يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخواني المسلمون: إن من أهداف خطبة الجمعة إيضاح المشاكل التي وقع فيها الناس مما يمس الإسلام بصفة عامة والعقيدة السمحة بصفة خاصة، ونحن اليوم إذا دققنا النظر في أحوال المجتمع وجدنا بأن الآفات التي تنخر في عقيدته كثيرة، وبأن الظواهر المحرمة قد انتشرت وعمت، ومن هذه الظواهر التي سنتكلم عنها إن شاء الله، ونبين علاقتها بالعقيدة الإسلامية، واستهان الناس بهذا الأمر الخطير ونبين جزءاً من أحكامه الفقهية بشكل مبسط؛ لعل الأمر يتضح عند الكثيرين إن شاء الله، وهذه القضية -أيها الإخوة- هي انتشار مسألة الحلف بالله تعالى بالحق والباطل.
فأنت ترى ألسنة الناس منطلقة بالقسم بالله عز وجل، بالأمر المهم وفي الأمر الحقير، وفي الأمر الحلال وفي الأمر الحرام، ترى أحدهم تسبق شهادته يمينه ويمينه شهادته غير مبالٍ بالله تعالى، وترى التجار يحلفون بالله تعالى أنهم قد أعطوا في السلعة كذا وكذا، وأن مشتراهم كذا وكذا، وأن ربحهم كذا وكذا، وهم مع ذلك غير صادقين، بل إن المسألة -أيها الأخوة- قد تطورت حتى صار الحلف بالله عز وجل في الأمور المهانة والحقيرة، فترى كثيراً من اللاعبين يقولون: والله هذا هدف، والآخر يقول: والله ليس بهدف، وهكذا... فأصبح الله عز وجل في نفوس هؤلاء الناس ليس له وزن ولا قيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وإذا حلَّلت معي -يا أخي المسلم- الأسباب التي أدت إلى انتشار الحلف بالله تعالى والاستهانة بهذه القضية الخطيرة عند الناس اليوم لوجدت لها عدة أسباب، منها:
أولاً: أن عظمة الله تعالى في نفوس كثير من المسلمين قد تلاشت أو قاربت، أصبح الله عز وجل ليس له مهابة في قلوب كثير من المسلمين، فهم يحلفون به في أي ساعة من ساعات الليل والنهار، سواء كان الأمر يستحق الحلف أو لا يستحق الحلف، وهذه قضية خطيرة لها مساس مباشر بالعقيدة الإسلامية... إن من أسماء الله تعالى -أيها الإخوة- أنه العظيم، هذا الاسم العظيم الذي جهلته قلوب كثير من المسلمين، وهذا الجهل هو الدافع لانطلاق الحلف على ألسنة الناس.
ثانياً: انعدام ثقة الناس بعضهم ببعض.
ومن أسبابه: فشو الكذب بين الناس، فترى هذا لا يصدق هذا إلا بالحلف، ويقول له إذا قال له خبراً بقضية عادية بأسلوب عادي: اقسم بالله إن هذا صحيح، لأن الثقة بين الناس قد انعدمت، وفشا الكذب حتى لم يميز الصادق من الكاذب والأمين من الخائن، ومع انتشار القسم صار حتى القسم شيئاً عادياً، لا يصدق من يقسم.
هذه المسألة الخطيرة -أيها الإخوة- تحتاج إلى علاج، وتحتاج إلى تبيين شيء من أحكامها؛ لعل الله تعالى يوقظ تلك الأفئدة النائمة وتلك العقول الخامدة، التي سيطر عليها تبلد الإحساس، وانعدمت عظمة الله سبحانه وتعالى بين جنبتي نفوس كثير من الناس.
واعلموا -يا إخواني- أن الإفراط بالحلف أصلاً مذموم؛ لأن الله تعالى قال في القرآن العظيم: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ [القلم:10] وحلاَّف صيغة مبالغة وهو الرجل الذي يحلف كثيراً، وقال عز وجل: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224]، وقال تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] لا تقسم عند أي شيء، احفظ اليمين، ادخر اليمين للأمر العظيم، لا تجعله ألعوبة كما جعله اليوم كثير من المسلمين.
ما يجري على ألسنة الناس دون قصد.. فترى أحدهم يسأل: هل فلان موجود؟ فيقول له بعض الناس: والله غير موجود، أو والله ذهبت البارحة للمكان الفلاني، هذا النوع من القسم لا يعتبر قسماً، ولا تنعقد به اليمين، ولا تجب فيه الكفارة، لأن المتكلم ما قصد الحلف وإنما جرى على لسانه بغير قصد، وهذا هو معنى قول الله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225] هذا هو معنى اللغو في اليمين، وهذه اليمين غير منعقدة.
أما النوع الثاني من اليمين فهو اليمين الغموس الكاذبة.. هذه اليمين التي يراد منها اقتطاع مال امرئ مسلم، أو أخذ حقه والاستيلاء عليه ظلماً وعدواناً.. اليمين الكاذبة التي قال العلماء بالإجماع: إنه ليس لها كفارة مطلقاً، لأنها أعظم بالذنب، لأن ذنبها عظيم لا يكفره كفارة مادية.. اليمين الغموس الكاذبة هي في عظمة ذنبها أكبر من أن تكفرها أية كفارة، ولذلك قال العلماء: إنه لا كفارة لها مطلقاً من أنواع الكفارات المادية، ولا يكفرها إلا التوبة والاستغفار، استغفار الله تعالى من هذا الجرم العظيم.
وكذلك هي التي ذكر الله تعالى أنها من صفات المنافقين الذين قال الله عنهم: وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [المجادلة:14] يحلف على الكذب وهو يعلم أن يمينه كذب، وهذه الخصلة صارت خلقاً لكثير من المسلمين اليوم.
أما النوع الثالث فهي اليمين الشرعية التي يحلف بها الإنسان بالله عز وجل على أمر مباح أو مشروع أو غير محرم.. هذه اليمين يشرع استخدام جزء منها -أيها الإخوة- كما كان صلى الله عليه وسلم يستخدمها -مثلاً- في التأكيد على الحقائق الإيمانية، من خلال الدعوة إلى الله عز وجل، فالداعية -أحياناً- يحتاج -لكي يقوي أسلوب العرض ويؤكد ويجزم بما يقول- إلى الحلف بالله بأن هذا الأمر حق، كعذاب القبر مثلاً، أو الصراط أو المحشر أو الحساب، إلى غير ذلك من أمور العقيدة؛ فإن الحلف في أثناء دعوة الناس إلى الإسلام بعرض حقائق الإيمان عليهم لا حرج فيه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد استخدمه.
فأقول لك: إن الجواب في هذا فيه تفصيل: فإن هذا الحالف إن قصد أن النبي صلى الله عليه وسلم، أو هذا الذي يحلف به كمن حلف بالكعبة أو حلف بأبيه أو حلف بشرفه.. إن قصد أن هذه المحلوفات أعظم من الله أو مساوية لله بالعظمة أو ما شابه ذلك، فهو كافر مرتد مشرك خارج عن ملة الإسلام، وإن لم يقصد هذا وإنما حلف بها لجهله أو سبق لسانه لأن مجتمعه كان متعوداً عليها؛ فهذا لا نخرجه عن ملة الإسلام ولا يعتبر كافراً.
ولكن من حلف بغير الله فعليه كفارة، يقول صلى الله عليه وسلم: (من حلف منكم فقال في حلفه: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله) من حلف بولي من الأولياء، أو بالشرف، أو بالأمانة، أو بصنم، أو بما سوى ذلك مما يسبق على لسانه ويجري؛ فعليه أن يقول: لا إله إلا الله، من قال: والنبي، ما هي كفارة هذا الحلف المحرم؟ أن يقول بعد أن يتذكر مباشرة: لا إله إلا الله، كما ورد في الحديث الصحيح.
وكذلك -أيها الإخوة- لقد كان صلى الله عليه وسلم يحلف بالله وصفاته، ومن صفات الله أنه يقلب القلوب، فكان عليه الصلاة والسلام يقول: (لا ومقلب القلوب) وكان يقول: (والذي نفسي بيده) وكان يقول: (وأيم الله) وهكذا من صفات الله تعالى وأسمائه.
هذا الإشكال حله بسيط، مع التنبيه بأن الحلف -أصلاً- بمثل هذه الأشياء لا يرضاه الله تعالى، كيف تقسم بأن تمنع النفقة عن زوجتك؟! وكيف تقسم ألا تدخل بيت جارك؟! كيف تفعل هذا؟! هو أصلاً لا يرضاه الله، لكن وقد حدث فلا تقل إذا دعيت إلى الخير والبر.. لقد أقسمت، والموضوع خرج من يدي، ماذا أفعل؟ يقول الله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ [البقرة:224] الآية والمعنى الذي قصد بهذه الآية: إذا دعيت إلى دخول بيت قد حلفت على عدم دخوله فلا تجعل الحلف بالله تعالى هو الذريعة أو ذريعة لا تجعل الحلف بالله هو عذر أو ذريعة لعدم دخول البيت وتحتج وتقول: لقد حلفت.. فما هو الحل؟ الحل أن تكفر عن يمينك وتدخل هذا البيت، وتكفر عن يمينك وتعطي المال للزوجة والولد، وما شابه ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه) متفق عليه.
أي: إن تمادي الإنسان في الحلف من هذا النوع، الحلف على ألا يفعل شيئاً من الخير، تماديه في الحلف وإصراره عليه آثم له عند الله من إخراج الكفارة وكسر اليمين، وإخراج الكفارة وفعل هذا الخير الذي منع نفسه منه بالحلف.. التمادي في اليمين آثم عند الله كما يقول صلى الله عليه وسلم، فالحل إذاً -يا أخي المسلم- أن تكفر عن يمينك، ثم تفعل هذا الشيء الذي منعت نفسك منه.. وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها -خلاف اليمين الذي حلفت عليه- خيراً منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك).
ولو حلف يميناً واحدة على أشياء مختلفة فقال: والله لا آكل ولا أشرب ولا أدخل بيتك، فقال (والله) مرة واحدة، فإنها تجب كفارة واحدة حتى لو كانت عدة أشياء، أما لو قال: والله لا أدخل بيتك.. والله لا آكل من طعامك.. والله لا أقعد في بيتك.. فصار اليمين "والله" متعدداً في العبارات، فعند ذلك تجب الكفارة في كل حلف، أما لو أقسم يميناً واحدة على عدة أشياء فإنه لو فعلها كلها فتجب فيها كفارة واحدة.
أعيد حتى لا يحدث الالتباس: لو أنه أقسم بيمين واحدة على عدة أشياء فقال: والله لا آكل في بيتك ولا أشرب ولا أقعد، فإن حنث بها كلها فقعد وأكل وشرب، فما دام قال: (والله) مرة واحدة، كان بداية الحلف مرة واحدة؛ فعليه كفارة واحدة، أما لو قال: والله لا آكل في بيتك.. والله لا أدخل بيتك.. والله لا أقعد في بيتك.. فعلى كل واحدة منها كفارة، فلو حنث فيها كلها فتجب عليه ثلاث كفارات.
الجواب: كلاهما مشروع وكلاهما صحيح، فيجوز أن يخرج الكفارة قبل أن يحنث في اليمين إذا كان يريد أن يحنث، أو بعد أن يحنث فيه.
فهذا -أيها الإخوة- خلاصة بعض الأحكام المتعلقة باليمين، قصد منها ومن عرضها تنبيه الناس إلى خطورة هذا الأمر، وأن فيها الكفارة، كما سنفصل إن شاء الله في الخطبة الثانية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ولما كان أمر الحلف بالله عظيماً فقد شرع الله تعالى صيانة لجنابه عز وجل، واحتراماً للحلف به، أوجب الكفارة على من يخالف الأمر الذي حلف عليه ويحنث في يمينه، فقال تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89] كلها بمنزلة واحدة، أنت مخير بين الإطعام أو الكسوة أو عتق رقبة، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ [المائدة:89] فمن لم يستطع الإطعام أو الكسوة أو تحرير رقبة، فينتقل إلى الدرجة الثانية من الكفارة وهي صيام ثلاثة أيام، وهو مخير إن شاء أطعم وإن شاء كسا، فإن أطعم خمسة وكسا خمسة أجزأ ذلك باتفاق العلماء، ويشترط لمن يطعمهم أو يكسوهم أن يكونوا:
أولاً: فقراء، فلا يجوز إعطاء الطعام الغني أو كسوة غني والفقير هو الذي لا يجد حاجته، ولا يجد ما يسد خلته وعوزه.
ثانياً: أن يكون من المسلمين.. بعض الناس يخرج كفارة فيلقى أقرب عامل بلدية في الشارع ويعطيه وهو لا يعرف إن كان هذا الرجل بوذياً أو هندوسياً أو مسلماً أو نصرانياً، فلا بد أن يتحرى لمن يعطي الكفارة، فيجب إعطاؤه للمسلمين.
ثالثاً: أن يكون هؤلاء قد أكلوا الطعام، ما معنى أكلوا الطعام؟ أي: أن يكونوا في سن يأكلون فيه الطعام، فمثلاً: لو وجدت عائلة فيها عشرة أشخاص كباراً فقراء، فيجوز إعطاؤهم الكفارة، لكن لو كان أحدهم طفلاً رضيعاً صغيراً، عمره شهر لا يأكل الطعام وإنما يرضع، فعند ذلك تكون قد أعطيت الكفارة لتسعة فقط والعاشر لا بد أن تبحث عنه حتى تكمل العشرة، فلا بد أن يكونوا قد أكلوا الطعام؛ لأن الله قال: إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ [المائدة:89].
وكذلك يتصدق الإنسان بحاجة الفقير ما يشبعه غداءً أو عشاءً، ما يشبع شخصاً واحداً، يتصدق على عشرة أشخاص بما يشبعهم، وليست صدقة وإنما هي كفارة، تجب عليه وجوباً وليس مخيراً فيها.
ويجوز أن يكون العشرة في عائلة واحدة أو في عدة عوائل، ويستحب طبخ الطعام لهم حتى لا يجدوا عناء في طبخه، ويجوز إعطاء الفقير الواحد حظه من كفارتين، لكن لا يجوز إعطاء طعام العشرة لشخص واحد أو لخمسة أشخاص، الكفارة الواحدة يجب أن تصرف لعشرة مختلفين، لكن لو كان عندك ثلاث كفارات فيجوز أن تعطي فقيراً واحداً ثلاثة أنصبة: الأولى عن الكفارة الأولى، والطعام الثاني عن الكفارة الثانية، والطعام الثالث عن الكفارة الثالثة لشخص واحد، أما لو كانت كفارة واحدة فيجب أن تبحث عن عشرة مختلفين لتعطيهم، ولا يجوز أن تعطي الواحد أكثر من نصيبه من الكفارة الواحدة.
وكذلك فإنه لا يجوز إعطاؤهم نقداً وإنما يجب إطعامهم طعاماً؛ لأن الله نص عليه فقال في القرآن: إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ [المائدة:89] ولم يقل: التصدق على عشرة مساكين، وإنما قال: فإطعام.. فلا بد من الالتزام بالنص والوقوف عنده وإعطائهم طعاماً، وقد يكون رب الأسرة بخيلاً، فيأخذ المال إليه ويحرم عياله من الأكل، أما عندما يكون الطعام مطبوخاً فماذا سيفعل به؟ لا بد أن يطعمهم إياه، ثم إن الله جعل للنقد مصارف أخرى على الفقراء وهي الزكاة، فلا حاجة لجعل كفارة اليمين نقداً وقد جعل الله أبواباً أخرى فيها النقد وهي زكاة الأموال.
وكذلك -أيها الإخوة- لا يجوز الانتقال من الإطعام إلى الصيام إلا بعد العجز عن الإطعام، فبعض الناس يقول: أنا أريد أن أوفر على نفسي، لماذا أخرج طعاماً لعشرة أشخاص بمائة ريال كل واحد أشتري له طعاماً بعشرة ريالات مثلاً وتكلفني مائة ريال؟ سوف أصوم ثلاثة أيام أرخص لي! هذا لا يجوز، لأن الله قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89] فعلَّق الصيام على عدم الوجود، سواء عدم وجود الفقير، أو عدم وجود المال الذي تشتري به الطعام، أو عدم وجود الطعام لديك، فكثير من الناس يصومون ثلاثة أيام وهو يستطيع أن يطعم، هذا غير جائز ومحرم ولا تقبل كفارته، ولا بد أن يعيدها، فإن عجز فعند ذلك ينتقل إلى الصيام.
انظروا -أيها الإخوة- هذه الآلاف الأيمان التي تنطلق من الناس يومياً ليست سهلة، وإنما فيها أحكام كثيرة، وفيها كفارة، تصور اليوم كم من المسلمين يهملون في هذه القضية العظيمة! وكم من الآثام تتراكم فوق ظهورهم وهم يحلفون بالله مستهينين به عز وجل ليلاً ونهاراً، في الأمور الحقيرة وغيرها!
وفقنا الله وإياكم لهدي كتابه والالتزام بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والوقوف عند حدوده عز وجل، وتعظيمه حق العظمة، التي هو لها أهل سبحانه وتعالى.
واعذروني في إطالتي أيها الإخوة، ولكن انتشار الموضوع عند الناس اليوم وخطورته تستوجب ما قلنا وأكثر من هذا، نسأل الله المغفرة في التقصير.
وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر