أربع عشرة حصاة، هذا الراجح الجواز فيه.

    ويشترط تفريق الحصيات ولا ينفع أخذ سبع حصيات ورميها مرة واحدة مهما تكن الظروف، ومهما يكن العذر فيها، فإنه أحياناً مع الزحام الشديد تريد أن تخرج الحصاة من يدك الشمال لتأخذها باليمين ومع شدة الزحام يصعب ذلك، فتضع يدك هذه على هذه وتأخذ منها الجمرة وترميها فيكون هذا صعباً جداً، فلابد من رمي كل حصاة وحدها.

    الحكم في رمي جمرة العقبة إذا أخرها كالحكم في رمي أيام التشريق في أنها إذا لم ترم يوم النحر رميت من الغد، ويلزمه الترتيب بنيته، فهذه عن جمرة البارحة فيذهب ويرمي سبع حصيات ثم هذه عن اليوم يرميها بسبع حصيات.

    حكم من ترك رمي الجمرات

    من ترك الرمي في الأيام كلها فعليه دم، ومن ترك رمي أحد الأيام الثلاثة فعليه ثلث دم، ومن ترك بعض الحصيات فعليه أن يتصدق بطعام.

    إذاً: الرمي كله الواجب عليه يوم العيد، واليوم الذي يليه يكون يوم القر، واليوم الثالث يوم النفر الأول، ومجموع الرمي كله الراجح أنه واجب، فإذا ترك الرمي كله كان عليه دم، فإذا ترك جزءاً منه يوماً منه أو بعضاً منه كان عليه بقدر هذا الذي ترك.

    إذاً: يقسم الرمي الواجب عليه، والواجب عليه هو رمي ثلاثة أيام، فإذا ترك الثلاثة كان عليه دم، فإذا ترك بعضها ولم يرجع لرميه كان عليه جزء دم، فيوم العيد ثلث دم، واليوم الذي يليه ثلث دم، واليوم الذي يليه ثلث دم.

    فمن ترك الرمي في الأيام كلها فعليه دم، ومن ترك رمي أحد الأيام الثلاثة فعليه ثلث دم، ومن ترك بعض الحصيات فعليه أن يتصدق بطعام، وإذا انتهى ولم يرجع إلى رمي هذه الجمرات كان عليه بعض الشيء، والواجب الذي عليه إذا لم يمكث إلى ثالث أيام التشريق آخر أيام العيد ونفر مع المتعجلين، كان عليه رمي ثلاثة: يوم العيد واليوم الذي يليه والذي يليه، والثلاثة فيها دم، فإذا ترك بعضها يوماً كاملاً، أي: ترك إحدى وعشرين حصاة لم يرمها فعليه ثلث دم، وإذا رمى يوم العيد وثاني أيام التشريق وثالث يوم نفر من غير أن يرمي، أو رمى قبل الزوال وانطلق كان عليه ثلث دم أو أن يرجع ويرميها، ولو ترك الجمرة الثالثة يتصدق بشيء، وهنا لن نقول: ثلث الدم.

    ومتى خرج قبل رميه فات وقته واستقر عليه الفداء: الواجب في ترك الرمي إذا خرج من دون أن يرمي أي شيء من الجمرات كان عليه دم كامل في ذلك.

    والواجب أن يرمي بعد الزوال عند وقت صلاة الظهر ولا يجوز قبله، إلا إذا كان قضاء عن اليوم السابق؛ لأن اليوم السابق له أن يرميه حتى قبل طلوع الفجر، لكن لو لم يتمكن فرمى بعد طلوع الفجر فيكون هذا قضاء عن اليوم السابق، لكن لا يرمي لليوم الذي هو فيه إلا بعد الزوال.

    وقت رمي الجمرات أيام التشريق

    اختلف العلماء في وقت رمي الجمرات في أيام التشريق: هل هو من بعد الزوال أم لا؟

    اختيار الإمام أبي حنيفة على تفصيل في مذهبه أنه قبل الزوال، وجمهور أهل العلم ومنهم صاحبا أبي حنيفة محمد بن الحسن وأبو يوسف على أنه لا يجوز الرمي في كل أيام التشريق إلا بعد الزوال، وعن أبي حنيفة قولان:

    قول: أنه يجوز أن يرمي في أيام التشريق كلها قبل الزوال.

    وقول آخر: أنه في آخر أيام التشريق يوم النفر الثاني إذا مكث في البيت يجوز أن يرمي قبل الزوال، وهذا وافقه عليه إسحاق بن راهويه .

    إذاً: أبو حنيفة خالفه صاحباه في أنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال، وأبو حنيفة اختلف عنه القول: هل آخر يوم فقط من أيام التشريق يرخص له أن يرمي قبل الزوال وينفر؟ هذا قول وافقه عليه إسحاق ، والقول الثاني: أنه في كل أيام التشريق له أن يرمي قبل الزوال، لكن خالفه صاحباه؛ لأن النص لم يأت بذلك، فلم يرم النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد الزوال.

    والصواب قول جمهور أهل العلم: أنه لا يجوز الرمي إلا بعد الزوال.

    وهناك أيضاً خلاف في امتداد وقت الرمي هل يمتد إلى الليل أو لا يمتد؟

    مذهب الشافعي : أنه يجوز أن يرمي حتى قبل الفجر الثاني أداء، فإذا كان بعده فيكون قضاء.

    ومذهب مالك : أنه لا يجوز له أن يرمي بعد غروب الشمس, وهذا الراجح في المسألة، والإمام أحمد يرى أن قوله: (رميت بعدما أمسيت) أنه في يوم العيد، فلا يرمي بالليل، لكن الراجح: أن المساء يدخل فيه الليل على مقتضى المعنى اللغوي، فعلى ذلك يجوز أن يرمي، وهذا رخصة للناس وتيسيراً عليهم في أن يرمي بالنهار وبالليل.

    الحكمة من رمي الجمرات

    الحكمة من الرمي: يذكر الإمام النووي رحمه الله ذلك ويقول: قال العلماء: أصل العبادة الطاعة، وكل عبادة فلها معنى قطعاً؛ لأن ربنا لا يأمرنا بشيء هباء، ولا يأمرنا بشيء لغير حكمة، وإنما كل شيء بحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، فالعبادات كلها لحكم من الله سبحانه وتعالى، فالشرع لا يأمر بالعبث، فمعنى العبادة قد يفهمه المكلف وقد لا يفهمه، فالحكمة من الصلاة: التواضع، والخضوع، وإظهار الافتقار إلى الله سبحانه وتعالى، والذل بين يديه سبحانه.

    والحكمة من الصوم: كسر النفس، وقمع الشهوات، والإحساس بإحساس الإنسان الفقير الجائع المسكين المحروم فيعطف عليه.

    والحكمة من الزكاة: المواساة بماله للفقير، ويستشعر أن هذا محتاج فيعطيه.

    والحكمة من الحج: أن يقبل العبد على ربه سبحانه أشعث أغبر من مسافات بعيدة إلى بيت الله سبحانه، كإقبال العبد إلى مولاه ذليلاً، فهو يقبل موحداً ربه سبحانه، مستشعراً يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين، فيستشعر في وقوفه بعرفة وطوافه بالبيت شعور العبد الذليل بين يدي مولاه سبحانه وتعالى، وأنه محتاج إلى ربه يدعوه ويرجو منه رحمته سبحانه وتعالى.

    ومن العبادات: السعي بين الصفا والمروة، وهي عبادة يستشعر بها كيف كانت هاجر تجري في هذا المكان بين الصفا والمروة تبحث عن الماء لابنها، فهذه حكمة من الحكم، ولا نقول: إنها كل الحكم، والحكمة الحقة يعلمها الله سبحانه وتعالى، فأمرنا بذلك لكي يستشعر الإنسان في ذهابه من الصفا إلى المروة ورجوعه من المروة إلى الصفا احتياجه إلى الله عز وجل، والإلحاح على ربه في الدعاء، فيقف هنا فيدعو، ويقف هنا فيدعو، فهو محتاج إلى ربه في كل وقت، ولعل هذا الدعاء لم يستجب ولن يستجاب إلا الدعاء الثاني، فيتعود على الإلحاح والله يحب من عبده أن يلح عليه في الدعاء، فيستجيب له سبحانه وتعالى.

    ورمي الجمرات من هذه العبادات، يرمي فيتخيل إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهو يرمي الشيطان بهذه الجمرات، فالإنسان يفعل كما فعل إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فقد روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم لما أتى المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض)، أي: حتى دخل بداخل الأرض وغاص وهرب من إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له في الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض) قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشيطان فارجمون، وملة أبيكم فاتبعون.

    هذا الحديث المرفوع والموقوف فيه بيان الحكمة وهي: أنك تتشبه بإبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام وأنت ترمي بهذه الحصيات، ولكن الذي يوصل ذلك هو الله سبحانه وتعالى، فلست أنت الذي ستوجع الشيطان عندما ترمي الجمرة بشدة أو ترمي بطوب أو بحديد أو برصاص، ليس هذا الذي سيؤلم الشيطان، وإنما الله عز وجل هو الذي يفعل ذلك.

    مثل الإشارة في الصلاة بالسبابة، فأنت تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتشير بالتوحيد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لهي أشد على الشيطان من الحديد)، إذاً: إشارتك بالتوحيد، وتحريكك للسبابة أشد على الشيطان من الحديد، فلا يقل أحد: سأحركها بشدة من أجل تكون أشد! ولكن الحركة وحدها وكونك أشرت بالتوحيد هذه أشد على الشيطان من الضرب بالحديد، والذي يفعل ذلك بالشيطان هو الله سبحانه وتعالى، إذاً نحن علينا الاتباع والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل هو الذي يفعل بالشيطان ما يريده سبحانه.

    إذاً: عندما نرمي الجمرات نرمي بالحصى الصغير، ونرمي مثلما رمى إبراهيم، ولا نأتي بحجر أكبر من أجل أن نؤلم الشيطان أكثر! فهذا من البدع، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وإنما نهى عن ذلك، ونهاهم أن يؤذي بعضهم بعضاً.

    الإنابة في رمي الجمرات

    العاجز عن الرمي بنفسه لمرض أو حبس ونحوهما يستنيب من يرمي عنه، إذاً: يجوز للإنسان المريض أو المرأة التي لا تقدر مع شدة الزحام، أو للعجوز، أو الشيخ الكبير أن يوكل أو يستنيب من يرمي عنه؛ لأن وقت الرمي وقت مضيق، وقد تنتهي أيام العيد من غير أن يرمي، ويكون عليه دم في ذلك، وسواء كان المرض مرجو الزوال أو غير مرجو الزوال، وسواء استناب بأجرة أو بغيرها، وسواء استناب رجلاً أو امرأة كل هذا جائز، وأحياناً مجموعة من النساء توكل إنساناً للرمي عنها؛ لأنها لا تقدر أن تذهب إلى الجمرات فترميها، فيجوز أن يرمي عن نفسه وعن هذه وعن غيرها.

    ولو أغمي على المحرم قبل الرمي ولم يكن أذن في الرمي عنه لم يصح؛ لأن الاستنابة إقامة الغير مقام نفسك، وأنت الآن لم تستنب إنساناً ولم توكل أحداً، فلا يصح أن يتوكل لك من غير أن توكله، فلو أن إنساناً مغمى عليه، فلا يأتي آخر ويقول: سأرمي عن فلان، فهو لم يوكلك أصلاً في ذلك.

    إذاً: الاستنابة تكون عن الإنسان المفيق وليس عن المغمى عليه، لكن إذا كان قد أذن له وكان مريضاً وقال: يا فلان! ارم عني في هذه الأيام فلا أقدر أن أرمي، ثم أغمي عليه في خلال هذه الأيام، فلا شيء عليه، فالآخر يرمي عنه وفي هذه الحالة لا يحتاج إلى إذن جديد.

    وينبغي أن يستنيب العاجز حلالاً أو من قد رمى عن نفسه، فإن استناب من لم يرم عن نفسه فينبغي أن يرمي النائب عن نفسه: مثل النيابة في الحج، فالذي يحج عن غيره لابد أن يكون قد حج عن نفسه، وكذلك الذي سيرمي عن الغير لابد أن يكون قد رمى عن نفسه، فإذا استنابك إنسان في الرمي فترمي عن نفسك أولاً، ثم ترمي عن هذا الإنسان.

    أيضاً لو أن الذي يرمي عن نفسه وعن غيره بدأ بالجمرة الأولى، ثم الثانية ثم الثالثة عن نفسه، ثم رجع فرمى عن الآخر فقد خرج من الخلاف الذي في المسألة.

    والراجح: أنه يجوز أن يرمي عن نفسه ثم عن غيره، فعند الجمرة الأولى يرمي عن نفسه بنية أنها لنفسه، ثم يرمي بنية أنها لفلان، وهذا قول الأحناف، وقول في مذهب الشافعية، وهو الذي نختاره في مثل هذا الزحام الموجود الآن، ويصعب جداً أن نأمر إنساناً بقول الجمهور: ارم الثلاث ثم ارجع للأولى وارمها حتى الثالثة، فالراجح: أنه لا يوجد دليل يمنع من أن يرمي عن نفسه ثم يرمي عن غيره وهو في مكانه ذلك، فيرمي عن نفسه الجمرة الأولى، ثم يرميها عن غيره، ثم يتقدم إلى الثانية ويرميها عن نفسه، ثم يرميها عن غيره، والثالثة كذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086803672

    عدد مرات الحفظ

    769027832