إن الناظر إلى الحضارة الغربية اليوم وما شاع فيها من انتشار للفواحش من زنا وشذوذٍ جنسي وغير ذلك، والتقنين لها وحمايتها من قبل الحكومات، ليدرك مدى الانتكاسة والأزمة الأخلاقية التي تعيشها هذه الحضارة، وما ذاك إلا لبعدها عن منهج الله تعالى ودينه وشرعه.
-
أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم منزلاً من الجنة، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم جميعاً صالح الأعمال، وأن يجمعنا في هذه الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر رحمته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! ففروا إلى الله!!
هذا هو عنوان محاضرتنا في هذه الليلة الكريمة المباركة، وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا سريعاً، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في العناصر التالية:
أولاً: سفينة واحدة.
ثانياً: انتكاس الفطرة.
ثالثاً: عقاب إلهي.
وأخيراً: لا ملجأ من الله إلا إليه.
فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، وأن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فأولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب.
أولاً: سفينة واحدة:
أيها الأحبة! نحن جميعاً ركاب سفينة واحدة، إن نجت نجونا، وإن هلكت هلكنا جميعاً، ولقد جسَّد النبي صلى الله عليه وآله سلم هذه الحقيقة في الحديث الصحيح الذي رواه
البخاري من حديث
النعمان بن بشير ، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً حتى لا نؤذي من فوقنا، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: فإن يتركوهم وما أردوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً).
وهذا مثل دقيق يضربه المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبناء المجتمع الواحد، فهذا المجتمع كالسفينة، إن لم يوجد في هذا المجتمع أهل الصلاح الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فإن الهلاك سيصيب الجميع، وإن السفينة ستغرق بالجميع، ولن يفرق الهلاك ساعتها بين الصالحين والطالحين.
وفرق بين المصلح والصالح، فلابد من وجود المصلحين الذين يأخذون على أيدي السفهاء الساقطين والواقعين في حدود رب الأرض والسماء جل وعلا.
لابد أن تكون هناك فئة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لا تأخذها في الله لومة لائم، تبين هذه الفئة المصلحة الصادقة الحق والباطل؛ حتى لا يعم الله الجميع بعقاب من عنده.
أيها الأحبة! هذه الفئة المصلحة سبب من أسباب نجاة المجتمع من الإهلاك العام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل الإنكار فرض عين على كل مسلم وإن اختلفت مراتبه ودرجاته، إلا أنه لابد من أن تبقى درجة من درجات الإنكار فرض عين على كل مسلم لا يعذر منها إن تركها على الإطلاق؛ فلقد ثبت عند
مسلم من حديث
أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (
من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
العلمانية تدعو إلى إماتة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
خطورة عدم تغيير المنكر
-
صور من انتكاس الفطرة في العالم الغربي
أيها الأحبة! إننا نشهد الآن مؤامرة موتورة يريد أصحابها وأذنابهم أن يفرضوا على المجتمعات المسلمة ما وصلت إليه المجتمعات الغربية الكافرة من انتكاس سحيق للفطرة، فأصبح الآن يقنن ويشرع على المستوى الرسمي لهذه المؤامرة المفضوحة.
إن هذه المجتمعات الغربية الكافرة التي استشرت فيها النزعات الحيوانية لا يمكن على الإطلاق -أيها الأحبة- أن نسميها بالمجتمعات المتحضرة أو المتقدمة، وإن بلغت ما بلغت إليه من التقدم العلمي.
هذه المجتمعات انتشرت فيها النزعات الحيوانية بكل أشكالها.. انتشر فيها الزنا والشذوذ الجنسي.. وانتشر فيها نكاح المحارم، بل وأصبحت هذه المجتمعات لا تدعو لهذا فحسب، بل قنَّنت وشرعت له، وإن هذا لهو مكمن الخطر، ولم تعد مثل هذه الأمور مستغربة أو مستنكرة في مثل هذه المجتمعات.
انتشار الزنا بصورة كبيرة
لقد ظهرت دراسات علمية عديدة تبين مدى الخطورة التي وصلت إليها المجتمعات الغربية، في هذا الجانب المنحرف، وكثير من أبناء المسلمين من بني جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتنا اليوم لا يقدسون ولا يجلون إلا ما صدر من الغرب أو عن الغرب، فمن خلال هذه الدراسات -التي لا تنطق إلا بلغة الأرقام- نستطيع أن ننقل لكم بعض ما جاء فيها بقدر ما يسمح به الحياء والمقام:
تقول هذه الدراسات: إن المشكلة أضحت خطيرة وكبيرة في المجتمعات الغربية، بل وارتفعت الآن كثير من الأصوات التي تنادي بالعودة إلى محاربة هذه الأعمال قبل أن يهلك هذا المجتمع بأسره.
أيها الأحبة: تشير الدراسات إلى أن (90%) من غير المتزوجات يمارسن الزنا بطلاقة أو من حين لآخر في أوروبا وأمريكا.
ازدياد عدد حالات الإجهاض
ثانياً: تشير الدراسات إلى أن عدد حالات الإجهاض الذي كان يدندن حوله في الإيام الماضية قد بلغ في عام (1983م) إلى خمسين مليون طفل في العالم.
الحمل بسبب الزنا
ثالثاً: تشير الدراسات إلى أن الحمل أصبح مشكلة كبيرة لدى المراهقات في أوروبا وأمريكا، ففي أمريكا وحدها أكثر من مليون فتاة تحمل سنوياً من الزنا، فأصبحت المشكلة كبيرة وخطيرة، وتعالت الأصوات في هذه المجتمعات تنذر وتحذر من هذا الخطر القادم.
الشذوذ الجنسي
لم يكتف اليهود وأتباع اليهود بنشر الزنا في العالم كله بصفة عامة، وفي أوروبا وأمريكا بصفة خاصة، بل راح اليهود يقنِّنون للشذوذ الجنسي، وسمعنا في الأيام الأخيرة من يقول بتعدد أشكال الأسرة، ونحن لا نعرف للأسرة إلا شكلاً واحداً، ألا وهو: الرجل والمرأة، أما الآن فقد تعددت صور الشذوذ في هذه المجتمعات، فأصبحنا نرى صورة أخرى للأسرة، أسرة تكون بين رجل ورجل، أو بين امرأة وامرأة.
لم يكتف اليهود بنشر الزنا في العالم بصفة عامة وفي أوروبا وأمريكا بصفة خاصة، بل أصبحنا نرى كثيراً من النوادي والجمعيات في أوروبا وأمريكا ترعى شئون الشاذين والشاذات، وأصبحت لهم أماكنهم الخاصة التي يجتمعون فيها،ولقد صرحت دائرة المعارف البريطانية بأن الشاذين والشاذات قد انتقل أمرهم من طور السرية إلى طور العلنية، وأصبحت لهم معابدهم وكنائسهم الخاصة التي تقوم علناً في حفلات خاصة يدعى إليها الأهل والأصدقاء لتزويج الرجال بالرجال، ولتزويج النساء بالنساء.
بل وتعجبون أشد العجب إذا علمتم أن مجلة التايم الأمريكية قد نشرت قصة ضابط يهودي يعمل ضمن صفوف الجيش الأمريكي، هذا الضابط وصلت به الحالة إلى أن علق في مكتبه الخاص لوحة كبيرة تعلن هذه اللوحة بأن هذا الضابط شاذ جنسياً، ولما طردت إدارة الجيش الأمريكي هذا الضابط اليهودي، قامت قيامة الإعلام!!
وتحت هذه الثورة الإعلامية العارمة اضطرت إدارة الجيش أن ترد الضابط اليهودي مرة أخرى، ثم دعي هذا الضابط بعد ذلك؛ لإلقاء المحاضرات الرسمية عن الشذوذ في أكبر الجامعات الأمريكية.. إنه انتكاس الفطرة!!
بل تشير الدراسات إلى أن عدد الشواذ في أمريكا وحدها قد وصل إلى عشرين مليون شاذ، من بينهم رجال من الكنائس!!
لقد أضحى الأمر خطيراً، ومكمن الخطر -أيها الأحبة- يتمثل في هذه الانحرافات التي لم تعد مستغربة ولا مستنكرة، بل قنَّن لها هذا المجتمع الغربي الكافر الذي لا يؤمن بدين، ولا يلتزم بمبدأ ولا بخلق ولا بضمير، ثم راح هذا المجتمع الغربي ليفرض هذا الانحراف وهذا الشذوذ على المجتمعات الإسلامية.
أيها الأحبة! لم يكتفِ اليهود، وأذناب اليهود بنشر الشذوذ بكل صوره وأشكاله، بل راح اليهود يدعون إلى نكاح المحارم -أي: نكاح الأمهات والبنات والأخوات- وتعلمون بأن أول من دعا إلى نكاح المحارم هو
فرويد اليهودي الذي بنى نظريته كلها عن الجنس، وقال بمنتهى الصراحة والوقاحة: إن الطفل يحب أمه حباً جنسياً، ويكره أباه. وهذا الكره سماه بعقدة (أديب)، وقال: إن الطفلة تحب أباها حباً جنسياً، وتكره أمها. وسمى هذا الكره بعقدة (ألكترا).
وللأسف أقول بمنتهى الحسرة والألم والمرارة: إن هذا الغثاء والهراء يدرس لأبنائنا وبناتنا في أخطر مراحل المراهقة في مرحلة الثانوية العامة، على أنه باب من أبواب علم النفس، وهذا ورب الكعبة شيء خطير!!
بل لقد نشرت مجلة التايم الأمريكية أيضاً تحقيقاً صحفياً واسعاً عن نكاح المحارم، ونشرت فيه المجلة تقريراً لأحد الباحثين يقال له
وثل أومري ، يقول هذا الباحث الوقح: (لقد آن الأوان لكي نعترف بأن نكاح المحارم ليس شذوذاً، وليس دليلاً على الاضطراب العقلي، بل قد يكون نكاح المحارم -خاصة بين الأطفال وذويهم- أمراً مفيداً لكليهما).
ونجد الآن أن هذا المجتمع قد وصل إلى هذه المرحلة السحيقة من انتكاس الفطرة، بعدما تحدى منهج الله جل وعلا، وشذ عن منهجه.
هؤلاء الآن يدعون إلى نكاح المحارم.. إلى نكاح الأمهات والبنات والأخوات... إنه انتكاس سحيق للفطرة؟!
لكنه الإنسان في غلوائه ضلت بصيرته فجن جنوناً
ويحي لمنتحر كأن بنفسه من نفسه حقد الحقود دفيناً
اعتدت أسلحة الدمار فما رعت طفلاً ولا امرأة ولا مسكيناً
واليوم مد يديه للأرحام تقتلعان منها مضغة وجنيناً
قد صيغ من نور وطين فانبرى للنور يطفئه ولبى الطينا
ما أضيع الإنسان مهما رقى في سبل العلوم إذا أضاع الدينا
عبد الله! أليس ربك جل وعلا هو القائل:
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى *
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا *
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:123-126]؟!
أليس هو القائل:
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ *
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ *
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97-99]؟!
نتيجة لهذا الأمن من مكر الله، بل ونتيجة لهذا الكفر بمنهج الله، ابتلى الله عز وجل هذه المجتمعات الغربية الكافرة بالأمراض الفتاكة المدمرة التي وقفوا أمامها الآن وقفة العاجز الذي لا يستطيع أن يقدم شيئاً على الرغم مما وصل إليه في الجانب العلمي من تقنية الطب الحديث.
مرض الإيدز
أيها الأحباب: لقد انتشرت واستشرت الآن كثير من الأمراض الفتاكة المدمرة في المجتمعات الغربية، وكلكم جميعاً يسمع في كل يوم عن هذا المرض الفتاك المدمر الذي أنفق عليه بسخاء، وبالرغم من هذا لا زال العالم إلى الآن لا يستطيع أن يخلص واحداً من براثن هذا الوباء وهذا الطاعون الذي ابتلي به.
إنه مرض (الإيدز) المعروف بمرض نقص المناعة، هذا المرض الفتاك الذي استشرى وانتشر، حتى ذكرت منظمة الصحة العالمية بأن عدد الذين يحملون فيروس (الإيدز) الآن -وكان هذا الاجتماع في عام (1986م) ونحن الآن في (1994م)- ذكرت منظمة الصحة العالمية بأن عدد الذين يحملون فيروس الإيدز الآن في العالم، يتراوحون ما بين خمسة إلى عشرة ملايين شخص، وعدد المصابين في أمريكا وحدها قد زاد عن المليون شخص ممن يحمل فيروس (الإيدز)، بل لقد خصصت أمريكا في كل عام ألفي مليون دولار سنوياً لمكافحة هذا المرض الفتاك المدمر.
وبالرغم من هذا السخاء في الإنفاق للوصول إلى سبب هذا المرض، وللبحث عن علاج فعَّال له، إلا أنني أقول بأن العالم المتقدم -على حد زعم من يحلو له أن يسمي هذا العالم بالعالم المتحضر- لا يستطيع أن يخلص رجلاً أصيب بهذا المرض الخطير من براثن هذا المرض الفتاك المدمر الخطير.. لا يستطيعون ذلك إلى يومنا هذا.
هذا المرض المرعب الذي يستشري وينتشر بصورة مفزعة مرعبة، ولن يستطيعوا أن يصلوا إلى علاجه الحقيقي مادامت الأسباب الحقيقية لانتشاره موجودة في هذه المجتمعات، ألا وهي الانحراف عن منهج الله، والوقوع في الزنا، والشذوذ الجنسي... إلى آخر هذه الصور.
ولقد أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية بأن الأسباب الرئيسية لانتشار هذه الأمراض، وبأن أعلى الناس إصابة بهذا المرض هم أهل الانحراف والشذوذ، فما دامت هذه الأسباب الحقيقية موجودة في هذه المجتمعات، فلن تستطيع العلاجات والأدوية أن تحقق نجاحاً لهذا المرض إلا بتدمير هذه الرذائل، وبالعودة إلى الفضيلة، أو إن شئت فقل: بالعودة إلى منهج الله جل وعلا.
أمراض السيلان والزهري وسرطان المستقيم وغيرها
العيشة الضنك والقلق في المجتمع الغربي
وأخيراً أيها الأحبة الكرام! أقول: لا سعادة للبشرية كلها بصفة عامة، وللمسلمين بصفة خاصة -لاسيما بعدما رأى المسلمون هذه الصور الشاذة وهذا العقاب الإلهي- إلا بالعودة إلى منهج الله جل وعلا؛ ليستظلوا بظلاله الوارفة، بعد أن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل، وأرهقهم طول المشي في التيه والضلال، فلا ملجأ ولا ملاذ من الله عز وجل إلا إليه سبحانه وتعالى،
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124].
هذا ورب الكعبة! هو الضنْك الذي تحياه البشرية كلها، فإن العالم اليوم بالرغم مما وصل إليه من وسائل الأمن والأمان يعيش مرحلة ما مر بها من قبل من حالة الذعر والخوف والرعب.
وبالرغم مما وصل إليه من تقنية حديثة في جانب الاتصال، فإنه يعيش حالة من الحرمان، وحالة من الفقر والضنْك.
وبالرغم مما وصل إليه من سبل الرفاهية الحديثة، فإنه يعيش حالة من القلق والاضطراب والشرود. ومن أراد أن يتعرف على هذه الحقائق فليذهب إلى هذه المجتمعات؛ ليرى بعينه حالة القلق النفسي التي يحياها هؤلاء، على الرغم مما وصلوا إليه في الجانب المادي، ونحن لا ننكر على الإطلاق أنهم قد وصلوا إلى أرقى الدرجات في الجانب العلمي.
نعم. غاصوا في أعماق البحار.. فجّروا الذرة.. حولوا العالم كله إلى قرية صغيرة عن طريق التقنية الحديثة، والتطور المذهل في عالم المواصلات والاتصالات، لكن بالرغم من هذا أقول: إن هذا التقدم ما جاء إلا على حساب الجانب الآخر.. على حساب الجانب الإيماني.. على حساب الجانب العقدي والأخلاقي والروحي.
إن هذه الحضارة قد أمدت البدن بكل ما يشتهيه، ونسيت هذه الحضارة أن الإنسان يتكون من طين وروح، فأعطت هذه الحضارة الطين كل ما يشتهيه وتركت الروح تصرخ في هذا الخواء!
رأينا -ورب الكعبة- ذلك بأعيننا -أيها الأحبة- على من الرغم ذلك التقدم العلمي.. رأينا هذا الشرود.. رأينا هذا القلق.. رأينا هذا الاضطراب.. رأيناه بأعيننا في قلعة الكفر الآن التي تصدر كل إلحاد وضلال وفسق وانحراف إلى بلدان العالم، ألا وهي أمريكا.
رأينا ذلك بأعيننا: رأينا الدعارة، ورأينا الانحراف، رأينا عالم البهائم على الرغم مما وصلوا إليه في كل مكان، رأينا الدعارة في الطيارة.. في السيارة.. في المطار.. في القطار.. في الفندق.. في النادي.. في كل مكان!!
-
سبيل النجاة من الأمراض والانحرافات
أيها الأحبة! رأينا هذه الحضارة التي أمدت الطين بكل ما يشتهيه وتركت الروح الآن تصرخ، وإن شئت أن تتعرف على ذلك فراجع إحصائيات الجريمة في مثل هذا البلد، لتتعرف على أن الإنسان لا يريد فقط ما يشتهيه البدن، وإنما لابد أن نمد الروح هي الأخرى بغذائها.
ولابد أن تعلم هذه المجتمعات الكافرة أن غذاء هذه الروح بالعودة وبالإذعان إلى منهج الله جل وعلا، ورحم الله صاحب الظلال إذ يقول: (إن هذه الحياة البشرية من خلق الله، ولن تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، ولن تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يقدم لها من يد الله).
ومن أروع ما قرأت: ما قاله المفكر الشهير
اشبنجل إذ يقول: إن للحضارات دورات فلكية، فهي تغرب هنا لتشرق هناك، وإن حضارة أوشكت على الشروق في أروع صورة ألا وهي حضارة الإسلام الذي يملك وحده أقوى قوة روحانية عالمية نقية.
ومحل الشاهد من هذه الفقرة أن الإسلام وحده هو الذي يمد الروح بغذاء إلهي نقي، وهو الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ملجأ لهذه البشرية من هذا الضنك إلا بالعودة إلى منهج الله عز وجل.
ويألم القلب أن يقال هذا الكلام للمسلمين الذين يلهثون الآن وراء كل ناعق؛ ووراء الشرق الملحد تارة، ووراء الغرب الكافر تارة أخرى.
لما سقط الشرق الملحد ها نحن نرى الآن كثيراً من العلمانيين يعزفون على وتر العودة إلى كل ما هو غربي، حتى قال أحدهم في وضوح: لقد عزمنا على أن نأخذ كل ما عند الغربيين، حتى الالتهابات التي في رئاتهم، والنجاسات التي في أمعائهم.
وطبقت الأمة قول الصادق صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث
أبي سعيد (
لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبِّ لدخلتموه -وفي لفظ: لتبعتموهم- قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟! قال فمن؟).
راحت الأمة تحاكي محاكاة عمياء، وتقلد تقليداً أعمى، ومكمن الخطر -كما ذكرت- أنه يحاول الآن أن يفرض على المجتمعات المسلمة ما وصلت إليه المجتمعات الكافرة من انتكاس سحيق للفطرة من زنا وشذوذ وانحراف.
فلا سعادة للبشرية عامة وللمسلمين خاصة إلا بالعودة إلى منهج الله عز وجل؛ لأن الله هو خالق الإنسان، وهو وحده الذي يعلم ما يفسده وما يسعده، أليس ربك هو القائل:
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]؟!
عباد الله! لا ملجأ من الله إلا إليه، فواجب على الأمة أن تفيء مرة أخرى إلى منهج الله عز وجل، ولابد أن نعلم جميعاً أن منهج الله سبحانه وتعالى لا يحارب الفطرة ولا يستصغرها، وإنما يرقيها وينظمها ويطهرها، ويرتقي بها إلى أسمى ما يليق بالإنسان كإنسان.
ونقول للعلمانيين: إن منهج الله لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستصغرها، بل يرقيها ويطهرها ويرقى بها إلى أسمى الأحوال التي تليق بالإنسان كإنسان.
إن منهج الله عز وجل قد وضع كثيراً من الضمانات الوقائية التي تحفظ للمجتمع طهره وصفاءه ونقاءه، ويعاقب منهج الله سبحانه وتعالى كل من شذَّ عن هذه الضمانات الوقائية وانطلق ليتمرغ في أوحال الرذيلة طائعاً مختاراً غير مضطر.
ومنطق العقلاء يقول دائماً: لو أن مريضاً ابتلي في ضرس من أضراسه بمرض السرطان، وقرر الأطباء قلع هذا الضرس حتى لا ينتقل المرض في كل الأضراس الأخرى، أليس من الحكمة بل من الرحمة أن نستأصل هذا الضرس لنبقي على بقية الأضراس الأخرى بأمر الله عز وجل؟!
أليست هذه الرحمة بعينها أيها الأحبة؟!
أليست هذه الحكمة؟! هذا هو منطق العقلاء.
كذلك منهج الله عز وجل؛ لو أن إنساناً توفرت له الضمانات الوقائية في المجتمع الإسلامي، وترك هذا الإنسان تلك الضمانات، وراح ليتمرغ في وحل الرذيلة الآسن العفن طائعاً مختاراً غير مضطر، فحينئذ يتقدم منهج الله ليعاقب هذا الإنسان، حتى لا ينطلق لينشر في الأرض الفساد، أو لينتهك الحرمات والأعراض، وهذه قمة الرحمة بعينها!!
أيقال حينئذ بأنها قسوة.. بأنها عنف؟! لا، ورب الكعبة! بل:
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179].
ومن هنا شدد منهج الله في عقوبة الزناة.. وفي عقوبة من يعملون عمل قوم لوط.. وهكذا؛ ليحفظ للمجتمع نقاءه وشرفه وطهره وعرضه، فإن العرض هو شرف الإنسانية المتوارث على طول الزمان والمكان، فلابد من حفظ هذا الشرف المتوارث للإنسانية كلها، ولن نجد حرصاً على هذا العرض في منهج من المناهج الأرضية على الإطلاق، لا نجده إلا في منهج الله عز وجل؛ لأنه وحده خالق الإنسان وهو وحده الذي يعلم ما يفسده وما يصلحه:
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
عقوبة فاحشة الزنا
عقوبة عمل قوم لوط