وبعد:
أيها الأحبة في الله! عنوان درسنا هو: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95] هذه الآية الكريمة، تقرر مرجعية الناس كلهم إلى الله بعد أن يتخلوا عن كل إمكانياتهم وقدراتهم، وما كانوا يظنون أنه يمكن أن ينفعهم وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95] بدون مال، وجاه، ومنصب، وولد، وبلا حول، ولا قوة، بل كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94] يُخلق الإنسان ويأتي إلى الدنيا فرداً، ويستقبل في خرقة، ويعيش فترة من العمر إلى أن يموت، ثم يموت ويرجع إلى الله فرداً مودعاً في خرقة أخرى وهي خرقة الكفن، وهو بين الخرقتين حياته تتوقف ومصيره في الآخرة على ضوء سلوكه وعمله فيما بين الخرقتين: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94] ما خولكم الله عز وجل من المال والأولاد والزوجات والدور والقصور والجاه والمكانة والمنصب والرتب كلها تركتموها وراء ظهوركم وجاء الإنسان إلى الله، يخرج من الدنيا كما تخرج الشعرة من العجين، جاء بالعمل: إما حسنات وإما سيئات؛ حسنات اكتسبها من سيره في طريق الله، والتزامه بكتاب الله، وتمسكه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتسب الحسنات.
أو سيئات حملها على ظهره نتيجة وقوعه فيما حرم الله، أو تركه لما أمر الله، وأما تصديقه لما أخبر الله فيحمل إما سيئات أو حسنات يقول الله عز وجل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:89-90] ما هو إلا ما كنتم تجمعون وتحتلون من الدنيا هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:90] القضية قضية عمل، عندك عمل تنجو وتفلح، ليس عندك عمل تسقط ولو كنت من كنت، إن الله لا ينظر إلى الصور والأجسام والأشكال، ولكن ينظر فقط إلى القلوب وأعمال القلوب الحية السليمة المطمئنة الرقيقة، المنيبة المخبتة الخاشعة التي تخشع لعظمة الله.
فهذه القلوب الله عز وجل يرفع بها أصحابها يوم القيامة بالعمل الصالح، من جاء بالحسنة.. العملة الدارجة يوم القيامة ليست الريال ولا الدرهم ولا الدينار ولا الدولار وإنما الحسنات فقط.
بعض الناس في الدنيا فقير المال لكنه مليونير حسنات، وبعض الناس في الدنيا غني في المال لكن ليس عنده حسنة، فقير في الآخرة -والعياذ بالله- ولهذا يقال: إذا رأيت أحداً ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة، إذا نافسك في الدنيا يبني بجوارحك أربعة خمسة أدوار، ابن أنت في الجنة واشتغل في القرآن، احفظ كتاب الله، حفظ زوجتك وأولادك وبناتك كتاب الله، اذهب كل يوم إلى المسجد، كل يوم أنت وأهلك، زوجتك مع الأمهات، وبناتك مع التلميذات، وأولادك مع الأولاد، وأنت مع الكبار في المسجد من بعد العصر إلى بعد العشاء في الحلقات؛ تخرجون وعندكم مثل الجبال من الحسنات، لماذا؟ لأن بكل حرفٍ من القرآن تقرءونه عشر حسنات (لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) ما هذه التجارة يا إخواني؟! ولكن ما بال الناس يزهدون فيها؛ لأنهم لا يعرفون قيمة الحسنات، ولا يعرف قيمة الحسنات إلا العالم بالله، مثل الذهب لا يعرفه إلا صاحب الخبرة، ولو أتيت بالذهب عند الفحام، فسوف يرميه لأنه يريد فحماً فقط، وأيضاً لو أتيت عند الذي يجمع البعر والروث كي يفعل به سماداً لرماه لا يعلم أنه ذهب، وكذلك الذي يعرف الله ويعرف دين الله وحقيقة الحياة يعرف قيمة الحسنات، ولهذا يجمع فيها ويحصل منها ويسابق إليها ولا يشبع من خيرٍ حتى تكون نهايته الجنة.
قال تعالى: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95] جاءت الآيات الكريمات في القرآن الكريم لتبين لنا في مواضع ثانية كيف الإتيان على الله؟ وكيف القدوم عليه؟
الهيئة الأولى: أن تأتي إلى الله مؤمناً يقول عز وجل: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [طه:75] أي: في الجنة.
الهيئة الثانية: أن تأتي إلى الله مجرماً يقول الله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ [طه:74-75] لا يوجد إلا إتيانين على هيئتين، إما إيمان وعمل صالح، أو إجرام، وكلمة إجرام عامة، يدخل فيها الكافر، والمنافق، والفاسق، كل من ليس عنده إيمان وعمل صالح يصنف مع الفريق هذا الذي يدخل النار.
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ [طه:75] وفي كلمة (ربه) هنا نوع من الإشارة إلى أنه ما دام ربك فلماذا تأتي إليه وأنت مجرم؟!
ربك الذي خلقك وأوجدك من العدم، ربك الذي رباك بالنعم وفضله وإنعامه عليك كيف تعصيه؟ كيف تقدم عليه وأنت مجرم؟!
ربك صاحب الفضل عليك الذي خلقك من العدم ويخلقك في بطن أمك خلقاً من بعد خلقٍ في ظلمات ثلاث، فأبوك يضعك نطفة وأمك تستقبلك شهوة، ثم يخلط الله بين ماء الرجل وماء المرأة، ثم يتعهد الله هذه النطفة بتلك المراحل من الأطوار الخلقية أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين يوماً علقة، ثم أربعين يوماً مضغة، ثم بعد المضغة تصير عظاماً، ثم يكسو الله العظام لحماً، ثم ينشأه الله خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين!
فأنت في بطن أمك لا أحد يعلم عنك إلا الله: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [النجم:32] يجري لك الله عز وجل في بطن أمك الغذاء، والهواء، وجميع الإمكانات التي تريدها، ويزودك بكل الأعضاء التي تحتاجها، يجعل لك أقداماً في البطن وأنت لا تسير في البطن لكن من أجل أنك عندما تخرج إلى دنيا تحتاج فيها إلى الأقدام، ويجعل الله في رأسك عيوناً وأنت لا ترى في البطن؛ لكن لأن الله يعلم أنك سوف تخرج إلى الدنيا وتحتاج إلى البصر، يجعل الله لك أيدي، وبعد ذلك إذا جئت إلى الدنيا، الله يربيك وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53] فما دام هو الخالق والمربي والمنعم فكيف تأتيه وأنت مجرم؟
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً [طه:74] كلمة مجرم مفهومها عند الناس مفهوم محدود، بينما هي في الشرع لها مفهوم أوسع، مفهوم الإجرام عند الناس أنها القتل، والسرقة، والزنا، وترويج المخدرات، وقطع السبل، وهذا لا شك إجرام.
وإذا قتل نفساً معصومة فكأنما قتل الناس جميعاً، كما قال الله في قصة ابني آدم في المائدة: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً [المائدة:27] إلى آخر الآيات، وقال الله: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32] أي: من أجل هذه الجريمة؛ ولأن هابيل هو الذي سَنَّ سنة القتل وقتل أخاه، رغم أن أخاه كان قادراً على أن يقتله، لكن منعه خوف الله لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ [المائدة:28] لماذا؟ ماذا الذي حدث؟ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:28-30].
وبعد ذلك قال الله في آخر الآيات: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32] أي: من أجل هذه السنة السيئة، ومن أجل هذه الجريمة الشنعاء كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32] فإذا قتلت شخصاً في الدنيا تأتي يوم القيامة وفي رقبتك بعدد كل من خلق الله من آدم إلى يوم القيامة، كأنك قتلتهم كلهم يعني: كأنك قتلت العالم كله، ليس العالم في هذا الزمن فقط، بل العالم منذ خلق الله الأرض إلى يوم القيامة، أجل. جريمة كبيرة، وفاحشة منكرة أن تقتل، ولهذا لا تقتل، ولا تفكر في القتل، ولا تحمل سلاحاً، إلا في معركة، أو مواجهة أعداء، هناك تذهب تقاتل أعداء الله، أما أنك تحمل سلاحاً فإن حملك للسلاح يؤدي إلى استخدامه لأتفه الأسباب، مثل شخص حمل السلاح، لماذا؟ قال: هذا سلاح شخصي، وبعد ذلك يحصل بينه وبين زميله شجار أو مشكلة بسيطة، ولكن الشيطان يشحنه ويصعب المشكلة حتى يستعمل السلاح ثم يهلك، لكن لو أنه ليس عنده سلاح ما كان يعمل هذا العمل.
ولهذا لما سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم ما أخبر به من القتل في آخر الزمان قال: (يا رسول الله! إن أنا أدركت ذلك الزمان فماذا أصنع؟ قال: اعمد إلى سيفك واضرب به في حجر -يقول: اكسره لا تستخدمه- قال: فإن جاء يقتلني؟ قال: فادخل في بيتك لا تقاتله، قال: فإن دخل علي البيت؟ قال: فخمر وجهك حتى لا ترى بارقة السيف وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل)، لأنك بمجرد أن قتلت فأنت مقتول، وبعد ذلك مقتول مليون قتلة، هذا الذي قتلته قتلته مرة واحدة وأخذها فجأة ومن غير توقع، لكن أنت منذ أن يقبض عليك وأنت مقتول، وكلما دعيت إلى التحقيق أنت مقتول، وكل يوم أنت مقتول، وكلما تسمع أقدام عسكري يدخل تقول لك نفسك: أتوك الآن.
وإذا جاء يوم القتل لا إله إلا الله! كيف تكون نفسية المقتول إذا دعوه وقالوا: تعال اكتب وصيتك الآن ينفذ فيك الحكم، كيف تكون نفسيته يا إخوان؟
لو استطعنا أن نصل إلى نفسيته ونأخذ شريحة كي نحللها سنجد أنه أشقى إنسان على وجه الأرض، بعد ذلك يحمل ثم ينزل إلى الساحة ثم يجلس ثم يسمع الإعلان، وهو: أقدم فلان بن فلان على قتل فلان بن فلان، وبعد ذلك يضرب رأسه إما بالسيف لتقطع رقبته، أو بالبندقية لتنفض ظهره، كم قتل الآن؟ يسمونه قتل الصبر، لا يأتي القتل إلا وقد مات، بعضهم يموت قبل أن يأتي السيف في رأسه، وهل تنتهي المسألة هنا؟ لا. هذا حق الدنيا وبقي حق الآخرة.
فهل تنفع التوبة؟ للعلماء كلام كثير في هذا. قال العلماء: إن القاتل يرتكب ثلاث جنايات، واحدة في حق الله، وواحدة في حق الورثة، وواحدة في حق المقتول.
فأما التي في حق الله: فتسقط بالتوبة إذا تاب قَبِل الله توبته.
وأما التي في حق الورثة: فتسقط بالقود أو بالعفو أو بالعوض أي: الدية، القود يعني: القصاص، أو العفو يعفون عنه، أو الدية يستلمون مالاً.
وأما التي في حق المقتول: فهذه يؤجل النظر فيها إلى الحضور بين يدي الله يوم القيامة؛ لأن المقتول ما استفاد من القتل، لما قتلنا القاتل هل استفاد المقتول؟ لا. استفاد الورثة وبردت قلوبهم؛ لأنهم اقتصوا من قاتل أبيهم، لكن ذاك قتل بغير حق، أما هذا فقتل بحق، ولذا ترفع القضية ويعاد النظر فيها يوم الوقوف بين يدي الله، إذاً: لماذا تقتل يا أخي؟! لا تمارس القتل في أي حالٍ من الأحوال، فالقتل جريمة.
وفي حديث سمرة بن جندب في البخاري ، حديث الرؤيا الطويل قال: (ثم أتينا على تنورٍ أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه رجالٌ ونساء عراة، يأتيهم لهبٌ من تحتهم فيرتفعون وينخفضون قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزواني والزناة من أمتك) ولهذا شرع الله للزاني المحصن أشنع قتلة، القاتل يقتل، لكن الزاني المحصن؟ يرجم. كيف يرجم؟ حتى يموت بالتقسيط، وينال كل جزء من جسمه جزءاً من العذاب؛ لأنه تلذذ بالجسم كله، قتلة الرمي من أشنع ما يمكن، وأنا حضرت مرة في حياتي إقامة حد على زاني يرجم، ورجم بالحجارة حتى تغطى بالحجارة وما رأيناه، وكان كلما أتى حجر صاح، حجر يقع في رأسه وظهره حتى تغطى بالحجارة، وبعد ذلك قالوا: خلاص، أتوا بعد رمي الحجارة وكشفوا عليه وإذا به حي، قالوا: زيدوه، تصور هذه القتلة، هل تسوى هذه لذة الزنا؟
يا إخواني! أين عقول الناس، لا حول ولا قوة إلا بالله! بعضهم يقول: يمكن أعملها في الدنيا ولا يرجموني، حسناً.. وإذا ما رجمت في الدنيا فرجم الآخرة أشد. رجم الدنيا ربما يكون كفارة إذا تبت ورجمت في الدنيا فإن شاء الله أن الله عز وجل يتوب عليك كما تاب على ماعز والغامدية اللذين قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم الآن لينغمسون في أنهار الجنة مع التوبة) لكن من لم يقم عليه الحد ويزني في الدنيا لا يلزمه أن يذهب إلى الحاكم من أجل أن يجلد، لا. عليه أن يتوب، والله يتوب عليه، لكن الموت على من يأتيه وهو على الزنا، هذه المصيبة ولا حول ولا قوة إلا بالله!
كذلك السرقة جريمة تأخذ مال المعصوم لماذا؟ (إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم) لا تمد يدك ولو على مسواك، لا تمد يدك ولو على هللة، إلا مالك، أما مال الناس فلا؛ لأنك إن تأخذ شيئاً تأخذ حراماً، والحرام يوم القيامة مأخوذ منك، فأنت مجرم إذا سرقت.
إذا روجت المخدرات فأنت مجرم؛ لأن المخدرات آفة الشعوب وعلة الأمم.. جميع دول الأرض أجمعت على محاربتها لماذا؟ لأنها تعني لا إنسان، هذه معادلة دولية (مخدرات + إنسان= لا إنسان) يبيع الإنسان دينه وعرضه ووطنه وكل شيء في حياته مقابل جرعة مخدرات؛ لأنه لا يتحكم ولا يستطيع التحكم بنفسه، المخدر يتحكم في مخه ويسير في دمائه، فإذا تناوله راق وجلس، وإذا انتهى المخدر يأتيه مثل الجنون في رأسه، يتشنج ويفتح عيونه ويصيح يريد جرعة بأي وسيلة.
أتسمح بهذا وأنت تروجها وتتعاطاها وتهربها وتتستر على صاحبها؟
لو كان ولدك من صلبك بلغ عنه، يجب أن نكون عيوناً ساهرة على المخدرات، ليس فقط إدارة مكافحة المخدرات؛ إدارة مكافحة المخدرات جهة مسئولة أمام الله أن نبلغ، والذي لا يبلغ فهو متستر، وخائن لله ولرسوله ولأمانته، وسوف يبتلى هو ويمكن أن تصير البلية بعد ذلك فيهم؛ لأن الراضي الذي يرضى بهذا المنكر للناس فهو كالفاعل -والعياذ بالله- هذا مفهوم الإجرام عند الناس.
وفي حديث سمرة بن جندب في البخاري ، حديث الرؤيا الطويل قال: (ثم أتينا على تنورٍ أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه رجالٌ ونساء عراة، يأتيهم لهبٌ من تحتهم فيرتفعون وينخفضون قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزواني والزناة من أمتك) ولهذا شرع الله للزاني المحصن أشنع قتلة، القاتل يقتل، لكن الزاني المحصن؟ يرجم. كيف يرجم؟ حتى يموت بالتقسيط، وينال كل جزء من جسمه جزءاً من العذاب؛ لأنه تلذذ بالجسم كله، قتلة الرمي من أشنع ما يمكن، وأنا حضرت مرة في حياتي إقامة حد على زاني يرجم، ورجم بالحجارة حتى تغطى بالحجارة وما رأيناه، وكان كلما أتى حجر صاح، حجر يقع في رأسه وظهره حتى تغطى بالحجارة، وبعد ذلك قالوا: خلاص، أتوا بعد رمي الحجارة وكشفوا عليه وإذا به حي، قالوا: زيدوه، تصور هذه القتلة، هل تسوى هذه لذة الزنا؟
يا إخواني! أين عقول الناس، لا حول ولا قوة إلا بالله! بعضهم يقول: يمكن أعملها في الدنيا ولا يرجموني، حسناً.. وإذا ما رجمت في الدنيا فرجم الآخرة أشد. رجم الدنيا ربما يكون كفارة إذا تبت ورجمت في الدنيا فإن شاء الله أن الله عز وجل يتوب عليك كما تاب على ماعز والغامدية اللذين قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم الآن لينغمسون في أنهار الجنة مع التوبة) لكن من لم يقم عليه الحد ويزني في الدنيا لا يلزمه أن يذهب إلى الحاكم من أجل أن يجلد، لا. عليه أن يتوب، والله يتوب عليه، لكن الموت على من يأتيه وهو على الزنا، هذه المصيبة ولا حول ولا قوة إلا بالله!
كذلك السرقة جريمة تأخذ مال المعصوم لماذا؟ (إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم) لا تمد يدك ولو على مسواك، لا تمد يدك ولو على هللة، إلا مالك، أما مال الناس فلا؛ لأنك إن تأخذ شيئاً تأخذ حراماً، والحرام يوم القيامة مأخوذ منك، فأنت مجرم إذا سرقت.
إذا روجت المخدرات فأنت مجرم؛ لأن المخدرات آفة الشعوب وعلة الأمم.. جميع دول الأرض أجمعت على محاربتها لماذا؟ لأنها تعني لا إنسان، هذه معادلة دولية (مخدرات + إنسان= لا إنسان) يبيع الإنسان دينه وعرضه ووطنه وكل شيء في حياته مقابل جرعة مخدرات؛ لأنه لا يتحكم ولا يستطيع التحكم بنفسه، المخدر يتحكم في مخه ويسير في دمائه، فإذا تناوله راق وجلس، وإذا انتهى المخدر يأتيه مثل الجنون في رأسه، يتشنج ويفتح عيونه ويصيح يريد جرعة بأي وسيلة.
أتسمح بهذا وأنت تروجها وتتعاطاها وتهربها وتتستر على صاحبها؟
لو كان ولدك من صلبك بلغ عنه، يجب أن نكون عيوناً ساهرة على المخدرات، ليس فقط إدارة مكافحة المخدرات؛ إدارة مكافحة المخدرات جهة مسئولة أمام الله أن نبلغ، والذي لا يبلغ فهو متستر، وخائن لله ولرسوله ولأمانته، وسوف يبتلى هو ويمكن أن تصير البلية بعد ذلك فيهم؛ لأن الراضي الذي يرضى بهذا المنكر للناس فهو كالفاعل -والعياذ بالله- هذا مفهوم الإجرام عند الناس.
لأنه مسلم، القاتل ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ونصلي عليه ونغسله ونكفنه ونقبره مع المسلمين، ويرجى له عند الله المغفرة، لكن تارك الصلاة إذا مات مات مرتداً، لا يُآكل، ولا يشارب، ولا يجالس، ولا يسلم عليه، ولا يزار إذا مرض، ولا تتبع جنازته، ولا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مدافن المسلمين، لماذا ؟ لأنه مرتد كافر -والعياذ بالله- تارك الصلاة مجرم.
قد يقول شخص منكم: ما يدرينا أنه مجرم؟ أقول لك: مجرم بنص القرآن، ليس من رأسي، قال الله عز وجل: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] يعني: يوم القيامة، كل واحد مرتهن بكسبه، كل نفس أنا وأنت وكل من على وجه الأرض وكل من سيأتي وكل من مات إلى يوم القيامة كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [المدثر:38] أي: بما عملت رَهِينَةٌ [المدثر:38] لا تلم أحداً، لا تلم إلا نفسك، والله لا تأخذ حسنات غيرك ولا يأخذ أحد من سيئاتك شيئاً، والله إنها لك إن هي خير أو شر مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].. كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]* إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ [المدثر:39] -اللهم اجعلنا جميعاً منهم- أين هم هؤلاء؟ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ [المدثر:40].
من ضمن النعيم الذي يعطي الله لأهل الجنة أنهم وهم على الأسرة والأرائك، والنعيم، والقصور، يشرفون والأنهار تجري من تحتهم، والحور والولدان يخدمونهم وهم في نعمة يتساءلون يتحادثون، وقد ذكر الله هذا في القرآن في أكثر من مرة كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ [المدثر:38-41] وهم في النار؟ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:42] ماذا أتى بكم إلى هنا؟ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:43] نعم. يعني: الذي لا يصلي ماذا يصبح؟ مجرم. ولا يجوز له -أيها الإخوة- أن يتزوج بمسلمة؛ لأنه مرتد ومن شروط زواج المسلمة ألا تتزوج إلا مسلماً: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:114].. (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] لا تحل المسلمة للكافر بأي حالٍ من الأحوال، فلا يجوز أن تزوج شخصاً لا يصلي، وإذا تزوج وهو يصلي ثم ترك الصلاة فيما بعد، انفسخ العقد وبطل النكاح وحرمت الزوجة عليه، وحرم على وليها أن يبقيها في بيته، وحرم عليها أن تبقى ويعاشرها، وإذا جامعها فإنما يجامعها زنا، وأولادها بعد ذلك أولاد سفاح، ولا يحتاج الأمر إلى طلاق، فلا طلاق للكافر، يفسخ العقد عند القاضي فسخاً بالقوة، وهذا يقام عليه الحد، تارك الصلاة مرتد، كافر، مجرم، هل يفهم الناس هذا في هذا الزمان؟ ما أكثر المجرمين -الله المستعان- بل في بيوت بعض الناس تجده يعرف أن أولاده لا يصلون وساكت، لماذا؟ قال: الولد موظف، لا نريد نقول له: صلِّ بعد ذلك يخرج ويذهب بالراتب، ونحن نريده يصرف علينا، يصرف عليك وهو مجرم! من الذي رزقك قبل الولد؟ من الذي خلقك؟ من الذي رزقك بالولد نفسه؟ تحول اعتمادك من الله على هذا؟! لا إله إلا الله! والله يقول: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
وكلكم تعرفون حديث الذين كانوا في الغزوة وجلسوا تحت شجرة، فقال واحد منهم: [ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً -يعني: يأكلون كثير- وأجبن عند اللقاء]، وهو يعرف أنه كذاب، بل كانوا أعف الناس بطوناً وأشجع الناس، وهو يقصد بكلامه رسول الله وأصحابه، فسمعه أحد المؤمنين فقال: كذبت يا عدو الله! والله إنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فركب حصانه وجاء إلى الرسول يخبره فوجد الخبر قد سبق من السماء، أنزل الله قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، أثبت الله عز وجل كفر هذا الرجل بعد أن أثبت إيمانه، وجعل الاستهزاء بالرسول استهزاء بالله وآياته، قال عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [التوبة:65] يعني: نتكلم، نضحك، نمزح قُلْ أَبِاللَّهِ [التوبة:65] الرجل ما استهزأ بالله أو بالرسول وأصحابه لكن اعتبر هذا الاستهزاء استهزاء بالله قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] كلمة كفرته وأخرجته من الدين والإيمان، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع القرآن، وجاء يتوب، يقول راوي الحديث: [كأني به وهو متعلق بنسعة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والحجارة تركض رجليه، وهو متعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله! والله ما أعنيها، يا رسول الله! والله ما أصدق فيها، يا رسول الله! إنما كنا نتحدث حديث الركب، يا رسول الله أأدخل النار وأنت بين ظهرانينا، توبةً يا رسول الله! كلما قال كلمة قال: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]] ولذا أمسك لسانك، شُدَّ عليه لا تطلقه في أعراض المؤمنين.
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ [المطففين:29-32] سبحان الله! كيف تنعكس الفطر وتنقلب الموازين إذا رأوا الطيبين قالوا: هؤلاء ضالون، وفي بلادنا الحمد لله ليس هذا موجود والحمد لله في هذه البلاد، المؤمن مقدر وموقر ويحترم ويثق الناس فيه، لكن عند غيرنا من بلاد المسلمين إذا رأوا المسلم المتدين يقولون: انظروا المجنون، يسمونه مجنون، أو إرهابي، أو متطرف، أو إنسان في عقله شيء إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ [المطففين:32] قال الله عز وجل: وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ [المطففين:33] أي: ما لهم منهم شغلة، ما هم بحافظين عليهم فَالْيَوْمَ [المطففين:34] يوم القيامة الَّذِينَ آمَنُوا [المطففين:34] وهم في درجات الجنات مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [المطففين:34] ضحكة بضحكة لكن ليست سوء، ضحكة في الدنيا بضحكة في الجنة والنار هناك هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين:36] نعم. هل جاءهم الجزاء والثواب؟ نعم. كما ضحكوا ضُحِك عليهم، لا حول ولا قوة إلا بالله!
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً [طه:74] فصور الإجرام -أيها الإخوة- كثيرة، فلا تكن مجرماً فيما بينك وبين الله، ولا تكن مجرماً فيما بينك وبين نفسك، ولا تكن مجرماً فيما بينك وبين الناس، بل عليك أن تكون مؤمناً.
ثم جاء توضيح جهنم، ماذا فيها ؟ قال عز وجل: لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى [طه:74] كيف لا يموت ولا يحيا؟ قالوا: لا يموت فيستريح ولا يعيش حياة كريمة وإنما يحيا حياة عذاب وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ [إبراهيم:17] أكبر أمنية عند أهل النار الموت وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ [الزخرف:77] يعني يميتنا لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] فيرد عليهم مالك بعد زمن، ورد في التفسير بعد قدر عمر الدنيا، بعد إذ خلقها الله حتى يفنيها مرتين، ولا يوجد جواب، وبعد ذلك يقول لهم: قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77] يعني: مكانكم جيد، لماذا؟ قال: لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:78-80].. لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى [طه:74].
بالله يا إخوة! كيف يحيا من طعامه النار؟
أنت الآن هل تستطيع تعيش عيشة معقولة في درجات الحر الشديد وما عندك مكيف؟ لا. وما عندك مروحة؟ لا. وما عندك ماء بارد؟ لا تستطيع بل تموت، طيب كيف من فراشه نار لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41] بعد ذلك الطعام زقوم لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ [الغاشية:6] ضريع: شجر من شجر جهنم، لا ينزل إلا الزقوم ثم ينشف في الحلق ويلصق مثل الغراء، فيكاد الشخص يموت ويريد أن يموت فلا يموت، ليته يموت! فيذكر أنه كان في الدنيا يجيز الغصة هذه بالماء، فيطلب ماء ويقول: أعطوني ماء، قال الله: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً [محمد:15] الحميم: هو الذي بلغ درجة متناهية في الغليان حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن:44] يعني: حار جداً وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً [محمد:15] ماذا يفعل هذا الماء؟ لا ينزل فقط، لا. ينزل وينزل معه الأمعاء فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15].. وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] تخرج أمعاؤهم من أدبارهم، الماء الحار الذي أحرقها كواها، وبعد ذلك في شراب آخر في جهنم اسمه الغسلين، وهذا الغسلين الذي يخرج من فروج الزناة، هذا شراب أهل الخمر في الدنيا، يقول عليه الصلاة والسلام: (من شرب الخمرة في الدنيا ومات ولم يتب؛ سقاه الله من ردغة الخبال، قالوا: وما ردغة الخبال يا رسول الله؟! قال: عصارة أهل النار) العرق والدم والقيح والصديد الذي يسري من أهل النار يجمع في أواني من نار ويقدم لهم (ومن شرب الخمرة في الدنيا ومات ولم يتب؛ سقاه الله من نهر الغوطة قيل: ما نهر الغوطة يا رسول الله؟! قال: نهر يجري في جهنم من فروج المومسات) المومسات يعني: الزانيات يتحول فرجها إلى نهر يجري بالدم والقيح والصديد، ويقول عز وجل في قضية الشرب: وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ [إبراهيم:15-17] لا يستطيع أن يبلعه؟
وأنا ضربت لهذا مرة بمثال: لو جيء برجل وجيء له بكوب مملوء بالقيح والصديد وقيل له: اشرب وإلا ضربت بالسيف، طبعاً هو يريد الحياة وسيشرب، فإذا بلغ إلى هذا المكان، ثم ذاقه لا يستطيع فيرى السيف فيقول: من أجل السيف اشرب، فإذا شرب شربة واحدة ونزلها إلى بطنه ماذا يحصل له؟ تخرج أمعاؤه كلها وكبده ولهذا يقول: اضربني بالسيف؛ لأن السيف حاصل، الموت موت بالسيف ولا بخروج كبده، لا يتحمل، يقول الله يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ [إبراهيم:17] يأتيه الموت من الطعام الذي يأكله، والشراب الذي يشربه، والفراش الذي يفرش له، وكل شيء.
وبعد ذلك وفوق هذا، هناك حيّات، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن في جهنم حيات كالجمال، وعقارب كالبغال) الحية مثل الجمل والعقرب مثل البغل، تلسع تارك الصلاة على ترك الصلاة، وبعد ذلك السلاسل والأغلال والأنكال والقيود، وبعد ذلك ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:36-37].
بعد ذلك يصيحون يطلبون الله؛ لأنهم لا يرون الله، ومن الذي يرى الله؟ يرونه أهل الجنة، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.
أما هؤلاء فما يرون إلا الملائكة الغلاظ الشداد، والزبانية ينقلونهم من غرفة إلى غرفة، ومن طبقة إلى طبقة يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن:44] مرة في جهنم، ومرة في لظى، ومرة في سقر، ومرة في زمهرير، والعياذ بالله.
جهنم ولظى من بعدها حطمة ثم السعير وكل الهول في سقر |
وبعد ذاك جحيم ثم هاوية تهوي بهم أبداً في حرٍ مستعر |
جهنم سبع دركات: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر:44] كل واحد يأتي ويدخل منها، فالمتخصص في النظر الحرام يدخل على دركة الحرام؛ لأن بعض الناس شغلته منذ أن يخرج إلى أن يرجع وهو ينظر في أعراض الناس، والمتخصص في سماع الحرام أيضاً كذلك، والمتخصص في أكل الحرام كذلك، والمتخصص في الزنا كذلك: لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر:44].. فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى [طه:74] وقدم الموت؛ لأنه أمنية لأهل النار، الآن وهو في العذاب هذا يتمنى الموت، لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] لكن لا يوجد موت ولا حياة، فهو ليس بحي، كيف يحيا وهو يعيش هذه الحياة! العذاب من فوقه ومن تحته ويأتيه من كل مكان، هل يحق لك بعد هذا أن تأتي مجرماً؟! تضيّع صلاتك، وترتكب مساخط ربك، لا والله يا أخي!
قد تقول: إن الصلاة متعبة، صحيح أن الصلاة متعبة لكن الأتعب منها هذا العذاب، قد تقول: إن التوبة متعبة، صحيح متعبة لكن الأشد تعباً منها هذا العذاب، أجل. قارن بين تعب العبادات وترك المعاصي وبين عقوبات المعاصي، تجد أن لا نسبة ولا تناسب في أي حالٍ من الأحوال، يتمنى الشخص من أهل الأرض أن يرجع إلى الدنيا ليعبد الله وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27].. وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12] لكن لا توجد رجعة، لماذا لا نفعل الآن العمل الصالح؟! لماذا لا نتوب الآن قبل الغد؟ كما نستقيم على خطا الحياة ودرب الإيمان حتى نلقى الله. هذا المجيء الأول.
حقيقة في اللسان، وحقيقة في القلب، وحقيقة في الجوارح.
فالإيمان هو: قول باللسان (إعلان وإظهار)، واعتقاد بالجنان، (إقرار)، وتطبيق وعملٌ بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، هذا تعريف أهل السنة والجماعة ؛ لأن هناك تعريفات أخرى لأهل البدعة، وأهل الهوى، وهناك تعريف مشابه لهذا التعريف لطائفة من أهل الهوى والضلال -والعياذ بالله- وهم المعتزلة، حتى لا يشتبه على طلبة العلم؟
المعتزلة يقولون: الإيمان هو: قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، لكن يختلفون عن أهل السنة في أنهم يجعلون العمل شرطاً في صحة الإيمان، أما أهل السنة والجماعة فيجعلون العمل شرطاً في كماله الواجب، هذا وجه الخلاف، الأشاعرة يقولون: التصديق، وغيرهم من أصحاب النحل الضالة.
أما أهل السنة والجماعة فتعريفهم للإيمان هو التعريف الذي يتفق مع الكتاب والسنة والذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، قولٌ باللسان: لابد تظهر لا إله إلا الله؛ لأنه أول واجب. واعتقاد بالجنان: إذ قول باللسان بدون عقيدة ماذا يسمى؟ نفاق؛ لأن المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: لا إله إلا الله، قال الله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8] فكلام باللسان بدون عقيدة هذا يصير نفاقاً، وأيضاً كلام باللسان واعتقاد بالقلب دون أن يكون عملاً هذا أيضاً نفاق، ولهذا رب العالمين قيدها بما بعدها، قال: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ [طه:75] مؤمناً استقرت حقيقة الإيمان في قلبه، وهي حقيقة تبلغ في أعماق النفس البشرية، حقيقة الإيمان وتغطي ثلاثة أشياء: الإدراك، والمعارف، والوجدان. إدراك يبلغ حد القطع واليقين. معارف تبلغ درجة اليقين. وجدان حي على الإيمان، يتوقد قلبه إيماناً، هذا هو الإيمان الصحيح، قول باللسان، اعتقاد بالجنان عمل وتطبيق بالجوارح والأركان.
إذا دعيت إلى معصية وتركتها فأنت عملت الصالحات بترك المعصية، إذا مررت على مؤشر الراديو وأنت في الليل تسمع أخباراً ومرت يدك على أغنية وتركتها هذا الترك للأغنية يسمى عملاً صالحاً، لكن إذا استقرت يدك على الأغنية وقعدت تسمعها وصرفتها من القرآن، هذا عمل سيئ فاسد منكر، وأنت ينبغي لك أن تعمل الصالحات؛ لأنك إذا عملت السيئات فالسيئات على نفسك: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].
فحتى نعطي العمل الصالح الشمول الكامل؛ لابد أن نفهم أن العمل الصالح يقتضي ثلاثة أمور:
فعل أوامر الله من الاعتقاد الجازم، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم الخالصة، والصلاة الخاشعة، والزكاة الكاملة، والصيام الزكي، والحج المبرور، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، وقراءة القرآن، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحب في الله، والبغض في الله، وتعليم الناس الخير... هذه كلها أعمال صالحة، وغيرها كثير كما جاء في الصحيحين : (الإيمان بضع وسبعون شعبة) وفي رواية: (الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) إذا جئت زوجتك، أو أبعدت الأذى عن الطريق عمل صالح، أو لقيت أخاك المسلم بابتسامة وتسلم عليه وتبتسم في وجهه، وأعنت ملهوفاً، أو أعطيت مسكيناً... عمل صالح، المهم الأعمال الصالحة هي كل ما أمر الله به، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: أن تترك كل ما نهى الله عنه، من أجل أن يصبح عملك صالحاً، فتحفظ سبع جوارح، تحفظ العين فلا تنظر بها إلى ما حرم الله، وتحفظ الأذن فلا تسمع بها ما حرم الله، وتحفظ اللسان فلا تنطق به أو تتكلم فيما حرم الله، وتحفظ اليد فلا تمدها أو تبطش بها فيما حرم الله، وتحفظ القدم فلا تخطو بها خطوة لا ترضي الله، وتحفظ البطن فلا تأكل به شيئاً مما حرمه الله، وتحفظ الفرج فلا تطأ به شيئاً حرمه الله، هذه سبعة أبواب اسمها أبواب المعاصي، لا يعصى الله إلا بواحدة منها، إذا أغلقت عينك وسمعك عن الحرام، وكففت لسانك ويدك ورجلك عن الحرام وحفظت فرجك وبطنك من الحرام، فمن أين تعصي الله؟ فليس معك شيء، غلقت الأبواب كلها، ما معك إلا الطاعات.
فهذه الجوارح تجرح في الدين أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ [الجاثية:21] سمى الله السيئات جرحاً؛ لأن الدين ستر والمعاصي عورة وكشف لهذا الستر، وجرح لهذا اللباس الذي ألبسك الله، يقول: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26] يأتي الشيطان يريد يعريك، ويكشف عورتك، ويجرح دينك، بعينك أو بأذنك أو بلسانك أو بأي جارحة من جوارحك، فإذا حفظت هذه الجوارح فأنت تعمل الصالحات.
الأمر الثالث من العمل الصالح: تصديق الأخبار، ما أخبر الله به في كتابه أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته فإننا نصدق به تصديقاً يبلغ حد الجزم واليقين والاعتقاد الذي لا يساوره أدنى شك؛ لأنه لا أحد أصدق من الله وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [النساء:12].. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء:87] وليس أحد في البشر أصدق من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دام المخبر هو الله والناقل الخبر رسول الله، سلسلة ذهبية من الصدق، من ستصدق إذا لم تصدق ربك ورسولك صلى الله عليه وسلم، فيجب أن تصدق الأخبار التي جاءت من الله عز وجل ومن رسوله صلى الله عليه وسلم.
ورد في الحديث عند قوله: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ [الزخرف:71] قال صلى الله عليه وسلم: (في الجنة يقف على رأس كل واحد عشرة آلاف خادم مع كل خادم صحفتان، صحفة من ذهب وصحفة من فضة، في كل صحفة لون من الطعام ليس في الأخرى مثله -يعني: عشرون ألف لون من الطعام في الليلة الواحدة- يأكل من أول صحفة ويأكل من آخر صحفة ويجد في آخر لقمة لذة كما في أول لقمة) أنت الآن لما تأخذ في الدنيا أول لقمة لذيذة؛ لأنك جائع وآخر لقمة ليس لها طعم، إذا غصبوك تقول: والله لا أستطيع، وما أذوقها، لا تريدها، لكن لماذا في الجنة؟ لأن الجنة دار نعيم، نعيم في نعيم.
أسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أهلها وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا المسلمين، وأن يوفقنا للإيمان والعمل الصالح الذي يؤهلنا لها.
فالله يعطيك عيوناً -يا أخي- من أجل أن تقرأ بها كتابه، وتنظر بها مصالحك، فتخصصها للشر!! هذه نعمة -يا أخي- نعمة البصر لو سلبها الله عز وجل كيف تعيش؟ ولهذا يقول الله: وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ [يس:66] من يعرف الطريق الآن لو طمست أبصارنا الآن، عافانا الله جميعاً؟!
نعمة السمع -يا أخي- هذه، وتصور أن ليس عندك أذن الآن، ما تسمع وتذهب البيت، كيف تعيش مع الناس؟! تقول لك امرأتك: أريد أشياء، فلا تسمع كلامها، السمع هذا نعمة من نعم الله، ولهذا الله قدمه، وهو وسيلة التعليم الأولى، وإذا لم يكن موجوداً فلن تعرف شيئاً: وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً [الأحقاف:26] يمكن للإنسان الأعمى أن يتعلم؛ لأنه يسمع، لكن واحد ليس عنده سمع ما يتعلم، وإذا تعلم معلومات بسيطة تكون عن طريق الإشارة.
من أعطاك اللسان؟ لا إله إلا الله تتكلم باللسان ترجمان عما في قلبك، لو ما عندك لسان تصبح مثل الكرتون جالس في البيت لا تتكلم ولا بكلمة واحدة، لكن تحدث الناس وتتكلم معهم، تعبر عما في قلبك بلسانك أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ [البلد:8-9] هاتان الشفتان من أعظم نعم الله على الإنسان، لو قطعت لما عرفت أن تتكلم كلمة واحدة، ولأصبح شكلك مفجعاً، لا إله إلا الله!!
اليد.. الرجل.. الجوارح كلها هذه، فلو حاسبك ربي على أعمالك من يوم خلقت إلى الآن ووزنها مع نعمة البصر، تضيع صلاتك كلها، ويضيع صيامك، وجهادك ما قد غلقنا حتى البصر لماذا؟ لأنك عبدت الله ببصر من الله، وبجسد من الله، وبأرجل من الله، كل شيء من ربي ماذا عندك أنت؟ أصلاً ما عندك شيء، أجل: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يتغمدنا جميعاً برحمته، وأن يجعلنا من أهل جنته، وأن يعيذنا جميعاً من ناره.
هذه هيئة وقد قلت لكم: إني سأحدثكم عن هيئات للناس وهم يمشون إلى الله وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95].
الهيئة الأولى: يأتون فرادى.
الهيئة الثانية: يأتون مؤمنين أو مجرمين.
سليم من الشبهات المتعلقة بالعقائد: لا يكون عندك شكوك.
سليم من الشهوات المحرمة: شهوة الجنس بالزنا، والسرقة في المال وأي شهوة محرمة.
سليم من الغفلة التي تصدك عن ذكر الله.
يقول ابن القيم رحمه الله: سليم من شبهة تورد شكاً في دين الله، أو شهوةٍ تورد تقديم الهوى على أمر الله، أو غفلة توجب نسيان العبد لأمر الله.
كثير من الناس الآن غافل عن الله، كل شيء له في برنامجه مسافة ومساحة وموعد إلا الله، تجده يحدد للدوام وقتاً، وللغداء وقتاً، وللتمشية بعد العصر وقتاً، وللتسوق بعد المغرب وقتاً، وللسهرة بعد العشاء وقتاً، وللنوم وقتاً، وفي الصباح فطور يعني: هذا برنامج أكثر الناس، لكن لا يحدد وقتاً للعلم، ولجلسة الأسرة، أو لمحاسبة النفس، أو للذهاب إلى الفقراء وتفقد المساكين والمحتاجين، أو للإنفاق، للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الدعوة إلى الله، مشغول. أشغل نفسه بما لم يشغله الله به، بل بعضهم صلته بالحمام أكثر من صلته ببيت الله، يدخل الحمام في اليوم والليلة أربع خمس مرات، وإذا جاء يستأجر شقة أول ما يشير على الحمام لا يسأل عن المسجد، كم في الشقة حمامات؟ فإذا قالوا له: واحد، قال: لا يكفي، نريد ثلاثة أو أربعة، يريد حماماً له، وواحد للمرأة، وواحد للضيف، وواحد للأسرة، ما هذا؟! أعوذ بالله من هذه الحياة، وإذا تورط وسكن في شقة بجانب مسجد انزعج قال: لا. دوروا لنا عن مكان بعيد لا نسمع به إزعاجاً، يزعجه الله أكبر، يريد أن تستحوذ عليه الشياطين، فتنسيه ذكر الله، كما قال الله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19].
فيا أخي في الله! لا يكن قلبك سليماً إلا بهذه الثلاثة الأمور، أن يكون سليماً من شبهة وشهوة وغفلة.
فما علامة سلامة قلبك؟ قال العلماء: ثلاثة علامات:
العلامة الأولى: الإقبال على الطاعة: مثل إقبال الإنسان المتعافي على الطعام.
العلامة الثانية: النفرة من المعاصي: صاحب القلب السليم لا يحدث معاصي.
العلامة الثالثة: حب مجالس الخير، وكراهية مجالس الشر.
هذا الذي قلبه سليم مائة في المائة، إذا وجدت في نفسك حباً للمعاصي وكراهية للطاعات ففي قلبك مرض، عالجه قبل أن يكون العلاج في النار؛ لأنه في الآخرة لمن يأتي وقلبه ميت أو مريض لا مستشفى إلا النار، يخلطون في جهنم من أجل أن يعالجوا، فالذي مرضه مستعصي مشرك بالله يخلد في النار ليس له خروج، والذي مرضه معاصي تحت مشيئة الله، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، هذه الهيئة الثالثة أن يأتي سليم القلب.
الغلول هو: أن تأخذ شيئاً من الحق العام، حق المسلمين كاملاً، وهو المعبر عنه في كتب الفقه ببيت مال المسلمين، يعني: أنت موظف ومعتمد على عمل، ووظيفتك مأمور مستودع، أو مأمور إعاشة، أو كاتب، ويصرف لك أدوات مكتبية أو أدوات منزلية أو رياضية، أو أي شيء، فإنه يحرم عليك شرعاً أن تأخذ شيئاً من هذا، لا تأخذ قلماً ولا ورقة ولا ظرفاً ولا دبوساً ولا شيئاً، لماذا؟ لأنه غلول، قد تقول: هذا شيء بسيط، طيب شيء بسيط لكن الله يحاسب عليه.
في إحدى الغزوات غلام من الأنصار صغير جاءه سهمٌ لا يعرف من أرسله، فوقع في صدره فمات، فقال واحد من الصحابة: هنيئاً له الجنة؛ لأنهم في المعركة، فقال عليه الصلاة والسلام: (كلا والذي نفسي بيده! إن الشملة التي غلها لتشتعل على ظهره في النار) قال أهل العلم: كان ثمن الشملة هذه درهمين، وجاء رجل في المعركة فقال: يا رسول الله أخذت شراكين قال: (شراكين من نار) انتبه لا تأخذ شيئاً من بيت مال المسلمين، ومن يستغن يغنه الله.
وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة وعلى رقبته بعيرٌ له رغاء) لماذا بعير؟ لأنه أخذه من بيت مال المسلمين، فيأتي به يوم القيامة؛ لأن الله يقول: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ [الأنعام:31] ما تأخذ من هنا إلا تأتي به يوم القيامة، كيف تأتي به؟ من أين لك وليس معك شيء إلا في النار؟ تنزل تأتي به من النار وتسقط في النار، فأنت إن لم تخلص من الآن فإنك ستموت وتتركها كلها (فيقول: أغثني يا رسول الله! فأقول: لا أملك من الله شيئاً قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يوم القيامة وعلى رقبته بقرة لها خوار، فيقول: أغثني يا رسول الله! فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يوم القيامة وعلى رقبته شاة تجعر، فيقول: أغثني يا رسول الله! فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يوم القيامة وعلى رقبته رقاع تخفق) هذه تشمل كل ما يؤخذ من بيت مال المسلمين من الملبوسات والمفروشات والخيام والحنابل والشراشف والفنايل والبدلات والكبابيس والبريهات.. كل شيء مخصص لبيت مال المسلمين وأنت تأخذه تأتي به يوم القيامة.
آخر الحديث: (ولا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة وعلى رقبته صامت) صامت: يدخل فيها كل شيء من الدبوس إلى السيارة، فهذا الغلول، يقول الله عز وجل: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161].
هذه -أيها الإخوة- بعض المشاهد والصور التي يأتي بها الإنسان إلى الله يوم القيامة، بقي أشياء لكن ضاق الوقت عنها، وأسأل الله عز وجل أن يمد في العمر والأجل حتى نكملها في فرصة أخرى، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل التفرق من بعده تفرقاً معصوماً، وأن لا يبقى فينا ولا معنا ولا منا ولا إلينا شقياً ولا محروماً. اللهم احفظ لنا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، اللهم من أرادنا في هذه الديار أو غيرها من ديار المسلمين بسوء أو شرٍ أو كيد أو مكرٍ فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم وفق ولاة أمورنا وعلمائنا ودعاتنا ومشايخنا إلى خدمة هذا الدين، وانصرهم برحمتك يا أرحم الراحمين، ووفقنا لما تحبه وترضاه إنك ولي ذلك والقادر عليه.
.
الجواب: لا. إذا لم يتب صاحب الكبيرة فمذهب أهل السنة والجماعة أنه تحت مشيئة الله في الدار الآخرة، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له؛ لأن الله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] خلافاً لمذهب المعتزلة والخوارج ، فـالخوارج يقولون: إن صاحب الكبيرة كافر في الدنيا ومخلد في النار يوم القيامة، والمعتزلة يقولون: إن صاحب الكبيرة في النار في الآخرة لكنه في الدنيا ليس بكافر ولا مسلم وإنما في منزلة بين المنزلتين يعني: لا هو كافر ولا هو مسلم، وهذا ضلال وباطل. والحق ما عليه أهل السنة والجماعة ؛ لأن صاحب الكبيرة مسلم بإيمانه، فاسق بمعصيته، تحت مشيئة الله في الدار الآخرة إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، إذا لم يتب، أما إذا تاب فمن تاب تاب الله عليه. صاحب الذنب لو كان مثل الجبل وتاب يبدل الله له السيئات حسنات فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70].
الجواب: لا يا أخي الكريم! كرر النصح عليهم، وأيضاً هناك وسيلة مفيدة أن تربط معهم علاقة إذا أمكنك علاقة طيبة، بالزيارة أو بالعزيمة وإهداء الشريط والكتيب الإسلامي، إذا قبلوه الحمد لله وانتظر وادع الله لهم، إذا حددوا موقفاً وقالوا: لا. لا تدخل علينا ولا نريد شريطك ولا نريد كتابك، ولا نصلي، هناك لا تبرأ ذمتك إلا بإبلاغ الهيئة بأن ترفع خبرهم إلى المسئولين وتبرأ ذمتك، والهيئة تتصرف معهم.
الجواب: أولاً جزاك الله خيراً بدعوتك لي في أن أعيد الكرة بعد الكرة، وإن شاء الله كلما أجد فرصة فسآتي بإذن الله.
وكونك شاب تحب الخير والمحاضرات هذا طيب، وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنك ويثبتنا وإياك على الإيمان.
أما حبك للمعاصي وعدم تركك لها فهذه صفة نقص فيك فعليك أن تجاهد نفسك؛ لأن من الشباب من يريد أن يترك المعاصي دون أن يبذل جهداً، لا يمكن، فالمعاصي محببة إلى النفس، وما لم يكن لديك رصيد قوي من الإيمان والجهاد وإلا لا تنفع، والله يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] تحتاج إلى إيمان قوي؛ لأن الشهوة غالبة، والنزوة مسيطرة، والنفوس ضعيفة، والشيطان والهوى غلاب، فإذا ما عندك إيمان قوي ينزعك بقوة وإلا سوف تهلك يا أخي! فما ينفعك حبك للمحاضرات وحبك للخير وأنت لا تعمل الصالحات؟ هذا حب صوري، الحب الحقيقي هو الذي ينتج منه التوبة من الذنوب والمعاصي، ولهذا جاء في الحديث: (اتق المحارم تكن أعبد الناس) ليس العابد الذي يصلي، الأعبد منه هو الذي يتقي المحارم، أما الاستمرار على المعاصي، وكلما رأيت معصية وقعت فيها، ولا يعني هذا أنك سوف تكون معصوماً، لا. المعصية تقع والعبد خطاء، لكن المعصية في حياة المؤمن عارضة، وفي حياة العاصي والمنافق والفاسق لازمة، فإذا مرت عليك معصية عارضة تب إلى الله طيب، أما كل يوم وعلى رأسك المعاصي وتقول: أحب المحاضرات، ما الفائدة من حب المحاضرات ما دمت لا تعمل الصالحات؟ فاتق الله يا أخي! وجاهد نفسك، وأسأل الله أن يعينك وأن يتوب علي وعليك وعلى جميع المسلمين.
الجواب: نعم. هذا معتقد أهل السنة والجماعة : أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، أنت لما دخلت المسجد وجلست هذه الساعة هل إيمانك الآن مثل إيمانك يوم دخلت في المغرب؟ لا. زاد إيمانك لماذا؟ لأنه تليت عليك آيات الله وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً [الأنفال:2] لكن تذهب في مجلس آخر ويكون فيه غناء وطرب وأغاني وألحان وصور ومشاهد خبيثة وعري، كيف يكون إيمانك إذا خرجت؟ يذوب إيمانك ويضعف، أجل. أنت معني بأن يزيد إيمانك دائماً ولا ينقص، يعني: زود الطاعات ولا تعمل المعاصي حتى لا ينقص إيمانك.
الجواب: يا مطوع! هل هذا سبة؟ الحمد لله أنك مطوع، ما قالوا: يا عاصي؛ لأنه لا يوجد إلا مطوع أو عاصي، الحمد لله أنت مطوع إذا قالوا: يا مطوع، قل: نعم. حاضر، وبعض الإخوة يقول: كل الناس مطاوعة لكن هناك مطاوعة لله وهناك مطاوعة للشيطان، فإذا قال لك: يا مطوع! قل: وأنت يا مطوع! إذا قال: ما أنا مطوع قل: لا. أنت مطوع لإبليس، أي نعم؛ لأن الله أمرني فأطعته، والشيطان أمرك فأطعته، فأنت مطوع وأنا مطوع، أنا مطوع لله وأنت مطوع للشيطان، أو الناس كلهم مطاوعة، أي نعم. ولهذا يقول الله في القرآن الكريم: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ [يس:60-62].
الجواب: السحر كفر وليس بسهل، أنا أسمع أنه ينتشر عند كثيرٍ من الناس، السحر كفر.. تعاطيه أو تعلمه أو الإتيان إلى أصحابه، والله يقول في القرآن الكريم: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102] انتبه! لا تعمله ولا تذهب إلى صاحبه، بل لو وقع لك سحر فإن حل السحر بالسحر كفر في أرجح أقوال العلماء ولا يجوز، وكيف تحله؟
تحله بالرقية الشرعية من كتاب الله، وقد تقول: كيف الرقية؟ الرقية تقرأ القرآن، وقد يقول شخص: قرأت ولم يذهب، أجل عجيب! إما أن تقرأ ويذهب السحر أو تذهب تشرك، فتجعل ربي مجال اختبار لك، لا. الله قادر أن يحل سحرك، الله يقول: مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81] ولكن يبتليك الله ويختبرك هل أنت مؤمن؟ وقد يستمر معك أسبوعاً أو أسبوعين أو شهراً أو شهرين، وبعضهم سنين، ولكن اصبر على الرقية الشرعية.
أما كيف يفرق بين الساحر والراقي؛ فالراقي أولاً رجل معروف بسلامة المعتقد، يقرأ القرآن أمامك، ليس عنده طلاسم ولا همهمات ولا تعويذات ولا شيء، ولا يأخذ على عمله أجراً إلا من الله عز وجل، وإن أخذ شيئاً من غير سبب أو من غير طلب منك فلا بأس؛ لأنه يجوز، أما الساحر فمعروف بفسقه وبالطلاسم التي يكتبها والتعاويذ والشعوذات، ومعروف بالهمهمة، وبعد ذلك يتكلم بكلام لا تسمعه، ويكتب لك كتاباً يقول: لا تقرؤه، ولا تفتحه يقول: كيف؟ يقول: يبطل مفعوله؛ لأنك إذا قرأته لا ترى شيئاً، أنا فتحت كتاباً لواحد والله ما فيه حرف -يا إخواني- إلا شخاميط قلم من أوله إلى آخره، وقال: خذه وعلقه، يقول للناس: لا تفتحوه؛ لأنهم يعلمون أنك إذا فتحته لا تجد شيئاً، لا تلقى إلا كلاماً فارغاً، هذه كلها من السحر فلا يجوز، ولا يجوز للمرأة كذلك؛ لأننا نسمع أن بعض النساء تذهب إلى بعض الساحرات أو السحرة لتصرف قلب زوجها؛ خاصة إذا كان زوجها متزوج بأخرى، فتقول: والله أجعله لا يطالع فيها ولا يراها، فتذهب عند الساحر تعطيه مائة أو ألفاً تقول: أريده، فماذا يحصل لها؟ يعاقبها الله بنقيض قصدها فيكرهها ويحب الأخرى؛ لأن الله يقول: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر:43].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [يونس:23] فلما بغت على المؤمنة بالله عز وجل صرف قلبه عنها؛ لأن قلوب العباد بيد من؟ بيد الساحر أم بيد الله؟ بيد الله، أي نعم. فلما أرادت أن تسحر وتصرف قلبه عن زوجته الحلال؛ الله عز وجل عاقبها بنقيض قصدها فجعلها مكروهة عنده، وجعل زوجها يحبها مائة في المائة، وهي ما عاد يريدها، فالسحر باطل ولا يجوز فعله.
وإذا أردت أن يحفظك الله من السحر فعليك بالاستعاذة والتحصن بأذكار الصباح والمساء، إذا أصبحت في الصباح تقرأ آية الكرسي وأذكار الصباح، وإذا أمسيت تقرأ آية الكرسي وأذكار المساء، هذه لا يستطيع أي شيطان ولا أي ساحر في الدنيا أن يضرك بأي شيء بإذن الله.
ونكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر