إسلام ويب

علي بن أبي طالب أول من أسلم من الصبيان، تربى في بيت النبوة، وقدم نفسه فداءً للنبي عليه الصلاة والسلام يوم الهجرة، فكان من أشجع الرجال. كانت له مواقف بطولية معروفة كموقفه في غزوة الخندق، وكذلك موقفه في غزوة خيبر الذي دل على محبة الله له، وكان موقفه الأخير -وهو من أعظم المواقف- في الفتنة، حيث كان الحق حليفه، وقد قتل رضي الله عنه وأرضاه غدراً ...

مواقف من حياة الإمام علي بن أبي طالب

الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله, أدّى الأمانة وبلّغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين, فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته, وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد:

فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة وزكى الله هذه الأنفس المطمئنة بالإيمان, وشرح الله هذه الصدور، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.

أحبتي في الله: مع أئمة الهدى ومصابيح الدجى, ونحن اليوم على موعد مع العابد التقي الورع الذي تفوَّق على إغراء دنيا البشر, إننا اليوم على موعد مع خليفة آخر، من طراز عمر في شدته وعدله واستقامته وورعه وزهده وتواضعه, إنه الرجل والخطيب المفوه البارع الذي تهتز الدنيا لكلماته، وهي تخرج من وراء شفتيه كأنها نور يبدد الظلماء, إنه الفقيه العالم الذي يجري الحق على لسانه وقلبه، إنه تلميذ بيت النبوة الذي تربى في حجر المصطفى صلى الله عليه وسلم وكفى, إنه الرجل الذي أحب الله ورسوله وأحبه الله ورسوله، إنه الرجل الذي اضطر يوماً لأن يفخر بهذه الفضائل وبتلك المكارم فقال:

محمدٌ النبي أخي وصهـري>>>>>وحمزة سيد الشهداء عمي

و جعفر من يمسي ويضحي>>>>>يطير مع الملائكة ابن أمي

وبنت محمد سكني وزوجي>>>>>منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولداي منها>>>>>فأيكم له سهم كسهمي

إننا اليوم على موعد مع الشهيد المظلوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.

أحبتي في الله! الحق أقول لكم: لقد صحبت التاريخ طوال الأسبوع الماضي في مراجعه وأمهاته الكبار، لكي أدرس من جديد حياة الإمام دراسة دقيقة في فترة حرجة من أحرج فترات التاريخ الإسلامي, بيد أن محاولة تلخيص حياة الإمام في هذه الدقائق المعدودات محاولة صعبة وعسيرة, فحياة الإمام لاسيما في مراحلها الأخيرة التي بدأت باستخلافه وانتهت باستشهاده لم تكن حياة عادية وإنما كانت تتفجر بالعظمة والجلال، وتموج بالأسى والهول موجاً في آن واحد.

فهيا بنا سريعاً إلى هذه الحياة الحافلة بالبطولة والألم والعظمة والمأساة, والبأساء والضراء, والنصر والهزيمة, والرخاء والشدة, والبسمة والدمعة, والفرح والحزن, هيا بنا إلى حياة الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه، وتعالوا بنا لنستهل هذه الحياة العامرة المباركة الكريمة بشهادات الحق وأوسمة الصدق التي منحها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه وأرضاه.

علي أول من أسلم من الصبيان

في أيام الرسالة الأولى يوم أن تنزل جبريل لأول مرة بوحي السماء على أرض مكة، كان هناك علي بن أبي طالب في بيت النبوة يستمع إلى القرآن غضاً طرياً من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسرعان ما نطق هذا الصبي الصغير التقي النقي بشهادة الحق وقولة الصدق ليكون أول صبي يدخل في دين الله جل وعلا، كما ورد في الحديث الذي رواه الترمذي بسند حسن صحيح من حديث زيد بن أرقم أنه قال: (أول من أسلم علي) وليس هناك تناقض؛ فإن علياً هو أول من أسلم من الصبيان، وإن أبا بكر هو أول من أسلم من الرجال.

علي في غزوة خيبر

وأنتقل سريعاً مع مواقف علي في حياته قبل الخلافة في غزوة خيبر، في السنة السابعة من الهجرة برزت وتجلت بطولة أسد الله، وظهرت مكانته عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم, فلقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حصون خيبر آخر المعاقل لليهود في المدينة المنورة وحاصرها النبي حصاراً شديداً وطال الحصار, فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوماً -كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم -: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه).

أسمعتم أيها الأحبة؟! رجل يحب الله ورسوله أمر عادي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكن رجل يحبه الله ورسوله إنه أمر تشرئب إليه الأعناق, ولذا ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: [والله ما تمنيت الإمارة إلا يومئذٍ] يقول سهل بن سعد راوي الحديث: [فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها] أي: يخوضون ويتحدثون، يا ترى من سيكون هذا الرجل الذي سيفتح الله على يديه حصون خيبر المنيعة؟ يا ترى من سيكون هذا الرجل الذي يحبه الله ورسوله؟

فلما أصبح الناس غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واشرأبت الأعناق، وحاول كل فارس مغوار أن يقول لرسول الله: هأنذا, وسكن الجميع وصمت الجمع وشق هذا الصمت الرهيب وهذا السكون الدائم صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أين علي بن أبي طالب ؟ -إنه رجل الموقف وصاحب الراية- فقالوا: يا رسول الله! إنه يشتكي عينيه) لقد رمد علي وتخلف؛ لأنه يشتكي اليوم عينيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأرسلوا إليه, فأتي به رضي الله عنه وأرضاه، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم على عينيه ودعا له فبرئ وكأنه لم يكن به وجع, وأعطاه الراية، فقال علي : على ماذا أقاتل الناس يا رسول الله؟ -وهذا لفظ مسلم من حديث أبي هريرة - فقال صلى الله عليه وسلم: قاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وفي لفظ البخاري : (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

وانطلق البطل المغوار والفدائي العظيم الذي علَّم الدنيا شرف البطولة وحقيقة الفداء، وسرعان ما علا صوت النصر على لسان هذا البطل الكبير والفدائي العظيم الذي صرخ بأعلى صوته في وسط حصون خيبر : الله أكبر! خربت خيبر , وتم الفتح بموعود الله وبكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد هذا الأسد والبطل الشريف والفدائي الكبير.

علي في غزوة تبوك

وفي السنة التاسعة من الهجرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً أن يخلفه في أهله، وخرج علي يشتكي كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقال: (يا رسول الله! تخلفني في النساء والصبيان؟) أعيروني القلوب وأصغوا الأسماع لتستمعوا إلى هذه الشهادة، ولتأخذوا هذا الوسام الذي علقه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة على صدر علي بن أبي طالب ، فيقول له الحبيب: (يا علي ! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي), الله أكبر! أي طراز من البشر كان علي ؛ لينال هذه الشهادة الكريمة، وليحصل على هذه المنقبة الكبيرة العظيمة؟

دراسة تحليلية لأحداث الفتنة بين علي ومعاوية

ولن أتوقف طويلاً -أيها الأحبة- عند حياة الإمام قبل الخلافة -فإني أرى عقارب الساعة بين يدي تطاردني لنخلِّف سريعاً الأحداث المؤلمة- لنعيش مع البطل في أحداث الفتنة الصماء البكماء العمياء؛ لنستخرج الحق من وسط هذا الركام الهائل من الأخبار الموضوعة والأقوال المكذوبة المصنوعة، التي شحنت بها الكتب والأسفار على أيدي الشيعة والخوارج وغيرهم من فرق الباطل والضلال.

وأعيروني القلوب فإن هذا العنصر من أخطر عناصر اللقاء والموضوع، ولو لم أتوقف في هذا اللقاء إلا معه لكفى, فلقد شوهت حقائق التاريخ, وشوهت صور هؤلاء الأطهار الأبطال الأبرار والعدول الثقات، الذين زكاهم وعدلهم محمد صلى الله عليه وسلم.

كُتَّاب التاريخ في الميزان مع الأحداث

يجب أن نعلم -أيها الأحبة- أن التاريخ الإسلامي لم يبدأ في تدوينه إلا بعد زوال دولة بني أمية, وقام على تدوينه ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: طائفة طلبت العيش والرزق والكسب بما تكتبه وما تؤلفه، بالتقرب والتودد إلى مبغضي بني أمية من دولة بني العباس.

الطائفة الثانية: طائفة ظنت أن التقرب إلى الله جل وعلا لا يكون إلا بإطراء علي بالباطل والكذب, وبتشويه صورة أبي بكر وعمر وعثمان بل وبتكفيرهم.

الطائفة الثالثة: من أهل الصلاح وأهل الدين والاستقامة؛ كأمثال الأئمة الفطاحل الكبار كـابن جرير الطبري وابن عساكر وابن الأثير وابن كثير.

ولكن هؤلاء لظروف سياسية لا يتسع المجال لذكرها رأوا أن يجمعوا التاريخ كله ويسجلوا الحق؛ أن يجمعوا أخبار الإخباريين على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم ومشاربهم، مع ذكر أسماء الرواة؛ ليرجع الباحث بعد ذلك إلى الخبر برجال إسناده؛ فيتعرف على صحة هذا الخبر من خلال معرفته بهؤلاء الرواة.

ولكن من الذي سيتعرف على ذلك؟

إنه لا يتعرف على ذلك إلا جهابذة النقاد والصيارفة من علماء الجرح والتعديل، وهكذا نقلت إلينا هذه التركة على أنها التاريخ الإسلامي بغثها وسمينها، وقام من لا يجيد النزال في وسط هذا الميدان اللجب الكبير؛ لينقل من هذه التركة بغير ميزان وبدون قيد ولا ضابط، فنقل الغث والسمين والصحيح والخاطئ والباطل والكذب وهو لا يدري، على أنها سيرة الصحابة وتاريخ الإسلام، وهو بريء من كل هذه التهم ومن كل هذه الأخبار التي دس معظمها الشيعة من ناحية، والخوارج من ناحية أخرى.

فلا بد من العودة إلى هذه التركة الضخمة لنستخلص الحق من الباطل والصحيح من الخطأ والصدق من الكذب, وإنها لمهمة صعبة, فإن هؤلاء الأبرار الذين زكاهم وعدلهم النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال -وهذا لفظ مسلم -: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه), وفي رواية الترمذي في كتاب المناقب -وقال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الله الله في أصحابي؛ لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك الله أن يأخذه)، شوه تاريخهم في هذه الفترة الحرجة وكذب عليهم، وهم أهل الصدق وأهل العدالة رضي الله عنهم, وإن من أشد الفترات التي شوهت تاريخهم هذه الفترة التي تبدأ تقريباً من النصف الثاني في خلافة عثمان رضي الله عنه وأرضاه والتي انتهت بمقتله ومقتل علي والحسن والحسين ومقتل عدد كبير رهيب من المسلمين، نسأل الله جل وعلا أن يتجاوز عنا وعنهم بمنه وكرمه.

محاولات علي بن أبي طالب في إخماد الفتنة

السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو دور علي في هذه الفتنة الصماء البكماء العمياء؟

وانتبهوا -أيها الأحبة الأخيار- فلقد بدأ علي بدور الوساطة الصادقة الأمينة بين عثمان بن عفان وبين الموتورين من الثوار المجرمين الذين حاصروا بيت الخليفة رضي الله عنه, ولكن علياً رأى الفتنة تشتد، ورأى النار تتأجج وتشتعل، ورأى الموتورين من الثوار يحاصرون بيت الخليفة رضي الله عنه وأرضاه, فخرج من بيته معتماً بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلداً سيفه مع نفر من الصحابة من المهاجرين والأنصار؛ من بينهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين وأبو هريرة وغيرهم من موالي عثمان رضي الله عنه، وكانوا تقريباً لا يزيدون على سبعمائة رجل، ولو تركهم عثمان لمنعوه, ولكن عثمان هو الذي رفض أن تهراق قطرة دم واحدة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون سبباً في الفتنة التي لم يغلق بابها بعد.

فدخل علي بن أبي طالب على عثمان في داره وقال: [يا أمير المؤمنين! ما أرى القوم إلا قاتليك فمرنا فلنقاتل] -لا تنسوا هذه العبارة- فقال عثمان الأواب التواب التقي الحيي النقي الذي علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشره بالشهادة بل وجاءه في الليلة السالفة الماضية ليقول له: (أفطر عندنا غداً يا عثمان ) وهو ابن الثمانين فلماذا يقاتل؟ ولماذا تهراق الدماء بسببه؟

فنظر عثمان إلى علي وإلى رقيقه ومواليه وقال: [أقسم بالله على كل من لي عليه حق أن يغمد سيفه وأن يكف يده وأن يرجع إلى منزله], ونظر إلى مواليه وقد شهروا السيوف فقال لهم: [من أغمد سيفه فهو حر], وهكذا أعلن عثمان قولته الخالدة: [ما أحب أن ألقى الله وفي عنقي قطرة دم لامرئ مسلم], وآثر الشهادة في سبيل الله وألا تبدأ الفتنة رضي الله عنه وأرضاه.

وانطلق علي بن أبي طالب إلى المسجد فحان وقت الصلاة؛ فقال الناس: تقدم يا أبا الحسن ! فصلِّ بالناس فقال: [والله ما كنت لأصلي بكم والإمام محصور] وصلّى علي وحده وتركهم وانصرف, ووقع ما قدر الله جل وعلا وكان؛ فقتل عثمان رضي الله عنه وأرضاه بعد أن حصره المجرمون في داره وكاد الظمأ أن يقتله لو أمهلوه بضعة أيام, وظلت المدينة خمسة أيام كاملة بلا خليفة، وأميرها الغافقي الوقح قاتل عثمان ، وحار الناس واضطرب الأمر، وقال الجميع على صوت رجل واحد: لا يصلح لهذا الأمر إلا علي , وذهب المهاجرون والأنصار فأبى, ثم ذهبوا إليه مرة أخرى فأبى, ثم ذهبوا إليه مرة ثالثة فأبى, فقالوا: إنه واجب! وانقاد علي بن أبي طالب لضغوط المهاجرين والأنصار، وعلم أن هذه التبعة قدر عليه أن يكون هو حاملها، وأن يكون هو رجلها الآن, فمن يحملها إن لم يحملها علي؟ والحق يقال: إنه لم يكن على ظهر الأرض قاطبة بعد عثمان رضي الله عنه من هو أحق بالخلافة من علي رضي الله عنه وأرضاه.

تولي علي الخلافة ومطالبة معاوية والناس بدم عثمان

وتولى علي الخلافة في وقت عصيب رهيب, وخرج إلى المسجد ليبايع الناس فبايعه المهاجرون والأنصار جميعاً، وما لبث علي أن بويع إلا ودخل عليه طلحة والزبير رضي الله عنهما مع رءوس الصحابة الكبار في المدينة المنورة وقالوا: يا أمير المؤمنين لا بد من قتل قتلة عثمان؟ -سبحان الله!- وهنا يبدأ الخلاف؛ فكل فريق له وجهة نظره, وكل فريق له اجتهاده, من الذي يقتله؟ وأي قوة تستطيع الآن أن تقتل قتلة عثمان؟! لقد تعصب وغضب إليهم كثير من الناس حتى زاد عددهم عن عشرة آلاف فارس مدججين بالسلاح ينتشرون في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن الذي يستطيع أن يقيم عليهم حد الله بالثأر لقتل دم عثمان في هذا الظرف؟

واعتذر علي وقال رضي الله عنه وأرضاه: [إن قتلة عثمان كثرة ولهم مدد وأعوان] والحق معه بكل المقاييس، إذاً أين القوة التي تستطيع أن تقيم عليهم الحد ولم تستطع أن تحول بينهم وبين قتل الخليفة؟ وخرج الصحابة في غضب وفي ثورة شديدة على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وكان من بين هؤلاء الذين ثاروا ثورة شديدة لدم عثمان رضي الله عنه؛ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه, وحذار حذار من الخوض في هؤلاء الأطهار الأبرار, فإننا نسمع الآن ونقرأ من يتكلم على هؤلاء الأخيار كلاماً تقشعر له الأبدان وتضطرب له الأفئدة، وهم السابقون الأولون.

ثار معاوية وازدادت ثورته بعدما أرسلت نائلة زوجة عثمان بقميص عثمان الذي قتل فيه، ووضعت فيه أصابعها التي قطعت وهي تدافع عنه, وأرسلت بالقميص والأصابع إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه الذي كان يعتبر نفسه من أوائل الناس ومن أحق الناس مطالبة بدم الخليفة الراحل, ولما رأى معاوية القميص بكى, وأخذ القميص وعلق فيه أصابع نائلة , وعلق القميص على منبر المسجد الدمشقي ولما رآه الناس والصحابة بكوا بكاءً شديداً، وارتفعت الأصوات بالنحيب على موت عثمان رضي الله عنه وأرضاه, وبايعوا معاوية على الثأر لـعثمان ولم يبايعوه على الخلافة, ما بويع معاوية على الخلافة ولم يطلب معاوية الخلافة قط، وإنما كان يطلب الثأر لدم عثمان أو أن يسلم علي لـمعاوية قتلة عثمان ليقتص منهم لـعثمان رضي الله عنه وأرضاه, وهنا بدأ الخلاف الكبير.

فخرج طلحة والزبير إلى مكة المكرمة إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فلقد كانت عائشة بـمكة لأداء مناسك الحج في هذا العام، ولما سمعت عائشة بخبر مقتل عثمان قامت تدعو الناس وتحث الناس للثأر لدم عثمان , وقد تأولت قول الله جل وعلا الذي رددته كثيراً: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114] فخرجت عائشة رضي الله عنها فالتف الناس حولها وقالوا: يا أماه! نحن معك حيث سرت للمطالبة بدم عثمان , واتفق هذا الجمع كله على الذهاب إلى البصرة ليكونوا قريبين من معاوية رضي الله عنه، وقد ضمن الأمر في المدينة علي بن أبي طالب ليستسمعوا همم الناس للمطالبة بدم عثمان رضي الله عنه, وخرجوا جميعاً إلى البصرة , ولما سمع علي بذلك عزم على أن يخرج بنفسه, فقام عبد الله بن سلام الصحابي الجليل وأخذ بعنان فرسه وقال: [يا أمير المؤمنين! لا تخرج من مدينة رسول الله؛ فوالله لئن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبداً بعد اليوم] ورفض الحسن أن يخرج أبوه رضي الله عنه, ولكن علياً قال: [والله ما خرجنا إلا لأنا نريد الإصلاح بين الناس لا نريد قتالاً].

وإن أعظم دليل على ذلك أن علياً خرج من المدينة مع تسعمائة رجل، فهل هذا جيش يريد القتال؟ وفي الطريق التف حوله الناس من كل البقاع واجتمع عليه عدد كبير، ولما وصل إلى البصرة , وكان قد اجتمع على عائشة وعلى طلحة والزبير عدد كبير من أهل البصرة للمطالبة بدم عثمان أرسل علي إليهما -أي: إلى طلحة والزبير- القعقاع بن عمرو التميمي رضي الله عنه وأرضاه.

فبدأ القعقاع بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال: يا أماه! ما الذي جاء بك إلى هذه البلاد؟

فقالت: أي بني! ما جئت إلا لأصلح بين الناس.

فقال القعقاع : فأرسلي إلى طلحة والزبير ليحضرا, فحضرا طلحة والزبير .

فقال القعقاع بن عمرو : لقد سألت أمنا ما الذي أقدمك إلى هذه البلاد؟

فقالت: ما جئت إلا لأصلح بين الناس.

فنطق طلحة والزبير رضي الله عنهما وقالا: والله ما جئنا نحن إلا لذلك.

فقال القعقاع بن عمرو: إذاً فما الذي تريدون؟ نحقق ونتفق على الإصلاح فإن اتفقنا عليه اصطلحنا.

فقال طلحة والزبير رضي الله عنهما: لا نريد إلا أن نقتل قتلة عثمان ، فإن تركنا قتلهم فقد تركنا القرآن الكريم.

فقال القعقاع بن عمرو: لقد أتيتم أنتم إلى البصرة فقتلتم قتلة عثمان من البصرة ، فغضب لهم ستة آلاف فارس, فتركتموهم فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون, وإن حاربتموهم وقعت مفسدة هي أربى من الأولى, فاقتنع طلحة واقتنع الزبير .

فقالت عائشة رضي الله عنها: فماذا تقول أنت يا قعقاع ؟

فقال القعقاع رضي الله عنه: أقول: بأن الدواء لهذا الأمر التسكين, وكونوا مفاتيح خير ولا تضيعونا، فإن ما حدث أمر عظيم, وإن كلمة الناس قد اختلفت في جميع الأمصار، وإن علياً رضي الله عنه وأرضاه معذور في تأخير قتلة عثمان حتى يتمكن منهم ويقدر عليهم.

موقعة الجمل

واقتنع الجميع، واتفق الطرفان على الصلح، واصطف الفريقان للصلح في الصبح الباكر وبات الفريقان بخير ليلة وأسعد ليلة.

بات قتلة عثمان بشر ليلة، -انظروا من أين تأتي الفتن؟- وعلى رأسهم ابن السوداء عبد الله بن سبأ اليهودي الذي قال قولة عجيبة: والله إن علياً هو أعلم الناس بكتاب الله من المطالبين بدم عثمان, وغداً يتفق الفريقان على الصلح ويجمع علي الناس عليكم، وإن القوم جميعاً لا يطلبون إلا أنتم, فوالله لئن كان ذلك لنلحقن علياً بـعثمان, فأجمعوا الأمر وفكروا ما الذي نفعل وما الذي نصنع! فاتفقوا جميعاً على أن ينقضوا في ظلمة الليل البهيم الدامس على فريق علي وعلى فريق طلحة والزبير ليضربوهم وليقاتلوهم ليظن كل فريق من الفريقين في ظلمة الليل أن أمر الصلح الذي كان بالأمس إنما هو خدعة, وأن كل فريق من الفريقين قد غدر بالآخر, ونشب القتال كفوران ماء يغلي بدون أسباب منطقية إطلاقاً، ونشبت موقعة الجمل الضارية التي صرخ فيها علي بن أبي طالب وهو يقول: [والله لوددت أني قد مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة].

وانتهت المعركة سريعاً كما بدأت سريعاً وذهب علي بنفسه إلى أم المؤمنين عائشة ليطمئن عليها, فقال لها: السلام عليك يا أماه! كيف حالك؟

فقالت: بخير.

فقال علي : غفر الله لك, وأمدها بالمراكب والمتاع وسير معها محمد بن أبي بكر رضي الله عنه إلى مكة ثم إلى المدينة.

موقعة صفين بين علي ومعاوية

رجع علي بن أبي طالب إلى الكوفة لتبدأ فتنة أخرى حالكة في لقاء علي رضي الله عنه مع معاوية؛ يوم أن صمم علي على أن يذهب بنفسه إلى الشام وشاور وأرسل رسالة إلى معاوية يطلب فيها البيعة, فقد بايع علياً كل الناس وكل الولاة إلا معاوية رضي الله عنه.

فجمع معاوية رءوس الناس في الشام وعرض عليهم رسالة علي رضي الله عنه، فقالوا جميعاً: لا, لا نبايع علياً إلا إذا قتل قتلة عثمان ، أو سلمهم إلينا لنقتلهم, وخرج علي بنفسه واستعد أهل الشام ونشبت فتنة القتال مرة أخرى وإنا لله وإنا إليه راجعون.!

ودارت الحرب الطاحنة -سبحان الله!- ولما رأى أهل الشام أن الحرب ضروس رفعوا المصاحف على أسنة السيوف والرماح, وقالوا: نحكم بيننا كتاب الله، وقبل الفريقان تحكيم كتاب الله جل وعلا, قبل أهل العراق مع علي وقبل أهل الشام مع معاوية بعدما رُفع كتاب الله جل وعلا بينهما، واختار الفريقان حكمين, اختار علي : أبا موسى الأشعري، واختار معاوية : عمرو، ولقد قال الناس ما قالوا في مسألة التحكيم، وشبهوها بلعبة سياسية حقيرة قذرة لا تتم إلا في مؤتمر من مؤتمرات الكذب والبهتان، وقالوا في أبي موسى وفي عمرو كلاماً لا ينبغي على الإطلاق أن يقال في أشراف الناس فضلاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا يخلو كتاب من كتب التاريخ من هذه الأكذوبة الكبيرة، قالوا: لقد اتفق عمرو وأبو موسى على خلع علي ومعاوية , وهل كان معاوية خليفة أو ادعى الخلافة ليخلعه أبو موسى أو عمرو ؟ كلا.

انظروا إلى مغالطات التاريخ, وإنما الذي حدث أن قالوا: بأن أبا موسى وعمرواً قالا: نخلع علياً ونخلع معاوية ونترك الأمر شورى للمسلمين, هذا صحيح وهذا صدق وحق، ولكن البهتان يأتي, قالوا: فلما اتفقا على ذلك واجتمعا في الموعد المضروب بينهما, قال عمرو : تكلم يا أبا موسى, فقام أبو موسى فقال: لقد اتفقت أنا وصاحبي على أن نخلع علياً ومعاوية ، وعلى أن يترك الأمر شورى للمسلمين ليختاروا من يشاءون, فلما انتهى أبو موسى من بيانه, قام عمرو بن العاص وقال: لقد خلع صاحبي علياً ومعاوية ، أما أنا فإني أخلع علياً وأثبت معاوية , ما هذا.؟! هذا يليق بمؤتمرات الكذب والبهتان, يليق بألاعيب السياسة.

أما مع هؤلاء الأطهار الأبرار؛ فلا وألف لا, ولدينا من الأدلة الصحيحة من روايات الأئمة الثقات الأثبات ما ينفي ذلك الكذب والبهتان عن هؤلاء الأطهار الأبرار والأخيار الأعلام, واقرءوا ما رواه الإمام العلم الثبت الدارقطني بسنده الصحيح أن حضير بن المنذر رضي الله عنه وأرضاه أرسله معاوية بن أبي سفيان إلى عمرو رضي الله عنه ليتحقق مما حدث, فذهب حضير بن المنذر ولقي عمرواً , فقال: يا عمرو ما الذي صنعتماه أنت وأبو موسى ؟ -أتدرون ماذا قال عمرو؟ قال: أنتركه ونذهب إلى هذا الغدر والكذب الذي لا يليق بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال عمرو : ماذا ترى يا أبا موسى فقال أبو موسى رضي الله عنه وأرضاه: أرى أن نخلع علياً ومعاوية وأن يبقى هذا الأمر في النفر الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض, فقال عمرو : فما تجعلني أنا ومعاوية ؟ فقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: أنتما إن طلب منكما، إن يستعن بكما ففيكما المعونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما, وانتهى الأمر...

أما هذه الأكاذيب والافتراءات فلا دخل لها إطلاقاً ولا وجود لها في عالم هؤلاء الأطهار، ليس معنى ذلك -أو لا يفهم من كلامي- أنني أقول: إن العصمة للصحابة! كلا, بل إننا على يقين أن منهم من قد زل باجتهاده! وهو اجتهاد مأجور عليه حتى وإن أخطأ؛ لأنه لا ينشد إلا الحق كما قال الأئمة الأعلام كشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام أحمد وجميع أئمة أهل السنة والجماعة رحمهم الله جميعاً:

إن كل فريق منهما قد اجتهد وهو مأجور على اجتهاده حتى وإن أخطأ، مع أننا نقول بيقين جازم مطلق بأن أولى الطائفتين بالحق كان علياً رضي الله عنه وأرضاه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..

مروق فرقة الخوارج

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

وهنا -أيها الأحبة- مرقت فرقة الضلال من بين جيش علي رضي الله عنه وأرضاه؛ هؤلاء الذين قبلوا التحكيم في أول الأمر, بل وهم الذين أصروا على علي أن يذعن لكتاب الله، وهل عارض أو عاند، علي الذي تربى في أحضان الكتاب وبين آياته؟ هل أنكر حدود الله وضيع كتاب الله؟! خرجت هذه الفرقة فرقة الضلال، الخوارج الذين اعترضوا على علي وخرجوا عليه، وحكموا عليه بالكفر, قالوا: تحكم في كتاب الله بشراً -سبحان الله!- من أصحابك؟ إن الحكم إلا لله, وكفروا علياً بهذه المقولة حتى قال علي قولته الخالدة: [كلمة حق يراد بها باطل].

وانطلقوا يعيثون في الأرض تقتيلاً وفساداً, هذه الفرقة التي قال عنها الحبيب الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في أحاديث بلغت حد التواتر: (يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية).

وفي حديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يقتل هذه الفرقة أولى الطائفتين بالحق), فشهد النبي للطائفتين, لطائفة علي ولطائفة معاوية بأنهما على الحق، ولكن هناك فرقة هي أولى بالحق من فرقة، وهي فرقة علي رضي الله عنه وأرضاه, وهذا هو ما يدين الله به أهل السنة والجماعة بأن الطائفتين على الحق، وأولى الطائفتين بالحق طائفة علي ، وكلاهما مجتهد مأجور إلا أن اجتهاد علي ضعف اجتهاد معاوية ومن معه رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم.

مقتل علي بن أبي طالب على يد الخوارج

أيها الأحباب: اتفق الخوارج على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص ، ونجح عبد الرحمن بن ملجم في مهمته الحقيرة الخطيرة، وطعن علياً رضي الله عنه بسيف مسموم سمه شهراً كاملاً, طعنه وهو في الكوفة يخرج ليمشي في الشوارع والطرقات ليوقظ الناس بنفسه -وهو أمير المؤمنين- لصلاة الفجر, فطعنه المجرم الذي طعنه وهو يقول: يا علي! أتريد أن تحكم في كتاب الله أصحابك؟ إن الحكم إلا لله. وظل يردد هذا الوقح قول الله جل وعلا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207] أسمعتم إلى هذا الهراء وإلى هذا الكذب؟ باسم الدين يقتل علي؟! باسم الدين يقتل عثمان؟! باسم الدين يقتل الحسن والحسين؟! إنه الكذب والزهد الكاذب, والورع المغلوط المقلوب, يقرأ قول الله وهو يقتل علياً : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة:207].

وقتل علي رضي الله عنه ونام على فراش الموت وهو يردد: لا إله إلا الله, وظل يرددها مرات كثيرة حتى لقي الله جل وعلا ولسانه غظ طري بكلمة التوحيد.

اجتماع الأمة على معاوية

ولما مات علي ذهب الناس إلى الحسن ليبايعوه، فبايعوا الحسن بن علي رضي الله عنه وأرضاه، إلا أن الحسن تعالى على كل هذه الدماء والأشلاء، وحقن دماء المسلمين، وحقق ما قاله من قبل الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فتنازل الحسن عن الأمر لـمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم جميعاً وحقن الحسن الدماء، وانتقل الملك إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه، ليحقق الحسن دليلاً من دلائل النبوة الخالدة كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد يوماً على المنبر وأجلس إلى جانبه الحسن بن علي ثم نظر النبي إلى الناس ونظر إلى الحسن وقال: (أيها الناس! إن ابني هذا سيد سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين), بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

وأصلح الحسن بين فئتين عظيمتين من المسلمين, بل وحكم الله جل وعلا للفئتين بالإيمان إلا من مرق من مارقة فرق الضلال والباطل من الخوارج والشيعة وقتلة عثمان وغيرهم؛ فقال سبحانه: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - فلم يخرجهم بالقتال والحرب من دائرة الإيمان, بل ولا من دائرة الأخوة- اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9], ويحكم الله لهم جميعاً بالأخوة فيقول جلا وعلا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10].

أحبتي في الله: أختم هذا اللقاء الساخن بهذه العبارة حتى لا تنسى وأقول: هذه فتنة عظيمة سلمت منها أيدينا فلتسلم منها ألسنتنا, وحذار أن نكون من الخائضين، وأن نكون من الهالكين بخصومة أصحاب رسول الله يوم القيامة أمام رب العالمين.

أسأل الله جل وعلا أن يتجاوز عنا وعنهم بمنه وكرمه، وأن يغفر لنا ولهم وأن يجزيهم عنا خير الجزاء.

اللهم ارض عن أبي بكر وعثمان وعمر وعلي, اللهم ارض عنهم يا رب العالمين, وتجاوز عنا وعنهم بكرمك وأنت على كل شيء قدير.

اللهم اجمعنا بهم في دار كرامتك ومستقر رحمتك، مع إمام الهدى ومصباح الدجى وإمام النبيين وخاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام.

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين, وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين.

اللهم اجمع شملهم.

اللهم وحد صفهم, وزلزل الأرض من تحت أقدام أعدائهم بقدرتك يا أرحم الراحمين.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وما كان من توفيق في هذا اللقاء فمن الله جل وعلا وحده, وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان, والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , علي بن أبي طالب للشيخ : محمد حسان

https://audio.islamweb.net