وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معاشر الأحبة! بالأمس القريب كنت في وليمة غلام صغير أتم حفظ كتاب الله تبارك وتعالى، وهذا والله لهو الشرف العظيم، فقد أتم حفظ كتاب الله تبارك وتعالى ولم يتجاوز الخامسة عشرة من العمر.
والوليمة التي تقام لحافظ القرآن الصغير تسمى: حذاقة، من حذق الشيء، أي: مهر بالشيء، ويوم الوليمة يسمى يوم الحذاقة.
ولما انتشر نور الإسلام يمنة ويسرة وتجاوز حدود هذه الجزيرة في غضون سنوات قصيرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ أخذت فارس والروم تتحدث: ما السر العجيب الذي غير حياة هؤلاء الأعراب؟! وما السر العجيب الذي نقل هؤلاء الأعراب الذين كانوا يتقاتلون ويتناحرون فيما بينهم إلى هذه الوحدة والتآلف؟! ما الذي غير حياتهم في سنوات قليلة؟! فوجدوا أن السر هو القرآن، وجدوا أن سر قوة هذه الأمة هو كتاب الله تبارك وتعالى، هذا الكتاب الذي تكفل الله بحفظه من التحريف والتغيير والتبديل كما قال سبحانه: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].
فتعال معي في دقائق معدودة لننظر كيف صنع هذا القرآن الأبطال؟ وكيف صنع هذا القرآن أولئك الرجال؟ وكيف غير مجرى حياتهم رأساً على عقب، فنقلهم من الذل إلى العزة، ومن الضياع إلى التمكين، ومن الفرقة إلى الوحدة والاتحاد.
كان في منأى عن سماع آيات القرآن يوم أن جهر به النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، فقد كان رويعي غنم فقيراً معدماً يرعى الغنم لـعقبة بن أبي معيط بقراريط قليلة.
يروي خبر إسلامه وبداية عهده مع الإسلام حتى أصبح سادس ستة من الذين دخلوا في الإسلام فيقول: (كنت أرعى الغنم في يوم صائف شديد الحرارة، إذ أقبل علي رجلان يظهر على سيماهما الوقار، فجاءاني فقالا لي: اسقنا من هذه الشياه، قلت: أنا مؤتمن، قال: فأعجبهم كلامي، فقال لي أحدهما: أحضر لنا شاة صغيرة لم ينز عليها فحل، فقلت في نفسي: ومتى كانت الشياه الصغيرة التي لم ينز عليها الفحول تدر لبناً؟ فجئتهم بأصغر الشياه، قال: فوضع يده على الضرع، ثم أخذ يردد كلمات، فإذا بالضرع قد انتفخ، فذهب صاحبه فأتى بحجرة مقعرة، وبدأ الحليب يدر من ذلك الضرع، وأنا أقول: كيف حدث هذا؟! فشرب الرجل وشرب صاحبه، وشربت معهم حتى ارتوينا، قال: ثم وضع يده على الضرع مرة ثانية وقرأ بكلمات فعاد الضرع إلى ما كان عليه، فلما أراد أن ينصرف قلت له: علمني من هذه الكلمات التي قلتها، قال: إنك غليم معلم)، وهذان الرجلان هما: النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ورويعي الغنم هو ابن مسعود الذي شهد تلك المعجزة ومعجزات كثيرة بعدها، بل كان هو إحدى تلك المعجزات التي رباها النبي صلى الله عليه وسلم.
ومرت أيام قليلة، وخرج ابن مسعود من الظلمات إلى النور، وترك رعي الغنم، وأصبح خادماً لسيد البشر صلوات ربي وسلامه عليه، بل أصبح من المقربين من النبي صلى الله عليه وسلم، وما غدا النبي صلى الله عليه وسلم إلا وابن مسعود معه، وما رجع من روحته إلا وابن مسعود معه، يحمل نعله، ويحمل عصاه، ويقدم له وضوءه، بل وصل إلى درجة من القرب من النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إذنك علي -يا
يقول أبو موسى الأشعري : كنا حيناً ما نرى ابن مسعود إلا من آل البيت.
وقد علمه القرآن كيف تكون الشجاعة، وكيف يكون الصدع بالحق، فلما انتقلت الدعوة من السرية إلى الجهرية اجتمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم -وأكثرهم من الضعفاء- ومن بينهم ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، فقالوا فيما بينهم: ألا من رجل يخرج إلى نوادي مكة يجهر بالقرآن على مسمع وعلى مرأى من أكابر قريش؟ ألا من رجل شجاع يخرج ويصدع بالقرآن على مسامع أولئك الكفار؟ فقال ابن مسعود : أنا، قالوا: لا؛ فليست لك عشيرة تحميك، وإنا والله! نخشى عليك من بطش أولئك الكفار، فقال: والله! لا يصدع بالقرآن إلا أنا، فكان أول من صدع بالقرآن على مسمع من مكة كلها، فخرج إليهم في ناديهم، وقد اجتمع القوم كبراؤهم وساداتهم في ضحى أحد الأيام، فإذا برويعي الغنم يعتلي مكاناً قريباً منهم ثم يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:1-4]، فإذا هم يسمعونه، فقال قائل منهم: ماذا يقرأ هذا الرجل؟! فقالوا: إنه يتلو الكلام الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقاموا إليه فأوجعوه ضرباً حتى أدموه رضي الله عنه وأرضاه، ورجع إلى القوم، فلما رأوا حاله قالوا: هذا ما كنا نخشاه عليك يا ابن مسعود ! قال: والله! لهم أهون في عيني مما كانوا من قبل، ولئن أردتم لأصدعن به مرة ثانية على مسمع ومرأى من الجميع، فلا التهديد ولا الضرب ولا الوعيد يحول بينهم وبين الصدوع بالحق، وهكذا رباهم القرآن.
كان ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه يتفجر علماً، كيف لا وهو أقرب الناس من النبي صلى الله عليه وسلم؟!
فقد كان من أقرب الناس هدياً وسمتاً واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى وصل إلى درجة من الرفعة لا يعلمها إلا الله، فقد بلغ به القرآن درجة عالية سامية.
ففي مرة من المرات، وبينما عمر في عرفة إذ جاءه رجل من الكوفة فقال: يا أمير المؤمنين! جئتك من الكوفة، وفيها رجل يقرأ القرآن على الناس عن ظهر قلب، فانتفخت أوداج عمر ، وغضب من هذا، فقال: من هو؟ قال: ذاك رجل يقال له: عبد الله بن مسعود ، قال: فانفرجت أسارير عمر وتبسم في وجه الرجل، وقال له: (والله لا أعلم رجلاً على وجه الأرض أحق من ابن مسعود في هذا) أي: لا أعلم أحداً على وجه الأرض أحق من ابن مسعود أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب، ثم قال عمر للرجل: (أنا سأخبرك بخبر
وبلغ بقراءته القرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يناديه من حين إلى حين ويقول له: (اقرأ علي القرآن يا
ولك أن تتخيل ذلك الموقف والمشهد العظيم.
بل بلغ من حب النبي صلى الله عليه وسلم له أنه قال: (لو كنت مؤمراً أحداً عليكم من غير شورى لأمرت عليكم ابن مسعود)، فمن الذي صنع ابن مسعود ؟ لقد صنعه القرآن، صنع ذلك الرجل كلام الله تبارك وتعالى حين قرأ القرآن ووعاه، وتدبر آياته وعمل بمقتضاه، فأحل حلاله، وحرم حرامه، يقول ابن مسعود عن نفسه: (أخذت من فم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعين سورة، وما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ومتى نزلت، ولماذا نزلت)، قال هذا هو العلم الحقيقي: (أخذت من فم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعين سورة)، مباشرة فماً لفم: (وما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ومتى نزلت، ولماذا نزلت، ولو كنت أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله على وجه الأرض تمتطى إليه المطايا لامتطيت إليه)، إنهم رجال صنعهم القرآن ورفع قيمتهم وجعل لهم شأناً، وقد تكفل الله بحفظه وبرعايته.
وكان لا يحب تضييع الأوقات، وهكذا شأن الرجال الأحبار، وشأن العلماء، فكان يقول: (والله! إني لأبغض الرجل أراه فارغاً لا يقضي أمراً من أمور الدنيا، أو من أمور الآخرة).
يقول ابن مسعود : (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم تبوك، فلما عسكر جيش المسلمين في تلك الليلة بتنا على أحسن حال، فاستيقظت في منتصف الليل، وكنت بجانب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا بفراش النبي صلى الله عليه وسلم خالٍ من صاحبه، فحسست فراش صاحبيه
قال: (فلما أنزله النبي صلى الله عليه وسلم في قبره قال: اللهم إني أمسيت عنه راضٍ فارض عنه)، يعني: عن عبد الله ذي البجادين .
فاسمع الأمنية، وقل: أين هي أمانينا من تلك الأماني؟ يقول ابن مسعود : (فوالله ما تمنيت إلا أن أكون صاحب تلك الحفرة)، تلك هي أمنياتهم: أن يحققوا رضا الله ورضا رسوله، صدقوا مع الله، وصدقوا مع كلام الله تبارك وتعالى، فصدق الله معهم، ورفع شأنهم، وشرح صدورهم، ويسر أمورهم، فحققوا في سنوات قليلة ما لم يحققه أقوام في عشرات بل في مئات السنين؛ إنهم رجال صنعهم القرآن، نفعنا الله بالقرآن العظيم، وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
أحبتي! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله! وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281].
خرج عمر مرة من المرات من المدينة يريد مكة للعمرة، وفي طريقه التقى بـعمرو بن نافع واليه على مكة، فقال له عمر : من وليت على أهل الوادي؟ أي: من خلفت بعدك على إمارة أهل الوادي؟ يعني: على أهل مكة؟ قال: وليت عليهم ابن أبزى ، قال عمر : ومن ابن أبزى ؟ قال: مولى من موالينا، قال: تولي على أهل الوادي مولى من مواليكم؟! قال: أما والله! إنه عالم بكتاب الله وبالفرائض، فقال عمر : أما والله! إني قد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين).
فـابن أبزى كان مولى من الموالي، وكان ابن مسعود رويعي غنم، فلم يؤت سعة من المال، ولا سعة في الجسم، ولا سعة في الجاه، ولم يكن حسبه ولا نسبه سبباً في رفعته عند الله تبارك وتعالى، لكنه القرآن.
إنه ابن الإسلام صنعة القرآن، فكيف أصبح عالماً، حبراً، زاهداً، مجاهداً في سبيل الله؟ لقد وصل إلى تلك الحال يوم أن قرأ القرآن، وتدبر آياته، وعمل بمقتضياته، وصل إلى تلك الحال يوم أن قرأ القرآن وعمل بآياته، وتدبر في مراد الله منه، وعمل بمقتضى كلام الله تبارك وتعالى، فأسألك بالله العظيم: أين نحن من القرآن اليوم؟! أين نحن من قوله تبارك وتعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]؟! أين نحن من قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278]؟! أين نحن من قوله تبارك وتعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]؟! أين نحن من آيات الجنة وآيات النار؟! فإن لم تحرك تلك الآيات فينا المشاعر والأحاسيس فمن الذي يحركها؟!
اعلم أن قيمتك عند ربك بقيمة كلام الله في حياتك، فإذا أردت أن تعرف قيمتك عند الله فانظر إلى قيمة كلام الله وأوامره ونواهيه في حياتك، وإذا أردت أن تعرف ماذا لك عند الله فانظر ماذا لله عندك في حياتك، فقيمتك بذلك القرآن الذي تقرأه وتعمل بمقتضاه.
وانظر إلى ما صنع القرآن بـابن مسعود ؟ فقد ارتقى شجرة يوماً فجاءت الريح فأطارت ثوبه وكشفت ساقيه، فإذا بالساقين دقيقتين نحيلتين، فلا سعة في المال ولا في الجاه ولا في الجسم، فقد كان كالعصفور الصغير، فضحك الصحابة لما كشفت الريح ساقي ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه لدقتهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تضحكون من دقة ساقي
قال صلى الله عليه وسلم: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) فقيمة الناس عند الله بما وقر في قلوبهم من إيمان، يقول علي رضي الله تعالى عنه عن ابن مسعود : (لقد ملئ فقهاً وعلماً).
ويقول أبو موسى : (لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم).
ولما أرسل عمر سلمان والياً على العراق جعل ابن مسعود معيناً ومستشاراً له، قال لأهل العراق: (والله! إني آثرتكم على نفسي بـابن مسعود ).
وكان من كلام ابن مسعود قوله: (من كان متأسياً فليتأس بمن مات، فإن الحي تخشى عليه الفتنة).
واعلم أن القرآن الذي صنع الجيل الماضي والذي صنع ابن مسعود وأولئك الرجال لا يزال يصنع أبطالاً.
وسأروي لك خبراً صغيراً عن شاب صغير في العاشرة من عمره، وكيف أثر القرآن على مسامعه، إنه طالب صغير في حلقة من حلقات القرآن، وكان يداوم على حفظ الكتاب يوماً بعد يوم، وكانت أمه بارك الله فيها هي التي تتعهده في البيت بالحفظ والمراجعة، فليت كل الأمهات كهذه الأم، فجاءها الصغير ابن العاشرة يوماً حزيناً منكسراً مهموماً مغموماً، فقالت الأم: صغيري! أنت صغير على الهموم والغموم، فقال لها: أماه! دعيني فوالله! إني مشغول، وانظر ماذا شغله، وقل: ما الذي شغل صغارنا اليوم؟ فما زالت الأم تلح عليه حتى يقول ما في نفسه، فقال لها: أماه! لقد قرأنا اليوم في الحلقة سورة الإنسان، فسمعت من أخبار الجنة العجب العجاب! يقول ابن العاشرة لأمه: أماه! سمعت من خبر الجنة اليوم العجب العجاب! يقول الله: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [الإنسان:12-14]، إلى أن بلغ قول الله تعالى: إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا [الإنسان:22]، ثم يقول الصغير لأمه: أماه! أسألك بالله! ما هو السعي الذي كانوا يسعونه حتى يقول الله لهم: إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا [الإنسان:22]؟! إنها آية أوقفت الصغير وجعلته مهموماً مغموماً؛ يتدبر في كتاب الله تبارك وتعالى.
قال عز وجل: إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا [الإنسان:22]، كان سعيكم مشكوراً إذ صبرتم على طاعتي، كان سعيكم مشكوراً إذ صبرتم على معصيتي، كان سعيكم مشكوراً إذ صبرتم على الأذى في سبيلي.
إنه القرآن الذي صنع الجيل الأول، ولا يزال يصنع أجيالاً متتالية، فأمة تقرأ القرآن وتقيم الحلقات في المساجد وتبذل من أجل كتاب الله أمة لا تقهر بإذن الله ما دامت تحفظ كتاب الله وتقيم آياته.
وما يمر به العالم الإسلامي اليوم خاصة سحابة صيف وستنقشع بإذن الله: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227]، فاشغلوا أوقاتكم بالقرآن، واحفظوا صغاركم في حلقات القرآن، وادعموا حلقات القرآن، وابذلوا من أجل إقامتها في المساجد وفي البيوت.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من خاصة أهل القرآن، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، وحفظنا إياه، وذكرنا منه ما نسيناه، وعلمنا منه ما جهلناه، وارزقنا تلاوته، وتدبر معناه، والعمل بمقتضاه، على الوجه الذي تحبه منا وترضاه، وارفعنا به الدرجات، وكفر عنا به الخطيئات، وألبسنا به الحلل، وأسكنا به الظلل، واجعله نوراً في وجوهنا، ونوراً في صدورنا، ونوراً في قبورنا، ونوراً وذخراً لنا يوم نلقاك يا رب الأرض والسماوات.
اللهم اجعلنا من خاصة أهله يا رب العالمين! اللهم اجعله قائدنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم.
اللهم وفقنا لحفظه وإتمامه وإتقانه، ولا تحرمنا خير ما عندك بأسوأ ما عندنا يا حي يا قيوم!
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!
اللهم من أرادنا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين!
اللهم طهر بلادنا وبلاد المسلمين من الفواحش والمنكرات، وادفع عنا الغلاء والربا والزنا والفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا! من الراشدين، واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وادفع عنا شرور كل ذي شر يا رب العالمين.
اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بأسوأ ما عندنا يا علي يا عظيم! اللهم اجعلنا من الذين هم على صلاتهم دائمون، واجعلنا من الذين هم على صلاتهم يحافظون، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم صل على محمد في الأولين، وصل على محمد في الآخرين، وصل على محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
اللهم ارض عن صحابته أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وسائر الصحابة أجمعين.
اللهم اجمعنا بهم في جنات النعيم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام!
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم. ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر