أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا معاشر المؤمنين! أن مما يشرح صدر المؤمن ويثلجه، أن يرى شباباً تابوا إلى رشدهم، وارعووا عن غيهم، وأنابوا إلى ربهم، وأسلموا له الأمر في القول والعمل، في الدقيق والجليل، وتلك والله نعمة على الأمة، فمن أعظم نعم الله عليها أن يهتدي شبابها، وأن يكثر الصالحون فيها.
ولكن أيها الأحبة! إن من الأمور التي ينبغي أن يعيها كثير من الشباب بعد توبتهم إلى الله، والتزامهم بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، هو إدراك أن التوبة من الذنوب والخطايا والآثام لها آداب من أهمها، ومن أهم مقومات قبولها ودلائل صدقها ما يأتي:
قد يحار كثير من الشباب في فعل العبادات المكفرة للذنوب، المحيية للقلوب، فلا يعرف بعضهم إلا القليل منها، وبعضهم يجهلها، وهي والله سهلة ميسورة، وأهمها وأجلها فعل الواجبات وترك المحرمات، فما تقرب عبد إلى الله بشيء أحب إلى الله مما افترضه عليه، كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: (من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه).
فالعناية بهذا من أجل ما يلقى اللهَ به عبدٌ من عباده، بعد تحقيق التوحيد والصدق في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
روى عبد الرحمن بن شماسة المهري رضي الله عنه، قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فبكى طويلاً، وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: [يا أبتاه! أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه، فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله] يقولها صحابي من الصحابة، إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
الشاهد والحاصل يا عباد الله! إن أجل ما يرجو به العبد ربه تحقيق التوحيد.
إن العبد مأمور أن يكثر من الحسنات ليتذوق بها لذة ما فاته من نعيم العبادة، والأنس بالطاعة، وهذا أمر ندركه بالحس والملاحظة، لو سأل بعض الشباب أنفسهم عما كانوا يلاقونه ويعانونه من قلق النفوس، وشرود الأفكار، واضطراب الأعصاب، بالرغم مما كانوا يمنحونه ويتيحونه لأنفسهم من إغراق في الملذات والمحرمات، والشهوات المفسدات، وبالرغم مما كانوا يستجيبون فيها لأدنى النزوات، ظناً منهم أن تحقيق رغبة النفس يورث السعادة والراحة والاطمئنان، ما الذي كانوا يجنونه ويلقونه بعد فعل المعاصي؟
كان الواحد منهم إذا وقف أمام المرآة يرى الظلمة في وجهه، والكآبة في محياه، والذلة في شخصه، ويصبح في حالة نفسية عجيبة، يريد أن يخرج منها فلا يجد مخرجاً إلا بإشعال السجائر، والسهر مع الأصدقاء إلى آخر الليل، وقد يبلغ الحد بهم إلى شرب المسكر، وتناول المفتر والمخدر، لكي يخرج من نكد الوجود، وألم الإدراك والمشاهدة مما يفعله ويرتكبه.
ومثل حاله كحال من رام تغسيل الدم النجس بالدم الذي هو أنجس منه، فكم يفوت المسلم في حال المعصية من الملذات، والأنس بالطاعات والأجور والبركات! حدث عن الخسارة في هذا ولا حرج، ثم بعد ذلك انظر إلى نفس ذلك الشاب الذي أسرف على نفسه.. انظر إليه بعد أن تاب إلى الله وأناب إلى ربه، وانكسر إلى خالقه، ولينظر الشاب أيضاً إلى نفسه، مقارناً صورته السابقة بحالته الراهنة بعد التزامه واستقامته، ترى ويرى البِشر والنظارة في وجهه، والأنس والسرور على محياه، والنور يشع من جنبات نفسه بحسب اجتهاده في الطاعة والعبادة، فيزول عن صورته ذلك الجبين المقطب، والظلام المخيم، وخبث النفس الدائم، وسرعة الغضب، وتهيج الأعصاب لترى ذلك الشاب خاشعاً مخبتا، مطمئناً هادئا، حيياً حفياً.
إذاً أيها الأحبة: لا بد أن يجتهد العبد في الطاعات بعد التوبة، وليكثر من الأعمال الصالحة، ليحصل على ما فاته وما مضى عليه من الأنس والسعادة، وليتدارك ما مضى بالاجتهاد فيما بقي.
جاء أحد الصحابة رضوان الله عليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال (يا رسول الله! أذنبت ذنباً، فأطرق الرسول صلى الله عليه وسلم برأسه قليلاً، ثم تغشاه الوحي، ثم التفت إلى ذلك الصحابي، وقال له: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114]).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضو بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.
أيها الأحبة في الله: إن تكفير الذنوب بعد التوبة والإكثار من الصالحات، يكون إما بمحو السيئات، أو بتبديلها حسنات، فالمحو كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) وأما التبديل فكما في قوله الله جل وعلا بعد أن ذكر الذين قتلوا النفس وزنوا، قال سبحانه: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَات وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70]. أي: بعد توبتهم.
فيا معاشر الشباب: يا معاشر المؤمنين! أقبلوا إلى رب غفور رحيم، غني كريم، غني عنكم ويبسط يده إليكم، ويفرح بتوبة عبده أشد من فرحة أحدكم لو ضلت ناقته وعليها طعامه وشرابه، أشد من فرح أحدكم إذا وجد ناقته بعد أن ضلت عنه، وهو في فلاة قفر مهلكة، وقد كان عليها طعامه وشرابه.
عباد الله: إن دين الله سهولة ويسر، إن دين الله نور وطمأنينة، إن دين الله فرحة وسعادة، أقبلوا يا شباب الإسلام ولا يردنكم الشيطان، ولا يثبطنكم عن التوبة والمبادرة، فإن الإنسان لا يدري هل يمهل يوماً أو يومين، أو شهراً أو سنة أم لا، فبادروا إلى التوبة يا عباد الله.
إذاً: يا عباد الله! أقبلوا على الله سبحانه وتعالى، يا أخي الشاب! أقدم واسمع إلى قول ابن القيم رحمه الله:
واقدم ولا تقنع بعيش منغـص فما فاز باللذات من ليس يقدم |
وما ضاقت الدنيا عليك بأمرها ولم يك فيها منزل لك يعلم |
فحيَّ على جنات عـدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم |
ولكننا سبي العدو فهـل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم |
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطت به أوطانه فهو مغرم |
وأي اغتراب فوق غربتنا التـي لها أضحت الأعداء فينا تحكم |
واسمع إلى قول القائل:
قدم لنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الألسن |
عباد الله! (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) اعلموا أن كفارات الذنوب كثيرة، بل كل دين الإسلام -ولله الحمد- رفعة للدرجات، وتكفير للخطايا والسيئات، فأقبلوا على الله، وأكثروا من الحسنات الماحية للسيئات، اسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم إلى الثبات والاستقامة، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى، ومن الحور بعد الكور، ومن الزلل بعد الاستقامة.
اللهم ثبتنا على دينك، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، اللهم لا تكلنا إلى ضعفنا، اللهم لا تكلنا إلى عجزنا ومنقصتنا، اللهم إن تكلنا إلى أنفسنا تكلنا إلى ضعف ونقص وعورة وعجز، وإن وكلتنا إلى جنابك الكريم، ووجهك العظيم، فنحن بك وحدك لا شريك لك نرجو الرحمة، ونسألك الجنة، ونعوذ بك من النار يا ربنا، يا خالقنا.
نسألك اللهم أن تتجاوز عن سيئاتنا، وأن تضاعف حسناتنا، اللهم يمن كتابنا، اللهم اهد أعمالنا، اللهم اجعلنا من عبادك المحسنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهم اجعلنا على حوض نبينا واردين، ولكأسه شاربين، وعلى الصراط من العابرين، وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الكفرة والمجرمين، وآتنا صحفنا باليمين، وأدخلنا الجنة بسلامٍ آمنين أول الداخلين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم ميتاً فجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، واجمعنا اللهم بهم في دار كرامتك يا رب العالمين، ومن كان منهم حياً، اللهم فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر عبادك المجاهدين، اللهم انصر جندك الموحدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم أهلك الشيوعيين، وعملاء الشيوعيين، وأذنابهم، ومن والاهم، ومن نصرهم، ومن نشر مذهبهم، وعمل بأفكارهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم انصر عبادك المجاهدين، اللهم وحد صفهم، واجمع شملهم، وسدد رصاصهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر