إسلام ويب

من أسباب عذاب القبر .. الديون والنياحة [11]للشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الدّيْن من الأسباب المؤدية إلى عذاب الميت في القبر، إذ إن الدين هو من حقوق العباد، والله عز وجل لا يتجاوز عن العباد حتى يأخذ لكل صاحب حق حقه من الآخر. أما النياحة التي تعد من صفات الجاهلية فهي أيضاً من أسباب عذاب القبر، فإن شرها لا يقتصر على الميت فقط، بل ويمتد إلى الحي الذي يتعرض لسخط الله؛ لأن النياحة هي تعبير عن الجزع من أقدار الله عز وجل.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصبحه وسلم تسليماً كثيراً.

    وبعد:

    فلقد بث الله عز وجل في هذا الكون المنظور، وأنزل في كتابه الكريم المقروء، وأقام من الحجج الباهرات والدلائل الواضحات ما يقيم به الحجة على الناس بمعرفة الطريق إليه رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165].

    بصائر الله حجج على عباده

    بصائر وأنوار وهدايات لكن لا يراها إلا أهل الإيمان، وأهل العيون التي فتحها الله عز وجل على نوره وهدايته.

    الحق شمس والعيون نواظر     لكنها تخفى على العميان

    الأعمى لا يرى الشمس، ولا يضر الشمس عدم رؤية الأعمى لها، ليس عيباً في الشمس ألا يراها الأعمى، فهي شمس يستفيد منها العالمين وإن لم يرها الأعمى.

    الحق شمس والعيون نواظر     لكنها تخفى على العميان

    ويقول الآخر:

    قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد     وينكر الفم طعم الماء من سقم

    هذه البصائر يقول فيها الله عز وجل في سورة الأنعام: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ [الأنعام:104] أي: قد قامت عليكم الحجج، ووصلتكم البراهين، فهي بصائر، وليست بصيرة واحدة.

    أولاً: فطركم الله على الإيمان، يقول الله عز وجل: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30].

    تركيبة الإنسان تركيبة تتلاءم مع هذا الدين، ولهذا يقول أحد السلف : من تأمل خلقة الإنسان يرى أنه مفصل للعبادة. أي: للركوع والسجود والقيام والقعود، كل هذه التفصيلات لتتلاءم وتتوافق مع عملية العبادة التي شرعها الله في هذا الدين.

    فالله فطركم على الإيمان، ودائماً الإنسان إذا لبس اللباس المفصل على قدره يرتاح فيه، فالله فطر الإنسان وخلقه وهو الذي شرع هذا الدين وأنزله، فكأن هذا الدين لباس مصمم على مقاسات هذه الفطرة وهذا الإنسان، فإذا لبس الإنسان لباس الفطرة وهو الإسلام عاش سعيداً، وإذا لبس لباساً ليس له لا شك أنه يتضايق، مثاله لو لبست حذاءً ورجلك مقاسها [43] ولبست [40] هل ستشعر بضيق وعدم راحة؟ بدون شك ستشعر بعدم راحة؛ لأن رجلك ستكون محصورة ومتضايقة، أو لبست حذاء مقاس [47] فلا تستطيع أن تمشي لأنك تخبط فيها، لماذا؟ لأنك أعطيت رجلك غير المقاس الذي يصلح لها.

    وكذلك اليوم الناس حينما يرفضون دين الله وشريعته وهدايته وكأنهم يلبسون ألبسة ليست مفصلة على حجمهم، فلا يسعدون أبداً، بل يعيشون في عذاب وضيق، ولكن الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها، يقول الله عز وجل: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] بلى، يعلم تبارك وتعالى هذه الخلقة، والتركيبة، والفطرة التي فطر الناس عليها، يوائمها ويوافقها ويناسبها هذا الدين، فإذا جاء الدين وفق هذه الفطرة استراح الإنسان، وشعر بالسعادة والأنس والأمن والطمأنينة في الدنيا والجزاء العظيم في الآخرة بإذن الله، وإذا أعطاها لباساً غير لباسها لا يصلح، ولو حاول أن يغالط نفسه، مهما كان هذا اللباس، من دنيا، أو الملايين لا يشعر الناس بالسعادة؟ لأنهم يموتون بالعذاب، فهذه الملايين تكون سبباً في موتهم، يقول الله عز وجل: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا [التوبة:55] بالملايين وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:55].

    هل الأولاد لباس، بدلاً من أن يعيش الإنسان لنفسه فإنه يعيش لأولاده وزوجته؟ لا. يقول الله: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14] .. إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15] فما هو البديل؟ هل المناصب أو الإمارة والجاه والسلطة بديل؟ لا، ليست ببديل، ربما تكون هذه سبيل عذاب على الإنسان في الدنيا قبل الآخرة.

    إذاً: ما هو البديل الصحيح؟

    إنه الإيمان والدين، فهذه بصيرة وهداية، بعد ذلك نزل الله كتاباً، وأرسل رسلاً، وجعل في الكون دلالات عليه، من أصغر جزء في المادة وهي الذرة، إلى أكبر جزء في الدنيا وهي المجرة، كلها دلالات على الله.

    وفي كل شيء له آية     تدل على أنه الواحد

    هذا الشعر الذي ينبت في رأسك الآن، لماذا شعر رأسك هذا ينبت ويطول، وشعر حاجبيك هذا يقف عند حد معين من علم الشعرة أن تقف عند حد معين؟ ومن علم الشعر أنها تطول إلى حد معين؟ من علم الشعرة التي في الأجفان أن تصل إلى هذه المرتبة واحد سنتيمتر أو سنتيمتر إلا ربع أو نصف سنتيمتر وتقف، لو امتد شعر عيونك وصار طويلاً، ما رأيك كيف تكون؟ لا تستطيع أن تعيش.

    إذاً: من هدى هذه الشعرة وعلمها أن تصل إلى هذا المستوى وتقف، وهذا الشعر يطول إلى مستوى أبعد من ذلك من هو؟ إنه الله الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50].

    من الذي هدى هذه الأسنان، الأسنان التي تصعد وتنشأ في الفك العلوي وتنزل إلى تحت، لماذا لم تطلع إلى فوق، ومن الذي علم الأسنان في الفك السفلي أن تطلع إلى فوق؟ وبعد ذلك من علم هذا السن أنه يستمر في النمو إلى درجة معينة ويتوقف، فلا يطلع أبداً ولا يزيد هذا على هذا، كلها سواء، ما رأيك لو بقي السن على كيفه -مثل ما يقولون: إن الطبيعة خلقته- وطلع السن واستمر في النزول إلى أن يصبح السن في بطنك، والسن الثاني في رأسك، كيف تفعل؟ تظل تنشر أسنانك كل يوم، وكلما نشرته نبت لك سن، لا إله إلا الله!

    من علم السن هذا أنه ينبت، لا تطلع ثنية إلا وتحتها ثنية، وبعد ذلك ناب ويطلع تحته ناب، وبعد ذلك ضرس وتحته ضرس، لماذا؟ من أجل أن تستفيد منها، إذ لو طلع لك فوق الضرس وتحته ناب لا تستطيع أن تطحن الطعام، بل تخرب فقط ولا يطحن طعاماً أبداً، لو طلع من فوق قاطع -وهو الثنية- وتحتها ضرس تذهب لتقطع لا يمكن، لكن هذه تقطع وهذه تخرق وهذه تطحن، وبعد ذلك هذا الفك متقدم، ولذلك عندما تنظر إلى سنك تجد أن الفك متقدم على الثاني، لماذا؟ من أجل أن تقص مثل المقص، المقص يجب أن يختلف حداه، لو جئت إلى المقص وتركت السنتين سواء فإنه لا يقص.

    وأوجد لك داخل هذا الفم هذا اللسان مثل المحرك، يأخذ الطعام ويقلبه ويطلعه وينزله، وهنا غدد تفرز اللعاب على الطعام بقدر الطعام، ولا يمكن لأحد أبداً أن يعض لسانه، كم لك تأكل من يوم خلقت؟ هل جاء يوم من الأيام -لعله نادر- غلطت بسبب نهم منك أو جشع، أو أكثرت من الأكل فعضيت لسانك، فإذا عضيته قلت: آه، ولا تذوق الزاد ذلك اليوم.

    فما رأيك لو أنك كلما أكلت لقمة عضيت لسانك، لكان لسانك قد تقطع، من علم اللسان أن يتحرك هذه الحركة، ويمضغ ويبلع ويهضم ويقضم ولا يعضه سن؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو، كل شيء في الكون لو تفكرت فيه لوجدت أن فيه دلالة على الله عز وجل: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ [الأنعام:104].

    وجوب الاكتفاء بالكتاب والسنة في التشريع

    هذا القرآن مملوء بالبصائر، من أول آية بدأ فيه التحدي الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:1-2] لا يوجد إنسان في الدنيا، يؤلف كتاباً ويظل فيه أعواماً حتى يتمه إلا ويقول: نعتذر على التقصير، ونرجو من القارئ الكريم أن يغض الطرف عن الخلل، وإذا لاحظ شيئاً فعليه أن ينبهنا، فإن أحسنت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، هذا كله جهد البشر.

    أما كتاب الله فيقول الله فيه من أول آية من القرآن: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2] ليس فيه شك، تحدٍ صارخ لا شك فيه أبداً، وهاهو القرآن منذ ألف وأربعمائة سنة إلى يومنا هذا، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يوجد فيه أبداً آية تعارض الأخرى، يقول الله عز وجل: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].

    الآن الأمم والدول تشرع تضع أنظمة وقوانين على مستويات كثيرة، ولكن لا يمر على التطبيق سنة، إلا ويدخلون تحسينات، وتعديلات، وتفسيرات، والمقصود من المادة كذا وكذا، والمقصود من الباب كذا، لماذا؟ لأنه من خلال التطبيق يتضح الخطأ، لكن من تطبيق كلام الله في حياة البشر لم يتضح ولن يتضح، يقول الله عز وجل: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88].. كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29] كتاب لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].

    ولهذا رب العالمين يقول للناس: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [العنكبوت:51] وهو دليل واضح على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتاب كريم، مائة وأربعة عشر سورة، اشتمل على جميع ما في الأرض (فيه خبر ما قبلكم، وحكم ما بينكم، ونبأ ما بعدكم، هو الفصل ليس بالهزل، ما تركه من جبار إلا قصمه الله) هذا واقع، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله (هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم) هذا الكتاب العظيم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول فيه الإمام الصنعاني في بائيته :

    أما آن عما أنت فيه متاب     وهل لك من البعاد إياب

    تقضت بك الأعمار في غير طاعة     سوى أمل ترضاه وهو وسراب

    ثم قال:

    ولم يبق للراجي سلامة دينه     سوى عزلة فيها الجليس كتاب

    كتاب حوى كل العلوم وكل ما     حواه من العلم الشريف صواب

    فإن رمت تاريخاً رأيت عجائبا     ترى آدماً مذ كان وهو تراب

    وشاهدت قابيل قتيل شقيقه     يواريه لما أن أراه غراب

    ثم قال بعدها:

    ففيه الدواء من كل داء فثق به     فوالله ما عنه ينوب كتاب

    جزاء الاعتصام بكتاب الله وعاقبة العمى عنه

    يقول الله: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101] هذه دلائل واضحة، لكن هذه الدلالات من يستفيد منها؟ أهل الأبصار والعيون، أما الأعمى يقول الله عز وجل فيه: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125] -والعياذ بالله- قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ [فصلت:44] أي: مخرقة لا يسمعون وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً [فصلت:44] نعوذ بالله أن يكون علينا القرآن عمى فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].. قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ [الأنعام:104] الذي يفتح عينيه على الله، وعلى كتاب الله، وقلبه لدين الله، وتوجه إلى الله فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ [الأنعام:104] أنت لا تعمل للجماد ولا للقبيلة، وإنما تعمل لنفسك، وإذا عييت قال: وَمَنْ عَمِيَ [الأنعام:104] لم يبصر الطريق؛ لأنه كلما قيل له اسلك الطريق المستقيم قال: لا. لا يريد الله، لا يريد طريق الله عز وجل، قال: فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا [الأنعام:104] دعه أعمى، ومن عاش في هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى، لا تتصور أنك تعيش هنا أعمى عن الدين وأن الله يفتح بصرك عليه يوم القيامة؟ لا. افتح بصرك وبصيرتك هنا على دين الله، يفتح الله بصرك وبصيرتك في الجنة إن شاء الله.

    أما أن تتعامى هنا عن الله، وتتجاهل دين الله، وتمشي على طريق الشيطان، تنظر وتسمع وتأكل وتسير في الحرام، وتبطش وتزني كل ذلك بالحرام، وتتقاعس عن الطاعات، وترفض دين الله، وبعد ذلك تريد من الله عز وجل أن يقول لك يوم القيامة: عفوت عنك، لا. كن كما يريد الله هنا يكون الله لك كما تريد هناك، كن كما لا يريد الله هنا يكون الله لك يوم القيامة كما لا تريد، والجزاء من جنس العمل، والله يكيل لك يوم القيامة بمكيالك هنا، إن وفيت يوفي لك، وإن طففت فما في الآخرة إلا ويل وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1] هذه الآية عامة، في المطففين في الماديات والمعنويات، الذي يطفف في المكيال مادياً -أيضاً- هذا يطفف عليه، والذي يطفف في مكياله في العمل الصالح -أيضاً- يطفف عليه، قال عز وجل: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [الأنعام:104].

    الحافظ لأعمالكم المسجل لخطراتكم هو الله، لستم بمفلوتين، وإنما كل شيء يحصى عليكم ويسجل، حتى الخردلة من العمل وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] حتى مثاقيل الذر يجزي بها، يقول الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8]. فلا تحسبن -يا أخي- أنك متروك، ولكنك محفوظ ومسجل، فإن حفظت حفظك الله، وإن ضيعت ضعت في الدنيا والآخرة، نعوذ بالله وإياكم من الضياع والضلال.

    ما زال الكلام متصلاً حول أسباب عذاب القبر، وقد ذكرنا في الماضي في عشر حلقات الأسباب التي ثبتت الأدلة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تسبب لصاحبها والواقعِ فيها عذابَ القبر، أي: الفترة البرزخية الواقعة ما بين الموت إلى البعث، هذه فترة لا يعلمها إلا الله، لا نستطيع أن نتحكم فيها، ولا يقدِّر عددها إلا الله عز وجل فهو يعلمها، والناس في قبورهم إما أن يعذبوا وإما أن ينعموا، فالذين يعذبون هم الذين وقعوا في شيء من هذه الكبائر التي ذكرناها، مثل: عدم التنزه من البول، والنميمة، والربا، والزنا، والكذب، وغيرها من الجرائم التي وردت الأدلة أنها تورد الإنسان العذاب ومثل: الذي ينام عن القرآن، والصلاة المكتوبة ويهجر القرآن، هؤلاء يعذبون في قبورهم إلى أن يقوموا من قبورهم، ويكمل لهم العذاب -أعاذنا الله وإياكم من ذلك- وأيضاً هناك أناس ينجيهم الله من العذاب بأسباب تنجي من عذاب القبر، بمجرد ما يتمسك بهذه الأسباب يأتي القبر آمناً، إذا اجتنب الأسباب المعذبة وأتى بالأسباب المنجية، فإنه في قبره في روضة من رياض الجنة.

    ولهذا مر علي رضي الله عنه على المقابر فقال: [إن ظاهرها تراب، وباطنها حسرات أو عذاب] وكان يقول: [يا أهل المقابر! السلام عليكم دار قوم مؤمنين -وبعدما يسلم يقول لهم:- أما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت، وأما النساء فقد تزوجت، هذه أخبارنا فما أخباركم] يقول: ليس عندنا جديد، ماذا في الدنيا من جديد؟ إذا مات الشخص ماذا يحدث لماله؟ القسمة، ولبيته؟ السكن، وزوجته أن تتزوج، هذه الأخبار الجديدة، ليس هناك جديد عليها، يقول: هل عندكم من جديد؟ ثم يسكت ويجيب عليهم ويقول: [أما والله لو تركوا -يعني: لو أرادوا أن يتكلموا وتركت لهم فرصة للكلام- لقالوا: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]] لا تتزودوا بالمال، فالمال إذا كان من الحرام كان زاداً إلى النار -والعياذ بالله- تزودوا من طاعة الله تبارك وتعالى، فإن خير الزاد التقوى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088033781

    عدد مرات الحفظ

    775315977