اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , حالنا مع القرآن للشيخ : محمد مختار الشنقيطي
أما بعد: فاختصار للوقت لم أرد أن أدخل مع الشيخ محمد حفظه الله فيما ينبغي من الأسبقية للمتكلم، وفضلت أن أبدأ بكلمة موجزة قصيرة، حتى يتيسر لكم الانتفاع بما عنده جزاه الله خيراً، ونفع الله به ومنه، ووفقنا الله وإياكم جميعاً للعمل بما نقول وبما نسمع، وجعلنا الله وإياكم هداة مهتدين، وزادنا وإياكم هدىً وخلقاً وتوفيقاً وعلماً وتواضعاً. آمين .
إخواني! إن من أهم الأمور التي يجب علينا جميعاً أن نعتني بها القرآن الكريم كتاب الله عز وجل، إن القرآن الكريم من أهم الأمور التي يجب علينا الاعتناء بها حفظاً وتلاوة، وفهماً وتدبراً وعملاً وتحاكماً واستشفاءً، وإنا لم نعد نخشى اليوم قلة الحفاظ بقدر ما أصبحنا نخشى عدم التدبر في كتاب الله عز وجل، وفهم ما أريد به وهو خطاب ربنا سبحانه وتعالى الموجه إلينا، وعندما نتأمل حديث ابن عمر رضي الله عنهما في المستدرك بسند على شرط الشيخين وأقره عليه الذهبي رحمهم الله تعالى، نرى أن من أخبر عنهم ابن عمر في زمانه من المقصرين في حق كتاب الله عز وجل، لا يمكن أن يكونوا أولى منا وأحرى وأجدر بأن يوصفوا بالمقصرين الذين حولوا ما أريد بكتاب الله عز وجل إلى مجرد الترداد والتلاوة من غير تأمل ولا تفهم ولا تدبر، ليسوا أولى منا ولا أجدر بأن يوصفوا بالمقصرين.
وإن كان هذا قد روي في عصر ابن عمر ، في أوائل عهد التابعين الذين هم أفضل هذه الأمة بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمما لاشك فيه أن مضي السنين وتصرم الأعوام يفضي بمن يأتي بعد الزمان الأول إلى حال أشد وعورة وأشد خطورة، فنعيذ أنفسنا وإياكم بالله عز وجل من أن نكون واقعين تحت طائلة هذا الكلام الذي سأذكره سريعاً.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: [كنا نؤتى الإيمان، ثم نؤتى القرآن، فإذا نزلت السورة تعلمنا حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده كما يتعلم أحدكم السورة من القرآن] الإيمان ثم القرآن، وحالهم مع القرآن حال تفهم لما أريد من خطاب الله عز وجل الموجه إليهم يتعلمون الحلال والحرام، وما ينبغي أن يوقف عنده كما يتعلم الشخص منا تلاوة سورة من السور ليحفظها، قال ابن عمر رضي الله عنهما: [ولقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن فيقرأه من فاتحته إلى خاتمته، لا يدري أمره ولا زجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده، ينثره نثر الدقل].
كما يبعثر الواحد منا ويرمي التمر الرديء، ولا يحفل ولا يعبأ به ولا يبالي به، كذلك هذا الذي لا يدري أمره ولا زجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده، وهكذا ينتقل من سورة إلى أخرى.
وكما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: كيف يمكن لمن يتعامل مع القرآن على النحو والوجه اللائق أن يكمل ختمة، بل كيف يمكن أن يجوز آية إلى غيرها إلا بصعوبة ومشقة؟ إذا كان يعطيها حقها من الفهم والتدبر، وتنزيلها على أدواء قلبه، كيف يمكن أن يجوز آية إلى آية أخرى؟
وكذلك من قام يصلي لله عز وجل، إذا أعطى الركعتين اللتين يصليهما قلبه وخشوعه وحضوره وتركيزه إلى آخره ... كيف يمكن أن يتجاوز ركعتين إلا بمشقة وجهد؟ فإذا غفل عن ذلك عد الركعات بلا حساب، فهكذا يبين لنا ابن عمر رضي الله عنهما أن من الناس من حاله مع القرآن حال من ينثر الدقل، ينثر القرآن كما ينثر الدقل، وبسبب هذا الجهل بكتاب الله عز وجل ترى فينا -وما أبرئ نفسي- خللاً في الظاهر وفي الباطن، في الباطن خلل في النيات والمقاصد وأحوال القلوب، وفي الظاهر خلل في الآداب وما ينبغي أن يقف الإنسان عنده من الآداب الشرعية، خلل في الظاهر والباطن؛ لأننا لم ننزل أدوية القرآن على أدواء الباطن والظاهر.
ولهذا صار كل الناس يشكون من بعضهم البعض، يشكون من المعاملات، يشكون من التصرفات، يشكون من القسوة ومن الغفلة، ومن الغلظة والجفاء؛ كل هذا لأن القلوب لم تعرض أدواؤها على أدوية القرآن، ولم ينـزل دواء القرآن على هذه الأدواء.
وتتبع القرآن أمراً من أمور الجاهلية في سورة الأحزاب في الآية الثالثة والثلاثين، فقال سبحانه وتعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33] وتتبع أمراً آخر من أمور الجاهلية وهو الظهار، وإن لم يصفه في سورة المجادلة بإنه من أمور الجاهلية، لكن أخبر العلماء أن هذا الأمر كان معروفاً في الجاهلية، ولكن شنع القرآن عليه، وذمه وقبحه في سورة المجادلة فقال: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً [المجادلة:2] في الآية الثانية من سورة المجادلة.
وذكر حمية الجاهلية في سورة الفتح في الآية السادسة والعشرين، وأنه لا يجعلها في قلبه إلا الذين كفروا، أما المؤمنون فجهادهم في سبيل الله عز وجل، لتكون كلمة الله هي العليا، فقال سبحانه وتعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [الفتح:26].
وتتبعت السنة أمور الجاهلية، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وحذر من ازدراء الناس واحتقارهم وانتقاصهم، حتى قال لـأبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه السابق إلى الإسلام من السابقين، قال له يوماً لما عير رجلاً بأمه: [يا ابن السوداء!] قال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه القدم الثابتة الراسخة في الإيمان، وما أمضاه من سنين في البلاء الحسن، قال له: (إنك امرؤ فيك جاهلية).
وعلى هذا فكم من رجل وامرأة منا حريون بأن يقال لهم: إنكم أناس فيكم جاهلية؛ لأننا قد بعدنا أشد البعد وأعظمه من عرض أدوية القرآن على أدواء قلوبنا ولسنا كـأبي ذر ، ومع ذلك فلتت من أبي ذر هذه الفلتة التي عوض عنها وداواها بأن وضع خده على الأرض، وأمر من قال له: [يا ابن السوداء!] ويقال: إنه بلال ، ويقال: غيره، وأمر هذا الشخص الذي عيره بأن يطأ خده بقدمه، لكي يتخلص تماماً من أمر من أمور الجاهلية أخبره المربي الأعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما يزال فيه.
أمور الجاهلية الكثيرة التي فينا لا خلاص لنا منها إلا بأن نقرأ القرآن الكريم قراءة فهم وتدبر ووعي، ولأن يفهم الواحد منا في هذا الزمان سورة من سور القرآن الكريم فهماً صحيحاً سليماً بكل ما فيها من حلال وحرام، وما ينبغي أن يوقف عنده لعل هذا يكون أبرك وأعظم أثراً على النفس وعلى الأفراد والمجتمع، من أن يقول المرء: أنا من حفاظ القرآن الكريم، ثم تراه بعد ذلك يتصرف تصرفات يقال له فيها كما قال الشيخ عبد الرحمن العشماوي جزاه الله خيراً:
إيه يا حافظ القرآن أجبنيأو هذا بالحافظين يليق
نعم، لا نريد أن يقال للحفاظ هذه الكلمة، ولو بين الإنسان وبين نفسه، لا نريد أن يقول أحدٌ بينه وبين نفسه:
إيه يا حافظ الكتاب أجبنيأو هذا بالحافظين يليق
إذاً فلو تدبر الواحد منا سورة واحدة تدبراً كاملاً، وعرف ما أريد فيها من خطاب الله عز وجل، وما أريد بالآيات أبرك وأعظم أثراً من أن يجمع سورة إلى سورة، وهو من التأدب بأدب القرآن بعيد، ومن عرض أدوية القرآن على أدوائه بعيد، هو في شق والقرآن في شق.
وكذلك أقول في حق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من اعتنى بها قولاً وفعلاً وتقريراً، وبتدبر وفهم وإخلاص وإيمان تخلص من هذه الجاهلية التي اشتد أمرها فينا، واشتد أثرها علينا.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم للعمل بهذه الكلمة التي فيها من القصور ما فيها، لكن يكفيني ويكفيكم أن نستفيد زبدتها، وأن نذكر خلاصتها، وهو ما ينبغي من تغير حالنا مع القرآن والسنة من مجرد حفظ وتمتمة وترداد وتلاوة، إلى حرص شديد أكيد على الفهم والتدبر، وهذا يتطلب منا ويقتضي أن نلم بالأدوات التي تعيننا على ذلك، ولهذا ليس لأجل وجود أخينا الفاضل الشيخ محمد حفظه الله، بل هذا أمر كان في غيابه كنا نتذاكر أحوال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى، وما كان له من التمكن، والشيخ محمد المختار رحمة الله عليه في القرآن الكريم، فقال أحد الذين درسوا عليهما في المدينة: إن هذا كان بسبب التمكن من اللغة، وأوجه القراءات، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأصول، فهذه الأدوات يجب على كل طالب علم يريد أن ينفع نفسه ومجتمعه أن يأخذ منها بطرف بحسب الطاقة.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، وجمعنا وإياكم بالسابقين من المخلصين الصالحين في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فجزى الله فضيلة الشيخ كل خير على حسن الاختيار لهذا الموضوع الذي لا يمكن للأمة أن تسعد إلا به.
إن البعد عن كتاب الله، والغربة عن هذا النور المبين، وهذا الصراط المستبين هو شقاء هذه الأمة، والقرب والدنو منه، والعمل بآياته، والتأثر بعظاته، والوقوف عند حدوده وزواجره، هو سعادة الدارين وهو فلاحهما، هذه الصفة العظيمة وهي التأثر بكتاب الله عز وجل، منحة ربانية، وعطية إلهية، اختار الله لها أمة صالحة، وسلفاً صالحا، صلحت أعمالهم لما كانوا رهبان الليل بكتاب الله، وظمئوا هواجرهم حينما تقرحت قلوبهم من آيات الله.
إن هذا الكتاب المبين عظيم الوقع في قلوب المؤمنين، هذا الكتاب الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، وجد أرضاً طيبة، وقلوباً مستنيرة، تهيأت لسماعه، وتأثرت لعظاته، فشاء الله ما شاء لها، فكان الصحابي يسمع الآية من كتاب الله لا يقر قراره، ولا ترتاح نفسه إلا بالعمل والتطبيق، نظروا إلى كتاب الله فوجدوا أنه حبل من الله متين، وصراط من الله مستبين، فأيقنوا يقيناً لاشك معه ولا مرية ألا سعادة إلا بالتمسك به، والاعتصام بحبله، فحققوا ذلك قولاً وعملاً ظاهراً وباطناً.
فيا لله! من أمة عرفت كتاب الله، عاشت مع هذا الكتاب حينما يذكرها بالآخرة حتى كأنها تنظر إليها نظر عين، عاشت مع هذا الكتاب حينما أدبهم في القول والعمل، وفي الظاهر والباطن، حتى أدبهم رجالاً ونساء، ذكراناً وإناثاً، فأدب المؤمن في قيله وأدبه في حديثه، أدبه وهو في ثورة الغضب، وأدبه وهو في قمة الرضا، وأدب المؤمنة في ظاهرها وباطنها، حتى أدبها وهي ترفع قدماً وتضع أخرى.
كتاب الله، وما كتاب الله؟ وهل شقيت الأمة إلا بالإعراض عن كتاب الله؟ وهل سعدت إلا في ذلك الزمان الذي احتضنت فيه هذا الكتاب المبارك، فعاشت معه العيشة الراضية الهنيئة الطيبة المباركة، التي وعد الله عز وجل بها أهل القرآن.
لذلك -أحبتي في الله- كانت هذه الكلمات من فضيلة الشيخ تذكيراً لنا جميعاً أن نحيا مع كتاب الله، وحركت في القلب أشجاناً وأحزاناً لا يعلمها إلا الله، والله لا تفتح سيرة القرآن، ولا يذكر مؤمن بحق القرآن عليه، إلا تأثر والله عظيم الأثر، إن هذا المنهج وهذا الكتاب المبارك هو الذي بيننا وبين الله، من عمل به أحبه الله، ومن اعتز به أعزه الله، ومن أكرم هذا الكتاب أكرمه الله، ومن لم يرفع به رأساً، ولم يجعله في الأمور أساساً، فإنها الخيبة التي لا خيبة وراءها: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طـه:124].
لذلك -أحبتي في الله- إذا أردتم أن تعرفوا سعادة المؤمن، وأراد المؤمن أن يعرف حياته من موته، فليحيي، وليذكر نفسه بتلك الحياة حينما يتساءل، أين أنا من كتاب الله؟ وكل شخص منا إذا أراد أن يعرف مقامه عند الله، فليعرف قدر القرآن في قلبه، وليعرف قدر هذه الآيات في فؤاده، إذا كان لها خاشعاً، ومن تلاوتها وسماعها دامعاً، فوالله قد حيي فؤاده، وعندها يكون للخير سباقاً، وللطاعة المرضية مشتاقاً.
إن هذا الكتاب ما عرض عبد مؤمن حاله عليه إلا دمع تلك الدمعة الصادقة بحرارة من قلبه، كيف لا يدمع وآيات القرآن قد نسيت! وحدود الله التي بينه وبينه قد انتهكت! كيف لا يدمع على هذا الكتاب المبين والصراط المستبين، والله إنها للحسرة إذا قدم العبد على ربه، فوجد الأخيار والصالحين قد ملئت كفات حسناتهم بتلاوة هذا الكتاب، ووجدهم قد حازوا من الله رضواناً، ومحبة وصفحاً وغفراناً، وجاء صفر اليدين من كتاب الله، وجاء بعظيم الغربة والبعد عن كتاب الله عز وجل.
يا أحبتي في الله! القرآن وما القرآن! الذي وصف الله عز وجل أثره، وأخبر وهو أصدق القائلين، ولا أصدق منه حديثاً، أنه لو نزلت هذه الآيات على الجبال لاندكت، ولو نزلت على الرواسي من خشية الله انهدت، فأين قلوبنا؟
أحبتي في الله! أين قلوبنا من هذا الكتاب العظيم الذي وصف الله أهل الإيمان الصادقين، أنهم يخشعون لسماعه ويبكون لآياته وعظاته وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ [المائدة:83]؟
فهذه هي صفات الأحبة الذين اجتباهم الله للقرآن، واختارهم لهذا الكتاب المبين، إنه الإمام الذي يهدي إلى الله، والسبيل الذي لا سبيل إلى الله بسواه، من كان مؤمناً صادقاً في إيمانه، فليجعل بينه وبين القرآن زماناً، ليجعل بينه وبين القرآن لحظات من يومه، وساعات من نهاره وليله، يعيش مع هذه الآيات، يعيش مع أهل الآخرة، إن كانوا في نعيم سمت روحه إلى ذلك النعيم، حتى كأنه ينظر إلى الجنة نظر عيان، وإن كان مع الآخرة في جحيمها وسعيرها، أفض قلبه من خشية الله، وحرك في القلب وازعاً يزعه عن حدود الله.
لذلك إخواني في الله! لا سعادة إلا بالقرب من القرآن، ولا فلاح إلا بالقرب من كلام الرحمن، إنا لله وإنا إليه راجعون، طابت لنا أحاديث العباد، أليس الواحد منا إذا سهر ليلة تمنى أن يسهر مع أخ له يحبه؟ فكيف بمن آثر مرضاة الله على مرضاة العباد؟ أين أولئك الذين بلغ الواحد منهم أنه يقرعه ضيفه، يقول الحسن رحمه الله: [فيستأذنه وكأنه له حاجة في بيته، فيدخل يركع ركعات بين يدي ربه].
والله ما عظم شقاؤنا ولا عظم بلاؤنا إلا حينما لم نقدر لهذا القرآن قدره، وحينما أصبحت غربتنا شديدة عن القرآن، قال بعض السلف: [والله ما عرضت نفسي وقولي وعملي على كتاب الله، إلا اتهمتها بالنفاق] كانوا إذا قرءوا القرآن أحسوا أنهم هم المخاطبون بالقرآن، وأحس الواحد منهم أنه إذا جاءت المقرعة تقرع عاصياً عصى الله عز وجل عد نفسه ذلك الرجل، فبكى شفقة وخوفاً من عذاب الله وسطوة الله، ناهيك عن قيام الليل، وتلاوة هذا الكتاب في تلك الساعات التي هدأت فيها العيون، وسكنت فيها ا الجفون.
فيا لله من أرواح طيبة! ويا لله من قلوب صادقة! عرفت كتاب ربها، وأدركت أنه لا سعادة ولا فلاح إلا به، وإنه للعجب أن تقرأ سيرة الصحابي الطاهر المبارك، فتجده قد ملئت صفحته جهاداً وجلاداً وصبراً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في السراء والضراء، ومع ذلك يقوم بالآية يخشع لوجه الله عند قراءتها.
أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، أنه أراد أن يقوم ليلة، فاستفتح تلك السورة العظيمة، التي أصبح يقرأها الصغير منا قبل الكبير، وهي تلك السورة العظيمة التي قل أن تجد صغير سن إلا وهو يستطيع قراءتها عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ [النبأ:1] قرأها رضي الله عنه وأرضاه، يريد أن يحيي ليلته بقراءة ذلك الجزء المبارك، وإذا به تخنقه العبرة، ويغلبه البكاء، حينما ذكر قول الله عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ [النبأ:2] تذكر أن الله وصف نبأ الآخرة بأنه نبأ عظيم، فما استطاع أن يجاوزها؛ لأنه يعلم من الذي يخاطبه، ويعلم من هذا كلامه، وأن الله تعالى إذا وصف الشيء بأنه عظيم، فلا عظيم فوق عظيم وصفه الله بعظيم، فحركت في قلبه الخوف والخشية، حتى أثر عنه رضي الله عنه أنه مازال يرددها إلى السحر بكاءً من خشية الله عز وجل.
ولذلك قد يعطى الإنسان -أحد الثقلين- يعطى تفكراً وتدبراً، ولكن يحرم العمل، ومن الناس من يعطى العمل، ولكن يحرم بعض الخشوع والتدبر، فبعض الناس للخير سباق، ولطاعة ربه مشتاق، ولكنه لا يجد في قلبه الأثر في الخشوع، فتجد كثيراً من الأخيار الآن يقول: والله إني أحب الخير، وأحب طاعة الله من قلبي، ويعلم الله ذلك، ولكنني أقرأ القرآن، وأحس أني لا أتأثر بالقرآن، فهو مستعد للعمل مستعد للتطبيق، ولكن الله حرمه الخشوع.
فأسعد العباد في القرآن من جمع الله له بين الخصلتين، وأصابت كلا الحسنيين، فكان متأثراً بالقرآن، إذا سمع: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104] تحرك فؤاده وقلبه، وقال بلسان حاله ومقاله: لبيك رباه! لبيك سيدي! بماذا تأمرني؟ حتى إذا جاءه الأمر قال: سمعاًوطاعة، فلا يقدم قدماً على كتاب الله، ولا يؤخر أخرى عن كتاب الله ومرضاة الله، فهؤلاء هم أسعد العباد، الذين جمع الله لهم في القرآن بين التفكر والتدبر، وبين العمل والتطبيق.
ما الفائدة إذا خشع الفؤاد من كلام الله، وخشع القلب لآيات الله، وإذا جاء العبد عند العمل تقاعس عن مرضاة الله، وأصبح يسوف في طاعة الله عز وجل؟ الخشوع الصادق والتدبر الصادق يحرك الوجدان إلى العمل، ويحرك القلب والقالب إلى التطبيق، ولذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا جاءتهم الآية من كتاب الله حركتهم للعمل.
جاء أبو الدحداح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: [يا رسول الله! إن الله تعالى يقول: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً [البقرة:245] قال: يا رسول الله! أيستقرضنا الله وهو رب العالمين؟] سبحان الله! ما أحيا ذلك القلب، كم منا من يقرأ هذه الآية وما تحرك عنده هذا السؤال، الله ملك الملوك ومالك الملك، يقول لك: أقرضني، تحرك هذا السؤال لحياة قلب صاحبه، فقال: [يا رسول الله! أيستقرضنا الله وهو غني عنا؟!] قال عليه الصلاة والسلام: (نعم.) أي: يستقرضنا؛ لأن ذلك موجود في كتابه، فقال: (نعم. يستقرضكم ليرفع من درجاتكم، ويكفر من خطيآتك).
قال: [يا رسول الله! إن لي في المدينة حائطاً فيه ستمائة نخلة هي أعز ما أملكه، أشهدك أنها لله ورسوله] ستمائة نخلة! ورد في الحديث عن علي رضي الله عنه أن الرجل كان يعمل في سقي الدلو بتمرة واحدة، فكيف بستمائة نخلة، ستمائة نخلة حياة عاش من أجلها يكافح ويجاهد حتى أصبح ثرياً يملك ستمائة نخلة، ومع ذلك هانت عليه بآية من كتاب الله مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة:245] فنظر إلى أحسن قرض يقدم مما يملكه، وأعز ما يجده، وهو هذا البستان الذي يحيا به، وتحيا به ذريته.
فخرج رضي الله عنه وأرضاه إلى ذلك البستان، فوجد أم الدحداح قد جلست مع صبيانها تجمع ذلك التمر والرطب والبسر الذي تساقط من ذلك النخل المبذول لوجه الله، تجمعه لكي تستفيد منه، فقال لها رضي الله عنه يخاطبها شعراً:
بيني -أي: اخرجي- من الحائط بالودادفقد مضى قرضاً إلى التنادي
أقرضته الله على اعتماديإلى رجاء الضعف في المعاد
والبر لاشك فخير زادقدمه المرء إلى التنادي
فماذا قالت تلك المرأة الصالحة؟ تلك المرأة التي تعرف ربها وتحيا لطاعة خالقها، هل قالت: ضيعتنا، هل قالت: هدمت حياتنا؟ قالت له تخاطبه بما خاطبها:
بشرك الله بخير وفرحمثلك أدى ما لديه ومنح
قد متع الله عيالي وفرحبالعجوة السوداء والزهو البلح
والعبد يسعى وله ما قد كدحطول الليالي وعليه ما اجترح
ثم ضربت أيدي صبيانها، وخرجت من الحائط بلا تمر.
أين هذه القلوب المؤمنة؟ أين هؤلاء الذين يتحركون للقرآن؟ آية واحدة من كتاب الله حركت هذا الصحابي الجليل، لكي تجود يده في مرضاة ومحبة الله، إيمان وتصديق وثقة برب العالمين، ومحبة في سبيل مرضاة رب العالمين.
أحبتي في الله! هذا حال سلفنا الصالح، ولماذا صلحت أيامهم؟ وبماذا صلحت أحوالهم؟ هل ذلك إلا بكتاب الله، والله ما حرك الأخيار للخير، ولا حرك الأبرار للبر، ولا حرك أهل الصلاح للصلاح شيء مثل كتاب الله، ولن تجد مؤمناً صادقاً في إيمانه وطاعته، تقياً براً عفيفاً صالحاً في القول والعمل، إلا وجدت كتاب الله يحرك فيه كل صغير وكبير، ويحرك فيه كل جليل وحقير، القرآن له أثر عظيم في القلوب، له أثر عظيم في تلك النفوس التي تقدره قدره، وتعطيه حقه، وتقف معه في عظاته وآياته وما يذكر به رب العالمين.
والله أمر يسير على من يسر الله، جرب ولو يوماً واحداً بعد صلاة العشاء بدل السهر في اللغط وفضول الأحاديث، خذ كتاب الله عز وجل، إن كنت حافظاً فاقرأ جزءاً من القرآن، لا يأخذ منك ربع ساعة، أحياناً قد يأخذ إذا كان الإنسان يتفكر ويتدبر ويقف مع الآيات، يأخذ معه ساعة والله تمر من ألذ ما يكون، تمر وكأنها لحظة واحدة من اللذة والسرور.
فقصارهن مع الهموم طويلـةوطوالهن مع السرور قصار
تعيش مع هذه الآيات ساعة كاملة وكأنها ثانية، ولكنها والله تغير من حياتك شيئاً كثيراً، وبعض الأخيار والله يوفق فيقوم الساعة، وتمر عليه آية واحدة من كتاب الله، ويلهمه الله التدبر فيها، وتبقى عظتها في قلبه ما شاء الله أن تبقى، فلذلك جرب بعد العشاء، إذا كنت لا تستطيع أن تقوم السحر فبعد العشاء مباشرة جرب، بدل أن يجلس الإنسان مع زيد وعبيد، بعد العشاء وقت يرتاح فيه لآخرته، يرتاح فيه لكي يبكي على ما فرط في يومه، وأسرف في جنب ربه.
إذا كان الإنسان حاول أن يستفتح ليله بهذا، وبعض الأخيار يقرأ الجزء، وإذا به قد ارتاحت النفس للجزء الثاني، وبعضهم يرتاح للثالث والرابع، ثم بعد فترة وإذا بك تأنس بالله عز وجل، وإذا بهذا القلب يحس أن هذه الساعة لا يمكن أن يفرط فيها، وإذا بالقلب يحس أن هذه الساعة التي كانت في أول يوم مثل الجبل إذا بها والله كغذاء الجسد، لو أنك فرطت فيها يوماً من الأيام أو ليلة من الليالي إذا بك تحزن، وتصبح وأنت متكدر الخاطر من فوات هذا الخير عليك.
فلذلك أحبتي في الله! جربوا، والإنسان إذا كان عنده ورد من الليل يزداد، فالمؤمن لا يسأم من طاعة، ولا يبقى على قليل من الخير، بل هو دائماً في زيادة، ولذلك وصف الله أهل الخير والفضل بقوله: أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [المؤمنون:61] فكن ممن سارع إلى الخيرات، وسابق إلى المرضاة، ونافس في محبة رب البريات.
لذلك لا تبخل على نفسك بالخير، الناس كان عندهم حرص على تفهم آيات القرآن، تدبرها، معرفة معانيها ومراميها، وهذا هو المفتاح للتدبر؛ لأن الإنسان إذا سأل عن معنى الآية كشف له عن خبيئتها، فإذا كشف له عن معناها جاءت مرحلة التفكر وجاءت مرحلة التدبر، وإذا جاءت مرحلة التدبر جاء الأثر وهي الذكرى، ولربما يتبع هذا الأثر أثر العين بالدمع، وأثر القلب بالخشوع إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً [الأنفال:2] جعلنا الله وإياكم منهم، وحشرنا وإياكم في زمرتهم.
ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون، لما تغيرت أحوال طلاب العلم، وتغير حال كثير من طلاب العلم، جاءت النتيجة بالعكس، حتى والله إنا لنجد من بعض العوام تقديراً وإجلالاً واحتراماً لأهل العلم أكثر مما نجد من طلاب العلم، وهذه والله ثلمة ورزية طلاب العلم إذا أصبحوا أبعد الناس عن التأثر بالعلماء، وأبعد الناس عن العمل بالقرآن، كان علمهم وبالاً عليهم والعياذ بالله، فلذلك ينبغي أن نقف مع أنفسنا، هذا القرآن أحق من يتأثر به، وأحق من ينتفع به هم طلاب العلم، عجباً أن تجد طالب علم له إلمام بمعاني القرآن ومغازيه ومراميه وتفسير آياته، وبيان ما فيها، ومع ذلك تجده بعيداً عن التأثر بالقرآن، هذا من الشقاء والعياذ بالله.
فلذلك إخواني في الله! ينبغي للإنسان إذا كان طالب علم أن يكون أسبق الناس للتأثر بالقرآن، وأئت بطالبي علم أحدهما عظيم التأثر بالقرآن، والآخر قليل التأثر بالقرآن، والله تجد بينهما في الخلق والأدب والقول والعمل كما بين السماء والأرض، تجد هذا لا يتكلم إلا بالقرآن، ولا يعمل إلا بالقرآن، وتجد هذا بينه وبين القرآن غربة لا يعلمها إلا الله.
فلذلك إخواني! أحق من يتأثر بالقرآن هم طلاب العلم، وأحق من يكون قريباً من القرآن هم طلاب العلم، سبحان الله! تجد بعض العوام يتأثر بالقرآن أكثر من تأثر طلاب العلم، وتجد بعض العوام يدمع ويخشع للقرآن أكثر من دمع وخشوع طلاب العلم، هذه والله رزية -يا إخواني في الله- ينبغي على طلاب العلم أن يكونوا قريبين من القرآن.
ولذلك على سبيل المثال مما نجده، وأقرب شاهد من أهم ما اعتنى به -كما ذكر فضيلة شيخنا حفظه الله الشيخ سعيد - مسألة تأديب القرآن لأهله، مسألة ترك خصال الجاهلية، من أعظم خصال الجاهلية التي وجدت فيهم في مسائل الاعتقاد -كما بين الشيخ- كذلك أيضاً مسائل الجهر بالسوء، هذا من شأن أهل الجهل والجاهلية.
ولذلك من الجهل والجاهلية أن تجد الإنسان دائماً يلفظ السوء، هذا من دلائل الجهل والجاهلية، فإذا وجدت طالب العلم لا يراقب الله في لسانه، بعيداً عن مراقبة الله في قيله، يسب هذا ويشتم هذا، ما الذي يدل عليه؟ يدل على أنه أبعد الناس من كتاب الله، ولذلك تجد قول الله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ [النساء:148] عائشة رضي الله عنها لما قال اليهود: (السام عليك يا رسول الله! قالت: وعليكم السام واللعنة، قال: مه يا عائشة ! إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش) وهي ترد مظلمة، يقول لها: إن الله لا يحب الفحش والتفحش، من الذي قاله؟ قاله نبينا صلوات الله وسلامه عليه، لماذا؟ لأن خلقه كان القرآن، يريدها على الكمال، سبحان الله! ترد جاهلية وترد خطأ، يقول لها: إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش.
فلذلك إخواني في الله! لابد أن نعيش مع القرآن، وصاحب القرآن إن تكلم تكلم بخير، ووجدت كلامه دائماً إما في ذكر أو شكر، وتجد كذلك أخلاقه وأقواله وأعماله مع القرآن، يحيا مع القرآن، إذا جاءه الأمر سأل نفسه: ما الذي قال القرآن؟ ما الذي يطلب القرآن؟ فيترسم هدي القرآن بألا يقدم على كتاب الله شيئاً.
ولذلك عمر رضي الله عنه لما حصلت له القضية مع ذلك الرجل الذي جهل عليه رضي الله عنه وأرضاه، ونقم عليه أنه لا يعدل بين الرعية، ولا يقسم بالسوية، أراد عمر أن يبطش به، فقال له أحد الصحابة: [يا أمير المؤمنين! إن الله تعالى يقول: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وإن هذا من الجاهلين] يقول الراوي: فوالله ما إن سمعها عمر حتى سكت، وكان وقافاً عن كتاب الله، عمر معروف بالغضب والبطش، أراد أن يبطش به يتهمه بدينه على أنه لا يعدل، ومع ذلك هم أن يبطش به، لكن كظم ذلك الغيظ من آية واحدة في كتاب الله، يقول: والله ما جاوزها، أي: ما إن سمعها حتى وقف عندها، هذا شأن أهل الإيمان، المؤمن إذا قيل له قال الله؛ أذعن واعترته الذلة لله تبارك وتعالى.
وسبحان من حبب لتلك القلوب كتابه، وأدناها إلى طاعته ومرضاته والعمل بآياته وعظاته، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، نسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم ممن رحمهم وهداهم باتباعه، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب أحزاننا وهمومنا وغمومنا، وسائقنا وقائدنا إلى رضوانك وجناتك جنات النعيم إنك ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وعلى آله وصحبه.
الجواب: أما آية التكاثر فسبب النزول يشير إلى أن المقصود بها: المبالغة في التشنيع عليهم، وهذا أقرب إلى قوله:
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:2] يعني: حتى بلغ بكم الأمر إلى التفاخر بالأموات؛ لأنه سبب النزول كما ورد: أنهم كانوا يتفاخرون ويدلي بعضهم على بعض بحسبه ونسبه، حتى تفاخروا بالأموات وما كان لهم من مجد، ولما بلغوا إلى هذا القدر عتب الله عز وجل عليهم، حتى ورد الأسلوب، فورد الأسلوب بقوله: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:2] فهو أقرب إلى المبالغة في التشنيع، أكثر من أنه قول، والله أعلم.
الجواب: إنه لا تعارض بين قوله عليه الصلاة والسلام: (إنها داء، وليست بدواء) وبين ما يعمل الآن من التخدير؛ لأن النص ورد في التداوي، والتخدير الموجود الآن ليس بتداوي، وإنما هو تسكين، وفرق بين تسكين الألم ومعالجة الألم، فالتخدير يسكن، ومعالجة الألم زوال السبب الموجب لذلك الألم، وبناءً على ذلك فإن من المشاهد أن المريض الآن إذا أعطي حبوباً مسكنة سكن عنه المرض، وهذا ليس بدواء، وإنما هو تخفيف وتخدير، وفرق بين التخدير وبين استئصال الداء، فالحديث في قوله: (إنها داء، وليست بدواء) مراده من ناحية استئصال السبب، أي: من ناحية تأثير الخمر في المرض، والخمر والمخدر ليس مؤثراً في المرض، وإنما هو موجب للخدر، وفرق بين الخدر وبين زوال الأثر.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , حالنا مع القرآن للشيخ : محمد مختار الشنقيطي
https://audio.islamweb.net