إسلام ويب

شرح العقيدة الواسطية [1]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أول من اشتغل بتقسيم الدين إلى أصول وفروع، وإلى حقيقة ومجاز هم أئمة النظر من المتكلمين ومن اشتغل بشأنهم من الفقهاء ممن كتبوا في أصول الفقه. أما منهج أهل السنة والجماعة في ذلك فهو قبول هذه التقسيمات والحدود باعتبار الاصطلاح اللفظي مع اشتراط أن تنزل هذه الاصطلاحات على معان مناسبة.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فنسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، وندعوه ونتوسل إليه بأنه الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.

    اللهم لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد.

    اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.

    اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم حق.

    اللهم لك أسلمنا وبك آمنا، وعليك توكلنا وإليك أنبنا، وبك خاصمنا وإليك حاكمنا، اللهم فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر، اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

    اللهم الطف بعبادك المسلمين في قضائك وقدرك، اللهم اكف الإسلام والمسلمين شر أعدائهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم شتت شملهم، وأذهب أمرهم.

    اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا قوي يا عزيز، اللهم شتت شملهم وأذهب أمرهم، واجعل الدائرة عليهم، واحفظ بلاد المسلمين وثغورهم وأعراضهم ودينهم من شر عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز.

    ثم أما بعد:

    فإن دراسة العلم الذي بعث به محمد عليه الصلاة والسلام هو قربة لله سبحانه وتعالى، وهو تعظيم لله عز وجل ونصر له؛ فإن الله يقول: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7]ومن نصره سبحانه وتعالى العلم بما بعث به نبيه عليه الصلاة والسلام، وأشرفه العلم بمسائل أصول الدين التي بعث بها سائر الأنبياء والمرسلين، وبعث بها كذلك خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه لم يختلف عن إخوانه من الأنبياء والمرسلين في تقريرها، لكنه زادها بياناً، ووضوحاً، وزادها هدىً وقرباً إلى المسلمين، وصارت رسالته عليه الصلاة والسلام محفوظة بحفظ الله لكتابه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

    ومن شريف وفاضل كتب السنة والجماعة المصنفة في الاعتقاد الرسالة الواسطية لـشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والتي كتبها الشيخ رحمه الله إلى بعض علماء واسط ، حيث ذكر أنه طلب منه أن يكتب له شيئاً في معتقد أهل السنة والجماعة وفي أصولهم، فكتب هذه الرسالة.

    خصائص الرسالة الواسطية

    إن الحديث عن هذه الرسالة وعظمها وفائدتها يطول، لكن أحب أن أشير إلى ثلاث خصائص فيها:

    الخاصية الأولى: أنها رسالة جامعة؛ فإن ثمة رسائل في أصول الاعتقاد للشيخ -أي: لـشيخ الإسلام - وغيره ممن قبله أو بعده من علماء السنة والجماعة لكن كثيراً من هذه الرسائل مختصة بباب من أبواب أصول الدين، كالرسالة الحموية لـشيخ الإسلام نفسه، فإنها مختصة بمسائل الأسماء والصفات، وكبعض الرسائل المصنفة في القدر أو مسمى الإيمان أو غير ذلك من مسائل الاعتقاد.

    أما هذه الرسالة فهي رسالة جامعة، ذكر فيها المصنف جمهور مسائل أصول الدين، ولا سيما المسائل التي حدث فيها نزاع بين أهل القبلة، وإن كان رحمه الله فصَّل في باب الأسماء والصفات تفصيلاً لم يفعل مثله في غيره من الأبواب، وذلك لعظم شأن هذا الباب ولكثرة الاختلاف فيه؛ ولأن الاختلاف فيه هو أخص مسائل الخلاف بين أهل القبلة، فإن سائر الأغلاط التي وقعت عند الطوائف في مسائل أصول الدين لا يقع لها من الشأن والتغليظ ما وقع لأقوال المخالفين في مسائل الإلهيات -مسائل الأسماء والصفات-.

    الخاصية الثانية: أنها رسالة متأخرة في الجملة، فهي ليست من الرسائل المكتوبة زمن الأئمة المتقدمين، مع أن القراءة في كتب المتقدمين لها اختصاص من وجهٍ آخر ولها فضل السبق، لكن هذه الرسالة كتبها إمام متأخر في الجملة، أي: أنها كتبت بعد استقرار مقالات الطوائف في عقائد المسلمين، ومسائل أصول الدين؛ فإن المقولات المأثورة عن سلف الأمة من المتقدمين لم يقع فيها ذكر لمخالفة متكلمة الصفاتية من الكلابية والماتريدية والأشعرية وغيرهم؛ فجاءت هذه الرسالة منبهةً إلى تميز مذهب السلف، ليس فقط عن المذاهب التي عرف عن المتقدمين أنها مخالفة للسنة والجماعة كالجهمية والمعتزلة والقدرية وغيرها، والتي انضبطت مخالفتها، بل جاءت كذلك مميزة له عن كثير من الأقوال والمذاهب التي انتسب أصحابها إلى السنة والجماعة؛ فإن جمهور متكلمة الصفاتية من المنحرفين عن هدي السلف ينتسبون إلى السنة والجماعة، فجاءت هذه الرسالة مبينةً لهذا الوجه الذي وقع من جهته معظم الانحراف الذي دخل على أصحاب الأئمة الأربعة.

    فإنك إذا نظرت إلى أتباع الأئمة الأربعة من المتأخرين، رأيت جمهور هؤلاء معرضين إعراضاً بيناً عن مقالات البدع المغلظة التي تحدث فيها أئمة السلف رحمهم الله كبدع الجهمية المحضة، أو بدع المعتزلة المحضة، أو بدع القدرية المحضة.

    مع أنه قد دخلت عليهم مقالات متكلمة الصفاتية في مسائل أصول الدين.

    وهذا الدخول إما أن يكون اتباعاً محضاً لهذه المذاهب، وهذه طريقة متكلمة الفقهاء من الأحناف والشافعية والمالكية، وإما أن يكون تأثراً عاماً، وهذه طريقة مقتصديهم ممن تأثر بهذه المذاهب المخالفة للسنة والجماعة.

    الخاصية الثالثة: أن مصنفها رحمه الله كتبها بلسان الشريعة، أي: تقصد في مسائلها وحروفها ألفاظ الشريعة ومسائلها؛ وقد بين رحمه الله ذلك في رسالته، وهذا المنهج بيِّنٌ من خلال قراءة هذه الرسالة.

    وهذه الرسالة يمكن القول فيها: إنها شرحٌ للإيمان الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المتفق عليه، فإن المصنف لما ذكر مقدمته قال: أما بعد.. فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة، قال: وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره.

    وهذا الأصل الجامع للإيمان هو الذي ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل، وهو مجمل ما ذكره الله سبحانه وتعالى في خواتيم سورة البقرة.

    فجاء المصنف شارحاً لهذه الأحرف الشرعية، وقصد في شرحها أيضاً الأحرف الشرعية، فالرسالة بعيدة عن اللغة الكلامية أو المنطقية، كما أنها بعيدة أيضاً عن لغة الرد، فإن معظم هذه الرسالة بلغة التقرير لمعتقد أهل السنة والجماعة.

    ولا شك أن ثمة فرقاً بين لغة الرد وبين لغة التقرير لمسائل الاعتقاد.

    وهنا أنبه إلى أنه قد يقع لبعض من يقرر في مسائل أصول الدين، أو يتحدث عن ذلك في كتاب أو درس، أو من يشتغل من طلبة العلم بدراسة معتقد أهل السنة والجماعة؛ أنه يقع لبعض هؤلاء بعض القصور في إدراك مسائل الاعتقاد، وذلك أن بعضهم يتناول المسائل على لغة الرد، والأصل أن المعتقد يؤخذ تقريراً، أي: يؤخذ جملاً من كلام الله سبحانه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف، وأما الرد فإنه لا يتناهى؛ فإن البدع والاختلاف والمعارضة والخروج عن أصول السنة والجماعة لا يمكن أن يتناهى بزمنٍ أو بجملٍ معينة.

    فهذه الرسالة هي رسالةٌ مقررة لمعتقد أهل السنة والجماعة، وأما الرد فإنه درجة ثانية يشتغل به فيما بعد.

    لذلك لم يذكر المصنف أسماء الطوائف إلا على قدر الحاجة؛ وذلك حين يقصد تمييز مقولة أهل السنة والجماعة عن غيرهم.

    وقد قصد المصنف بكتابة هذه الرسالة بلسان الشريعة أن تكون مقربةً للنفوس، فإن في زمنه رحمه الله شاع مذهب متكلمة الصفاتية، لكنه مع هذا لم يذكر مذهب الأشعرية بالتصريح، وإنما أبان أن طريقة السلف تختلف عن طريقة هؤلاء المتأخرين، فهو يشير إليهم ببعض الأسماء المجملة التي ليس فيها تخصيص لهم، وقصده من هذا رحمه الله: أن تكون رسالته جامعة لهم على قول الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإجماع الذي يصرح المحققون من الأشاعرة بأنهم يقصدون إليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3087724744

    عدد مرات الحفظ

    773726066