وبعد:
قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) ، فعلامة الخير للعبد أن يوفق للفقه بالدين، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2] ، وحسن العمل يتأتى بموافقة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن شرع في عبادة من العبادات فعليه أن يتفقه فيها، وأن يعلم ما له وما عليه تجاه هذه العبادة.
وهذه جملة من الأسئلة المتعلقة بأعمال الحج والعمرة، نستعين بالله تعالى للإجابة عليها، والله ولي التوفيق:
الجواب: إن الأدلة على وجوب الحج في غاية الكثرة، من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا فقد انعقد الإجماع على وجوب الحج.
أما من كتاب الله سبحانه فإن الله تعالى يقول: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].
وأما من السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)، وفي حديث جبريل عليه السلام لما أتى يعلم الناس أمر دينهم، وهو في صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ..) فذكر الحديث وفيه: (وأن تحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) ، وفي صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم)، فقولها: (إن فريضة الله على عباده في الحج) أفاد فرضية الحج.
وفي صحيح الإمام مسلم رحمه الله تعالى من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قالها الرجل ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم).
أما وجوب الحج على الفور أو التراخي فإن جمهور أهل العلم قد ذهبوا إلى أن الحج يجب على الفور؛ لقول الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] .
وذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى إلى أن الحج يجب على التراخي، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج فور فرض الحج عليه، بل حج أصحابه في عام قبله، ثم حج بعد ذلك صلى الله عليه وسلم.
وقد أجاب الجمهور على ذلك بما حاصله أنه قد لا يكون تيسر الحج في ذلك العام للنبي صلى الله عليه وسلم، فمن ثمّ تأخر إلى أن يسر الله تعالى له الحج.
الجواب: نقول وبالله التوفيق: إن العمرة مستحبة عند أكثر العلماء.
وقد أجاب العلماء على الذين أوجبوا العمرة بأجوبة:
منها: أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم -الذي احتج به بعض الذين أوجبوا العمرة-: (احجج عن أبيك واعتمر): لبيان الجواز لا للإيجاب.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد محمداً رسول الله ..) فذكر الحديث وفيه: (وتحج وتعتمر)، فقالوا: إن زيادة (وتعتمر) في الحديث مُعَلّة؛ إذ الحديث في الصحيح بدون هذه الزيادة.
وأما ما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه حين جاءه وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه فقال: (إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأتيت رجلاً من قومي، فقال لي: اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي، وإني أهللت بهما جميعاً)، فقال له عمر: ( هديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ) فهذا متعلق -والله تبارك وتعالى أعلم- بقول الذي أفتاه: (اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي)، وليس بصريح في إيجاب العمرة، وقد قال الله تعالى: ( ولله على الناس حج البيت) فاقتصر على الحج هاهنا، وأما ما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام: (دخلت العمرة في الحج) فهذا لبيان جواز التمتع، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: نذكر أخانا السائل بالله عز وجل وبتقواه، ونذكره أيضاً أن يتحلل من المظالم، فإن الذنوب تغفر، وأما الحقوق المتعلقة بالعباد فلزاماً أن تؤدى إلى أهلها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه، أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان المفلس: (الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار).
وعلى الذاهب إلى الحج أن يتزود بالكسب الطيب، فإن الله تبارك وتعالى قال في كتابه: ( وتزودوا) أي: بالزاد اللازم للحج، ثم أشار إلى زاد آخر فقال تعالى: فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]، وقد نزلت هذه الآية الكريمة في أهل اليمن، فقد ورد في صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تبارك وتعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]).
فعلى الحاج أن يتزود بالكسب الطيب، وأن يكون حجه من مال طيب، فإن الله تبارك وتعالى قال في كتابه الكريم: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] ، وقال نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه: (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل الرجل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له!).
وعليه أيضاً -أعني الحاج- أن يتقي الرياء المحبط للأعمال، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)، فلا يحج الحاج ليقال له: حاج، وإنما يحج طلباً للأجر والثواب من الله عز وجل، ولأداء فريضة افترضها الله تبارك وتعالى عليه, وإياه ومحدثات الأمور فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، ثم عليه أن يوصي إن كان له شيء يوصى فيه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شي ء يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)، فقد يخرج الخارج للحج ولا يرجع إلى بيته، وكم من شخص قد أدركته المنية وهو محرم، وكم من شخص قد أدركته المنية وهو راجع من حجه، أو وهو ذاهب إلى حجه، فلذلك يلزمه أن يوصي إن كان له شيء يوصى فيه، والمستعان هو الله عز وجل.
الجواب: إن الحج ابتداء ً من أركان ديننا، فمقيمه مقيم لأركان هذا الدين القويم، وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل يا رسول الله؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور)، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)، وكذلك قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: لا، ولكن أفضل الجهاد حج مبرور) ، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما أخرجه الإمام النسائي رحمه الله تعالى بسند صحيح: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور ثواب دون الجنة) ، وقد ورد في فضل العمرة جملة من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخاصة العمرة في رمضان، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لامرأة: (إذا كان رمضان اعتمري فإن عمرة في رمضان تعدل حجة) ، وفي رواية ابن ماجة رحمه الله تعالى: (عمرة في رمضان تعدل حجة).
ولا ينبغي أن يستكثر الشخص النفقات التي ينفقها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعائشة رضي الله تعالى عنها في شأن العمرة: (ولكنها على قدر نفقتك، أو على قدر نصبك) .
الجواب: يستحب لها أن تحج عن نفسها، وكذلك تحجج هذا الصبي معها، فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعها صبي لها، فرفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ( ألهذا حج يارسول الله؟! ) قال: (نعم، ولك أجر)، والله تعالى أعلم.
الجواب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت مواقيت مكانية للحج والعمرة، فوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرن المنازل، ولأهل المدينة ذا الحليفة التي يسميها الناس الآن: أبيار علي، ووقت صلى الله عليه وسلم لأهل الشام الجحفة، ووقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن يلملم، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق مكاناً يسمى ذات عرق، إلا أن الصحيح أنه لم يثبت هذا عنه، ولكن الذي وقته لهم عمر رضي الله تعالى عنه.
والمراد بهذه المواقيت: أماكن لا يتخطاها الشخص إذا كان ذاهباً إلى الحج أو العمرة حتى يهل من عندها، فلا يجوز لحاج متجهٍ من المدينة إلى مكة -مثلاً- أن يمر بذي الحليفة إلا ويهل من ذي الحليفة، ولا يتقدمها الشخص ولا يتأخر عنها، فمن تعمد تجاوز الميقات الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم ووقته بدون إحرام منه فهذا يلزمه عند جمهور أهل العلم دماً ليجبر الخلل الحادث في حجته أو عمرته، من جراء تخطيه الميقات دون إحرام، وبالله تعالى التوفيق.
الجواب: إذا وصلت إلى الميقات فيسن لك أن تغتسل؛ إذ قد ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ( من السنة أن يغتسل الرجل إذا أراد أن يحرم )، ويسن لك مع هذا الاغتسال أن تتطيب، وذلك عند الإحرام قبل الإهلال بالحج أو بالعمرة؛ لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ( كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت )، وفي رواية عنها: ( كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم)، فيسن لك قبل أن تلبي بالحج أو بالعمرة بعد الغسل أن تتطيب، أما إذا لبيت بالحج أو بالعمرة فتمنع من الطيب، وقد يرد على شخص إشكال في الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـيعلى بن أمية: (اغسل عنك الطيب الذي بك، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك ما كنت صانعاً في حجك)، فأجاب العلماء على هذا بما حاصله: هذا الحديث قد يكون مختصاً بالزعفران، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل هذا الزعفران، أو أن هذا الحديث قد نسخ -أعني حديث يعلى بن أمية - والله تبارك وتعالى أعلم.
وقد ورد أيضاً أن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالصبغ المطيب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها)، فالحاصل أن الشخص بعد الاغتسال للإحرام قبل الإهلال يسن له أن يتطيب، وإن بقي أثر هذا الطيب معه ولو بعد التلبية فلا مانع، لكن لا يمس طيباً بعد أن يهل بالحج أو العمرة، وبالله تعالى التوفيق.
كما ينبغي عليك أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بعض أنواع الثياب فعليك أن تتقيها؛ إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن المحرم: (لا يلبس السروايل، ولا القُمُص -والقُمُص: جمع قميص- ولا العمائم، ولا البرانس، ولا الخفاف إلا إذا لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)، فيمنع المحرم من لبس المخيط، ويمنع كذلك من العمائم، ويمنع كذلك من لبس السراويلات، إلا إذا لم يجد إزاراً فله أن يلبس السراويلات حينئذ؛ لما أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات فقال: (من لم يجد النعلين فليبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل) للمحرم)، وقد رأى الجمهور من العلماء أنه يفتق هذه السراويل، بينما ذهب بعض أهل العلم إلى الحديث على ظاهره فقالوا: لا تفتق السراويل، إلا الخفين إذا لم توجد النعال، فتقطع الخفاف إلى أسفل من الكعبين، والمراد بالكعبين: العظمان الناتئان عند ملتقى الساق مع القدم.
فعلى ما سبق يحرم على المحرم أن يلبس ثوباً مخيطاً، ويحرم عليه أن يلبس العمامة، ويحرم عليه أن يلبس الخفاف التي تغطي الكعب، ولا يلبس من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: الذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن صلاة الركعتين عقب الاغتسال إن كانت سنة للوضوء فسنة الوضوء مستحبة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـبلال رضي الله تعالى عنه: (يا
الجواب: يستحب لك عند الإهلال أن تكون متجهاً إلى القبلة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استقبل القبلة حين أهل صلوات الله وسلامه عليه.
الجواب: الإهلال: هو رفع الصوت بالتلبية، وتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لزمها هي: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له)، فهذه لزمها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان من أصحابه من يزيد عليها بعض الزيادات، فكان عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما يزيد: (لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل).
وقد ورد عن صحابة آخرين أن منهم من كان يقول: (لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً)، و(لبيك ذا الفواضل، لبيك ذا المعارج)، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد مُعلِّ أنه كان يلبي قائلاً: (لبيك إله الحق).
فالحاصل من ذلك: أن صفة تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لزمها: ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)، ومن أصحابه من كان يزيد زيادات لم ينكرها عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كزيادة ابن عمر رضي الله تعالى عنهما المذكورة: (لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل).
الجواب: رفع الصوت بالتلبية مشروع؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال -أو قال بالتلبية- وقال: إنها من شعائر الحج)، وروى الإمام مسلم رحمه الله تعالى من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: ( قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخاً )، وفي الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، وسمعتهم يصرخون بهما جميعاً) أي: يرفعون الأصوات بالحج والعمرة جميعاً، والله تعالى أعلم.
الجواب: نعم، فقد ورد من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنصدع الأرض من هاهنا وهاهنا) .
الجواب: الحج ثلاثة أنواع:
النوع الأول: حج الإفراد، وهو أن يلبي الملبي فيقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك حجاً)، ويستمر على إحرامه إلى أن يصل إلى مكة ويطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ويبقى على إحرامه إلى أن يرمي جمرة العقبة -على ما سيأتي من تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى-.
النوع الثاني: حج القران، وهو أن يقرن بين الحج والعمرة، فيقول عند الميقات: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك حجة في عمرة)، أي: أدخل الحجة مع العمرة.
النوع الثالث: حج التمتع: وهو أن يقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك عمرة)، فهذا هو التمتع، فيتمتع بالعمرة إلى الحج، ثم بعد عمرته يتحلل منها، فإذا كان يوم التروية الثامن من ذي الحجة لبس المتمتع ملابس الإحرام من جديد، ويقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك حجاً).
أما المفرد والقارن فيبقيان على إحرامهما بعد الطواف والسعي، ولا يتحللان إلا بعد رمي جمرة العقبة، وبالله تعالى التوفيق.
الجواب: الاشتراط: أن يلبي المحرم بالحج أو بالعمرة قائلاً: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك عمرة، أو لبيك حجاً، أو لبيك حجة في عمرة، ثم يقول عقب ذلك مباشرة: اللهم! محلي حيث حبستني، أي: يارب! سأتحلل في المكان الذي لا أستطيع فيه مواصلة الحج؛ إذ قد أمرض، أو قد أفقد رفقتي، أو قد يحدث أي عذر يحول بيني وبين أداء عمرتي أو حجي، فحينئذ سأتحلل، فيعبر عن ذلك بقوله: اللهم محلي حيث حبستني، وفائدة ذلك أنه لا يُلزم بدم من جراء عدم إكماله الحج أو العمرة، أما إذا لم يشترط فيلزمه دم يذبحه لعدم إتمامه الحج أو العمرة، والاشتراط يعفيه من هذا الدم.
والدليل على هذا الاشتراط: ما أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على
الجواب: لا يجوز للمحرم أن ينكح ولا أن يخطب، وذلك لما رواه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح المحرم ولا يُنكح، ولا يخطب) أي: لا يتزوج ولا يزوج غيره، ولا يخطب أثناء إحرامه، وإلى هذا ذهب فريق من أهل العلم. وقد ورد في هذا الباب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم) أخرج ذلك الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقد أجيب عن ذلك ببعض الأجوبة، ومن العلماء من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو بسرف -وسرف: مكان-، ووهنوا بهذه الرواية رِوايَة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقال آخرون من أهل العلم بالجمع بين الحديثين، فحملوا حديث: ( لا ينكح المحرم ) على الكراهية، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم)، والله تعالى أعلم.
الجواب: لا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، إلا أنه يجوز لمن كان به أذى من رأسه أن يحلق شعر رأسه وأن يفدي فدية، كما قال الله تبارك وتعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] ، وفي الصحيحين من حديث كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى القمل يتساقط على وجهه، فقال له صلى الله عليه وسلم: لعلك قد آذاك هوامك؟ -أي: هوام الرأس من القمل ونحوه- قال: نعم يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك بشاة)، وهكذا يقول فريق من العلماء: من ارتكب محظوراً من المحظورات فإنه يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين، أو ينسك نسيكة، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: نعم، يجوز للمحرم أن يغتسل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم صلوات الله وسلامه عليه.
الجواب: نعم. يجوز للمحرم أن يستعمل الشمسية.
الجواب: الرواية التي وردت في تغطية الوجه في سندها كلام، وذلك أن الحديث الذي ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن رجلاً وقصته دابته وهو محرم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُغسل بماء وسدر، ولا يُمس طيباً، ولا يُخمر رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً -وفي رواية- ملبداً)، فهذا الحديث فيه: (ولا يخمر رأسه)، وقد ورد الحديث بلفظ: (ولا تخمروا رأسه ولا وجهه)، وزيادة (وجهه) هذه نُوزِعَ في صحتها، وقد رأى كثير من علماء العلل تضعيفها، ومن ثم فينبني على تضعيفها جواز تغطية الوجه أثناء النوم، أما الرأس فلا يغطى.
أما الذين صححوها من العلماء فمنعوا المحرم من تغطية وجهه، فتغطية الوجه فيها وجهان للعلماء رحمهم الله تعالى، والأحوط عدمه، وإن كان التحرير يقتضي تضعيف زيادة منع تغطية الوجه، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: نعم، يجوز للمحرم أن يحتجم، وقد احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم، أخرج ذلك الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، والله تعالى أعلم.
الجواب: تنقطع تلبية الملبي بالعمرة إذا دخل أدنى الحرم، أي: إذا وصل إلى حدود الحرم أمسك عن التلبية، وقد ورد عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ويُحدِّثُ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
الجواب: نعم، ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل لدخول مكة، فقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: ( أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهاراً، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه فعل ذلك)، والله تبارك وتعالى أعلم.
أما الذي لا يغتسل عند دخول مكة فليس عليه شيء، وإنما هي سنة مستحبة إن استطاعها، وإلا فلا شيء عليه.
الجواب: الاضطباع هو: كشف الكتف الأيمن وتغطية الكتف الأيسر أثناء الإحرام، وهذا الاضطباع لا يشرع إلا عند الطواف، والله تبارك وتعالى أعلم.
أما الذي يفعله الحجيج من الاضطباع من عند الميقات إلى أن ينتهوا من رحلة الحج، فهذا لا أعلم فيه خبراً ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الجواب: الوضوء يشرع للطواف، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة توضأ، ثم طاف بالبيت صلوات الله وسلامه عليه، فهاهو قد توضأ بين يدي طوافه، والحديث أخرجه الإمامان البخاري ومسلم عليهما رحمة الله تعالى.
ومما يستدل به أيضاً على مشروعية الوضوء للطواف: ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فلا يتكلمن إلا بخير)، إلا أن هذا الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قد أُعِلَّ، والصواب فيه الوقف على عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، فليس هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويكفي أن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ ثم طاف بالبيت، وهذا -كما بَيَّنَا- في الصحيحين.
الجواب: عليه عند جمهور العلماء أن يذهب ويتوضأ ويتمُّ الأشواط الباقية، أي أنه يبني على ما سبق.
ومن العلماء من لا يرى أن الوضوء من شرائط صحة الطواف فيرى أن يتم مع انتقاض الوضوء، ثم إن منهم من يقول: بعد أن يتمَّ يذبح ذبيحة، ولا أعلم دليلاً على تلك الذبيحة، وإن كان للقول بأنه يتمَّ مع انتقاض الوضوء وجه أيضاً، فقد ذهب إلى ذلك فريق من أهل العلم وهم الأحناف، وأجاب بعضهم على حديث: (أن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ ثم طاف بالبيت)، بأنه يفيد الاستحباب، ولا يفيد الشرطية. والله تبارك وتعالى أعلم.
وعلى كل نقول وبالله تعالى التوفيق: إن الاحتياط له أن يذهب ويتوضأ ويأتي ليتمَّ على ما سبق، ثم يصلي الركعتين. وبالله تعالى التوفيق.
الجواب: تبتدئ طوافك بالحجر الأسود، فإن استطعت أن تقبله وأن تستلمه قبلته واستلمته؛ إذ هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تبدأ بالطواف، وإن لم تستطع أشرت إليه مكبراً ثم بدأت في الطواف، ولا يشرع لك أن تزاحم الناس؛ إذ أذى المسملين لا يجوز لك، ورب العزة قال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ، وقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ثم تبدأ بالطواف، وليست هناك أذكار مخصوصة بالطواف كما يفعل بعض الناس، وإنما الذي ورد هو أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، وإن كان في إسناده بعض الضعف اليسير، إلا أن من أهل العلم من يعمل به لكونه في فضائل الأعمال، والأكثرون من العلماء على ذلك في هذا الباب أي: على قول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) بين الركن اليماني والحجر الأسود، أما سائر الأركان فأنت مخير فيها بين الدعاء فتدعو الله تعالى بما شئت، أو تذكره بما شئت، أو تتلو كتابه كيف شئت، أو تصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كيف تشاء، فلا دليل يلزم بشيء معين، والله تعالى أعلم.
وأما الملتزم وهو المكان الذي بين الحجر الأسود وباب الكعبة، ويقارب متراً ونصف المتر على وجه التقريب فيسن عنده الدعاء ويشرع، وأما ما ورد من أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يلصقون صدورهم وخدودهم بالملتزم فإسناده فيه ضعف، وبالله تعالى التوفيق.
فالحاصل أنك تبدأ الطواف بتقبيل الحجر الأسود واستلامه، فإن لم تستطع أشرت إليه بشيء معك أو بيدك وكبرت، ثم تبدأ الثلاثة الأشواط الأولى بالرمل، والرمل: المشي السريع المتتابع، مع الاضطباع، والاضطباع: أن تكون كاشفاً عن كتفك الأيمن مغطياً كتفك الأيسر، وكلما مررت بالركن اليماني استلمته إن استطعت، فإن لم تستطع استلامه فلا تشير إلى الركن اليماني.
فإذا انتهت الأشواط الثلاثة الأولى رجعت عن اضطباعك، وتوقفت عن الرمل، وسرت سيراً كسائر سيرك حول الكعبة، فتدعو ربك عز وجل بما شئت، واحذر أن تتسلل من الفتحة التي هي بين الحِجْر وبين الكعبة، وذلك لأن الحِجْر يعد من الكعبة، وقصة الحجر أن مشركي قريش لما أرادوا بناء الكعبة أرادوا ألا يدخلوا فيها مالاً من الحرام فقالوا: لا ندخل فيها مهر بغي، ولا ربا، ولا حلوان الكاهن، ولا شيئاً من الأموال المحرمة، فقصرت بهم النفقة الحلال أن يبنوا الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام، فبنوا الكعبة على نحو مما هي عليه الآن، والذي لم يستطيعوا بناءه منها أحاطوا عليه بهذا القوس الذي هو الحِجْر، فلا يجوز لك أن تتسلل من الفتحة التي بين الكعبة والحجر وتخرج مختصراً على نفسك الطريق، بل لزامٌ عليك أن تطوف حول هذا القوس الذي هو الحِجْر؛ إذ هو من الكعبة، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: نعم، فقد ورد في ذلك حديث أخرجه الإمام الترمذي رحمه الله تعالى وغيره من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن الحجر: (والله! ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق)، والله تعالى أعلم.
الجواب: نعم، يشرع تقبيل الحجر الأسود، فقد قبله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقال: ( والله! لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك ).
السؤال: ما هو القول المشروع عند الإشارة إلى الحجر الأسود؟
الجواب: الذي ورد أن الشخص يقول: الله أكبر، هذا الذي وقفت عليه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والله تعالى أعلم.
الجواب: بعد الشوط السابع من الطواف يكون قد انتهى من طوافه، فيتجه إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فيقرأ في طريقه إلى مقام إبراهيم عليه السلام قول الله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، ثم يأتي خلف المقام، فإذا لم يكن هناك مكان خلف المقام مباشرة فله أن يرجع خلف المقام ولو بمسافة طويلة؛ إذ في الأمر فسحة، ثم يصلي ركعتين يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسورة الكافرون، وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة الإخلاص (قل هو الله أحد)، والله تعالى أعلم.
الجواب: إن استطعت أن تستتر بشيء فاستتر، فتلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث عليها ورغب فيها، وإن غلبت فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والله تعالى أعلم.
الجواب: جمهور العلماء أَوّلُوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقطع الصلاة ثلاثة) بأنه يقطع خشوع الصلاة ثلاثة، قالوا: وليس المراد الإبطال، والله تعالى أعلم.
بيد أن قلة من أهل العلم حملوا الحديث على ظاهره، وحملوا القطع على الإبطال، إلا أنهم قلة، ويرد عليهم الحديث: (أن
ولكن الأحوط أن تحتاط من هذا احتياطاً شديداً خروجاً من الخلاف، والله تعالى أعلم.
الجواب: إن استطعت بعد صلاة ركعتين خلف المقام أن تذهب إلى الركن لتستلمه فقد ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن استطعت أن تفعل فافعل، والحديث بذلك في صحيح الإمام مسلم رحمه الله تعالى من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، وإن لم تستطع فلا شيء عليك، وبالله تعالى التوفيق.
الجواب: نعم، قد ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعد أن صلى ركعتين وعاد إلى الحجر واستلمه ذهب إلى زمزم فشرب منها، وصب على رأسه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الجواب: تذهب إلى الصفا، فإذا مررت من جبل الصفا قرأت قول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى: ( إن الصفا والمروة من شعائر الله)، ثم يقول: أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ صلى الله عليه وسلم بالصفا، فصعد عليه حتى رأى البيت -أي: حتى رأى الكعبة- فاستقبل القبلة فوحد الله تعالى وكبره، وقال وهو على الصفا: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، ثم دعا بين ذلك، فعل هذا ثلاث مرات صلى الله عليه وسلم، فالمشروع لك عند اتجاهك إلى الصفا، أن تقرأ الآية الكريمة، ثم تقول الذكر الوارد، وتدعو بين ذلك دعاءً طويلاً؛ إذ قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما جعل السعي بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار من أجل إقامة ذكر الله عز وجل)، فيسن لك أن تدعو الله تعالى دعاءً طويلاً على الصفا، ثم تسعى متجهاً من الصفا إلى المروة، وبين العلمين الأخضرين وهو الأبطح تسرع في مسيرك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يُقطع الأبطح إلا شداً)، أي: يقطعه الشخص مسرعاً، والنساء ليس عليهن هذا الإسراع.
فإذا وصلت من الصفا إلى المروة فقد قطعت شوطاً، فافعل على المروة ما فعلته على الصفا، ثم تتجه من المروة إلى الصفا وهذا الشوط الثاني، وتفعل ما فعلت أولاً، ثم من الصفا إلى المروة وهذا الثالث، ثم من المروة إلى الصفا وهذا الرابع، إلى أن تأتي بسبعة أشواط، فالذهاب من الصفا إلى المروة شوط، والعودة من المروة إلى الصفا شوطٌ ثانٍ، فتكون ذهاباً وإياباً قد قطعت ثلاث مرات ونصف تعادل سبعة أشواط، تفعل على المروة ما تفعل على الصفا، وتقطع الأبطح الذي هو بين العلامتين الخضراوين شداً، أي: مشياً مسرعاً، وتذكر الله عز وجل بما شئت من الذكر، وتدعوه بما شئت من الدعاء على الصفا والمروة، وتبدأ بالذي بيناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، فإذا انتهيت من السبعة الأشواط قصرت شعرك إن كنت معتمراً وستأتي بحجة بعدُ، أو حلقت شعرك إذا كنت معتمراً فقط، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله! قال: رحم الله المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله! قال: رحم الله المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله! قال في الثالثة: والمقصرين)، فإذا كنت معتمراً فقط استحب لك أن تحلق شعرك كاملاً ولك أن تقصر، والتقصير يكون من عموم الرأس لا من بعض الشعرات كما يفعله بعض الناس.
أما إذا كنت ستحج، والعمرة عمرة تمتع بالحج فلك حينئذ أن تقصر فقط وتؤجل الحلق إلى يوم النحر، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: نعم يجوز لك أن تطوف راكباً، وقد طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير، وكان كلما يمر صلى الله عليه وسلم على الحَجَر يستلم الحَجَر بمحجن كان معه صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـأم سلمة رضي الله تعالى عنها لما شكت إليه أنها مريضة: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة).
الجواب: المتمتع بعد الطواف والسعي يقص من شعره ثم يتحلل تماماً، وذلك بلبس الثياب إن كان معه ثياب، أو بإتيانه زوجته إن كانت معه زوجته، ويصبح حلالاً تماماً شأنه شأن الناس الذين هم محلون ليسوا بمحرمين، إلى أن يأتي يوم الثامن من ذي الحجة فيهل بالحج من مكانه الذي هو فيه قائلاً: ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك حجاً ) وينطلق إلى منى، وأما المفرد والقارن فلا يحلان من إحرامهما، بل يبقيان محرمين على إحرامهما بعد الطواف والسعي، ويجوز لكل واحد منهما أن يؤجل السعي إلى يوم النحر، وإن قدمه فلا يلزم بسعي آخر، والله تعالى أعلم.
الجواب: في يوم الثامن من ذي الحجة، وهو الذي يسميه العلماء يوم التروية، يتجه الحجيج كلهم إلى منى، وهذا الاتجاه سنة مستحبة، فيصلون بمنى الظهر قصراً في وقته، ويصلون العصر قصراً في وقته، والمغرب ثلاث ركعات في وقتها، والعشاء ركعتين في وقتها، ثم ينامون، فإذا أصبحوا صلوا الفجر في وقته، وكل ذلك مع ذكر الله عز وجل ومع التلبية ومع التكبير، ثم يتجهون بعد طلوع شمس اليوم التاسع إلى عرفات، ويسن لهم -إن استطاعوا- أن يبقوا بنمرة -هي على حدود عرفات تشكل النصف الأول من مسجد نمرة- إلى زوال الشمس، ثم بعد زوال الشمس يدخلون عرفات، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقبة ضربت له بنمرة -أي: صنعت له بنمرة- فبقي فيها إلى أن زالت الشمس، ثم دخل عرفات بعد زوال الشمس -وزوال الشمس يكون قبل صلاة الظهر بما يقارب نصف ساعة-، وإذا لم يتيسر هذا لأكثر الحجيج فلا شيء عليهم، فلهم أن يدخلوا عرفات مباشرة بدون المكث في نمرة، إلا أنه من استطاع أن يتبع السنة ففي ذلك خير له، والله تعالى أعلم.
الجواب: السنة لهم أن يكبروا أو أن يلبوا، فالنبي عليه الصلاة والسلام حين اتجه مع أصحابه رضي الله تعالى عنهم من منى إلى عرفات كان منهم المكبر ومنهم الملبي، والله أعلم.
الجواب: يشرع في عرفات أن يجمع الحاج بين الظهر والعصر جمع تقديم، يصلي الظهر ركعتين ثم يصلي العصر ركعتين، ثم يتفرغ للدعاء والذكر والعبادة، ولا يلزمه أن يذهب إلى جبل الرحمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) ، ويستحب له الإكثار من الدعاء والتهليل، فإن الله عز وجل يباهي بالحجيج ملائكته ويقول: (انظروا إلى عبادي هؤلاء أتوني شعثاً غبراً، أشهدكم أني قد غفرت لهم).
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في عرفات وهو حاج عليه الصلاة والسلام، فإذا كنت حاجّاً ففي عرفات يسن لك الفطر حتى تستعين بذلك على الدعاء وعلى الذكر، ثم أنت موافق للسنة بفطرك. والله تعالى أعلى وأعلم.
الجواب: نعم حجك صحيح، وذلك لما رواه أبو داود رحمه الله تعالى من حديث عروة بن مضرس رضي الله تعالى عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بجمع -أي بمزدلفة- فقلت: جئت -يا رسول الله- من جبال طيئ، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله! ما تركت من جبلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدرك معنا هذه الصلاة -يعني صلاة الفجر بمزدلفة- وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضي تفثه)، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: يسن لك في مزدلفة أن تجمع بين المغرب والعشاء فور وصولك إلى مزدلفة، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر في مزدلفة، فلذلك من العلماء من يقول: هذه الليلةُ الوحيدةُ التي لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر فيها، وأخذ بعض أهل العلم بأحاديث أخر في مشروعية الوتر في مزدلفة أيضاً.
وفي مزدلفة تصلي المغرب ثلاث ركعات، أما العشاء فتصلى ركعتين، ثم تبيت في مزدلفة، ولم يشرع قيام الليل في تلك الليلة، والله تعالى أعلم.
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم وقف حين وقف، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وقفت هاهنا وجمع -أي: مزدلفة- كلها موقف).
الجواب: الذين رخص لهم أن ينصرفوا من مزدلفة متجهين إلى منى بعد غروب القمر هم الضعفة عموماً، ثم النساء أيضاً، فهؤلاء رخص لهم في الدفع من مزدلفة إلى منى بعد غروب القمر، وبالله تعالى التوفيق.
الجواب: لهم أن يرموا الجمرة بعد صلاة الفجر، بل من العلماء من جوز لهم أن يرموا قبل صلاة الفجر؛ لحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها (أنها لما تقدمت رمت الجمرة ثم صلت الصبح)، إلا أن الأولى الانتظار لرميها بعد طلوع الشمس، لكن إن رمت قبل طلوع الشمس فجائز لها أن ترمي، وجائز للضعفة أن يرموا قبل طلوع الشمس، والمستحب بعد طلوعها لمن استطاع، والله تعالى أعلم.
الجواب: يسن في ليلة مزدلفة خاصة أن تصلى الفجر في أول وقتها، بل قد ورد في الرواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر قبل ميقاتها الذي كان يصليها فيه)، وهذا محمول على أنه صلاها في أول وقتها، فالمسنون التبكير بصلاة الصبح في مزدلفة، ثم التفرغ للدعاء إلى أن يسفر الصبح جداً، ثم يتحرك من مزدلفة بعد إسفار الصبح جداً وقبل طلوع الشمس، والله تعالى أعلم.
الجواب: تلتقط من أي مكان، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد التقطها من الطريق بعد مزدلفة وهو متجه إلى منى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا الأفضل، وإلا فمن أي مكان شئت أن تلتقط فالتقط الحصى؛ إذ لم يرد دليل ملزم بالالتقاط من مكان معين، والله تعالى أعلم.
الجواب: يسن له أن يبدأ بالجمرة الكبرى فيرميها بسبع حصيات، وهي التي ترمى في هذا اليوم فقط، ويكبر مع كل حصاة.
الجواب: تنقطع تلبية الحاج بعد رمي جمرة العقبة الكبرى يوم النحر، ولكن يستمر في التكبير والتهليل والتسبيح ونحو ذلك، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: الهدي يجب على المتمتع وعلى القارن، أما المفرد فلا شيء عليه.
الجواب: هي أربعة أعمال: رمي جمرة العقبة بسبع حصيات يكبر الشخص مع كل حصاة، ثم بعد ذلك ينحر هديه إن كان عليه هدي ثم بعد ذلك يحلق، ثم بعد ذلك يطوف طواف الإفاضة ويسعى إن كان عليه سعي، وإن قدم شيئاً أو أخر شيئاً فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) .
الجواب: يحل لك كل شيء قد حرم عليك إلا النساء، فإذا طفت بالبيت حل لك كل شيء حتى النساء. وبالله تعالى التوفيق.
الجواب: الجمرة التي ترمى أولاً أيام التشريق هي الجمرة القريبة من مسجد الخيف وهي الجمرة الصغرى، ثم بعد رميها يدعو الشخص دعاءً طويلاً ويستقبل القبلة، ثم يتجه بعد ذلك إلى الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات، ثم يستقبل القبلة وقد جعل الجمرة عن يساره فيدعو دعاءً طويلاً، ثم يرمي جمرة العقبة ولا يرمي بعدها، والله تعالى أعلم.
الجواب: نعم يجوز للحاج أن يبيع وأن يشتري؛ لقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] ، وقد نزلت الآية الكريمة في التجارة في الحج، وقد قال الله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28]، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: مادام أنك طفت طواف الإفاضة فلا شيء عليك، ولك أن تنفري -أي لك أن تسافري- بدون طواف الوداع، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحائض إذا كانت قد طافت طواف الإفاضة أن تنصرف.
الجواب: إذا كان الحج حج فريضة فلا يلزمها أن تستأذن زوجها للخروج إلى الحج، ولكن تستأذنه من باب تطييب الخواطر فحسب، وأما إن كان الحج حج تطوع فقد أجمع العلماء على أنها تستأذن الزوج للخروج لحج التطوع، وبالله تعالى التوفيق.
الجواب: المعتدة لها أحوال: فإذا كانت معتدة من طلاق رجعي فلا يجوز لها الخروج للحج؛ لأن الله تعالى قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ [الطلاق:1]، وأما المطلقة المبتوتة -أي: التي طلقت آخر ثلاث تطليقات- فلها أن تخرج، وأما المعتدة من وفاة ففي شأنها قولان لأهل العلم:
فذهب جماعة من الصحابة منهم عائشة وجابر وعلي وابن عباس رضي الله تعالى عنهم إلى الترخيص في الخروج إلى الحج للمعتدة من وفاة، وقد أخرجت عائشة رضي الله تعالى عنها أم كلثوم في عدتها للحج، ومنع من ذلك بعض أهل العلم، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: ذهب بعض أهل العلم كالإمام مالك وكالإمام الشافعي رحمهما الله تعالى إلى أنه يجوز لها أن تسافر إلى حجة الفريضة مع رفقة آمنة، ولو لم يكن معها محرم، ومن أدلتهم: قول الله تبارك وتعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] ، وكذلك ما روي: أن عمر رضي الله تعالى عنه أذن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحج في آخر حجة حجها، فحججن مع عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما.
وعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، قالوا: والمسجد الحرام من هذه المساجد، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه: (إن طالت بك حياة لترين الظعينة -أي: المرأة- ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله)، فهذه أدلة هؤلاء الأئمة الذين قالوا بجواز خروج المرأة مع رفقة آمنة للحج بدون محرم.
أما المانعون ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى فاستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها محرم) على المنع، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: الوارد في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين)، فالنقاب الذي هو على قدر العين تمنع منه المرأة، وأما أن تسدل على وجهها سدلاً خفيفاً بدون فتحة أمام العين فلا بأس به؛ لأن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها قالت: ( كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام ) وفي رواية: ( كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ) كذا ورد عن أسماء وصاحباتها رضي الله تعالى عنهن.
الجواب: ما عليك من شيء، وما عليك من ضرر، بل اخرجي مع الحجيج المتجهين إلى مكة، فإذا وصلت إلى ذي الحليفة فيفضل لك أن تغتسلي لا لإذهاب الحيض؛ إذ الحيضة ما زالت باقية، ولكنه للتطهر، ثم تلبين مع الناس قائلة: لبيك اللهم لبيك، بالتلبية التي تريدينها عمرةً أو حجاً إفراداً أو تمتعاً أو قراناً، وتفعلين كل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت، وبالله تعالى التوفيق.
الجواب: نعم يجوز للمحرمة أن تلبس الخفين، وأن تلبس السراويل، وبالله تعالى التوفيق.
الجواب: نعم يجوز لها أن تلبس الحلي، فقد جاءت امرأة إلى عائشة رضي الله تعالى عنها، فقالت لها: ( يا أم المؤمنين! إن ابنتي فلانة حلفت ألا تلبس حليها في الموسم -تعني موسم الحج-، فقالت عائشة رضي الله عنها: إن أم المؤمنين تقسم عليك أن تلبسي حليك كله)، والله تعالى أعلم.
الجواب: لم يأت نص صريح في منع المحرمة من الكحل، ولكن ورد ما يشعر بالمنع وهو ما أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه في قصة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها: ( وقدم علي رضي الله تعالى عنه من اليمن فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل، ولبست ثوباً صبيغاً، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: إن أبي أمرني بهذا -تعني: أن أباها لما اعتمرت أمرها أن تتحلل من عمرتها؛ لكونها لم تكن ساقت الهدي- ) فإنكاره عليها أن تكتحل دليل على أن المحرم يمتنع من الكحل، هكذا فهم من السياق، والله تعالى أعلم.
وذهب عدد من أهل العلم إلى أنه لا بأس بالكحل، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ( يكتحل المحرم بأي كحل شاء ما لم يكن فيه طيب ).
ويجوز للمحرمة أيضاً أن تختضب بالحناء إن شاءت؛ إذ لا مانع من ذلك، والله أعلم.
الجواب: من أهل العلم من ذهب إلى جواز ذلك واستحبابه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جاءني جبريل فقال يا محمد! مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج)، ولأن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت ترفع صوتها بالتلبية.
ومن العلماء من منع ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء) ، وكأن القول المتوسط في هذه المسألة -والله تعالى أعلم- أنها إذا وجدت رجالاً يسمعون صوتها استحب لها الخفض، وإن لم تجد رجالاً يسمعون صوتها استحب لها الرفع جمعاً بين الأدلة، والله تعالى أعلم.
الجواب: الجواب -وبالله تعالى التوفيق- فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة رضي الله تعالى عنها، فقد أتت مكة وهي حائض ولم تطف بالبيت، ولم تسع بين الصفا والمروة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة)، وهذا في يوم التروية لما دخل عليها الحج، والله تعالى أعلم.
ثم بعد ذلك قالت: (ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنها إلى التنعيم فاعتمرت فقال: (هذه مكان عمرتك) رضي الله تعالى عنها.
الجواب: ليس على النساء رمل في الحج أثناء الطواف، والله تعالى أعلم.
الجواب: نعم لك أن تطوفي بالبيت منتقبة مادمت قد انتهيت من أعمال عمرتك أو أعمال حجك؛ إذا كان الطواف عبادة مستقلة، والله تعالى أعلم.
الجواب: لا يلزمك ذلك، ولكن في ذلك ثواب إذا زرت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصليت فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى) ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد) ، وكذلك يسن لك إذا زرت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزور مسجد قباء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يزوره راكباً وماشياً.
هذا؛ وبالله تعالى التوفيق، وإن كنت قد أخطأت في شيء فمن نفسي ومن الشيطان، والله رسوله بريئان من ذلك، وما كان في تلك الأجوبة من صواب فمن الله وحده فله النعمة وله الحمد وله الثناء الحسن، وصل اللهم على نبينا محمد وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر