والحاج وهو ذاهب إلى الحج يلبس الإزار والرداء، هيئته هيئة الميت عليه الكفن، ليس له ثياب من تحت، ولا عمامة على رأسه، ولا قميص، وكل الحجيج يستوون في ذلك، فتنظر إلى الحاج وهو في عرفة، وهو يطوف بالبيت، وهو عند الصفا والمروة فتتذكر الموقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، ففي الحج يستوي جميع الناس، الغني والفقير، الصغير والكبير، العظيم والحقير، فهذا الإنسان يحج وهو تارك للزينة، ناسٍ للحياة الدنيا ومقبل على الله سبحانه وتعالى بعبادته.
فعلى ذلك لا مجال للترفه بأن يحلق شعره، أو يأخذ من أظفاره، أو يحلق من بدنه، قال الله عز وجل: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، فيحرم على الحاج أن يحلق شعره، أو أن يقص شيئاً منه في إحرامه، والرجل والمرأة سواء، فالمرأة ليس لها أن تقص من شعرها وهي محرمة، أو أن تأخذ من أظفارها.
لا يختص التحريم بالحلق ولا بالرأس، فهنا قال: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ [البقرة:196]، وإجماع أهل العلم على أنه لا يحلق شعر رأسه ولا شعر بدنه، فلا يأخذ من إبطه ولا عانته ولا أظفاره، هذا كله ممنوع منه، وإزالة الظفر كإزالة الشعر، سواء حلق الشعر بالموسى، أو قصه بالمقص، أو وضع مزيلاً أو أزال الشعر.. كل هذا ممنوع منه، فإزالة الشعر بأي صورة من الصور ممنوع منها بعد الإحرام.
وإزالة الظفر كإزالة الشعر، سواء قلمه أو كسره أو قطعه كل ذلك حرام، وتجب به الفدية، فسواء أتى بالمقص وقص ظفره، أو كسر ظفره، أو قرض ظفره بأسنانه، كل هذا ممنوع منه في الإحرام وعليه الفدية إذا فعل ذلك.
ولو كشط المحرم جلدة الرأس، كما لو كان يحك شعره فكشط جلدة الرأس وعليها شعر، فهناك فرق بين تعمد قص الشعر أو نتفه، وبين كشط الجلدة؛ إذ لا يمكن أن إنساناً يتعمد ويحك حتى يكشط الجلد من رأسه وعليها شيء من الشعر، والراجح: أنه لا شيء عليه؛ لأن هذا ليس تعمداً لإزالة الشعر، ولكن لما حدث الكشط في الرأس أزيل الشعر بسبب ذلك، فهو تابع وليس مقصوداً.
ولو مشط رأسه ولحيته فنتف شعرات متعمداً لزمته الفدية:
والإنسان قد يترجل في إحرامه بالمشط، وإن كان شعره طويلاً فلينتبه لنفسه، ويحترز أن يقطع شعره، فإذا فرضنا أنه امتشط فقطع شعره، أو امرأة تسرح شعرها متعمدة فقطعت شيئاً من شعرها، فعليه وعليها فدية في ذلك.
ولو أنه لم ينتبه، فأخذ المشط وسرح لحيته فسقط منها شعرات فلا شيء عليه، لكن التعمد هو الذي يلزم صاحبه الفدية.
وإن جهل المحرم أو نسي فأخذ من شعره أو أظفاره فلا فدية:
فالجاهل إن لم يعرف الحكم، أو الناسي لهذا الحكم، فعلى الراجح من أقوال أهل العلم أنه إذا نسي أو جهل فلا شيء عليه.
ولو حلق المحرم رأس الحلال جاز ولا فدية:
لو فرضنا أن هذا المحرم يعمل حلاقاً، وفي أثناء الإحرام بعض الناس الذين أنهوا عمرتهم وهو لا زال محرماً أرادوا أن يحلقوا فحلق لهم وهو محرم وهم قد صاروا حلالاً الآن، جاز له أن يحلق لهم، ولا شيء عليه في ذلك.
ويحرم على المحرم قلم أظفاره، ويجري مجرى حلق الرأس:
فيحرم عليه أن يقلم من أظفاره، وهذا جارٍ مجرى حلق الرأس، وعليه الفدية إذا فعل ذلك.
ويجوز للمحرم أن يحك رأسه:
إنسان احتاج أن يحك رأسه فإنه يجوز له في أثناء إحرامه أن يفعل ذلك.
والحك نقل فيه ابن المنذر الجواز عن ابن عمر وجابر وسعيد بن جبير والثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق وغيرهم من العلماء، وقالوا: برفق.
أي: إذا كان يحك شعره أو لحيته فليكن برفق حتى لا يقلع شيئاً من شعره.
قال: (فقال النبي صلوات الله وسلامه عليه: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)، إذاً: المحرم يوم القيامة يبعث ملبياً، فنهاهم أن يخمروا رأسه.
إذاً: ليس لك أن تغطي رأسك في الإحرام، وكذلك إذا كان الإنسان محرماً وتوفي فلا يجوز أن يغطى رأسه، فالحي والميت ممنوع من ذلك، والأحياء الذين يغسلونه ويكفونه ممنوعون من أن يغطوا رأسه، لكن جاء في رواية لهذا الحديث: (ولا تخمروا رأسه ولا وجهه)، فذكر الوجه، فهل الحي لا يجوز له تخمير وجهه؟
الراجح: أن هناك فرقاً بين الحي والميت، فالحي إذا غطى وجهه فإنه يستطيع أن يمتنع من تغطية رأسه، فلو جاءت رياح في الطريق فرفع ثوبه على وجهه فمن الممكن ألا يغطي رأسه بذلك، أما الميت فإنه يدرج في كفنه، ولو أنهم غطوا وجهه فسيغطي رأسه أيضاً، أو جزء من رأسه، فنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تغطية الوجه كأنه احتراز من تغطية شعره ورأسه.
ولذلك جاء عن الصحابة أن بعضهم كان يغطي وجهه في الإحرام، فلو علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم منع من ذلك لما فعلوه، وكونه ينهى عن تغطية وجه الميت لهذه العلة، وهي أن الميت كيف سيغطى وجهه ثم يدرج ويلف في كفنه؟ فإنهم إذا لفوا الميت في كفنه سيغطون وجهه ورأسه من الوراء كله كذلك، فنهاهم أن يفعلوا ذلك.
أما الحي فقد جاء عن عثمان رضي الله عنه أنه كان يغطي وجهه في أثناء الإحرام.
وقوله: (لا تحنطوه)، الحنوط طيب الميت، يسمى للحي طيباً، وللميت حنوطاً.
وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يلبس المحرم القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا العمامة).
قوله: (القميص) هو كل ما لبس على بدن الإنسان.
(ولا السراويل) هو البنطلون يلبسه الإنسان، والسراويل هو الواسع.
(ولا البرنس) هو القميص الذي رأسه منه، مثل لبس المغاربة، فإنهم يلبسون ثوباً رأسه منه، عليه طاقية ملتصقة به.
(ولا العمامة) العمامة معروفة.
هذه أنواع من أنواع الطيب: الورس وهو ثمر شجر يكون باليمن، ولون الثمر عندما يصبغ به أصفر، فكأنه يعطي طيباً ولوناً، فنهى عن الاثنين.
لكن في حديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع الخفين حتى يكونا أسفل من الكعبين)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما كان في المدينة، وحديث ابن عباس كان في عرفات.
وفي المدينة كان التشريع كذلك لأن الإنسان يسهل عليك فعل ما طلب منه؛ لأنه بجوار بيته، فيأتي بلباس الإحرام الذي يلائم حاله ويناسبه، لكن لما صاروا في عرفات كان الأمر صعباً، والعدد الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة قليل، ولما صاروا في عرفات كانوا مائة وثلاثين ألفاً، وهذا عدد ضخم بالنسبة لهم في ذلك الوقت، فمن أين يأتي الإنسان بما أمر به من مقص ويقص الخفين لكي تكونا تحت الكعبين، أو يأتي بإزار يلبسه؟ فكانت الرخصة في عرفات.
والإمام الشافعي رحمه الله حمل أحد الحديثين على الآخر، فقال: حديث ابن عباس فيه إطلاق: (فليلبس خفين) ، وحديث ابن عمر قيد هذا الإطلاق: (وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين).
إذاً: يحمل المطلق على المقيد، وهذه قاعدة صحيحة.
ولكن لا نقدر أن نحملها على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة أمر الصحابة وكانوا عدداً قليلاً، فلما كانوا في عرفات جاء وقت العمل.
وهنا قاعدة أخرى عند الفقهاء، يقولون: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، والآن وقت الحاجة والعمل، والناس موجودون في عرفات، وفي المدينة عندما قال لهم ذلك أخبر أناساً قليلين، والإحرام من ذي الحليفة، لكن وهم في عرفات ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا العدد الضخم قطع الخفين أسفل من الكعبين دليل على أن الأمر بقطع الخفين صار منسوخاً، ورخص الله عز وجل للحاج الذي لا يجد النعلين في هذا الموقف أن يلبس الخفين ولا يقطعهما.
شرع النبي صلى الله عليه وسلم أن تلبس المرأة ما شاءت من الثياب الشرعية، وفي الماضي كنا نقول: تلبس المرأة ما شاءت؛ لأنها مقيدة بالشرع، أما الآن فقد نسي شرع الله تبارك وتعالى، ويمكن أن المرأة ببساطة بنطال في بطال لكي تحج أو تعتمر، فهنا نقول: ما شاءت من ثياب شرعية تسترها ولا تصفها، ولكن الممنوع منه أن تضع النقاب على وجهها، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب.
والقفاز هو ما كان على قدر اليد، والنقاب: هو الخرقة التي تكون على قدر الوجه مشدودة على وجه المرأة، لكن يجوز لها أن تسدلها، وتطول كمها بحيث يغطي اليدين، وتسدل الطرحة وتنزلها على وجهها إذا كانت أمام الرجال، وإذا لم يوجد رجال فلا بد أن تكشف وجهها وليس لها أن تستر وجهها في أثناء الإحرام إلا أمام الرجال.
قال: (نهي النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب) ، وليلبسن بعد ذلك ما أحببن من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حرير أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف، فللمرأة أن تلبس ما شاءت من الثياب طالما أنها مقيدة بالقيود الشرعية، ولكن ليس لها أن تلبس ما مسه ورس أو زعفران، والورس والزعفران نوعان من النبات لهما رائحة طيبة وصبغ يصبغان، فنهى المرأة عن ذلك وكذلك الرجل.
فالذي يتعلق بالرأس: القلنسوة، والعمامة، والطاقية، والملاءة -الخرقة- يجعل شيئاً منها على رأسه أو عصابة، فأي شيء يجعله على رأسه فهو ممنوع منه، وكل ما يعد ساتراً للرأس؛ فإن ستر رأسه لزمته الفدية، إن تعمد ذلك، ولو توسد وسادة، أو وضع يده على رأسه، أو انغمس في ماء، أو استظل بمظلة جاز ولا فدية في ذلك، فهذه لا تجري مجرى العمامة أو القلنسوة.
ولو وضع على رأسه زنبيلاً أو حملاً جاز ولا فدية: فلو حمل شيئاً على رأسه، أو حمل حمولة ومشى بها؛ لأن العادة أنه لا يلبس مثل ذلك.
القسم الثاني: في غير الرأس.
فيجوز للرجل ستر ما عدا الرأس من بدنه في الجملة، وإنما يحرم عليه لبس المخيط وما هو في معناه، أي: ما فصل على قدر أعضائه أو على قدر بدنه، هذا هو الممنوع منه.
ومما يحرم عليه: لبس القميص والسراويل والتبان والخف، وما كان مثل ذلك مفصلاً على قدر البدن أو جزء من البدن، مثل الفنيلة والقميص والبنطلون، فكل هذا ممنوع منه.
وكذلك التبان ممنوع منه، وبعض الشركات تتحايل على ذلك وتصنع للحاج ثوباً عبارة عن قطعة من القماش ويدبسها من شمال ويمين حين تكون على هيئة (الشورت)، وهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وكونه وضع فيها دبابيس ليس معناه أنه خرج عن أمر المخيط؛ لأنهم لا يفهمون معنى المخيط الذي أطلقه الفقهاء، فالفقهاء لم يقصدوا ذلك القميص الذي تلبسه فقط، فسواء خيط أو دبس فلا فرق، هو هو نفسه، ولفظة (المخيط) لم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم لكي نأخذ منها كلمة جامعة مانعة، بل هي من كلام الفقهاء، إنما النبي صلى الله عليه وسلم ضرب الأمثلة التي تقيس عليها غيرها، وتعرف ما الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم، فعندما يقول: (العمامة) فغطاء الرأس الذي تلبسه، وتسميه عمامة، أو برنساً، أو قلنسوة، أو طاقية، أو بشكيراً، أو غترة، المهم أنه غطاء على الرأس نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
وعندما يذكر القميص فأي شيء يشبه القميص ويفصل على قدر البدن سواء كان طويلاً أو قصيراً فهو داخل في هذا المعنى.
إذاً: ليس له أن يلبس ذلك في الإحرام سواء كان فيه دبابيس أو صمغ أو غراء أو نحو ذلك هذا كله ممنوع منه.
فليس له أن يلبس القميص ولا السراويل ولا التبان -وهو الشورت القصير- ولا الخف ونحو ذلك، فإن لبس شيئاً من ذلك مختاراً عامداً أثم ولزمه المبادرة إلى إزالته، ولزمته الفدية إذا تعمد، وإذا نسي ولبس ذلك فلينزعه حالاً ولا شيء عليه.
قال ابن المنذر : أجمع العلماء على منع المحرم من لبس القميص والعمامة والقلنسوة والسراويل والبرنس والخف.
فلو فرضنا أن بنطلونه واسع ووضعه على أكتافه بدل الرداء، فلا نقول: إنه لبسه؛ لأن البنطلون يلبس في الرجلين، وعلى ذلك لا شيء عليه لو أنه وضعه كهيئة البشكير على منكبيه.
إذاً: اللبس الحرام الموجب للفدية محمول على ما يعتاد في كل ملبوس، فلو التحف بقميص أو عباءة أو ارتدى بهما فلا شيء عليه، وفرق بين قولنا: ارتدى بهما، وارتداهما، فارتداهما بمعنى لبسهما، وارتدى بهما بمعنى: وضعهما رداء، فلو أخذ قميصه ووضعه بدل البشكير فوق أكتافه فلا شيء عليه، لكن لو أدخل يديه فيه ولبسه، فهذا قد ارتداه، أما ارتدى به أي: جعله كهيئة الرداء على منكبيه.
كذلك لو أنه أخذ قميصه ولفه حول نفسه ولم يلبسه فلا شيء عليه في ذلك، إنما الممنوع منه أن يلبس القميص؛ لأنه ليس لبساً في العادة، فهو كمن لفق إزاراً من خرق وطبقها وخاطها فلا فدية عليه، بمعنى: لو أتى بخرقة وخرقة وخرقة وخاطها في المكينة وجعلهم بشكيراً كبيراً ولفه على وسطه وعمله إزاراً فلا شيء في ذلك.
وكذا لو التحف بقميص أو بعباءة أو إزار ونحوها فلا فدية؛ لأنه كهيئة اللحاف، أو وضع الملاءة عليه نائماً أو يقظاناً، أو أخذ قميصاً واسعاً أو عباءة واسعة وغطى بها نفسه في أثناء جلوسه على الأرض فلا شيء عليه، والممنوع هو أن يلبس ذلك.
وله أن يعلق المصحف وحافظة نقوده وأوراقه وحقيبته بحمالة في رقبته أو على كتفه كما ترى الحجاج يفعلون ذلك، فمثلاً: الشنطة لها يد كبيرة فعلقها على رقبته أو كتفه، أو لبس حزاماً ووضع فيه أشياءه أيضاً لا شيء في ذلك، سواء كان الحزام مدبساً بمسمار أو مخيطاً، ويجوز له أن يضع الحزام على وسطه، ولا يعتبر من الثياب المفصلة على قدر العضو، وله أن يلبس الخاتم والساعة والنظارة وطقم الأسنان، ولا شيء عليه لا في حج ولا عمرة ولا صيام.
ولا يتوقف التحريم والفدية على المخيط، بل سواء المخيط وما في معناه، كما ذكرنا أن المخيط يقصد به الفقهاء المفصل، فالشراب مثلاً ليس فيه خياط وهو مصنوع هكذا كله من غير أن يكون فيه أي خياط، ولكن هو مخيط؛ لأنه مفصل على قدر رجل الإنسان، فليس له أن يلبس الجورب في أثناء إحرامه.
إذا جعل لإزاره حزاماً من داخله يربطه ويشده فلا شيء في ذلك، ولا يخرج عن كونه إزاراً، ويلبسه على هذه الهيئة، فهذا من مصلحة الإزار حتى لا ينكشف صاحبه.
أو كان لإزاره غرز في طرف ردائه، وضع الرداء على منكبيه، وطرف الرداء وضعه داخل الإزار، والطرف الثاني وضعه داخل الإزار، فلا شيء عليه في ذلك.
ولا يحرم خلع الرداء وشكه بدبوس ونحوه، كما لا يحرم عقد الإزار، والأولى عدمه، مراعاة للخلاف، لكن الراجح من حيث الدليل: أنه لم يمنع من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يحتاج الإنسان إلى شد الإزار أثناء الإحرام، وقد يضع الرداء على كتفه، فيأتي هواء شديد، وغير المعتاد على ذلك أول مرة يعتمر أو يحج صعب عليه أن يضبط على نفسه الرداء، فإذا وضع عليه دبوساً بحيث أنه يستمسك حتى يكمل مناسكه، فالراجح أنه لا شيء فيه.
وإذا شق الإزار نصفين، وجعل له ذيلين، ولف على كل ساق نصفاً وشده وجبت الفدية: وهذه من الحيل التي تعمل من قبل الشركات لتبيع شيئاً جديداً، فتجد أن المعرض الفلاني عنده لبس الحجاج الحديث، وهو شورت مدبس بحيث إنه يربط هذا على رجل، وهذا على رجل كهيئة الشورت تماماً في أثناء الإحرام، ويقولون: ليس فيه شيء؛ لأنه ليس مخيطاً، وهذا خطأ، فهذا هو المخيط الممنوع منه.
ولذلك يقول الفقهاء: شق الخرقة -أي: الإزار- ولبسه على وسطه، ثم شقه من الأمام ومن الخلف، ثم ربط هذه على هذه، وربط هذه على هذه، فأصبح الاثنان كهيئة البنطلون، فهذا ممنوع منه، وعليه الفدية في ذلك؛ لأنه صار كالسراويل.
ولبس الخف حرام على الرجل المحرم سواء كان الخف صحيحاً أو مخرقاً، والخف هو الحذاء الذي له رقبة.
أما لبس الخف المقطوع أسفل من الكعبين فالراجح أنه يجوز حتى ولو مع وجود النعلين؛ لأن لا يسمى خفاً بعد قطع الزائد فيه، وهذا غير المعذور.
أما المعذور كمن ضاع حذاؤه أثناء الإحرام ولم يجده، والآن هو في عرفة، وإما أن يمشي حافياً، وإما أن يلبس الخف الموجود فهذا معذور في أن يلبس ذلك، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
أو اشتد عليه البرد في أثناء الإحرام، واحتاج أن يفعل ذلك، فهو معذور في ذلك، ولكن عليه الفدية؛ لقول الله عز وجل: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196].
إذاً: المعذور ليس عليه إثم، بخلاف المتعمد لفعل الشيء المنهي عنه فإنه يأثم بذلك ويعاقب بالفدية، لكن المعذور ليس عليه إثم وعليه الفدية، فقد اشتركوا في الفدية وافترقوا في الإثم وعدمه.
الآية: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196].
أما الجزء العلوي الذي عليه الرداء فلو أنه وضع عليه قميصه ستر كثيراً منه، وليس هو عورة يجب عليه أنه يستره.
إذاً: إذا لم يجد إزاراً فليس له لبس القميص بل يرتدي به.
والمحتاج بسبب العذر: كإنسان في أثناء الإحرام في رجليه شيء، ويحتاج مع هذا الشيء أن يلبس الخف، ولا يستطع المشي من دونه، أو يحتاج إلى أن يلبس شراباً سميكاً، ولا يستطيع المشي بدونه، فهذا معذور ولكن عليه الفدية.
وإذا وجد السراويل ووجد إزاراً يباع ولا ثمن معه، أو كان يباع بأكثر من ثمن المثل، جاز له لبس السراويل، وليس شرطاً ألا يجده يباع، فقد يباع لكن ليس معه مال ليشتريه، أو قد يعطيه أحد المال وفيه منة من هذا الذي يعطيه، فهنا لا يفضل أن يأخذ من أحد، وحكمه حكم الفاقد.
إذاً: جاز له أن يلبس السراويل وجاز له أن يلبس الخفين وهو معذور في ذلك.
هذا على قول بعض الفقهاء في ذلك، وهذا إذا قطع الخف إلى أن أصبح قصيراً، والأفضل أنه لا يقطع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في عرفة لم يأمر بالقطع.
فهذا الإنسان الآن لابس للخف في أثناء إحرامه، وعندما لبس الخف بعد فترة وجد النعلين، فيجب عليه أن يخلع الخفين ويلبس النعلين، فإذا أصر وأكمل على ذلك وأخر خلع الخفين وجبت عليه الفدية.
ولو لبس الخفين غير المقطوعين لفقد النعلين، أو لبس الخفين المقطوعين فمذهب الشافعي رحمه الله: أن الخف سواء كان مقطوعاً أو غير مقطوع اسمه في الحالتين خف، فإذا وجد النعل وجب عليه أن يخلع الخف ويلبس النعل.
لكن الراجح: أنه إذا لبس الخف ولو كان غير مقطوع، ثم بعد ذلك وجد النعل وجب عليه أن يخلع الخف ويلبس النعل.
ولو أنه قطع الخف أسفل من الكعبين فالراجح أنه صار نعلاً.
إذاً: لو لبس الخفين غير المقطوعين ثم وجد النعلين وجب نزعه في الحال؛ فإن أخر وجبت الفدية.
لكن السدل من فوق الرأس مثل الطرحة فليست نقاباً، وعلى ذلك فهناك فرق بين النقاب فليس للمرأة أن تلبسه، وبين السدل فلها أن تسدل مع الحاجة، أما لغير الحاجة فلا.
إذاً: النقاب هو الخرقة المشدودة تحت محجر العين تستر أسفل العينين إلى أسفل الذقن، وللمرأة أن تستر رأسها وسائر بدنها بالمخيط وغير المخيط، ولها أن تسدل على وجهها.
ودليل السدل ما جاء عن السيدة عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها، وعن أسماء رضي الله تبارك وتعالى عنها في هذا المعنى، تقول فاطمة بنت المنذر : (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر) يعني: جدتها، فهذا فعلته أسماء رضي الله تبارك وتعالى عنها، وأخبرت أنها كانت تصنع ذلك مع النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وجاء عن عائشة رضي الله عنها بإسناد فيه ضعف: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بنا ركب سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات، فإذا جاوزنا رفعنا)، تقصد السيدة عائشة رضي الله عنها: أنه في وجود الرجال كانت الواحدة تسدل وتنزل الطرحة على وجهها، فإذا مر الرجال رفعت المرأة الثوب عن وجهها، وهذا في الإحرام.
إذاً: الأصل أن المرأة لا تضع نقاباً على وجهها، ولا تستر وجهها إلا أن يكون في حضرة الأجانب من الرجال فتفعل ذلك، فإذا مروا رفعت السدل.
أما الخنثى المشكل فإن ستر وجهه فلا فدية عليه، والخنثى هو الذي له عضو الذكورة والأنوثة، وهو مشكل ليس معروفاً أهو ذكر أو أنثى؟ فهذا المشكل يحتمل أنه امرأة ويحتمل أنه رجل، فعلى ذلك لو أنه ستر وجهه نقول: لعله أن يكون رجلاً، والرجل لا يحرم عليه أن يستر وجهه، ولو ستر رأسه نقول: لعله أن يكون امرأة والمرأة لا يحرم عليها أن تستر رأسها، فعلى ذلك لا فدية عليه في الحالين، وإن ستر الوجه والرأس فنقول: عليه الفدية؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون ذكراً أو أنثى؛ فيحرم عليه واحد من الاثنين.
ويكره للرجل المحرم ستر وجهه، وقد قدمنا الكلام عليه، ويحرم على الرجل والمرأة استعمال الطيب.
وفرق بين الحي والميت؛ لحديث: (لا تخمروا رأسه ولا وجهه)، وذكرنا توجيهه.
وفي حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران)، فعلى المحرم ألا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران، وهو نوع طيب، فيحرم على الرجل والمرأة أن يضعا الطيب في أثناء الإحرام.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر