الزواج العرفي باطل شرعاً وعرفاً، ونظراً لخطورة هذا العنصر فاسمحوا لي أن أركز فيه الحديث مع حضراتكم في المحاور التالية:
أولاً: صورة الزواج العرفي القائم.
ثانياً: بطلانه عرفاً.
ثالثاً: بطلانه شرعاً.
صورة الزواج العرفي
أولاً: صورة الزواج العرفي القائم الآن:
تتلخص في التقاء الرجال بالنساء أو الشباب بالفتيات في العمل أو في المدارس أو الجامعات في اختلاط رهيب مدمر، فيترصد الشاب لفتاة مستهترة!! يعرفها الشباب جيداً، فهي تعلن عن نفسها بصراحة ووضوح من خلال ثوبها العاري أو الضيق الذي يظهر كل مخبوء من مفاتنها، ومن خلال شعرها المكشوف، وعطرها الأخاذ، وصوتها المؤثر، وحركاتها المثيرة، فيترصد الشاب لها، ويلهب مشاعرها بوابل من كلمات الحب والعشق والغرام التي حفظها من كتب الأدب المكشوف، والمسلسلات والأفلام، ويقسم لها أنه يحبها حباً قد أحرق فؤاده، وأنه مصر على أن يتزوج بها، ولكن ظروفه لا تسمح الآن!! ومن هنا يحاول إقناعها بالزواج في السر بغير ولي -أي: بدون علم والد الفتاة- وبغير إشهار، ولا إعلان، ولا مهر، ولا نفقة، ولا مسكن، وليكمل فصول خديعته الكبرى يأتي بورقة، ويشهد عليها زميلين من زملائه المقربين ممن يعرفون علاقاته المحرمة والمشبوهة؛ ليكون هو الآخر بدوره شاهداً لواحد منهم على عقد عرفي باطل جديد، هذه هي الصورة المشئومة للزواج العرفي المزعوم، التي نراها الآن في مجتمعات المسلمين.
بطلان الزواج العرفي عرفاً
هل يقر عرف الناس هذا الزنا؟!
الجواب: لا ورب الكعبة، بل العرف يبطله، وهذا هو المحور الثاني، فالعرف عند علماء الأصول: هو ما تعارف عليه الناس في عاداتهم ومعاملاتهم، وقد يكون هذا العرف معتبراً شرعاً، وقد لا يكون معتبراً شرعاً، بمعنى: أن الشرع المطهر قد يقر عرفاً، وقد يبطل عرفاً آخر، ومن ثم فالعرف المعتبر شرعاً: هو الذي لا يخالف نصاً شرعياً أو قاعدة من قواعد الشريعة.
وعلى هذا التأصيل، فإن الناس لم يعرفوا أبداً هذا الزواج العرفي المزعوم، ولم يعتادوا في تزويجهم لأبنائهم وبناتهم على هذه الصورة الخبيثة، والعلاقة المحرمة التي تتم في السرية والظلام والخفاء، والتي تقوم على النفاق والغش والخداع والخيانة بين شاب وفتاة، بين شاب مستهتر خان أهله ومجتمعه بعد أن خان الله ورسوله، وفتاة مستهترة خانت أهلها ومجتمعها بعد أن خانت الله ورسوله، وإن توهم أحدهم وخادع نفسه، وظن أنه متزوج بالحلال، وأن ذلك هو عرف الناس اليوم، فأنا أسأله وأرجو أن يصدق في الجواب: لماذا أخفيت هذا الزواج عن أقرب الناس إليك إن كنت تعلم أنه زواج شرعي صحيح؟
لماذا أخفيته عن أهلك الذين لا زالوا ينتظرون اللحظة التي ستتخرج فيها من الجامعة؛ ليفرحوا بك وأنت مع زوجتك في الحلال الطيب؟
ثم ألا تشعر بالخيانة والنفاق والخداع وأنت تأخذ المصروف في الصباح من والدك، وتذهب بعد ذلك من الجامعة إلى شقة مفروشة أو إلى غرفة مظلمة لتزني بفتاة بدعوى الزواج؟!
ثم لماذا تتلصص وتبحث عن مكان خفي لا يراك فيه أحد من الناس لتقضي وقتاً في الرذيلة والحرام مع فتاة تدعي أنها زوجتك؟
ثم هل تقبل أن يأخذ شاب من زملائك في الجامعة أختك أنت إلى نفس الشقة المفروشة ليزني بها بدعوى أنها زوجته؟
ثم هل تقبل بعد ذلك أن تخرج ابنتك إلى الجامعة؛ لترجع إليك بحمل في بطنها بدعوى أنها متزوجة، وأنت لا تعلم عن هذا الأمر شيئاً؟!
أخي! أجبني بصدق وتذكر قول القائل:
يا هاتكاً حرم الرجال وتابعاً طرق الفساد فأنت غير مكرم
من يزني في قوم بألفي درهم في قومه يزنى بربع الدرهم
إن الزنا دين إذا استقرضته كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
ثم لا تنسى أبداً قول الله تعالى:
بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ *
وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة:14-15]، وردد كثيراً قول الله جل وعلا:
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47].
وأنت أيتها الفتاة الجريئة! يا من وضعت رأس والدك في الوحل والطين والتراب إلى الأبد، يا من وضعت شرف العائلة بأسرها في الوحل والطين والتراب إلى الأبد، يا من ضيعت أطهر وأشرف وأغلى ما تعتز به كل فتاة طاهرة شريفة، يا من دنست طهرك بأوحال الرذيلة والعار؛ لا تخدعي نفسك بأنك متزوجة في الحلال الطيب، وإن كنت لا زلت تتوهمين وتظنين ذلك، وتدعين أنك أيضاً متزوجة في الحلال، وأن هذا هو عرف الناس اليوم؛ فأنا أسألك وأرجو أن تصدقي في الجواب: هل يعقل أن تتزوج فتاة طاهرة شريفة في السر والظلام بدون علم والدها المسكين، وبدون علم أمها التي سهرت وربت، بل وهي لا زالت إلى الآن تتضرع إلى الله أن يرزقك بالزوج الصالح، وهي مسكينة لا تدري أنك متزوجة؟!
ثم ألا تشعرين بالخيانة والنفاق والخداع وأنت ذاهبة في الصباح إلى الجامعة أمام الأهل والأسرة، ومنها إلى شقة مفروشة أو غرفة مظلمة بين أحضان شاب في الحرام؟
يا للعار!!! يا للخيانة!!! يا للخداع!!! وبعد ذلك تكذبين وتزعمين وتتوهمين أن هذا هو عرف الناس اليوم!!!
لا والله، بل العرف يبطله، بل وكذلك شرع الله يبطله، وهذا هو المحور الثالث.
بطلان الزواج العرفي شرعاً
عدم جواز رد الأدلة الصريحة لقول أبي حنيفة رحمه الله
لا يجوز -يا مسلمون- لأيِّ منصف على وجه الأرض بعد هذه الأدلة الناصعة من القرآن والأحاديث الصحيحة الصريحة من سنة النبي عليه الصلاة والسلام أن يحتج علينا بقول لـ
أبي حنيفة رحمه الله أجاز فيه النكاح بدون ولي محتجاً بالقياس على البيع، بمعنى: أن المرأة تستقل ببيع سلعتها ومن ثم فلها أن تزوج نفسها!
هذا قياس فاسد الاعتبار؛ لأنه قياس مع وجود نص، والقاعدة الأصولية تقول: لا قياس مع النص، هذا باتفاق علماء الأصول، والذي أدين به تبجيلاً مني لـ
أبي حنيفة رحمه الله: أن الدليل الصريح في هذه المسألة لم يبلغه، وهذا لا يقدح في علم
أبي حنيفة فإن من الصحابة رضي الله عنهم من لم يبلغه الدليل في كثير من المسائل، بل وأنا أكاد أجزم أن
أبا حنيفة لو بلغه الدليل في هذه المسألة -أي: الدليل الصريح- لقال به، ولم لا! و
أبو حنيفة رحمه الله هو القائل: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وهو القائل: لا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلنا؟
وستعجبون إذا علمتم أن الإمام
الطحاوي رحمه الله قد ذكر في شرح معاني الآثار: أن
أبا يوسف و
محمد بن الحسن -وهما أتبع الناس لـ
أبي حنيفة ، وأعلمهم بقوله- خالفا
أبا حنيفة في هذه المسألة، بل وفي كثير من المسائل الأخرى وقالا: لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها إلا بإذن وليها، فهل يجوز بعد ذلك لمسلمة أو مسلم أن يقدم قول
أبي حنيفة على قول الله جل وعلا أو على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
شروط عقد الزواج
يا أيها الشباب! ويا أيتها الفتيات! اعلموا بأن أي زواج بغير إذن الولي فهو زواج باطل.. باطل.. باطل.. وإن سجل في أوراق عادية، بل ولو سجل في وثيقة زواج رسمية، وأكرر أقول: إن أي زواج بغير إذن الولي فهو زواج باطل وإن سجل في ورقة كراسة عادية، بل وإن سجل في وثيقة زواج رسمية عند مأذون.
واعلموا أن أيَّ زواج يباركه الولي، ويأذن به ويعقده بنفسه، ويشهد عليه الشهود، ويعلن، ويفرح به المجتمع الإسلامي؛ فهو زواج شرعي صحيح، وإن لم يسجل أو يوثق في وثيقة رسمية عند مأذون، فهذه الوثيقة من باب المصالح المرسلة لضمان حقوق النساء في زمان خربت فيه الذمم، وقل فيه أهل الأمانة.
إذاً: كل زواج يتم بدون إذن الولي فهو زواج باطل بنص القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الشرط الأول الشرط الثاني من شروط العقد: الإعلان والإشهار: فلقد أوجب الإسلام إعلان الزواج وإشهاره، فالإسلام لا يعرف ولا يعترف بالزواج في السر أبداً، ففي الحديث الذي رواه
أحمد و
ابن حبان و
البيهقي و
الطبراني بسند حسن من حديث
عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
أعلنوا النكاح)، وفي رواية
للطبراني بسند حسن بشواهده من حديث
يزيد بن السائب : (
أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل: هل يرخص لنا في اللهو عند العرس؟ قال: نعم، إنه نكاح لا سفاح.. إنه نكاح لا سفاح، ثم قال صلى الله عليه وسلم: أشيدوا النكاح) أي: أعلنوه وأظهروه ولا تسروه.
الشرط الثالث من شروط العقد: المهر، فالمهر واجب على الرجل، وهو حق كامل للمرأة، قال الله جل وعلا:
وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4]، وقد حث الإسلام على التخفيف وعلى التيسير في المهر، بل وستعجبون إذا علمتم أن النبي صلى الله عليه سلم قد زوج رجلاً بامرأة بما يحفظه من كتاب الله تعالى، والحديث في الصحيحين من حديث
سهل بن سعد رضي الله عنه: (
أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! لقد وهبت نفسي لك)، وأود أن أبين أيضاً: أن الوهب أمر خاص بالنبي، فلا يجوز لامرأة على وجه الأرض أن تهب نفسها لرجل أياً كان، هذا أمر خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام: (
فلما لم يخطبها النبي لنفسه قال رجل من الصحابة: زوجنيها -يا رسول الله- إن لم يكن لك بها حاجة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فهل معك من شيء تصدقها إياه؟ يعني: تقدمه لها مهراً، قال: لا، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: اذهب فالتمس ولو خاتماً من حديد، فعاد الرجل وقال: يا رسول الله! لا أملك إلا إزاري، فقال له النبي: لو أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، اذهب فالتمس شيئاً قال: لا أجد، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هل تحفظ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم، أحفظ سورة كذا وسورة كذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد زوجتكها بما معك من القرآن).
الشرط الرابع: الشهود، ففي الحديث الذي رواه
ابن حبان و
البيهقي و
الدارقطني وصححه
الألباني في إرواء الغليل من حديث
عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
لا نكاح إلا بولي وشاهدين)، وفي رواية
عمران بن حصين التي صححها
الألباني بشواهدها في إرواء الغليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) والشاهد العدل باتفاق علماء الأصول يشترط فيه: الإسلام، والبلوغ، والعقل، وعدم الفسق، هذه صفات مجمع عليها عند علماء الأصول في الشاهد العدل.
والله لقد أرسلت إلي فتاة جامعية رسالة سطرتها بدموع الندم يوم لا ينفع الندم تقول: إن زميلها في الجامعة قد خدعها بهذا الزواج العرفي المزعوم، وكانت تلتقي معه في شقة مفروشة حتى فوجئت يوماً بأنها حامل، ففزعت وأسرعت إليه لتتوسل بين يديه أن يتقدم لأهلها ليتزوجها زواجاً صحيحاً، فتنكر لها ومزق الورقة بين يديها وقال لها: ومن يدريني أنه ولدي؟!
ولا تعجبوا! فلقد نشرت جريدة الأهرام الرسمية في ملحقها خبراً خطيراً بالبند العريض يقول: اثنا عشر ألف طفل ثمرة الزواج العرفي لا يعرفون آباءهم، إنها كارثة حين يتنكر الشاب للفتاة بعد أن يخدعها.
تقول: وكانت الكارثة الأخرى، والصدمة العنيفة، أن أتى إليها شاب من الشابين اللذين شهدا على العقد العرفي الباطل، وطلب أن يزني بها، فلما رفضت هددها بأنه سيفضحها بزواجها العرفي، وتسألني وتقول: هل تمكنه من نفسها ليزني بها؛ حتى لا تفضح نفسها في الجامعة أو بين أسرتها؟
وكثير من هؤلاء يذهبن بعد ذلك إلى طبيب لا يتقي الله -عز وجل- ليعيد إليها غشاء البكارة مرة أخرى، وهي تظن أنها خدعت بذلك المجتمع، خدعت أسرتها وخدعت زوجها الذي سيتقدم إليها بعد ذلك في الحلال الطيب، ولكن أين ستذهب من الله عز وجل الذي يسمع ويرى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟!
هؤلاء -يا مسلمون- هم الشهود العدول الذين يشهدون اليوم لبعضهم البعض على ورقة الزواج العرفي المزعوم المشئوم الباطل!
أيها المسلمون! أيها المسئولون! أيها الشباب! أيتها الفتيات المسلمات! هل يستطيع مخلوق بعد ذلك أن يزعم أن هذا الذي نراه الآن زواج شرعي؟ لا والله، إنها حيلة باطلة حقيرة، وعلاقة محرمة خبيثة لا يقرها الشرع، ولا يقرها العرف.
والذي يدمي القلب أنهم يتمسحون بالدين، فيلبسون الباطل ثوب الحق، ويلبسون الحرام ثوب الحلال، ويلبسون الزنا ثوب الزواج، وهذا والله لا يمكن أن يكون أبداً حتى ولو تغيرت الأسماء، فالعبرة بالمسميات والحقائق لا بالأسماء والأشكال، فلو سميت الخمر بالشمبانيا أو الكنياك أو البرانزي أو الوسكي فالمسمى واحد، وهو الخمر الحرام، ولو سمي الربا بالفائدة أو العائد أو المعاملة، فهذا لا يخرج الربا عن كونه رباً حرمه الله عز وجل.
فالزواج العرفي المزعوم ظاهر البطلان، وعيش في الحرام، وصورته الزنا، فهو نكاح السر، ونكاح البغايا، وهو زواج نفاق لا يباركه الرحمن، بل يباركه الشيطان، ولا أظن أن مسلماً على وجه الأرض يرضاه لأمه أو لأخته أو لابنته أو حتى لابنه؛ لأنه خروج عن الدين والأخلاق والفطرة السليمة، بل هو مكر وخداع وخيانة واستهزاء ولعب بشريعة الله المحكمة، وتحليل للمحرمات، وانتهاك للأعراض والحرمات يأباه رب الأرض والسموات، بل إن الواقع المر الأليم الآن ليؤكد تأكيداً جازماً أن المأساة مروعة، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء.
عنصرنا الرابع من عناصر هذا اللقاء: هذه هي الأسباب، وهذا هو العلاج:
البعد عن الله
غياب الأسرة وضياع القدوة وانعدام الرقابة
التبرج والاختلاط والخلوة
الإعلام بكل وسائله
السبب الرابع: الإعلام بكل وسائله، فهو يقدم كل ألوان الخلاعة والإغراء، بدءاً بما يسمى بالأدب الجديد وهو الأدب المكشوف، أدب الجنس الماجن الخليع، ثم تأتي الأفلام الغرامية التي تعرض على شاشات السينما والتلفزيون، ثم تأتي المسرحيات الهابطة الساقطة التي تعرض على خشبات المسرح، ثم يأتي الغناء الماجن، والموسيقى الصاخبة، والرقص المثير، والصور، كل هذا مع العزف المستمر على وتر التمجيد لأهل الفن، وتشويه الدين وأهله، هذا كله -ورب الكعبة- يشيع الفاحشة في الذين آمنوا، والله عز وجل يقول:
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19].
والعلاج في كلمات قليلة: أن يعود الإعلام إلى الهدف الذي من أجله أقيم، أن يعود القائمون على الإعلام إلى الحق وإلى الفضيلة، يجب أن يقوم الإعلام بنشر الأخلاق والفضيلة، وقتل الشر والرذيلة، وليس العكس؛ لأن دوره الآن خطير، فهو يوجه ويحرك، ولا ينكر منصف على وجه الأرض خطر البرامج الإعلامية في كل الوسائل التي تقدم للشباب والشابات، فإن هذه البرامج تهيج الغرائز الهاجعة، وتثير الشهوات الكامنة.
المغالاة في المهور وتكاليف الزواج
السبب الخامس: وهو من أخطر الأسباب على الإطلاق: المغالاة في المهور وتكاليف الزواج بصورة خطيرة زادت عن الحد، وفاقت كل تصور، فكم من شبابنا أصبح عاجزاً عن تكاليف الزواج! وكم من فتياتنا أصبحن عوانس فاتهن سن الزواج، كل هذا بسبب تعنت كثير من الآباء والأمهات في المغالاة في المهور ونفقات الزواج.
فيا أيها الآباء! ويا أيتها الأمهات! ارحموا الشباب والفتيات، فهناك الذي يفني زهرة شبابه، وأجمل سنواته، في تحصيل القليل من تكاليف الزواج.
ارحموا البنات فورب الكعبة لولا حياؤهن لصرخن في وجوهكم: ارحموا ضعفنا، واستروا عوراتنا، وخلوا بيننا وبين شاب مسلم ولو كان فقيراً، لنكون عوناً لبعضنا البعض على أمر الدين والدنيا.
والعلاج بلا ريب يكمن في العودة إلى الإسلام، إلى أوامره الربانية الطاهرة، فالإسلام يأمر بتيسير الزواج، ويحرم المغالاة في المهور، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (
يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا) وفي الحديث الذي رواه
الترمذي و
ابن ماجة وغيره من حديث
أبي هريرة بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة وفساد عريض).
نداء إلى الآباء والأمهات أن ييسروا أمر الزواج لشبابنا وبناتنا، فإن الأمر والله في غاية الخطورة.
أسأل الله عز وجل أن يلقى هذا النداء قلوباً رحيمة، وآذاناً وعاية، فإن الخطر يهدد الجميع.
المدارس والجامعات التي لا تربي على الإيمان
السبب السادس: المدارس والجامعات ومناهج التعليم التي تحسن أن تعلم أبناءنا وبناتنا المعارف والعلوم، ولكنها لا تحسن أن تعلم عيونهم الدموع، ولا قلوبهم الخشوع، كيف ذلك مع هذا الاختلاط الرهيب بين الشباب والفتيات في سن خطيرة، وتجاهل لمادة الدين؟! والأمر يحتاج والله إلى وقفة صادقة من كل القائمين على أمر التعليم؛ لمناقشة هذه الحلول العملية التي أقدمها كعلاج لهذا السبب الخطير من أسباب هذه الظاهرة.
أولاً: إلغاء الاختلاط بين الطلاب والطالبات ولو في الفصول الدراسية على الأقل، وذلك أضعف الإيمان.
ثانياً: جعل مادة الدين من المواد الأساسية، ومن مواد الرسوب والنجاح، على أن يقوم بوضعها نخبة من العلماء الأجلاء والأساتذة الفضلاء؛ ليختاروا المعلومة الدينية الصحيحة الهادئة الهادفة، التي تتناسب مع أعمار كل مرحلة من مراحل التعليم.
ثالثاً: إلغاء الرحلات المختلطة بين الطلاب والطالبات إلغاءً تاماً وكلياً؛ لأنها من أخطر أسباب الانحراف.
رابعاً: إلغاء الدراسة المسائية للطالبات في الكليات العملية والنظرية.
خامساً: المحافظة على قيم الجامعة ورسالتها، وعدم السماح لأي طالبة تدخل إلى الجامعة بلبس خليع ضيق أو عار مكشوف لا يتفق أبداً مع المكان الذي ستدخله، وعدم السماح لهذه الثنائيات المشبوهة بين الطلاب والطالبات التي تنتشر هنا وهنالك في زوايا الجامعات.
سادساً: وضع عقوبات شديدة رادعة لكل طالب وطالبة يأتي بسلوك يخالف القيم والأخلاق في الجامعة.
سابعاً: فتح الباب بصورة منظمة للعلماء والدعاة الصادقين للدخول إلى المدارس والجامعات لإلقاء المحاضرات الدينية الهادئة الهادفة، على أن يتولى الأمر بنفسه رئيس الجامعة أو وكيل الكلية، على أن يدعى لهذه المحاضرة الكبيرة المدرسون والمدرسات والطلبة والطالبات.
ثامناً: مراعاة أوقات الصلوات أثناء وضع الجدول الدراسي، والسماح للطلاب والطالبات بأداء الصلاة مع أساتذتهم.
هذه بعض الحلول العملية التي أسأل الله أن تجد قلوباً وآذاناً عند أساتذتنا الأجلاء الفضلاء من القائمين على أمر التربية والتعليم في المدارس والكليات والجامعات، فإن المشكلة ليست لفئة دون فئة، بل إن الخطر ورب الكعبة يهدد الجميع.
عدم قيام المؤسسات الدينية والتربوية بدورها
وأخيراً: من الأسباب الخطيرة أيضاً: عدم قيام المؤسسات الدينية والتربوية بدورها الذي يجب أن تقوم به، والعلاج يكمن في أن تهتم وزارة الأوقاف والأزهر بهذا الأمر الخطير، وأن تكون الدعوة تدور حول مشاكل الشاب، وعلى مستوى فكر الشباب، ولا ينبغي في ظل هذه الظروف الحرجة أن نفصل بين الدعاة الرسميين والدعاة غير الرسميين ممن فتح الله عز وجل عليهم، وجعل لهم قبولاً بين المسلمين والمسلمات، وبين الشبان والفتيات، بل يجب الآن على كل من منّ الله عز وجل عليه بالعلم الشرعي الهادئ الهادف الصحيح أن يتحرك لدين الله تبارك وتعالى.
أحبتي في الله! وأحب بعد هذه الأسباب والعلاج أن أذكر شبابنا وبناتنا وأخواتنا بهذه الكلمات:
قلنا أأنـت تباهي بالـزنا فـرحـاً أأنت تعبث بالأعـراض تـياها
فقال بل ذاك شـرع صار مـتبعـاً كـم تاه غيري قـبلي وكم باها
فقلنا: ألـست تخـاف الله منتقـماً فقـال في كبـر: لا أعـرف الله
ويح الشباب إذا الشيطـان نـازعهم علـى الـقول فأوهاهـا وألغاها
قد علمتهـم أفـانين الخـنا وسـائل غشى بصـائرها زيغ وأعمـاهـا
ومطربة ومطـرب في المـذياع لقنهم ألـحان فـحش وزكـاها وغناها
ووالد غافـل لاهٍ ومدرس نظامـهـا مـن نـظام الديـن أقصـاهـا
لـو أن لـي قـوة في أمـتي ويـداً ألزمت حـواء مـثواها ومـأواها
البيت كـان لـها ملـكاً تـعز بـه وفيه كانت ترى السلطان والجـاها
فقوضت بـيديها عـرشها وغـدت رعية وذئـاب الأرض ترعـاهـا
هـذي الحـضارة دين لا أديـن به إني كفرت بـمبناها ومعنـاهـا