إسلام ويب

أرسل الله رسوله داعياً إليه؛ فكانت هذه الدعوة خلاصة رسالات الرسل.

وعلى طريق الرسول في الدعوة سار أتباعه بدءاً بالصحابة الكرام، ثم العلماء العاملين في مختلف العصور.

ولحملة الدعوة نقوش خالدة على جدار الزمن، ولهم أياد بيضاء لا تطمسها الأحداث والفتن.

وفي هذه المادة بيان لآثار هؤلاء ومآثرهم، وتوضيح لإشكاليات الدعوة في العصر الحديث، ووسائلها المستحدثة.

مع بعض المقترحات لتحصين فكر الأمة وعقيدتها وأخلاقها. وفي ختام هذه الخطبة نبذة عن أحوال المسلمين في العالم، وجهودهم الدعوية، وصور من معاناة المضطهدين منهم.

مكانة الدعوة في الإسلام

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، نحمدك ربي وأنت أهل الحمد والجود والثناء، ونشكرك وأنت ذو الفضل والمن والعطاء، ونستعينك وأنت مُسْدِي النعماء، ومُسْبِغ الآلاء، ودافع البلاء، ونستغفرك ونتوب إليك وأنت الغفور لكل خَطَّاء، والسِتِّير على كل مَن أساء.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو العز والعظمة والكبرياء، رفع شأن الدعاة والعلماء، وأعلى قدرَهم حتى وصلوا ذرى العلياء، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، إمام الحنفاء، وسيد الأصفياء، وأفضل الدعاة، وأشرف الأتقياء، صلى الله عليه وعلى آله الشرفاء، وصحبه النجباء، الذين أشادوا بدعوتهم صروح الحضارة والمجد والبناء, والتابعين ومَن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله، فإنها خير الزاد، وأعظم الوسائل لرضا رب العباد، وتطهير القلوب من الفساد، وبها النجاة يوم التناد، والفوز يوم المعاد.

حاجة الدعوة إلى القوى الكامنة

أيها المسلمون: أرأيتم إلى القوى الكامنة في الجهاز المحرك لأي آلة سريعة معاصرة، كيف تدفع بها إلى أن تحَلِّق في آفاق السماء، وتجوب أجواء الفضاء؛ لتقطع المسافات الشاسعة لبرهة يسيرة؟! وأنه بحسب قوة دفع المحرك أو ضعفه تظهر آثار السير أو تتبين مواطن الخلل!

إذا كان هذا في المعايير المادية، فإن الأمور المعنوية هي الأخرى كذلك بحاجة إلى قوىً كامنةٍ، تدفع بعجلة محرك الخير في الأفراد، وتشعل فتيله في المجتمعات؛ لتتفيء الأمة ظلال الأمن الوارف، ودوحة الإيمان البهية، وتجني ثمار الدعوة يانعةً شهية، لما تمثله الدعوة إلى الله من مادة حياة القلوب، وصلاح الأفراد والشعوب، وأمن وسلامة الأمة، ونسيم رَوحها، وقوة رُوحها، وسبب خيرها وسعادتها في الدنيا والآخرة.

الدعوة خلاصة رسالة الإسلام

إخوة العقيدة: لقد أرسل الله رسله مبشرين ومنذرين، وختمهم بأشرف الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، بعثه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومناراً للسالكين، وحُجة على الخلق أجمعين، به أتم الله النعمة، وكمُلت به على الأمة المنة، واستبانت معالم الملة، فقامت به الحجة، ووضُحت به المحجة، دعا إلى الله على بصيرة، وجعل هذا نهجه ونهج أتباعه من بعده، كما قال سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].

لقد أوضحت هذه الآية العظمية أن رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم تتلخص بكلمة واحدة هي: الدعوة.

قيام العلماء والدعاة بواجب الدعوة إلى الله

معاشر المسلمين! لقد كان منهجه صلى الله عليه وسلم في دعوته أعظم منهج وأكمله، وهديه فيها أتم هدي وأفضله، أولى جانب توحيد الله الاهتمام البالغ، وتحلى بالرفق والصبر والأناة والحكمة، فأثمرت دعوتُه رحمة بالأمة، ودخولاً لها في دين الله، ورفعة لكلمة الله، ومحبة وسلاماً ووئاماً بين عباد الله، وشهد العالم بحسن دعوته عليه الصلاة والسلام، حضارة إسلامية عالمية عريقة، لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.

وسار على منهجه في دعوته صحابته الكرام، عليهم من الله الرحمة والرضوان، والتابعون لهم بإحسان؛ فحفظ الله بهم الدين، فكانوا نِعْم الرجال المخلصين، والعلماء العاملين، وأصبحوا أسود الوغى وليوث العرين.

رهبان ليل إذا جن الظلام بهم>>>>>كم عابد دمعُه في الخد أجراهُ!

وأسد غابٍ إذا نادى الجهاد بهم>>>>>هَبُّوا إلى الموت يستجدون رؤياهُ

وهكذا العلماء والدعاة في كل زمان وحين.

هم الأئمة الأعلام، وبدور النور والتمام.

الأمة بهم تهتدي، والناس بحسن دعوتهم تقتدي.

هم الأقطاب الذين تدور عليهم معارك الأمة، والأنوار التي تنجلي بها غياهب الظلمة.

هم نجوم الأمة اللامعة، وشموسها الساطعة.

بالعلماء العاملين، والدعاة الصادقين يُحفظ دين الأمة، وتُشاد معالم الملة، وتُرفع راية السنة، وتُصان عزة الأمة وكرامتها.

هم السياج المتين، والدرع المكين، والحصن الحصين، الذي يحول بين الدين وأعدائه المتربصين.

وهم النور المبين، الذي تستنير به الأمة عند اشتباه الحق وخفائه.

هم ورثة الأنبياء في أممهم، وأمناؤهم على دينهم.

عليهم أُخذ العهد والميثاق لتبليغ ميراث النبوة.

وهم شهداء الله في أرضه، والحماة لدينه وشرعه.

ينفون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

فليس في الأمة مثل العلماء الربانيين، والدعاة الصادقين، نَصَحَةً ومخلصين.

يعلِّمون دين الله، ويرشدون عباد الله، ويقودون الأمة إلى شاطئ الأمان وبر السلام.

فكم تعبوا والناس مستريحون؟!

وكم دأبوا والناس غافلون؟!

وكم نفع الله بهم البلاد وأصلح بهم العباد؟!

يحثون الأمة على الخير والرشاد، ويحذرونها من أسباب الشر والفساد.

يدينون بالولاء، والنصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

يؤلفون القلوب، ويصدون عن الأمة الغارات والخطوب.

فهم صِمام الأمان في المجتمع حقاً، وأهل الخير في الأمة صدقاً.

فحقٌ على الأمة معرفة فضلهم ومكانتهم وسبقهم، والقيام بتقديرهم وتكريمهم، وحقٌ عليهم أن يسلكوا المسار الصحيح في الدعوة، ويبذلوا جهودهم للنهوض بمستواها، والجد في دعوة الناس إلى ظلها وحماها.

صفات دعاة الإسلام

إخوة الإيمان! ولم تزل الدعوة الإسلامية عبر القرون تسير في حفظ من الله ومَنَعَة، شامخة وضاءة، تضيء الطريق للسالكين، وتنشر النور والخير للخلق أجمعين.

يحمل لواءها جهابذة علماء، ودعاة صلحاء:

- قد ارتوَوا من نمير الوحيَين.

- أخلصوا لله فخَلصَت دعوتهم إلى قلوب عباد الله.

- دعوا إلى الله بعلم وبصيرة مستنيرين بالنصوص النقلية، ومستهدين بالقواعد الفقهية، والمقاصد الشرعية.

- يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

- يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالأساليب الشرعية.

- يدرءون المفاسد، ويجلبون المصالح.

- ويردُّون عن الأمة عاديات الفتن، وأمواج المحن.

- يتمسكون بالثوابت، ويحسنون التعامل مع المتغيرات.

- ويستلهمون الضوابط الشرعية في ترتيب الأولويات.

- يَلْزَمون العقل في أقوالهم وأفعالهم، والرشد في تصرفاتهم وأحوالهم.

- يبدءون بالأهم فالمهم، ويأخذون بالأصلح فالأصلح، مستهدين بمنهج القرآن والسنة في ذلك.

الدعوة في القرآن والسنة

قال سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].

ويقول عزَّ وجلَّ: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قال الحسن البصري لما تلا هذه الآية: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحاً في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، هذا خليفة الله.

ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم وغيره: {مَن دعا إلى هدىً كان له مِن الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك مِن أجورهم شيئاً } .

ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {بلغوا عني ولو آية } .

وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علياً يوم خيبر ، وأمره بالدعوة إلى الإسلام، ثم قال: {فوالله لأَن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم } .

الله أكبر! يا له من فضل عظيم قد فرط فيه كثير من المسلمين ممن غفلوا عن أداء واجبهم في الدعوة إلى الله التي هي رسالة المجتمع الإسلامي بعامة، مما يتطلب نوايا مخلصة، وعزائم دائبة، ومساعي حثيثة، ووسائل قويمة مبنية على العلم النافع، والعمل الصالح، والأسلوب الأمثل، مؤسسة على الإخلاص لله، والتجرد من التحزب المقيت، والتعصب المذموم.

الدعوة في العصر الحديث

أمة الإسلام، ولم تكن الحاجة إلى الدعوة بل الضرورة إليها ماسة في عصر من العصور، كهذا العصر الذي يشهد الصراع بين الحق والباطل على أشده.

فقد بلغ دعاةُ الباطل ما لم يبلغوه في أي عصر مضى، واستخدموا من الوسائل ما يفطِّر قلوب أهل الحق، وتشيب منه نواصيهم، ولا يزال كثير من أهل الخير والحق في انشغال عن قضاياهم الأساسية، وإغراق في جزئيات وأمور هامشية، ولهذا ظهروا أمام غيرهم في شكل باهت داكن ومظهَر شاحب مرباد، شوهته الخلافات في عصر اتسم بالانفتاح والعولمة، وخطا دعاةُ الباطل إلى استثمار وسائل الاتصال الحديثة، كالقنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية، في نشر باطلهم، في موجات من الغزو المركز الذي يتطلب حصانة قوية، ووعياً عميقاً، كما يتطلب ضرورة استثمار هذه الوسائل في الدعوة الإسلامية؛ لأنها تعد الأكثر انتشاراً، والأبلغ رواجاً وتأثيراً.

والمتأمل في واقع الدعوة يجد أن هناك ظروفاً تغيرت، وأحوالاً تبدلت، ووسائل استجدت، ولا بد من أخذ زمام المبادرة لشغلها بالحق، بدل أن تُشغل بالباطل.

ماذا جنى المسلمون لما قصروا في المبادرات العملية في شَغل هذه الوسائل الحديثة؟! لقد ابتدرها أهل الأهواء والشهوات، فضلوا وأضلوا.

إنه بالنظر إلى واقع التقانات الحديثة يرجع الغيور بالأسى وهو يرى الباطل يرفع عقيرته دونما خوف من الله ولا خجل من عباد الله.

الدعوة عبر الإنترنت

خذوا على سبيل المثال: وسيلة من الوسائل المعاصرة، لم تحظَ وسيلة من وسائل نشر المعلومات ما نالته هذه الوسيلة تلكم هي: ما يعرف بـ(جهاز الإنترنت).

ولكم أن تتصوروا أن الذين يستخدمونه في العالم بلغ ما يقرب من مائتي مليون نسمة، لما يتصف به من مزايا اللازمان واللامكان، مع التفاعلية والمجانية أو شبه المجانية، مع تنوع الاستخدامات، وسهولة الاستعمالات.

والسؤال الذي يطرح نفسه: أليست هذه فرصة سانحة للدعاة إلى الله الذين يهمهم أمر هذا الدين؛ ليثبتوا للبشرية عالميتنا الحقة ورسالتنا السمحة؟!

ويا لها من أمانة ومسئولية! وإن الغيور ليتساءل: ما مدى استفادة مؤسساتنا الدعوية من تِقانة الشبكات المعلوماتية، التي تشق طريقها إلى الاستمرار والتضخم، شئنا أم أبينا في ظل ما يسمى بـ(ثورة التقانات وتفجر المعلومات)؟!

إن على الأمة الإسلامية ألا تقف موقف المتفرج، وإنما يجب عليها الدخول إلى حلبة السباق لتنافس في هذا المضمار، وأن تأخذ بزمام المبادرة في نشر الحق الذي معها، وإذا كان العالم الغربي ينافس في نشر عولمة مفضوحة، فإن عالميتنا الحقة أولى أن تؤثّر ولا تتأثر، وتقدم ولا تحجم، وتصدِّر ولا تستورد، وتنافس ولا تقلد، فالخطر في تزايد، والشرور في تكاثر، والسنن لا تتغير، والمستجدات لا تتمهل، والثقافات الوافدة والمناهج المستوردة تهدد الأمة في عقيدتها وقيمها، ويزداد الأمر خطورة حينما يتراجع أهل الحق عن الميدان، فيشغله أولياء الشيطان.

فإلى المهتمين بشئون الدعوة الإسلامية، وإلى رجال المال والأعمال والإعلام: الله الله.. في الاضطلاع بهذا الدور المهم! فالدعوة مسئولية المسلمين جميعاً، كل في مجاله، وعلى حسب قدرته ومكانته، فكل على ثغر من ثغور الإسلام، فالله.. الله.. أن يؤتى الإسلام من قبله.

كما أنه لا بد من التنسيق في ذلك بين المواقع الإسلامية، وأن تكون تحت إشراف هيئات علمية معتبرة، ومرجعية شرعية موثوقة، ومظلة دعوية مأمونة، حتى لا تنساق الأعمال الإسلامية وراء أخبار ملفقة، أو شائعات مغرضة، تبعث عليها عواطف مجردة، بعيداً عن التأصيل الصحيح، والمنهجية المدروسة.

ألا ما أحوج البشرية اليوم إلى أن تتفيء ظلال هذا الدين القويم، وتسخر كافة الإمكانات ووسائل العصر لهذا الهدف النبيل، بعد أن سئمت حياة الماديات، وملت بريق الشعارات، مما يتطلب الجد في مجال العمل للإسلام، والنهوض بمستوى الدعوة الإسلامية، وتنسيق الجهود بين العاملين، والحذر من الفرقة والخلاف، التي لا يستفيد منها إلا العدو المتربص.

إن هناك فرصاً عظيمة يؤسف كل غيور على أوضاع أمته أن تفرط الأمة في استثمارها، فالأرض خصبة جداً، والناس متعطشون، والفرص مواتية، وإن القضية ترجع إلى حاجة الأمة اليوم إلى وضع خطط سليمة، ومنهجية صحيحة، تخرج دعاة على مستوى العصر الذي يعيشونه لنثبت للعالم صدق توجهاتنا، ونبل مقاصدنا، بعد أن شُوِّه الإسلام من طرفَي الإفراط والتفريط، ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.

أيعجز كل مسلم أن يقدم شيئاً ولو يسيراً في الدعوة إلى الله؟! فتكلفة أيسر رسالة تعريفية بالإسلام ومحاسنه والدعوة إليه أقل من دولار واحد، قناة إذاعية تبث القرآن والسنة والدعوة بمبلغ ليس بالكثير على نشر دين الله.

فاحرص أخي المسلم على المشاركة في الدعوة إلى دينك القويم، والإسهام في الدعوة إليه، عن طريق الجهات الموثوقة، والهيئات المأمونة عقيدةً ومنهجاً وسلوكاً.

أما الحلم الذي يراود كل غيور فهو تلك القناة الإسلامية العالمية، التي لم تَعْقَم بإذن الله أرحامُ أمهات أهل الإسلام فيمن يتبناها، ويقر عيون المسلمين ويثلج صدورهم بإيجادها وإنشائها في ظل هذا الزخم المسف من الفضائيات المأفونة التي تعلو فيها الرذائل وتُوأد فيها الفضائل.

فأين الحمية الدينية؟! وأين الغيرة الإسلامية؟!

أما لله والإسلام حقٌ>>>>>يدافع عنه شُبان وشيبُ؟!

فقل لذوي البصائر حيث كانوا>>>>>أجيبوا الله ويحكمُ أجيبوا

كيفية تحصين الأمة في شتى المجالات

فيا دعاة الإسلام! من أجل براءة الذمة، ونُصح الأمة، وحتى تندفع الفتن، وتزول المحن، وتسلم الأمة في دينها، وتتحصن في عقيدتها وفكرها، وأخلاقها وسلوكها: لا بد من القيام بالتالي:

- بمهمة الدعوة إلى الله على نهج الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

- والتلاحم مع العلماء الربانيين، والدعاة الصادقين، ذوي الأقدام الراسخة، والعقول الراجحة، والنفس الطويل.

- وعدم الانخداع بكل ما يُشاع، والانسياق وراء كل ما يُذاع.

- والتركيز على العقيدة والعلم.

- وإرشاد الناس إلى ما يفيدهم في أمر دينهم ودنياهم.

- والحرص على جمع القلوب، وسلامة الصدور.

- والسعي إلى الاعتصام والائتلاف.

- والبُعد عن الشقاق والخلاف.

وهذا والله عين الشفقة والمحبة والنصيحة للأمة جميعاً؛ حتى تسلم الأمة من الفرقة والشقاق، وتشق الدعوة طريقها بأمن وأمان، وتُصان الدعوة الإسلامية وأهلها من كيد الكائدين، وتآمر الأعداء المتربصين: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان عفواً غفوراًً.

المسلمون في العالم بين الجهود الدعوية والمعاناة

الحمد لله الذي تفرد بكل كمال، واختص بأبهى جمال، وأعظم جلال.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكبير المتعال، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث بكريم السجايا وشريف الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله.

واعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

إخـوة الإسـلام! إن المسلم يتفاءل كثيراً بأن المستقبل للإسلام، كما قال سبحانه: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] .

وكما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وبشر: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار ).

غير أن الواجب على الأمة الإسلامية أن يكون لها مزيد الاهتمام، وبذل جهود أكثر في خدمة الدعوة الإسلامية.

أيها الإخوة في الله! إن لكم في بلاد العالم ولا سيما في العالم الغربي إخوة في العقيدة، يقومون بأعمال دعوية مباركة، عن طريق المراكز الإسلامية، والمؤسسات والجمعيات الخيرية، والصروح العلمية والحضارية، وهم بأمسِّ الحاجة إلى أن يتعرف المسلمون على أعمالهم الطيبة، ويطَّلعوا على مناشطهم الخيرة، ويسهموا معهم بما يحتاجون من دعم ومؤازرة مادياً ومعنوياً.

كما أن لكم إخوة في الدين، في بلاد مرت بهم محن ورزايا، وحروب وبلايا، يحتاجون إلى جهود إعمارية وإغاثية، ودعوية وتعليمية، وأخص بذلك بلاد البوسنة والهرسك المسلمة الصامدة المجاهدة، وليس الخبر كالمعاينة.

فلا تنسوهم وفقكم الله من دعمكم ودعائكم، وسائر إخوانكم المضطهدين في دينهم في كل مكان.

ألا وإن من التحدث بنعم الله والعمل بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يشكر الله مَن لا يشكر الناس ) أخرجه أبو داود والترمذي .

فالشكر بعد شكر الله عزَّ وجلَّ لكل من جعل الدعوة قضيته، ونصرة دين الله همه ومهمته، ممن يبذلون الجهد المشكور، والعمل المذكور، وعند أهل الإنصاف غير منكور، من الجنود المغمورين، من أهل الخير والدعوة والإصلاح، ممن آثروا العمل بصمت ابتغاء ما عند الله.

ولا يُنسى الدور الفاعل لبلاد الحرمين الشريفين حرسها الله في هذا المضمار، فلا تكاد توجد دولة من دول العالم إلا ولها فيها مركز أو مسجد أو صرح علمي أو حضاري أو إسهام دعوي أو خيري أو إغاثي، جعله الله خالصاً لوجهه الكريم، وضاعف مثوبتها، وزادها من الخير والتوفيق بمنه وكرمه.

ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، والحبيب المرتضى، كما أمركم بالصلاة والسلام عليه ربكم جل وعلا، فقال تعالى قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله.

وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمِنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا.

اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم يا سميع الدعاء.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، والأمراض والأوبئة يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام، وجنبهم الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم انصر إخواننا المسلمين والمضطهدين في دينهم في كل مكان.

اللهم انصرهم في كل مكان يا قوي يا عزيز.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركـم، واشكروه على نعمه يزدكـم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الدعوة إلى الله للشيخ : عبد الرحمن السديس

https://audio.islamweb.net