وبعد:
أيها الأحبة في الله: موضوع المحاضرة موضوع هام وذلك لأمرين:
أولاً: لعلاقته بكل أسرة وبكل فرد وبكل ذكر وأنثى.
ثانياً: للآثار المترتبة على حدوث المشاكل الزوجية، من تشتت الأسر، وتهدم كيانها، وضياع أفرادها، وما لذلك من انعكاسات خطيرة على أخلاقهم، وعلى تصوراتهم وأفكارهم، وبالتالي من أضرارٍ خطيرة على مجتمعهم وأمتهم.
وبعض الناس لا يقيم لهذه المسألة وزناً، ويعتبر هذه القضية من القضايا الهامشية، وما علم الاهتمام الشديد والتركيز الأكيد الذي حظيت به قضية الأسرة من قبل الدين والتشريع الإسلامي العظيم.
فبالنسبة للرجل: يضع الرسول صلى الله عليه وسلم مبادئ ومنهجاً في اختيار الزوجة؛ إذ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي في صحيح البخاري: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها)، هذه اهتمامات الناس، حينما يريدون الزواج من أي امرأة لا يسأل أحدهم إلا عن هذه الأربع، ويغلب بعضهم جانباً على جانب آخر، وبعضهم يهمل جانباً ويهتم بآخر، أما المؤمن والرجل الرباني الذي يريد أن يقيم الأسرة على أساس سليم فيبحث عن الأربع كاملة، ثم يركز على الأخيرة؛ لأنها الجوهر، ولا مانع من الاهتمام بأن تكون المرأة جميلة، وأن تكون ذات مال، وأن تكون ذات حسب، لكن إذا لم تجد الجمال، ولم تجد المال، ولم تجد الحسب، ووجدت الدين فاظفر بذات الدين، قال عليه الصلاة والسلام: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم على من لم يجعل في تقديره واهتمامه الرغبة في المرأة المتدينة، دعا عليه بأن تمتلئ يداه بالتراب، (تربت يداه) أي: ما معه إلا تراب من زوجته؛ لأنه خسر ذات الدين.
وبالنسبة للمرأة أيضاً: يقول النبي صلى الله عليه وسلم للأولياء، وهم الذين لديهم الصلاحيات في قبول الزوج، وفي عرضه على المرأة، وفي إبرام العقد، إذ لا نكاح إلا بولي، وليس من فرقٍ بين الزواج والزنا إلا الولي، إذ أن الحرة لا تزوج نفسها، ولا يزوجها إلا وليها، ولكن التي تزوج نفسها هي الزانية، تبيح نفسها لغيرها، فلا نكاح إلا بولي، وإذا عدم الولي فينتقل إلى الذي بعده في الولاية.
والولي بالنسبة للمرأة: الأب، فإن عدم فالابن، فإن عدم فالأخ الشقيق، فإن عدم فالأخ لأب.. وهكذا، كالولاية وكالقربى في الوراثة، وإذا لم يوجد ولي للمرأة وكانت مقطوعة لا ولد ولا والد ولا أخ ولا عصبة ولا لها أي قريب، انتقلت الولاية للحاكم الشرعي، فإن الشرع والقاضي ولي من لا ولي له، تذهب إلى القاضي فتقول: أنا امرأة لا ولي لي فزوجني. فيزوجها بمن يرضى لها دينه وأمانته.. يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، انظروا المعيار الدقيق، من ترضون أمرين: الدين والخلق، ثم قال: (إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
فإذا قامت الأسرة على هذا الأساس.. امرأة متدينة ورجل متدين، والتقوا على كتاب الله، وحصل بينهم التفاهم من أول ليلة على أن المنهج الذين يسيرون عليه والذي يحكم حياتهم الزوجية هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن المشاكل ستكون قليلة، إذ لا يمكن أصلاً أن تنعدم المشاكل، بعض الناس يتصور أنه يمكن أن تكون هناك حياة زوجية من غير مشاكل، وهذا مستحيل! حتى في أكرم البيوت وأعظمها على الإطلاق، بيت النبوة بيت محمد بن عبد الله خير البشر وسيد ولد آدم، كان يحصل بعض المشاكل من قبل الزوجات مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كان يعالجها بالأسلوب الشرعي المثالي في أعلى درجات الكمال صلوات ربي وسلامه عليه، لكن المشاكل في البيت المؤمن الذي أقيمت دعائمه وأسست أركانه على تقوى من الله وبرهان، وعلى قناعة ورضا وحسن اختيار من قبل الزوج ومن قبل الزوجة؛ تكون المشاكل قليلة، وأيضاً نسبتها محدودة، ونوعيتها طفيفة.
يقول أحد السلف: إني لأعصي الله فأرى أثر ذلك في سلوك زوجتي ودابتي. يقول: أقع في معصية فأجد العقوبة ظاهرة في سلوك الزوجة وسلوك الدابة، عقوبة عاجلة، لكن يوم يكون الزوج طائعاً لله، واقفاً عند حدود الله، قائماً بفرائض الله، متمسكاً بعروة الله، وتكون الزوجة كذلك، فمن أين للمشاكل أن تأتي في هذا الجو الإيماني؟ وإذا جاءت فيقضى عليها في مهدها؛ نظراً لأن النور موجود، نور الإيمان يعمر القلوب يعمر قلب المرأة وقلب الرجل، وأيضاً التأدب بآداب الشرع موجود، الرجوع والتحاكم إلى الكتاب والسنة موجود، فإذا حصل أي ضعف أو أي نقص من الزوج أو من الزوجة بسبب بشرية الزوج والزوجة وضعفهما فإن هذا الضعف سرعان ما يتلافى، وسرعان ما يُقضى عليه عن طريق الرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن المعاصي التي تلاحظ في كثير من البيوت:
أولاً: التهاون بأمر الصلاة، سواءً من قبل الزوج أو من قبل الزوجة.
بعض الزوجات صالحات وتجد مشقة عظيمة وهي تعاني من كسل زوجها، وعدم رغبته في القيام بفرائض الله، ولا يقوم إلى الصلاة إلا بتعب، وإذا قام صلى في البيت، ولم يصلِ في المسجد، فيتحرق قلب الزوجة المسكينة الدينة الطيبة، تسمع الأذان، وتسمع الناس وهم يقولون: آمين. ملء المسجد، ثم تنظر إلى هذا المنكب على وجهه، فتقول: الناس كلهم يصلون، وهذا لماذا لا يصلي؟ فيتولد في قلبها بغض له وكراهية، فإذا أراد أن تقوم بحقوقه، وأن تستجيب لطلباته، فإنها لا تجد في نفسها رغبة في الانصياع لأوامره، ولا الانقياد لطاعته وهو عاصٍ لله، وهو متمرد على الله، فترفضه ولا تطيعه، وتتولد من ذلك المشاكل.. ما السبب؟ إنها المعصية، ترك الصلاة أو التهاون به.
وقد يكون الرجل متديناً، وفيه خير وصلاح، لكن زوجته متساهلة في الصلاة، يصلي المغرب ويدخل البيت ويجدها جالسة، فيقول لها: هل صليتِ؟ قالت: لا. لماذا؟ قالت: حتى يؤذن العشاء، أو تنام إلى الساعة الثانية عشرة أو الواحدة بعد نصف الليل ولم تصل العشاء، والفجر ما تصليه إلا الساعة العاشرة أو الحادية عشرة ظهراً، والظهر تجعله مع العصر، وهكذا تلعب بالصلاة، وينصحها كلما دخل: صلي (يا بنت الحلال)، اتقي الله، قالت: حسناً، وبعضهن تقول: الصلاة لي أم لك؟! الصلاة لكِ، أنا ما أقول: صلي من أجلي، صلي من أجلكِ أنتِ، لكن مسئوليتي كزوج تفرض عليَّ أن أتابعك في الصلاة؛ لأن الله يقول: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
فالصلاة مهمة؛ ولا بد أن يقوم كل من الزوج والزوجة بالمحافظة عليها، وأدائها في أول الوقت بالنسبة للمرأة، وفي جماعة المسلمين في المسجد بالنسبة للرجل.
ومن المعاصي المنتشرة: انشغال الزوج أو الزوجة بآلات اللهو، والانهماك في سماع الغناء، ومتابعة الأفلام والمسلسلات، والأمور الشريرة في هذه الوسائل من قبل الزوج أو من قبل الزوجة، ويترتب على هذا مشكلة سوء العشرة؛ فالرجل يريد زوجته وهي قاعدة على الفيلم تتابع المسلسل، أو هي تريد أن يسمر معها وهو جالس يتابع فيلماً أو مسلسلاً أو مباراة، فتشعر بنوع من العزلة والانفراد، وتقول: أنا أتيت إلى هذه الغرفة لكي يحبسني في البيت وفي الغرفة وهو جالس على الأفلام؟! بعضهم من المغرب إلى الفجر وهو مع الأفلام، وبعض النساء كذلك، فيترتب على هذا مشاكل من سوء العشرة؛ نظراً للمعصية التي وقع فيها الزوج أو وقعت فيها الزوجة بالانشغال بهذه المنكرات وهذه المعاصي الخطيرة، التي تدمر الأسر وتقضي على أساسها والعياذ بالله.. هذا أول سبب من أسباب المشاكل الزوجية.
والعلاج: التوبة إلى الله، أن تتوب أيها الرجل من الذنوب صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، وأن تتوبي أيتها المرأة إلى الله عز وجل من الذنوب، وأن تعلما أن الله خلقكما للطاعة والعبادة، وأن المعصية شذوذ، وأن المعصية انحراف، وأن المعصية عقوبة، وأن العقوبة على المعصية عاجلة بتدميركم في الدنيا وفي الآخرة، وأن الطاعة -أيها الإخوة وأيتها الأخوات- سعادة وعزة ورفعة في الدنيا والآخرة.
ومن أعظم فوائد الطاعة: أن يدوم الوئام، وأن يحصل الوفاق بين الرجل وبين المرأة، وأن تقل المشاكل بل تنعدم في البيت الطائع الذي لا تظهر فيه معصية لله سبحانه وتعالى.
والتعليم يقضي على كثير من المشاكل، وكم من معضلة وقعت في الأسر بسبب جهل المرأة بهذه المسألة، ولو كانت تدري ما وقعت، ولو كانت على علم بأمر الله فيها ما أوقعت نفسها ولا زوجها في هذه المشكلة، فمن حقها عليك أن تعلمها أمر دينها، وأن تعلمها ما يصلح حالها في الدنيا والآخرة.
والنفقة على المرأة أمرٌ نسبي يخضع لظروف معيشة المجتمع، ولظروف دخل الرجل، فكلما كان في دخلك زيادة فيجب أن توسع على أهلك.. لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق:7] أي: من ضيق عليه، فيمد نفقته على قدر دخله وعلى قدر موارده، وعلى المرأة ألا تحمله ما لا يطيق، وألا تقيس به الآخرين، وتقول: لست مثل فلان ولا علان، وبيت آل فلان كذا وسيارة آل فلان كذا.. حسناً، آل فلان غيري، آل فلان يمكن أن دخلهم يصل إلى ثلاثين أو أربعين ألفاً وأنا دخلي ثلاثة آلاف ريال، أذهب وأسرق لكي أصبح مثل آل فلان؟ هذا لا يجوز في شريعة الله عز وجل، وإنما ينفق الرجل مما أتاه الله عز وجل.
ما رأيكم؟! لو أن هذا حدث مع واحد منا، ماذا سيحصل؟ سيقوم ويضربها حتى يكسر ظهرها، ثم يطلقها، ويطردها، ويقول: تعملين هكذا؟ وما دخلك؟ هذا بيتي وهذه امرأتي آكل ذلك ولا آكل طعامك! لكن الرسول صلى الله عليه وسلم سكت، ثم اعتذر لها -وهي عائشة رضي الله عنها- وقال: (غارت أمكم، غارت أمكم، غارت أمكم) ثم قام صلى الله عليه وسلم وأخذ قدحاً لها في بيتها، وجمع الطعام، وأخذ الطعام ورد القدح، وقال: (طعام بطعام وقدح بقدح) مثلما كسرتيه تحمليه والطعام نأكله.
هكذا لم يجرح الرسول مشاعرها، وما هو شعور عائشة ؟ لقد غارت، والغيرة أمر طبيعي في المرأة، ولا تتولد الغيرة إلا من الحب، والمرأة التي لا تغار على زوجها يعني أنها لا تريده، وتقول: الله لا يرده، لكن تلك التي تغار دليل على الحب والوفاء والإخلاص، فقدر لها هذا الأمر، وإذا كانت الغيرة قد جاوزت الحدود فإنها تكون مذمومة، وسوف نخصها في عنصر خاص من أسباب الخلافات الزوجية، فوجودها ظاهرة صحية، لكن إذا تجاوز بها الحدود تنقلب إلى ضدها، فيجب على الزوج مراعاة شعور امرأته في كل الأحوال، إذا دخل عليها وهي غضبانة فلا يضحك ويفرح، وإذا وجدها مريضة فلا يذهب في رحلة، وإذا رآها في حالة نفسية فلا يذهب ليتمشى ويسهر إلى آخر الليل، بل يجب أن تعايشها وأن تعيش معها في ظروفها، وفي ملابساتها، وفي ما يهمها ويراعي مشاعرها.
فلا يجوز للزوج أن يطمع في مال زوجته وراتبها ويأخذه قسراً عنها ولا ينبغي لها أن تكون أنانية إلى الدرجة التي لا تساهم في تكاليف الحياة مع زوجها، وهي تراه يتعب ويكد ويساهم، ويصرف كل دخله على الأسرة وهي جالسة، هي غير مكلفة شرعاً، لكن من الناحية الأدبية ينبغي أن يكون لها مشاركة حتى تدوم الحياة والألفة والسعادة على الأسرة عندما يكون هناك نوع من التضامن، والتعاون، والتكاتف على القيام بشئون الأسرة وإسعادها.
إن على المرأة إذا أرادت من زوجها وهي مؤدبة ولبيبة وذكية فلا تطلب منه وإنما عن طريق العرض.. ما رأيك يا أبا فلان أن نذهب نتمشى اليوم، أم أنت متعب؟ حتى لو كان متعباً فإنه سيقول: نتمشي اليوم، لماذا؟ لأن المسألة أتت بعرض وبأدب، لكن إذا قالت: امش بنا للنزهة، ولو كان نشيطاً لقال: لا. والله ما أخرجك، اقعدي الله لا يردك، أنت سيئة خلق تريديني أن أخرج بك للنزهة، ويذهب هو للنزهة ويتركها.. فلا بد من الطاعة، المرأة يجب أن تطيع، وقد تقول بعض النساء: لماذا أطيع؟ لأن الله أمركِ بهذا، قال تعالى: كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ [التحريم:10] فأنتِ امرأة، وهو رجل لا بد أن تطيعيه بالمعروف، أما في المعصية فلا، إذا قال لها: اكشفي وجهك وادخلي على الجيران، أو على الأقارب، أو اسهري على المنكر، أو نذهب إلى منكر، فلا طاعة له، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
فمراعاة مشاعر الزوج مطلوبة، إذا دخل عليها وهو غاضب تقول له: خيراً يا أبا فلان، إن شاء الله ليس هناك شر، ماذا صار عليك؟ أعندك مشكلة في الدوام؟ سُرق عليك شيء؟ تخاصمت مع المدير؟ هل خصموا عليك؟ ثم تدخل معه، وتقول: ما يصير إلا كل خير، والأمر سهل، لكن إذا دخل وهو غضبان وقالت: مالك غضبان؟ هل ضربوا رأسك هذا اليوم؟ تستاهل! لأنك قد آذيتنا.. أعوذ بالله! أصبحت هذه عدوة وليست زوجة، تنتظر كل مشكلة تحل على زوجها وتدق على رأسه، النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على خديجة رضي الله عنها وقال: (دثروني دثروني، زملوني) قالت: ما حدث؟ أخبرها بالذي حصل، فماذا قالت له؟ قالت تستحق؛ لأنك كل ساعة وأنت في هذا الغار ، نقول لك: تعال تعشَ معنا، واقعد معنا، وتخرج ليلتين، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج إلى غار حراء الليلة والثلاث والأربع يتعبد، ولا يأتي، وخديجة تعرف أنه يتعبد في الغار ، ولو أنها إنسانة سطحية أو مصلحية لاستغلت هذا الحدث، وقالت: تستحق، لا تذهب إلى هذا الغار ، فقد نصحناك، نقول: اقعد مع أهلك، اقعد مع عيالك، ورفضت، لكن ماذا قالت رضي الله عنها؟ قالت: (كلا والله لا يخزيك الله أبدا: إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) انظروا التأييد، انظروا الدعم، هذه المرأة المثالية، ولهذا اختارها النبي صلى الله عليه وسلم وعمرها أربعون سنة، وعمره خمس وعشرين، شاب في ريعان الشباب، وهي امرأة في آخر العمر، ويتزوجها صلى الله عليه وسلم، ويلغي الجانب النزوي والشهواني في حياته، وتبقى وحيدته حتى ماتت، لم يتزوج عليها، ومتى ماتت؟ بعد خمس وعشرين سنة من زواجها، ماتت وعمرها خمس وستون سنة، وعمر الرسول صلى الله عليه وسلم خمسون سنة، استمروا في حياتهم الزوجية خمسة وعشرون عاماً، ولما ماتت تزوج صلوات الله وسلامه عليه.. لماذا؟ لكبر عقلها، وعظمة نفسها، ولم تكن النواحي الجنسية والنزوات هذه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ذات أهمية، وإنما كان يغلب الجانب الإيماني، وكانت هي كذلك تغلب الجانب الإيماني.. فلا بد من مراعاة شعوره، وحسن العشرة معه، كما هي تريد ذلك.
وقد أوصى أحدهم ابنته فقال: إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وما حصل كثير من المشاكل إلا بسبب الغيرة الغير منضبطة.
هذه هي مجمل الحقوق، وإلا فالتفصيل في هذه المسألة يحتاج إلى وقت كبير؛ لأنه مهم جداً وله علاقة بكل أسرة.
يأتي الخلل من الزوج أو من الزوجة، فالزوج عندما يذهب يشتكي إلى أمه، أو إلى أبيه أو إلى أخيه، ويقول: زوجتي عملت وعملت، فماذا يقول الأب؟ يقول: لا تصلح لك، اتركها، نحن نعلم أنها سوف تعاملك هكذا، من يوم ما عرفناك وأنت رجل تداهن معها، لكن لو ضربتها وتعاملت معها بشدة وبعنف لصارت امرأة، فإن المرأة لا تصير امرأة إلا بالرجل الذي يضربها ويخبطها، ويقوم بشحنه، ثم يذهب إلى البيت ومن حين تقول له: السلام عليكم، قال: لا سلام ولا كلام، ثم يلطمها على وجهها، وماذا بعد؟ ترتب على هذا فساد العشرة، ومن الذي أفسد؟ أنت الذي أعلمت أباك.
أو يذهب يشكي إلى أمه، والأم دائماً ما تحب زوجة الولد، هذه طبيعة، تغار عليها وتكرهها ولو كانت من أحسن الناس، إلا من هدى الله، يوجد بعض البنات طيبة ومنصفة، لكن معظم العمات غمات، فإذا أتى يشكي إلى أمه قالت: تستحق؛ لأنك ما عرفت تتعامل معها من أول الأمر، ركبت عليك حتى أنك الآن تحتها، ولا تقول أنت إلا ما تقول هي.. حسناً وماذا أعمل يا أماه؟ قالت: اقلب لها المسألة الآن، اجعل صبيح يصير جني، وإذا قالت: شرق، قل: غرب، إذا قالت: قم، فاقعد، خالفها في كل شيء، فيرجع الرجل وهو مشحون بهذه الوصايا المغرضة التي تصدر عن عقل جاهل، فيتعامل مع زوجته بهذا الأسلوب؛ فتنفر منه زوجته، وتترك عشها، وتذهب إلى أهلها، وتمكث بائنة منه أو مطلقة مطرودة، أو عاصية وناشزاً عن طاعة زوجها، وهذا كله من تدخل الأقارب.
وكذلك المرأة قد تذهب وتشتكي إلى أهلها، تذهب لأمها وتقول: ضربني وعمل بي، فتشحنها أمها، أو تشتكي إلى أبيها فلا يجوز ولا ينبغي للرجل ولا للمرأة أن يكشف أحدهما سره لأهله ولا لأقاربه.. لماذا؟ لأنكم تختصمون الآن ثم تصطلحون آخر الليل، لكن إذا ذهبت المرأة تخبر أهلها، تولد في قلوب أهلها غيظ على الرجل، فالرجل يصطلح هو والمرأة وأبوها غضبان، يمكث سنة أو سنتين وهو غضبان وهم قد اصطلحوا في ذلك اليوم، فلا تخبر المرأة أهلها بما يحصل من خلاف بينها وبين زوجها؛ لأنه لا يتوقع في الغالب إلا تصعيد الخلاف، وأحياناً يكون هناك شواذ، وقد يكون الأب صالحاً، والأم صالحة، ويرى الولد أن زوجته فيها نوعٌ من الانحراف في التعامل فيذهب إلى أمها أو إلى أبيها لكن بشرط أن يكون قد عرف أن هذا الأب وهذه الأم عاقلة وصالحة وتخاف الله وتحرص على هذه الأسرة فلا مانع من أن يستعين بتوجيههم وأن يعرض المشكلة عليهم، أما إذا عرف أنهم من الطراز الثاني فلا يجوز؛ لأن هذا يؤدي إلى زيادة المشاكل.
كذلك بعض النساء تكشف مشاكلها لجارتها، فتملي عليها الجارة رأياً غير شرعي، فتفسد حياتها. فعليك ألا تعلمي أحداً، حاولي أن تحلي المشكلة أنت بنفسك، ابحثي عن سبب المشكلة واقضي عليه، وبالتالي يزول الإشكال وتعود الحياة إلى وضعها الطبيعي، والمياه إلى مجاريها الطبيعية.
يا أخي! غض الطرف عنها، سامحها فيه، انظر إلى حسناتها، هكذا ينبغي -أيها الإخوة- لأن المشاكل تنتهي، أما إذا جلست تحد النظر وتركز؛ فإن الأسرة سرعان ما تتهدم.
أذكر مرة من المرات وأنا في أبها جاءني رجل بعد صلاة المغرب وأنا في المسجد، فقال لي: يا شيخ! أفتني ، قلت: ماذا عندك؟ قال: طلقت زوجتي ثلاثاً، قلت: لِمَ؟ وما الذي حصل؟ قال: أنا موظف عُزمت على الغداء في السودة مع زملائي، وأردت أن أخبرها في البيت أني معزوم فكرهت أن أخبرها؛ لأني لو أخبرتها لم تطبخ الطعام لأولادها، والمرأة من بالغ اهتمامها بزوجها إذا كان زوجها عندها تطبخ طعاماً جيداً، وإذا عرفت أنه معزوم، أو ذهب إلى أي مكان تعمل أي شيء، ليس مثل بعض النساء، إذا كان زوجها غائباً عملت أحسن طبخ، وقالت: خلينا نشبع اليوم، الزوج غائب، وإذا هو موجود عملت له أي شيء، لكن هذه امرأة صالحة، ولكن الرجل أخطأ، انتهى الدوام ولم يخبرها، على الأقل يجعلها تطبخ وقبل الدوام يقول لها وهي قد طبخت، تغدوا أنا معزوم، لكن الرجل نسي وركب سيارته مع زملائه، وذهب إلى السودة ، وتغدى ، وتمشى إلى غروب الشمس، والمسكينة في البيت انتظرت إلى أن انتهى الدوام ولم يأت بخبر، قامت الاحتمالات في رأسها.. لماذا الرجل لم يأتِ؟ يمكن حصل خلاف، أو حادث مروري، يمكن مرض، يمكن بالمستشفى، اتصلت بالشرطة، تسأل دوائر المرور، تسأل المستشفيات، أذن المغرب، لم تتغدَّ قال لها أولادها: وهي في غاية القلق، والرجل يتمشى ويتغدى، وليس مهتماً بها، فجاء ودخل البيت، ولما دخل كانت مغضبة، قال لها: السلام عليكم، فردت عليه بأسلوب جاف وقالت: وعليكم السلام، ثم جلس وهو غضبان وهي غضبانة، ويريد هو أي شيء يثير الغضب، فنظر في المجلس -هو الذي يخبرني هكذا- فإذا به يرى قطعة مرمية في المجلس فقال: لماذا ما كنستي المجلس؟ قالت: ما شاء الله عليك، عجيب والله ما قصرت! تحاسبنا على أننا قصرنا وما كنسنا المجلس ولا تحاسب نفسك أنك جالس من الصباح إلى الآن، لم تعلم أن معك عيالاً وأهلاً ولا اتصلت، قال: وما دخلك، أنا موظف عندكِ لازم عليَّ أن أستأذن منك؟! قالت: لا. أنا في بيتك، أنا أم أولادك، كلمني أنك لن تأتي، نحن إلى الآن لم نتغدَّ، اتق الله، قال: أبداً ما لكِ دخل، قالت: إلا.. المهم كلمة منها وكلمة منه، ثم قام ولطمها ولطمته، كلمة بكلمة، ولطمة بلطمة، يركلها برجله، وتركله برجلها، ثم ماذا بقي عنده؟ بقي عنده (السلاح النووي) الذي لا يوجد معها وهو الطلاق وطلقها ثلاثاً، من أجل ماذا؟ من أجل قشة.
أولاً: قال عز وجل: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ [النساء:34] التعليم، إذا رأيت أنها عاصية فعلمها، إذا لم ينفع التعليم: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34] وسيلة ثانية: إذا لم ينفع التعليم توليها ظهرك وتهجرها في المضجع، تنام في مكان غير الذي الذي تنام فيه، في غرفة واحدة لكن في فراشين مختلفين، ثم إذا لم ينفع هذا: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34] ضرباً غير مبرح ويجتنب الوجه، ولا يسيل دماً ولا يكسر عظماً وإنما مثل اللطمة في غير الوجه أو اللكمة أو ما شابهها، ثم إذا ما نفعت هذه الثلاث الوسائل: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35] إذا كان الخلاف مستمراً فنأتي بشخص من هنا وشخص من هنا، ويأتون بالمشكلة ويحلونها، وإذا ما نفعت هذه مرة فيطلق الرجل الطلقة الأولى، لكن بشروطها:
أن تكون واحدة، ثم في طهر لم يأتها فيه، لا يطلقها وهي حائض، ولا يطلقها وهي طاهرة لكن قد جامعها، وإذا حصل الطلاق بهذا وقع لكنه آثم؛ لأنه طلاق مبتدع، وطلاق السنة: أن يطلق الرجل في طهر لم يأتها فيه طلقة واحدة، أعطاها فرصة، ثم رأى أن الوضع يمكن أن يصلح راجعها، ثم إذا لم ينفع ذلك يطلق الثانية، وانتهت الحياة الزوجية ولم تعد تصلح إلا مرة واحدة: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان [البقرة:229].. وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً [النساء:130] أما أن يأتي شاب تزوج قريباً، وبمجرد خلل بسيط طلق، أو قالت: طلقني، قال: خذي، فلا يجوز أن يلجأ الرجل إلى الطلاق ابتداءً، ولا يجوز للمرأة أن تسأل الرجل الطلاق ابتداءً، بل الطلاق آخر الحلول، وينبغي أن نسلك الطرق الشرعية في حل الخلافات الزوجية دون اللجوء إلى الطلاق إلا في الظروف الضيقة جداً، والتي تنتهي به آخر الحلول وبالتالي نضمن -أيها الإخوة- سعادة الأسر وسلامتها، واكتمال بنيانها، ودوامها واستمرارها، وعدم تشتت أبنائها وبناتها؛ لأن معظم المشاكل -أيها الإخوة- ومعظم الانحرافات التي تلاحظ الآن عند الشباب، في المدارس، وفي السجون، وفي دور الملاحظة بالبحث والتقصي؛ وجد أن سبب الانحرافات ناتجة عن سوء العشرة في البيوت، فالبيت الذي فيه الأب يلعن المرأة ويضربها ويسيء عشرتها، ينشأ الأولاد على هذا الخلق، والبيت الذي تكثر فيه الخلافات تتولد في نفوس الأولاد العقد النفسية، والمشاكل الاجتماعية، لكن البيت المتفاهم تجد الأولاد أذكياء، لماذا؟ لأنهم لا يعرفون مشاكل، ولا يعرفون خلافات، ولا يعرفون العقد، تأتي وهم متفوقون في الدراسة، لكن يأتي الطالب في المدرسة ولا يعرف شيئاً، مسكين مشتت، خرج من البيت وأبوه وأمه يتضاربان، أو يتلاعنان، فيذهب إلى المدرسة ويقول: ماذا أعمل؟ أمي وأبي يعملون كذا، وينشأ عنده مرض في نفسه، فتنسد نفسه عن الدراسة، ثم ربما يقع ضحية للإجرام، ويقع في الفساد بأسباب تلك المشاكل.
وهناك أسر تحطمت، فالولد في بيت أبيه ليس مع أمه، أو عند أمه وليس مع أبيه، فلا يجد الولد عند أبيه أماً تحنو عليه، ولا تجد البنت عند أمها أباً يحميها ويشفق عليها، فتسلك سلوك الانحراف، أو يسلك الولد سلوك الانحراف بأسباب تصدع بنيان الأسرة بوجود الطلاق.
فحتى نحمي -أيها الإخوة- مجتمعنا، ونحمي أبناءنا وبناتنا وأفرادنا علينا أن نحمي أسرنا، وأن نتعامل مع أزواجنا وفق آداب الشرع، وأن نبحث عن المشاكل وأسبابها، ثم نعالجها بالعلاج الشرعي.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الإيمان القوي، وأن يوفقنا للعمل الصالح، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يديم علينا نعمة الدين والأمن والطمأنينة والاستقرار، ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا وشبابنا وشاباتنا وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: جزى الله الأخ خيراً حين استدرك عليَّ مثل هذا الأمر، فحينما نقول: إن المرأة لها حرية الاختيار للزوج الذي تريده؛ لا نعني أن نلغي السلطة والمسئولية التي أعطاها الشرع للوالد وللولي في توجيه المرأة، وفي تصحيح اختيارها حتى لا تختار إلا الزوج الصالح، لكننا نعني أن نعطي المرأة حقها في اختيار من تريد أن يكون شريكاً لها بشرط أن يكون صالحاً، أما إذا اختارت المرأة رجلاً سيئاً -والعياذ بالله- قليل الدين، قاطعاً للصلاة، سكيراً عربيداً، وصاحب مخدرات، عاقاً فاجراً، وتأتي وتقول: أنا أريده! لا وألف لا! فلماذا الولي موجود؟ إنما إذا كان رجلاً متديناً، ورجلاً صالحاً، وهي تريده عندما تقدم لها، لكن أبوها لا يريده لسبب من الأسباب وليس سبباً شرعياً وإنما لمجرد الهوى والتسلط، فهنا لا يجوز له أن يمنعها، ويجوز لها أن تنقل ولايتها إلى الحاكم الشرعي.
الجواب: العنوسة من المشاكل الاجتماعية الخطيرة التي وقعت في مجتمعنا، ولو اطلعتم على الأرقام المذهلة التي تظهر عند المختصين في الاستفتاءات لتعجبتم كثيراً، وسبب العنوسة يتحمله عدة جهات:
أولاً: الأب؛ فإن من الآباء من يرد الخاطب، إما لرغبته في راتب البنت، أو لبحثه عن أغراض أخرى حتى يفوتها قطار الزواج.
ثانياً: البنت نفسها؛ فإن بعض البنات تغالي في طلب المواصفات، وتضع شروطاً خيالية لا يمكن أن تتوفر لواحد في الأرض.. تريد واحداً طويلاً بمقدار، لا هو طويل ولا قصير، ولا متين، ولا هو نحيف، ولا أبيض ولا أسود، ولا أشقر!! أين نفصل لها هذا؟! في أي مصنع؟! فلا تجد، وكلما أتى شخص قالت: لا أريده، إلى أن يفوتها قطار الزواج، ثم بعد ذلك تنتظر ولا يأتيها شخص، حتى أن بعضهن تعلن في الصحف والمجلات فلا يأتيها أحد، فالزواج قسمة ونصيب، والخاطب ليس (شيكاً) في الجيب إذا أردتيه أخرجتيه، إذا أتى النصيب لا ترديه، وإذا توفر فيه الشرط الشرعي وهو الدين فلا ترديه، لماذا؟ (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
السبب الثالث: أحياناً تكون الأم؛ فكلما جاء خاطب فالأب موافق، والبنت موافقة، وإذا بالأم تقول: لا والله لا تنكحه، لماذا؟ أريد شخصاً آخر، فتتعطل البنت.
وأحياناً الإخوان يعترضون، وأحياناً بعض الأقارب، وأحياناً الزميلات، تشاورهن فيقلن لها: لا. فيؤدي هذا إلى فوات المسألة.
فلا يجوز ولا ينبغي أن يتدخل أحد، إذا جاء الخاطب فلنسأل عن المعيار الأول.. صاحب دين، الحمد لله، إن توفر شيء من الباقي فالحمد لله، وإن لم فالدين والأمانة يكفيان، النبي صلى الله عليه وسلم زوج بعض الصحابة بخاتم، وزوج بالقرآن، وزوج جليبيب وليس عنده شيء، عبد أسود زوجه وليس عنده شيء، قال له: (اذهب إلى آل فلان وقل: أنا رسول رسولِ الله، زوجوني فزوجوه) وليس عنده شيء، لماذا؟ لأنه رجل صاحب دين، وفي الغزوة قتل سبعة وأخذه الرسول وقال: (
الدين رأس المال فاستمسك به فضياعه من أعظم الخسرانِ |
والعنوسة -أيها الإخوة- مشكلة يترتب عليها أحد أمرين: إن كانت البنت دينة، وفيها خير، وتحمي عرضها وعرض أهلها وبلغت سن العنوسة فإنها تتحطم نفسياً، وتعيش في كآبة، وفي حرمان، ترى النساء تزوجن، وعندهن أولاد، وعندهن بيوت، وهي محرومة من نعمة الولد، ومن نعمة الزوج، ومن نعمة الأسرة، ومن نعمة الحياة، فيصير عندها مرض، وبعضهن تموت قهراً.
وإن لم يكن عندها دين فتحت باباً للشر، ووقعت في الرذيلة، وحطمت عرضها وعرض أهلها وعرض قبيلتها -والعياذ بالله- وأفسدت حياتها وآخرتها، فنحن لا نريد العنوسة، إذا جاءك الخاطب فزوجه، وإذا لم يأتك أحد فابحث أنت إذا كنت شهماً، عمر وهو أغير الناس كان يبحث لـحفصة حتى زوجها بالنبي صلى الله عليه وسلم، ليس عاراً ولا عيباً عليك أن تبحث لابنتك؛ لأنها فلذة كبدك، وقطعة منك، تبحث عن سعادتها، ودائماً الثمرة تقطف عند النضج، والمرأة متى تنضج؟ إذا بلغت خمس عشرة وحاضت أصبحت قابلة للزواج، ليس ضرورياً أن تكمل التعليم، تكمل التعليم وهي مع زوجها، وإذا تزوجت فإنها تتعلم وتتفوق؛ لأن معها زوجاً يحميها ويحفظها ويأخذها، لكن أن تتركها إلى أن يصير عمرها خمساً وعشرين أو ثلاثين أو خمساً وثلاثين أو أربعين فإنها مصيبة.
وأذكر من القصص أن رجلاً كان يرد الخُطّاب عن بنته؛ لأنها توظفت ويريد أن يستلم راتبها، حتى بلغت خمساً وثلاثين سنة، ومرض الرجل وأدخل المستشفى، وعندما أتت لتزوره مع أهله وهو يلفظ أنفاسه أدرك وأحس بجريمته نحوها، فقال لها: يا ابنتي! قالت: نعم. قال: سامحيني، قالت: الله يلهب عظامك! ودعت عليه، قال: قولي لا إله إلا الله، قالت: نعم. حرمتني نعمة الحياة، خطبت وعمري عشرون، ولو أنك زوجتني وعمري عشرون لكان عندي ولد الآن عمره خمس عشرة سنة، يقوم بشئوني بعد أن تموت أنت، والآن تموت وأنا لا أحد يتزوجني، إن جلست جلست معطلة، وإن ذهبت عند إخواني صرت خادمة لزوجاتهم، وإن ذهبت عند أخواتي صرت عبئاً عليهن، أين أذهب؟ ثم قامت تبكي حتى لفظ أنفاسه.. فلماذا -يا أخي- تعرض نفسك وتعرض ابنتك لهذا الكلام؟ دعها تتزوج واجعلها تبتسم، ولا تغال في مهرها، ولا تكلف على الزوج، بل نقول: زوجوهم وأعطوهم، الله يبارك فيه الذي سوف يستر عرضك ويأخذ منك هذا الحمل.
الجواب: أولاً: أحبك الله كما أحببتني، وأسأل الله أن يجمعنا وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ببركة الحب فيه.
ثانياً: الحد الأدنى: القيام بالفرائض والأركان، والبعد عن المحرمات والكبائر، هذا الحد الأدنى، أما قضية الكمال في المرأة فهذا أمر نسبي، إذا وجد الإنسان القوّامة الصوّامة الدّاعية الذّاكرة فهذا طيب، لكن ما دامت تصلي خمسها، وتصوم شهرها، وتحفظ فرجها، وتطيع بعلها، فهذا هو الحد الأدنى في المرأة، أما المرأة التي لا تعين زوجها على الدعوة فلا ينبغي له أن يسعى إلى طلاقها، بل عليه أن يدعو إلى الله سبحانه وتعالى ويدعوها هي، أما أن يطلقها لأنها تحول بينه وبين الدعوة فلا، لا يطيعها في أن يمتنع عن الدعوة، وأيضاً لا يغلب جانب الدعوة على حقوقها؛ لأن من الأزواج من تستحوذ الدعوة على كل وقته ولا يعطي لزوجته شيئاً، فهذا جور وظلم.. (إن لنفسك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لربك عليك حقاً، فآتِ كل ذي حقٍ حقه) الدعوة لها حق فأعطها حقها، لكن زوجتك لها حق، إلا إذا أصبحت مثلك في الفهم والوعي والاحتساب فتقول: اذهب الله يعينك، وأحتسب خروجك عند الله، الضرر حاصل ولكن أضحي بنفسي ومصلحتي ما دمت أعرف أنك ستذهب في طاعة وتذهب إلى الدعوة، أما إذا قالت: (لا يا ابن الحلال)! أريدك أن تجلس عندي، فأعطها حقها، وكم حقها؟ من كل أربع ليالٍ ليلة، اجعل ثلاث ليالٍ للدعوة وليلة لها.
الجواب: هذا جاهل وما أظن أن هذا الصنف موجود الآن، وإن كنا نسمع أن بعضهم إذا ذكرت المرأة قال: أعزكم الله، أكرمكم الله! أكرمكم الله من ماذا؟! أنت من أين أتيت أصلاً؟! من أين خرجت إلا من أنثى؟! هذه التي تقول عنها: أكرمكم الله هي أمك، هي ابنتك، هي زوجتك، هي أختك، المرأة شقيقة الرجل، لماذا تستعلي؟ أما تعلم أن بعض النساء تعمل عمل مليون رجل؟! الله سبحانه وتعالى أثنى على نساء فقال: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:12] وقال: امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11] بعض النساء تعمل عمل ملايين من البشر، فلا نقول عند ذكر المرأة: أعزك الله! أو أكرمك الله! بل نفخر بالنساء الصالحات الدينات المؤمنات، وندعو للغافلات والضالات أن يهديهن الله.
الجواب: توجيهي لك أن تذهب إلى غير القبيلة، لا تتزوج منهم، هؤلاء يريدون مائة وخمسين دعهم.
وأما بالنسبة للقيبلة فأقول: اتقوا الله في بناتكم، لماذا مائة وخمساون؟ هي سيارة أو أرضية أو عمارة! الدية الشرعية خمسون ألفاً، دية المرأة نصف دية الرجل، فلماذا مائة وخمسون؟! ثم هذا المسكين من أين يأتي بمائة وخمسين؟! يقع تحت طائلة الديون، ويظل مديوناً مكسوراً قلبه طوال حياته من أجل هذه البنت! ثم هل يتصور الولي الذي يطلب مائة وخمسين أنه يأكل حلالاً؟! لا يوجد في مهر المرأة بركة؛ لأنه حرام، ولا يجوز أن يأكله الزوج ولا الولي، الله يقول: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] فمهرها لها، لماذا تأخذ مهرها أنت؟ من الذي تزوج بك أنت حتى تأخذ المهر؟! المهر للبنت، طيب الله خاطرها بهذا المهر، فلا تأكله أنت، ولا تغال في مهر البنت، وليس في مهر البنت بركة.
الجواب: من الأخطاء الشائعة عند الرجل وعند المرأة الدعاء على الأولاد، أو على النفس، أو على المال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا يدع أحدكم على أهلٍ ولا ولد ولا مال؛ فقد يصادف باباً مستجاباً) الإنسان إذا دعا على ولده، أو المرأة إذا دعت على عيالها هل هي صادقة؟ ليست صادقة، تود أن الشوكة التي في رجله في عينها، لكن من باب الغضب تقول: الله يهلكك، الله يكسر ظهرك، الله يعمي بصرك، الله أكبر عليك، وهي ليست صادقة، وإذا استجاب الله عز وجل ماذا يكون حالها؟ إحدى النساء تمسك ولدها وتقول: لا تخرج، وهو يريد أن يخرج، ورفض إلا أن يخرج، فقالت: الله يأخذ روحك، فخرج من الباب والسيارة أمامه فصدمته ومات، فسقطت أمه على الأرض مغشياً عليها وهي ترى المنظر، وذهلت وحملت إلى المستشفى وجلست في الإنعاش، ثم لما أفاقت قالت: أنا الذي قتلت ولدي، قالوا: كيف؟ قالت: قلت: الله يأخذ روحك، فأخذ الله روحه، استجاب الله الدعوة.
فلا تدعُ عليه، بل ادع له، بدل الله يأخذ روحك، الله يوفقك، لكن بعض الناس لا يهدأ قلبه إلا إذا دعا بالشر، فعليك أن تقول: الله يحفظك، الله يوفقك، الله يسعدك، الله يشرح صدرك، وغيرها من الدعوات، حتى في الصلاة إذا أقمت ولدك لا تقل: قم الله يهلكك! قم الله ينتقم منك! قل: الله يهديك! قم الله يوفقك! قم الله يشرح صدرك! قم الله يعينك! الكلمة الطيبة والخبيثة سهلة النطق، لكن تلك خير وتلك شر، فانتبه لنفسك ولا تدع إلا بخير.
يخبرني شخص -وهذه القصة فيها عظة وعبرة وأنا أكررها، يخبرني أن له ولداً باراً تقياً ملتزماً متديناً، وهو يدرس في الجامعة وكان يذاكر دروسه حتى تعب، وحينما تعب أحس برغبة في أن يمشي للنزهة، فجاء إلى أبيه ولا يستطيع أن يخرج بغير إذن أبيه من صلاحه، وهو لابس ثوب النوم، وقال: يا أبي أريد أن أتنزه في البلد، لقد تعبت من المذاكرة، قال له أبوه من حبه له: يا ولدي لا تخرج، الليل ليس في خروجه خير، فلا تخرج في هذا الوقت، الساعة الآن الثانية عشرة من الليل، قد تأتيك مصيبة، اجلس يا ولدي، فانصاع الولد ورجع وقلبه مغير وذهب إلى أمه وقال: انظري يا أمي، طلبت من أبي أن أخرج فرفض أن يسمح لي، فقومي وادخلي على أبي، فقالت الأم للأب: حطمت الولد، عقّدت الولد، كلما طلب منك الخروج رفضت، يريد أن يخرج فلماذا تمنعه؟ وما زالت به حتى جعلته يوافق غصباً، فوافق وقال: دعيه يذهب الله لا يرده، بهذا النص، يقول: والله إنها خرجت من فمي وكأنها رصاصة، عرفت أنها وقعت، لكنه ذهب وركب سيارته بثوب النوم وخرج، فانتظر الأب نصف ساعة، وساعتين، وثلاث، أذن للفجر وما أتى الولد، خرج يصلي، نظر في المسجد فما رآه، وهو كان يراه كل وقت، ومن المسجد ركب سيارته وذهب إلى الشرطة يسأل، واشتغلت الهواتف والاتصالات بين مراكز الشرطة والمرور، فقالوا: هناك حوادث آخر الليل فيها وفيات، أين هم؟ في المستشفى، اذهب إلى (الثلاجة) فذهب إلى (الثلاجة) يبحث وفتح الباب وإذا ولده آخر واحد في (الثلاجة) بثوبه الذي خرج وهو يراه، يقول: لما خرج عرفت أني الذي قتلته؛ لأني دعوت عليه أن الله لا يرده ولم يرده ربي فعلاً، يقول: فلا أزال أذكر هذا حتى أموت، لا أنساه، يقول لي هذا الكلام والدمع يقطر من عينيه، يقول: يا ليتني ما قلتها، لكن هو الذي حملني على أن أقولها.
فبعض الأبناء يحمل أباه بالعناد إلى أن يدعو عليه، فلا تحمل أباك فيدعو عليك، وأنت يا أيها الأب: إذا صار ولدك عنيداً لا تكن أيضاً جاهلاً فتدعو عليه، كان المفروض أن تقول: الله يردك، هيا اذهب الله يحفظك، لكن الله لا يردك، وأنت صادق، وقعت عند الله واستجاب الله عز وجل، فلا ينبغي للمرأة ولا للرجل الدعاء على الأولاد أو على الأنفس أو على الأموال.
الجواب: أولاً: كونه لا ينفق عليها لأن عندها راتب لا يجوز له، لا بد أن ينفق، إلا إذا تطوعت هي وتبرعت وصارت كريمة، وقالت: طلباتي عليَّ، فهذا طيب وجزاها الله خيراً، لكن إذا قالت: لا. فلازم عليه أنه ينفق؛ لأن الله يقول: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34].
أما من يجلس عاطلاً وهو قادر على العمل فإن هذا نقص فيه ولا شك، الرجل قوَّام، والمرأة إذا أصبحت تصرف عليك فإنك تفقد قوامتك، إذا كنت لا تستطيع أن تصرف شيئاً، لم تعد لك سلطة، ولم تعد أنت الرجل، تكد عليك حتى لقمتك التي في فمك هي منها! أما إذا غلب على أمره وما وجد فرصة للعمل، فإن بعض الرجال يبحث عن فرصة لكنه لا يجد وعنده قدرة، ويطرق أبواب الرزق ويذهب في كل مجال لكن ضيق عليه ولم يجد مجالاً؛ فلا بأس مع الحرص والقدرة على البحث عن أي عمل حتى يستغني ويكون في بيته عزيزاً؛ لأن المرأة تمنُّ، طبيعة المرأة أنها تمنُّ على الزوج مهما كان، في يوم من الأيام تحصل أي مشكلة فتقول: فعلت لك كذا وكذا، نسأل الله الستر لماذا؟ تمنُّ بحقها، ومن حقها أنها تمنُّ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر