إسلام ويب

دروس الحرم [10]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    باب النفقات

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه ومن والاه.

    وبعد:

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النفقات.

    أدلة وجوب النفقة من السنة

    وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول)، رواه النسائي . وهو عند مسلم بلفظ: (أن يحبس عمن يملك قوته).

    قال: وعن جابر يرفعه في الحامل المتوفى عنها زوجها، قال: (لا نفقه لها) أخرجه البيهقي ورجاله ثقات، لكن قال: المحفوظ وقفه. وثبت نفي النفقة في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها كما تقدم، رواه مسلم .

    قال: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اليد العليا خير من اليد السفلى، ويبدأ أحدكم بمن يعول، تقول المرأة: أطعمني أو طلقني) رواه الدارقطني ، وإسناده حسن.

    وعن سعيد بن المسيب : (في الرجل لا يجد ما يمسك على أهله؟ قال: يفرق بينهما) أخرجه سعيد بن منصور عن سفيان عن أبي الزناد عنه قال: قلت لـسعيد بن المسيب : سنة؟ فقال: سنة. وهذا مرسل قوي ].

    سيتكلم المؤلف رحمه الله تعالى في هذا المبحث عن إعسار الزوج بالنفقة، وما يترتب على ذلك من حق الزوجة بالمطالبة بالفسخ، وهذا الموضوع له أهميته في الحياة الزوجية ولا سيما في هذه الآونة التي نعيشها.

    معنى الحديث

    فبدأ رحمه الله بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول).

    كفى: تشعر بأن هذا الفعل هو بذاته وحده إثمه يكفي في هلاك صاحبه، ما هو هذا الشيء الوحيد الذي يكفي إثمه في إهلاك فاعله؟

    هو أن يضيع المرء من يعول، يعول: من عال يعول، وعال يعيل، فَعَال يعيل: من العيال، وعال يعول: من الزيادة، ويعول أي: ينفق. (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول)، أي: من تلزمه نفقته.

    وقد جاء نظير ذلك لكن في أعمال الخير، جاء عن عثمان رضي الله تعالى عنه، أنه حينما جهز جيش العسرة، قال له صلى الله عليه وسلم: (ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم).

    وكذلك الحارس الذي أرسله في غزوة حنين يستطلع له خبر هوازن في بطن الوادي، فمكث من بعد صلاة العشاء إلى ما بعد صلاة الفجر على صهوة جواده، وما طلع عليهم إلا وهم في مجلسهم من صلاة الصبح، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (ماذا فعلت؟ قال: والله يا رسول الله ما نزلت عن جوادي إلا مصلياً أو لقضاء حاجة، قال: لا عليك أن تعمل بعد اليوم).

    وكما جاء في عموم أهل بدر، كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة لما أرسل خطاباً إلى المشركين وكان من شأنه أنَّ عمر استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).

    أي: أن هذه الأعمال وحدها يكفي ثوابها لنجاة العبد، وليس معنى ذلك أنه يبيح له المعاصي، أو يبيح له ترك الواجبات، ولكن المراد: تعظيم وتفخيم هذا الأمر الذي قام به هذا الشخص، فهنا كفى في الخير كذا، وهناك كفى في الشر كذا.

    يعني أن الأعمال تتباين وتتفاوت، وأعمال الخير تتفاوت في تعاظم الأجر، وأعمال الشر تتفاوت في عظم الإثم، وهذا ذهب إليه بعض المفسرين في قوله سبحانه: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ [فصلت:34]، الجمهور يقولون: (ولا تستوي الحسنة) أي: جنس الحسنات، (ولا السيئة) أي: جنس السيئات، الحسنة ما هي مثل السيئات، الحسنة أحسن، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت:34] هذا رأي الجمهور، وبعض المفسرين يقولون: لا تستوي الحسنات في أفرادها، بل تتفاوت الحسنات بعضها على بعض.

    ولا تستوي السيئة، أي: لا تستوي السيئات بعضها مع بعض، ولكن هناك سيئة وهناك أسوء، وهناك حسنة وهناك أحسن.

    فهنا تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (كفى بالمرء)، والمرء مذكر، ومثله امرؤ، ومؤنثه امرأة.

    (كفى بالمرء) أي: الإنسان مطلقاً، ويشمل المرأة. (إثماً) أي: ذنباً عظيماً، (أن يضيع): يكون ذلك بأحد وجهين:

    الوجه الأول: أن يكون غنياً ويمسك النفقة بخلاً أو تغافلاً أو سهواً، أو يقدم غير من يعولهم على من يعولهم، أو لكون العائل ينفق ماله في مباحات يسرف على نفسه بها، ويترك النفقة على من يعولهم.

    الوجه الثاني: كونه لا يجد النفقة ولم يتصرف معهم تصرف المعذور المعسر، وإذا كان الأمر كذلك، إذاً: من وجبت نفقة إنسان عليه فعليه أن يبادر وأن يقدم له ما يعوله، وهل يدفع له نفقته يومياً أو إسبوعياً أو شهرياً أو سنوياً؟ كل ذلك بحسب الاتفاق، وإن تنازعوا فيوم بيوم؛ لأن كل يوم له نفقة مستقلة.

    هل يدخل العبيد والخدم والحيوان في معنى الحديث

    واللفظ الثاني: (أن يحبس عمن يملك قوته).

    في الرواية الأولى: (من يعول)، وفي هذه الرواية: (عمن يملك).

    يدخل في الملك أولياً: الخدم، أي: المماليك؛ سواء كن الجواري أو العبيد، ويتبع ذلك كل ما يدخل في ملكه وحوزته حتى الحيوان، وقد أشرنا سابقاً إلى ما تنص عليه كتب الحنابلة: بأن الإنسان إذا كان عنده حيوان يستخدمه ثم عجز الحيوان عن الخدمة، فلا يحق له أن يحبسه حتى يموت بل ينفق عليه، وإن عجز عن النفقة عليه أخرجه إلى أرض مخصبة منبتة يرعى فيها.

    أما إذا كان مأكول اللحم ذبحه وانتفع بلحمه وبرئ من إثمه، وإن كان غير مأكول اللحم لا ينفع ذبحه، فإنما يرسله إلى ما يمكن أن يجد قوته أو طعامه أو مرعاه هناك.

    وبهذه المناسبة ننبه على هؤلاء الذين يستخدمون الخدم، بأن طعامهم وشرابهم ومنامهم على الكفيل؛ لأنهم في ملكه للخدمة؛ ولأنهم من ضمن من يعول.

    وهنا تأتي المروءة، ويأتي حسن الخلق، ويأتي حسن الصحبة، فمن الناس من يجلس خادمه معه ليأكل، المرأة مع المرأة، والرجل مع الرجل، ومنهم من يغرف له قبل عياله، ومنهم من يحبس ويتحفظ على حصته من الطعام، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بهذا الصنف من الناس، إذا قدم لك خادمك الطعام فإما أن تجلسه معك وإلا أطعمته منه، فقد عالجه وأنضجه وقدمه إليك.

    هذه ناحية نفسية عجيبة يا إخوان، الخادم والطباخ يعالج الطعام، وبرائحته، بلونه، بشهيته، بكل نفسيته، ثم أنت تأخذ الطعام ولا يذوق منه شيئاً، ألا تخشى من عينه، ألا تخشى من حقده عليك، بل المفروض أن الإنسان إذا كان يأكل طعاماً وجاءه طفل أو جاءه خادم أو جاءه إنسان أن يدعوه لمخالطته ما دام قد رأى الطعام بين يديه، ولعل نفسه تعلقت به!

    سئل رجل من السلف وكان لا يأكل مع والديه، عن سبب ذلك، فقال:

    أخشى أن تسبق يدي إلى شيء تتعلق به نفوسهما.

    فمعنى ذلك أن العين تسبق إلى الطعام، حتى العامة يقولون: الناس تأكل بعيونها لا ببطونها.

    فإذا كان الأمر كذلك، فينبغي أن نلاحظ حقوق الخدم الذين يكونون معنا في البيت، ومما يمكن أن نضيفه إلى ذلك -نبين مدى سعة رحمة الله وعناية الإسلام بالمملوك- الذين يقتنون الطيور ويجعلونها في أقفاص، فلا بد من توفير الماء والطعام لها، وتغيير الماء وغسل آنيته كلما دعت إلى ذلك حاجة.

    وبعض الناس يدعه ولا يسأل عنه وقد ينساه، وينتهي ما معه من ماء، فيموت عطشاً، فهذا يخشى عليه من حديث المرأة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).

    فإن لم ترد إطعامها فاتركها تأكل من خشاش الأرض.

    بيان مدى عظم أجر الإحسان إلى خلق الله

    يقابل هذا في الجانب الآخر أنه دخل رجل الجنة في كلب -هرة وكلب! سبحان الله- وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: (بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش، فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش)، الثرى: التراب المبلل بالماء، طلباً لأثر الماء الموجود في ذلك التراب.

    (فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي)، وليس عنده دلو، ولا عنده ماعون، فماذا فعل؟ (فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له)، وجاء في لفظ الجلالة الرفع والنصب.

    فأما على النصب: (فشكر اللهَ) أي: أن الكلب شكر الله لهذا الرجل الذي أحسن إليه.

    وعلى رواية الرفع على الفاعلية: شكر اللهُ له صنيعه في مخلوق.

    قالوا يا رسول الله: ألنا في الحيوانات أجر، قال: (في كل كبد رطبة أجر).

    على هذا: إذا كان الإنسان يقتني كلباً مما تجوز قنيته؛ ككلب الماشية، وكلب الزرع، وكلب الحراسة، وما عدا ذلك من اقتنى كلباً لغير هذه الأسباب الثلاثة نقص من أجره كل يوم قيراط؛ فواجب على من اقتنى كلباً عليه أن يوفر له المأكل والمشرب، وإلا تركه لحال سبيله يأكل من خشاش هذه الأرض.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766781388