إسلام ويب

إن الله سبحانه وتعالى ميز شهر رمضان بأن شرع فيه الصيام، وحث على اغتنام أوقاته بالذكر والطاعات؛ فإن الأجور فيه تضاعف، وذلك لما في هذه العبادة من الإخلاص. وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على اغتنام هذه الفرصة العظيمة وخاصة في العشر الأواخر منه.

الحث على اغتنام رمضان في الطاعات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، امتنَّ على عباده المؤمنين فهداهم للإسلام، وأتاح لهم أوقات الفضائل ومواسم العبادة ليتزودوا من الأعمال الصالحة، ويتوبوا إلى ربهم من الأعمال السيئة.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، الذي ضرب أروع الأمثلة في اغتنام مواسم الفضائل، والحث على اغتنامها، والتحذير من إضاعتها، نصحاً للأمة وحرصاً على جلب الخير لها، ودفع الشر عنها، فقد كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذي تمسكوا بهديه، ومن سار على نهجهم، واهتدى بهديهم، واقتفى آثارهم إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعــد:

أيها المسلمون في بيت الله الحرام! أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، واغتنام أوقات هذا الشهر المبارك بالأعمال الصالحة، من تلاوة كتاب الله الكريم، الذي أنزل في هذا الشهر العظيم، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].

ومن ذكر الله عز وجل وتسبيحه، ودعائه واستغفاره، والتوبة إليه، والإنفاق في سبيله، والصدقة على المحتاجين وغير ذلك، فإن شهركم هذا شهرٌ عظيم، تضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه الدرجات، وتفتح فيه أبواب الجنات، وتقال فيه العثرات، وتغفر الخطيئات، وتستر الزلات، ولتحذروا -يا عباد الله- من المعاصي، فإنها تقلل أو تقضي على ثواب الصائمين.

الحكمة من مشروعية الصيام

أيها المسلمون: إن الله عز وجل، لم يشرع صيام رمضان لحاجته إليه، كلا. فهو تعالى الغني عما سواه، ولكن شرعه لصالحكم أيها المسلمون! شرعه تربيةً للأجسام وترويضاً لها على الصبر وتحمل الآلام، شرعه تقويماً للأخلاق وتهذيباً للنفوس، وتعويداً لها على ترك الشهوات، والبعد عن المنهيات، شرعه ليعلمنا تنظيم معايشنا، وتوحيد أمورنا، ولتشيع روح التعاون والمساواة والعطف بين المسلمين، فالصوم وسيلةٌ عظمى لتقواه تعالى، وتقواه جماع لخير الدنيا والآخرة، وقد أودع الله فيه من الأسرار والحكم والمصالح الدنيوية والأخروية ما هو فوق تصورات البشر، ورتب عليه تعالى من جزيل الثواب، وعظيم الجزاء، ما لو تصوره الناس، لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان، يقول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ).

أيها المسلمون: اتقوا الله، وأدوا فريضة الصيام بإخلاصٍ ورغبة، وصبرٍ وطواعية، فالصوم الحقيقي -يا عباد الله- ليس مجرد الإمساك عن الأكل والشرب والجماع فحسب، ولكنه مع ذلك إمساكٌ وكفٌ عن اللغو والرفث، والغيبة والنميمة، والقيل والقال، والكذب والسباب، إمساكٌ وكفٌ عما لا يحل سماعه، من لهوٍ ولغوٍ وغيرهما، إمساكٌ عن إرسال النظر إلى ما لا يحل، فالصائم حقيقة من خاف الله في عينيه، فلم ينظر بهما نظرةً محرمة، واتقاه تعالى في لسانه، فكفه عن الكذب والشتم والغيبة وكل قولٍ محرم، وخشيه في أذنه، فلم يسمع بها منكراً، وخشيه في يديه، فمنعهما من السرقة والغش والإيذاء، وخشيه في رجليه، فلم يمشِ بهما ليرتكب منكراً، وخشيه في قلبه فطهره من الحقد والحسد والغل والبغضاء.

قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: [[إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، وليكن عليك سكينةٌ ووقار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء ]].

وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري رحمه الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) ولتحذر المرأة المسلمة الصائمة من التبرج والسفور، وإظهار الزينة والتجول في الأسواق؛ فإن ذلك مما يسبب نقصان أجرها، بل مما يزيد في إثمها، والعياذ بالله!

أقسام الناس في الصيام

أيها المسلمون: إن الناس اليوم منقسمون في الصيام إلى أصنافٍ متعددة، فمنهم من رعى لهذا الشهر حرمته، فصامه وحفظ صيامه، وداوم على القيام والعمل الصالح، فهنيئاً له رحمة الله، ومغفرته وعتقه من النار، ومنهم من لم يرع لهذا الشهر حرمته ولم يقدره قدره، فجعل من نهاره نوماً وكسلاً وخمولاً وبطالة، وجعل من ليله تفنناً في المآكل والمشارب، وسهراً على ما حرم الله من اللهو وغيره، فهذا يخشى عليه أن يحرم رحمة الله ومغفرته، ومن حرمهما في هذا الشهر، فقد حرم الخير كله.

فاتقوا الله عباد الله! واجعلوا من هذا الشهر شهر جد ٍوعمل وانتصارٍ على النفس والشيطان وسائر الأعداء، فلقد سطر التاريخ الإسلامي انتصارات المسلمين على أعدائهم بأنصع الصفحات في هذا الشهر المبارك، في غزوة بدر الكبرى، وفتح مكة ، وحطين وغيرها من معارك الإسلام الفاصلة.

وإننا لنرجو أن يأتي اليوم الذي ينتصر فيه المؤمنون على أعدائهم من اليهود وغيرهم، وأن يعيدوا للوطن الإسلامي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصى المبارك: وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [إبراهيم:20].

اللهم تب علينا أجمعين، وبارك لنا في القرآن العظيم وبهدي سيدي المرسلين، واجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الكريم يا رب العالمين!

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

فضل العشر الأواخر من رمضان

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده له لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعــد:

أيها المسلمون: اتقوا الله عز وجل وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281] واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرع الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلاله، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: تقربوا إلى الله عز وجل بالعمل الصالح فيما بقي من أيام وليالي هذا الشهر الكريم، فها هو شهركم قد مضى نصفه وكثيرٌ من الناس مُكِبٌّ على شهواته وغفلاته، فليحاسب كلٌ منا نفسه، ماذا قدم من عملٍ صالح؛ فيستمر عليه، وماذا فرط فيما مضى، فيتدارك ما بقي من أيام وليالي في هذا الشهر المبارك.

ومن يدري أيتم هذا الشهر أم يكون من عداد الموتى؟ وتعرضوا -رحمكم الله- لمواطن مغفرة الله عز وجل، فإنكم في عشر المغفرة كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، واعلموا أنكم تستقبلون عما قريب العشر الأواخر من هذا الشهر العظيم، عشر العتق من النيران، فاستعدوا لها بالعمل الصالح، أسوةً بنبيكم صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها ) وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظَ أهله ).

فاستعدوا يا عباد الله! فإن من اغتنم هذه الأوقات قبل فواتها لعله يحظى بمغفرة الرحمن، والعتق من النيران، والشقي من استمر في غيه وجهله، وضلاله؛ فضيع الأوقات واتبع الشهوات، فيندم حيث لا ينفع الندم.

هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على نبينا محمد، كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] وقال صلى الله عليه وسلم: في الحديث الصحيح في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً ).

اللهم صلِ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين!

اللهم وفق قادة المسلمين لما تحب وترضى، اللهم وفقهم لتطبيق الشريعة يا أرحم الراحمين!

اللهم احفظ إمامنا بحفظك، واكلأه بعنايتك ورعايتك، وارزقه التسديد والتوفيق لما تحب وترضى، يا رب العالمين!

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اهدِ المسلمين سبل السلام، وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأصلح قادتهم وعلماءهم وشبابهم ونساءهم يا رب العالمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اجعلنا من المقبولين، اللهم اجعلنا من المقبولين ولا تردنا خائبين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شهر رمضان للشيخ : عبد الرحمن السديس

https://audio.islamweb.net