الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
جميع السنة وقت للعمرة، فيجوز الإحرام بها في كل وقت من السنة، ولا يكره في وقت من الأوقات وسواء أشهر الحج وغيرها في جوازها من غير كراهة، وبهذا قال مالك وأحمد وأبو داود والجمهور، ولا يكره عمرتان وثلاث وأكثر في السنة الواحدة، بل يستحب الإكثار منها.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن) وقال ابن عمر : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يهل أهل اليمن من يلملم)، وروى مسلم عن جابر وسئل عن المهل فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مهل أهل العراق من ذات عرق).
الإحرام من الميقات
استحباب الغسل عند الإحرام
ما يلبس المحرم من الثياب
استحباب الطيب عند الإحرام
ويستحب أن يتطيب في بدنه عند إرادة الإحرام، سواء بالطيب الذي يبقى له جرم بعد الإحرام والذي لا يبقى؛ لما روت
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (
كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها) رواه
أبو داود.
وهذا الحكم في تطيب النساء إذا كان طوافهن وسعيهن في غير ازدحام واختلاط بالرجال، وإلا فلا يجوز لهن أن يختلطن متطيبات حتى لا يفتن الرجال.
فإذا تطيب المحرم فله استدامته بعد الإحرام، ولو انتقل الطيب من موضع إلى موضع بالعرق فلا شيء عليه، ولو مسه بيده عمداً فعليه الفدية، ولا يستحب تطييب ثوب المحرم، فإن طيبه ولبسه ثم أحرم واستدام لبسه جاز، فإن نزع الثوب الذي عليه الطيب فينبغي ألا يلبسه حتى يزيل ما به من طيب.
ويستحب أن يتأهب للإحرام بحلق العانة ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظافر؛ لأنه أمر يسن له الاغتسال والطيب، فسن له ذلك كالجمعة؛ ولأن الإحرام يمنع قطع الشعر وقلم الأظفار، فاستحب فعله قبل الإحرام لئلا يحتاج إليه في إحرامه، ويستحب أن يحرم عقيب صلاة إما فرض وإما تطوع إن كان وقت تطوع، فإن كان في الميقات استحب أن يصلي في المسجد، فإن كان إحرامه في وقت من الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها فالأولى انتظار زوال وقت الكراهية ثم يصليهما، ويجوز ألا ينتظر.
ويستحب إحرامه عند ابتداء السير وانبعاث الراحلة.
التلبية
حكم حلق الرأس وتقليم الأظافر للمحرم
وأما العج فهو رفع الصوت، والثج: الدماء من الهدي ونحوه.
واتفق العلماء على استحباب التلبية، ويستحب الإكثار منها في دوام الإحرام، ويستحب أن يلبي قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً وجنباً وحائضاً، ويتأكد استحبابها في كل صعود وهبوط وحدوث أمر من ركوب أو نزول أو اجتماع رفقة أو فراغ من صلاة، وعند إقبال الليل والنهار ووقت السحر وغير ذلك من تغاير الأحوال.
ويستحب للرجل رفع صوته بالتلبية بدون مبالغة؛ حتى لا يضر نفسه، ولا تجهر امرأة، بل تقتصر على سماع نفسها، فإن رفعت صوتها لم يحرم، ويستحب ألا يزاد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأكثر أهل العلم على أن المعتمر لا يقطع التلبية حتى يستلم الحجر، ومن لا يحسن التلبية بالعربية لبى بلسانه كتكبيرة الإحرام وغيرها.
ما يحرم على المحرم من اللباس
الحرام على الرجل من اللباس في الإحرام قسمان: الأول: يتعلق بالرأس، فلا يجوز لرجل ستر رأسه لا بمخيط كالقلنسوة والطاقية، ولا بغيره كالعمامة والإزار والخرقة والغترة، وكل ما يعد ساتراً، فإن ستر رأسه لزمته الفدية، وفي غير الرأس فيجوز للرجل المحرم ستر ما عدا الرأس من بدنه في الجملة، وإنما يحرم عليه لبس المخيط وما هو في معناه مما هو على قدر عضو من البدن، فمما يحرم عليه: لبس القميص والسراويل والتبان -وهو كالشرت- والخف وهو الحذاء ذو الرقبة ونحوها، فإن لبس شيئاً من ذلك مختاراً عامداً أثم، ولزمه المبادرة إلى إزالته، ولزمته الفدية سواء قصر الزمان أم طال، ولو التحف بالقميص أو بعباءته أو إزار ونحوها فلا فدية، وسواءَ فعل ذلك في النوم أو اليقظة، وله أن يعلق المصحف وحافظة نقوده وأوراقه وحقيبته بحمالة في رقبته أو على كتفه، وأن يشد الحزام في وسطه ويلبس الخاتم والساعة، ولا يتوقف التحريم والفدية على المخيط، بل سواء المخيط وما في معناه.
ويجوز أن يعقد الإزار ويشد عليه خيطاً، وأن يجعل له مثل الحجزة، ويدخل فيها السكة ونحو ذلك، وله غرز ردائه في طرف إزاره، ولا يحرم حل الرداء وشكه بدبوس ونحوه، كما لا يحرم عقد الإزار والأولى عدمه، وإذا شق الإزار نصفين وجعل له ذيلين ولف على كل ساق نصفاً وشده، وجبت عليه الفدية؛ لأنه صار كالسراويل.
ويحرم على الرجل لبس القفازين، ولبس الخف حرام أيضاً، وأما لبس المداس والخف المقطوع أسفل من الكعبين فالراجح أنه يجوز ولو مع وجود النعلين.
ويحرم على المرأة أن تنتقب في إحرامها، وأن تلبس القفازين، والنقاب: هو الخرقة المشدودة تحت محجر العين تستر أسفل العينين إلى أسفل الذقن.
وللمرأة أن تستر رأسها وسائر بدنها بالمخيط وغيره كالقميص والسراويل، ونهى أن تسدل على وجهها ثوباً إلا لحاجة كحر أو برد أو خوف فتنة ونحوها، ويحرم عليها لبس القفازين.
ويكره للرجل المحرم ستر وجهه.
ويحرم على الرجل والمرأة استعمال الطيب بعد الإحرام؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران)، واستعمال الطيب هو أن يلصق الطيب ببدنه أو ملبوسه على الوجه المعتاد في ذلك، فلو طيب جزءاً من بدنه بعطر أو بمسك مسحوق أو ماء ورد لزمته الفدية، ولو جلس على فراش مطيب أو أرض مطيبة أو نام عليه مفضياً إليها ببدنه أو ملبوسه لزمته الفدية.
وصل اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
روى
مسلم عن
عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
لا يَنكح المحرم، ولا يُنكح، ولا يخطب).
فيحرم على المحرم أن يزوج بالولاية الخاصة، ويحرم على المحرم أن يتزوج، فإن كان الزوج أو الزوجة أو الولي أو وكيل الزوج أو وكيل الولي محرماً فالنكاح باطل بلا خلاف، ويجوز أن يراجع المحرم والمحل المحرمة سواء أطلقها في الإحرام أو قبله، ويحرم عليه الجماع؛ لقوله تعالى:
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
[البقرة:197]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الرفث: الجماع.
وتجب به الكفارة؛ لما روي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وابن عمرو رضي الله عنهم أنهم أوجبوا فيه الكفارة.
وأجمعت الأمة على تحريم الجماع في الإحرام، سواء كان الإحرام صحيحاً أم فاسداً، وتجب به الكفارة والقضاء إذا كان قبل التحلل.
ويحرم على المحرم المباشرة بشهوة، كالقبلة واللمس باليد بشهوة، ومتى باشر عمداً بشهوة لزمته الفدية، وهي شاة أو بدلها من الإطعام أو الصيام، ولا يفسد نسكه بالمباشرة بشهوة بلا خلاف، سواء أنزل أم لا، هذا كله إذا باشر عالماً بالإحرام ذاكراً، فإن كان ناسياً فلا فدية عليه بلا خلاف.
وأما اللمس بغير شهوة فليس بحرام بلا خلاف.
وإذا نبت في عينه شعرة أو شعرات داخل الجفن وتأذى بها جاز قلعها، ولو انكسر بعض ظفر فتأذى به قطع المنكسر وحده ولا فدية، ولو صال عليه صيد وهو محرم أو في الحرم ولم يمكن دفعه إلا بقتله فقتله للدفع فلا جزاء عليه.
والمرأة تخالف الرجل في أشياء:
أحدها: أنها مأمورة بلبس المخيط، كالقميص والجلباب والسراويل والخفين وما هو أستر لها؛ لأن عليها ستر جميع بدنها غير وجهها وكفيها إلا في حضرة الرجال الأجانب فتستر، والرجل منهي عن المخيط وتلزمه إذا لبسه الفدية.
الثاني: أنها مأمورة بخفض صوتها بالتلبية، والرجل مأمور برفعه.
الثالث: أن إحرامها في وجهها، فلا تغطيه إلا أمام الرجال الأجانب فتسدله، فإن سترته لغير ذلك لزمتها الفدية.
الرابع: يستحب لها أن تختضب لإحرامها بحناء، والرجل منهي عن ذلك.
وتخالف المرأة الرجل في أشياء من هيئات الطواف والسعي:
منها: الرمل والاضطباع، فيشرعان للرجل دونها، أما هي فتمشي على هينتها، وتستر جميع بدنها، غير أنها لا تنتقب ولا تلبس القفازين.
ومنها: أنها يستحب لها أن تطوف ليلاً؛ لأنه أستر لها، والرجل يطوف ليلاً ونهاراً.
ويستحب لها ألا تدنو من الكعبة في الطواف إن كان هناك رجال، وإنما تطوف في حاشية الناس، والرجل بخلافها.
وتمشي المرأة جميع المسافة بين الصفا والمروة ولا تسعى في شيء منها، بخلاف الرجل.
والحلق في حق الرجل أفضل من التقصير، وأما المرأة فالواجب عليها التقصير.