إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة بالنار.
معاشر الأحبة!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين، أسأله سبحانه أن يحفظني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
هذا لقاء من لقاءات مواعظ القلوب!
العلاج الذي لا بد منه لقسوة القلوب، فقسوة القلوب مرض خبيث يقعد عن الخير ويصد عن الهداية، قال الله: فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:22].
القلوب ما بين رقة وقسوة، إذا رقت تذكرت علام الغيوب، وإذا قست نست فكان لا بد لها من التذكير، إذا غفلت لا بد لها من مواعظ القرآن والمواعظ النبوية، مواعظ القرآن التي تحيي القلوب القاسية، لأن كلام الرحمن لو تنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله.
نحن في لقاء بعنوان: ( أين دارك غداً؟ ).
أنت الآن تسكن القصر الفسيح وتقطن الدار الرحيبة، وغداً ستكون في مكان آخر طال الزمان أو قصر:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه إن بناها بشر خاب بانيها
إن مواعظ القرآن أعظم ما يحيي القلوب، والمواعظ النبوية الموجزة البليغة من أعظم المواعظ التي تحيي القلوب، فأعطني السمع والقلب والجوارح والأركان حتى نمر في موعظة قرآنية:
قال الله جل في علاه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:5-6].
ترى ما الذي غرهم من الدنيا وهذه سهامها تصيب كل يوم أحدهم بسهم فترديه هالكاً وتسلمه إلى القبر المظلم المطبق عليه، سالكاً سبيل من سبقوه من الأموات الهالكين، وقد خرقت القبور منهم الأكفان ومزقت الأبدان ومصت الدم وأكلت اللحم؟
ترى ما صنعت بهم الديدان؟! أليست قد محت الألوان وعفرت الوجوه الحسان وكسرت الفقار، وأبانت الأعضاء ومزقت الأشلاء؟! أليس الليل والنهار عليهم سواء؟! أليسوا في مدلهمة ظلماء؟!
قد فارقوا الحدائق فصاروا بعد السعة إلى المضايق.
إن المنادي كل يوم ينادي: يا ساكن القبر غداً ما الذي غرك من الدنيا؟!
أين دارك الفيحاء؟ أين رقاق ثيابك؟
ليت شعري! كيف ستصبر على خشونة الثرى؟ وبأي خديك يبدأ البلى؟
والموت فاذكره وما وراءه فما لأحد عنه براءه
وإنه للفيصل الذي به يعرف ما للعبد عند ربه
والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران
إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده
أو يك شراً فالذي بعد أشد ويل لعبد عن سبيل الله صد
قال سبحانه: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ * فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:19-40].
وقال سبحانه: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ [المؤمنون:54-56].
وقال سبحانه: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [السجدة:12-14].
إنها المواعظ القرآنية التي تحيي القلوب!
قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57].
نعم أيها الغالي! مواعظ القرآن هي علاج قسوة القلب، فإذا غفل القلب فلا يحيا إلا بمواعظ القرآن، وليس أحسن للقلب من مداومة ذكر الله بشرط أن يتواطأ القلب واللسان، ولا أحسن من سماع المواعظ النبوية والتدبر والعمل بما تسمع، وحتى تنتفع بالمواعظ لا بد من العمل، قال سبحانه: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:67-68].
فبالاتباع هدى وثبات واستقامة وحياة لأولي الألباب.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة بالنار.
معاشر الأحبة!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين، أسأله سبحانه أن يحفظني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
هذا لقاء من لقاءات مواعظ القلوب!
العلاج الذي لا بد منه لقسوة القلوب، فقسوة القلوب مرض خبيث يقعد عن الخير ويصد عن الهداية، قال الله: فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:22].
القلوب ما بين رقة وقسوة، إذا رقت تذكرت علام الغيوب، وإذا قست نست فكان لا بد لها من التذكير، إذا غفلت لا بد لها من مواعظ القرآن والمواعظ النبوية، مواعظ القرآن التي تحيي القلوب القاسية، لأن كلام الرحمن لو تنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله.
نحن في لقاء بعنوان: ( أين دارك غداً؟ ).
أنت الآن تسكن القصر الفسيح وتقطن الدار الرحيبة، وغداً ستكون في مكان آخر طال الزمان أو قصر:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه إن بناها بشر خاب بانيها
إن مواعظ القرآن أعظم ما يحيي القلوب، والمواعظ النبوية الموجزة البليغة من أعظم المواعظ التي تحيي القلوب، فأعطني السمع والقلب والجوارح والأركان حتى نمر في موعظة قرآنية:
قال الله جل في علاه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:5-6].
ترى ما الذي غرهم من الدنيا وهذه سهامها تصيب كل يوم أحدهم بسهم فترديه هالكاً وتسلمه إلى القبر المظلم المطبق عليه، سالكاً سبيل من سبقوه من الأموات الهالكين، وقد خرقت القبور منهم الأكفان ومزقت الأبدان ومصت الدم وأكلت اللحم؟
ترى ما صنعت بهم الديدان؟! أليست قد محت الألوان وعفرت الوجوه الحسان وكسرت الفقار، وأبانت الأعضاء ومزقت الأشلاء؟! أليس الليل والنهار عليهم سواء؟! أليسوا في مدلهمة ظلماء؟!
قد فارقوا الحدائق فصاروا بعد السعة إلى المضايق.
إن المنادي كل يوم ينادي: يا ساكن القبر غداً ما الذي غرك من الدنيا؟!
أين دارك الفيحاء؟ أين رقاق ثيابك؟
ليت شعري! كيف ستصبر على خشونة الثرى؟ وبأي خديك يبدأ البلى؟
والموت فاذكره وما وراءه فما لأحد عنه براءه
وإنه للفيصل الذي به يعرف ما للعبد عند ربه
والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران
إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده
أو يك شراً فالذي بعد أشد ويل لعبد عن سبيل الله صد
قال سبحانه: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ * فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:19-40].
وقال سبحانه: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ [المؤمنون:54-56].
وقال سبحانه: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [السجدة:12-14].
إنها المواعظ القرآنية التي تحيي القلوب!
قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57].
نعم أيها الغالي! مواعظ القرآن هي علاج قسوة القلب، فإذا غفل القلب فلا يحيا إلا بمواعظ القرآن، وليس أحسن للقلب من مداومة ذكر الله بشرط أن يتواطأ القلب واللسان، ولا أحسن من سماع المواعظ النبوية والتدبر والعمل بما تسمع، وحتى تنتفع بالمواعظ لا بد من العمل، قال سبحانه: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:67-68].
فبالاتباع هدى وثبات واستقامة وحياة لأولي الألباب.
هي الدار التي ستسكنها طال الزمن أو قصر، ثم بعد السكنى الثانية ستخرج من تلك الدار يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [المعارج:43-44].
لاحظ الفرق حين تغادر فراشك في سفر أو في رحلة قريبة، كيف يصيبك الأرق؟ والهم والغم:
فارقت موضع مرقدي يوماً
ففارقني السكون
القبر أول ليلة
بالله قل لي ما يكون
ولماذا الحديث عن القبر؟
لأن في القبر يتحدد المصير إما إلى جنة وإما إلى نار.
القبور على نوعين أيها الغالي، القبور على نوعين أيتها الغالية:
إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران
لا بد من الاستعداد، لا بد من عمارة الدار قبل سكناها.
عندما تموت وتموتين سيتبعك ويتبعك ثلاثة: العمل، المال، الولد.
سترجع الدنيا وما فيها وستبقى رهين العمل، (فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد دون ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
قال صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه).
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة وإلا فإني لا أخالك ناجياً
عند ابن ماجة عن البراء قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس على شفير القبر وبكى حتى بل الثرى، ثم قال: يا إخواني! لمثل هذا فأعدوا).
دخل أحد العباد وهو كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز بعد توليه الخلافة فجعل ينظر في وجهه فإذا هو وجه شاحب وبدن ناحل، كأن جبال الدنيا قد تساقطت عليه، فقال يا عمر ! ما الذي دهاك؟! يا عمر ما الذي أصابك؟! والله لقد رأيتك أجمل فتيان قريش، تلبس اللين وتجلس على الوثير، لين العيش نظر البشرة، والله يا عمر ! لو دخلت عليك في غير هذا المكان ما عرفتك!
فتنهد عمر باكياً وقال: أما إنك لو رأيتني بعد ثلاث ليال من دفني وقد سقطت العينان، وانخسفت الوجنتان، وعاثت في الجوف الديدان، وتغير الخدان؛ لكنت لحالي من حالي أشد إنكاراً وعجباً. ثم بكى عمر وبكى الناس حتى ضج مجلسه بالبكاء.
بكى عمر من حاله في القبر، ونحن على ماذا نبكي؟! بكى عمر بن عبد العزيز من حاله في القبر ونحن على ماذا نبكي؟! فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [التوبة:82]، أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:60-62].
ضعوا خدي على الترب ضعوه ومن عفر التراب فوسدوه
وشـقوا عـنـه أكفاناً رقاقاً وفي الرمس البعيد فغيبوه
فلو أبصرتموه إذا تقضت صبيحة ثالث أنكرتموه
وقد سالت نواظر مقلتيه على وجناته وانفض فوه
وناداه البلى هذا فلان هلموا فانظروا هل تعرفوه
حبيبكم وجاركم المفدى تقادم عهده فنسيتموه
عند النسائي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هذا الذي تحرك له عرش الرحمن، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه) يعني سعد بن معاذ .
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (إن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها
سعد الذي اهتز له عرش الرحمن عند وفاته!
سعد الذي شيعه سبعون ألف ملك لم ينزلوا إلى الأرض قط!
سعد الذي فتحت له أبواب السماء!
سعد سيد الأوس والخزرج!
سعد الذي مناديله في الجنة خير من الدنيا وما فيها!
هذا حال سعد فكيف يكون حالي وحالك؟
( لقد ضم ضمة ثم فرج عنه ).
سبحانك! يا من ذللت بالموت رقاب الجبابرة، سبحانك يا من أنهيت بالموت آمال القياصرة، فنقلتهم بالموت من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة النساء والجواري والغلمان إلى مقاساة الديدان والهوام، ومن التنعم بأنواع الطعام والشراب إلى التمرغ في أنواع الوحل والتراب.
وقف علي رضي الله عنه على القبور فنادى أصحابها:
أتخبرونا أخباركم؟ أم نخبركم أخبارنا؟
أما أخبارنا فإن الأموال قد اقتسمت، والنساء تزوجت، والمساكن قد سكنت، قال سبحانه: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان:25-29].
قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:205-207].
القبر كل يوم يناديك:
يا ابن آدم! تمشي في جماعة على الأرض وسوف تقع وحيداً في بطني
يا ابن آدم ! تفرح وتمرح على ظهري وسوف تبكي في بطني.
يا ابن آدم ! تأكل أموال الربا والحرام واليتامى على ظهري، وسوف يأكلك الدود في بطني.
يا ابن آدم ! تنظر إلى الحرام بعينيك وسترى ما ينتظرك في بطني.
يا ابن آدم ! تسمع الحرام بأذنيك وستسمع الأهوال في بطني.
يا ساهياً يا غافلاً!
سيحملك أهلك وأخلاؤك إلى تلك الحفرة، سيتبعك مالك وولدك وعملك، سيرجع الكل وسيبقى العمل.
ستتزوج الزوجة من بعدك، وسيتقاسم الأولاد أموالك.
وأنت.. وأنت ينادى عليك:
رجعوا وتركوك، وفي التراب وضعوك، وللحساب عرضوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت.
يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:6-12].
كأني بك تنحط
إلى اللحد وتنغط
وقد أسلمك الرهط
إلى أضيق من سم
هناك الجسم ممدود
ليستأكله الدود
إلى أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم
بسم الله الرحمن الرحيم أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2].
امتحانات الدنيا تعوض، والفرص تعطى مرات ومرات، لكن قل لي بالله العظيم! كيف سيكون الحال إذا ظهرت النتائج هناك؟ كيف سيكون الحال إذا وسدوك وجاءك الملكان وأقعدوك؟
عن البراء بن عازب قال: (كنا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، وجلسنا عند القبر ولم يلحد بعد، وكانت في يده صلى الله عليه وسلم عصا فنكت بها في التراب ثلاثاً ثم قال: استعيذوا بالله من عذاب القبر. ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في إدبار من الدنيا وإقبال من الآخرة، جاءته ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة وجلسوا منه مد البصر، وجاء ملك الموت عليه السلام وجلس عند رأسه، فيقول: يا أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى روح وريحان ورب راض غير غضبان. فتخرج روحه كما يسيل القطر من السقاء، فإذا قبضها ملك الموت لم تدعها الملائكة في يده طرفة عين حتى يلبسوه ذلك الكفن الذي من الجنة، ويحنطوه بذلك الحنوط الذي من الجنة فتخرج منه رائحة كأطيب رائحة مسك وجدت على وجه الأرض، ثم يعرج به إلى السماء فما يمرون على نفر من الملائكة إلا قالوا: من هذه الروح الطيبة صاحبة الريح الطيب؟ فيقال: هذا فلان بن فلان -بأحب أسمائه التي كان ينادى بها في الدنيا- حتى إذا وصلوا إلى باب السماء واستفتحوا له فتح له، ثم يشيعه مقربو تلك السماء إلى السماء التي تليها، حتى إذا وصل إلى السماء السابعة نادى منادي الله: أن اكتبوا كتابه في عليين وأرجعوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى. فتعاد روحه في قبره فيأتيه ملكان أنفاسهما كاللهب، أبصارهما كالبرق الخاطف، أصواتهما كالرعد القاصف، فيقعدانه فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن هو ذلك الرجل الذي بعث بكم؟ أما المؤمن فيقول: ربي الله حقاً، ونبيي محمد صدقاً، وديني الإسلام. فيقال له: وما علمك؟ فيقول: تعلمت القرآن وعملت به، فينادي منادي الله: أن قد صدق، فافرشوا له فراشاً من الجنة وافتحوا له باباً من الجنة، فيأتيه من روحها وريحانها ويوسع له في قبره مد البصر، فيأتيه رجل أبيض الوجه طيب الشمائل، فيقول: من أنت؟ فوجهك والله لا يأتي إلا بالخير، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي
هذا حال المؤمن الذي حافظ على الصلوات وترك النواهي والمحرمات.
قال: (أما العبد الكافر، -أو قال: العبد الفاجر- إذا كان في إدبار من الدنيا وإقبال من الآخرة جاءته ملائكة سود الوجوه، معهم كفن من أكفان النار وحنوط من حنوط النار وجلسوا منه مد البصر، ثم يأتي ملك الموت عليه السلام فيجلس عند رأسه فيقول: أيتها الروح الخبيثة صاحبة الريح الخبيث! أبشري بسخط من الله وغضب، فتسل روحه كما ينزع السفود من القطن -يعني الحديد المتشابك- فإذا قبضها ملك الموت لم تدعها الملائكة في يده طرفة عين حتى يلبسوه ذلك الكفن الذي من النار ويحنطوه بذلك الحنوط الذي من النار، وتخرج منه رائحة كأنتن رائحة على وجه الأرض، ويعرج به إلى السماء، فما يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: من هذه الروح الخبيثة صاحبة الريح الخبيث؟ فيقال: هذا فلان بن فلان -بأقبح أسمائه التي كان ينادى بها في الدنيا- حتى إذا جاءوا إلى أبواب السماء واستفتحوا له لم يفتح له. ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41]، ثم ينادي منادي الله: أن اكتبوا كتابه في سجين وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى. فتعاد روحه في قبره، فيأتيه الملكان فيقعدانه ويسألانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيخر في الأرض سبعين خريفاً، حتى إذا أفاق أقعداه وقالا له: وما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيضربانه حتى إذا أفاق قالا له: ومن ذلك الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: سمعت الناس يقولون كذا وكذا، فيقال له: لا دريت ولا تليت فينادي منادي الله: أن كذب عبدي، فافرشوا له فراشاً من النار وألبسوه لباساً من النار وافتحوا له باباً من النار. فيضيق عليه في قبره حتى تختلج أضلاعه، فيأتيه رجل قبيح المنظر قبيح الريح فيقول: من أنت، فوجهك والله لا يأتي إلا بالشر؟ فيقول: أبشر بالذي يسوءك؟ هذا يومك الذي كنت توعد، أنا عملك السيئ، فيقول: رب لا تقم الساعة
هذا حال الذين ضيعوا الصلاة وارتكبوا الفواحش والمنكرات، حالهم: يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66]، حالهم: أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [الأعراف:53] يبكون فلا يستجاب لهم، ينادون فلا يسمع كلامهم أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37].
اسمع يا صاحب القلب! اسمع وراجع الحسابات قبل فوات الأوان، قبل أن تبكي دماً، قالت الأم: أختك كانت تؤخر الصلاة عن وقتها.
إذا كان هذا حال الذي يؤخرون، فكيف سيكون حال الذين ينامون عن الصلوات؟ كيف سيكون حال الذين لا يصلون؟
كم سمعنا عن وجوه قد اسودت؟ كم سمعنا عن أبدان قد تقطعت؟
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [الأنفال:50-51].
مر رجل على قصر من القصور قد اجتمع عليه ملأ من الناس، فقال: ما الخبر؟ قالوا: إن الأمير قد بنى هذا القصر وجمع الناس، فقال لهم: من قال لي: أن في هذا القصر عيباً أعطيته ما شاء. قال الرجل قبل أن يدخل القصر فيه عيبان: أنه سيفنى القصر وسيفنى صاحبه:
عش ما بدا لك سالماً في ظل شاهقة القصور
يغدى عليك بما اشتهيـ ت من الرواح إلى البكور
فإذا النفوس تقعقعت في ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور
قيل لبعض الزهاد: ما أبلغ العظات؟ قال: النظر إلى محلات الأموات.
وسأل رجل أحمد : ما يرق قلبي؟ قال: ادخل المقبرة.
قال آخر: ما اشتقت إلى البكاء إلا خرجت إلى المقابر.
وما أعظم قول الصادق المصدوق في موعظة بليغة موجزة: (ألا إني قد نهيتكم عن زيارة القبر، ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة).
ما أحوجنا أن نخلو آحاداً آحاداً في ذلك المكان، اخلع النعال وسر بين القبور ففيها الأغنياء والفقراء والصغار والكبار سواء. يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57].
حتى تستفيد من الموعظة افعل ما توعظ به!
( ألا إني قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها )
فإن في زيارتها حياة للقلوب الغافلة، إن في زيارتها تذكيراً للغافل والناسي والساهي، والقبر لا يعرف صغيراً ولا كبيراً ولا يعرف غنياً ولا فقيراً.
الكل في ذلك المكان مرتهن بالعمل الذي عمله وبالعمل الذي قدمه.
فاتقي الله أمة الله! واتق الله عبد الله! اتق الله أيها الشاب في شبابك، واتق الله أيها الشيخ في شيبتك.
والله الذي لا إله إلا هو إن الذي حال بين الناس وبين التوبة والصدق في التوبة: طول الأمل، ومن أطال الأمل أساء العمل، قال سبحانه: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3].
يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل
الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
اللهم هون علينا الموت والقبر وظلماته، هون علينا السؤال وشدته، هون علينا اللحد وضمته.
اللهم امنن علينا بتوبة نصوح قبل الموت، وبشهادة عند الموت، وبرحمة بعد الموت يا رب العالمين.
اللهم ارحم ضعفنا وتقصيرنا وإسرافنا في أمرنا يا رب العالمين، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا يا ربنا من الراشدين.
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
اللهم نور على أهل القبور قبورهم، اللهم اغفر لهم وارحمهم ويسر أمورهم، اللهم آنس وحدتهم ونور ظلمتهم، اللهم أبدلهم داراً خيراً من دارهم، وأبدلهم أهلين خيراً من أهليهم.
اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه تحت التراب وحدنا، إذا نسينا الأحباب وفارقنا الأهل والأصحاب، اللهم كن لنا عوناً وظهيراً ومؤيداً ونصيراً يا رب العالمين.
اللهم لا تؤاخذنا بالتقصير، واعف عن الكثير، وتقبل منا اليسير، إنك يا مولانا نعم المولى ونعم النصير.
اللهم اجمع شملنا وأصلح ولاة أمورنا، انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك الموحدين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الموحدين، انصر المجاهدين في كل مكان، ثبت أقدامهم واربط على قلوبهم، أفرغ عليهم صبراً يا رب العالمين، عجل بنصرهم يا قوي يا عزيز، اكبت عدوك وعدوهم فإنهم لا يعجزونك يا جبار السماوات والأرضين.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
أستغفر الله العظيم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر