أيها الإخوة، أيها الوجوه الطيبة: نحييكم في بيت من بيوت الله، نتلو فيه كتاب الله، ونتدارسه فيما بيننا، ونستمع إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكما تعلمون فالناس في هذه البلاد يستقبلون أيام العطلة الصيفية، هذه الأشهر، وهذه الأيام، وهذه الساعات، التي هي من أعمارنا، تحسب علينا وتسجل، ويوم القيامة تنشر الدواوين.
من الناس من يجعل هذه الأيام من عمره فرصة يعتبرها من حقيقة عمره،فيستغلها في طاعة الله، ويستغلها فيما يقرب إلى الله عز وجل، ومن الناس من يعتبرها من الوقت الضائع، فلا يهتم بها، ولا ينظر إليها، بل يعتبر الوقت وقت رفاهية ونـزهة، والذهاب يمنة ويسرة حتى يمضي العمر سبهللاًً، وتمضي الأيام حتى يقال فلان مات.
إخوتي الأكارم: أسأل الله تعالى أن يوفقني لأن أتكلم في هذه الجلسة بكلام مفيد، وأن يجعلكم ممن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وحقيقة فقد عقد الشيخ لساني عن الكلام بارك الله فيه بهذا الثناء الذي أشهد لله أنني لا أستحق بعضه، فأقول كما قال الصديق رضي الله عنه: [[اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون]].
ماذا في الإجازة؟
الناس أيها الإخوة: وخاصة الشباب والطلاب يستقبلون الإجازة الصيفية بعدما ودعوا أيام الامتحانات، بما فيها من سهر وتعب ودراسة وعناء واجتهاد، ولذلك فإن الإجازة هي للشباب ذكوراً وإناثاً أكثر من غيرهم، فإن الفلاح مثلاً طيلة عمره في عمل وجهد، وكذلك التاجر والموظف وغيره، فإن الإجازة هي للشباب أكثر من غيرهم، والجميع يستقبلون الإجازة ويخططون لاستقبالها بالطريقة التي تناسبهم.
أيها الإخوة: المطلوب أننا طيلة العام نُعد الشباب لأن يكونوا على مستوى استغلال واستثمار هذه الفرص، وهذه الإجازات بالشكل الذي يفيد؛ بحيث نربي أولادنا وبناتنا على تحمل المسئولية، فإن قضية الإجازة مثل بقية العام يتوقف استثمارها على عقلية الشاب، وعلى تربيته، ومستواه.
فمثلاً: إذا وجد شاب على مستوى من الفهم والعلم والإدراك والشعور بالمسئولية؛ فإنه يستثمر أيام العام الدراسي في غير وجه، ويستثمر الإجازة، ويستثمر شهر رمضان، ويستثمر مناسبة الحج وغيرها من المناسبات بالصورة المناسبة الجيدة التي تتناسب مع مستواه، مع تربيته، وفهمه ومع عقله.
ولذلك حتى حين يكون مشغولاً؛ يكون مشغولاً فيما يفيد، ويحرص على أن يختلس من وقته ولو شيئاً يسيراً يستفيد منه، وعلى العكس من ذلك الشاب الضائع الذي لم يترب التربية الحسنة، ربما لو كان وقته فارغاً من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، فإنه لا يستثمر الوقت بالطريقة المناسبة، ليس لديه أهداف معينة يسعى إلى تحقيقها.
أما أن يخطط الشاب إلى أهداف ولو أهداف قريبة يسعى إلى تحقيقها والوصول إليها، فهذا غائب لدى كثير من الشباب.
إذاً: حين يوجد الشاب الذي يحمل الأهداف الصحيحة، ويفكر التفكير الصحيح، حتى لو كان هذا الشاب مريضاً يتقلب على فراش المرض، فإنه يستفيد من وقته، وقد زرت أحد الشباب الذين تعرضوا لأحداث وحوادث، وأصبحوا مُقعَدين فوجدت هذا الشاب يستثمر كل دقيقة من وقته، في حفظ كتاب الله، في قراءته، في دراسة العلم، في مجالسة الصالحين، حتى أنه لا يستقبل الضيوف والزوار إلا في أوقات معلومة، مع أنه أحوج ما يكون إلى أن يرفه عن نفسه ويسلي نفسه باستقبال هؤلاء وتوديع أولئك، وتبادل الحديث معهم، لكنه رأى أن في ذلك مضيعة لوقته، فأصبح وهو على سرير المرض مقعداً لا يتحرك، لا يمشي ولا يقوم يستثمر وقته بصورة صحيحة جيدة.
وزرت آخرين وهم في السجون ممن من الله عليهم بالهداية في داخل السجون، فوجدت أن هؤلاء الذين لا يتحركون إلا داخل أربعة جدران، وجدتهم يستثمرون أوقاتهم بصورة صحيحة وجيدة، وفي مقابل ذلك أرى وترون أن كثيراً من الناس الذين أعطوا المال، والصحة، والسلامة، والحرية، والوقت، مع ذلك تجد هؤلاء الناس يضيعون أوقاتهم دون حساب.
لماذا؟ لأنهم لم يوفقوا للتربية السليمة، ولم يحملوا أهدافاً صحيحة يعملون من أجلها، غابت عنهم الأهداف؛ فأصبحت أوقاتهم تضيع سدى.
مثلاً: المسجد؛ يعمل على إعداد الشباب من خلال: الصلوات، الجمعة، الجماعة، الدروس، المكتبات، الأشرطة، المحاضرات.
المدرسة بما فيها من المدرسين، والنشاطات، والمناهج الدراسية وغيرها، تسعى إلى الهدف نفسه.
البيت يسعى إلى الهدف نفسه من خلال جهود الآباء في تربية الأبناء، من خلال الإصلاح، من خلال القنوات التي يستفيدون منها في تربية أولادهم، حتى الشارع، الأصل أن الشارع يساعد في تربية الولد، وهكذا قل مثل ذلك في أجهزة الإعلام، المفروض والأصل أنها تساعد في بناء الشباب بناءً تربوياً صحيحاً إلى غير ذلك من الوسائل.
يعيدون لنا سيرة عبد الله بن عباس رضي الله عنه -مثلاً- الذي مات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لما يبلغ الاحتلام، في أول سن الاحتلام والبلوغ، ومع ذلك كان من أحبار هذه الأمة، وكان يحمل من علم الرسول صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير، حتى أعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بسلوكه وسيرته وحسن أدبه فقال {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل}.
ذات مرة وضع ماء للوضوء يتوضأ به، وصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة مبيته عند خالته ميمونة، وحمل من العلم الشيء الكثير؛ حتى كان هذا الشاب الثقف العالم الجليل يجلس عند باب الرجل من الأنصار بعد صلاة الظهر ليأخذ عنه العلم، فيجد هذا الرجل نائماً، فيتوسد رداءه، فتأتي الريح فتسفي عليه التراب، فإذا قام الأنصاري لصلاة العصر وجد ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً عند بابه، فيقول ابن عباس! فيقول: نعم، فيقول: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فيقول: نعم، ما الذي جاء بك؟! قال: جئت أسألك عن حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: لو أرسلت إلي فأتيتك، أي: آتي إليك، قال: لا، العلم أحق أن يؤتى إليه.
وكان ابن عباس يأخذ بركاب زيد بن ثابت، ويخدمه ويسوق به الراحلة، ويقول: هكذا أمرنا أن نصنع بعلمائنا.
يجددون لنا سيرة عبد الله بن عمر رضي الله عنه، الذي يقول: عرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فردني الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يبلغ، وعرض عليه في الخندق وهو ابن خمس عشرة فقبله، فلما سمع عمر بن عبد العزيز هذه القصة؛ قال: إن هذا يصلح حداً للفصل بين الكبير والصغير، أن يبلغ خمس عشرة سنة، وهذا فيمن تتوفر له وسائل البلوغ الأخرى.
المهم أن ابن أربع عشرة سنة كانت طموحاته واهتماماته تتعلق بالقتال والجهاد، حتى قبل أن يبلغ يأتي لعله أن يقبل، فإذا رده الرسول صلى الله عليه وسلم في أحد، عرض نفسه مرة أخرى في الخندق، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وخاض المعركة وعمره خمس عشرة سنة.
يجددون لنا سيرة عمير بن أبي وقاص، لما أرادوا الخروج إلى المعركة وكان طفلاً صغيراً فرده الرسول عليه السلام، فعبر عن حزنه كما يعبر الصبية الصغار عن حزنهم، ذهب إلى أمه يبكي في حجرها، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بخبره أجازه وقبله، فجاء أخوه سعد بن أبي وقاص يُعِدّ له سيفه ونصله ورمحه، فكان السيف يخط في الأرض من قصره وصغره، ومع ذلك خاض المعركة وقتل فيها شهيداً. رضي الله عنهم وأرضاهم.
يعيدون لنا سيرة مصعب بن عمير، الذي كان شاباً من أعطر وأجمل وأترف فتيان مكة، حتى إنه كان إذا مشى في طرف الشارع؛ شمت الفتيات في البيوت رائحة طيبه في طرف الشارع الآخر، كانت كل فتاة تنظر إليه ترجو أن يكون هو فارس أحلامها، وفتاها وشريك حياتها.
فلما دخل الإسلام، قَلَبه رأساً على عقب، وغير مجرى حياته، حتى إنه أقبل يوماً من الأيام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب لا يكاد يستره من العري والفقر الذي أصابه بسبب إيمانه، فطأطأ الرسول صلى الله عليه وسلم وبكى وقال: والله لقد رأيتك بـمكة وما فيها فتىً أحسن جمة منك، ثم أنت أشعث الرأس في بردة، ولما مات رضي الله عنه لم يجدوا ما يكفنونه به -كما في صحيح البخاري- إلا بردة لا تستره، إذا غطوا بها رأسه بدت رجليه، وإذا غطوا بها رجلاه بدت رأسه.
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطوا بها رأسه وأن يجعلوا على رجليه من الإذخر، وهو نبت معروف في الحجاز.
يجددون لنا سيرة علماء الحديث الذين كان الواحد منهم يحضر مجلس التعليم والفقه وهو ابن عشر سنوات وإحدى عشرة سنة، واثنتي عشرة سنة، حتى إن سفيان بن عيينة يقول: كنت أختلف إلى الزهري وأنا صبي صغير، حتى إن له جعابتين تجدل رأسه كما يفعل الصبيان الصغار.
قال: فاختلفوا يوماً عند الزهري في حديث، قال بعضهم عن سعيد، وقال بعضهم عن أبي سلمة، قال: فقال الزهري: ما تقول يا صبي فيما اختلف فيه هؤلاء الرجال الكبار، هل الحديث عن سعيد أم عن أبي سلمة؟ قال فقلت له: (عن كُلاهما) بضم الكاف، قال: فضحك مني، عجب من قوة حفظي، وضحك من لحني لأني أخطأت في اللغة العربية لكنه ضبط الحديث.
وكذلك الرجل الآخر الذي يقول: كنت أغدو على مجلس علماء الحديث ووجهي كالدينار، وطولي سبعة أشبار، وفي أذني أقراط كآذان الفأر، فإذا رأوني وفي يدي المحبرة والكتاب، قالوا: أفسحوا للشيخ الصغير، فكان هؤلاء يتربون في أتون المعارك، أو في مجالس العلم، أو المساجد، أو أماكن العبادة والتقوى حتى إن الواحد منهم كان يتعلم التعبد والخشوع والورع والدين قبل أن يتلقى الحديث وغيره.
الاستفادة من جميع المؤثرات:
فنحن بحاجة إلى أن تتوفر جميع الأجهزة الموجودة في المجتمع، أولاً: المسجد، ثم البيت، ثم المدرسة، ثم الشارع، ثم الأجهزة الأخرى المؤثرة، مثل أجهزة الإعلام، والأجهزة التابعة لرعاية الشباب وغيرها، الأصل أن هذه الأشياء كلها تتوفر لبناء الشاب الذي يعرف كيف يستثمر وقته في ما يفيد، والذي يصدق عليه وصف الشاعر الذي يقول:
غلام من سراة بني لؤي كلابي الأبوة والجدود |
جدير عن تكامل خمس عشر بإنجاز المواعد والوعيد |
غلام من سراة بني لؤي منابي الأبوة والجدود، يعني ينتسب فيها بني لؤي إلى بني عبد مناف، تلقى علم الرجولة والشهامة والتقوى والأريحية جدير عند تكامل خمس عشرة سنة بإنجاز المواعد والمواعيد، عمره خمس عشرة سنة، لكن مع ذلك يستطيع أن ينجز ما وعد أصدقاءه، أو ما توعد أعداءه، فإذا توعد أعداءه بشيء أنجز.، وإذا وعد أصدقاءه بشيء أنجز.
أما نحن اليوم؛ فنحن لا ننجز وعداً ولا وعيداً، نعد الناس بأشياء كثيرة أننا سوف نفعل ونفعل ولا ننجز، ونتوعد أعداءنا بأننا سنلقي بهم في البحر، ونقتلهم قتل عاد، ونفعل بهم، ونشجب ونستنكر، ولكننا لا نفعل شيئاً من ذلك.
ولذلك حق علينا قول الشاعر:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع |
لا يرغب فينا صديق، ولا يرهب منا عدو، هذا كبيرنا فضلاً عن صغيرنا.
نحن بحاجة إلى من يجدد لنا سيرة محمد بن القاسم الذي يقود الجيوش وعمره خمس عشرة سنة.
إن الشجاعة والسماحة والندى لـمحمد بن القاسم بن محمد |
قاد الجيوش لخمس عشرة حجة يا قرب ذلك سؤدد من مولد |
قاد الجيوش لخمس عشرة حجة ولهاته عن ذاته أشغال |
زملاؤه يلعبون في الشوارع لا زالوا أطفالاً وصبياناً، وهو يقود الجيوش والمعارك.
نحن بحاجة إلى من يجدد لنا سيرة ابن تيمية رحمه الله، جلس للتعليم وعمره (19) سنة ولما أكمل (20) سنة كانت حلقته حلقة هائلة لا يدرك مداها، وكان الشيوخ الذين قد شابت لحاهم في الإسلام يحملون الدفاتر والمحابر ويكتبون ما يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
فمثلاً: نجد أنهم يخططون للحفلات التي يستقبلون فيها الشباب، لتدمير أخلاقهم ودينهم، ونشر المخدرات والفساد فيما بينهم، وقد تجد من صحفنا ومجلاتنا ونشراتنا من يساعدهم في ذلك، وقد اطلعت على إحدى صحفنا المحلية وقد نشرت إعلاناً بالخط العريض عن حفلة سوف تقام في إحدى الدول المجاورة، وأن الحفلة حفلة مختلطة بين قوسين:للعائلات، يعني يدخلها الشباب والفتيات، الرجال والنساء على حد سواء.
وكلكم يعرف أنه ليس هناك شيء يعرف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تلك البلاد، لتنظم الأمر، أو تمنع أو تعزل، فالقضية مفتوحة على مصراعيها، فإذا كانت حفلة للعائلات لكل واحد منا أن يتصور ماذا سيجري؟ هم يخططون ويسهلون، وما عليك سوى أن تتصل بالهاتف، لتحجز وأن تسافر مع تخفيض للتذاكر، ومع خدمات متوفرة في أماكن مختلفة.
يخططون لإقامة المخيمات التي تستقبل شبابنا، بحجة أنها تدرب الشباب، تدربهم على العمالة، والمهارات، واللغة الإنجليزية، ودروس التقوية، تستقبل الطلاب الراسبين بصور شتى، وحقيقتها أنها تريد أن تستغل هذا الشاب لتوفر له جواً من الفساد والانحلال بعيداً عن رقابة الأبوين، بعيداً عن رقابة المجتمع، بعيداً عن المؤثرات الطيبة الموجودة في المجتمع.
المجتمع هنا مهما كان فإنها توجد فيه مؤثرات طيبة، وإذا وجد جهاز يدمر فإن هناك أجهزة أخرى تبني، لكن هناك يتفردون بالشاب حتى يستطيعوا أن يحشوا وقته وعقله وفكره ولبه بأشياء سيئة، ولا يوجد ما ينافسهم في ذلك.
فهم يستغلون الإجازات في برامج التلبية والتخدير، التي تدمر عقول الشباب، وتهمش اهتماماتهم، أي أنها تجعل اهتماماتهم هامشية لا تتعدى الكرة، وأي فريق يفوز، وحضور المباريات، والمنافسة فيها، ولا تكاد تجاوز ذلك إلا شيئاً قليلاً.
الأعداء يخططون حتى إن أجهزة التنصير التي تدعو إلى الديانة النصرانية وتقوم عليها الفاتيكان، وهي أغنى دولة في العالم، وتبذل الآن أموال طائلة لإدخال نصارى جدد من أولاد المسلمين، يستغلون حتى المباريات الرياضية لنشر الدعايات، ونشر الوسائل المختلفة التي تدعو إلى الديانة النصرانية، أو على الأقل تربط الشباب بمؤسسات تنصيرية، حتى المباريات الرياضية يستغلون هذا الجمع الغفير بالدعوة إلى الديانة النصرانية، ونشر بعض الأوراق والكتب والنشرات والبرامج التي تدعو إلى دينهم.
بل أدهى من ذلك وأمر أنهم يستغلون صناديق البريد لمراسلة الشباب، وقد رأيت صوراً مما يبعثون به إلى بعض الشباب، حيث يدعونهم إلى ممارسة الحرية، والاشتراك في الأندية، ومؤسسات وأجهزة موجودة في بلادهم، تمنح الشاب حق الفساد والانحلال وتوصل إليه الصور الخليعة، والأفلام المنحلة، والأشرطة السيئة، وتمكنه من ممارسة الرذيلة بكل وسيلة.
فضلاً عن تلك المجلات التي تخصص زوايا وصفحات خاصة لما يسمونه بالتعارف، وضمن التعارف، تنشر صور فتيات، وأسماء فتيات في أنحاء بلاد العالم الإسلامي، وتجد كثيراً من الشباب -مع الأسف- بسذاجة وبلاهة يراسلون ويكتبون ويقيمون علاقات، وقد يكون كثير من هذه البؤر وهذه الفتيات وهذه المؤسسات هي مصايد لاصطياد الشباب وتجنيدهم ليكونوا جواسيس، أو إيقاعهم في شباك المخدرات، أو استغلالهم ليسيئوا إلى بلادهم وأوطانهم قبل أن يسيئوا إلى دينهم وأنفسهم.
لكن كثيراً من شبابنا فيهم بلاهة وسذاجة وغفلة، ويظنون القضية مجرد ترفيه، كأس، وخمرة، وامرأة وأغنية وسيجارة، ويظنون أن الأمر يتوقف عند هذا الحد، ولا يدركون ماذا وراء الأكمة؟!
لكن هذا الجهد الذي يبذل في المساجد توجد وسيلة أخرى تعمل على هدمه، فإن الشاب إذا بنى المجدد لحلقة من إيمانه، أو سلسلة من يقينه في المسجد، فإن ذلك تهدمه الأغنية الخليعة، والمشهد الفاجر، والصورة العارية، وتهدمه أجهزة الرياضة، وقد تهدمه المدرسة أحياناً إذا وجد في المدرسة من لا يحسن تربية الشباب، ومع الأسف قد يهدمه البيت.
فكم من شاب يشتكي بيته، يشتكي من أبويه، حيث إن كثيراً من الآباء الذين لم يكتب لهم الاستقامة في شبابهم، أصبحوا يغارون أن يصبح أولادهم خيراً وأصلح منهم، فأصبح الأب، أو أصبحت الأم يضعون العراقيل في وجوه أبنائهم، فالأب يتحدى ولده، كيف أنت تذهب إلى المسجد قبلي؟ كيف أنت تحارب التلفاز الموجود في البيت ونحن تربينا عليه منذ نعومة أظفارنا، ومنذ طفولتنا؟! كيف تمتنع عن أكل المال الحرام الذي آتي به من البنك؟ تتحداني!
وأصبحت الأم هي الأخرى تحارب بناتها أحياناً؛ ولا أقول: إن هذا هو الوضع الغالب، لكنه موجود، فأصبحت الأم تنتقد بناتها على إعراضهن عن سماع الغناء، أو مشاهدة التلفاز، أو امتناعهن من الخروج، أو من الوقوع في الغيبة والنميمة، أو من الأكل الحرام، أو من الوقيعة في أعراض الناس، أو من غير ذلك من المحرمات التي ربما تكون بعض الأمهات قد اعتادت عليها.
إذاً: هناك وسائل كثيرة تهدم ما يبنيه المسجد، أو ما تبنيه وسائل التربية الأخرى، المدرسة قد تبني، والبيت قد يبني؛ لكن على أي حال نحن موافقون ومتفقون على أن هنالك أجهزة تهدم ما تبنيه تلك الوسائل الصالحة.
ولذلك كانت المحصلة النهائية هي أننا وجدنا كثيراً من شباب الأمة يعيشون حالة من التناقض والتذبذب، تجد له وجهين: فيه خير وفيه شر، فيه إيمان وفيه نفاق، فيه تقوى وفيه فجور، فيه حب للخير ولكن فيه ميل إلى الهوى والشر!
خلال فترة الامتحان الماضية كنت أتجول بين الطلبة، فلفت نظري ماسة من ماسات الطلاب كالعادة طلابنا يملون ماساتهم بالكتابات، كتابات غير هادفة؛ لكنها في كثير من الأحيان كتابات ساذجة عادية، ليس فيها شيء، لكن هناك ماسة أصبحت مثل السبورة، فيها ألوان وأشكال وصور ورسوم، فلفتت نظري، وقلت: أريد أن أعرف عقلية هذا الشاب الذي يجلس على هذه الماسة من خلال ما يكتب.
هذه الكتابات التي أمامي في اعتقادي أنها تمثل عقله، وتربيته ومستواه الخلقي والفكري والتربوي، فماذا وجدت في هذه الماسة؟! وماذا كتب هذا الطالب؟! طالب في كلية شرعية -مع الأسف- تجد في أعلى الماسة رسم هذا الشاب قلباً قد طعنه سهم، وهذا تعبير عن أن هذا الشاب يتكلم في قضايا الحب والغرام والغزل التي يتحدث عنها السفهاء وشباب الشوارع، فهو قد رسم قلباً قد طعنه سهم الحب، تحت هذا القلب كلمة: "الحب عذاب"، وهذه أيضاً من كلمات الشوارع التي لا تستغرب أن تجدها مكتوبة في شارع، أو في مكان سيئ، لكن أن توجد في مستوى كهذا، فهذا مؤشر خطير!
وتحت هذه الكلمة تجد شعارات رياضية: يعيش فريق كذا، ويسقط فريق كذا، وفريق كذا بطل العالم، وفريق كذا بطل الشرق الأوسط، وفريق كذا، وهلم جراً، وفي زاوية أخرى تجد مقطعاً من أغنية يقول: يا حبيبي سلطة العاشق كبيرة. أنا في الواقع لم أسمع هذا البيت إلا من خلال قراءتي في هذه الماسة! يا حبيبي سلطة العاشق كبيرة.
إذاً: هذه عقلية طالب في مستوى كلية شرعية، فما بالك في طالب ثانوية أو في متوسط! هذه ثمرة وهذا نموذج وعينة من ثمرة الشباب الذين لم يوفقوا في أن يتربوا في مسجد، أو في حلقة العلم، أو في درس القرآن، أو في مركز صيفي، على يد أستاذ، أو شيخ أو معلم ناضح أو في بيت سليم، إنما وقعوا ضحية نوادي الكرة، وأجهزة الإعلام، وأصدقاء السوء، فكانت النهاية هي هذا، عقليات محدودة، واهتمامات متخلفة.
والروس واليابانيون والأمريكان وجميع أمم العالم أصبحت تخطط، وتعد أجيالها من الأولاد والبنات وتربيهم تربية تتناسب مع الأهداف التي يخططون لها من أجل السباق الدولي، كل دولة تنافس الدولة الأخرى، سباق علمي، سباق حضاري، وسباق عسكري، فالعالم اليوم مجموعة من الذئاب يعتدي بعضها على بعض، والقوة والنصر فيه للغالب،والبقاء فيه للغالب.
ليس في العالم اليوم قيم ولا معايير ولا أخلاق ولا رحمة بالفقير والمسكين، وكل ما تسمعونه إنما هو كلام فارغ يضيعون به الأوقات، ويخادعون به الناس، إنما الكلمة الوحيدة التي تحكم اليوم دول العالم كلها هي كلمة القوة، فالدول كلها تتسابق للقوة، في المجال العلمي، والجسمي، والعملي، والاقتصادي.
والشعوب الضعيفة سوف تبقى مسحوقة لا قيمة لها، ولا وزن، ولا رأي، ولا كلمة، فهل كتب على الأمة الإسلامية أن تبقى أمة ضعيفة؟! وأن يبقى اهتمام شبابنا محصوراً في الأغنية والكرة والصورة الخليعة، وتبقى الأمم الكافرة تجند وتدرب شبابها لتربيتهم على القوة والنضج وتدربهم على السلاح، وكأنهم يعدون لليوم الذي سيفتكون بنا، فهل كتب علينا أننا نبقى أذلة؟!
لا شك أننا ننتظر مستقبل الإسلام المُشرِق، لكن هذا المستقبل لن يأتي إلا حينما نشعر بالواقع المرير الذي نعيش فيه، ونبدأ في التخلص والخروج من هذا الواقع.
إخوتي الكرام: الإجازة هي جزء من العمر، ومسئولية الإنسان عن عمره لا تنتهي إلا بالموت وباليقين، المسلم والكافر في ذلك سواء، فهي بالنسبة للمسلم كما يقول الله عز وجل: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] إذاً أنت مطالب بالعبادة سواء كنت في إجازة، في عمل أم في غير عمل، في ليل أم في نهار، في شباب أم هرم أم شيخوخة.
الكفار وهم في النار يقولون: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:43-47] إذاً: الكافر عاكف على معاصيه،وعلى أعماله السيئة حتى الموت، والمؤمن عاكف على عبادة ربه حتى الموت، سواء في ذلك الإجازة وغيرها.
لكن الإجازة تتميز بأمور، وأهم ميزة في الإجازة بالنسبة للطالب أنه يستطيع أن يستغل وقته كما يريد هو لا كما يقال له.
فمثلاً: الطالب في الدراسة قد يدخل عليه الأستاذ يدرسه مادة لا يرغبها، وبعض الطلاب -مثلاً- قد يكرهون مادة الجغرافيا، أو مادة اللغة الإنجليزية، أو مادة الرياضيات يكرهها، ولذلك إذا دخل المدرس ربما يتشاغل عنه بأي أمر من الأمور، قد يتشاغل بقراءة جريدة، وقد ينام، وقد يقرأ كتاباً، وقد يلهو مع زميله؛ لأنه لا يرتاح لهذه المادة ولا يحبها، فهي مفروضة عليه، وإن درسها فإنما يدرسها من أجل أن ينجح، إذاً في الدراسة توجد أشياء يقضي الإنسان فيها وقته كما يراد له لا كما يريد هو.
لكن في الإجازة لا يكون هذا، الوقت تستطيع أن تقضيه أنت كما تريد لا كما يراد لك، الوقت رهن يديك، رهن إشارتك، افعل فيه ما تريد، ومن هنا تتعارظم المسئولية.
من جهة أخرى فإن كثيراً من الأسر والعوائل خلال الدراسة مرتبطون بأولادهم في المدارس، فلا يذهبون ولا يجيئون ولا يسافرون لأن أولادهم في المدرسة، لكن إذا انحل رباط الأولاد من المدرسة أصبحت الأسرة تستطيع أن تسافر إلى أي جهة شاءت.
لا شك أن تفكير البعض ينصرف إلى أمور معينة، أمور تتناسب مع الوضع الذي ذكرته قبل قليل.
ولا حاجة إلى ذكر الأسماء، وهناك يقع كثير من الشباب في الفساد الأخلاقي، في بؤر الرذيلة، والانحلال، ومعاقرة الداعرات، والعاهرات، والفاجرات، حيث الهربز والإيدز والأمراض الجديدة التي لم تسمعوا بها بعد، حيث الخمور والمخدرات التي تفتك بهم، ويقعون ضحاياها، حتى أنه حدثني أحد الشباب أن هناك عصابات في تلك البلاد يضعون في أجهزة التكييف مادة معينة إذا استنشقها الشاب أصبح مدمناً وأصبح يبحث عن المخدر في كل مكان.
حتى لو كان تاجراً، أو لم يكن في نيته أن يتعاطى المخدر، فإنه مع كثرة استنشاق الهواء الذي وضع في هذه المواد، يصبح مدمناً يبحث عن المخدر في كل مكان.
وقد حدثني بعض الشباب الذين يعيشون هناك عن ضحايا كثيرة، وأمور محزنة، حدثوني عن شيخ قد جاوز عمره الستين سنة، وقد جاء من هذه البلاد إلى هناك ليتعاطى الخمور ويقع في أحضان المومسات، -عافاني الله وإياكم- قال: فشرب في اليوم الأول ست زجاجات من الخمر، وشرب في اليوم الثاني أكثر من ذلك، وشرب في اليوم الثالث اثنتي عشرة زجاجة، فشعر بثقل وذهب ليتقيأ في دورة المياه فسقط ومات هناك، وبعد طول وقت وجدوه ميتاً، ورأسه في دورة المياه -عافاني الله وإياكم من ذلك.
نهاية بئيسة! والويل كل الويل للذين يتسببون في إلقاء كبار السن في ذلك فضلاً عن الشباب، إذا كانت الدعاية ووسائل الهدم والتخريب، وأساليب الإثارة والجاذبية قد أثرت حتى في كبار السن، فما بالكم بالشاب الذي يشتعل جسمه قوة وحيوية وشباباً؟!
إنهم يذهبون بحجة السياحة، ويقعون في مثل هذه الأشياء، ووراء ذلك كله أعيد ما ذكرته لكم قبل قليل؛ إن هناك أجهزة المخابرات العالمية تخطط لاقتناص كثير من الشباب، وتجندهم ليكونوا مخبرين وعملاء لها، خاصة في ظل الحاجة المادية؛ لأن كثيراً من الشباب يعانون من الحاجة المادية، يعانون من قلة ما في اليد، وهو مواجهة الشاب بلا وظيفة فترة طويلة، وربما لم يستطع أن يستمر على تلك الأسفار التي أدمنها واعتاد عليها، وحينئذ ما أسهل أن يصطاد هذا الشاب، ويجند ليكون وسيلة هدم، ليكون معول هدم لدينه وأمته وبلده وأسرته ونفسه.
ولذلك فإن المسئولية علينا -أيها الإخوة- جميعاً أفراداً ومؤسسات وأجهزة وحكومات أن نقف ضد هذا العبث الذي يدمر شبابنا، أما إني لا أقول: إن كل من يسافر يسافر لهذا الغرض، الواقع أن هناك من يسافر لأغراض أخرى صحيحة، وهم كثير وسأتحدث عن ذلك بعد قليل، لكنني الآن أتحدث عن عيّنة أو نموذج من الشباب، وكيف يفكرون في قضاء الإجازة.
أما أن نفهم أن رعاية الشباب تعني تربية أخلاق الشباب على معالي الأمور، لا نعرف ذلك!! أما أن نعلم أن كلمة رعاية الشباب تربية دين وعقائد الشباب، وتقوية إيمانهم بالله واليوم الآخر فإن كثيراً منا لا يعرف ذلك! إذا قيل رعاية الشباب انصرف الذهن إلى ملعب، ونادٍ، وكرة، ومدرجات، وهلم جراً!
يا ليت هذه الجموع التي تجري وتلهث خلف الكرة، يا ليتها تلعب فعلاً، فربما قال قائل يربون أجسامهم، وإن كانت الأمة ليست بحاجة إلى عجول آدمية، ومهما بلغت قوة الإنسان لن يكون أقوى من الفيل، ومهما بلغ جماله لن يكون أجمل من الطاووس، لكن جسم البغال وأحلام العصافير، هذا لا يصح، ولا نريده!
نريد أجساماً قوية، ونريد معها عقولاً قوية، نريد إيماناً قوياً نريد ثقافة واسعة، ونريد مستوى عاماً عالياً هذا كله نريده ويا حبذا! أما أن يكون هَمُّ الشاب أن ينصرف فقط إلى تربية جسمه فهذا لا يصلح، لكن حتى تربية الجسم لا تتحقق، فإن (99%) من الشباب الذين يركضون خلف الكرة إنما هم مشجعون فقط، قد تَلِفت أقدامهم من الجلوس في المدرجات، وتدمرت أعينهم، وتسمرت أعصابهم من النظر إلى لعب الكرة، سواء في الملاعب، أم عبر الشاشات.
أما هم لا يلعبون، هم فقط مشاهدون، يؤيدون هذا ويعارضون ذاك، ويصرخون بأصواتهم بهذا أو ذاك، ويفرحون لدخول هدف على فريق أو يحزنون بذلك! أما أن يلعبوا وتقوى أجسامهم فحتى هذا مع أنه ليس هدفاً بذاته لكنه غير موجود!
ولذلك ندري وندرك أن هذه الجهود الطائلة -جهود بمعنى الكلمة جهود وكفى- هذه الجهود الطائلة لا يستفيد منها ولا يستثمرها إلا أعداد محدودة يعدون على أصابع اليد الواحدة في كل بلد ممن يلعبون فعلاً، أما بقية الجماهير فهم مشاهدون فحسب.
إذاً: مجرد العناية بجانب واحد في الرياضة لا تصلح، وأقول: لست ضد الكرة في حد ذاتها؛ إذا التزم الإنسان فيها بالأخلاق الإسلامية من التستر والبعد عن السب والشتم واللعن، والحقد والحسد والبغضاء، والتطاول والتطاحن، وكانت في حدود المعقول، فلم يضيع وقته كله في لعب الكرة ومشاهدتها، لست ضد الكرة إذا كانت بهذا الحدود، وبهذا الإطار، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى للحقيقة، وحتى يكون كلامي كلاماً يفهم بصورته الصحيحة أنه يوجد في الأندية -بحمد الله- في كل بلد نخبة من النوعية الطيبة الذين اتجهوا إلى الله تعالى، واستقاموا على الطريقة، وصلحوا وعملوا على إصلاح الأندية، وجلب المشايخ والعلماء إليها، وتحريك النشاطات الإسلامية، هذا كله صحيح وموجود وهذه جهود مشكورة، لكن يبقى الواقع الذي ذكرته يبقى هو الغالب منذ زمن، ولا يزال هو الغالب إلى الآن.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة} وفي فضل الحج أحاديث كثيرة، ليس هذا المجال مجال ذكرها، لكن الحج هو أحد المشاريع التي ينبغي أن يفكر الشاب في قضاء جزء من إجازته فيها، خاصة إذا كان لم يؤد فريضته، فإن كثيراً من أهل العلم يرجحون ويصححون أن من بلغ ذكراً كان أو أنثى فإنه يجب عليه أن يحج، ولا يجوز له أن يؤخر الحج لغير عذر، فمن بلغ من ذكر أو أنثى وهو يجد المال ويستطيع أن يحج؛ فإنه يجب عليه الحج، صح هذا عن جماعة من أهل العلم، ولا يحق لوالديه منعه، وكذلك الزوجة لا يحق لزوجها أن يمنعها، بعض الزوجات تقول: أنا لم أؤد الفريضة، وظروفي مناسبة، وزوجي يمنعني من الحج، لا يجوز له أن يمنعها خاصة إذا وجدت من سيحج بها من أب أو أخ أو محرم.
فالحج هو أحد المشاريع، ومثله العمرة، ومثلهما حفظ القرآن الكريم، فالإجازة فرصة لأن يرتب الشاب وقته أن يحفظ القرآن، أو يحفظ جزءاً من القرآن الكريم، ولو فكر الشاب أنه يحفظ في كل يوم صفحة من القرآن الكريم لحفظ في الأسبوع سبع صفحات، ويحفظ في الشهر ثلاثين صفحة، يحفظ في الإجازة نحو مائة صفحة، معنى ذلك أنه صار يحفظ خمسة أجزاء من القرآن الكريم خلال الإجازة الصيفية. وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منـزلتك عند آخر آية تقرؤها} معنى ذلك أنك خلال ست إجازات ستكون قد حفظت القرآن الكريم كله، وهذا لو لم تستثمر بقية العام، أما لو استفدت من العام كله فخلال سنتين تحفظ القرآن الكريم كاملاً.
النوع الثاني: ما يمكن أن نطلق عليه مشاريع علمية، وهي كثيرة جداً، من المشاريع العلمية لزوم حلقات المشايخ، فإن حلقات العلماء من أقوى وأحسن المشاريع التي يستثمر فيها الشاب وقته، وينبغي أن تعلموا -أيها الإخوة وأيها الشباب خاصة- أن هذه الحلقات العلمية الموجودة في هذه الجزيرة اليوم تكاد أن تنعدم في الدنيا كلها، لا تكاد تجد حلقات علمية مثلما تجد في المملكة، اللهم إلا حلقات يسيرة موجودة في بعض بلاد الشام، وبعض بلاد الهند.
أما في كثير من بلاد العالم الإسلامي قد أقفرت تلك الحلقات، وقد زرنا بلاداً عديدة منها لا يوجد للحلقات العلمية فيها ذكر، الحلقات في المساجد التي تخرج منها العلماء، وتخرجت منها الأجيال عدمت أو كادت في كثير من البلاد الإسلامية، إذاً ينبغي أن نفرح بأن هذه الحلقات ما زالت موجودة، بل أصبحت تنمو وتتكاثر بحمد الله، وأن نعمل على أن ينضوي الواحد منا تحت حلقة من هذه الحلقات.
يحفظ فيها متناً من المتون، أو يستمع فيها إلى شرح، أو يتابع علماً من العلوم أياً كان هذا العلم.. النحو، العقيدة، الفقه، الأصول، الفرائض إلى غير ذلك، فهذه من المشاريع العلمية التي يستطيع أن يستثمر فيها وقته، كذلك المحاضرات والدروس التي تقام، وهي كثيرة وفي الإجازة تتضاعف حيث تقوم الجهات الخيرية وخاصة الإفتاء بتنظيم محاضرات ودروس منوعة في المراكز الصيفية وفي المساجد وفي غيرها، فمن الممكن للشاب أن يحرص على متابعة هذه الدروس والحلقات وتسجيلها أو تلخيصها وكتابة بعض العناصر المهمة فيها، والانتفاع بما يقال ويلقى فيها.
2- القيام ببحوث علمية:
ومن ذلك البحوث العلمية: فإن البحث -أيها الإخوة- من الوسائل التي لا يغني عنها غيرها، وقد جربت ذلك وجربها غيري، ربما يجلس الإنسان وقتاً كثيراً فلا يستفيد مثلما إذا أحذ بحثاً، خاصة لو كان البحث تحت إشراف شيخ أو معلم أو أستاذ أو أخ يكبره، اختر موضوعاً من الموضوعات التي تتناسب مع مستواك وحاول أن تبحث عن عناصر هذا الموضوع ومراجعه، وتوفرها، أو تذهب إليها في المكتبة وتعد هذا البحث وتعرضه على أحد العلماء أو المشايخ أو طلاب العلم.
لكن أُحذّر أن يكون البحث فوق مستواك، مثل أن يقوم طالب في الثانوي بإعداد بحث مثلاً في قضية عقدية عويصة هذا لا يصلح؛ لأن هذه القضية تحتاج إلى عالم فحل يبحث فيها. أو يأتي إلى قضية مشكلة لا زالت مشكلة عند العلماء فيعد بحثاً، هذا لا يصلح. أو أن يقوم طالب في الثانوية مثلاً بإعداد بحث في طفل الأنابيب، وما حكمه في الشريعة؟ نقول له: لا، ابتعد عن هذا، هذا أمر لا يصلح لك، أو يقول: أريد أن أعد بحثاً في القراءات السبع والأحرف السبعة في القرآن؟ نقول: لا، هذه القضية أعجزت كثيراً من أهل العلم، والخبرة والتعمق، فما بالك بمثلي ومثلك من المبتدئين، هذا لا يصلح لك، فإن الإنسان لو كان عنده مصباح كهربائي (110) وشبكه على خط كهرباء (220) أو (380) فما الذي يحدث، يحدث أنه يحترق!
وهكذا أنت إذا بدأت بإعداد بحثاً لا يتناسب مع مستواك؛ ربما تصل إلى نتيجة سيئة خاطئة في هذا البحث، أو تعجز ومن ثم تقرر مقاطعة العلم وعدم الاستمرار في مثل هذه البحوث.
3- الدوارت الصيفية:
ومن الوسائل العلمية أو من المشاريع العلمية: الدراسات والدورات الصيفية: هناك دراسات صيفية في الجامعة، من الجيد أن الشاب يلتحق بدراسة صيفية، المهم أنه يستثمر إجازته في أمر مفيد، أو دورة أياً كانت هذه الدورة.
أقول أيها الإخوة: افترض أنها دورة لإحدى الجمعيات الخيرية، دورة مثلاً في الكهرباء، دورة في الآلة الكاتبة، دورة في الكمبيوتر، دورة في أي أمر مفيد للإنسان في دينه ودنياه، ما الذي يمنع الإنسان أن يستفيد من وقته في مثل هذه الدورات التي تعلم وتقام في أماكن عديدة؟ هذا أمر طيب.
4- القراءة المفيدة:
ومن المهم أن الشاب ينمو ويتقوى في جوانب عديدة، ولا بد أن أشير إلى قضية مهمة ربما كان المهم أن تأتي في الدرجة الأولى وهي قضية القراءة، أذكر -أيها الإخوة- أنني حين كنت في السنة الثالثة المتوسطة وفقت بأحد الشباب الذين نصحوني بالقراءة وأرشدوني إليها ووفروا بين يدي بعض الكتب، فبدأت أقرأ في تلك الإجازة مع أنني كنت أذهب مع والدي -رحمه الله- إلى الدكان، فكنت أضع الكتاب في وسط دفتر البيع، وأقرأ حتى استطعت أن أقرأ في تلك الإجازة أكثر من ستين كتاباً، فلما سألني ذلك الأخ الذي وجهني ماذا قرأت؟ استحييت أن أقول له ستين كتاباً، لأني قلت سيكذبني فذكرت له بعض هذا الرقم، والواقع أنني لا زلت حتى الآن أعيش بعض ثمرات تلك القراءة التي قرأتها في بعض السنوات؛ بسبب التوجيه السليم من بعض الإخوة، فأنصح الإخوة أن يرتبوا لأنفسهم برنامجاً لقراءة مجموعة كبيرة من الكتب المفيدة.
اقرأ وانصح الشاب لكي يستمر في القراءة أن ينوع، لأنه لو أراد الشاب أن يقرأ كتباً علمية بحتة ربما يمل، لو قال أقرأ كتباً في الفقه، فقرأ المغني ربما قرأ فيه مجلداً ثم يمل وينقطع، لكن أقول: اقرأ في كتب منوعة، وأنصح بأن يقرأ الإنسان كتب التاريخ، والتراجم، والسير، لأن فيها تقوية للعزيمة، وفيها شد وفيها بناء، وفيها تربية، فضلاً عن قراءة الإنسان ما يهمه من الكتب في العقيدة، وكتب في الحديث، وكتب في التفسير، المهم القراءة القراءة القراءة يا شباب! ينبغي أن نكون مدمني قراءة، وأعجب -أيها الإخوة- كل العجب أن نجد من بعض العمال الذين أتوا إلى بلادنا من بلاد أخرى، وإن كان لا ينبغي ضرب المثل بهم، لكن هذا واقع نشاهده جميعاً، تجد العامل يسوق (الدركتل) والله رأيت هذا بعيني، والكتاب في حجره، كتاب يحوي أكثر من سبعمائة صفحة؛ قد يكون قصة، لكن في حجره يقود السيارة والكتاب بجواره، فإذا وقف عند الإشارة فتح يقرأ! في الطائرة تجد أننا نائمون أو نفتش في الصحف، بينما كل واحد منهم في يده كتاب يقرأ! لقد تربوا على القراءة أما نحن فتربينا على إهدار الأوقات بلا طائل، وتجد الشاب إذا قرأ خمس صفحات قال: مللت! لماذا لا نربي أنفسنا على القراءة، حتى تكون القراءة دأباً لنا وديدناً، والله إن الإنسان إذا ربى نفسه على القراءة واختار الكتاب المناسب أنه بعد فترة تصبح القراءة لذة، يتلذذ بالقراءة فضلاً عن الفائدة، ولا يحتاج إلى من يحثه على ذلك أو يشجعه عليها.
هؤلاء هم الذين تعتز بهم الأمة، هم الذين تنتصر بهم الأمة، هم الذين تنتظرهم الأمة بفارغ الصبر لينقذوها من الذل والهوان الذي غطى عليها، ولا شك أنه فيما يتعلق بقضية الذهاب إلى أفغانستان لست ممن يقول للشباب هاجروا إلى هناك؛ لكن أقول: الذين يذهبون فمسعاهم حميد، وليس صحيحاً أن نترك الشباب يذهبون إلى بانكوك، أو كازابلانكا، ونبارك خطواتهم في الوقت الذي ننتقد الذين يذهبون إلى جلال أباد وقندهار وكابل، هذا ليس صحيحاً.
وإن كان الشاب يجب أن يفكر تفكيراً عقلياً صحيحاً قبل أن يذهب، ويجب أن يعرف هل ظروفه تناسب أم لا تناسب، هل يسمح والداه بذلك أم لا يسمحا، ولماذا يذهب؟ هل من المصلحة أن يذهب أم لا؟ هذا كله يجب أن يكون.
فأرجو ألا يفهم كلامي على أنني أعطي الشباب الضوء الأخضر وأقول: هاجروا إلى أفغانستان كلا! في الواقع أقول: إن ذهاب الشاب أنا أعتبر أن هذا أمر يستحق الإكبار، لكن التشجيع على الذهاب هذا يحتاج إلى معرفة ظروف كل شاب.
كذلك ما يتعلق بالمشاريع الجهادية التعرف على أحوال المسلمين وخاصة اللاجئين المهاجرين في بلاد كثيرة: ففي باكستان ملايين المهاجرين من الأفغان يعيشون حالة من الفقر والجوع والتشريد يرثى لها، وتنتشر بينهم المؤسسات التنصيرية، لا حرج على الشاب أن يذهب ليلقي نظرة على إخوانه، على الأقل يحزن لهم إذا لم يستطع أن ينفعهم، على الأقل يحزن لحزنهم، أو ينظر إلى أحوال اللاجئين الإريتريين مثلاً في السودان، أو المسلمين المشردين في أي مكان، يلقي نظرة على تلك الأحوال، يعرف جانباً من آلام الأمة الإسلامية وأحزانها، هذه مشاريع جيدة يمكن أن يفكر فيها الشاب إذا كان عازماً ولا بد على أن يسافر إلى بلد ما، فالبديل عن الأسفار المحرمة هي تلك الأسفار التي ينتفع فيها، ويستفيد خيراً منها.
النوع الرابع من المشاريع: مشاريع اجتماعية، ولعلنا نبدأ بالزواج، على رأس المشاريع الاجتماعية الزواج، والزواج -أقول للإخوة والأخوات-: ينبغي أن يكون من أكبر الهموم، بالنسبة للشباب ينبغي أن يفكر الشاب بجدية في الزواج، حتى لو كان في ثالث ثانوي أو في أولى كلية، ينبغي أن يفكر في كيفية الزواج، ويعمل على تذليل العقبات، وتهيئة الأسباب.
أحد الصحابة رضوان الله عليهم لما أراد أن يتزوج قال: {ليس عندي شيء يا رسول الله، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: التمس وابحث، ذهب وهو يقول: ليس عندي إلا إزاري هذا -أي أنه مستعد أن يخلع ثوبه من أجل أن يتزوج به- قال: إن أعطيتها إزارك بقيت ولا إزار لك، التمس ولو خاتماً من حديد، لكنه ما وجد شيئاً، فقال له: زوجتكها بما معك من القرآن} زوجها على أن يعلمها سورة البقرة وسورة كذا وسورة كذا!
فانظر كيف أن الصحابي يحس بأهمية الزواج، يخلع نعليه من أجل أن يتزوج بهما؟!
إذاً: يا إخوة، يا شباب! لا نقول: والله الظروف لا تسمح. الظروف نحن الذين نصنعها بإذن الله تعالى.
بالنسبة للأخوات -أيضاً- بعثت إلي بعض الأخوات رسالة تعتب فيها على العلماء والمشايخ والمتحدثين تقول: أنتم دائماً تلقون اللوم على الفتيات في تأخير الزواج، مع أن الفتيات ليس لديهن مانع من الزواج متى وجد الكفء، لكن أن تتزوج الفتاة المتدينة بإنسان منحرف، أو مدخن أو فاسق هذا لا يكون.
أقول: صحيح؛ هذه بادرة طيبة، وما أنكم دام تسمعون هذا الكلام أيها الشباب على لسان مجموعة من أخواتكم أن كل فتاة متدينة مستعدة من الزواج، حتى لو اضطرت أن تترك الدراسة من أجل الزواج لا مانع لا من ذلك متى وجد ذلك، متى وجد الكفء، إذاً هلموا إلى هذا الأمر، وإن كان هذا لا يعفيني أن أقول: هناك نوعية قد لا تكون كثيرة، من الفتيات ربما تؤجل الزواج بغرض مواصلة الدراسة أو غيره، وهذا خطأ يجب أن ينتهي.
فمن المشاريع الاجتماعية التي نفكر فيها في الإجازة مشروع الزواج.
العمل مع الأهل:
ومن المشاريع الاجتماعية العمل مع الأهل: أبوك مزارع -مثلاً- فلا مانع في أن تستغل الإجازة في خدمة الوالد في أعمال زراعية، أو كان تاجراً اشتغل مع الوالد في أعمال تجارية، أي عمل يريده الوالد أعمل معه فيه، أو كان الوالد مسافراً في إجازة فأقوم بالنيابة عنه بالأعمال التي يقوم بها، هذه كلها تربي الرجولة التي نحتاجها في نفوس شبابنا، ومن شأنها أن تعد لنا رجالاً يمكن أن تعتمد عليهم الأمة.
زيارة الأقارب وإقامة المخيمات:
الأقارب والأسرة: زيارة الأقارب سواء كانوا قريبين أو بعيدين، إقامة مخيمات للعائلة، بعض العائلات أصبحت تقيم مخيماً، مخيم تجمع فيه أفراد العائلة في المنطقة، قد يجتمع ثلاثمائة أو أربعمائة فرد، وهذه بادرة طيبة ويجب تشجيعها ونشرها، كل عائلة معروفة منتشرة يجمعون أفراد العائلة يتعارفون ويتناصحون فيما بينهم، يقيمون أياماً في البر، ثم يعودون.
كذلك الرحلات الشبابية؛ مجموعة من الشباب الصالحين يخرجون في رحلات سواء للحج أو للعمرة، أو رحلات إلى مناطق سياحية إلى داخل المملكة أو أماكن معينة، أو رحلات في الوعظ والإرشاد إلى مناطق في الجنوب أو في الشمال، أو في البادية، المهم أنهم يحققون فيها الصحبة الصالحة والمتعة، وقضاء الوقت فيما يفيد والترويح وفي نفس الوقت يقومون بجزء من الواجب في تعليم الناس الخير والصلاة والعبادة والوضوء، وأنتم تعرفون أن كثيراً من الناس في بعض القرى النائية يجهلون حتى أبسط الأمور، والله يا إخوة هناك من يجهلون حتى القراءة للصلاة، حتى قرآن الصلاة لا يجيدونه، الوضوء لا يعرفونه، الصلاة لا يعرفونها، فما الذي يمنع أن مجموعة من الشباب يخرجون هنا أو هناك يعلمون الناس.
من النشاطات المتنوعة: النشاط في الدعوة إلى الله، ونشر الكتب المفيدة، ونشر الأشرطة الإسلامية إلى غير ذلك.
أسأل الله أن يوفقني وإياكم للاستفادة من أوقاتنا فيما يقربنا إليه، وأستغفر الله لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: لا شك أن المبالغة -كما ذكر السائل- في تصوير قوة الأعداء وتخطيطهم ربما تؤدي إلى الإعجاب بهم، لكن ذكرها كما ذكرتها خلال المحاضرة عرضاً ليس فيه مبالغة، بل بالعكس فيه تقليل من الواقع الذي يعيشونه، فإنهم قد بلغوا من التخطيط والقوة والدقة مستوى لا أستطيع أن أتحدث عنه، ولكن المبالغة في ذلك لا ينبغي أن تكون، يعني لا ينبغي للمتحدث أن يبالغ في عرض قوة الأعداء وإمكانياتهم، إلا أن يذكرها بقدر ما يكون هناك من حفز لهمم المؤمنين للمنافسة، وهذا موجود، حتى عند السابقين، فإن الإنسان إذا رأى ما عند أعدائه من القوة والتخطيط والكيد والمكر يغار ويغضب ويصبح عنده همة وقوة يعجزهم فيه ويسبقهم، كما قال الله عز وجل: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:10] مع أن المؤمن يجب أن لا يهن ولا يحزن، وأن يعرف ويدرك أن المستقبل لهذا الدين، وأن الكلمة الأخيرة هي للإسلام مهما خططوا ودبروا وحاولوا، فإننا نعلم ونقطع كما أن دون غد الليلة أن المستقبل لهذا الدين، وأن للإسلام جولة قادمة منتصرة.
لكن هذه الجولة يجب أن تكون على أيدينا، أو على أيدي من نربيهم نحن بحيث يستخدمون الإمكانيات المتاحة لهم، ويعدون القوة فيغلبون الأعداء بإيمانهم وبقوتهم.
يقول: وأريد نصيحة لي، حيث إنني أجد تفاعلاً بعد كل محاضرة، وأمني نفسي بالعمل بما فيها، ولكن ماذا بعد المحاضرة، فإني أنسى كل شيء، وأصبح كما كنت، أفيدونا وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: أحبك الله وسائر الإخوة على مشاعرهم الفياضة، وأنصحك أخي الحبيب بأمور:
أولها: أن تكثر من سماع المواعظ، فإن المواعظ سياط تلهب القلوب، فأكثر من سماع المحاضرات والخطب والدروس المفيدة.
ثانيها: أن تكثر من صحبة الأخيار، فإنهم يذكرونك ويقوون من عزيمتك، قد تكون صاحب عزيمة ضعيفة، وهمة ضعيفة، فإذا صحبت الأخيار جروك بالقوة إلى الأمور الطيبة التي هم عليها.
الثالث: أن تحدد لنفسك أهدافاً معينة، وأعني بالأهداف أهدافاً قريبة، فمثلاً الآن الإجازة بدأت، خلال هذا الأسبوع حدد لنفسك هدفاً، وليكن هدفك -مثلاً- أن تختم القرآن مرة في هذا الأسبوع هذا هدف يعتبر.
فإذا أتيت السبت القادم ووجدت أنك ختمت القرآن الكريم، سوف تشعر براحة غامرة؛ لأنك فعلاً حددت لنفسك هدفاً فوصلت إليه، في الأسبوع الثاني حدد لنفسك هدفاً -مثلاً- أن تقرأ رياض الصالحين مثلا للإمام النووي، أو خلال شهر تقرأ هذا الكتاب، وكتاب ثالث وهكذا تحدد لنفسك أهدافاً معينة، كلما انتهيت من هدف انتقلت إلى الهدف الذي بعده.
رابعاً: أن تجعل لنفسك شخصاً تعمل على أن تكون مثله من الأحياء الذين تعيش إلى جوارهم، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة لكل مؤمن قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] لكن النفوس مجبولة على محاباة وتقليد الأحياء: (والحي قد يغلب ألف ميت) وربما لو كان لك شيخ حي أقنعك بشيء، لكن قد يكون الواقع خلاف ما أقنعك به، لكن لأنه حي وشخصيته مؤثرة فيك أقنعك في هذا الأمر، مسألة شخصية أو غيرها.
ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها} السنة الحسنة هي أن تجد إنساناً عمل خيراً فتقلده وتحاكيه في هذا الخير، وهذا يرجع إلى قضية صحبة الأخيار والبحث عن الأستاذ والمربي الناصح الناجح.
الجواب: أولاً هنيئاً لك هذا الشعور الحي فإن هذا علامة الإيمان، أن الإنسان إذا سمع صفات المتقين حزن ألا يكون منهم، وإن سمع الجنة طار شوقاً إليها، وإذا سمع النار طار خوفاً منها أو فزعاً، فهذا لا شك يدل على أن في قلبك حياة، لكن عليك أن تشكر نعمة الله، وشكر نعمة الله التي هي عندك الآن هي أن تضع قدمك على الطريق، والطريق يتلخص في كلمة واحدة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
إذاً أقول: جاهد في الله بالعبادة وطلب العلم والتقوى، بإصلاح نفسك وغيرك، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (والذين جاهدوا) لم يبين فيما جاهدوا؛ المهم جاهدوا في الله، في أي مجال.
الجواب: بالنسبة للتلفاز، أقول: إنك لا تملك سلطة، وأنا قد ذكرت لك قبل قليل الشاب الذي كتب على ماسته يقول: (سلطة العاشق كبيرة) فيجب أن تكون عاشقاً.
فأقول: يجب أن يكون الفرد منا عاشقاً للإصلاح، مستميتاً في سبيله، وألا يظن أن الأمور تأتي بسهولة، فبعض الشباب -مثلاً- بمجرد أن يهديه الله تعالى ويفتح عينيه ويدرك أن هذه الأشياء يجب أن تزول؛ يتصور أنها يجب أن تزول فعلاً، وينسى قضية المجاهدة، وأنه لا بد فيها من طول النفس والصبر والأناة، ولذلك فإنني أنصح الأخ:
أولاً: بأن يكون ذا مكانة في البيت، فمن الخطأ أن يكون بعض الشباب الصالحين في بيوتهم ليس لهم أي دور، قد يوجد في البيت شاب منحرف، يكون هو الذي يخدم والديه، وهو الذي يقوم بشئون البيت، ويتحرك بالمناسبات، ويصل الرحم ويزور الأقارب.
أما هذا الشاب فهو كبعض الشباب الصالح ينام حتى الضحى، ثم يستيقظ للذهاب عند زملائه، فلا يجدونه إلا عند الغداء أو العشاء أو النوم، فيقولون ماذا انتفعنا بالشاب الصالح؟ ينبغي أن يكون الشاب الصالح في منـزله أنموذجاً في القيام بالأعمال التي يحتاجها أهل البيت، يكون لهم شخصية حتى يكون الحاكم فيه.
الأمر الثاني أن يحرص على الإصلاح في أهل البيت، إصلاح قلوبهم، هل وضع درساً في المنـزل، ضع درساً في البيت، هذا مشروع من المشاريع الطيبة، اجمع إخوانك وأخواتك الكبار والصغار والوالدين على درس من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو من قصص الصالحين، أحي قلوبهم وحرك قلوبهم بقدر ما تستطيع، أوجد حركة التوعية في المنـزل.
ثالثاً: أن توجد البدائل المناسبة، كتب طيبة، قصص، رسائل صغيرة، أشرطة مفيدة، أجهزة نافعة، الآن يوجد أجهزة للصغار لأن غالب الناس يحتجون بالأطفال، الآن يمكن أن يشتري الإنسان جهازاً يسمى بالكمبيوتر للأطفال، وتوجد فيه برامج للصغار يعلمهم القرآن، والسنة، واللغة العربية، وأشياء مفيدة وهي أمور مباحة لا حرج فيها، وتوجد ألعاب مباحة للصغار، قصص لهو وتسلية في حدود المباح، وكذلك الكبار أوجد لهم ما يناسبهم مما هو في حدود المباح، بعد ذلك ابدأ حملة منظمة لإخراج الجهاز من المنـزل، إذا كان في البيت خمسة أجهزة ابدأ من الجهاز الذي في الصالة، هذا ما له حاجة أخرجه، بعد ذلك تدرج للذي في المجلس، وهكذا حتى تخرج جميع الأجهزة التي في البيت، لكن هذا يحتاج إلى الصبر، ولا تأتي الأمور عفواً.
أما بالنسبة لأخيك الذي تقول إنه منحرف ولا يصلي، فعليك أن تنصحه فإن لم يستجب فعليك أن تنصحه، فإن لم يستجب فعليك أن تنصحه، فإذا أعيتك الحيلة وأيست منه، وكلمت أهلك في شأنه، حاول أن تسلط عليه إمام المسجد، وزميله في العمل، وصديقه وجيرانه، فإذا أيست حين ذلك عليك أن تدعو له حتى يتوب الله تعالى عليه.
الجواب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب:69] إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11]. هذا والله تبارك تعالى أعلم.
الجواب: عليك أن تحرص على ألا تكون لوحدك إلا بقدر الحاجة، بل اجعل نفسك في وسط قوم صالحين، أو مع أهلك أو في عملك، واحذر من الفراغ؛ لأن الشيطان يتسلل على الشاب في الفراغ خاصة في فتن الشهوات، فإذا جلس الشاب فارغاً لا شغل له؛ عرض له صوراً جميلة، وأشكالاً حسنة تثير غريزته وشهوته، ثم مناه ثم حركه، ثم دفعه، وهكذا ربما وقع الشاب في معصية أو شهوة فيندم حال وقوعها ويتوب، ثم إذا خلا مرة أخرى وقع وهكذا.
فليحرص الإنسان على ألا يخلو بنفسه، وإن خلا بنفسه ثم وجد أن الشيطان بدأ يتسلل إليه فعليه أن يقوم، ولا يجلس، ويذهب في زيارة صديق، أو القيام بعمل طيب، أو للمشاركة في أمور خيرة: زيارة مكتبة، أو في أمور مباحة حتى لو ذهب للرياضة أو ما أشبه ذلك من الأمور المباحة خير له من أن يجلس على انفراد؛ إذا شعر بأن الشيطان يتسلل إليه، هذا مع أن الإنسان بقدر الإمكان يحرص على أن يحصن قلبه من الشيطان، فإن أخطر ما يكون الشيطان إذا تسلل إلى قلبك، يبدأ بك أولاً بشهوة يحركها، وبعد فترة تصبح هذه الشهوة إذا ما ثارت يسعى الإنسان بنفسه لإثارتها وتحصيلها، ثم يسعى للحصول عليها، ولو كلفه ذلك جهداً كبيراً.
فالأمور كلها والعياذ بالله كما قال بعض السلف: سلسلة العيوب، كل عيب يجر إلى ما وراءه، حتى يقع الإنسان ضحية كيد الشيطان وهو لا يدري، ثم إن على الشاب أن يحرص على تحصين نفسه بالزواج، فهو البديل الشرعي، فإن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر