الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
قال المصنف رحمه الله: [عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) متفق عليه، وفي رواية لـأحمد : (ومن أحيل فليحتل). ].
هذا باب الحوالة والضمان، والحوالة: بفتح الحاء وكسرها حَوالة وحِوالة، فَعالة وفِعالة، وهي من التحول أو التحويل، والضمان من الضم بأن ينضم شخص لشخص آخر في الوفاء بما عليه، والضمان بمعنى الكفالة.
والحوالة صورتها: إنسان دائن، وإنسان مدين له، وهذا المدين هو دائن لشخص ثالث، فشخصيات الحوالة ثلاثة: رقم واحد له دين على رقم اثنين، ورقم اثنين عليه دين لرقم واحد، وله دين عند رقم ثلاثة.
فهذه أركان الحوالة الخمسة، ثلاثة منها في الأشخاص، واثنان في الحقوق.
أتى المؤلف رحمه الله تعالى بهذا الباب ليبين حكم هذه العملية إذا وقعت، وماذا يترتب عليها؟
وقوله عليه الصلاة والسلام: (مطل ..) المطل والمط: التطويل والتسويف، أتى أجل الدين وهو يَمطُّ فيه ويبعده ويسوف في الأداء، فإن كان الماطل غنياً فهو ظالم؛ لأن الواجب عليه أن يؤدي الدين في موعده.
والمطل مصدر، وقوله: (مطل الغني)، هل الغني فاعل المصدر أم مفعول له؟
الصحيح أنه فاعل، والمصدر مضاف لفاعله، أي: الغني الذي يمطل الناس ظالم، وبعضهم يقول: يحتمل من حيث الصناعة اللغوية أن يكون المصدر مضافاً لمفعوله، وأن يكون الغني مفعولاً للمطل، فيكون الماطل غنياً آخر، ويقولون: إذا كان صاحب الحق غنياً فمطل المدين له ظلم، فإذا كان مطله للغني ظلماً، فما بالك إذا مطل الفقير؟!
ولكن الحديث الذي معنا يُبعد هذا الاحتمال؛ لأن في آخره: (يُحل عرضه وعقوبته)، وحلّية العرض والعقوبة تكون للمدين المطلوب الذي يمطل في سداد الدين.
إذاً: المصدر مضاف لفاعله.
قال: (مطل الغني ظلم)، فإذا كان المدين فقيراً فهل مطله ظلم أم خارج عن الظلم؟
خارج عن الظلم؛ لأنه مسكين ما عنده شيء؛ ولذا يقول الشافعي : لا يجوز حبسه؛ فهو ليس بظالم، فهو غير واجد، وقالوا: لو كان له مال مغيّب عنه أو لا تصل يده إليه، فهو كالفقير لا يكون ظالماً.
إذاً: معنى الحديث: أن مماطلة الواجد القادر على سداد الدين في أجله ظلم، وهذا الظلم (يُحِل عرضه): كيف يحل عرضه؟ يقول: فلان هذا مماطل.. فلان هذا سيء المعاملة.. حتى اختلف العلماء: هل يفسَّق وترد شهادته بالمماطلة، ويكون هذا ذنب يخرجه عن العدالة؟
فالبعض يقول: نعم، والبعض يقول: لا، إلا إذا تكرر، يعني: مطل دائناً مرّة فلا يفسق، لكن مرتين وثلاث، وصارت معاملته هكذا مع الناس فيُحكم عليه بالفسق، ولا تقبل شهادته لأنه ظالم، وينبغي أن يبادر الناس بسداد الديون، ولا يستحلي إنسان ويستمرئ المماطلة بالدين.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع)، (ومن أحيل على مليء فليحتل)، بكلا اللفظين، من الذي يحيل؟ ومن المحال؟ ومن المحال عليه؟
قلنا: الحوالة فيها ثلاثة أشخاص، رقم واحد له ألف عند رقم اثنين، ورقم اثنين معترف بالألف لرقم واحد، فجاء رقم واحد يطلب ألفه من رقم اثنين، ورقم اثنين -سواء كان واجداً أم لا- قال: اذهب وخذ ألفك التي علي من رقم ثلاثة، فيكون قد حوّله إلى شخص ثالث، هذه صورتها في الأشخاص، والذي يحال هو رقم واحد، فإذا أحلت على مليء فاحتل، وإذا أُحيل على غير مليء: أيحتل أم يرفض؟ يرفض.
وإذا كان المحال عليه مليئاً، فهل يلزم رضا المحال في إحالته على الثالث أو لا يلزم؟
الحنابلة والجمهور أنه لا يلزم رضاه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من أحيل على مليء فليحتل)، والذي يشترط رضاه هو المحيل، فلو أن المحيل لم يحل هذا، وهذا عرف أن له عند الشخص الثالث ألف ريال، فذهب يقول له: أعطني ألف ريال مما لرقم اثنين عليك، فسيقول له الثالث: أهو أحالك علي؟ فيقول له: ما أحالني، إذاً: لن يعطيه.
فهل يشترط في الحوالة رضا المحيل فقط، أو يشترط رضا المحال والمحال عليه؟ لا يحق للمحال عليه أن يقول للمحيل: لم تحِل عليّ؟ فهذا حقه عليه، وله يستوفيه بنفسه أو بنائب عنه أو بغيره، والذي عليه أن يدفع الألف سواءً وضعها في يده أم في يد شخص آخر.
إذاً: المحال عليه لا يؤخذ رضاه إلا عند مالك في صورة واحدة وهي: إذا كان المحال عدواً للمحال عليه، فهو عدو له لا يتعامل معه.
فإذا كان المحال عدواً للمحال عليه فـمالك يقول: المحال عليه لا يلزمه أن يعطيه؛ لأنه أحال عليه عدواً، وهو لا يتعامل مع عدوه، والجمهور يقولون: الحديث مطلق.
وقالوا: يشترط في الدين الذي أحيل أن يكون مساوياً للدين الذي أحيل عليه في الجنس، فإذا كان له ألف ريال سعودي أو ألف روبية أو ألف دولار؛ فيجب أن يكون الدين الذي للمحيل على المحال عليه من جنس ذلك، يعني: يحيل أبو الريالات على ريالات، ويحيل أبو الدولارات على الدولارات.
فلو كان هذا مدين لعدة أشخاص بعدة مبالغ، واحد له استرليني، وآخر له سعودي، وآخر له دولار، وهو كذلك أيضاً له ديون عند الناس بأنواع من العُمَل، فجاءه المطالبون، فيحيل كل دائن له على نوع الدين الذي له عند الآخر.
أما إذا كان هذا له ألف ريال عنده وهو له ألف دولار عند هذا، فلا يصح أن يحيل الألف الريال على الألف الدولار؛ لأن فيها مصارفة بدون تسليم.
وإذا كان الجنس واحداً، عنده ألف ريال لهذا، وله خمسة آلاف ريال على ذاك، فأحال صاحب الألف على صاحب خمسة آلاف، فتصح الحوالة.
وإذا كان العكس، هذا له خمسة آلاف على هذا، وهذا له ألف على ذاك، فهل يحيل بالخمسة على الواحد؟ لا، بل يحيل بالواحد على الواحد لتساوي الدينين.
ويشترط في الدين الذي يحال عليه شرط مهم، وهو: أن يكون ثابتاً مستقراً للمحيل، ليس قابلاً للنقض والفسخ، فلو أن هذا كان قد باع للثالث سلعة، والثالث اشترط الخيار فيها شهراً، وجاء رقم واحد يطالب بالدين، فأحاله على قيمة المبيع لذاك الثالث، فلا تصح الحوالة؛ لأن قيمة المبيع لم يستقر في ذمة المشتري، وبقي له الخيار، وإذا كان الخيار باقياً فإن الثمن معلَّق.
إذاً: لا يصح أن يحيل عليه، لأنه يمكن أن يفسخ البيع ولا يدفع الحوالة التي أحاله عليها.
والمرأة إذا كان لها ألف ريال صداق على الزوج، ولكنه لم يدخل بها، فهل لها أن تحيل بدين عليها على الزوج، ليأخذ المحال الألف من صداقها؟
لا، لأنه لم يدخل عليها، والصداق إنما يستقر بالدخول، فهذا دين ليس مستقراً.
وإذا كان رجل له دين سَلَمٍ على رجل، فهل يحيل عليه؟
لا يحيل عليه؛ لأن دين السَّلَم لا يبدَّل ولا يغيَّر ولا يُحال عليه.
إذاً: يشترط في الدين الذي يحال عليه: مماثلة الدين المحال، واستقراره في ذمة المحال عليه.
قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أحيل أحدكم على مليء)، المليء يكون -كما يقول الحنابلة- بالقول وبالفعل وبالجاه، مليء: عنده الوفاء بالدين.
ويشترط لصحة الحوالة حلول الدينين، هذا له ألف حل أجلها، وهذا له ألف عند ذاك وحل أجلها، لكن إذا كان دين هذا حلّ على هذا، ودين الثاني لم يحل على الثالث، فلا يحيل على مؤجل؛ لأنه سيقول المحال عليه: ما حل الأجل حتى أدفع لك، فلو جاء صاحب الدين الأصيل وقال: أعطني ديني، يقول له: ما حل الأجل، وما لك حق في المطالبة.
إذاً: يشترط لصحة الحوالة رضا المحيل، واتفاق جنس الدينين، وحلول الأجل فيهما، وبقي شروط، وهو: أن يكون المحال عليه مليئاً معروفاً بالوفاء، فيكون عنده مال، ويعطي ولا يماطل، ولا يكون معروفاً عند الناس بأنه لا يدفع الدين الذي عليه إلا بالمحاكم وبالحبس وبالإساءة، فلو كان على هذه الحالة فليس مليئاً في الحوالة، ويرفض المحال أن يحتل إلى هذا؛ لأنه رجل معروف بالمطل، وقد لا يعطيه إلا بعد سنة!
ويشترط الحنابلة أيضاً أن يستطيع المحال مقاضاة المحال في المحكمة، ومفهومه لو أن مديناً أحال دائناً على والد الدائن، وقال له: عند والدك لي ألف ريال، اذهب وخذه. فهل الابن يستطيع أن يقدم أباه للمحكمة في الدين؟
لا، وسيقال له: ارجع فأنت ومالك لأبيك.
ولو كان الرجل مديناً لأمير أو سلطان أو إنسان ظالم جبار أو إنسان يأكل حقوق الناس ولا يبالي، فحول دائنه على من لا يستطيع إحضاره إلى مجلس القضاء، فهل هذا مليء أم غير مليء؟ غير مليء؛ لأنه يحتاج إلى مقاضاة وإلى معاناة، وقد يحصل الوفاء، وقد لا يحصل.
إذاً: إذا استوى الدينان جنساً، ورضي المحيل، وكان المحال عليه مليئاً؛ تمت الحوالة، وبها تبرأ ذمة المحيل من دين المحال، ويتحول المحال إلى المحال عليه، ولا يرجع إلى المحيل بحال من الأحوال أخذ أو لم يأخذ، حتى لو قدر أن المحال توانى عن مطالبة المحال عليه حتى أصبح فقيراً، فلا يقول: هذا غير مليء؛ لأنه وقت أن حوّله المحيل كان المحال عليه مليئاً، والمحال هو الذي تأخر، ولا يحق له أن يرجع إلى المحيل.
وقد جاء عن علي رضي الله تعالى عنه أن رجلاً يمانياً كان له دين عند علي ، فأحاله على إنسان مليء معروف، فذهب وبعد فترة جاء يطالبه فإذا المحال عليه مفلس، فرجع إلى علي ، وطالبه بالدين، فقال له: قد أحلتك، فقال الرجل: هو مفلس، فقال له: لم ترض بنا، ورضيت بغيرنا بديلاً، اذهب ولا كرامة. أي: أن حقك كان علينا، وأنت لم ترض أن تنتظر، وحوّلناك وتحوّلت، وإذا لم تحصل على دينك فليس لك أن ترجع علينا مرة أخرى.
ولهذا يقولون: إن الدين المحال برضا المحيل على مليء ينتقل في الحال، ولا يرجع المحال على المحيل بالدين بحالة من الأحوال، ومن يوم أن حوّله برئت ذمته، وانتقل الدين إلى المحال عليه.
ويشترط أن يكون دين الدائن الأول من عين دين الدائن الثاني للشخص الثالث، فهذا دين بين (أ) و(ب)، وذاك دين بين (ب) و(ج)، فإذا استوى النوع صحت الحوالة بهذا الدين.
ويشترط في المحال عليه أن يكون مليئاً، ولا يشترط في المحال أن يرضى ويأذن، فصاحب الدين الأول لا يؤخذ رأيه، فيقول له المدين: حقك عندي، اذهب وخذه من هناك.
والأصل في المعاملات عين المعاملة، فلو كان إنسان مديناً، وشخص من أهل الخير علم بأنه مدين، فذهب وسدد الدين عنه من غير أن يشعره، فيكون الدين في هذه الحالة قد تم سداده، وفي الحديث: (أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم) ، وستأتي قصة أبي قتادة .
فإذا اتفق الدينان، والمحيل رضي بالإحالة، والإحالة كانت على مليء؛ فحينئذٍ انتقل دين المدين بالنسبة إلى الشخص الدائن الأول إلى الثالث وهو المدين الثاني، وليس للأول الحق أن يرجع على الثاني، حتى ولو أن الثالث لم يعطه فلساً مادام أنه مليء.
أما إذا أحاله على إنسان غير مليء مفلس، فإن كان المحال يعلم بإفلاسه ورضي بالحوالة صحت؛ لأنه رضي بالإحالة على من عرف حاله، وإذا كان لم يعلم بأفلاسه، وافق على الإحالة وقال: هذا رجل سمعته طيبه، وذهب إليه، فإذا به مفلس محجور عليه من قبل الحاكم، ففي هذه الحالة له أن يرجع على المحيل؛ لأن شرط الإحالة لم يتحقق؛ لأنه ما أحيل على مليء.
والمليء هو الذي يستطيع أن يدفع، ويستطيع المحال أن يرفعه إلى الحاكم، ويستطيع أن يأخذ حقه منه بدون مماطلة.
وإذا أحال بأكثر من حقه على المدين له، فليس عليه إلا أن يدفع دينه، فمثلاً: الأول له خمسة آلاف على الثاني، والثاني له ألف على الثالث، فالثاني حول هذا بالخمسة على الثالث، فيقول الثالث للأول: ليس له عندي إلى ألف ريال، تفضل هذه الألف، والأربعة الآلاف لا أتحملها عنه، ويرجع المحال على المحيل بالأربعة الآلاف الباقية.
هذه مسألة طويلة الذيل، ويذكر ابن شبة أنه صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة كان إذا احتضر الميت آذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم به، فيذهب إلى بيته وينتظره حتى يقضي، ثم يجهزونه ويصلي عليه، فقالوا: لقد أكثرنا على رسول الله، فلو أننا نجهز الميت ثم نأخذه إلى بيت رسول الله ليصلي عليه هناك، فكان يذهب إلى البيوت ليصلي على الجنائز في المدينة، فأشفقوا عليه صلى الله عليه وسلم، واتفقوا على أن يحملوا الجنازة من مكانها إلى بيت رسول الله، فكان يصلي بها في مصلى الجنائز، ومكان مصلى الجناز هو هذا الحوش الذي ترونه محاطاً ما بين باب جبريل إلى باب البقيع الجديد، وكانوا قديماً يسمونه: فرش الحجر، وهو مصلى الجنائز، فكانوا إذا أتوا بالميت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه سأل عن دينه، ولم يكن يسأل عن أي عمل له، وإنما يسأل أعليه دين أم لا؟
والسؤال عن الدين خاصة يدل على شدة الاهتمام بالدين؛ لأن الميت مرهون بدينه في قبره، والشهيد الذي استشهد في المعركة وعليه دين مرهون بدينه حتى يوفي الله عنه يوم القيامة.
وقوله: (فخطا خطىً ثم قال: أعليه دين؟ فقلنا: ديناران، فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم)، كأنه يقول: صلاتي لا تنفعه، مع أن صلاته شفاعة له، ودعاء له بالمغفرة والرحمة، وقد سمع رجل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة جنازة فقال: تمنيت أن أكون أنا هذا الميت لهذا الدعاء!
فقال أبو قتادة : صل عليه -يا رسول الله- والدين في ضماني، وقد روي مثل هذا عن علي ، فقال صلى الله عليه وسلم: (حق الغريم، وبرئت ذمته) أي: هل الدين تحول عليك؟ فقال: نعم صار في ذمتي، وبرئت منه ذمة الميت، فتقدم وصلى عليه.
فهذا الضمان، فـأبو قتادة ضمن بقضاء دين الميت، قالوا: يصح الضمان عن الميت.
وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم (سأل
ولهذا يقال: المدين تتم براءته من وقت السداد، لا من حين الضمان، فهو ضمنه قبل أمس، لكن ما سدد عنه إلا اليوم، فالآن بردت جلدته من حر الدين.
بعد أن فتح الله على المسلمين، وأصبحت تأتيهم الغنائم، قال عليه الصلاة والسلام: (من ترك غرماً فعلي، أو كلاً فلي -يعني: من كان عاجزاً ذا عاهة فأنا ضامن له، فإن ترك ديناً فعلي دينه- قيل: يا رسول الله! وعلى الأئمة بعدك؟ قال: نعم، وعلى كل إمام بعدي) أي: أن بيت مال المسلمين المنتظم يتضمن سداد دين المعدم، ومغنم الميت يرجع إلى أهله، وهذه -والله- هي الرحمة المهداة فعلاً، إن كان الميت مفلساً معدماً ليس عنده ما يسدد به دينه سدده عنه رسول الله، وإن كان غنياً ذا مال فماله لورثته، ولا يأخذ منه عليه الصلاة والسلام شيئاً، قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، فكان من مات وعليه دين لم يصل عليه، وبعد أن فتح الله عليه الفتوح صار يصلي على من مات وعليه دين، ويقضي دينه من بيت مال المسلمين.
ويسوق المؤلف هذا الحديث في باب الضمان؛ لأن دين الميت تحوّل عنه، والضامن اشتغلت ذمته بهذا الدين عن الميت.
ويؤخذ منه أنه يصح سداد الدين من وارث الميت ومن غيره أياً كان، وهل يرجع على ورثة الميت أو لا يرجع؟
إن كان ترك وفاءً، وفعل ذلك رحمة بالميت فله أن يرجع، وإن كان فعل ذلك تطوعاً أو صدقة أو هبة فليس له أن يرجع، وبالله تعالى التوفيق.
الكفالة والضمان في الدين على الميت جائزة، وكذلك تجوز في الدين الذي على الحي.
واختلف العلماء في كفالة الوجه ويسمونها: كفالة الحضور، فإن الكفالة قسمان: كفالة غرم وأداء، وكفالة حضور، فكثير من العلماء يقول: كفالة الحضور ليست صحيحة ولا تجب، والكفالة الصحيحة كفالة الدين؛ لأنه التزمه وتعهد به.
يختم المؤلف الباب بحديث: (لا كفالة في حد)، بمعنى: لو إنسان لزم عليه حد، فلا يأتي إنسان آخر ويقول: اتركوه، وأنا كفيل به! وإذا ذهب وتغيب ماذا ستفعل؟ أنت لا يقام عليك حد لم ترتكبه، وكيف تعاقب على جرم غيرك؟ هذا لا يجوز، فلا يصح كفالة صاحب حد في إحضاره لإقامة الحد عليه؛ لأن الحدود ليس فيها شفاعة، والحدود ليس فيها نيابة، والحدود ليس فيها مصالحة، إذا بلغت السلطان لا يصح أن يصالح عليها؛ لأنها حق لله، وبالله تعالى التوفيق.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر