إسلام ويب

من حفظ الشريعة لحقوق الناس أن جعلت يمين الحالف على نية المستحلف، وأنه لا يجوز التورية والمعاريض في الأيمان المتعلقة بالحقوق، وخاصة عند التخاصم أمام القاضي، أما في غير الحقوق فتجوز التورية والمعاريض حتى عند القاضي، خاصة إذا ألزمه بالحلف بغير الله تعالى، كالحلف بالطلاق والعتاق، ولا يجوز الاستثناء في اليمين إلا باتصال الاستثناء باليمين، وكون الحالف قد نوى الاستثناء قبل الفراغ من اليمين؛ لأن الاستثناء المتصل باليمين يمنع انعقاده.

باب يمين الحالف على نية المستحلف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

وهذا هو الباب الرابع من كتاب الأيمان.

قال النووي رحمه الله تعالى: (باب يمين الحالف على نية المستحلف) يعني: اليمين ليس على نية الحالف، إنما على نية المستحلف، فإذا حلَّفك القاضي يميناً فلا يصح لك أن توَرِّي في هذا اليمين، أو تستخدم المعاريض؛ لأن القاضي لا يحلِّف أحداً إلا إذا كانت هذه الخصومة يترتب عليها إثبات حقوق للآخرين أو نفيها، فحينئذ هذه اليمين لا تصح فيها التورية؛ لأنها تمنع الآخرين حقهم، أو تثبت حقاً لإنسان ليس له حق، فلا يصح أن تتذرع بعد استحلاف القاضي لك أنك ما كنت تقصد ما حلفت عليه؛ لأن هذا بإجماع أهل العلم غير جائز.

شرح حديث: (يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن يحيى وعمرو الناقد ، قال يحيى: أخبرنا هشيم بن بشير عن عبد الله بن أبي صالح ، وقال عمرو : حدثنا هشيم بن بشير أخبرنا عبد الله بن أبي صالح ]

عبد الله بن أبي صالح لأول مرة تقريباً يمر معنا، وقيل: اسمه عباد ، وقال بعض أهل النقد: عبد الله ، فبعضهم يجعل عبد الله اسماً وعباداً لقباً، وبعضهم يجعل اسمه عباداً وعبد الله لقباً له، وهو ابن أبي صالح السمان ذكوان، وله أخ مشهور بالرواية هو سهيل بن أبي صالح الذي يروي عن أبيه عن أبي هريرة غالباً، فـسهيل إمام كبير ثقة، مكثر للرواية، بخلاف عباد أو عبد الله فإنه مقل جداً في الرواية، كما أنه في العدالة والتوثيق يقل عن أخيه كثيراً.

قال: [ أخبرنا عبد الله بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك -وقال عمرو-: يصدقك به صاحبك) ] أي: يمينك على ما يستحلفك عليه صاحبك، فهو يطلب منك أن تصدقه في مراده.

شرح حديث: (اليمين على نية المستحلف)

قال: [ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن هشيم عن عباد بن أبي صالح -وهو عبد الله المذكور في الإسناد الأول- عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اليمين على نية المستحلِف) ] وهذا اسم فاعل، بخلاف المستحلَف فإنه اسم مفعول، فليس اليمين على نية المستحلَف، وإنما هو على نية الحالف.

مذهب الشافعية في معنى حديث: (اليمين على نية المستحلف)

قال النووي: (وهذا الحديث محمول على الحلف باستحلاف القاضي) يعني: هذا الحديث محمول على فض المنازعات والخصومات.. وغيرها، واستحلاف القاضي للخصوم أو للشهود على نية المستحلِف، أي: على نية القاضي الذي طلب منك اليمين أن تقسمه على إثبات شيء أو نفيه، وهذا محل إجماع، واختلف بعد ذلك إذا لم يكن المحلف هو القاضي، فمنهم من قال: لا يحنث ولا يأثم بذلك إذا ورى، ومنهم من قال: يأثم ويحنث، ولا تقبل منه التورية، لكن المسألة المجمع عليها أن القاضي إذا حلَّف متهماً أو خصماً أو شاهداً فلا تصح التورية من المستحلَف حينئذ.

ثم قال: (فإذا ادعى رجل على رجل حقاً، فحلفه القاضي فحلف، وورَّى فنوى غير ما نوى القاضي؛ انعقدت يمينه على ما نواه القاضي -لا على ما نواه المستحلِف- ولا تنفعه التورية، وهذا مجمع عليه، ودليله هذا الحديث والإجماع).

والتورية: هي أن توهم الذي أمامك إذا سألك سؤالاً أنك تجيب على عين السؤال، وإجابتك تصلح أن تكون لأكثر من سؤال.

مثال ذلك: إذا طرق عليك الباب أحد، فردت امرأتك من خلف الباب فسألها الطارق: فلان موجود، فقالت: ليس موجوداً هنا، وتشير إلى مكان بعينه تقصده، أي: خلف الباب، وأنت في غرفة من الغرف، فهي قد ورَّت في كلامها، واستخدمت المعاريض في كلامها، كما لقي بعض المشركين النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى المدينة، وهم لو عرفوه لقصدوا قتله، فلما لقوه هو ومن معه قالوا: (من أين القوم؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نحن من ماء)، يقصد: وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]، فهو لم يكذب، لكنه أراد شيئاً، والسائل أراد شيئاً آخر.

فهذه هي التورية أو المعاريض، ولها صور أخرى حتى لا يسميها أحد بالكذب، وكما قال السلف: (إن في المعاريض مندوحة عن الكذب).

فإذا طلب القاضي من إنسان أعمى أن يحلف اليمين: هل رأيت فلاناً يفعل كذا، فيقول الشاهد الأعمى: لا والله ما رأيته، مع أنه سمعه، فالقاضي من كثرة ما اعتاد أن يحلِّف اليمين على نحو معين، قال لهذا الشاهد الأعمى الذي جيء به ليشهد أنه سمع: هل رأيت فلاناً يقول كذا؟ فيقول: لا والله ما رأيته. فيمضي القاضي شهادته على ما ورى به.

والأصل أن اليمين تنعقد على نية القاضي، أما يمين هذا المستحلَف فلا تصح منه؛ لأنه استخدم المعاريض.

وانعقاد الإجماع على أن اليمين على نية القاضي؛ لتعلق هذا اليمين بحقوق الآخرين.

ثم قال: (فأما إذا حلف بغير استحلاف القاضي وورَّى تنفعه التورية، ولا يحنث، سواء حلف ابتداء من غير تحليف، أو حلفه غير القاضي وغير نائبه في ذلك، ولا اعتبار بنية المستحلِف غير القاضي).

يعني: هم يفرقون بين حالتين: في حالة أن تذهب إلى المحكمة فيحلفك القاضي، فهذا فيه الإجماع على أن اليمين على نية المستحلِف لا على نية المستحلَف.

أما لو ذهبت أنت إلى المحكمة ولم يحلفك القاضي أو نائبه، وإنما أنت ابتدرته باليمين دون استحلاف منه، واستخدمت في يمينك تورية، وقصدت ما كان مطلوباً منك مستخدماً التورية، فتنفعك التورية، ولا تحنث في يمينك، سواء حلفت ابتداءً من غير تحليف، أو حلفك غير القاضي وغير نائبه، ولا اعتبار لنية المستحِلف من غير القاضي أو نائبه.

ثم قال: (وحاصله أن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال، إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه فتكون على نية المستحلف وهو مراد الحديث) يعني: اليمين على نية الحالف في كل الأحوال إلا في حالة واحدة، وهي إذا حلفه القاضي.

ثم قال: (أما إذا حلف عند القاضي من غير استحلاف القاضي في دعوى؛ فالاعتبار بنية الحالف لا بنية المستحلِف، وسواء في هذا كله اليمين بالله تعالى أو بالطلاق والعتاق، إلا أنه إذا حلفه القاضي بالطلاق أو بالعتاق؛ تنفعه التورية) لأنه لا يجوز للقاضي أن يحلف أحداً إلا بما ينعقد به اليمين الشرعي، وهو بالله وأسمائه وصفاته.

فإذا قال: عبدي معتق إن كان كذا، أو إن لم يكن كذا، فلا يعتق العبد عند جماهير العلماء، وكذلك إذا قال: امرأتي طالق إن كان كذا، فلا تطلق امرأته عند جمع من العلماء.

قال: (وسواء في ذلك كله اليمين بالله تعالى، أو بالطلاق أو العتاق، إلا أنه إذا حلفه القاضي بالطلاق أو بالعتاق تنفعه التورية، ويكون الاعتبار بنية الحالف؛ لأن القاضي ليس له التحليف بالطلاق والعتاق، وإنما يستحلِف بالله تعالى).

يعني: إذا حلفك القاضي بالله؛ فلا يجوز لك أن توري، أما إذا حلفك بالطلاق فوريت في هذا فتنفعك التورية؛ لأنه لا يحل للقاضي أن يحلفك بالطلاق ولا بالعتاق، فلو أن اسم امرأتك (طالق) في البطاقة الشخصية، فقال القاضي: قل: امرأتي طالق ما فعلت كذا، القاضي يقصد اليمين، وهذا يقصد ذكر اسمها، فقال: امرأتي طالق ما فعلت كذا، فهو ورى وقصد ذكر اسم امرأته.

وكذلك لو حلفه القاضي وقال: قل: امرأتي طالق، فقال: بل امرأتي طلاق، فقبل القاضي منه ذلك؛ لأنه يعلم الفرق بين كلمة طالق وطلاق، فطلاق أبلغ، ثم أُخبِرَ القاضي بعد ذلك بأن الرجل الذي حلف بين يديه في المحكمة اسم امرأته (طلاق) فجن جنون القاضي، وقال: هذا رجل في غاية الذكاء، وهو كاذب في هذا اليمين، فهل اليمين على نية المستحلِف أي: على نية القاضي؟

لا، على نية الحالف، وهذه المرأة لا تطلق من زوجها؛ لأنه ما أراد إيقاع الطلاق، إلا أنه استخدم التورية في ذكر اسم امرأته وقال: امرأتي (طلاق). أي: اسمها (طلاق).

ثم قال: (واعلم أن التورية وإن كان لا يحنث بها فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق مستحق) لأن التورية والتعريض لا يستخدمان إلا في أضيق الحدود؛ لأن الأصل الصدق التام في الكلام وفي الأخبار، وهذا عادة المسلم وشأنه دائماً، لكن لو اضطر إلى التورية فعل ذلك ولا حرج عليه، حتى إن بعض أهل العلم أجازوا القسم بالله كذباً إذا خشي الهلاك، وهذا بلا شك كلام معقول ومقبول جداً؛ لأن الله تبارك وتعالى أجاز النطق بكلمة الكفر عند الإكراه، فإذا أكره امرؤ أو اضطر اضطراراً إلى أن يقسم ويوري في قسمه، فالأصل أن المرء إذا أقسم لا يوري؛ ولذلك يرى بعض أهل العلم في المعاريض ألا يقسم، وإذا أقسم في معاريضه أثم، وهذا الرأي من أعجب الآراء إلي؛ لأن المعاريض استثناء، فلا تنعقد انعقاداً جازماً باليمين بالله وأسمائه وصفاته، فحينئذ إذا استخدم الإنسان المعاريض فيشترط شروط: الأول: أن يكون مقلاً جداً في استخدامه.

الثاني: ألا يقسم على ذلك، بل يقول كلاماً للخروج من المأزق فقط، أما إذا اضطر الإنسان إلى الكذب الصريح البواح، لخشيته على نفسه أو على الآخرين الهلكة، فيجوز له ذلك، وأظن أن كثيراً منا يضطر في كثير من الأحوال إلى الكذب، فهذا لا بأس به إذا غلب على ظنه الهلكة بنفسه أو بالآخرين.

أما أن تترخص أن تكذب من أول العتبة إلى آخرها فليس هذا برخصة؛ لأن الرخصة غير العزيمة، وأن الأصل العزيمة، ولا يصار إلى الرخصة إلا بترخيص من الشارع.

فقوله: (واعلم أن التورية وإن كان لا يحنث بها) أي: لا يأثم، ولا يقع في الحنث بها.

وقوله: (فلا يجوز فعلها، حيث يبطل بها حق مستحق) أي: للآخرين.

ثم قال: (وهذا مجمع عليه) يعني: هذا الكلام الذي ذكره الإمام النووي مجمع عليه.

ثم قال: (هذا تفصيل مذهب الشافعي فيما يتعلق باليمين وأحكامه).

مذهب المالكية في معنى حديث: (اليمين على نية المستحلف)

قال النووي: (ونقل القاضي عياض عن مالك وأصحابه في ذلك اختلافاً وتفصيلاً، فقال: لا خلاف بين العلماء أن الحالف من غير استحلاف ومن غير تعلق حق بيمينه له نيته، ويقبل قوله).

يعني: إذا حلف من غير أن يستحلفه أحد فيوري، أو حلف بعد أن يحلفه أحد غير القاضي كذلك له أن يوري، لكن نتيجة هذا الحلف لا يتعلق بها حق للآخرين، فلو حلف مستخدماً التورية أو المعاريض؛ فإنه لا يأثم بذلك ويقبل قوله.

ثم قال: (وأما إذا حلف لغيره في حق أو وثيقة متبرعاً، أو بقضاء عليه؛ فلا خلاف أنه يحكم عليه بظاهر يمينه، سواء حلف متبرعاً باليمين أو باستحلاف) يعني: لو ابتدأ هو اليمين، أو حلفه الآخرون؛ فإنه حينئذ يأثم، وتلزمه التوبة.

ثم قال: (وأما فيما بينه وبين الله تعالى فقيل: اليمين على نية المحلوف له).

اختلف المتأخرون في إعادة الضمير في قوله: (له) هل هو المفعول له إذا أتى الشاهد فحلِّف، فلا شك أنه يحلف لمصلحة أحد المتنازعين، فهل المقصود في عود الضمير في قوله: (على نية المحلوف له) هل هو أحد الخصمين المتنازعين، أو المحلوف له، أي: القاضي؟ على خلاف، الراجح أنه القاضي، واليمين حينئذ على نية المستحلِف وهو القاضي.

ثم قال: (وقيل: على نية الحالف، وقيل: إن كان مستحلَفاً؛ فعلى نية المحلوف له، وإن كان متبرعاً باليمين؛ فعلى نية الحالِف، وهذا قول عبد الملك وسحنون، وهو ظاهر قول مالك وابن القاسم ، وقيل عكسه، وهي رواية يحيى عن ابن القاسم ، وقيل: تنفعه نيته فيما لا يقضى به عليه، ويفترق التبرع وغيره فيما يقضى به عليه، وهذا مروي عن ابن القاسم أيضاً.

وحكي عن مالك أن ما كان من ذلك على وجه المكر والخديعة فهو فيه آثم حانث، وما كان على وجه العذر فلا بأس به) يعني: إذا كنت تحلف وتستخدم التورية على سبيل المكر والخديعة، فأنت تأثم بذلك، حتى وإن كنت المبتدئ باليمين.

أما إذا استخدمت التورية وحلفت، وكان على وجه العذر، فأنت معذور في ذلك، ولا بأس عليك.

ثم قال: (وقال ابن حبيب -من المالكية- عن مالك : ما كان على وجه المكر والخديعة فله نيته، وما كان في حق فهو على نية المحلوف له.

قال القاضي : ولا خلاف في إثم الحالف بما يقع به حق غيره، وإن ورَّى، والله أعلم).

إذاً: اليمين على نية المستحلِف، خاصة إذا كان المستحلِف قاضياً، فإذا حلفك القاضي بالله فلا يحل لك أن توري في هذا اليمين، هذا أمر.

الأمر الثاني: إذا كان هذا اليمين متعلقاً بحق الآخرين، فهذا أوكد في أن اليمين على نية المستحلِف، أما إذا حلفت على شيء مبتدئاً بالله تعالى، فلا يجوز لك كذلك أن توري، وهذا هو الراجح في مذهب المالكية دون الشافعية.

ونقلنا الإجماع على أن المقصود بهذا القاضي.

على أية حال يترجح لدي في نهاية الأمر مذهب مالك : أن اليمين على نية المستحلِف، خاصة إذا كان المستحلِِف هو القاضي؛ لتعلق حقوق الآخرين به، وهذا أوكد في حرمة التورية إذا حلفك القاضي بالله تعالى.

أما إذا ابتدرت أنت اليمين، فالراجح من مذهب مالك لا يحل لك التورية؛ لأن الذي أمامك إنما يحملك على ظاهر قولك، ويسمع منك هذا، فإذا كان الذي أمامك يقبل منك ظاهر قولك، وتريد أن تستخدم التورية والمعاريض فلا بأس بذلك بغير يمين.

هذا هو الذي يترجح لدي في الباب كله من أوله إلى آخره.

باب الاستثناء

قال: (باب الاستثناء).

الاستثناء: هو ما جاء بعد (إلا) غالباً، أو ما كان معلقاً على المشيئة، حتى وإن سبقه يمين، كما لو قلت: والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله، فقولك: والله لأفعلن كذا، هذا يمين قد انعقد على الجزم بفعل هذا الشيء، فإن لم تفعله ستحنث في اليمين ويلزمك الكفارة، أما إذا قلت: والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله، أي: إلا أن يشاء الله ألا أفعله فلا أفعله، هذا هو التقدير، فإذا لم تستثن وحنثت لزمتك الكفارة.

والاستثناء دائماً رافع للكفارة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حج أو اعتمر فأهل وشرط؛ فلا حنث عليه).

وقال للمرأة: (أهلي واشترطي على ربك، وقولي: لبيك اللهم عمرة أو حجاً، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) يعني: تشترط من الميقات.

بعض الناس يتصور أن الدخول في الإهلال والنسك بمجرد لبس الإزار والرداء، وليس الأمر كذلك، حتى لو لبستهما من بيتك فإن النسك لا ينعقد إلا في الميقات المكاني، وهو لأهل مصر الجحفة أو رابغ، ولأهل اليمن يلملم، وللعراق ذات عرق، وللمدينة ذو الحليفة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (هن لهن -أي: هذه المواقيت- ولمن مرَّ بهن من غير أهلهن، لمن أراد الحج أو العمرة).

فهذه المواقيت هي بداية الدخول والتلبس بالنسك، لكن هب أنك قلت: لبيك اللهم عمرة! ثم بدأت تلبي حتى وصلت إلى المطار أو الميناء أو غير ذلك، فإذا هناك من الأعذار ما يسمح للقائمين على الأمر إلى ردك لبلدك، كأن تكون الفيزة مثلاً غير صحيحة، أو أوراقك غير رسمية.. أو غير ذلك من الأعذار، فأرجعوك إلى صالة المغادرة، وركبت الطائرة ورجعت إلى بلدك، فماذا عليك حينئذ؟

الذي عليك أن تذبح شاة لفقراء الحرم؛ لأنك لم تشترط ولم تقل: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، أما لو اشترطت فأرجعوك فلا شيء عليك ولا دم؛ لأنك قلت: يا رب! أنا تلبست بنسك، فإن حبسني حابس فمحلي، أي: فتحللي من ملابس الإحرام ومواصلة النسك حيث حبستني، أي: في نفس المكان الذي حبستني فيه، ولا حرج علي حينئذ، ولا دم علي حينئذ، فدائماً الاستثناء والاشتراط في اليمين يقطع الحنث، كما يقطع كذلك الكفارة.

فلو قلت مثلاً: والله إني لا أزور فلاناً قط إلا أن يشاء الله، فهذا قد تحقق الشرط المستثنى، وهذا الاستثناء يمنع انعقاد اليمين.

شرح حديث أبي هريرة في طواف سليمان بن داود على نسائه في ليلة واحدة

قال: [ حدثني أبو الربيع العتكي وأبو كامل الجحدري فضيل بن حسين واللفظ لـأبي الربيع ، قالا: حدثنا حماد بن زيد البصري ، حدثنا أيوب بن أبي تميمة السختياني البصري عن محمد بن سيرين البصري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان لسليمان ستون امرأة..، -أي: سليمان بن داود عليهما السلام- فقال: لأطوفن عليهن الليلة) ]. الطواف كناية عن الجماع، كأنه قال: لأجامعن نسائي الليلة كلهن.

ثم قال: [ (فتحمل كل واحدة منهن، فتلد كل واحدة منهن غلاماً فارساً يقاتل في سبيل الله، فلم تحمل منهن إلا واحدة، فولدت نصف إنسان؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان استثنى؛ لولدت كل واحدة منهن غلاماً فارساً يقاتل في سبيل الله) ]. يعني: لو قال: إن شاء الله.

قال: [ وحدثنا محمد بن عباد وابن أبي عمر واللفظ له، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير المكي عن طاوس بن كيسان اليماني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال سليمان بن داود نبي الله: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه أو الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل، ونَسِي) ]. وفي رواية: (ونُسِّي).

فقوله: (صاحبه أو الملك) يعني: ربما يكون أحد أصدقائه، وربما يكون القرين من الملائكة.

ثم قال: [ (فلم تأت واحدة من نسائه، إلا واحدة جاءت بشق غلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً له في حاجته) ] أي: كان لحاقاً له في حياته.

قال: [ وحدثنا ابن أبي عمر العدني محمد بن يحيى حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو نحوه.

وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليمني أخبرنا معمر بن راشد البصري اليمني عن عبد الله بن طاوس عن أبيه طاوس عن أبي هريرة قال: (قال سليمان بن داود: لأطيفن الليلة على سبعين امرأة) ]. (أطيفن) و(أطوفن) هما لغتان فصيحتان.

قال: [(لأطيفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل، فأطاف بهن، فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته) ]. أي: كان دركاً ولحاقاً لتحقق مراده، وهو أن يرزق من كل امرأة بولد، ولكنه لم يرزق من أي امرأة بإنسان؛ لأنه لم يقل: إن شاء الله، ولم يستثن.

قال: [وحدثني زهير بن حرب -أبو خيثمة النسائي نزيل بغداد- حدثنا شبابة -وهو ابن سوار المدائني نسبة إلى المدائن ببلاد فارس- حدثني ورقاء -هو ابن عمر اليشكري أبو بشر الكوفي نزيل المدائن- عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة..) ].

بعض الحمقى وإن شئت فقل: بعض الملاحدة يرد هذا؛ وحجته في ذلك أمران:

الأمر الأول: اضطراب هذه الروايات، مرة ذكر تسعين، ومرة سبعين، ومرة ستين، وفي غير الصحيح أكثر من تسعين، كما جاء في رواية: (لأطوفن الليلة على نسائي التسع والتسعين)، وفي رواية: (لأطوفن الليلة على مائة امرأة)، قال: هذا اضطراب.

الأمر الثاني: كيف لرجل أن يطوف على هذا العدد، وهذا معلوم استحالته في حق أي بشر.

والجواب: أن هذا العدد له مفهوم يسمى عند الأصوليين: مفهوم العدد، فهل مفهوم العدد حجة؟

مذهب جماهير الأصوليين أن مفهوم العدد ليس بحجة، وإنما المراد منه الكثرة، وليس المراد اعتبار عين العدد، كما لو قلت لصاحبك: أنا اتصلت بك مائة مرة، أو أتيتك للزيارة مائة مرة ولم أجدك، وفي حقيقة الأمر أنت ما أردت تحديد العدد، أنك حقاً أتيت مائة مرة عداً، وإنما أردت أن تخبره أنك أتيته كثيراً.

إذاً: مفهوم العدد عند جماهير العلماء ليس بحجة، وإنما المراد ذكر الكثرة؛ هذا أحد وجوه الرد.

الرد الثاني: أن سياق الروايات ليس سياق حصر، قال: (لأطوفن الليلة على ستين امرأة)، وفي رواية: (سبعين امرأة)، وفي رواية: (تسعين امرأة)، وفي رواية: (تسعة وتسعين)، وفي رواية: (مائة) فهل ثبت أن سليمان بن داود كان متزوجاً بهذا العدد أو متسرياً به دون غيره؟

الجواب: لا، وربما يكون عنده من النساء الحرائر والسراري أكثر من مائة، ولكنه قال: (لأطوفن الليلة على ستين منهن)، فلما طاف على الستين زاد إليهن عشراً، فلما زاد عشراً زاد عشرين، ثم زاد تسعاً ثم زاد واحدة فأتم المائة، وأنتم تعلمون أن التأويل بين ما ظاهره التعارض أمر واجب؛ لأن إعمال الأدلة كلها خير من إهمال أحدها، وهذه قاعدة أصولية مستقرة لا نزاع فيها.

الرد الثالث: ربما تعددت الحوادث في ليال متعددة، فلما كان تحته ستون امرأة قال ذلك، فلما ضم إليهن عشراً قال ذلك، فلما ضم إليهن عشرين أخريات قال: (لأطوفن الليلة على تسعين)، فليس هناك إشكال.

الرد الرابع على الملاحدة الذين ينكرون ما لا يركب في عقولهم بأدنى شبهة: أن الأنبياء ليسوا كغيرهم من بقية البشر، خاصة وأنه قد ثبت أن نبينا عليه الصلاة والسلام: (كان يطوف على نسائه التسع أو الإحدى عشرة في ليلة واحدة بغسل واحد)، وهذا في الصحيحين ثابت بلا نزاع، فالذي ينكر هذا ينكر الآية، والذي يؤمن بهذا لا بد وأن يؤمن بذلك؛ لأن الأنبياء ركبت فيهم من القوى البدنية والنفسية ما لم يركب في واحد من البشر، وكما نعلم حديثاً أن بعض الطيور والحيوانات والهوام يستطيع أن يأتي من جنسه فوق المئات في اليوم الواحد, كما نسمع في برامج العلم أن العصفور يأتي من ثلاثمائة إلى خمسمائة من إناث العصافير في اليوم الواحد، فإذا كان هذا في هذا الطائر الصغير الحقير، فكيف بنبي مرسل في قومه.

كذلك شبهة أخرى: يقولون: كيف لهذا النبي أن يتزوج بستين امرأة أو سبعين أو تسعين أو مائة، ونبينا عليه الصلاة والسلام أعظم الأنبياء، ومع هذا لم يؤذن له في هذا العدد؟

الجواب: أن كثرة النساء لدى نبي وقلتهن لدى نبي آخر لا علاقة لها بالأفضلية بين الأنبياء، فليس هذا من باب المفاضلة بين الأنبياء.

الجواب الثاني: ربما كان ذلك مشروعاً في شريعة سليمان دون شريعة النبي عليه الصلاة والسلام.

الجواب الثالث: لم يصح عندنا خبر بأنهن كلهن كن من الحرائر وكن زوجاته، فلربما يكن مملوكات اليمين لدى سليمان، وملك اليمين في شريعتنا أمر واسع مفتوح لعامة أفراد الأمة، وقد ثبت أن غير واحد تزوج بأكثر من أربع، لكن لا يحتفظ إلا بأربع في الوقت الواحد، أي: من الحرائر، وأما من الإماء فله الاحتفاظ بالكثرة الكاثرة، فهذا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي كانت تحته سبعون امرأة: أربع من الحرائر، والباقي إماء.

و الحسن بن علي رضي الله عنه أحصن في الإسلام ثلاثمائة امرأة.

فهذا رد على الملاحدة الذين يجحدون هذه الروايات رغم وجودها في الصحيحين.

قال: [ حدثني زهير بن حرب حدثنا شبابة -وهو ابن سوار المدائني - حدثني ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كلها تأتي بفارس يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعاً، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة، فجاءت بشق رجل، وايم الذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله؛ لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون).

وحدثنيه سويد بن سعيد حدثنا حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة -الإمام صاحب المغازي- عن أبي الزناد بهذا الإسناد مثله، غير أنه قال: (كلها تحمل غلاماً يجاهد في سبيل الله) ].

كلام النووي في أحاديث باب الاستثناء

من فوائد حديث أبي هريرة في طواف سليمان بن داود على نسائه في ليلة واحدة

قال الإمام النووي : ( في هذا الحديث فوائد: منها: أنه يستحب للإنسان إذا قال: سأفعل كذا أن يقول: إن شاء الله؛ لقوله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24]).

واستخدام المشيئة دائماً يكون في أمر مستقبلي، بخلاف الحمد فإنه في أمر قد مضى.

فمثلاً: لا تقل: أنا فعلت كذا بالأمس إن شاء الله؛ لأنه لا وجه له؛ لكن تقول: أنا فعلت كذا بالأمس والحمد لله، فهو كلام مستقيم جملة وتفصيلاً، ولا تقل: أنا سأفعل كذا غداً والحمد لله، بل قل: أنا سأفعل كذا غداً بإذن الله، أو بمشيئة الله، أو إن شاء الله.

إذاً: فتعليق العمل على المشيئة يكون في أمر مستقبلي، أما إذا كان في الماضي فإنه يتعلق بالحمد.

ثم قال: (ومنها: أنه إذا حلف وقال متصلاً بيمينه: إن شاء الله تعالى؛ لم يحنث بفعله المحلوف عليه، وأن الاستثناء يمنع انعقاد اليمين؛ لقوله في هذا الحديث: (لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته) ).

هنا يذكر شرطاً مهماً، وهذا الشرط محل اتفاق، وهو أنه لو وصل الاستثناء بالحلف، فقال: والله العظيم لأفعلن كذا يوم الجمعة القادمة إن شاء الله، فهذا لم يقع فيه نزاع، إذا لم يفصل بين اليمين والاستثناء فإنه لا ينعقد به يمين، ولا يحنث لمخالفة هذا اليمين، لكن لو قال لولده: والله لو فعلت كذا لأضربنك، وفي اليوم التالي قال: إن شاء الله، فلا يصح، أما لو قال لولده: والله لو فعلت كذا لأضربنك إن شاء الله، ففعل الولد المحلوف عليه؛ فلا يلزم الأب هذا اليمين، ولو ترك الضرب لولده لم يحنث؛ لأنه علق الضرب على مشيئة الله، وقد شاء الله ألا يضربه؛ فلا يحنث بهذا اليمين، ولا تلزمه الكفارة.

شروط صحة الاستثناء

قال: (ويشترط لصحة هذا الاستثناء شرطان:

أحدهما: أن يقوله متصلاً باليمين).

أن يقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، والله لأتركن كذا إن شاء الله.

إذاً: فتعليق المشيئة يكون متصلاً باليمين.

ثم قال: (والثاني: أن يكون نوى قبل فراغ اليمين أن يقول: إن شاء الله تعالى) وهذا الشرط محل نزاع: قال البعض: متى تنعقد هذه النية، قبل أن يحلف، أم في مبتدأ اليمين، أم في أثناء اليمين، أم قبل أن يفرغ من اليمين؟

كل رأي من هذه الآراء قال به بعض أهل العلم.

الشرط الأول وهو أن يتصل الاستثناء باليمين، هو محل اتفاق.

أما الشرط الثاني، فمثاله: لو قلت لولدي: لو فعلت كذا لأضربنك، فأدركت نفسي وقلت: إن شاء الله، فمتى انعقدت النية؟ في آخر اليمين، صحيح أن الكلام متصل، لكن النية انعقدت في آخر اليمين.

بخلاف ما أن أسمع صوته في الشارع وأعرف أنه إنسان مشاغب ومشاكس، فأخرج له ناوياً تهديده وتعليق الضرب بالمشيئة، فأقول له: والله لأضربنك إن شاء الله، فالكلام كله متصل، وهذا ليس فيه نزاع.

ثم قال: (قال القاضي : أجمع المسلمون على أن قوله: (إن شاء الله) يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلاً).

يعني: الاستثناء يجعل اليمين غير منعقدة، بمعنى أنك لو خالفت ما نويت عليه لا تحنث ولا تلزمك الكفارة؛ لأن الاستثناء يبطل اليمين، فلو قلت له: والله لأضربنك إن شاء الله، فتركت ضربه فلا حرج عليك، ولا إثم ولا كفارة ولا حنث؛ لأنه ليس يميناً.

ثم قال: (ولو جاز منفصلاً كما روي عن بعض السلف؛ لم يحنث أحد قط في يمين، ولم يحتج إلى كفارة) يعني: خالف بعض أهل العلم وقالوا بجواز أن يكون الاستثناء منفصلاً، فيرد القاضي عياض عليهم ويقول لهم: إذا جاز الاستثناء منفصلاً لا يحنث أحد قط في يمين، كما لا يحتاج أحد قط إلى كفارة يمين، فإذا كنتم تتفقون معنا في أن اليمين منعقدة، وأن الحالف الحانث تلزمه الكفارة لأنه حنث في يمينه؛ فحينئذ يلزمكم أن تقولوا بإثبات الاتصال، وبعدم جواز الانفصال في الاستثناء.

فمثلاً: لو أن شخصاً يشرب ماء بارداً ومزاجه جيد للغاية، ويقول لزوجته: يا أم محمد! فتجيب عليه: نعم؟ فيقول لها: أنت طالق!

فهو غير غضبان، ولا سكران، بل يأكل ويشرب وهو مستريح للغاية، ثم يذهب إلى شيخ ليفتيه فيقول له: ماذا فعلت؟ فيقول: أنا كنت أمزح معها! فيفتيه المفتي بأن طلاقه وقع، ويقول له: لو لم يقع الطلاق بهذا اللفظ على نحو ما ذكرت؛ فليس في الدنيا شيء اسمه طلاق.

كذلك الذي يقول بجواز الانفصال بين الاستثناء واليمين، لا بد أن يبطل مدلول الآيات في كتاب الله في كفارة الأيمان والحنث، ويلزمه كذلك رد هذه الأحاديث الصحيحة.

إذاً: لو أن رجلاً الآن حلف على شيء وغداً يستثني أو بعد غد يستثني أو بعد شهر، أو بعد عام يستثني، هل يصح منه هذا الاستثناء؟

لا يصح، وهذا مذهب جماهير العلماء.

أقوال العلماء في قدر وقت اتصال الاستثناء باليمين

قال: (واختلفوا في الاتصال، فقال مالك والأوزاعي والشافعي والجمهور: هو أن يكون قوله: (إن شاء الله) متصلاً باليمين من غير سكوت بينهما، ولا تضر سكتة النفس) يعني: كأن يقول: والله العظيم لأفعلن كذا وكذا إن شاء الله، والذي فصل بين اليمين والاستثناء أنه أراد أن يتنفس، فهذا أقوى الآراء في المسألة، وهو الذي تشهد له الأدلة الشرعية، وهو مذهب جماهير العلماء.

ثم ذكر الرأي الثاني: (وعن طاوس والحسن وجماعة من التابعين: أن له الاستثناء ما لم يقم من مجلسه) هؤلاء جعلوا الحد الجائز انفصال المجلس، هب أن هذا المجلس طال ساعتين أو ثلاثاً أو أربعاً، عندهم مهما طال.

ثم قال: ( وقال قتادة : ما لم يقم أو يتكلم.

وقال عطاء : قدر حلبة ناقة.

وقال سعيد بن جبير : بعد أربعة أشهر.

وعن ابن عباس : له الاستثناء أبداً متى تذكره، وتأول بعضهم هذا المنقول عن هؤلاء على أن مرادهم أنه يستحب له قول: إن شاء الله تبركاً، قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24]، ولم يريدوا به حل اليمين ومنع الحنث).

يعني: الجمهور قالوا: سنقبل قول عطاء والحسن وابن عباس وسعيد بن جبير ، لكن ليس على سبيل الاستثناء في الحكم، إنما على سبيل الاستثناء للبركة بذكر اسم الله تعالى، إلا أن يشاء الله، كما في قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24].

حكم الاستثناء في الطلاق والعتق

ثم قال: (أما إذا استثنى في الطلاق والعتق.. وغير ذلك سوى اليمين بالله تعالى، فقال: أنت طالق إن شاء الله تعالى، أو أنتَ حر إن شاء الله تعالى، أو أنتِ علي كظهر أمي إن شاء الله تعالى، أو قال: لزيد في ذمتي ألف دينار أو درهم إن شاء الله، أو إن شفى الله تعالى مريضي فلله علي صوم شهر إن شاء الله.. أو ما أشبه ذلك؛ فمذهب الشافعي والكوفيين وأبي ثور وغيرهم بصحة الاستثناء في جميع الأشياء، كما أجمعوا عليها في اليمين بالله تعالى، فلا يحنث في طلاق ولا عتق، ولا ينعقد ظهاره ولا نذره، ولا إقراره.. ولا غير ذلك مما يتصل به قوله: إن شاء الله.

وقال مالك والأوزاعي : لا يصح الاستثناء في شيء من ذلك إلا اليمين بالله تعالى) تنبه لهذا الأمر، تكلم العلماء في هذه المسألة فقط من باب تقرير مسألة شرعية، فلا تظل كلما دخلت بيتك أو خرجت منه قلت لامرأتك: أنت طالق إن شاء الله لا؛ فهذا عند الجمهور تلاعب بألفاظ الشرع، وإن قال جمهور العلماء أن الاستثناء في هذا لا يحنث به المرء؛ فاعلم أن مالكاً ومن معه قالوا: لا يصح فيه الاستثناء بل يقع، يعني: المسألة محل نزاع بين أهل العلم في الطلاق والعتق.. وغير ذلك.

فهب أن الطلاق والعتق لا يقعان بالاستثناء، فلا يصح من مسلم أن يتلاعب بألفاظ الشرع.

قال: (وقوله صلى الله عليه وسلم: (لو قال: إن شاء الله لم يحنث)، فيه إشارة إلى أن الاستثناء يكون بالقول ولا تكفي فيه النية) يعني: لابد فيه من التلفظ؛ لأن اليمين قد تلفظ به، فلو استثنى في قلبه لا يصح منه ذلك، بل لابد أن يتلفظ بقوله: إن شاء الله، اتصالاً باليمين، أما لو عقد النية على الاستثناء لا يقبل منه ذلك، ولا يكون قد استثنى، وإنما يحنث لانعقاد يمينه.

وهذا للقادر على الكلام، أما غير القادر كالذي لا يتكلم وإنما يتعامل بالإشارة، فالأخرس مثلاً إذا أراد أن يحلف أشار إلى السماء، فعلم منه أنه يريد القسم، أو ربما إن كان يسمع لكنه لا يتكلم، وإنما يتعامل بالإشارة، فحينئذ يجب عليه وصف الاستثناء بالإشارة.

أو أن إنساناً لا يستطيع أن يشير ولا يتكلم، لكنه يتعامل كتابة، فحينئذ يلزمه أن يكتب الاستثناء والمشيئة بعد كتابته لليمين، وإلا فلا يقبل منه غير ذلك.

ثم قال: (أما قوله صلى الله عليه وسلم: (فقال له صاحبه: قل إن شاء الله) -أي: صاحب سليمان- قد يحتج به من يقول بجواز انفصال الاستثناء) يعني: بعد أن حلف سليمان عليه السلام وانتهى من الحلف قال له صاحبه: قل إن شاء الله، فهذا حجة لمن قال بجواز الفصل؛ لأن صاحبه قال له: قل إن شاء الله، ومع ذلك بعد أن ذكره نسي مرة أخرى. فهذه شبهة.

ثم قال: (وأجاب الجمهور عنه بأنه يحتمل أن يكون صاحبه قال له ذلك وهو بعد في أثناء اليمين) يعني: وهو مازال يتكلم قال له صاحبه ذلك، فبعد أن فرغ من كلامه نسي.

ثم قال: (أو أن الذي جرى منه ليس بيمين، فإنه ليس في الحديث تصريح بيمين).

وفي رواية قال: (والله لأطوفن الليلة على كذا وكذا)، قالوا: لفظ الجلالة هنا لم يقصد به اليمين، وإنما ما أراد به لفظاً دارجاً، لم يقصد منه حقيقة اليمين.

أما قوله: (فتحمل كل واحدة منهن، فتلد كل واحدة منهن غلاماً فارساً يقاتل في سبيل الله) هذا قاله سليمان على سبيل التمني للخير، وقصد به الآخرة والجهاد في سبيل الله تعالى، لا لغرض من أغراض الدنيا.

(أما قوله: (فولدت نصف إنسان، أو شق غلام) قيل: هو الجسد الذي ذكره الله تعالى أنه ألقي على كرسيه.

وأما قوله: (لو كان استثنى لولدت كل واحدة منهن غلاماً فارساً يقاتل في سبيل الله)، هذا محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه بذلك في حق سليمان، لا أن كل من فعل هذا يحصل له هذا) يعني: ليس بلازم أن تقول: والله لأجامعن امرأتي الليلة وتأتي بغلام أو بمجاهد يجاهد في سبيل الله، ليس بلازم أن تأتي بغلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عما كان من أمر سليمان، لا عن أمر كل إنسان، وليس المقصود أن كل إنسان لو حلف واستثنى فيما يتعلق بجماع امرأته يكون ذلك حقيقة؛ لأن إخواننا الذين لم يرزقوا بأولاد ذكور، أو لم يرزقوا بأولاد ولا حتى بإناث، لو كان هذا وعداً لكل من أقسم، لما كان هناك حاجة لأطباء العقم.. وغيرهم بالمرة، ولقالوا ذلك، وحصلوا على الولد.

حكم استخدام كلمة (لو) و (لولا) فيما مضى وفيما يستقبل

قال: (أما قوله: (لو قال: إن شاء الله لجاهدوا) فيه جواز قول: لو، ولولا.

قال القاضي : وهذا يستدل به على جواز قول: لو، ولولا، وقد جاء في القرآن كثيراً، وفي كلام الصحابة والسلف، بل ترجم البخاري على هذا الحديث: باب: ما يجوز من اللو).

ظاهره التعارض مع قوله عليه الصلاة والسلام: (فلا تقل: لو كان كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان)، فيتوهم التعارض، توجد آيات وأحاديث فيها: (لو، ولولا)، وهذا حديث ينهانا أن نقول لشيء: لو كان كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فالجمع كما في قول الله تعالى: (في قول لوط صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود:80] -فهنا استخدم لو- وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت راجماً بغير بينة لرجمت هذه.

قاله عليه الصلاة والسلام لامرأة بغي معلومة البغاء، وذاع خبرها وانتشر صيتها، وهذه المرأة هي عناق كانت في الجاهلية بغياً، وكان بيتها بيت دعارة، وبيت زنا، وكانت تقف على باب دارها وتدعو الناس إليها، حتى أسلم صاحبها، فلما دخل مكة مستخفياً رأته، فقالت: يا فلان! ألك حاجة في أن تبيت عندنا الليلة؟! قال: لا، وهذا الرجل قد استأذن النبي عليه الصلاة والسلام أن يتزوجها، فلم يأذن له، فقال: إني استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن أتزوجك فلم يأذن لي، قالت: أليس لك أن تبيت عندنا الليلة؟! قال: لا، قد منعني من ذلك إسلامي وإيماني، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو كنت راجماً أحداً بغير بينة لرجمت هذه)، ولكنه أُمر في الشرع ألا يرجم إلا من أقرت بالزنا على نفسها، أو رآها أربعة شهود رأي عين، فلما لم يكن هذا وذاك قال: (لو كنت راجماً)، أي: لو أذن لي ربي أن أرجم امرأة بغير بينة لرجمت هذه، ولكن لما كانت البينة شرطاً لم يرجمها النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: (وقوله: (لو مد لي الشهر لواصلت يعني: استخدم كلمة (لو)، وذلك لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن وصال الصوم، فواصلوا، فواصل بهم، ولكن أدركهم عيد الفطر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو مد لي الشهر لواصلت)؛ أي: عقوبة لأصحابه الذين خالفوا أمره وواصلوا الصوم، رغم نهيه عن ذلك؛ ليرى كيف سيعمل الصحابة.

ثم قال: (وقوله عليه الصلاة والسلام: (لولا حدثان قومكِ بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم) وقال عليه الصلاة والسلام: (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار فاستخدم (لولا) في الحديثين مع أنه قد نهى عنها، وأمثال هذا كثير.

ثم قال: (والذي يفهم من ترجمة البخاري وما ذكره في الباب من القرآن والآثار: أنه يجوز استعمال (لو، ولولا) فيما يكون للاستقبال، أما جواز ذلك في أمر قد مضى على سبيل التحسر والتأثم وترك الإيمان بالقدر فهو غير جائز) يعني: لك أن تستخدم (لو) كما لو قلت: لو أصبح بي الصباح لزرتك، هذا كلام مباح، وهو في المستقبل، أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تقولن لشيء: لو كان كذا لكان كذا وكذا)؛ لأنه في شيء مضى، وقلته على سبيل التندم والتحسر، وترك الإيمان بالقدر، ولذلك قال: (ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)، يعني: في الأمور الماضية، أما في الأمور المستقبلة فلا بأس بكلمة (لو، ولولا).

قال: (وأما هذا الحديث الذي نحن فيه، فإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن يقين نفسه، أن سليمان لو قال: (إن شاء الله لجاهدوا) إذ ليس هذا مما يدرك بالظن والاجتهاد، وإنما أخبر عن حقيقة أعلمه الله تعالى بها، وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن امرأة زوجها هذا الحديث في الصحيحين؛ لأن الله عز وجل منَّ على بني إسرائيل بالمن والسلوى، المن هو اللحم، والسلوى هي الحلوى، فالله عز وجل وهب بني إسرائيل الطعام والحلوى، وأمرهم بالأكل منهما، فادخروهما، فكان أول لحم أنتن في بني إسرائيل.

أما قوله: (لولا حواء لم تخن امرأة زوجها)، هو تأثير إبليس عليها بالغواية والإضلال، وإقناعها قبل إقناع آدم بالأكل من الشجرة، ثم سلطها إبليس بعد ذلك على آدم، حتى أكل من الشجرة، قال: (لولا حواء لم تخن أنثى زوجها)، فخيانة حواء أن قبلت بغواية إبليس فأغوت زوجها.

فها هو استخدم هنا كلمة: (لولا).

ثم قال: (فلا معارضة بين هذا وبين حديث النهي عن (لو)، وقد قال الله تعالى: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154].

وقال تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ [الأنعام:28].

وكذلك ما جاء من (لولا) كقوله تعالى: لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الأنفال:68].

وقال الله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ [الزخرف:33].

وقال تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144]؛ لأن الله تعالى مخبر في كل ذلك عما مضى أو يأتي عن علم خبراً قطعياً، وكل ما يكون من (لو، ولولا) مما يخبر به الإنسان عن علة امتناعه من فعله مما يكون فعله في قدرته، فلا كراهة فيه؛ لأنه إخبار حقيقة عن امتناع شيء لسبب شيء آخر، وحصول شيء لامتناع شيء آخر، وتأتي لو غالباً لبيان السبب الموجب أو النافي، فلا كراهة في كل ما كان من هذا إلا أن يكون كاذباً في ذلك، كقول المنافقين: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ [آل عمران:167]. والله تعالى أعلم).

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

حكم من أقسم عليه صاحبه ولم يبر يمينه

السؤال: أقسم رجل على امرأته بالله أن تفعل شيئاً مباحاً مقدوراً عليه، فرفضت إبرار قسمه فهل عليه كفارة؟

الجواب: جعل النبي عليه الصلاة والسلام من حق المسلم على المسلم أن يبر قسمه، سواء كان ذكراً أم أنثى، فمن حق المسلم على المسلم إبرار القسم، فهذا حق لكل مسلم على أخيه، سواء كان بين الزوجين أو بين المسلمين على العموم.

فيجب على من أقسم عليه أخوه بيمين أن يبره، فإذا لم يفعل ذلك وهو قادر على أن ينفذه فهو آثم، لكن تجب على الحالف الكفارة.

حكم من حلف على أنه لا يستريح قلبه حتى يتحدث مع أحد الشيوخ

السؤال: كنت أنوي التحدث مع أحد الشيوخ، فلم يشأ الله عز وجل في ساعتها، فقلت: والله لن يستريح قلبي حتى أتكلم معه، فماذا أفعل الآن؟

الجواب: أنت لم تقسم على شيء، ولذلك ليس في هذا القسم حنث، أنت قلت: لن يستريح قلبي إلا عندما أتكلم مع هذا الشيخ، فأنا أقول لك: تعال وكلم واحداً من الشيوخ، ولو كنت تريد أن تحدثني بعد المحاضرة فتعال.

حكم تصريف الفوائد الربوية

السؤال: وضعت أموالي في البنك، ولما علمت أنها تعطي فوائد ربوية أخذت المال وأخرجت منه المال الأصلي ونزعت الفوائد، فهل يجوز لي أن أتبرع بها في مشروع كفالة اليتيم؟

الجواب: أولاً: جزاك الله خيراً، وأحسن إليك، وسددك حين فعلت ذلك، أما هذا المال لا بد أن تعلم أنه مال خبيث، وبالتالي فإنه لا يحل طعامه ولا شرابه، لا يطعم به ولا يشرب، وإنما ينفق في المصارف العامة، كبناء المستشفيات مثلاً أو المدارس أو إنشاء الطرق أو بناء الحمامات.. أو غير ذلك؛ أما بناء المساجد وإطعام الفقراء والأيتام به.. وغير ذلك فلا وألف لا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أيما جسم نبت من سحت فالنار أولى به).

الحكم على حديث: (ولولا حواء لم تخن امرأة زوجها)

السؤال: ما حكم حديث: (.. ولولا حواء لم تخن امرأة زوجها

الجواب: حديث: (ولولا حواء لم تخن امرأة زوجها) حديث صحيح.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح صحيح مسلم - كتاب الأيمان والنذور - ‏يمين الحالف على نية المستحلف للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

https://audio.islamweb.net