إسلام ويب

كتاب الصلاة - باب المساجد [1]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن للمساجد في الإسلام أهمية عظيمة، فلذلك حث الإسلام على بنائها وتكريمها وتنظيفها، ومن نظر في المصادر التاريخية فسيجد أن للمساجد تاريخاً عظيماً، فأول بيت وضع للناس هو الكعبة المشرفة، وقد قام بتجديد بنائها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وأُمرا بتطهيرها، وكذلك جدد بناء بيت المقدس داود عليه السلام بأمر من الله، وهكذا بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده، فهذا حال الأنبياء مع المساجد، ولقد كانت المساجد في بداية الإسلام مركزاً للقيادة والعلم، ومنها انطلقت الدعوة، وعن طريقها عُرف الإسلام وانتشر.

    الأمر ببناء المساجد في الدور

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه. أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله: [عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب) رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، وصحح إرساله].

    والمساجد: جمع مسجد، والمسجد لغة: هو موضع السجود، بوزن (مفعِل) بكسر العين، أي: الجيم من الكلمة، واصطلح العلماء على تقسيم المساجد إلى قسمين: مسجد، وجامع، فالجامع ما تقام فيه الجمعة لتجمع المسلمين، والمسجد ما تقام فيه الصلوات الخمس، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، وهذا لغة وشرعاً.

    والمساجد عند الفقهاء إنما يقصد بها ما أقيم بناؤها للصلوات الخمس، وللمساجد تاريخ طويل عريق يجب على المسلمين العناية به، وهذا الحديث الأول منطلق للتحدث عن المسجد، ثم عن رسالة المسجد.

    تقول أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: (أمر -والأمر للوجوب- رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور).

    الدور: جمع دار والدار قد تطلق على محل سكنى الإنسان بأهله، وتطلق على الضواحي والناحية، فتقول: هذه ديار بني فلان. أي: محل سكناهم، ويقول العلماء: إن المراد ببناء المساجد في الدور يحتمل الأمرين، فيحتمل أن الإنسان يجعل له مسجداً في بيته في داره يصلي فيه النافلة، ويصلي أهله فيه الفرائض ويستدلون بما جاء عن أم ورقة وغيرها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاها، ثم قال: أين تريدين أن أصلي لكم؟)، وكذلك عتبان بن مالك حين اعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأن بينه وبين المسجد وادياً، وقد يتعذر عليه المشي ليلاً، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه ويصلي له في بيته ليتخذ ذلك المكان مسجداً.

    وفي هذين الأثرين دلالات واسعة، ومنها اتخاذ المسجد لأهل البيت، وقد يقال: لماذا هذا مع أن البيت كله يكون صالحاً للصلاة، ما عدا الأماكن الممنوعة الصلاة فيها؟

    يقول العلماء: إن وجود الإنسان في المسجد العام يجعل عنده إحساساً بأنه يقوم في مكان مخصص للعبادة، فيكون أجمع لحسه وشعوره في أداء صلاته، ونحن نحس من أنفسنا ذلك حينما نكون في البيت ونصلي -مثلاً- النافلة، وحينما نأتي إلى المسجد ونصلي فيه، فإن إحساسنا بصلاتنا في المسجد غير إحساسنا بصلاتنا في بيوتنا، وهكذا لو دخلت غرفة النوم للصلاة فليس الحال كما لو صليت في فناء البيت، بخلاف ما لو صليت في المجلس العام لاستقبال الضيوف؛ لأن لكل مكان إيحاءاته، ومن هنا قالوا: ينبغي أن يخصص الإنسان في بيته مكاناً لصلاته حتى يجد شعوراً بأداء الواجب وإحساساً بوقوفه بين يدي ربه.

    ويحتمل أن المراد أن تبنى المساجد في الدور -أي: في الضواحي والناحية من البلد-، لكي يتجمع أهل كل ضاحية في مسجدهم للصلوات الخمس، بخلاف الجمعة، وقد جاء عن أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه أنه لما مُصِّرتْ الأمصار كتب إلى أبي موسى الأشعري في البصرة، وكتب إلى عمرو بن العاص في مصر، وكتب إلى عماله أن: ابن مساجد للقبائل. أي: ابن لكل قبيلة في منزلها مسجداً يصلون فيه الصلوات الخمس، وابن مسجداً في المدينة، فإذا كان يوم الجمعة اجتمع الجميع في هذا المسجد -أي: مسجد المدينة-، ولا تتفرقوا.

    تنظيف المساجد وتطييبها

    جاء عنه صلى الله عليه وسلم من الأمر ببناء المساجد، وذلك لأهمية المسجد، على ما سيأتي بيانه إن شاء الله، ثم جعل لهذه المساجد حقوقاً، منها أن تنظف من كل القاذورات، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (تعرض علي أعمال أمتي، حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد)، فلو رأيت قذاةً في المسجد، كريش طائر، أو نواة، أو شيئاً مما يستقذر وأخرجته من المسجد كتب لك بذلك أجر، وهذا من حق المسجد علينا؛ لأننا لا نرضى بالقذاة في بيوتنا، فلا ترضى بقذاةً في مجلسك، ولا في غرفة نومك، ولا وفي مطبخك، ولا في غير ذلك، فلابد أن تنظف المساجد من كل قذاة.

    قولها: (وأن تطيب) التطييب: هو تفعيل من الطيب، سواءٌ أكان دهناً، أم كان دخاناً من الأخشاب ذات الروائح العطرية، كالعود ونحو ذلك.

    وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجل اسمه: نعيم المجمر، كما ساق ذلك مالك رحمه الله في الموطأ، وكانت مهمة هذا الرجل أن يأتي بالمجمرة وبالطيب ليطيب المسجد، وكانت هذه سنة وعادة في المسجد النبوي إلى عهد قريب، بل وإلى الآن أحياناً، وكانت هناك مخصصات من العود للمسجد في السنة، ففي يوم الجمعة وليلة الإثنين يؤتى بالمجامر وبالعود، وتطيب نواحي وأروقة المسجد، وكان هذا في عهد قريب في أوائل قيام الدولة السعودية، فكان يأتي الأمير في رمضان، ويصلي التراويح مع الناس، ويأتي معه بالمجامر وبالعود، وبالقهوة للمصلين، وكانوا يطيلون الجلوس بين كل أربع ترويحات.

    وتقدم لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في جدار القبلة فحتها بحجر، أو بيده صلى الله عليه وسلم، وعزل إمامهم أن يصلي بهم مرة ثانية لأنه لم يحترم طهارة المسجد ونظافته وتطييبه.

    فمن حقوق المساجد أن تنظف وتطيب، وجاءت الآثار بأنه منع أن يبول إنسان على جدار المسجد من الخارج تكريماً لجدار المسجد، مع أنه لن يصل أثر البول إلى الداخل.

    وينبغي أن يعتنى بإقامة دورات المياه على أبواب المساجد ليكون ذلك أيسر على المصلين، خاصة الغرباء، ويمكن أن يستدل لذلك -أيضاً- بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم حين حانت صلاة العصر فطلب الناس ماءً فلم يجدوا، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم ماء فأتي بشن -وقيل: بقدح وقيل: بغير ذلك- فيه ماء قليل، فوضع كفه صلى الله عليه وسلم فيه ودعا الله، يقول أنس : فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأوا عن آخرهم.

    وقد تكررت -أي: في ذلك اليوم- هذه الحادثة -أي: الوضوء عند المسجد- بتكرار العدد الذي كان موجوداً، فبعض الروايات أن العدد: سبعون، وبعضها ثمانون، وبعضها ثلاثمائة، وبعضهم يقول: ولو كنا ألفاً لكفانا.

    فطلب الماء عند المسجد ييسر للمصلين مهمة الطهارة، ومهمة أداء الصلاة في المساجد.

    ولا يبعد إذا قلنا: إن من التهيئة أن يوفر لرواد المساجد كل ما يمكن أن يوفر لهم الراحة، وييسر لهم الطمأنينة -كما هو الحال الآن بحمد الله- من التبريد، أو التدفئة إذا أمكن ذلك، وكذلك الفرش الميسرة، والمصاحف، والماء الذي يشرب منه العطشان، ولو أمكن أيضاً أن يكون في جوانب المسجد المكتبات أو الكتب، فلو أراد طالب العلم كتاباً أو مصحفاً يكون كل ذلك ممكناً ميسراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087683409

    عدد مرات الحفظ

    773526146