هذا الحديث بدأه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عند إخباره بتحديث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بقوله: (وهو الصادق المصدوق).
أولاً: قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بيان أصل تسمية السنة حديثاً، أي: أنه يقال لها: حديث؛ لأنها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وهنا قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذاً: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي حديثه الذي يحدث به أصحابه؛ ولهذا يقولون: إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته معناهما واحد، فإذا قال الفقهاء أو شراح الحديث: وهذه المسألة ثابتة بالسنة والإجماع، فإن المراد بالسنة ما يرادف الحديث، فإذاً: قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا هو بيان الأساس الذي بني عليه تسمية السنة حديثاً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث أصحابه، وهنا يخبر أنه حدثهم، فقال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قوله: (وهو الصادق المصدوق) هذا الكلام قاله ثناءً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس معنى ذلك أن المقام مقام احتمال أن يكون هناك شك، وأن من الناس من يشك في هذا الخبر، بل كل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو حق وصدق، ويجب تصديقه، وهذا هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن معناها: تصديقه بكل ما أخبر، وامتثال ما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه، وألا يعبد الله إلا طبقاً لما جاء به صلى الله عليه وسلم، فإنما قال ذلك تعظيماً وثناءً على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان أن هذا من جملة أمور الغيب التي لا تعرف إلا عن طريق الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأن هذا الذي أخبر به أمور غيبية لا تعرف إلا عن طريق الوحي، وقوله: (الصادق) يعني: الصادق في قوله، فهو صادق فيما يقول عليه الصلاة والسلام، المصدوق فيما يخبر به مما جاء به من الوحي، فهو صادق في قوله، وتصديقه متعين بكل ما أخبر به من خبر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
فإذاً: قوله: (يجمع في بطن أمه) يعني: ما يكون منه خلقه، والذي منه خلقه هو الماء كما قال الله عز وجل: خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ [الطارق:6] وقال: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ [المرسلات:20-22] يعني: هو من هذه النطفة، وهذه النطفة هي الماء القليل اليسير جداً، فقد تكون في الرحم مدة أربعين يوماً وهي نطفة، ثم بعد ذلك تتحول إلى قطعة دم متجمد يسير، ثم تكون علقة، ثم بعد ذلك تتحول إلى مضغة وهي قطعة من اللحم على قدر ما يأكله الآكل، وقيل لها مضغة لأنها تكون على قدر المضغة من الطعام.
ثم إذا وصلت إلى هذه المرحلة -التي هي الطور الثالث: المضغة- تكون بعد ذلك مخلقة أو غير مخلقة كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [الحج:5] والمخلقة: هي التي حصل فيها التصوير، وغير المخلقة: هي قطعة اللحم التي لم يحصل فيها تصوير، وفي هذه الحال تخلق، ثم بعد ذلك تستمر ويكون النفخ في الروح بعد كمال الأربعين الثالثة، وقد تسقط قبل ذلك ويكون دماً فاسداً أو قطعة لحم ليس فيها خلق إنسان، ولا يترتب على سقوطها حكم من الأحكام التي ترتبت على سقوطها بعد نفخ الروح، فبعد أن تكمل المائة والعشرين يوماً، وينفخ فيها الروح، ثم بعد ذلك تسقط، فإن الحال يختلف عن سقوطها قبل ذلك.
ثم الحياة الثانية وهي الحياة بعد البعث، وهي التي تكون مستمرة إلى غير نهاية، والإنسان فيها إما منعم وإما معذب، إما من أهل الجنة ويكون مستمراً فيها إلى غير نهاية، وإما من أهل النار ويكون مستمراً فيها إلى غير نهاية، وإن كان من المسلمين فإنه يعذب في النار على قدر جرمه إن لم يتجاوز الله عنه، ولكنه يخرج من النار ويدخل الجنة، وبعد ذلك الحياة مستمرة من حين البعث والنشور إلى غير نهاية.
إذاً: فإن الموتة الأولى هي الحالة التي يكون الإنسان فيها في بطن أمه قبل أن تنفخ فيه الروح، وقبل أن تحصل له الحياة باجتماع الروح والجسد؛ لأنه باجتماع الروح والجسد تحصل له الحياة، وقبل ذلك الحياة غير موجودة، وإذا نزعت الروح من الجسد في آخر عمره ودفن الميت خرجت الروح من الجسد فصار الموت، ولكن الروح لها اتصال بالجسد، فتنعم وتعذب وهي متصلة بالجسد، ومنفصلة عنه، وأمور البرزخ من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
وقد جاء في سورة المؤمنون ذكر الأطوار وكيفية خلق الإنسان أكثر مما جاء في هذا الحديث وفي آية الحج، وذلك في قول الله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ [المؤمنون:12-14] فذكر سبعة أحوال في هذه الآية من خلق آدم إلى أن خلق الإنسان على هيئته الكاملة التي قال الله عز وجل: ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14] وهنا كلمة: الْخَالِقِينَ لا يراد بها الموجدين؛ لأن الموجد هو الله وحده لا شريك له، وغيره لا يوصف بالإيجاد، ولكن المقصود بالخلق هنا: التقدير؛ لأن التقدير يمكن أن يكون من الإنسان والله تعالى يقدر وهو خير الخالقين، وأما الموجودون فلا أحد يوجد إلا الله عز وجل؛ ولهذا يأتي الخلق بمعنى التقدير، كما يقول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
يخلق أي: يقدر، وهو الذي يرسم شيئاً ثم ينفذه وفقاً لما رسم، فهذا يقال له: خلق، لكن الإيجاد من العدم إلى الوجود هذا لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى؛ ولهذا فقوله: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ذكر الخالقين والمقصود بههم المقدرون لا الموجودون، فهذه أطوار سبعة جاءت في هذه الآية:
أولها: خلق آدم من تراب، ونهايتها كون الإنسان يكون على هذه الهيئة، وهي الخلق السوي الذي هو الخلق الآخر بعد مضي هذه الأطوار التي قبله.
ثم في هذا دليل على أنه بعدما يكتب الملك هذه الكلمات، ويسأل الله عز وجل عنها فيجاب -وهي بيان رزقه وأجله، وذكر أو أنثى، وشقي أو سعيد- ويكون الإنسان خلق ذكراً أو أنثى فإنه لا يبقى علم الذكورة والأنوثة من العلم الذي اختص الله به؛ لأن الملك قد علم، فلم يبق من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى؛ وإذا كان الملك قد علم فإنه يمكن أن يعرف ما في البطن هل هو ذكر أو أنثى بواسطة وسائل؛ لأنه لم يبق من خصائص علم الغيب الذي يختص الله تعالى به؛ فقد علمه الملك والشيء الذي علمه غير الله عز وجل لم يكن من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا هو، نعم أنه قبل ذلك لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، لكن بعدما سأل الملك وأجيب، وعرف أنه ذكر أو أنثى صار ذلك مما علمه بعض المخلوقات، وهو الملك، فيمكن للناس أن يتمكنوا من معرفته؛ لأنه لم يبق من علم الغيب الذي اختص الله تعالى به، وفي هذا بيان أن الشقاوة والسعادة مقدرة، وأن كل شيء قد قدر، وسبق به القضاء والقدر، وأن الناس يصيرون إلى ما قدر لهم، ولكن ذلك بأفعالهم وأعمالهم، وليس قسراً لهم وقهراً وجبراً، وإنما يقدمون على ما يقدمون عليه بإرادتهم ومشيئتهم، فيتحقق بذلك ما سبق أن قدره الله عز وجل وقضاه من كون الإنسان شقي أو سعيد.
ثم قال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: (فو الله الذي لا إله إلا هو) وهذا فيه الحلف لتأكيد الأمر في نفس السامع، وإن لم يستحلف على ذلك، وهذا لزيادة تأكيد تحققه، وإلا فإن الخبر يجب تصديقه -حلف عليه أو لم يحلف- من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذا من زيادة التأكيد؛ لأن القسم يؤتى به للتأكيد، فهو صادق سواء حلف عليه أو لم يحلف، لكن الإتيان بالحلف زيادة في تأكيد حصوله ووقوعه طبقاً لما أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
(إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة) أي: بأعمال البر التي هي خير، والتي ثمراتها ونتائجها الوصول إلى الجنة.
(حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أي: ما يكون بينه وبين بلوغ الأجل إلا شيء يسير قليل جداً، فهذا فيه إشارة إلى جزء من الوقت إذا بقي هذا الوقت فإنه يحصل والعياذ بالله للإنسان انحراف عن ذلك الذي كان عليه من الخير والبر، وكان عليه من العمل الصالح، (فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) يعني: فيختم له بسوء والعياذ بالله، وتكون النهاية أنه ختم له بخاتمة السوء، ثم إن حصول هذا الذي حصل له في النهاية إنما حصل بعمله؛ ولهذا قال: (فيعمل بعمل أهل النار) هو نفسه يعمل بعمل أهل النار باختياره وإرادته يوم القيامة، وفي هذا بيان أنه لا بد من حصول واعتقاد الأمرين:
الأول: أن الإنسان يعمل، وأن عمله سبب في دخوله النار، وسبب في دخوله الجنة.
الثاني: أن الإنسان مخير، فهو يفعل باختياره ومشيئته وإرادته.
ومع ذلك الجملة التي قبله: (فيسبق عليه الكتاب) تفيد أنه مخير أيضاً، بمعنى: أنه لا بد وأن يحصل له ما قدره الله عز وجل وقضاه، فلا يقال: الإنسان مخير غير مسير، ولا مسير غير مخير، وإنما هو مخير مسير، مخير: باعتبار أن عنده إرادة ومشيئة وعقل يميز بين النافع والضار، وأنه قد يقدم إلى ما ينفعه أو إلى ما يضره، وعلى ضوء ذلك يثاب ويعاقب.
ومسير: أنه لا يحصل منه شيء لم يسبق به قضاء الله وقدره ومشيئته وإرادته؛ لأنه لا يقع في ملك الله عز وجل إلا ما شاءه الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا في هذه الجملة ذكر القدر، وذكر أيضاً كون الإنسان يصل إلى ما قدر عليه من النهايات بالأعمال التي يعملها وهي مقدرة، وتلك الأعمال إما أن تكون صالحة، وإما أن تكون طالحة. (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) يعني: بينه وبين بلوغ الأجل، ومعلوم أن الإنسان إذا بلغ الأجل انتقل إلى الدار الآخرة، وهو إن كان من أهل السعادة يصل إليه النعيم في قبره، وإن كان من أهل الشقاوة يصل إليه عذاب النار في قبره.
القسم الأول: منهم من يكون ولد على الخير ونشأ عليه، وختم له به، فتكون بدايته ونهايته كلها حسنة، مثل الشاب الذي نشأ في طاعة الله عز وجل في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: (وشاب نشأ في طاعة الله) فهو نشأ على خير واستمر عليه، ومات على خير، فتكون بدايته ونهايته كلها خير.
القسم الثاني: العكس، وهو الكافر الذي ولد بين كفار ونشأ على الكفر، واستمر ومات عليه، فالبداية والنهاية سيئة، فهاتان الحالتان المتقابلتان في السعادة والشقاوة من البداية حتى النهاية، وينتج عن ذلك دخول الجنة أو دخول النار.
القسم الثالث: من تكون بدايته حسنة، ونهايته سيئة، وهو الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في الجملة الأولى بقوله: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها) يعني: الأعمال بالخواتيم، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وإنما الأعمال بالخواتيم) وهذا يكون في مثل الذين كانوا مسلمين، ودخلوا في الإسلام، واستمروا عليه، وفي آخر الأمر أدركهم الخذلان فارتدوا عن الإسلام، وماتوا على الردة.
القسم الرابع: العكس، من تكون بدايته سيئة، ثم نهايته حسنة، أي: أنه يعمل بعمل أهل النار طيلة حياته، ثم في آخر الأمر يوفق فيدخل في الإسلام، وبعد فترة وجيزة يموت، فتكون حياته معمورة بالسوء، ثم في آخر الأمر حيث لم يبق إلا اليسير تحول وانتقل من حال سيئة إلى حال حسنة. وختم له بها، ومن أمثلة هذا القسم السحرة الذين كانوا سحرة مع فرعون، فإنهم كانت حياتهم كلها مبنية على الكفر والسحر، وفي آخر الأمر آمنوا برب هارون وموسى، وبعد ذلك ماتوا على هذا وانتهوا إليه، فكانت حياتهم كلها شر قبل الإيمان، وفي الآخر ابتلوا وصارت نهايتهم حسنة وطيبة، ومثل ذلك الحديث الذي رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه: (أن غلاماً من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فذهب إليه الرسول صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال له: أسلم وعرض عليه الإسلام، وكان أبوه موجوداً عنده، فنظر إلى أبيه، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم مات، فقال عليه الصلاة والسلام: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) يعني: كان على ما كان عليه أبواه، كان على دين اليهودية، وبعد ذلك ختم له بخاتمة السعادة، ولم يكن بينه وبين الموت إلا شيء يسير جداً، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومات ولم يعمل عملاً، فختم له بخاتمة السعادة.
فهذه هي الأقسام الأربعة التي لا يخرج الناس عنها بالنسبة للبدايات والنهايات، وقريب من هذا التقسيم خلق الناس من الذكر والأنثى، فإن القسمة أيضاً رباعية؛ لأن المخلوقات أربعة أقسام:
منهم من خلق من غير ذكر وأنثى وهو آدم، فإنه خلق من تراب، ومنهم من خلق من ذكر كحواء، ومنهم من خلق من أنثى كعيسى عليه السلام، وبقية الخلق خلقوا من ذكر وأنثى.
ومثلها أيضاً انقسام الناس في تحصيل الأولاد إلى أربعة أقسام:
منهم من يكون له ذكور وإناث، ومنهم من يكون له ذكور خلص، ومنهم من يكون له إناث خلص، ومنهم من يكون عقيماً ليس له شيء من هذا ولا من هذا، فهي أيضاً قسمة رباعية.
الحاصل: أن الحديث في نهايته اشتمل على هاتين الحالتين من الأحوال الأربع، وهي: من بدايته حسنة ونهايته سيئة، ومن بدايته سيئة ونهايته حسنة.
ما حكم الرؤى المنامية في تصحيح الأحاديث أو تضعيفها؟
الجواب: لا يعول عليها، والحديث صحيح بدون رؤى، وهذه الرؤيا إن صحت أنها رؤيا، وأنها وقعت فقد وقعت مطابقة، لكن كونه يبنى على الرؤى شيء لم تثبت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعول على ذلك أبداً، فإذا كان هناك حديث ضعيف، ثم رأى أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني حدثت به، لا يعول على ذلك، وإنما هذه رؤيا مطابقة لحديث صحيح، والعبرة إنما هو بصحة الحديث الرؤيا، وجدت الرؤيا أو لم توجد، لكن إن وجدت، وكانت صحيحة فهي مؤكدة، فالتأكيد بها يمكن؛ لأنه ما في مانع، لكن كونه يؤسس عليها أحكام، فالتأسيس غير التأكيد كحديث ضعيف يأتي إنسان ويقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه صحيح فهذا لا يعول عليه.
الجواب: الاتصال كما هو معلوم غير الصحة، ويمكن أن يتصل الحديث أو الإسناد ولكن لا يكون صحيحاً؛ لأن الصحة شيء آخر غير الاتصال؛ فالصحيح: ما روي بنقل عدل تام الضبط متصل السند، غير معلل ولا شاذ، وهناك شيء آخر وراء الاتصال؛ لأنه قد يحصل الاتصال ويكون معه ضعف، وقد يحصل الاتصال ومعه ثقة الرجال، ويكون مع هذا كله الشذوذ الذي هو: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه.
على كل: كونه ثابت أو غير ثابت لا أدري، لكن إذا كان ثابتاً فيكون ما اقتضاه صحيحاً من ناحية، وهذا قاله بعض الشراح، يعني: الماء يطير في جسد المرأة، ثم بعد ذلك يرجع، فإذا صح لا يوجد فيه إشكال، لكن حيث لم يصح ولم يثبت فإنه يكون الأقرب والله أعلم أن هذا الاجتماع الذي يكون بين ماء الرجل وماء المرأة، والذي يتكون منه خلق الإنسان.
الجواب: قبل نفخ الروح لا يكون إنساناً؛ لأن الإنسان هو المكون من الروح والجسد، وليس من واحدة منهما، وهو إنما كان إنساناً في نفخ الروح، وكونه حصل اجتماع الأمرين فيه فهو الروح والجسد، فلذلك لا يكون إنساناً حتى تأتي الروح وتدخل في الجسد، وإنما يعتبر قطعة من اللحم لا توصف بحياة، بل هي موصوفة بالموت كما ذكرت أنها الموتة الأولى التي كان الإنسان فيها في بطن أمه، وكان لحماً ليس فيه روح، فيكون بذلك في حال الموتة الأولى، والحياة تبدأ بنفخ الروح؛ ولهذا تترتب الأحكام على نفخ الروح فيه، فإذا أكمل مائة وعشرين يوماً وأسقط بعد ذلك، فإنه تترتب عليه الأحكام التالية: يغسل ويصلى عليه، وتكون به أمه أم ولد إذا كانت أمة، وكذلك أيضاً تخرج المرأة من العدة إذا كانت حاملاً، سواء كانت عدة وفاة أو عدة طلاق، وتكون المرأة نفساء أيضاً، ولا تصلي ولا تصوم في حال نفاسها حتى ينقطع الدم وإذا كان قبل ذلك فإنه لا تعتبر نفساء، ولا تمتنع من الصلاة والصيام، وهذا دم فساد ولا يقال له دم نفاس، وكذلك الأمور الأخرى لا يترتب عليه أنه يصلى عليه إذا كان قبل هذا السن أو هذا المقدار من مدة مكثه في البطن، ولو حصل فيه التخلق؛ لأن التصوير يمكن أن يكون قبل ذلك؛ لأن حديث ابن مسعود ما فيه تعرض للتصوير، لكن جاء في القرآن: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [الحج:5] في المضغة، والمخلقة قيل: هي المصورة، وغير المخلقة: هي غير المصورة، لكنه لا يعتبر إنساناً إلا إذا نفخت فيه الروح، فبعد مائة وعشرين يوماً تترتب عليه الأحكام، وقبل ذلك فالأحكام تختلف عن الأحكام قبل ذلك؛ لأنه قبل ذلك يعتبر ميتاً، وبعد ذلك يعتبر حياً، فإذا حصلت الولادة بعد أن صارت فيه الحياة أجريت عليه كل الأحكام، وإذا كان قبل ذلك فإنه يعتبر دماً فاسداً خرج من المرأة فلا يغسل ولا يصلى عليه إذا كان مخلقاً، وكذلك أيضاً لا تعتبر المرأة ولدت، وإنما يكون ذلك بعد المائة والعشرين.
وإذا نزل وفيه ملامح أعضاء فإن كان قبل المائة والعشرين فهو يصير في حكم الميت من أهل الموتة الأولى التي تكون قبل نفخ الروح فيه؛ لأنه لا يكون إنساناً إلا إذا نفخت فيه الروح، والإنسان مكون من مجموع الروح والجسد، كما أن العبد مكون من مجموع الروح والجسد؛ ولهذا قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أسري به بروحه وجسده؛ لأن الله تعالى قال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الإسراء:1] والعبد: إنما هو اسم لمجموع الروح والجسد، فلا يقال: إن الإسراء بالروح دون الجسد، وإنما هو بمجموع الأمرين؛ لأن العبد اسم لمجموعهما، والإنسان اسم لمجموعهما، كما أن الكلام اسم للفظ والمعنى، لا يقال: إنه اسم للمعنى دون اللفظ، ولا يقال: للفظ دون المعنى، وإنما هو لمجموع الأمرين، الكلام اسم للفظ والمعنى، والإنسان اسم للروح والجسد.
الجواب: حديث ابن مسعود ثبت في الصحيحين وحديث حذيفة بن أسيد هذا لم يخرجه البخاري وإنما خرجه مسلم ، بل أعرض عنه البخاري ، وأما مسلم فإنه أخرجه.
فمن العلماء من قال: إن المعول هو ما جاء في حديث ابن مسعود ، وحديث حذيفة ما تعرض لنفخ الروح، وإنما جاء نفخ الروح في حديث ابن مسعود وهو بعد مائة وعشرين يوماً، فيمكن أن يجمع بينهما بأن التصوير -كما هو معروف- يتم في الطور الثالث؛ لأن الطور الثالث فيه قوله تعالى: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [الحج:5]، يعني: أنها مصورة وغير مصورة، وذلك قبل نفخ الروح فيه، فيكون بذلك إما أن الكتابة حصلت مرة واحدة، والمعول في ذلك على ما جاء في حديث ابن مسعود أو أنها حصلت مرتين، مرة في الأربعين الثانية، ومرة بعد الأربعين الثالثة، وبعض أهل العلم قال بهذا، وبعضهم قال بهذا، وأظن ابن رجب رجح أن تكون الكتابة واحدة، وهي الكتابة التي تكون عند نفخ الروح فيه.
فيمكن أن يكون التصوير بعد الأربعين الثانية، لكن لا يترتب عليه حكم من الأحكام؛ لأنه ما جاء أنه تنفخ فيه الروح إلا بعد المائة والعشرين في حديث ابن مسعود .
ويمكن أن يكون هناك تخليق متفاوت، فإذا لم يرجح حديث ابن مسعود على حديث حذيفة بن أسيد يكون هذا وهذا، وكل منهما قد حصل.
الجواب: هذا ليس صحيحاً؛ لأنه جاء ما يبين أنه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال بعده: كذلك رواه سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب عن ابن مسعود من قوله.
وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة أيضاً، والأصل عدم الإدراج حتى يثبت الإدراج.
الجواب: نعم، هذا مثاله، هذا من جملة الحالات التي يكون فيها الإنسان عمل أعمالاً طيبة فيما يظهر للناس، ولكن الشروط عنده ما توافرت، فلا تقبل لوجود خلل فيها، وإن كان ليس بهذا الوصف الذي جاء في الحديث أنه راءى.
وابن رجب أو غيره ذكر هذين المعنيين في قوله عز وجل: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف:30] قال: التوفيق بين ما جاء في الآية وما جاء في الحديث بجوابين:
أحدهما: أن يكون هذا الذي عمله فيما يظهر للناس، ويكون عنده مراءاة تمنع من قبول عمله، وأنه في ظاهر أمره من عمل أهل الجنة، ولكن الواقع أنه من عمل أهل النار؛ لأن الظاهر خلاف الباطن، ويكون هذا من جنس النفاق، الذي يظهر صاحبه للناس شيئاً والواقع بخلافه، أو أنه لم تحصل له اكتمال الشروط في قبول العمل الذي لا يضيعه الله عز وجل.
الجواب: بعد المائة والعشرين التي حصل فيها نفخ الروح يمكن، وبعد أن علم الملك أنه ذكر أو أنثى لا يعتبر من علم الغيب الذي اختص الله به، وقبل أن يعلم أحد من خلقه فإنه يكون من خصائصه سبحانه، لكن بعدما علم الملك يمكن أن يعلم الناس ذلك، ولا يقال: إن هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله؛ لأنه علمه غير الله.
الجواب: الذي لا إشكال فيه أن الجنين لا يتعرض له بإسقاط، وبعض أهل العلم قال: إذا كان في الشهر الأول يجوز إسقاطه، والأصل أنه لا يتعرض له بإسقاط حتى في الشهر الأول؛ لأن الحمل وجد، فالحمل يحافظ عليه، وهذا هو الذي لا إشكال فيه.
الجواب: إذا كان كما جاء في حديث ابن مسعود قال: ذكر أو أنثى، وذلك بعد مائة وعشرين يوماً فلا إشكال، وأما على حديث ابن أسيد فممكن، والتعويل هو على حديث ابن مسعود والله أعلم، لكن بعد المائة وعشرين يوماً ما فيه إشكال، وكما هو معلوم قبل ذلك لما كان علقة كيف يطلع عليه الناس بواسطة هذه الأجهزة وكيف يمكن أن يتوصلوا إلى معرفة شيء ولا ندري هل حصل التخليق أو لم يحصل في هذه المدة؟ لأن الذي جاء في القرآن: (( مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ )) بالنسبة للمضغة، لكن قبل ذلك ما جاء إلا في حديث حذيفة بن أسيد .
الجواب: ظلمة البطن، والرحم، والمشيمة، وهي الغشاء الذي يكون حول الجنين؛ لأنه يوجد ثلاث أغطية، أول شيء: المشيمة التي هي الغطاء الخفيف الذي يكون في داخله الجنين، ثم الرحم، ثم البطن، فهذه ثلاث ظلمات.
الجواب: الظاهر أنه ملك واحد موكل بالأجنة، مثل ملك الموت.
الجواب: لا، ما يمكن؛ لأن هذا شيء وهذا شيء، الشقاوة والسعادة وإن علمها الملك ليس بإمكان الناس أن يعرفوها، وليس كل ما يعلمه الملك يمكن أن يعلمه الناس؛ لأن الملائكة يعلمون ما في السماوات، ونحن لا نعلمه، الملائكة يعلمون أموراً في السماوات، ونحن لا نعلمها ولا نعرف عنها شيئاً، فليس كل ما يعلمه الملك يعلمه الناس، لكن قيل في الذكورة والأنوثة بالوسائل والأجهزة الحديثة يمكن أن يعرف أنه ذكر أو أنثى، وبهذا يخرج لو قال أحد: إن الذي في هذه البطن هو ذكر أو أنثى، فلا يقال: إن هذا من علم الغيب؛ لأن هذا يمكن أن يعرف ما دام أنه علم الملك بأنه ذكر أو أنثى، لكن هناك أمور تعلمها الملائكة وهي من الأمور الغيبية، فهي غيب بالنسبة لنا وليس لنا أن نتكلم فيها ونحن ما عندنا منها علم، والملائكة يعلمونه، فلا يقال: إن كل ما يعلمه الملائكة يمكن أن نعلمه، ففرق بين كون الملك عرف الشقاوة والسعادة، وعرف أن ما في البطن ذكر أو أنثى؛ لأن الشقاوة والسعادة لا يمكن أن يتوصل إليها أحد، وأما الذكورة والأنوثة فيمكن أن يتوصل إلى معرفتها بأجهزة وبوسائل وما إلى ذلك.
الجواب: الأمر جائز، ولكن رسول الله ما حلف في كل شيء، وإنما حلف في بعض الأحوال دون بعضها، لكن كون الإنسان يلتزم هذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما التزمه.
ثم أيضاً كون الإنسان يحلف على ما يفتي به يحلف على ماذا؟ يقول: إن هذا حق! قد يكون اجتهد فأخطأ، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المجتهدين ينقسمون إلى قسمين: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد) فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المجتهدين ينقسمون إلى مصيب ومخطئ، وليس كل مجتهد مصيب، أي: ليس كل مجتهد مصيب حقاً، أما كون كل مجتهد مصيب أجراً فنعم مع التفاوت في الأجر، المجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد، فكل من المجتهدين مصيب ومحصل أجراً، وأما كون كل مجتهد يصيب الحق، فالحديث يدل على عدم ذلك، وعلى أن ذلك غير صحيح؛ لأنه قسم المجتهدين إلى مصيب ومخطئ، فلا يقال: إن كلهم مصيبون.
وقد ذكر ابن القيم عدة أيمان النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت في الأحاديث كلها، وأظنها سبعين أو فوق السبعين في هذه الحدود، فذكر كل ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حلف به، وهو ما ذكر الأيمان، وإنما ذكر عددها، وكون الإنسان يحلف على شيء يجزم به واضح مثلما جاء في حديث ابن مسعود هذا، أو شيء ثبت به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن منسوخاً ولا مرجوحاً أي: أنه محكم، فإذا حلف الإنسان على ما جاء في الحديث فيمكن، لكن كون الإنسان يحلف على فتواه، أو على كل ما يفتي به يحلف به، فهذا غلط، وقد يكون مخطئاً.
الجواب: يرجع إلى الجنة والنار: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها) أي: الجنة والمقصود من ذلك كما عرفنا، الموت الذي وراءه نعيم الجنة أو عذاب النار؛ لأن الإنسان ينعم في قبره بنعيم الجنة، ويعذب بعذاب النار وهو في قبره، كما قال الله عز وجل في آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] يعني: تقوم الساعة، ويحصل البعث، فهم يعذبون في قبورهم بعذاب النار، وكذلك حديث البراء بن عازب : (يفتح له باب من الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها.. يفتح له باب من النار فيأتيه من حرها وسمومها).
الجواب: أنه لما ذكر أطوار الإنسان، ثم ذكر الشقاوة والسعادة، بعد ذلك ذكر قضية السعادة والشقاوة، وأن العبرة بالنهاية؛ لأنه أولاً خلق الإنسان وكيف تم خلقه، ولما جاء عند ذكر شقي أو سعيد، عقبها بقوله: بأن الشقاوة والسعادة سبق بها القضاء والقدر، وأن كل شيء سينتهي إلى ما قدر له، وأن العبرة بالخواتيم؛ ولهذا كان بعض العلماء يلعن المعين مقيداً بالموت مثلما كان يفعله ابن كثير رحمه الله، فإنه كان إذا كان شخص معين فيه خبث وفيه كذا، قيد اللعن بكونه مات على الكفر، مثلما قال في الفارابي عندما ذكر ترجمته في البداية والنهاية، قال: إنه كان يقول بمعاد الأرواح دون الأجساد.. ثم قال: إن كان مات على ذلك فعليه لعنة رب العالمين؛ لأن العبرة بالنهاية.
الجواب: لا، لا يقال: إنه من سوء الخاتمة، قد يكون الإنسان مستمراً على حالة طيبة، ومات فجأة، وقد يكون الإنسان على حالة سيئة ومات فجأة، فلا يقال: إن موت الفجأة من سوء الخاتمة؛ لأنه قد يموت إنسان مستقيم على طاعة الله وملازم لتقوى الله فجأة.
وإن الملك الموكل بالنطفة يكتب ما يقدر الله سبحانه على رأس الأربعين الأولى حتى يأخذ في الطور الثاني وهو العلقة، وأما الملك الذي ينفخ فإنما ينفخها بعد الأربعين الثالثة، فيؤمر عند نفخ الروح فيه بكتب رزقه وأجله وعمله، وشقاوته أو سعادته، وهذا تقدير آخر.
يعني: إذا كانا ملكين مختلفين فلا إشكال، فالإشكال إذا كان الذي يكتب ملكاً واحداً؛ لأنه إذا كتب في الأول فكيف يسأل في المرة الثانية عند الكتابة الثانية؟! أما إذا كانت الكتابة الأولى حصلت من ملك، والكتابة الثانية حصلت من ملك آخر، فالأمر واضح.
قال: وهذا تقدير آخر غير التقدير الذي كتب بالنطفة، ولهذا قال في حديث ابن مسعود : (ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات)، وأما الملك الموكل بالنطفة فذاك راكب معها ينقلها بإذن الله من حال إلى حال، فيقدر الله سبحانه شأن النطفة حتى تأخذ في مبدأ التخليق وهو العلق، ويقدر شأن الروح حين تتعلق بالجسد بعد مائة وعشرين يوماً، فهو تقدير بعد تقدير، فاتفقت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق بعضها بعضاً، ودلت كلها على إثبات القدر السابق، ومراتب التقدير، وما يؤتى أحد إلا من غلط الفهم أو غلط في الرواية، ومتى صحت الرواية وفهمت كما ينبغي تبين أن الأمر كله من مشكاة واحدة صادقة متضمنة لنفس الحق، وبالله التوفيق. اهـ
والعلماء اختلف تفسيرهم لهذا الحديث كما ذكر ذلك ابن رجب وغيره، وذكر كلاماً غير هذا الكلام، فالمسألة اجتهادية، ولكن إذا ثبت أن الملك الأول غير الملك الثاني فيكون الأمر واضحاً.
والله تعالى أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر