إسلام ويب

لقد حرم الإسلام صيد البر على المسلم ما دام محرماً، كما حرم عليه الإعانة على قتل الصيد بأي شكل من الأشكال، ولا يحل له أكل صيد البر إلا إذا صاده غير المحرم لا يقصد به إهداء المحرم منه أو إطعامه، ومع ذلك فهناك ما يجوز للمحرم قتله في الحرم، وهو ما يعرف بالفواسق؛ كالعقرب والغراب والحدأة وما في معناها.

محظورات الإحرام وكفاراتها

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

ثم أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

نعرج سريعاً على ما ذكرناه إجمالاً في الدروس الماضية فيما يتعلق بالأشياء التي تحرم على المحرم، وإذا وقع فيها فما كفارتها؟

الجماع ودواعيه

المحظور الأول: الجماع ودواعيه. يحرم على المحرم الجماع والتقبيل والمفاخذة والأحضان، وغير ذلك مما يؤدي في الغالب إلى الوقوع في المحرم الصريح وهو الجماع، وهذا مع امرأته؛ لأن غير المرأة محرمة في الإحرام وفي غيره، فنحن نقول: ما يحرم على المحرم إتيانه أولاً هو جماع امرأته، فالإحرام والتلبس بالنسك سبب لتحريم ما كان حلالاً له من قبل مع امرأته، وهو الجماع والتقبيل، وخطابه إياها وخطابها إياه فيما يتعلق بالفراش.

وقيل في تفسير الرفث: أنه كل كلام يدور بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالفراش أو الجماع.

إذاً: أول شيء يحرم على المحرم -سواء كان رجلاً أو امرأة- إتيانه هو الجماع ودواعيه، فلابد أن تطرد الوسائل والأسباب التي تؤدي إلى الجماع في الغالب، فإذا رميت جمرة العقبة الكبرى في يوم النحر وحلقت فهذان منسكان، ويحل لك أن تتحلل من إحرامك، ويحل لك ما كان حراماً عليك إلا الجماع، فإذا طفت البيت وسعيت فقد حلت لك امرأتك.

إذاً: جماع المرأة لا يحل إلا بعد الطواف والسعي، فلو أنك حلقت ورميت وذبحت أي: أديت ثلاثة مناسك، فإنه يحل بهؤلاء الثلاثة أن تتحلل من ملابسك ويحل لك كل شيء إلا الجماع؛ لأنه لابد في حل الجماع من الإتيان بمنسك الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة.

فالمرأة لا تحل لك إلا بعد الطواف، وإذا طفت وسعيت حلت لك امرأتك وحل لك أن تنكح، أي: أن تزوج أو أن تتزوج أو أن تعقد أو غير ذلك مما يتعلق بأمور النساء.

اكتساب السيئات واقتراف المعاصي

المحظور الثاني: اكتساب السيئات، واقتراف المعاصي والذنوب. وهو داخل في الفسوق المذكور في كتاب الله عز وجل، والمذكور في سنة النبي عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [البقرة:197]، والفسوق يشمل الكبائر والصغائر من الذنوب.

المخاصمة مع الرفقاء وبقية الحجيج

المحظور الثالث: المخاصمة مع الرفقاء وبقية الحجيج.

والمخاصمة قد نهى عنها القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي بمعنى الجدال بالباطل، أما الجدال بالحق فإنه لا حرج على صاحبه، والأصل في تحريم هذه الأشياء كلها التي ذكرنا قول الله عز وجل: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ [البقرة:197].

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه).

لبس الخفين والمخيط على قدر العضو

المحظور الرابع: لبس المخيط على قدر العضو، يعني: قميص أو بنطلون أو تبان -الملابس الداخلية أو الفانيلة- وغير ذلك، كل هذا يحرم على المحرم إتيانه، إلا إذا لم يجد إزاراً فليلبس السراويل حتى يتمكن من لبس الإزار.

وكذلك يحرم لبس الثوب المصبوغ بما له رائحة طيبة كالزعفران والورس، كما يحرم عليه أن يلبس الخف أو الحذاء إلا ألا يجد نعلاً فيقطع الخف حتى يستوي مع النعل.

قال ابن عمر : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس).

والبرنس: هو (الزعبوط). عبارة عن طاقية لكنها مخيطة مع الثوب أو القميص. قال: (ولا السراويل، ولا ثوباً مسه ورس ولا زعفران، ولا الخفين إلا ألا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين). والحديث عند البخاري ومسلم .

وقد أجمع العلماء على أن هذا مختص بالرجل، يعني: كل هذه المنهيات فيما يتعلق بالملابس خاصة بالرجال دون النساء، أما المرأة فإنها لا تلبس النقاب ولا القفازين.

فالمرأة المنتقبة في حال إحرامها لا تلبس النقاب، وإنما تطرح البيشة على رأسها دون أن تشدها شداً، فإذا مر عليهن الرجال وخشيت أن يقع نظر الرجال عليها وضعت هذه البيشة على وجهها، فإذا مر الركبان من الرجال وأرادت أن تكشف وجهها فلها ذلك.

والحديث عند البخاري وأحمد : (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)، وفي هذا دليل على أن إحرام المرأة في وجهها وكفيها، أما إحرام الرجل ففي سائر بدنه فيما يتعلق بالقميص أو بالسروال أو بالخف.

ويجوز للرجل أن يستر نفسه بمظلة شمسية ونحوها، ويجب ستره إذا خيفت الفتنة من النظر. قالت عائشة : (كان الركبان يمرون بنا -أي: من الرجال- ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها) (سدلت جلبابها) أي: أنزلته على وجهها. قالت: (فإذا جاوزوا بنا كشفنا)، والحديث عند أبي داود وابن ماجة بسند صحيح.

إجراء عقد النكاح إما لنفسه أو لغيره

المحظور الخامس: إجراء عقد النكاح إما لنفسه أو لغيره، سواء كان ذلك بالولاية أو الوكالة، يعني: إما أن يتولى ذلك بنفسه لنفسه أو لغيره، وإما أن يوكل في نكاح نفسه أو إنكاح غيره، ولو أجرى محرم عقد نكاح فهذا العقد لا عبرة به في نظر جمهور أهل العلم وهو الصحيح؛ لأن هذا العقد لم يصادف محلاً، وقد وقع في وقت محرم، ولا تترتب عليه آثاره الشرعية؛ لما رواه الإمام مسلم من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يَنْكِح المحرم ولا يُنْكح ولا يخطب) ( لا ينكح المحرم) أي: لنفسه (ولا ينكح لغيره ولا يخطب)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

والعمل على هذا عند كثير من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، ولا يرون أن يتزوج المحرم، وإن نكح فنكاحه باطل.

أما ما ورد عن ميمونة رضي الله عنها أنها تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام وهو محرم فهو معارض بما رواه مسلم من أنه تزوجها وهو حلال.

فقد جاء فيما يتعلق بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من ميمونة بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها في رواية: (وهو محرم) وفي رواية: (وهو حلال)، والراجح: أنه تزوجها وهو حلال -يعني: بعد أن أحل- ولكنه تزوجها في الحرم، ويقال لمن كان في الحرم: (محرم) أي: قائم في الحرم، ولابد من هذا التأويل حتى يستقيم الدليلان معنا، والعمل بالدليلين أولى من رد أحدهما.

فقول الراوي: (تزوجها وهو محرم) أي: تزوجها وهو قائم بالحرم، يعني: تم عقد النكاح على ميمونة في الحرم، وإذا علمتم حدود الحرم تزول الغرابة حينئذ، فالحرم يحده حدود بعيدة جداً، ليس هو مبنى المسجد نفسه، بل حدود الحرم من الجعرانة ومن التنعيم ومن جهة عرفة أماكن بعيدة جداً، ومن أراد أن يحرم من أهل مكة فلابد أن يخرج إلى الحل، والحل في أطراف مكة ومشارفها، وهذا رأي قوي ويساند من يقول: إن مكة كلها حرم.

لكن من جهة الأحكام فإنه لا يجوز الاعتكاف في أي مكان من مكة، وإنما الاعتكاف في المساجد؛ لأن الآية خصصت هذا الحرم، وهو قول الله عز وجل: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] ولم يقل: في الحرم، فلا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها في العوالي أو في أسفل مكة أو غيرها مما هو داخل في حدود الحرم، وليس في أصل المسجد نفسه.

إذاً: الأدلة التي وردت متعارضة في الظاهر فيما يتعلق بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من ميمونة بنت الحارث أنه تزوجها وهو حرام، وتزوجها وهو حلال، والصواب: أنه تزوجها وهو حلال أي: بعد أن تحلل من إحرامه، والرواية التي تقول: أنه تزوجها وهو حرام أي: وهو في الحرم.

تقليم الأظفار وإزالة الشعر

المحظور السادس والسابع على التوالي: تقليم الأظفار وإزالة الشعر سواء كان ذلك بالحلق أو القصر أو بأية طريقة، وسواء كان شعر الرأس أم غيره؛ لقول الله تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] أي: هدي المتمتع والقارن.

وأجمع العلماء على حرمة قلم الظفر للمحرم بلا عذر، فإن انكسر فله إزالته من غير فداء عليه؛ ولذلك يستحب لك قبل أن تدخل وتتلبس بالنسك أن تحلق شعر رأسك وشعر العانة، وتنتف شعر الإبط، وتقلم أظفارك، وتغتسل، وتتطيب، حتى لا يقع شيء من ذلك منك عمداً أو خطأً أو نسياناً أو تضطر إليه، لكن هب أنك دخلت في النسك دون أن تفعل كل هذا وهي مستحبات في حق المحرم، فإذا انكسر ظفرك بعد إحرامك يحرم عليك تقليم الأظفار وقص الشعر، سواء كان ذلك شعر الرأس أو شعر البدن كالإبط والعانة وغيرها، فيحرم عليك أن تأخذ شيئاً من هذا بالقص أو بالحلق أو بأي طريقة أخرى.

لكن هب أن ظفرك انكسر فهل يجوز لك إزالة هذا الظفر الذي انكسر؟ نعم يجوز، ولا يجوز لك بعد ذلك أخذ بقية الظفر الذي لم ينكسر، ولكن تأخذ القطعة التي انكسرت فقط ولا تأخذ أكثر منها، وفي هذه الحالة لا فداء عليك، كما قال الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196].

ويجوز إزالة الشعر إذا تأذى ببقائه، وفيه الفدية إلا في إزالة شعر العين إذا تأذى به المسلم فإنه لا فدية فيه.

هب أن شعرة من رموشك نزلت في عينك وأنت تتضرر بها بلا شك، فإزالة هذه الشعرة عن موطن الأذى أولى من إزالتها بالكلية، لكن إذا لم يكن بد إلا إزالتها بالكلية فهذا من التطبيب فيجوز بلا فداء، أما شعر الرأس فإنه لا يجوز لك إزالته إلا إذا دعت علة لذلك.

التطيب في الثوب أو البدن

المحظور الثامن: التطيب في الثوب أو البدن بعد الإحرام، والتطيب قبل الإحرام يجوز في البدن، أما الثوب فإنه لا يجوز تطييبه، بل قد ورد الشرع بالنهي عن لبس الثوب -أي: الإزار والرداء- المطيب بطيب شديد كالورس والزعفران.

وإذا مات المحرم لا يطيب لا في بدنه ولا في كفنه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام فيمن مات محرماً: (لا تخمروا رأسه) يعني: لا تضعوا على رأسه غطاءً، وكل ما غطي به الوجه يسمى خماراً للمرأة والرجل، فقال: (لا تخمروا رأسه، ولا تمسوه طيباً، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)، وما بقي من الطيب الذي وضعه في بدنه أو ثوبه قبل الإحرام فإنه لا بأس به.

ويباح شم ما لا ينبت للطيب على جهة الخصوص كالتفاح وغيره من الفواكه، وإن كان لها رائحة لكنها لم تتخذ للطيب، فما اتخذ للأكل ولم يتخذ للطيب كالشمام لا يحرم على المحرم.

لبس الثوب مصبوغاً بما له رائحة طيبة

المحظور التاسع: لبس الثوب مصبوغاً بما له رائحة طيبة، كأن يكون ثوب الإحرام -الإزار والرداء- مصبوغاً بالورس والزعفران، فهذا ينهى عنه، أما إذا كان مطيباً بطيب خفيف يعني: لا يبدو منه تلك الرائحة الشديدة التي تبدو من الورس والزعفران فإنه لا بأس به؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تلبسوا ثوباً مسه ورس أو زعفران إلا أن يكون غسيلاً) يعني: إلا بعد أن يكون غسيلاً وذلك في الإحرام، ويكره لبسه لمن كان قدوة لغيره؛ لئلا يكون وسيلة لأن يلبس العوام ما يحرم وهو المطيب بالفعل، وأحياناً لا ينبغي لآحاد الناس أن يفعل شيئاً حتى وإن كان حلالاً؛ لأن عامة الناس ينظرون إليه على أنه القدوة والأسوة، فإذا فعل ما هو جائز ومباح كان من باب أولى أن يقع غيره في المحرم الصريح، لكنه لو تورع عن المباح أو عن بعض المباح لتعلم منه أتباعه الورع.

حكم إتيان محظورات الإحرام

لو أن أحداً ما خالف وفعل هذه المحرمات فإنه إما أن يخالف متعمداً عالماً بالحكم، وإما أن يخالف سهواً أو خطأً أو جهلاً.

فالوطء يبطل الحج والعمرة باتفاق أهل العلم من غير خلاف، فلو أن محرماً جامع امرأته بطل حجه وبطلت عمرته، ويلزمه الاستمرار في أداء النسك، وعليه الإعادة والقضاء في العام المقبل.

ومن كان له عذر واحتاج إلى ارتكاب محظور من محظورات الإحرام غير الوطء كحلق الشعر ولبس المخيط اتقاء الحر أو البرد ونحو ذلك لزمه أن يذبح شاة؛ لأن كل هذه واجبات، وكل واجب يتخلف عنه الحاج يلزمه دم بخلاف أركان الحج، فكل واجب فرط فيه يلزمه الذبح، أو يطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع، والصاع أربعة أمداد، والمد: هو ملء الكفين، أو يصوم ثلاثة أيام على النحو الذي سيأتي معنا، وهو مخير بين هذه الثلاث.

باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه وبيان قدرها

قال المصنف رحمه الله تعالى: فـ [عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية فقال: قد آذاك هوام رأسك -يعني: القمل الذي في رأسك هل آذاك يا كعب بن عجرة؟- قال: نعم. يا رسول الله! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: احلق ثم اذبح شاة نسكاً)]، يعني: تعبداً لله عز وجل.

فما دام في ذلك عذر فليس عليه فداء، ولكن وجب الفداء جبراً لهذا الواجب؛ لأنه يحرم حلق الشعر للمحرم، فأبيح للمعذور بشرط أن يقدم فداءً وهو ذبح شاة.

قال: [(أو صم ثلاثة أيام -يعني: إذا لم يكن معك شاة صم ثلاثة أيام- أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين)]، وهذا حديث عند البخاري ومسلم .

والهوام: ما يهيم في رأس المرء من حشرات كالقمل وغيره الذي يضره، ولفظ الحديث: اذبح أو.. أو.. أو وهذا يدل على التخيير.

قال: [(اذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصع)]، والآصع: جمع صاع، ثلاثة آصع يطعم بها ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع؛ كفارة لمن اضطر إلى حلق شعره إذا كان عنده العذر في ذلك، وهذا من رحمة الله عز وجل.

قال: [وعن كعب بن عجرة كذلك قال: (أصابني هوام في رأسي وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى تخوفت على بصري -يعني: حتى خشي أن يذهب بصره- فأنزل الله سبحانه وتعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196])].

(ففدية من صيام) أي: ثلاثة أيام بينته السنة، (أو صدقة) ثلاثة آصع على ستة مساكين، (أو نسك) وهو ذبح شاة.

قال: [(فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين فرقاً من زبيب -الفرق: هو المكيال المعين يحمل ثلاثة آصع- أو انسك شاة، فحلقت رأسي ثم نسكت)].

ولم يتخير كعب بن عجرة الثلاثة آصع أو الصيام مع أن هذا كان في مقدوره؛ لأن الذي يذبح شاة من باب أولى يملك ثلاثة آصع، لكنه لم يفعل هذا ولا ذاك وإنما فعل الأولى، وهذا شيء عجيب، فالشرع يحتاج إلى قلوب نقية وصادقة مع الله عز وجل حين تتعامل معه، فهذا الرجل لما علم أن خير هذه الكفارات الثلاث هو الذبح ذبح، ولم يتعامل مع ربه بالحد الأدنى وإنما تعامل بالحد الأقصى، وقاس الشافعي غير المعذور على المعذور إذا كان هناك عذر، وأوجب أبو حنيفة الدم على غير المعذور إن قدر عليه لا غير، هذا فيما يتعلق بحلق الرأس.

وعن عطاء قال: إذا نتف المحرم ثلاث شعرات فصاعداً فعليه دم. أي: إذا نتف المحرم من لحيته أو من بدنه أو من إبطه أو من شعره ثلاث شعرات فصاعداً فعليه دم. يعني: يذبح شاة، وروى الشافعي عنه أنه قال: في الشعرة الواحدة مد، وفي الشعرتين مدان، وفي الثلاث فصاعداً دم.

إذاً: ينبغي لك وأنت تمشي في منى وعرفات ومزدلفة ألا تلعب في لحيتك وفي شعرك، أو تنتف شعر إبطك، فإنك في هذه الحالة ستنزل من عرفة بدم، وتنزل من مزدلفة بدم، وتنزل من منى بدم.

إذاً: في الشعرة الواحدة مد من طعام ملء الكفين، وفي الشعرتين مدان.

حكم من تطيب ناسياً أو لبس المخيط

أما إذا لبس المحرم أو تطيب جاهلاً بالتحريم أو ناسياً أنه محرم لم تلزمه الفدية؛ لأن الناسي لا فدية عليه.

قال: فـ[عن يعلى بن أمية قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل بالجعرانة -والجعرانة حل، وهي قبل مكة بحوالي اثني عشر كيلو- وعليه جبة، وهو مصفر لحيته ورأسه -يعني: رآه يلبس الجبة وهو مخالف، ومصفر لحيته ورأسه وهو كذلك مخالف- فقال: (يا رسول الله! أحرمت بعمرة وأنا كما ترى) -يعني: أنا لم أدرك أنه حرام أو لم أتذكر أنه حرام إلا بعد أن فعلت ووقعت في المحظور- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة)] حتى لو فعل ناسياً أو جاهلاً فإنه يجب عليه الجزاء؛ لأنه ضمان مال وضمان المال مضمون.

باب تحريم الصيد على المحرم

اعلم أن جزاء الصيد الذبح، كما قال الله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95] هذه الكفارات وهذه الفداءات كلها تذبح لفقراء الحرم وفي أي وقت بخلاف الهدي، فالهدي سواء كنت متمتعاً أو قارناً يكون في يوم النحر وفي أيام التشريق الثلاثة، لكن الكفارات في أي وقت، حتى من عجز عن أداء الكفارة فله أن يوكل في ذبحها في أي وقت شاء، ولو كان ذلك في أقصى بلاد العالم، يرسل بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر أو سنة أو سنتين من يذبح له في الحرم.

شرح حديث الصعب بن جثامة في إهدائه حماراً وحشياً للنبي وهو محرم

قال: [باب تحريم الصيد للمحرم].

قال: [عن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه: (أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً)]، الحمار الوحشي يؤكل لحمه بخلاف الحمار الأهلي فإنه لا يؤكل لحمه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان بالأبواء أو بودان، وهما اسمان لمكانين بين مكة والمدينة، فبعد أن أحرم النبي عليه الصلاة والسلام أتى الصعب بن جثامة رضي الله عنه فأهدى حماراً وحشياً للنبي عليه الصلاة والسلام ليأكله، فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الصعب : (فلما أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي -لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد هديته- قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)، يعني: أنا ما رددت هديتك إلا أن المحرم لا يحل له هذا.

وفي رواية: (أهديت له حمار وحش)، وفي رواية: (أهديت له من لحم حمار وحش)، و(من) تفيد التبعيض، فمعناه: أنه قدم له بعض لحم الحمار ولم يقدمه حياً، وإنما قدم بعضه بعد أن ذبح، والبخاري عليه رحمة الله بوب لحديث هذا الباب، فقال: باب تحريم إهداء الوحش الحي، وقد أخطأ عليه رحمة الله، والروايات كلها عند مسلم وهي متفق على صحتها أن الإهداء إنما وقع على بعض اللحم لا على الحيوان وهو حي.

وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أهدى الصعب بن جثَّامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش وهو محرم فرده عليه فقال: لولا أنا محرمون لقبلناه منك)، وفي رواية منصور عن الحكم قال: (أهدى الصعب بن جثَّامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش)، فالرواية التي تقول: (أهدى حمار وحش) أطلقت على البعض الكل، وهذا سائغ في اللغة، كما تقول: أنا أكلت الطعام كله، وأنت في حقيقة الأمر تثبت أنك أكلت حتى شبعت، أما الطعام فربما لم تأكل منه ربعه أو خمسه أو أقل من ذلك، فأنت أطلقت الكل وأردت البعض.

وفي رواية شعبة : قال: (أهدى الصعب بن جثَّامة إلى النبي عليه الصلاة والسلام عجز حمار وحش يقطر دماً) ، وهذه الرواية صريحة جداً في أن المهدى كان بعض الحمار الوحشي لا كل الحمار الوحشي، وأنتم تعلمون أن البعض لا يأكله إلا بعد الذبح.

وفي رواية شعبة عن حبيب قال: (أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم شق حمار وحش فرده) أي: النصف.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم زيد بن أرقم فقال -و عبد الله بن عباس يستذكره- كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام -أي: وهو محرم- قال: أهدي له عضو من لحم صيد فرده -أي: ليس كل الصيد وإنما بعضه- فقال: إنا لا نأكله إنا حرم) أي: محرمون، وفي هذا استحباب لمن أراد أن يرد شيئاً أو لا يقبل الهدية أن يبين السبب تطييباً لخاطر المهدي، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن من عادته رد الهدية، فإذا ردها ردها لعلة شرعية، وبينها تطييباً لخاطر المهدي.

شرح حديث أبي قتادة في صيده لحمار الوحش وأكل المحرمين منه

قال: [من حديث أبي قتادة قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالقاحة -القاحة: هي اسم قرية بين مكة والمدينة- قال: فمنا المحرم ومنا غير المحرم)]، وربما وجه أحدكم سؤالاً وقال: نحن عرفنا من قبل أنه لا يجوز لمن أراد النسك أن يمر على الميقات إلا وهو محرم؟ الجواب: هذا أبو قتادة لم يكن مريداً للنسك؛ ولذلك جاز له أن يعبر الميقات بغير إحرام، وقيل: إن المواقيت لم تكن وقتت بعد. وهذا بعيد، وقيل: لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل، وهذا التأويل هو أقوى التأويلات.

إذاً أبو قتادة الأنصاري لما عبر الميقات بغير إحرام كان يقصد استكشافاً للعدو وقتالاً له، وأنتم تعلمون من الدروس الماضية أنه يجوز لمن دخل مكة مقاتلاً أو محارباً أو مجاهداً أن يدخلها بغير إحرام.

ومن خرج من بيته ينوي النسك لا يمر على ميقاته إلا محرماً، ويؤدي النسك أولاً ثم ينصرف إلى المدينة، فإذا خالف ذلك فقد خالف الأولى، فإن دخل المدينة بغير إحرام، كان ميقاته حينئذ ميقات أهل المدينة، فعندما يرجع إلى مكة يحرم من ذي الحليفة، لكنه هنا قد خالف الأولى، وفوت على نفسه ثواباً عظيماً جداً، وهو إحرامه من الميقات الأول الذي مر به.

قال أبو قتادة [: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالقاحة فمنا المحرم ومنا غير المحرم)، إذاً: هذه الرفقة كان فيها محرمون وغير محرمين. قال: (إذ بصرت بأصحابي يتراءون شيئاً -يعني: ينظرون إليه بأعينهم- فنظرت فإذا حمار وحش -أي: نظرت في الموضع الذي يتراءون فيه فبصرت عيناي حمار وحش- فأسرجت فرسي وأخذت رمحي -يعني: وضعت عليه السرج- ثم ركبت فسقط مني سوطي، فقلت لأصحابي -وكانوا محرمين- ناولوني السوط، فقالوا: والله لا نعينك عليه بشيء)]؛ لأنهم محرمون، فغير المحرم يجوز له أن يناوله السوط، أما أن المحرم فلا يجوز له قتل الصيد ولا ذبحه ولا الإشارة إليه ولا الإعانة على قتله، أما أكل الصيد ففيه نزاع وسيأتي معنا.

قال: [(فقلت لأصحابي وكانوا محرمين: ناولوني السوط، فقالوا: والله لا نعينك عليه بشيء، فنزلت فتناولته ثم ركبت، فأدركت الحمار من خلفه وهو وراء أكمة -يعني: أدركت الحمار وهو وراء تبة- فطعنته برمحي فعقرته -يعني: قتلته- فأتيت به أصحابي فقال بعضهم: كلوه، وقال بعضهم: لا تأكلوه -أي: المحرمون- وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمامنا فحركت فرسي فأدركته، فقال: هو حلال فكلوه).

يعني: وجه أمره للمحرمين أن هذا الحمار الذي قتله أبو قتادة ولم يكن محرماً حلال لهم ولا بأس بأكله مع أنهم محرمون، قد يقول قائل: الصعب لما أهدى بعض حمار وحشي للنبي عليه الصلاة والسلام رده عليه وقال له: (إنا لم نقبله لأنا حرم) وهنا النبي صلى الله عليه وسلم يأمر المحرمين أن يأكلوا من هذا الحمار الذي قتله أبو قتادة.

وعن أبي قتادة [: (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم، فرأى حماراً وحشياً، فاستوى على فرسه وسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه، فسألهم رمحه فأبوا عليه، فأخذه ثم شد على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم، فأدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذلك فقال: إنما هي طعمة أطعمكموها الله)] يعني: هذا طعام ساقه الله إليكم، وهذا يعني: إقراره عليه الصلاة والسلام لما فعلوه.

وفي حديث زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هل معكم من لحمه شيء؟).

قال: [وعن عبد الله بن أبي قتادة قال: انطلق أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فأحرم أصحابه ولم يحرم أبو قتادة.

قال أبو قتادة: [(فبينما أنا مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض)]، كلف النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة أن يأتي بأخبارهم، فلم يكن محرماً لأجل هذا؛ لأن المجاهد في الغالب لا يتفرغ لأداء النسك؛ ولذلك كان فيهم أقوام قد استعدوا للقاء العدو، وأقوام قد استعدوا لأداء النسك، وكان أبو قتادة ممن لم يحرم.

قال: [(فبينما أنا مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض، إذ نظرت فإذا أنا بحمار وحش فحملت عليه فطعنته فأثبته -يعني: سقط ميتاً- فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني -يعني: قال: احملوا معي الحمار.. اذبحوه.. أو اسلخوه فلم يفعلوا- فأكلنا من لحمه وخشينا أن نقتطع)].

هذا الفوج الذي ذهب من المدينة إلى مكة كان فوجاً كبيراً جداً، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مقدمة هذا الفوج، وأبو قتادة كان في آخر الفوج، فلما طعن هذا الحمار الوحشي وجاء به وذبحه وسلخه وشواه أو طهاه أكل منه بعض مؤخرة الركب المحرم وغير المحرم. قال أبو قتادة : (ولم يأكل بعضهم وخشينا أن نقتطع) يعني: خفنا أن نتأخر عن الركب.

قال: [(فانطلقت أطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرفع فرسي شأواً وأسير شأواً -يعني: أحمله على المشي السريع تارة، وعلى المشي البطيء تارة أخرى- فلقيت رجلاً من بني غفار في جوف الليل فقلت: أين لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: تركته بَتعْهن -وهو اسم مكان- وهو قائل السقيا)]، يعني: تركته في مكان يسمى تعهن، ولكن يريد غداً أن يقيل في مكان آخر يسمى السقيا، وقد كان العرب يضعون رحالهم في الليل، حتى لا تمشي الإبل والفرس في ليل دامس وأرض قفر أو غير مستوية ولا ممهدة ثم ينطلقون من أول النهار، أي: بعد صلاة الفجر.

قال: تركته بتعهن، ولكنه يريد بعد الفجر أن يسير حتى يدرك القيلولة في مكان آخر بعده بفراسخ يسمى السقيا.

قال أبو قتادة : [(فلحقته فقلت: يا رسول الله! إن أصحابك يقرءون عليك السلام ورحمة الله)] أصحابك الذين في آخر الركب يقرءون عليك السلام ورحمة الله. وهذا فيه استحباب إقراء السلام للغائب، كما أن فيه وجوب الرد الفوري للسلام حتى وإن كان ذلك في رسالة؛ ولذلك أهل العلم يقولون: يستحب لمن أرسلت إليه رسالة إذا قرأها وذكر فيها المرسل النبي عليه الصلاة والسلام أن يصلي عليه، وذكر فيها الله أن يسبحه، وإذا سلم عليه أن يرد عليه السلام حال قراءته للرسالة.

وكل مسلم واجب عليك أن تسلم عليه وجوباً كفائياً.

قال: [(إن أصحابك يقرءون عليك السلام ورحمة الله، وإنهم قد خشوا أن يقتطعوا دونك. انتظرهم يا رسول الله! فانتظرهم فقلت: يا رسول الله! إني أصبت ومعي منه فضلة)]، يعني: اصطدت حماراً وحشياً وبقي معي قطعة، وقد وردت ثلاث روايات: أصبت أو صدت أو اصطدت.

قال: [(ومعي منه فضلة. فقال النبي عليه الصلاة والسلام للقوم: كلوا وهم محرمون)].

وقال عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: [(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجاً وخرجنا معه -لم يقل: ونحن معه حجاج- فصرف من أصحابه فيهم أبو قتادة ، فقال: خذوا ساحل البحر حتى تلقوني. قال: فأخذوا ساحل البحر فلما انصرفوا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرموا كلهم إلا أبا قتادة فإنه لم يحرم، فبينما هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش -يعني: قطيع- فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتاناً -والأتان: اسم لأنثى الحمار- فنزلوا فأكلوا من لحمها فقالوا: أكلنا لحماً ونحن محرمون. قال: فحملوا ما بقي من لحم الأتان، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله! إنا كنا أحرمنا، وكان أبو قتادة لم يحرم، فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة ، فعقر منها أتاناً فنزلنا وأكلنا من لحمها، فقلنا: نأكل لحم صيد ونحن محرمون، فحملنا ما بقي من لحمها، فقال: هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء؟ قال: قالوا: لا. قال: فكلوا ما بقي من لحمها)]، إذاً يحرم على المحرم صيد البر بنفسه أو بالإشارة أو بالمعاونة أو بالمساعدة أو بأي وسيلة يتمكن بها غير المحرم من قتل الصيد.

وفي رواية (أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟) وفي رواية: (أشرتم أو أعنتم أو أصبتم) يعني: أنتم الذي اصطدتم بأنفسكم أو أعنتم أبا قتادة أو أشرتم إليه؟ قالوا: لا، يا رسول الله! وقال شعبة : لا أدري قال: أعنتم أو أصبتم، وفي رواية: (أن أبا قتادة رضي الله عنه غزا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام غزوة الحديبية. قال: فأهلوا بعمرة غيري -يعني: أبو قتادة لم يحرم- فاصطدت حمار وحش فأطعمت أصحابي وهم محرمون، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنبأته أن عندنا من لحم فاضلة، فقال: كلوه. وهم محرمون).

وفي رواية: (أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم محرمون وأبو قتادة محل -يعني: حلال ليس محرماً- فقال: هل معكم منه شيء؟ قالوا: معنا رجله، قال: فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها).

فكل الروايات: فكلوه.. فكلوه.. فكلوه، لكن في هذه الرواية: قال لهم: (هل بقي معكم شيء؟ قالوا: نعم. رجله، فقال: فأخذها النبي عليه الصلاة والسلام فأكلها).

وفي حديث الصعب : (أهدى إليه حمار وحش فرده وقال: إنا لم نرده إلا لأنا محرمون).

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم هنا أكل بنفسه وأقر أصحابه على الأكل، وفي رواية: (كان أبو قتادة في نفر محرمين وأبو قتادة محل -وفي الحديث-: هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: فكلوا).

وكان معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي يروي عن أبيه قال: (كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن حرم فأهدي له طير -طير بري- وطلحة راقد، فمنا من أكل، ومنا من تورع فلما استيقظ طلحة وفق من أكله -يعني: دعا له بالتوفيق والسداد وقال: هنيئاً مريئاً- وقال: أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم).

الأحكام الفقهية لأحاديث باب تحريم الصيد على المحرم

هذه الروايات التي سمعناها في مسلم على اختلاف ألفاظها، والبخاري ترجم باب: إذا أهدي للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل، ثم رواه بإسناده وقال في روايته: حماراً وحشياً، وحكي هذا التأويل عن مالك وغيره، وهو تأويل باطل.

وهذه الطرق التي ذكرها مسلم صريحة في أنه كان لحماً مذبوحاً لا يلزم أن يكون حياً، وأنه إنما أهدي بعض لحم صيد لا كله، واتفق العلماء على تحريم الاصطياد على المحرم.

قال الشافعي وآخرون: يحرم عليه تملك الصيد بالبيع والهبة، وفي ملكه إياه بالإرث خلاف. يعني: تصور لو كان أبو قتادة اصطاد هذا الأتان ثم بعد أن اصطاده مات فوراً، فهل يرثه عبد الله بن أبي قتادة؟ هذا محل نزاع بين أهل العلم، أما لحم الصيد فإن صاده المحرم أو صيد له فهو حرام عليه، فالصيد ليس متعلقاً بنية الصائد كذلك، فقال: أما لحم الصيد فإن صاده المحرم أو صيد له فهو حرام، سواء صيد له بإذنه أو بغير إذنه، فإن صاده حلال -أي: غير محرم- لنفسه ولم يقصد أن يهديه للمحرم، ثم أهدى من لحمه للمحرم أو باعه لم يحرم عليه؛ لأنه من الأصل لم يصد ولم يعن ولم يشر ولم يساعد، والذي اصطاده حلال ليس محرماً، وهذا الحلال ما أصابه لأجل المحرم إنما أصابه لأجل نفسه هو، فإذا أصابه بهذه النية وأنه ما قصد بهذا الصيد إطعام المحرمين جاز للمحرم حينئذ.

قال أبو حنيفة : لا يحرم عليه ما صيد له بغير إعانة منهم، كأن أبا حنيفة أراد أن يقول: حتى لو نوى الصائد بصيده المحرم ما دام المحرم لم يصدر منه شيء يدل على الصيد بالإشارة أو الإعانة أو غير ذلك فإنه لا حرج عليه حتى لو كانت نية الصائد إطعام المحرم، لكن بر الأمان في مذهب الجمهور.

وقالت طائفة: لا يحل له لحم الصيد أصلاً سواء صاده أو صاده غيره له أو لم يقصده فيحرم مطلقاً، وهذا مذهب بعيد جداً، والأحاديث التي معنا في الباب ترد عليه، وعند أبي داود والترمذي والنسائي من حديث جابر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم) فالحديث صريح، يعني: صيد البر حلال لكم يا محرمين! بشرطين: الأول: ألا تصطادوه أنتم بأنفسكم، الثاني: ألا يصطاده حلال يقصد بهذا الصيد إطعام المحرم.

وحديث أبي قتادة لما اصطاد هذا الأتان وأطعمهم وأطعم النبي عليه الصلاة والسلام محمول على أنه ما صاده بنية إطعام المحرمين وإنما اصطاده لنفسه، وحديث الصعب : أنه قصد إطعام النبي عليه الصلاة والسلام وإطعام المحرمين فلما بلغ ذلك النبي عليه السلام من نية الصعب رده وقال: لا، نحن حرم. يحرم علينا أن نصطاد أو نعين أو أن نشير أو أن نساعد، ويحرم علينا كذلك أن نأكل من لحم الصيد الذي صيد لنا خاصة، إذاً: لابد من هذا التأويل حتى تستقيم الروايات.

باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

قال: [باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم].

يعني: في حال حله وفي حال إحرامه، و(يندب) يعني: يستحب ولا يجب.

قال: [قالت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أربع كلهن فاسق، يقتلن في الحل والحرم: الحدأة والغراب والفأرة والكلب العقور، فقلت للقاسم: أفرأيت الحية؟ قال: تقتل بصغر لها)] يعني: بذل وإهانة، ولا حرج عليك إذا قتلتها فيكون معنا خمسة: الحدأة والغراب والفأرة والكلب العقور والحية.

وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خمس فواسق) وفي الرواية الأولى قالت: (أربع كلهن فاسق).

قالت: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية) ذكرت الحية موقوفة من قول القاسم، ومرفوعة من قوله عليه الصلاة والسلام. قالت: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع) إذاً: الحدأة والغراب والفأرة والكلب العقور أربعة، والحية الخامسة.

قالت: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا) فالحديا السادسة.

وفي رواية: (خمس فواسق يقتلن في الحرم: العقرب والفأرة والحديا والغراب والكلب العقور) فصار لدينا سبع فواسق.

وفي رواية: قالت: (خمس فواسق يقتلن في الحرم: الفأرة والعقرب والغراب والحديا والكلب العقور) وفي رواية: (خمس من الداوب كلها فواسق تقتل في الحرم: الغراب والحدأة والكلب العقور والعقرب والفأرة)، وفي رواية: عن عبد الله بن عمر قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خمس لا جناح على من قتلهن في الحَرم والإحرام -وهذه الزيادة يعني: في داخل الحرم وهو محرم- الفأرة والعقرب والغراب والحدأة والكلب العقور)، وفي رواية: قال (في الحُرم والإحرام) يعني: في الأشهر الحرم وفي حال إحرامه، وفي رواية حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس من الدواب كلها فاسق، لا حرج على من قتلهن: العقرب والغراب والحدأة والفأرة والكلب العقور).

وفي رواية: (أن رجلاً سأل ابن عمر : ما يقتل المحرم من الدواب؟ فقال: أخبرتني إحدى نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن تقتل الفأرة والعقرب والحدأة والكلب العقور والغراب).

وفي رواية: (أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحديَّا والغراب والحية -قال:- وفي الصلاة أيضاً)، يعني: تصور أنك ترى حية وأنت تصلي أو غراباً وأنت تصلي أو عقرباً وأنت تصلي أو فأرة وأنت تصلي، هل يجوز لك قتلها وأنت تصلي؟ الجواب: يجوز لك، وتستمر في الصلاة وتبني على ما مضى، وجمهور أهل العلم قالوا: بشرط ألا يلتفت عن القبلة.

وذهب غيرهم إلى أنه يباح للمصلي أن ينطلق خلف هذه الفواسق حيث ذهبت حتى يقتلها.

وقتلها مندوب أو مستحب، سواء كان في حال الصلاة أو في حال الإحرام أو في داخل الحرم.

وعن ابن عمر : قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور).

وعن ابن جريج قال: قلت لـنافع : ماذا سمعت ابن عمر يحل للحرام قتله من الدواب؟ فقال لي نافع: قال عبد الله : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن في قتلهن: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور).

كلام النووي في أحاديث قتل الفواسق

جواز قتل الفواسق وما في معناها

يقول الإمام النووي: (اتفق جماهير العلماء على جواز قتلهن في الحل والحرم والإحرام، واتفقوا على أنه يجوز للمحرم أن يقتل ما في معناهن). أي: هناك اتفاق على أنه ليست هذه السبعة المذكورة في النص هي التي تقتل فقط، بل يقاس عليها ما في معناها من هوام ودواب تؤدي نفس الفسوق الذي لأجله أبيح قتل هذه الفواسق.

وكلمة فاسق تعني: خارج؛ ولذلك يقال: فلان فاسق، يعني: خارج عن طاعة الله عز وجل، سواء بارتكاب الكبائر أو بارتكاب الصغائر، والفسق فسقان: فسق أكبر وفسق أصغر وهو الفسق العملي، فهذه الدواب سميت فواسق لأنها خرجت عن المألوف لدى الدواب ولدى الهوام بإيذاء الآخرين.

ومن الدواب ما هو أهلي كالقطط ولكنها من دواب البيوت؛ ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الهرة وقال: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات)، وأثبت أن سؤرها ليس بنجس، كما في حديث أبي قتادة الأنصاري .

فهل النص الوارد في قتل هذه الفواسق خاص بهذه الفواسق فقط؟ أم يقاس عليها ما في معناها من الخروج والإيذاء والإفساد والفسق؟

قال الشافعي : اتفق العلماء على أنه يجوز للمحرم أن يقتل ما في معناهن، ثم اختلفوا في المعنى. فقال الشافعي : المعنى في جواز قتلهن: كونهن مما لا يؤكل، وكل ما لا يؤكل ولا هو متولد من مأكول وغيره فقتله جائز للمحرم ولا فدية عليه.

إذاً: العلة في القياس بين المنصوص عليه وغير المنصوص عليه عند الشافعي هي أنه غير مأكول اللحم. قال: وكل ما لا يؤكل لحمه جاز قتله في الحل والحرم ولا فدية على القاتل.

وقال مالك : المعنى فيهن: كونهن مؤذيات.

إذاً العلة عند الشافعي : كونه ما لا يؤكل لحمه، والعلة عند مالك : الإيذاء، فكل مؤذ يجوز للمحرم قتله وما لا يكون كذلك فلا يجوز للمحرم قتله.

اختلف العلماء في الكلب العقور، فقيل: هو الكلب المعروف، وقيل: كل ما يفترس يسمى كلباً عقوراً من جميع السباع.

قال: (اتفق العلماء على جواز قتل الكلب العقور للمحرم والحلال في الحل والحرم، واختلفوا في المراد به، فقيل: هذا الكلب المعروف خاصة، حكاه القاضي عن الأوزاعي وأبي حنيفة والحكم بن صالح ويلحق به الذئب، وحمل زفر معنى الكلب على الذئب وحده، وقال جمهور العلماء: ليس المراد بالكلب العقور تخصيص هذا الكلب المعروف، بل المراد: هو كل عاد مفترس غالباً، كالسبع والنمر والذئب والفهد ونحوها)، ومعنى العقور: العاقر الجارح، ونحن نسميه الكلب المسعور.

هناك كلب لا يحرس ولا يفعل شيئاً، وفي النهار يفرش يديه ورجليه وينام، حتى لو ضربته لا يتحرك من مكانه، فهذا ليس بعقور، بخلاف الكلب الذي يتربص بك، وبخلاف الكلاب التي تمزح فتخيف الصغار؛ لأنه يسعد ويفرح عندما يخاف الصغير، فهذا لا يقصد افتراساً وإنما يقصد الممازحة والملاعبة.

هناك كلب يهجم عليك لكنه يحافظ عليك، ولا يخدشك بخدش، بخلاف المسعور الذي لا يترك شاذة ولا فاذة إلا وينقض عليها.

والغراب الأبقع: هو الذي في ظهره وبطنه بياض.

وحكى السياجي عن النخعي أنه قال: لا يجوز للمحرم قتل الفأرة. والحديث يرد عليه ذلك.

وحكى غيره عن علي ومجاهد : أنه لا يقتل الغراب ولكن يرمى، وهذا ثابت عن علي بن أبي طالب ، وهو ليس كذلك، وأما الحية تقتل بصغر لها أي: بمذلة وإهانة، هذه هي السبع الفواسق التي يجوز للمحرم أن يقتلها في الحل والحرم والإحرام كذلك.

حكم قتل من يجب عليه القتل بقصاص أو رجم أو غيره في الحرم

وفي هذه الأحاديث دلالة للشافعي وموافقيه في أنه يجوز أن يقتل في الحرم كل من يجب عليه قتل بقصاص أو رجم.

أي: إذا كانت هذه الفواسق بسبب الفسق جاز قتلها في الحرم، فكذلك الذي اكتسب حد الزنا أو السرقة أو غير ذلك لابد أنه فسق فيقاس على هذا المنصوص من جهة جواز إقامة الحد عليه في المسجد أو في الحرم.

قال: (في هذه الأحاديث دلالة للشافعي وموافقيه في أنه يجوز أن يقتل في الحرم كل من يجب عليه قتل بقصاص أو رجم بالزنا أو قتل في المحاربة وغير ذلك، وأنه يجوز إقامة جميع الحدود فيه، سواء كان موجب القتل والحد جرى في الحرم أو خارجه).

يعني: حتى لو أتى الذنب وهو خارج الحرم، كأن يكون زنى خارج الحرم أو سرق خارج الحرم، والمحترفون لا يسرقون إلا عند الطواف حول الكعبة، فيالها من قلوب مثل الحجارة! بل هي أشد وأقسى من الحجارة، يلبس ملابس الإحرام ويطوف مع الناس لكنه لا يطوف بنية العبادة وإنما بنية السرقة.

يقول الشافعي : يجوز إقامة كل الحدود في المسجد، سواء كان موجب القتل والحد جرى في الحرم أو خارج الحرم، يعني: ارتكب السرقة خارج الحرم ودخل الحرم، ويحتج بقوله تعالى: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [آل عمران:97] فـالشافعي يقول: يقام عليه الحد سواء ارتكب ما يوجب الحد في الحرم أو خارج الحرم.

أما أبو حنيفة وطائفة معه فقالوا: ما ارتكبه من ذلك -أي: ما ارتكبه من هذه الموجبات للحد- في الحرم يقام عليه فيه -يعني: إذا أتى ما يوجب الحد في الحرم يقتل في الحرم- وما فعله خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم إن كان إتلاف نفس لم يقم عليه في الحرم، بل يضيق عليه ولا يكلم ولا يجالس ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه فيقام عليه الحد خارج الحرم، وما كان دون النفس يقام فيه، ولكنهم لم يفرقوا بين نفس ودونها وحجتهم ظاهر الآية: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [آل عمران:97] إلى آخر ما ذكره.

جزاء قتل الصيد وقطع الشجر في الحرم

لا يحل للمحرم أن يقتل الصيد بنفسه، ولا أن يعين عليه، ولا أن يشير ولا يساعد في شيء من هذا كله، لكن هب أنه قتل فما كفارة ذلك؟ هذا الذي ينبغي أن نتعرف عليه.

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا [المائدة:95] هذا شرط وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]، يعني: تنظر ماذا قتلت فتخرج مثله تماماً، يحكم به اثنان عدلان يقولان: والله هذا مثل هذا، يعني: هذه الكفارة مثلما قتل هذا المحرم. قال تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95] يعني: يذبح هذا الهدي لفقراء الحرم. قال تعالى: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ [المائدة:95] يعني إن لم تكن المثلية قائمة ولا متيسرة يطعم مساكين. قال: أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95]، يعني: ما يكافئ ذلك صياماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ [المائدة:95] أي: وبال تعمده ووقوعه في المحرم.

قال تعالى: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ [المائدة:95] متعمداً لمثل ما فعل أولاً فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ [المائدة:95].

أقوال العلماء في جزاء قتل الصيد

قال ابن كثير : الذي عليه الجمهور: أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء.

وقال الزهري: دل الكتاب على العامد وجرت السنة على الناسي.

إذاً: الجزاء هذا يتناول المتعمد والناسي، فالقرآن بين العامد، والسنة بينت الناسي، ومعنى هذا: أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه؛ لقول الله تعالى: لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ [المائدة:95] بعد أن قال: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا [المائدة:95]، وأيضاً فإن قتل الصيد إتلاف، والتلف مضمون بمعنى: أنك ضامن لإرجاع المال إلى صاحبه في حالة العمد وحالة النسيان وحالة الخطأ، وحالة العمد تستوجب الإثم بخلاف النسيان.

قال: فإن قتل الصيد إتلاف؛ لأنه مال، والإتلاف مضمون في العمد والنسيان، ولكن المتعمد مأثوم والمخطئ غير ملوم. وقال في المسوى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] معناه على قول أبي حنيفة : يجب على من قتل الصيد جزاء مثل ما قتل. أي: مماثل له إما في العين وإما في القيمة، فإن قتلت حماراً وحشياً تخرج حماراً وحشياً، أو قتلت ناقة تخرج ناقة، قتلت دجاجة تخرج دجاجة، فإن لم تجد عين ما قتلت تخرج القيمة. قال: يحكم بكونه مماثلاً ذوا عدل، إما كائناً من النعم بالغ الكعبة، أي حال كونه هدياً، وإما كفارة طعام مساكين.

مثال ذلك: قتلت حماراً وحشياً فكفارتي إخراج حمار وحشي: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95]، فإن لم أجد حماراً وحشياً فآتي باثنين عدلين. قال تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ [المائدة:95]، فآتي بهذين العدلين ليريا الحمار الوحشي ويقدران قيمته، فإن قالا: مائة دينار أخرج مائة دينار وأشتري بها طعاماً للمساكين كما في قوله: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ [المائدة:95]، ومعناه على قول الشافعي : يجب على من قتل الصيد جزاء، إما مثلما قتل في الصورة والشكل، فيكون هذا المماثل من جنس النعم، يحكم بمثليته ذوا عدل منكم يكون جزاءً حال كونه هدياً، وإما ذلك الجزاء كفارة، وإما عدل ذلك صياماً، أي: أقدر الصيام بالقيمة، وأنظر إلى هذه القيمة كم مسكيناً تطعم، وأصوم عن كل واحد يوماً، يعني: لو كانت المائة دينار تطعم مائة شخص أصوم مائة يوم وهكذا، والذي يقدر هذا ذوا عدل.

وعن عبد الملك بن قريب عن محمد بن سيرين : أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين إلى ثغرة ثنية فأصبنا ضبياً ونحن محرمان فما ترى؟ فقال عمر لمن بجانبه: تعال حتى أحكم أنا وأنت، فحكم عليه بعنزة فولى الرجل وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ضبي حتى دعا رجلاً يحكم معه. ظن أن عمر جاهل، والجاهل يظن أن الناس كلهم جهال.

فسمع عمر قول الرجل فدعاه وسأله: هل تقرأ سورة المائدة؟ قال الرجل: لا. قال: وهل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي؟ قال له: لا. قال: لو أخبرتني أنك تقرأ سورة المائدة لأوجعتك ضرباً، لكنه عذره لجهله، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95]، هذا الذي جعلني أستدعي آخر؛ لأنه ليس مأذوناً لي أن أحكم بمفردي، وهذا عبد الرحمن بن عوف الذي دعوته.

وهذا يدل على عدالة الصحابة جميعاً رضي الله عنهم جميعاً.

وقد قضى السلف في النعامة ببدنة، وفي حمار الوحش وبقر الوحش والأيل والأروى لكل واحد من ذلك ببقرة، والأيل: ذكر الوعول والأروى: أنثى الوعول، وفي الوبر والحمامة والقمري والحجل والدبسي في كل واحد من هذه بشاة، وهي أسماء لهذه الدواب، وفي الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، والعناق: هو العنز الذي زاد على أربعة أشهر. قال: وفي الثعلب بجدي وفي الجربوع بجفرة.

روى سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] قال: إذا أصاب المحرم صيداً حكم عليه بجزائه -يعني: بمثيله- وإن لم يكن عنده جزاؤه قوم جزاؤه دراهم ثم قومت الدراهم طعاماً فصام عن كل نصف صاع يوماً، فإذا قتل المحرم شيئاً من الصيد حكم عليه فيه ثم بعد ذلك بين كيفية الإطعام والصيام.

قال مالك : أحسن ما سمعت في الذي يقتل الصيد فيحكم عليه فيه أن يقوم الصيد الذي صاد، فينظر كم ثمنه من الطعام، فيطعم كل مسكين مداً، أو يصوم مكان كل مد يوماً وينظر كم عدة المساكين ما كانوا، يعني: على قدر إطعام المساكين يصوم عدداً من الأيام وإن كانوا أكثر من ستين مسكيناً.

حكم اجتماع أكثر من محرم في قتل صيد

إذا اشترك جماعة محرمون في قتل صيد عامدين، مثال ذلك: تجمعوا على غزال في الصحراء جميعاً اجتماع رجل واحد فقتلوه، فمن الممكن أن الذي يباشر القتل شخص واحد فهل الكفارة تلزم الباقين؟ بالاتفاق تلزمهم؛ لأنهم أعانوا وأشاروا حتى تمكن القاتل من قتله. أقول: فهل يلزم كل واحد كفارة، أم أن الجميع يلزمهم كفارة واحدة؟

الجواب: الجميع تلزمهم كفارة واحدة، قال: (إذا اشترك جماعة في قتل صيد عامدين لذلك جميعاً فليس عليهم إلا جزاء واحد، لقوله تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] فالمثلية هنا واحدة، حتى وإن اشترك فيها جماعة.

وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن جماعة قتلوا ضبعاً وهم محرمون، فقال: اذبحوا كبشاً فقالوا: عن كل إنسان منا؟ فقال: بل كبشاً واحداً عن جميعكم).

بيان جزاء من قطع شجرة من أشجار الحرم

قال: (ويحرم على المحرم والحلال أن يصطاد من الحرم أو أن ينفره، أو أن يقطع شجره الذي لم يستنبته الآدميون في العادة، وقطع الرطب من النبات، يعني: قطع الذي نضج وبدا صلاحه من النبات كالعنب أو البلح أو غير ذلك حتى الشوك، إلا نبات الإذخر؛ فإنه مباح التعرض له بالقطع والقلع والإتلاف ونحو ذلك؛ لما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة: (إن هذا البلد حرام لا يعضد شوكه -يعني: لا تقطع أشجاره حتى وإن كانت أشجار شوك- ولا يختلى خلاه -يعني: الرطب الذي في رءوس النخل لا يختلى- ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف) يعني: وأنت في الحرم سواء كنت محرماً أو غير محرم إن وجدت ساعة على الأرض أو نقوداً أو أي شيئاً فلا علاقة لك بها نهائياً؛ لأنها أولاً وآخراً تحرم عليك، ولا تحل لك بحال إلا إذا كنت معرفاً، فتأخذها وترفعها في يديك وتلف بها شرقاً وغرباً، والمحرم لم يأت معرفاً، وإنما جاء ملبياً.

فقال العباس : (إلا الإذخر فإنه لابد له منه فإنه للقيون والبيوت) والقيون: الحداد وكذلك البيوت.

قال القرطبي : خص الفقهاء الشجر المنهي عنه بما ينبته الله تعالى، الذي ليس لابن آدم صنيع له فيه، فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه، والجمهور على جواز قطعه، وقال الشافعي : في الجميع الجزاء. ورجح ذلك الحافظ ابن قدامة، واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول. فقال مالك : لا جزاء فيه بل يأثم، وقال عطاء : يستغفر الله، وقال أبو حنيفة : يؤخذ بقيمته هدي، وقال الشافعي : في النخلة العظيمة بقرة وفيما دونها شاة، واستثنى العلماء الانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع من الشجر من غير صنيع الآدمي وبما يسقط من الورق، فكل هذا يجوز الانتفاع به.

قال ابن قدامة : وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم -أي: الورد الرائحة- وأنه لا بأس برعيه واختلائه، وفي الروضة الندية يقول صديق حسن خان : ولا يجب على الحلال -أي: على من لم يكن محرماً- في صيد حرم مكة ولا شجره شيء إلا مجرد الإثم، وأما من كان محرماً فعليه الجزاء الذي ذكره الله تعالى إذا قتل صيداً -يعني: أجراه وقاسه على قتل الصيد- قال: وليس عليه شيء في شجر مكة؛ لعدم ورود دليل تقوم به الحجة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

حكم استخدام الأشياء المطلية بماء الذهب للرجال والنساء

السؤال: ما حكم استخدام الأشياء المطلية بماء الذهب للرجال والنساء؟

الجواب: أما النساء فإن الذهب والحرير حلال لهن، لكن من باب الزينة، فليس على المرأة شيء في لبسها الحرير والذهب في مواضع الزينة من بدنها، ولا يجوز لها استخدام الذهب فيما دون ذلك، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الذي يشرب في إناء الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم).

قال النووي : وهذا يشمل الرجال والنساء، ثم قال: والذهب حلال للنساء في الزينة وحرام عليهن في الانتفاع، أو قال: في الاستعمال، فاستعمال أواني الذهب والفضة للنساء يحرم كذلك، أما في الزينة في بدنها وفي ثوبها فهو جائز، أما الرجل فإنه لا يجوز له ذلك ألبتة؛ لأن هذا حرام عليه؛ لما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أنه أخذ ذهباً بيمينه وحريراً بيساره وقال: هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها).

حكم من اعتمر عن نفسه وأراد أن يعتمر عن قريب له

السؤال: شخص أدى عمرة وله قريب مات، فهل يجوز له أن يؤدي عمرة له؟

الجواب: من حيث الجواز يجوز له ذلك على خلاف عند أهل العلم في تعدد العمرة في السفرة الواحدة.

بيان من يؤدي الحج عن المتوفى

السؤال: من يؤدي عن المتوفى فريضة الحج هل لابد أن يكون من الأقارب؟

الجواب: الأولى القريب، وأولى الأولى الأبناء؛ لقول المرأة التي أتت إلى النبي عليه الصلاة والسلام: (يا رسول الله! إن أبي لا يثبت على الراحلة. أفأحج عنه؟ قال: حجي عنه)، وأتت امرأة فقالت: (يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها حج أفأحج عنها؟ قال: أرأيت لو أن على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق بالقضاء)، وغير ذلك من الروايات التي تثبت أن الأبناء هم الذين يؤدون هذه الفريضة، لكن يصرف هذا إلى جواز أداء منسك الحج من الغير: أن رجلاً قال في الإهلال: لبيك اللهم حجاً أو عمرة عن شبرمة ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من شبرمة ؟ قال: صاحب لي، قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك أولاً ثم حج عن شبرمة).

وفي رواية قال: (جار لي)، فإما جار وإما صاحب ولا تعارض بين الروايتين، فهذا يدل على جواز حج الغير وإن لم يكن قريباً لآحاد الناس. والله تعالى أعلم.

حكم الاستحمام بالصابونة للمحرم

السؤال: هل يجوز الاستحمام بالصابونة في الإحرام؟

الجواب: نعم يجوز.

حكم صيام الحاج في بلده إذا أخل بشيء من واجبات الحج

السؤال: هل يجوز الصيام في بلدي بعد الرجوع من الحج إذا وقعت في أي شيء من الواجب؟

الجواب: إذا لم تكن تملك الفداء -أي: الذبح- وقد وجب في حقك الصوم فالأفضل أن يكون الصوم هناك، لكن إذا لم يكن في علمك إلا بعد رجوعك فوجب الصيام في حقك ولا شيء عليك.

حكم الاتكاء على باطن اليد اليسرى

السؤال: هل يوجد حديث يحرم الاتكاء على باطن اليد اليسرى؟

الجواب: نعم. وهو عند أبي داود وغيره، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ضجعة الشيطان أو اتكاء الشيطان.

نبذة عن حياة سيد سابق

السؤال: من هو سيد سابق ، ونرجو الدعاء له بالرحمة؟

الجواب: الشيخ سيد سابق علم من أعلام الدعوة إلى الله عز وجل، وفقيه من فقهاء الأمة، وحبر من أحبار الملة، وكنت أقول منذ شهر واحد: لم يبق في الأخيار الأوائل إلا فضيلة الشيخ سيد سابق ، كان من العلماء العاملين والسادة الأتقياء، كان بقاؤه بعد موت الشيخ ابن باز والشيخ الألباني من الأشياء التي تتكئ عليها الصحوة الإسلامية، والرجل معلوم لدينا بفقه السنة، وجهده في الدعوة إلى الله عز وجل ومشاركته في المؤتمرات الدولية على مدار سبعين عاماً أعظم بكثير جداً جداً من فقه السنة، والذي له اطلاع في كتب الفقه التي يعتمدها الأزهر يعلم قيمة كتاب فقه السنة، وهذا الكتاب هو من أجل ما صنف شيخنا العلامة الشيخ سيد سابق ، فنسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وباسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى أن يتقبل شيخنا من الصالحين، وأن يحشره مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.

اللهم اغفر له وارحمه. اللهم تجاوز عن سيئاته، اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عن سيئاته، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، أكرم نزله، ووسع مدخله، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حفرة من حفر النار. اللهم هون عليه يا رب! اللهم هون عليه، اللهم اجعل قبره مد بصره، اللهم اجعله روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حفرة من حفر النار. اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه ولا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. وصلى الله على نبينا محمد.

ما يفعل الحاج أو المعتمر إذا أقيمت الصلاة وهو يطوف

السؤال: إذا أقيمت الصلاة والحاج أو المعتمر لم ينته من إكمال الطواف والسعي هل يصلي مع الناس ثم يكمل طوافه وسعيه من حيث انتهى، أم يأتي بالشوط من الأول؟

الجواب: لا، يبني على ما مضى، وهذه المسألة قد تكلمنا عنها في الدرس الأول أو الثاني تقريباً، فإذا كنت تطوف وسمعت إقامة الصلاة فعليك أن تدخل في الصف وأنت قائم في مكانك، ثم تنصرف إذا سلم الإمام وتكمل الطوفة.

حكم طواف الوداع

السؤال: هل طواف الوداع واجب في الحج دون العمرة؟

الجواب: نعم. هو واجب في الحج دون العمرة.

حكم تقديم السعي على الطواف

السؤال: هل يجوز تقديم السعي على الطواف سواء كان في الحج أو في العمرة؟

الجواب: لا. لابد من تقديم الطواف على السعي.

حكم صلاة تحية المسجد لمن جلس ولم يصل

السؤال: هل يجوز لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين تحية مسجد بعد أن جلس؟

الجواب: اختلف العلماء بين الجلوس اليسير والطويل، فإذا جلس جلوساً يسيراً أو اتكأ على ركبتيه أو غير ذلك فلينهض وليصل ركعتين، وهما واجبتان؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، أما إذا كان جلوساً طويلاً فإنه يسقط عنه ذلك.

حكم مصافحة النساء

السؤال: ما حكم مصافحة النساء؟

الجواب: مصافحة النساء الأجانب حرام؛ لما رواه الطبراني من قوله عليه الصلاة والسلام: (لأن يطعن أحدكم بمخيط من حديد في رأسه خير له من أن تمس يده يد امرأة لا تحل له) وفي رواية: (أجنبية).

حكم رمي جمرة العقبة ليلة العيد

السؤال: هل يجوز رمي جمرة العقبة في ليلة العيد؟

الجواب: رمي جمرة العقبة لا يكون إلا بعد الزوال، ورخص فيه قبل ذلك للضعفة والأطفال.

بيان متى يجوز الطواف بغير ملابس الإحرام

السؤال: هل يوجد طواف يجوز للإنسان فيه أن يطوف بالملابس العادية دون إزار ورداء؟

الجواب: نعم. كل طواف ليس على سبيل النسك، أي: كل طواف ليس متعلقاً بالحج ولا بالعمرة.

مثال ذلك: كلما دخلت الحرم وأردت أن تطوف يمكنك أن تطوف، ولا يلزمك أن تلبس ملابس الإحرام؛ لأنك لست محرماً من الأصل، وكل من لم يكن محرماً جاز له أن يطوف بملابسه العادية، وهناك حديث يقول: (تحية البيت الطواف) لكن هذا الحديث ضعيف؛ وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: يا بني عبد مناف! يا بني عبد المطلب! يا يا.. وظل ينادي على أهل مكة: (لا تمنعوا أحداً دخل هذا البيت في أي ساعة من ليل أو نهار أن يصلي ركعتين) ولم يقل: أن يطوف، وقال عليه الصلاة والسلام: (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام).

وهذا الحديث: (لا تمنعوا أحداً دخل هذا البيت في أي ساعة من ليل أو نهار أن يصلي ركعتين) يدل على جواز الصلاة حتى في أوقات الكراهة؛ لأن هذه الصلاة لها سبب؛ ولأنه قال: (في أي ساعة من ليل أو نهار) ولاشك أن هذا يعم أوقات الكراهة، فهذا جائز، والبيت ليست تحيته الطواف، ولكنه يستحب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل بيت الله الحرام بدأ بالطواف، لكنه لم يأمر بذلك، وبيَّن في سنته أن للداخل بيت الله الحرام أن يصلي ركعتين، وبالتالي جاز له أن يلبس في الحرم الملابس العادية.

تقييم كتاب (معالم التنزيل)

السؤال: ما رأيكم في كتاب تفسير البغوي الذي هو معالم التنزيل؟

الجواب: كتاب رائع جداً وممتاز جداً، واقتناؤه غنيمة.

حكم تعدد العمرات في السفرة الواحدة

السؤال: من اعتمر وهو ليس من أهل مكة هل يجوز له أن يذهب للتنعيم ويحرم بعمرة أخرى بعد وقت قليل من الأيام؟ وهل صحيح أن لكل عمرة فترة. نريد التوضيح؟

الجواب: إن السلف لم يكن من هديهم تعدد العمرات في السفرة الواحدة، أما الوقت بين العمرة وبين الأخرى فهو محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: يعتمر في كل عام مرة، ومنهم من قال: يعتمر في كل شهر مرة، ومنهم من قال: يعتمر إذا اسود رأسه، يعني: إذا حلق في العمرة الأولى ثم نبت شعره حتى كسا رأسه حينئذ يجوز له أن يعتمر.

وليس هناك نص يمنع تعدد العمرات بين فترة وفترة، والأصل فيه الجواز، لكن جمهور أهل العلم كره ذلك؛ لأنه لم يكن السلف يفعلون هذا، والخلاف الذي وقع بينهم في المدة بين العمرة والعمرة ليس خلافاً مرفوعاً، وإنما هو اجتهاد منهم؛ ولذلك يذهب الجماهير إلى جواز تعدد العمرة في السفرة الواحدة مع الكراهة، ويذهب البعض إلى عدم الكراهة.

حكم شراء المحرم الصيد البري

السؤال: هل يجوز للمحرم أن يشتري الصيد البري؟

الجواب: لا يجوز له أن يشتريه ولا أن يتملكه.

التحذير من أهل البدع والتصوف

السؤال: ما رأيكم في كتاب الفقه الواضح للدكتور محمد بكر إسماعيل؟ وإن لم يكن جيداً فكيف أتصرف فيه؟

الجواب: النصيحة لله عز وجل أن محمد بكر إسماعيل لا يقل في قبحه وشره عن علي جمعة . أتعرفون علي جمعة أم لا تعرفونه؟

فالذي لا يعرفه فاعلم أنها منة من الله عز وجل، والذي يعرفه يعرف أنه عدو لدود للسنة وأهلها، ولا يقل محمد بكر إسماعيل عنه في رفع راية الحرب على أهل السنة، فكلاهما من أهل البدع وكلاهما متصوف إلى أقصى حد، ومحارب للسنة.

أذكر لك مثالاً: محمد بكر إسماعيل -الذي أعمى الله تعالى بصره وبصيرته- له درس كل يوم ثلاثاء في مسجد في السويس، فمرة نادى وقال: أين فلان؟ قالوا: موجود، قال: يا بني! هل أخذت الماجستير أم لا؟ قال: لم آخذه بعد، فغضب غضباً شديداً وأخذ يصيح بالميكرفون ويقول له: تأخرك هذا هو الذي جعل شخصاً كـالألباني يظهر، تصور! ولد صغير عمره خمس وعشرون سنة تأخره في الحصول على الماجستير هو الذي جعل شخصاً كـالألباني يظهر، فعدو السنة لابد أن يترك أثراً -ولو في وقت الغضب- ليدل على فساد قلبه، ناهيك عن معاصيهم الظاهرة، فنحن نشترك معهم في المعاصي الباطنة، وإذا انفردنا بالله عز وجل هتكنا الستر ولسنا معصومين، لكن لا نتبجح بها، لكن هذا يقعد قعدات كثيرة مع اللواءات والعمداء والوزراء يتعاطون الشيشة وتبدأ من عنده، فضلاً عن أن هؤلاء قالوا عنا عدة مرات: أننا خوارج العصر، والصحوة الإسلامية لا تدخل في ذمتهم، فمقاطعتهم نجاة، والله تعالى أعلم.

حكم لبس المرأة إزاراً وهي محرمة

السؤال: يقول: هل يجوز للمرأة أن تلبس إزاراً وهي محرمة؟

الجواب: نعم يجوز.

حكم الذهب للمرأة

السؤال: قرأت للشيخ الألباني عليه رحمة الله أن الذهب حرام على المرأة كما هو حرام عل الرجل تماماً بتمام؟

الجواب: إن الشيخ الألباني لم يقل: إن الذهب حرام على المرأة كالرجل تماماً بتمام، ولكن قال بحرمة الذهب المحلق فقط، أما غير المحلق فقال الشيخ بجوازه للمرأة، وعلى أية حال هذا قول محدث خالف فيه الشيخ الأمة بأسرها؛ ولذلك البقاء على مذهب العلماء كافة نجاة وعصمة، فالذهب بجميع أنواعه وأشكاله حلال للنساء. والله تعالى أعلم.

فمذهب الشيخ الألباني يرده: (أن امرأة دخلت بابنتها على النبي عليه الصلاة والسلام فرأى في يدها سوارين من ذهب -يعني: ذهب محلق- فقال: أتؤدين زكاتها؟ قالت: لا، قال: أتحبين أن تسوري بسوارين من نار؟ فألقت المرأة السوارين في حجر النبي عليه الصلاة والسلام)، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم ينكر عليها أنها لبست المحلق، وإنما أنكر عليها أنها لم تؤد زكاته، فالمرأة تخلصت منه بأن ألقته صدقة في حجر النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يلزمها النبي عليه الصلاة والسلام بالصدقة، ولكنها كونها بذلت هذا من نفسها لأول وهلة فللنبي عليه الصلاة والسلام أن يأخذه منها صدقة، يصرفها في وجوه الصدقة المشروعة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح صحيح مسلم - كتاب الحج - تحريم الصيد على المحرم للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

https://audio.islamweb.net