إسلام ويب

إن الله سبحانه وتعالى اختار هذه الأمة واصطفاها لتكون تابعة للمصطفى صلى الله عليه وسلم، وجعلها أمة وسطاً تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لكن قد أخبر المصطفى أنها في آخر الزمان ستترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وستنتشر على إثر ذلك المنكرات ويعم الفساد.

ومن أعظم ما عم في زماننا هذا: الزنا ومقدماته ودواعيه، وقد تطرق الشيخ في هذا الدرس لهذا المنكر العظيم، وذكر أسباب انتشاره، وآثاره السلبية على الأمة جميعاً، وذكر حرمته من الكتاب والسنة.

التحذير من الزنا

الحمد لله الذي أحل الحلال، وأمر به في محكم البيان، وحرم الحرام وصوره في أبشع صوره؛ حتى ينتهي عنه أولو العقول والأفهام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يفعل ما يشاء ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمداً عبده ورسوله، المتمم لمكارم الأخلاق، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه على التمام وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن من واجب كل مؤمن أن يسعى دائماً في تقوية إيمانه, وبأي شيء يسعى في تقوية إيمانه؟

يقوي عمله بعمل الطاعات، واجتناب المعاصي والسيئات، فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

عباد الله! لقد جاء القرآن مصرحاً، وبأسلوب في غاية الشدّة، وبعبارة تقشعر منها جلود الذين يخشون ربهم ويخافون عذابه الأليم، محذراً من الزنا ومقدماته, ومعللاً ذلك ومخبراً بأنه عملٌ إجراميٌ فاحش في غاية القبح والفحش والشناعة، فقال جلَّ وعلا: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] ويشمل هذا الإنذار فعل الفاحشة الشنعاء حقيقة.

التحذير من مقدمات الزنا

أمة الإسلام! لقد جاءت الشريعة الإسلامية محذرةٌ أشد تحذير من الزنا ومقدماته، ومن مقدمات الزنا: مغازلة النساء والتعرض لهن بالطرقات والخلوة بهن بدون محرم، وإن كانت خادمة، أو مربية.

أمة الإسلام: لقد جاءت الشريعة الغراء بتحريم لمس المرأة ممن لا تحل له, كذلك حرمت النظر إلى من ليست له بمحرم وبالعكس.

وكذلك حرمت الشريعة الإسلامية استماع ما فيه فتنة، ويشمل ذلك تليين الكلام من المرأة، وكذلك يحرم استماع الأغاني التي تدعو إلى الافتتان بالنساء، وقد جاء في الأثر: [[الغناء بريد الزنا]] وورد في الأثر أيضاً: [[الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل]] كل هذا من مقدمات الزنا، زيادةً على ذلك: التبرج، وهو: خروج المرأة متعطرة ومتجملة بأحسن الملابس، تتجول في أسواق المسلمين بدون وازع ولا رادع.

حكم الله في الزناة

ولقد ورد حكم الله في من اقترف الزنا إذا كان أعزب؛ فإنه يجلد مائة جلدة، ويُغرَّب عام، هذا شاملٌ في الرجل والمرأة إذا لم يكونا متزوجين، أما إذا كانا متزوجين ولو في العمر مرة، فإن الشريعة الإسلامية أمرت برجمهما بالحجارة حتى يموتا، وهكذا جاءت السنة النبوية عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: {فإن لم يستوف فالقصاص منهما في الدنيا، وما جاء من غير توبة، فإنهما يعذبان في النار بسياطٍ من نار}.

ثبت عن رسولكم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى أنه قال: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن} وقال -أيضاً0 صلى الله عليه وسلم: {من زنا أو شرب الخمر، نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه} ويقول صلى الله عليه وسلم: {ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليم، وذكر منهم: شيخٌ زان} أي: شيخُ كبيرٌ في السن، نسأل الله حسن الخاتمة.

وفي صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه وأرضاه، وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل وميكائيل، قال: {فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع, فيه لغطٌ وأصوات، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراة، فإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب، ضوضوا - أي: صاحوا من شدة حره- فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني -أي: من الرجال والنساء- فهذا عذابهم إلى يوم القيامة}.

قال عطاء رحمه الله في تفسير قوله الله تعالى عن جهنم: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ [الحجر:44] قال: [[أشد تلك الأبواب غماً وحراً وبرداً وأنتنها ريحاً للزناة, الذين ارتكبوا الزنا بعد العلم]] -أي: بعد العلم بتحريمه- وجاء عن نبيكم صلى الله عليه وسلم، قال: {يا معشر المسلمين! اتقوا الزنا؛ فإن فيه ست خصال: ثلاث في الدنيا، وثلاث في الآخرة، فأما التي في الدنيا: فذهاب بهاء الوجه، وقصر العمر، ودوام الفقر} كيف لا! إنه لا ينطق عن الهوى، ودوام الفقر الأربعين الألف، والثلاثين الألف، والستين الألف، ليس لها واقفٌ في فرنسا ، ولندن ، وفي غيرها من دول أوروبا الفاسدة! إنها تذهب هباءً منثوراً، ولذلك يخبرنا صلى الله عليه وسلم: {وأما التي في الآخرة: فسخط الله تبارك وتعالى، وسوء الحساب، والعذاب بالنار} هكذا يحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عاقبة الزنا ينادي: {يا معشر المسلمين! اتقوا الزنا, فإن فيه ست خصال، ثلاث في الدنيا، وثلاث في الآخرة، فأما التي في الدنيا: فذهاب بهاء الوجه، وقصر العمر، ودوام الفقر، وأما التي في الآخرة: فسخط الله تبارك وتعالى، وسوء الحساب، والعذاب بالنار}.

ويقول صلى الله عليه وسلم: {ما من ذنبٍ بعد الشرك بالله أعظم عند الله من نطفةٍ وضعها رجل في فرج لا يحل له} وورد أيضاً: {أن من وضع يده على امرأة لا تحل له بشهوة، جاء يوم القيامة مغلولةً يده إلى عنقه}.

فيا عباد الله! هذه العناية بقطع الطرق والأسباب التي قد توقع في الزنا رحمةً بالإنسانية، وحفظاً للمجتمعات والأفراد من مغبة الزنا ووخامته وشر عقباه.

في الزنا من الأمراض الخلقية والاجتماعية والصحية والأضرار ما يكفي أقلها لتحريمه, والابتعاد عنه, إذ أنه مدعاةٌ لضياع الأنساب واشتباهها، فربما أدَّى- عياذاً بالله- إلى أن يتزوج الرجل بذات محرمٍ له في باطن الأمر.

آثار الزنا السلبية على الفرد والمجتمع

والزنا مدعاة لغرس الأحقاد، والتباغض، والتنازع، وسفك الدماء، ومدعاة لاختلال نظام الأسرة، ولا سيما بين الزوجين الذين أراد الله منهما أن يتعاشرا بالحسنى والمعروف.

الزنا مدعاةٌ لهتك الأعراض، وتلويث الأسر، وفساد النساء.

الزنا مدعاةٌ لخلط الأمراض المستعصية المتنوعة، فكم من مروءةٍ وفضيلة دفنها، وعفافٍ واحتشامٍ قضى عليه الزنا, لذا فغيره جاءت الحكمة الإلهية بتحريمه -كما تقدم- ومحاربته بالشرائع السماوية منذ القدم.

لقد جعلت شرائع لمرتكبيه أقسى العقوبات الدنيوية من قتل وجلد وتشريد بحسب الزاني من إحصانٍ وغيره، كما أن الشريعة الإسلامية توعدت الزناة بألوان العذاب المضاعف في الآخرة، فقال جلَّ وعلا بعد أن ذكر معاصي آخرها الزنا، قال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ [الفرقان:68-70] -لا إله إلا الله رحمة ربنا واسعة، أرحم الراحمين اللطيف بعباده يستثني- إِلَّا مَنْ تَابَ [الفرقان:70].

دعوة إلى التوبة وغض البصر

اتقوا الله -أيها المسلمون- وابتعدوا عن هذه الجريمة العظمى، واحذروا من مقارفة الزنا، فإنه عارٌ في الدنيا، ونارٌ في الآخرة، احذروا فإن لكم عواطف ومحارم، يروى في الأثر: [[عفوا تعف نساءكم]] ولا عجب فإن الجزاء من جنس العمل! ربما يزني في أوروبا ويُزنى بزوجته في بلاده، ربما يزني في أوروبا ويزنى ببناته في بلاده، ربما يزني بالخادمة بعرض الطريق، ويزني بابنته المتحصنة بين الجدران، ربما يزني بالخادمة وقد وضع الستار في السيارة أمام أعين الخلق، وابن الجيران يزني بابنته وتحصنه الجدر في فراشه، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

يا عباد الله! لعل من يخفى عليه هذا الوعيد الشديد، والتهديد الأكيد أن يقلع عن هذه المعصية، ويتوب إلى الله عز وجل، ويرجع ويندم على ما فات، فإن الله يتوب على من تاب، وباب التوبة مفتوح، والتوبة تجبُّ ما قبلها و(التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

اللهم إنا نسألك توبةً نصوحاً, تُطِّهر بها قلوبنا، وتمحِّص بها ذنوبنا، اللهم اغفر ذنوبنا, وطهِّر قلوبنا, وحصّن فروجنا، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين.

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:30-31].

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

أسباب الزنا ودواعيه

الحمد لله وكفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا عباد الله! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه, واحذروا أسباب سخطه, فإن الله يغار على محارمه: ومن محارمه أن يزني العبد أو تزني الأمة، وكلنا -عباد الله- يعلم بشاعة هذه الفاحشة، ولا يرضاها لأهله ولا لمحارمه، فعلينا -جميعاً- بمحاربة هذه الجرثومة الفتَّاكة، والداء الخطير، الذي ما حدث في شعب من الشعوب إلا دهورها ورداها إلى الهاوية.

عباد الله! إن من أسباب الزنا ودواعيه: تبرج النساء في الأسواق، وخروجهن متعطرات فاتنات مفتونات.

وكذلك اختلاط الرجال بالنساء من غير محرم.

ومن أسباب الزنا ودواعيه، الخلوة بالنساء، فالرسول صلى الله عليه وسلم يُحذِّر أصحابه من الخلوة بالنساء، وهم أنظف منا قلوباً، وأتقى لله، أما نحن، فنقول: قلوبنا نظيفة، والله إنها ليست بأنظف من قلب رسول الله، ولا من قلوب صحابة رسول الله، كيف بنا نقف أمام الناصح ونقول: قلوبنا نظيفة؟ ألا نتقي الله ونبتعد عن العادات الفاسدة التي تؤدي بنا إلى الشر والعار والفساد وهذا الوعيد الشديد؟ إن الزناة معلقون بفروجهم في النار يُضربون بسياطٍ من حديد، فإذا استغاث من الضرب، نادته الزبانية: أين كان هذا الصوت وأنت تضحك وتفرح وتمرح؟ أين هذا الصوت؟ ألا تراقب الله وتستحي منه.

فاتقوا الله عباد الله! وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] وصلوا على رسول الله كما أمركم الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً) اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا, واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين، اللهم زلزل أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم يدك، اللهم مزّقهم كل ممزق، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه, واجعل كيده في نحره, واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.

اللهم أصلح أئمة وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم حبّب إليهم الحكم بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اهدهم لتطبيق الشريعة بحذافيرها، اللهم اهدهم لتطبيق الشرعية بحذافيرها، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا وإياهم اجتنابه يا رب العالمين.

اللهم تُب على التائبين، واغفر ذنوب المذنبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى جميع المسلمين يا رب العالمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط وسوء الفتن ما ظهر منا وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , عاقبة الزنا للشيخ : عبد الله حماد الرسي

https://audio.islamweb.net