إسلام ويب

إذا مات الإنسان فإنه يشرع تغسيله وتطييبه وتكفينه والصلاة عليه وتجهيزه للدفن، وحين يوضع في القبر تفك الأربطة وتوضع عليه حجارة لم تمسها النار، ثم يهال عليه التراب، كما أنه ينبغي لمن يتولى تجهيز الميت ودفنه أن يكون أميناً عالماً بالأحكام الشرعية المتعلقة بذلك؛ حتى يتجنب المحدثات والبدع التي يقع فيها كثير من الناس.

من يدخل مع المغسل لغسل الميت

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد:

لا يدخل مع المغسل أكثر من اثنين، فيكون عند الميت ثلاثة فقط، المغسل واثنان من أقاربه، أحدهما من أهل الصلاح والتقوى؛ ليزداد عظة وعملاً صالحاً ويساعد في غسله ويعلم السنة، والرجل الآخر يكون من أهل المعاصي -ونعوذ بالله تعالى- ليرق قلبه ويتعظ ويستعد للموت. قال العلماء: يستحب أن يكون مع المغسل رجلان من أقارب الميت، أحدهما من أهل الطاعة والآخر من أهل المعصية.

ما يستعد به المغسل ومن يعاونه لتغسيل الميت

ثم قبل تغسيل الميت لا بد من استعداد المغسل لعملية الغسل بالآتي:

أولاًً: واقي اليد الذي نسميه الجونتي، فيلبسه المغسل؛ لأنه سيباشر مسألة تنجية الميت واستخراج الفضلات، ولا يجوز أن يمس عورة الميت بيده، وكل هذه الأمور تلزمه أن يلبس واقياً على يده، وهذا الواقي يسمى في الفقه خرقة، وتسمى اليوم الجونتي.

ثانياً: الكمامة حتى يدفع بها الروائح الكريهة.

ثالثاً: ساتر بلاستيك يلبسه فوق ملابسه؛ حتى يقي نفسه من الأوساخ والأدران أثناء عملية الغسل.

رابعاً: حذاء بوت بلاستيك.

وكذلك يستعد المعاونان بهذه الأشياء.

ما يفعل بالميت إذا مات

وأما التعامل مع الميت فبعد التحقق من موته نقوم بتغميض العينين بالأصبعين، ففي حديث أبي سلمة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم غمض عينيه، وقال: إن العين تتبع الروح).

ثم شد اللحيين برباط شديدة تقفل الفم.

ثم يؤتى بثقل يوضع على بطن الميت حتى لا ينتفخ.

ثم يبدأ في تليين مفاصل الميت، فتلين مفاصل اليد اليمنى ثم اليسرى؛ لأن أعصاب الميت بعد موته تكون مفككة فتستجيب للتليين، ثم تلين قدماه، وإذا لم تلين المفاصل فستكون شديدة صعبة عند الغسل، فلا بد من التليين بين وقت وآخر حتى يأتي المغسل.

وبعد تليين المفاصل يترك الميت ويؤتى بسترة أو بغطاء كبير يغطي جسد الميت ويفرش فوق جسده، وهذا ما تم فعله مع سيد البشر صلى الله عليه وسلم حيث غطوه بعد موته.

وأما مسألة توجيه الميت إلى القبلة فهي مسألة خلافية، ولكن الشيخ ابن عثيمين يرى أن مجموع الأحاديث يرقى إلى درجة الحسن، وأنه يستحب أن يوجه الميت إلى القبلة.

بيان ما يفعله المغسل مع الميت قبل الغسل

إذا جاء المغسل فإنه يبدأ في الاستعداد لعملية الغسل، وأول شيء يفعله رفع الغطاء الذي على الميت، ثم يدفعه للمساعد الذي بجواره، ثم يبدأ بتجريد الميت من ملابسه، ومسألة تجريد الميت من ملابسه مسألة مهمة، ولا بد أن تكون بحكمة؛ لأن الميت يتأذى كما يتأذى الحي، فيبدأ بفك أزرار الثياب ثم يرفع اليد اليمنى، وهكذا حتى ينتهي من تجريده من قميصه العام، وعندما يصل موضع ظهور العورة يستعين بالسترة.

وعورة المرأة بين النساء من السرة إلى الركبة كعورة الرجل. ثم يأخذ الثقل ويدفعه للمعاون، ويضع السترة على الميت يستره بها، والميت مجرد من كل ملابسه بين يديه.

ثم يأتي بماء وسدر وماء وكافور، ويكون قد استعد بإعداد هذا الماء قبل ذلك، والسدر ورق النبق، قال العلماء: لكل أربعة جوالين ماء مقدار فنجان كبير من السدر من فناجين القهوة، ويطحن ورق السدر طحناً، وأما الكافور فيباع عند العطارين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـأم عطية عند تغسيل ابنته زينب : (اغسلنها بماء وسدر ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو زدن على ذلك إن رأيتن ذلك، واجعلن في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور) . فالغسلة الأخيرة يكون بها ماء وكافور.

ويغني عن الماء والسدر الماء والمسك أو الماء والطيب. وقبل الغسل يقوم المغسل بتنجية الميت التي يسميها العوام: النحنحة.

غسل الميت

كيفية غسل فرج الميت

مسألة غسل الميت لها ثلاث خطوات متتالية.

أولاً: تنجية الميت، إما بالضغط على بطن الميت بخفة، فيضغط باليد اليمنى ثم يدخل يده اليسرى إلى دبره لاستخراج الفضلات، ويكون بجواره إناء ثالث فارغ يضع فيه الفضلات ثم يغسل يده في إناء بعيد، ثم يعود للضغط واستخراج الفضلات حتى تخرج اليد بيضاء ليس فيها أي مخلفات أو رواسب، وبهذه الطريقة يضمن أن بطن الميت قد تفرغ تماماً مما فيه.

غسل النظافة

ثم يفك الرباط الذي على اللحية عندما يبدأ في غسل النظافة، فيغسل الميت بالماء والصابون، ويبدأ أولاً برأس الميت، وليكن معه ليفة في غسل النظافة، ويقوم بغسل الميت كما يغتسل الحي، وأول شيء يغسله الرأس ثلاث مرات بالصابون والليفة، ثم ينتقل إلى الشق الأيمن، فيغسله تحت الإبط بالليفة، ويغسل الشق الأيمن من أعلى إلى أصابع القدمين من الأمام ومن الخلف، ثم يرفعه ويغسله من الناحية اليسرى بالصابون والليفة، والسترة كما هي، ثم يدخل يده إلى السرة، ولا يقترب من العورة، ولا ينظر إليها ولا يمسها، ثم يعمم جسده بالماء كغسل الحي. وبهذا يكون قد انتهى من غسل النظافة.

وضوء الميت

ثم يبدأ بالوضوء، فيقول: باسم الله، كما لو كان يتوضأ وهو حي، فوضوء الميت كوضوء الحي تماماً إلا في المضمضة، فلا يدفع الماء إلى داخل فمه وإنما من الخارج، فقط على باب الأسنان، ولا يدخل إصبعه داخل الفم، وإنما على فتحة الشفتين يمسهما يميناً ويساراً ثلاث مرات، ثم الاستنشاق يتم بيسر.

فتفعل ما بوسعك مع الميت، فتأخذ قطنة وتمررها على أسنانه يميناً ويساراً باليد اليمنى والاستنثار باليسرى ثلاث مرات، ثم تغسل وجه الميت ثلاث مرات، ثم اليد اليمنى حتى المرفقين ثلاث مرات، ثم اليد اليسرى ثلاثاً حتى المرفقين، ثم تمسح رأسه مقبلاً ومدبراً كوضوء الحي، ثم تمسح الأذنين مع الرأس مسحة واحدة كوضوء الحي، ثم تغسل قدميه، فتبدأ باليمنى وتخلل أصابعها، ثم اليسرى.

ثم تغسل الميت غسل النظافة مستخدماً الماء والسدر في الغسلة الأولى، مبتدئاً بالرأس ثلاث مرات، ثم تغسل الشق الأيمن بالماء والسدر أيضاً وتحت السترة من الأمام والظهر، ثم تنتقل إلى الشق الأيسر، ثم ترفع الميت قليلاً حتى تغسل ظهره، ثم تنتقل إلى البطن وتعمم الجسد بالماء تماماً، ثم تفعل ذلك بالميت ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، وتجعل في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور.

وبعد أن تنتهي نشف الميت تنشيفاً عاماً، والسترة ما زالت موجودة.

تطييب الميت

ثم تأتي بطيب وتطيب المغابن ومواضع السجود السبعة، وهي: الجبهة والأنف والكفين ثم الركبتين ثم أصابع القدمين. وكذلك تطيب بين الفخذين؛ لأنهما مظنة عدم وصول الماء إليهما، أو مظنة لحمل الأوساخ، فإن طيبت الميت كله فلا بأس.

كيفية التعامل مع الميت إذا لم ينقطع حدثه

وإذا لم ينقطع خروج الفضلات من الميت، فإننا نأتي بقطن وندخله إلى دبر الميت ونغلق به فتحة الدبر بعد أن نطيب هذا القطن طويلاً، ثم نقوم بربط هذا القطن بشيء من القماش، حتى إذا خرج منه وجد هذا الشيء يحفظه.

تكفين الميت

ثم بعد ذلك نبدأ في تكفين الميت، ويكفن الرجل ثلاث قطع، يدرج فيها إدراجاً، وتكون كل واحدة أطول من الأخرى، وتكون السترة ما تزال على الميت، ولا ترفع إلا بعد البدء في تكفينه؛ لأن الكفن يواري عورة الميت.

وإذا كان الميت قد انتفخ فيغسل كهذا الغسل تماماً وهذا الانتفاخ بسبب بقائه مدة طويلة وعدم وجود ثقل، ويعصر بطنه برفق، ثم بعد ذلك يكفن الرجل ويكفن الرجل في ثلاث قطع، ليس فيها قميص ولا عمامة ولا سراويل، فكل ذلك محظور بالنسبة للميت، وتكون الثلاث القطع كل واحدة منها أطول من الأخرى، يدرج فيها الميت إدراجاً، ثم ترفع السترة، وتربط الأكفان من الناحية اليسرى؛ حتى يتمكن من فك الأربطة في القبر، فعند تكفين الميت ينتبه من أن الميت سيوضع في القبر على شقه الأيمن. وبالنسبة للقطع لا بد أن تكون أطول من جسد الميت من أعلى ومن أسفل، فالزيادة من أعلى ترد على رأسه وتربط، ومسألة التكفين سهلة جداً، كما لو أنك تلف طفلاً مرة واثنتين وثلاثاً، وتبدأ في الغطاء باليمين ثم اليسار ثلاث مرات، ثم تأتي بالأربطة، فتربط ما زاد من تحت الرجلين، وما زاد عن الرأس، ثم تربط رباطاً على الساقين، ورباطاً في منتصفه، ورباطاً على البطن، ورباطاً على الصدر حسب الحال.

وفي الأرياف يفصل للميت قميص وسروال وعمامة، وكل هذا منهي عنه، وإنما يدرج في ثلاث قطع إدراجاً. ويختلف كفن المرأة عن كفن الرجل في أن كفن المرأة يكون خمس قطع: إزاراً وخماراً ومقنعة كاللبس الأفغاني ثم لفافتين.

صفة القبر

وأما القبر فإنه يحفر لحداً في بطن الأرض من أعلى ومن أسفل، ثم تحفر في وسطه بحيث تفتح في الأرض لحداً، ثم تدخل الميت فيه على شقه الأيمن، ثم تحل الأربطة، وكشف الوجه في القبر ليس عليه دليل، وتقول: باسم الله وعلى سنة رسول الله عندما تضع الميت، ولا بد أن يكون من ينزل مع الميت لم يجامع زوجته في ليلة الدفن.

ترتيب الجنائز في الصلاة إذا تعددت

ولو تعددت الجنازات مثل أن تكون جنازة رجل وامرأة وصبي فيكون الرجل هو المقدم بين يدي الإمام ونعشه أقرب إلى الإمام، ثم نعش الصبي، ثم نعش المرأة، بحيث يقف الإمام عند رأس الرجل، ويكون رأس الطفل موازياً لرأس الرجل، ويكون وسط المرأة محاذياً لرأس الرجل.

ولقد بوب الإمام البخاري على هذا: باب الإمام يقف إلى وسط المرأة وعند رأس الرجل.

الصلاة على الجنازة في المسجد

وأما الصلاة على الجنازة داخل المسجد فلقد ثبت أنهم صلوا على بعض الصحابة في المسجد الحرام، وأورد ذلك علماء الأمة، والأفضل أن يصلى عليه في مصلى الجنائز، يصلى عليه والناس قيام بالنعال طالما أن النعل ليس فيها شيء.

ولا بأس بإدخال الميت إلى المسجد مطلقاً، فقد ثبت أن عائشة رضي الله عنها صلت على أحد الصحابة داخل المسجد، والمسألة فيها سعة، فلا نحجر واسعاً ونقيم معارك على أمور مستحبة.

وهناك كتاب بعنوان: (الوجازة في تجهيز الجنازة) موضح بالصور الإيضاحية.

اقتراح إنشاء مغسلة للأموات

ونقترح هنا إعداد مغسلة الأموات وتدريب أناس على أعلى مستوى، وإقامة دورة لهم يدرسون فيها ما يجب تجاه الميت من لحظة خروج الروح إلى دفنه وكل ما يتعلق بذلك، والأحاديث التي وردت في ذلك، مثل ما أخرجه الطبراني : (من غسل ميتاً فكتم عليه غفر الله له أربعين كبيرة)، وصححه العلامة الألباني في كتابه فقه الجنائز، وكذلك ما أخرجه الطبراني في فضل تكفين الميت وفي من قام بتكفينه: (ومن كفن ميتاً ألبسه الله من سندس الجنة) ، ومثل حديث: (ولا يغسل موتاكم إلا المأمونون) . فلا ينفع أن يكفن الميت إنسان تارك للصلاة أو ساحر، فلا يغسل الميت إلا المأمون، وأولى الناس بغسله الوصي ثم الأب وإن علا والابن وإن نزل.

ومسألة إعداد مغسلة للأموات الآن في القاهرة الكبرى مسألة ملحة؛ لأن معظم الناس يسكنون في شقق فاخرة، فأين سيغسلون موتاهم، وهناك أناس غسلوا أباهم في دورة المياه وما وجدوا مكاناً في البيت لتغسيله، وقالوا: أنسب مكان هو الحمام حيث إن فيه متسعاً، وهذا لا يجوز، فهو إجرام بحق الميت؛ لأن الحمام بيت الخبث والخبائث.

فلا بد من إعداد مغسلة للأموات، وسيارات لنقل الموتى حتى يغسلون في المغسلة ويكفنون، ثم يحملون ويشيعون. وأما مكان المغسلة فيمكن أن يقيمها أي مركز أو أي جمعية خيرية، ويؤهل أناس للتغسيل والتكفين، وتنشر أرقام تلفوناتها، ومن أراد أن يغسل ميتاً وأن يكفنه يتصل بهم، ثم يذهب المغسل والمكفن إلى المكان الذي فيه الميت ويتعاملان مع الميت معاملة صحيحة؛ لأننا في هذه الأيام نرى كثيراً من البدع. ونسأل الله تعالى أن يعافينا وإياكم.

وبعد أن بينا كيف يتم تكفين الميت والصلاة عليه يبقى عندنا مسألة لحد الميت في قبره.

حمل الميت

ومن السنة أن يحمل الميت على خشبة، ولا يحمل على تابوت مغلق كما يفعله الكثير الآن، فإنهم يحملونه على صندوق ويغلقونه، ويضعون فوقه مفروشاً، وهذا كله ليس له أصل في السنة، وإنما السنة أن يحمل على خشبة ثم يغطى بغطاء؛ لأن الميت لا يجوز أن تبدو عورته.

وقد روى البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان: باب اتباع الجنائز من الإيمان، وهو يبين أن كل الأعمال الصالحة تدخل في مسمى الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة ثم تبعها حتى يفرغ من دفنها)، أي: أنه ينتظر حتى ينتهي الناس من الدفن، (كتب له قيراطان كل قيراط كجبل أحد) ، قال ابن عمر عند سماع هذا الحديث: كم ضيعنا والله من قراريط.

كيفية إدخال الميت إلى قبره

وعندما يصل الميت إلى قبره يدخل برأسه ويوجه إلى جهة القبلة بحيث إذا قام اعتدل نحو القبلة، فيوضع متوجهاً إلى القبلة بوجهه كحال النائم على شقه الأيمن ورجلاه في القبلة ورأسه إلى الجهة الخلفية بحيث إذا قام قام إلى القبلة كحال النائم، وفي الأمر متسع عند العلماء، فمنهم من قال: يوجه إلى القبلة، بمعنى: أن يستقبل القبلة بوجهه، أو ينام كحال النائم على فراشه على شقه الأيمن، وتكون رجلاه إلى القبلة، ويوضع تحت رأس الميت شيئاً يرفع رأسه قليلاً؛ لأن الميت يتأذى مما يتأذى منه الحي، فكما أن الحي لا يستطيع أن ينام ورأسه مساوياً لجسمه وإنما يرفع رأسه قليلاً فنضع تحت رأس الميت شيئاً يرفع رأسه.

ثم يقوم من يلحد الميت بفك الأربطة عنه من عند القدمين ومن عند الرأس وفي الوسط وعند البطن وعلى الفخذين، وأما كشف الوجه فليس فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ما يشترط فيمن يلحد الميت

ويشترط فيمن يلحد الميت أيضاً أن يكون أميناً، فلا يذكر إن رأى في قبره ما يشير إلى سوء خاتمة الميت، ولا يفضح سر الميت، وإن كان يريد أن يعظ الناس فليعظهم بكلام عام، مثل أن يقول: إن رجلاً كان لا يصلي فحدث له كذا وكذا، ولا يسمي الميت باسمه؛ لأن هذا فيه كشف لعورته أو لسوءته وفضيحته.

ثم بعد ذلك أيضاً يسن لمن يلحد الميت أن يأخذ ثلاث حثيات من تراب ويلقيها على قبره ويقول: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55].

حكم الموعظة عند القبر بعد الدفن

ثم بعد أن يلحد الميت يغلق باب اللحد على الميت ويهال عليه التراب.

وفي كثير من البلاد يقف بعد الدفن شخص يلقي موعظة على القبر، ويظن ذلك سنة راتبة بل آكدة، فبعد أن يدفن الميت يقف يقول للميت: اعلم يا عبد الله! ويا ابن عبده وأمته! أنك تركت الدار الفانية وانتقلت إلى الدار الباقية، وأنك الآن بين يدي ربك، وسيأتيك بعد قليل ملكان رحيمان على من أطاع الله، غليظان على من عصى الله، فإن سألاك وقالا لك: من ربك؟ فقل لهما بلسان ذلق طلق: الله ربي حقاً ومحمد نبيي صدقاً، ويظل هذا المسكين يملي كلامه على الميت، وما درى أن الذي يفعل هذا مبتدع، وأن هذه بدعة ما ثبتت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وإنما الثابت عنه قوله: (استغفروا لأخيكم؛ فإنه الآن يسأل) .

هذا والدعاء الجماعي أيضاً لا يجوز، وإنما يدعو للميت كل واحد في نفسه، ويدعو بما شاء للميت. وإذا قام رجل يذكر الحضور بالموت فلا بأس، شريطة ألا يكون ذلك راتباً، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما وعظ مرة واحدة كما في حديث البراء بن عازب ، ولم يفعلها بعد ذلك، فعل ذلك مرة وتركها مرات.

فإذا وجدت الناس أعرضوا عن الموت وعظته فيمكنك أن تذكرهم، فالموعظة للأحياء، والبعض ينتظر حتى ينتهي الناس من دفن الميت رغم أن الحديث في مسند أحمد : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يعظهم ولما يلحد) ، يعني: لم ينتهوا من اللحد، فقد تكلم وهم يلحدون، فإن أردت أن تعظ فعظ الناس وهم يلحدون الميت، بحيث إذا انتهوا من إهالة التراب عليه لا يكون هناك شغل للحضور إلا الدعاء والاستغفار، ومن العجب أن الميت بعد أن يدفن يقف المتحدث ويعظ الأحياء، فما أشبه الميت بغريق يحتاج إلى من ينقذه ونحن نجادل في مسألة على شاطئ البحر، فالغريق يقول: أنقذوني، ونحن نجادل الذي سينزل هل سينزل بالملابس العادية أم القصيرة؟ فلا ينبغي أبداً أن ننشغل بعد موت الميت إلا بالاستغفار له، (استغفروا لأخيكم؛ فإنه الآن يسأل).

الأسئلة

حكم دفن الرجل والمرأة في قبر واحد

السؤال: هل يجوز دفن الرجل والمرأة في قبر واحد؟

الجواب: لا يجوز إلا في حال الضرورة وضيق الأماكن، وإلا فالسنة أن يكون للمرأة لحد، وللرجل لحد منفصل عنها.

ويغلق اللحد بالطوب اللبن وليس بالطوب الذي دخلته النار.

حكم تكفين الميت في ثيابه

السؤال: هل كفن أبو بكر الصديق في قميص؟

الجواب: صفة التكفين شرحناها وأما إن لم يوجد ما يكفن فيه الميت فشق ثيابه وكفنه فيها، فقد كفن مصعب بن عمير بنمرة، كان إذا غطي أعلاه بها بدا أسفله، وإذا غطي أسفله بدا أعلاه، فيجوز أن تكفن الميت في قميص إن لم تجد ما تكفنه فيه، ومصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت.

حكم تغسيل تارك الصلاة للميت

السؤال: القول بأنه يدخل مع المغسل رجل من أهل التقوى ورجل من أهل المعاصي، هل إذا كان الرجل الذي من أهل المعاصي لا يصلي أميناً أم لا، علماً بأنه قد خان خالقه أولاً فهل يؤتمن؟

الجواب: لا يقصد بالرجل العاصي تارك الصلاة، فتارك الصلاة رجل مجرم، إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر41-43].

فالرجل العاصي مثل المدخن، والغير الملتزم بالشرع، والمفرط في بعض الواجبات، فمثل هؤلاء قال العلماء: يستحب أن يدخل؛ ليرتدع عن معاصيه.

حكم تعليم غسل الميت وتكفينه عملياً في المسجد

السؤال: هل ثبت أن أحد الصحابة دخل إلى المسجد وغسل الميت فيه وكفنه؟

الجواب: الأصل موجود، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر وقال: (ما أريد أن أصلي ولكن أريد أن أبين لكم) . ومالك بن حويرث وعثمان بن عفان دعا كل منهما بإناء فيه ماء وتوضأا وقالا: نريد أن نبين لكم كيف توضأ النبي صلى الله عليه وسلم.

ووسائل الإيضاح توضح المعنى للمتحدث، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يستخدم الوسائل، فقد خط خطاً مستقيماً وخط خطوطاً متعرجة وأقام دائرة إلى غير ذلك، فأصل بيان هذه الطاعات موجود بدون أدنى شك في السنة، وأما كون هذا لم يفعله أحد من السلف فلأن الناس كانوا يعلمون ذلك.

فنحن نوصل المعلومة بالعمل بالنظر بالفيديو بالسيدي، فهل نحرق السيديهات والفيديو لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن في زمنه فيديو ولا سيديهات ولا أشرطة كاسيت ولم يسجل لنا خطبة؟! فهناك أمور مستحدثة علينا أن نطوعها لخدمة العلم الشرعي.

حكم تغطية الميت وهو على النعش

السؤال: عندما يوضع الميت على النعش هل يغطى بغطاء أم يكتفى بالكفن؟

الجواب: يغطى بغطاء ذكراً أو أنثى، والأنثى أشد؛ لأن الأصل فيها التستر.

كيفية تكفين الميت

السؤال: هل أقوم برفع الميت ووضع الأكفان أم ماذا؟

الجواب: هذه المسألة تحتاج إلى تدريب، فلا بد أن تكون أولاً مساعد مغسل، وبعد ذلك مغسل، فالمحاضرة لن تجعلك مغسلاً، بل لا بد أن تتعلم التغسيل والتكفين، ولو جلست إلى الصبح أشرح لك كيف تكفن الميت فلن تستطيع تكفينه عندما تمارس التكفين عملياً. فالتطبيق العملي يكون أدق من التعليم النظري.

حكم صلاة المرأة على الميت

السؤال: هل يجوز للمرأة أن تصلي على الميت؟

الجواب: نعم، فـعائشة صلت على بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي شهود المرأة للصلاة أحاديث كثيرة، لكن المرأة لا تتبع الميت إلى مقبرته.

ولا داعٍ لكلمة مثواه الأخير، فهذه الكلمة ليست صحيحة، فمعنى مثواه الأخير أنه ليس هناك بعث، فلننتبه.

صفة السترة التي يستر بها الميت

السؤال: هل تكون السترة التي يضعها المغسل على الميت من قماش الكفن أم لا؟

الجواب: السترة التي توضع على الميت لا بد أن تكون سميكة لا تصف ولا تشف، وإذا وضع عليها الماء لا تظهر ما تحتها، وهذا الكلام غني عن البيان، ولا ينبغي السؤال عنه.

حكم غسل الميت

السؤال: هل الغسل سنة أم فرض؟

الجواب: الغسل فرض، فغسل الميت واجب وليس سنة، ومن موجبات الغسل الموت.

حكم الصلاة في مسجد تحيط به المقابر

السؤال: ما حكم الصلاة في مسجد تحيط به المقابر؟

الجواب: يجوز طالما أن القبر ليس بداخل المسجد، وأنت لا تقصد القبور، والنبي صلى الله عليه وسلم لما بنى مسجده نبش قبور الجاهلية، ولو أن القبر خارج المسجد ويحمل المسجد اسم صاحب القبر فلا يصلي فيه؛ لأنه في هذه الحالة ينسب المسجد إلى صاحب الضريح فلينتبه لمثل هذا.

حكم أخذ المغسل أجرة على غسل الميت

السؤال: هل يأخذ المغسل أجراً على الغسل؟

الجواب: لا يأخذ المغسل أجراً على الغسل، وإن أخذ أجراً قل ذلك من ثوابه بدون أدنى شك، والأصل عدم أخذ أجرة على الغسل.

حكم تغسيل المدخن للميت

السؤال: هل يجوز أن يكون المغسل مدخناً؟

الجواب: المدخن رائحة فمه كريهة، فسيؤذي الميت والملائكة.

حكم استخدام القطن لتنظيف فم الميت

السؤال: هل يجوز استخدام القطن لاستخراج الفضلات من فم الميت؟

الجواب: نعم، يمكن إدخال قطنة في فم الميت ببساطة؛ لإخراج ما به من أذىً، وقال بعضهم: يستحب أن يوضع في فم الميت قطنة وفي أنفه إلى آخر الغسل؛ حتى لا يتأذى الميت كلما صببت عليه الماء.

عورة الزوجة بالنسبة للزوج

السؤال: إذا غسل الرجل زوجته فما هي العورة التي تستر بالنسبة له؟

الجواب: لا سترة منه، فليس هناك عورة للمرأة أمام زوجها.

وإذا احتاج الزوج إلى من يساعده فيدخل معه نساء من محارمه، وهنا لا بد أن تستر المرأة عن الأجانب حتى ولو كانوا محارم، فإن دخلت أختها فلا بد أن يضع عليها السترة، وكذلك إن دخلت أمها أو بنتها.

الشيخ: ولا يجوز للزوج أن يمس العورة إلا بحائل.

وأما القول بأنه لا يجوز للزوج أن يغسل زوجته فهذا كلام الأحناف وهو باطل.

حكم القعود على القبر مقدار نحر جزور وتوزيعه

السؤال: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا ننصرف من القبور بعد الموت إلا بمقدار ذبح بعير؟

الجواب: هذا أثر موقوف على عمرو بن العاص ، وليس عليه عمل الصحابة. ويوم أن مات شيخنا الشيخ صفوت نور الدين رحمه الله، قال أحد الإخوة الحضور: قوموا على قبره بقدر ذبح جزور وتوزيعه، فقال الشيخ مصطفى العدوي حفظه الله: هذا أثر موقوف على عمرو بن العاص وليس عليه عمل الصحابة، فحمده الجميع لهذا البيان.

دعاء الميت

السؤال: أناشدك أن تدعو لموتانا وموتى المسلمين بالمغفرة والرحمة، وأن تخص أخاً لنا قد توفي قبل ليلة أمس.

الجواب: اللهم اغفر له وارحمه، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم اغفر له وارحمه.

نكتفي بهذا القدر. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، آمين آمين آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , العدة شرح العمدة [25] للشيخ : أسامة سليمان

https://audio.islamweb.net