إسلام ويب

ففروا إلى اللهللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الناظر إلى الحضارة الغربية اليوم وما شاع فيها من انتشار للفواحش من زنا وشذوذٍ جنسي وغير ذلك، والتقنين لها وحمايتها من قبل الحكومات، ليدرك مدى الانتكاسة والأزمة الأخلاقية التي تعيشها هذه الحضارة، وما ذاك إلا لبعدها عن منهج الله تعالى ودينه وشرعه.
    بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم منزلاً من الجنة، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم جميعاً صالح الأعمال، وأن يجمعنا في هذه الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر رحمته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! ففروا إلى الله!! هذا هو عنوان محاضرتنا في هذه الليلة الكريمة المباركة، وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا سريعاً، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في العناصر التالية: أولاً: سفينة واحدة. ثانياً: انتكاس الفطرة. ثالثاً: عقاب إلهي. وأخيراً: لا ملجأ من الله إلا إليه. فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، وأن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فأولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب. أولاً: سفينة واحدة: أيها الأحبة! نحن جميعاً ركاب سفينة واحدة، إن نجت نجونا، وإن هلكت هلكنا جميعاً، ولقد جسَّد النبي صلى الله عليه وآله سلم هذه الحقيقة في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري من حديث النعمان بن بشير ، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً حتى لا نؤذي من فوقنا، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: فإن يتركوهم وما أردوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً). وهذا مثل دقيق يضربه المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبناء المجتمع الواحد، فهذا المجتمع كالسفينة، إن لم يوجد في هذا المجتمع أهل الصلاح الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فإن الهلاك سيصيب الجميع، وإن السفينة ستغرق بالجميع، ولن يفرق الهلاك ساعتها بين الصالحين والطالحين. وفرق بين المصلح والصالح، فلابد من وجود المصلحين الذين يأخذون على أيدي السفهاء الساقطين والواقعين في حدود رب الأرض والسماء جل وعلا. لابد أن تكون هناك فئة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لا تأخذها في الله لومة لائم، تبين هذه الفئة المصلحة الصادقة الحق والباطل؛ حتى لا يعم الله الجميع بعقاب من عنده. أيها الأحبة! هذه الفئة المصلحة سبب من أسباب نجاة المجتمع من الإهلاك العام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل الإنكار فرض عين على كل مسلم وإن اختلفت مراتبه ودرجاته، إلا أنه لابد من أن تبقى درجة من درجات الإنكار فرض عين على كل مسلم لا يعذر منها إن تركها على الإطلاق؛ فلقد ثبت عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

    العلمانية تدعو إلى إماتة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من نبي قد بعثه الله قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خُلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) أي: أن كل مسلم إن عجز أن ينكر بيده أو أن ينكر المنكر بلسانه لم يعذر أن ينكر المنكر بقلبه، بمعنى أن يبغض المنكر وأهله لا أن يأنس أو يسعد بهم أو أن ينكر على منكره في يوم من الأيام، ثم بعد ذلك تتوالى الأيام، فيعايش أهل المنكر بأريحية وانشراح صدر فلا يتألم قلبه بعد ذلك لهذا المنكر. ولذلك أيها الأحبة الكرام! خشي صدِّيق الأمة يوماً هذه السلبية القاتلة التي يرفع اليوم شعارها العلمانيون، وهي: دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله.. إنك لن تبدل الكون، ولن تغير نظامه. إذاً: لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة، فما عليك إلا أن تصلي لله، وأن تتعبد لله عز وجل، فواجب عليك حينئذ أن تغض الطرف عن كل منكر تراه عينك، أو تسمعه أذنك، أو تراه مجدداً في واقعك الذي تراه فيه، فهذا هو معنى: دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله!! بل قد يتشدق أحد العلمانيين -كالثعلب الذي برز يوماً في ثياب الواعظين- ليقنِّن هذه السلبية القاتلة، وليقنِّن هذه السلبية المدمرة بآية من كتاب الله عز وجل، فربما يقرأ على أسماعنا قول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، ومن منطلق هذا الفهم المغلوط لهذه الآية الكريمة انطلق كثير من الناس يرددون ما يقوله العلمانيون: (دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله) فلا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة، فلا مانع على الإطلاق من أن نرى مسلماً يصلي لله جل وعلا، ثم يخرج لترى زوجته عارية .. لترى بناته متبرجات .. أو لترى أمواله في البنوك يأكل من الحرام والربا، أو ليمتثل قول الله في سورة البقرة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] ويضيِّع أمر الله في السورة نفسها: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179] فالإسلام في بيوت الله فحسب، أما إن خرج المسلم من المساجد فلا داعي على الإطلاق أن نزجَّ بالإسلام في قضايا الإعلام، أو في قضايا الإجهاض، أو في قضايا الإسكان، أو في قضايا الانفجار السكاني، أو في قضايا التعليم، أو في قضايا الإخصاب، أو في قضايا المرأة؛ لأن الإسلام أسمى وأجل من أن نزج به في مثل هذه القضايا والمسائل.. هكذا زعموا قاتلهم الله!

    خطورة عدم تغيير المنكر

    (دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله) شعار يدندن حوله الآن العلمانيون في كل مناسبة أو بدون مناسبة، ويستدل بعضهم بقول الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، ولقد خشي الصديق هذه السلبية المدمرة يوماً فارتقى المنبر وقال: أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه، أوشك الله أن يعمهم بعقابه) وفي لفظ: (إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه، يوشك أن يعمهم الله عز وجل بعقاب من عنده) والحديث رواه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والترمذي في السنن، وحسنه الحافظ ابن حجر ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع. أيها الأحبة الكرام! لابد أن نعلم أن وجود المصلحين سبب من أسباب النجاة للأمة بأسرها، وسبب من أسباب عدم الإهلاك العام للأمة، فلابد أن توجد هذه الفئة الصالحة في نفسها المصلحة لغيرها، التي لا تترك الواقعين في حدود الله ينخرون بمعاول من الذنوب والمعاصي في هذه السفينة حتى تغرق بالجميع، وإن كان فيها الصالحون. إن هذه الفئة إن تخلت عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتخلت عن الأخذ على أيدي السفهاء الساقطين في حدود الله جل وعلا، أوشك أن يعمنا الله جميعاً بعقاب من عنده، كما ثبت في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوماً فزعاً -وفي لفظ: استيقظ فزعاً- وهو يقول: لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب! لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعيه: السبابة والإبهام، ثم قالت زينب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! فقال المصطفى: نعم. إذا كثر الخبث). قال صلى الله عليه وسلم: (نعم. إذا كثر الخبث). وأنا أقسم بالله إن الخبث قد كثر!! ولذا نرى الإمام مالكاً يبوِّب باباً في موطِّئه بعنوان (باب ما جاء في تعذيب الله للعامة بعمل الخاصة)، فإن الله يعذب العامة بعمل الخاصة؛ وذلك إذا لم يأخذ المصلحون على أيدي السفهاء الواقعين في حدود الله عز وجل. بل لقد ورد في مسند أحمد ، وسنن الترمذي ، وسنن ابن ماجة ، وصحح الحديث الشيخ الألباني أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ولا يغيروه ولا ينكروه، وهم قادرون على ذلك)، فحينئذ يعذب الله العامة والخاصة. هذه مقدمة -أيها الأحبة- أردت أن أدخل بها للعناصر المتبقية في هذا الموضوع، فنحن جميعاً كما ذكرت ركاب سفينة واحدة إن نجت هذه السفينة نجونا جميعاً، وإن هلكت هذه السفينة هلكنا جميعاً، فلابد من وجود الفئة المصلحة التي تغير المنكر بأي مرتبة من مراتب التغيير أو بمراتب الإنكار.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087773894

    عدد مرات الحفظ

    773944800