إسلام ويب

إن الأمة العربية كانت تعيش قبل الإسلام في جهل وظلام، فجاء الإسلام بـ(لا إله إلا الله) التي رفعت الأمة، وجعلتها أمة قائدة لا مقودة، وأمة متبوعة لا تابعة، فيجب علينا أن نعرف (لا إله إلا الله) ونعرف فضلها ومعناها في حياتنا، ونعرف نواقضها وشروطها ومقتضياتها، حتى نحذر مما يلبسه علينا أصحاب الاعتقادات الباطلة الذين يغالطون في فهمها، ويجب أيضاً أن نعرف ما هي العوامل التي تثبتنا على (لا إله إلا الله) حتى نلقى الله عليها.

فضل لا إله إلا الله

إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إن الاجتماع تحت مظلة (لا إله إلا الله) من أسعد الفرص في الحياة، وإن النسب الذي جمعنا بكم والذي ألف بين قلوب هذه الأمة هو نسب (لا إله إلا الله) وإنني بهذه المناسبة أشكر أهل الفضل على فضلهم، وعلى رأسهم فضيلة الشيخ سليمان الجمعان الذي دعا لهذه المحاضرة ونظَّم لها، فعسى الله عز وجل أن يجعل هذه المحاضرة في ميزان الحسنات، وأن يجعلها عربون مودة نجتمع بها وإياكم في دار المودة، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:55].

وعنوان هذه المحاضرة: (آفاق لا إله إلا الله) وعناصرها هي:

الأول: فضل لا إله إلا الله وحديث معاذ رضي الله عنه وأرضاه.

الثاني: أحاديث في لا إله إلا الله.

الثالث: الأمة قبل لا إله إلا الله.

الرابع: ومعنى لا إله إلا الله في حياة المسلم.

الخامس: نواقض لا إله إلا الله.

السادس: الفهم الخاطئ الذي يفهمه بعض الناس في لا إله إلا الله.

السابع: لا إله إلا الله والمرجئة.

الثامن: من لوازم قول: لا إله إلا الله قول: محمد رسول الله.

التاسع: أول واجبات المكلف: الشهادة لا النظر والاستدلال.

العاشر: عوامل الثبات بلا إله إلا الله وكيفية الثبات بها حتى نلقى الله.

حديث معاذ أصل من أصول التوحيد

جاء في الصحيحين عند البخاري ومسلم وأصل الحديث عند أحمد في المسند، عن معاذ رضي الله عنه، وأنا أذكره بلفظ قريب من لفظ المسند، قال: {ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار اسمه: عفير أو يعفور} هذا اسم حمار الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول بعض الزنادقة: لماذا يذكر المحدثون اسم الحمار؟ وما هي الفائدة من ذلك؟ ولماذا يذكرون لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ركب الحمار؟ وهذا خطأ في فهمهم فإنه يترتب على ذلك فوائد جمة:

منها: جواز الركوب على الحمار.

ومنها: أن ملامسة الحمار لا تنجس.

ومنها: طهارة لعاب الحمار عند بعض أهل العلم وسؤره.

ومنها: جواز الإرداف على الدابة.

ومنها: تواضعه عليه الصلاة والسلام.

هذا الرسول -بأبي هو وأمي- الذي يركب الحمار؛ أنقذ الله به الأمة من النار إلى الجنة؛ وأخرجها من الظلمات إلى النور، قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2] قال معاذ: {فركب صلى الله عليه وسلم، فقال -لما ركب الحمار- اركب يا معاذ!} وعند أبى داود: {الرجل أحق بصدر دابته} والرسول صلى الله عليه وسلم هو صاحب الدابة، وهذا الحمار أهداه إليه مقوقس مصر، قال: {اركب يا معاذ! قلت: امض يا رسول الله -رفض أن يركب معاذ خجلاً وحياءً من الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: اركب، فركبت.. فمضينا قليلاً، فعثر الحمار فسقطنا}.

هذه رواية أحمد تجدونها في الفتح الرباني في المجلد الأول- قال: {فقمت أذكر أسفاً وخجلاً، وقام صلى الله عليه وسلم يضحك}.

انظر التواضع! وانظر هذا الإنسان الذي عصم الله سمعه وفؤاده وبصره! قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:1-3].

قال: {فركبنا مرة ثانية فعثر الحمار فسقطنا، فقام صلى الله عليه وسلم يضحك وقمت خجولاً -يقول معاذ رضي الله عنه- ثم ركبت مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فمضى قليلاً، فقال: يا معاذ! قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله! -وهذه أحسن كلمة يقولها المسلم- قال: أتدري ما حق الله على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم مضى قليلاً، وقال: يا معاذ! أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حقهم إذا فعلوا ذلك ألا يعذبهم} وهذا الحديث أصل من أصول التوحيد، وهي الكلمة العليا التي أتى بها صلى الله عليه وسلم.

فضل كلمة التوحيد

وأما فضلها فإن العبد يخرج بها من الكفر إلى الإيمان، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام من حديث معاذ أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} والمعنى: من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فنسأل الله أن يتوفانا وإياكم على هذه الكلمة.

وقد قرأت لـأبي زرعة قصة عن لا إله إلا الله؛ وهذا المحدث الكبير ذكر عنه الذهبي في التذكرة، وفي غيرها من الكتب: أنه لما حضرته الوفاة أُغمي عليه، فقال أصحابه وتلاميذه: نريد أن نُذكِّر الإمام بلا إله إلا الله، واستحيوا أن يقولوا: قل: لا إله إلا الله؛ لأنه عالم وفقيه، فقالوا: نتذاكر سندها فإذا ذكرنا السند فسيذكر هو لا إله إلا الله، فأتوا يتذاكرون السند فنسوه، قالوا: فاستفاق من إغمائه وكان مغمىً عليه، وقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان، عن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} ثم مات، وهذا من التثبيت الذي يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنه: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27].

وقد سمع عليه الصلاة والسلام -فيما يروى عنه- أعرابياً خرج من بيته في ظلام الليل يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: {نجوت من النار ورب الكعبة} وسوف نذكر الفهم الخاطئ الذي يفهمه بعض الناس، وهو أن يقول: لا إله إلا الله ثم يرتكب المنهيات ويترك الواجبات، فإن هذا فيه تفصيل.

أحاديث في فضل لا إله إلا الله

أولاً: اعلم أن القرآن والسنة والرسل -عليهم الصلاة والسلام- إنما جاءوا من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ بل الأرض ما دمرت إلا بسب الكفر بلا إله إلا الله؛ بل إن الجنة والنار ما أقيم سوقهما إلا من أجل لا إله إلا الله، فهي أعظم كلمة أتى بها عليه الصلاة والسلام، وهي كلمة التوحيد، وليس في الدنيا كلمة أعظم منها، نسأل الله أن يتوفانا عليها.

حديث عبد الله بن عمرو في فضل لا إله إلا الله

جاء عند الحاكم وغيره، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال موسى عليه السلام -وكان موسى يكلم الله كفاحاً بلا ترجمان-: يا رب! أسألك كلمةً أدعوك بها وأناجيك، قال الله عز وجل: يا موسى! قل: لا إله إلا الله، قال موسى عليه السلام: يا رب! كل عبادك يقولون: لا إله إلا الله -يريد كلمة جديدة لم يسمع الناس بمثلها- قال: يا موسى! لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين في كفة، ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله!!}.

الله أكبر كل هم ينجلي>>>>>عن قلب كل مكبر ومهلل

وقد قدم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أرواحهم من أجل لا إله إلا الله، وقطعت رءوسهم من أجل أن ترتفع لا إله إلا الله، ومزقت لحومهم من أجل بقاء لا إله إلا الله، وهي الكلمة التي من أتى بها يوم القيامة فقد سعد سعادةً لا يشقى بعدها أبداً، ومن أعرض عنها وكفر شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً.

قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35] وأنزل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على رسولنا عليه الصلاة والسلام، كلمة التوحيد وقرنها بالاستغفار من الذنب، فقال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قرن سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بين التوحيد والتنـزيه عن الأنداد والأضداد، وبين الاستغفار من الذنوب، فقال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19].

وقرن سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بين ذلك في قصة ذي النون بن متى في قوله: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] فانظر كيف اعترف بالوحدانية، ثم اعترف بالذنب، فإنه لما أصبح في ظلمات ثلاث، انقطع حبله عن الأولاد، وعن الزوجة، وعن الأحباب، وعن الأقارب، وما بقى إلا حبل الله، وهذه الكلمة التي تستخدم في وقت الأزمات؛ قالها صلى الله عليه وسلم وهو يعتدى عليه، ويقول: لا تحزن إن الله معنا ويقول: { يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما} وقالها فرعون في غبة البحر، فلم تنفعه، يقول: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] فلم تنفعه: َ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88].

وورد عن نوح -عليه السلام- أنه جمع أولاده عند الوفاة، وقد عاش ألف سنة إلا خمسين عاماً في صبر وجاهد من أجل لا إله إلا الله، وما أسلم معه إلا رهط قليل، قيل: اثنان، وقيل: ثلاثة، وفي هذا درس للدعاة وطلبة العلم والعلماء ألا يستعجلوا الثمار، وأن يعلموا أن أجرهم عند الله عز وجل؛ سواءً استجاب لهم الناس أم لم يستجيبوا لهم، وسواءً تاب الناس على أيديهم أو لم يتوبوا، المهم أن تُبلِّغ وتدعو وتسمع الناس لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلما حضرته الوفاة قال: يا أبنائي! قولوا: لا إله إلا الله، فإن لا إله إلا الله لو كانت في حلقة من حلقات الحديد لقصمتها لا إله إلا الله، والمعنى: أن لا إله إلا الله تنقذ صاحبها إذا أتى بها صادقاً مخلصاً.

أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

جاء عند البخاري من حديث أبي هريرة قال: {قلت: من أسعد الناس بحسن شفاعتك يوم القيامة يا رسول الله} ومعني الحديث: يقول: يا رسول الله! من هو السعيد بحسن شفاعتكم؟

وجاء أيضاً في حديثٍ حسن أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي} والظاهر أن الله عز وجل -كما نطق بذلك القرآن- يغفر لهم باجتنابهم الكبائر، ففي سورة النساء قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31] وقد جعل شيخ الإسلام المكفرات للكبائر عشر مكفرات وقد ترد إلى سبع:

منها: المصائب التي يبتلي الله بها العبد.

ومنها: الحسنات الماحية.

ومنها: ما يصيب المؤمن عند سكرات الموت.

ومنها: ما يبتلى به المؤمن في القبر من سؤال منكر ونكير، وهي الفتنة الفتانة.

ومنها: شفاعة سيد الخلق -عليه الصلاة والسلام-.

ومنها: دعاء المؤمنين له.

ومنها: رحمة أرحم الراحمين.

يقول ابن تيمية بعد أن ذكر هذه العشر المكفرات: "ولا يفوت عن هذه العشر المكفرات إلا شارد عن الله عز وجل كما يشرد البعير عن أهله"، والذي لا يريد أن يتوب، ولا يريد أن يُكفر عن سيئاته، لا يمكن أن يحصل له شيء.

قال: {من أسعد الناس بحسن شفاعتك يوم القيامة يا رسول الله؟ قال: لقد ظننت ألا يسألني أحد قبلك يا أبا هريرة -لما رأيت من حرصك على الحديث- أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه}.

كيف يكون مخلصاً من قلبه؟

قالوا: من عمل بمقتضى لا إله إلا الله، هذا هو المخلص من قلبه، ولذا فإننا نجد بعض الناس يقول: لا إله إلا الله، لكن عمله في واد ولا إله إلا الله في وادٍ آخر.

فضل قول لا إله إلا الله في اليوم مائة مرة

ومن فضائل لا إله إلا الله ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قال: لا إله إلا الله وحدة لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يومه مائة مرة، كتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له عدل عشر رقاب، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحد بمثل عمله إلا رجل عمل مثل عمله أو زاد عليه} وهذه هي من فضائل لا إله إلا الله.

ولذا فإني أوصيك ونفسي أن تكررها كثيراً، وأن تبعد بها الهموم، وتزيل بها الغموم، وتذهب بها الأحزان، وأن ترددها صباح مساء، فإنها -بإذن الله عز وجل- شافية للأمراض التي يعيشها الناس ويشكون منها وخاصة الشباب لما انحرفوا عن المساجد، والقرآن، واستبدلوا المجلة الخليعة، وعاشروا جلساء السوء، فابتلوا بالهموم والغموم؛ لأن الله أخذ على نفسه أنه من يعرض عن القرآن، والسنة فلا يسعد أبداً، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126] وقال سبحانه: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].

العرب قبل لا إله إلا الله

كانت العرب قبل لا إله إلا الله أضعف وأذل وأبعد أمة عن الله؛ أمة تسفك الدم، وتزني، وتخون، وتعبد الصنم، وتسلب وتنهب، فأراد الله عز وجل أن يرفع قدرها، فأنزل لها (لا إله إلا الله).

إن البرية يوم مبعث أحمد>>>>>نظر الإله لها فبدل حالها

بل كرم الإنسان حين اختار من>>>>>خير البرية نجمها وهلالها

لبس المرقع وهو قائد أمةٍ>>>>>جبت الكنوز فكسرت أغلالها

فالأمة قبل لا إله إلا الله لا تساوي شيئاً، وسمعت بعض الناس يكتبون في بعض الصحف، وهؤلاء يعبدون القومية من دون الله، ويسمونها وحدة العرب، واشتراكية العرب، وحدة صدام حسين، واشتراكية صدام حسين، وقومية صدام حسين:

وحدويون والبلاد شظايا>>>>>كل جزء من لحمها أشلاء

ماركسيون والجماهير جوعى>>>>>فلماذا لا يشبع الفقراء؟

ناصريون والهزائم تترى>>>>>فلماذا لا ترفع البيضاء؟

لماذا لا ترفع (لا إله إلا الله) إذا كانوا ناصريين؟ لكن هؤلاء لما تولى الناس أتوا يكتبون اليوم عن وحدة ودم ولغة العرب.

الإسلام سبب الرفعة

من هم العرب بغير لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ ماذا يساوي العرب بغير الإسلام؟ لا يساوون شيئاً.

فالعرب بغير لا إله إلا الله استذلتهم إسرائيل ذلة ما سمع التاريخ بمثلها، وعاشوا وأنوفهم في التراب، وأصبحت عجوز تسمى جولدا مائير تهجيهم وتحتقرهم لأنهم فقدوا لا إله إلا الله.

إذاً العروبة بدون لا إله إلا الله محمد رسول الله عروبة خاطئة لا تساوي شيئاً، فأريد أن أقول للذين قد يغترون بهذه الكتابات، وأنا سمعت حتى من بعض الملتزمين يقولون: تاريخ العرب، وأمة العرب.

يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ [الأنعام:89] إذا ترك العرب لا إله إلا الله محمد رسول الله، أعطاها الله الأكراد، وإذا تركها الأكراد أعطاها الأتراك، وإذا تركها الأتراك أعطاها الهنود، وإذا تركها الهنود أعطاها الأفغان، هذا هو التاريخ.

من الذي فتح بيت المقدس؟ من الذي أخذه من الصليبية؟

إنه صلاح الدين.

أهو عربي؟

لا. بل هو كردي من الأكراد، لكن يعرف لا إله إلا الله محمد رسول الله، يعرف الصلوات الخمس جماعة، ويخاف الله.

صلاح الدين ونور الدين -رضي الله عنهما- ورحم الله تلك العظام.

محمد الفاتح تركي، وإقبال هندي، وبلال حبشي، وسلمان فارسي، وصهيب رومي، قال تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63] أقول: نبهوا المسلمين ألا يغتروا بهذه الصيحات، كـ(وحدة العرب، وعلاقة العرب، وإخاء العرب) ما العرب إلا أمة من الأمم، إذا تركت لا إله إلا الله محمد رسول الله لا تساوي شيئاً؛ بل نحن العرب إذا وازنا أمورنا بمستوى الحضارة والفن ليس لنا قبل الإسلام شيء، فيلس عندنا حضارة ولا فن ولا معارك، وإذا نظرنا في الأمم الأخرى نجد عند اليابانيين فنون، وعند الصينيين فنون، وعند الإنجليز فنون، إلا العرب، فنوننا وحضارتنا لا إله إلا الله، وثقافتنا لا إله إلا الله.

تاريخنا من رسول الله مبدؤه>>>>>وما عاداه فلا ذكر ولا شان

فهذا هو واقع الأمة.

محاربة كفار مكة لدعوة الإسلام

{أتى صلى الله عليه وسلم ووقف على الصفا، فجمع الناس فاجتمعوا جميعاً عند الكعبة، فقالوا: لماذا جمعتنا؟ قال: أرأيتم لو أني أخبرتكم أن خيلاً بهذا الوادي تصبحكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً -يقولون: أنت الأمين الصادق- قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا}

قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ [الجمعة:2] هذا الأمي يعلمهم لا إله إلا الله، قال أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا -من أجل هذا الكلام؟- فأنزل الله تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1].

وفي السيرة أن أبا جهل جمع رؤساء قريش، وذهبوا إلى أبي طالب -عم الرسول عليه الصلاة والسلام- فقالوا: يا أبا طالب، قال: نعم، قالوا: إن ابن عمك هذا سب آلهتنا -يقصدون الأصنام لعنهم الله- وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفرقان:5] سب آلهتنا وسفه أحلامنا، وشتم أجدادنا، فماذا يريد ابن عمك هذا؟ ماذا يريد ابن أخيك؟ إن كان يريد ملكاً ملكناه، وإن كان يريد زوجة زوجناه أجمل فتاة، وإن كان مطبوباً -أي: مسحوراً- عالجناه، فقال أبو طالب : أعرض عليه الأمر، والحديث في سنده نظر لكنه من حديث السير، فعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه}.

الشمس والبدر في كفيك لو نزلت >>>>>ما أطفأت فيك ضوء النور والنار

أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة>>>>>يذوب في ساحها مليون جبار

ورجع عليه الصلاة والسلام يقول: أريد كلمة، قال قائل: أهبك عشر كلمات، ما دام أن كلمة واحدة تصلح ما بيننا وبينك قال: (قل لا إله إلا الله محمد رسول الله) قال: أما هذه فلا، أعوذ بالله إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35] وقال تعالى: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5].

العربي هذا الذي يفتخرون به، كان يجمع التمر ويعبده، فإذا جاع أكله، وقد روي أن أعرابياً ذهب بلبن يريد أن يضعه بنصب من الحجارة يعبده فلما ذهب باللبن أتى وإذا الثعلب قد بال على هذا الصخر فقال:

أرب تبول الثعلبان برأسه>>>>>لقد خاب من تبول عليه الثعالب

يقول أهذا إله يدفع، وينفع ويضر؟ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ [الأعراف:194] وذكر الله سبحانه وتعالى: أنها ليس لها أسماع، ولا أبصار، ولا تعي، ولا تضر، ويقول سبحانه وتعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3]، وذكر نفسه فقال: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:26-27].

وعربي آخر أتى يعبد صنماً اسمه سعد فأتى بأبله حول سعد، يريد أن يصلي لسعد، فلما اقترب خافت الإبل من الصخرة ففرت، قال:

أتينا إلى سعد ليجمع شملنا>>>>>ففرقنا سعد فما نحن من سعد

يقول: أتينا ليجمع علينا الإبل والرحمة، فشردت علينا الإبل منه، أنا لا أريد هذا الإله، عقول ضحكت بها الجاهلية والخرافة.

الإسلام دين الفطرة

يقول صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود لـحصين بن عبيد الخزاعي: {كم تعبد يا حصين؟ -كم عندك من آلهة؟ لأن العربي أحياناً كان عنده خمسة أو ستة أو سبعة من الآلهة؛ إله في الخرج -في خرج الحمار- وإله في السفر، وإله عند مرعى الغنم، وإله عند مربط الثور، وإله عند النوم- قال: كم تعبد؟ قال: سبعة، قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: من لرغبك ولرهبك؟ -يقول: من الذي إذا اشتدت عليك الضوائق، وضاقت عليك الحيل، وانقطعت عنه الحبال، من الذي إذا دهتك الكوارث؟- قال: الذي في السماء} وقد ذكر الله ذلك فقال: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:67].

هل سمعت أن أحداً في لجة البحر يدعو رئيساً أو عالماً أو أميراً؟ لا. لا يدعو إلا الله، يقول: يالله، وقد فعل ذلك فرعون وكان ينكر التوحيد في الظاهر، يقول ابن تيمية: "ينكر الصانع في الظاهر" يقول فرعون: [ أنا الإله ] ويُقال له: قل: (لا إله إلا الله) فيقول: لا. مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] اسمع الدجال الخبيث، مجرم إلى هذه الدرجة، قالوا: كيف تكون إلهاً؟ قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] فوافقه قومه: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ [الزخرف:54] لكن يقول له موسى : قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [الإسراء:102].

يقول: والله -يا مجرم- إنك تعلم في قرارة نفسك أنك ما خلقت السماوات والأرض، ولا خلقت الليل والنهار، ولا شافيت ولا عافيت، ولكنك تكبرت، فلما أتت المحاقة، وساعة الصفر، قال -وهو في آخر نفس-: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90] هل ينفع هذا؟ مثل إيمان بعض الناس -نسأل الله أن يصلح ظاهرهم وباطنهم- يبقى أحدهم في المعاصي، فإذا أصيب بحادث سيارة ثم أصبح في المستشفى، قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90].

فعلى الإنسان يستخدم قوته وشبابه في طاعة الله قبل أن تذهب منه، أما أن يأتي وهو مريض في حالة سيئة؛ فيقول: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90].

فهذا هو واقع العرب قبل لا إله إلا الله، وهو واقع سيء، لا يُرضي، فلما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بلا إله إلا الله محمد رسول الله، خرج لنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس؛ تلك الأمة التي أخرجتها لا إله إلا الله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].

معنى لا إله إلا الله في حياة المسلم

معنى لا إله إلا الله في حياة المسلم أنه لا معبود ولا مقصود ولا مرهوب ولا مرغوب بحق إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فوجب على المسلم أن يصرف عبادته إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأن يتوجه إليه، وأن يدعوه رغبة ورهبة، وألا يخاف إلا منه، ولا ينذر ولا يذبح إلا له، ولا يتقرب إلى غيره سُبحَانَهُ وَتَعَالى بما يخدش لا إله إلا الله محمد رسول الله.

فمعناها: أن الحياة تصرفها لا إله إلا الله، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163] فهذه معنى الحياة.

وبعض الناس يتصور أن معنى الحياة في المسجد، لكنه يرفض أن يدخل لا إله إلا الله في الأدب، فتجد الأديب وهو يكتب في الصحيفة ينسى لا إله إلا الله؛ يكتب أي كلام، حتى يقول بعضهم: لماذا تدخلون الدين حتى في الفن؟! وما هي علاقة الفن بلا إله إلا الله؟! وما هي علاقة الدين بالغناء؟

سبحان الله!

ما هي حياة المسلم؟ من الذي يسأل عما اقترفته الجوارح -السمع والبصر- إلا الله عز وجل، هل لك حياة غير حياة لا إله إلا الله، في المسجد عبد، وفي خارج المسجد مجرم ومعرض عن الله، وهذا هو الفهم الخاطئ، وهذا هو فصل الدين عن الحياة وجعله طقوساً تعبدية فقط، وهذه قاصمة الظهر.

فمعنى لا إله إلا الله في حياة المسلم.. أن يكون معتقده، وأخلاقه، وعبادته وسلوكه، واتجاهاته وآماله كلها لوجه الله عز وجل، وقد ورد عند الدارقطني وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) قال النووي: حديث حسن رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.

فإذا كان الهوى تبع للرسول عليه الصلاة والسلام لا يأمر بشيء إلا وافقته، ولا ينهى عن شيء إلا تركته، فقد آمنت بلا إله إلا الله محمد رسول الله.

نواقض لا إله إلا الله محمد رسول الله

لا إله إلا الله محمد رسول الله لها نواقض منها:

أولاً ترك الفرائض

من نواقض لا إله إلا الله: ترك فريضة من فرائض الدين التي قام عليها الدليل، وقام عليها الوجوب من الشارع الحكيم، فإن بعض الناس يظن أنه إذا قال: لا إله إلا الله كفته ثم يترك الصلاة، ويقول: لا إله إلا الله ويجحد الزكاة، ويقول: لا إله إلا الله، ويجحد وجوب الصيام، فبعض الناس يؤمنون إيمان المرجئة الذين يقولون: من قال: لا إله إلا الله كفتك، ويستدلون على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: {من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة} نقول: أنت لو كنت مخلصاً لفعلت الطاعات واجتنبت المحرمات.

ثانياً الاستهزاء بالدين

الاستهزاء بشيء مما أتى به رسول الهدى عليه الصلاة والسلام من نواقض لا إله إلا الله قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66].

فإن كثيراً من الناس يكفر ببعض الكلمات أو بكلمةٍ واحدة، يستهزئ بالدين، أو بالقرآن، أو بالرسول عليه الصلاة والسلام، أو بأهل العلم فيكفر، وسبب نزول الآية السابقة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم -كما ذكر ذلك ابن جرير وغيره- كان في غزوة تبوك فأتى المنافقون وجلسوا في طرف المخيم وأخذوا يتحدثون، فيقول أحدهم لغيره وهم يتضاحكون: ما رأينا كقرائنا هؤلاء أرغب بطوناً وأكذب ألسنة، وأجبن عند اللقاء -والمعنى: أن أصحاب رسول الله من العلماء ما رأينا أكثر أكلاً ولا أكثر جبناً وفراراً من المعركة منهم- فأخبر الله رسوله بهذه المقالة الشنيعة وأتى جبريل فأخبره، فقام المنافقون وأخذوا بزمام ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقالوا: يا رسول الله! أعفوا عنا، إنما كنا نخوض ونلعب ونمزح؛ وكنا نقطع الليل؛ وكنا نتحدث، فأنزل الله فيهم وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].

فحذار -أيها الإخوة- من الاستهزاء بالدين، وكثير من الناس في مزحه يجرح (لا إله إلا الله) ويجرح دينه، وربما يكفر.

وقد رأينا وسمعنا عن بعض الناس أنه يستهزأ ببعض الآيات من القرآن -والعياذ بالله-.

وسمعت عن مجرم من المجرمين، بلغ من عتوه أنه ترك الصلاة، وكان يخرج للفسح ويدرّس في مستوى جامعي فيجلس مع طلابه - مثل ما جمع المنافقون فريقهم في تبوك - يجمعهم ويمزح معهم استهزاءً بالدين، واستهزاءً بالصالحين، واستهزاءً بالأحاديث.

يقول ذات مرة وقد جمع زملاءه عن أبي هريرة قال: جمع رسول الله أصحابه يوماً، فقال: أتدرون ما الببسي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أتدرون ما السيكل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قوموا عني لا تعرفون لا الببسي ولا السيكل.

قال بعض أهل العلم لما بلغتهم مقالته: كفر بها، وخرج من الملة وأصبح دمه حلالاً وهذا هو الصحيح.

بل مر في التاريخ أن بعض الخلفاء قتل كثيراً من الزنادقة لكلمات أقل من هذه، وقد قرأت عن القاسم بن عبيد الله -الله يتولاه بما هو به أعلم إن لم يكن تاب- وقد ترجم له الذهبي وقال: "إنه كان يستهزئ بالقرآن الكريم"، دخل عليه أحد العلماء، فقال: ماذا قال الله في بقرتكم؟ -أي: في سورة البقرة- وهذا كفر.

وحذار.. حذار أن يتعرض الإنسان لشيء من الإسلام، أو يستهزئ بشيء من الملة أو الدين؛ كاللحى، وتقصير الثياب، ومشية الرسول صلى الله عليه وسلم، ومشية الصالحين الذين يتبعونه لأجل أنهم يتبعونه، أو شيء مما أتى به صلى الله عليه وسلم.

الحذر الحذر، فإنه قد يترك ويفارق الإنسان الإسلام وهو لا يشعر، وهذه هي الكلمة التي تكب صاحبها على وجهه في النار، ولها أمثلة كثيرة.

اعتقاد أن شريعة غير الله أفضل

ومن نواقض لا إله إلا الله أن يعتقد الشخص أن شريعة غير الله أحسن من شريعة الله عز وجل، وأن شريعة الله لا تليق بالزمن ولا تناسبه ولا تواكب الدهر، ولا تستطيع أن تكفل حاجة الإنسان، وهؤلاء في قلوبهم مرض، مثل ما يقول بعض الناس -الآن- ولو سألته: هل تصلى في المسجد الصلوات الخمس الآن؟ يقول: لا. بمعنى: أن الشريعة كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن تطورت الأزمنة الآن، وتطورت المنتجات والتكنولوجيا والصناعات؛ إذا اعتقد هذا الكلام الذي قاله فقد كفر، قال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45] فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47].

المساواة بين شريعة الله وغيرها

من نواقض لا إله إلا الله أن يرى أن غير شريعة الله مثل شريعة الله عز وجل، كأن: يساوى بين القرآن وبين قانون نابليون الفرنسي أو قواعده وشريعته التي تُحكم بلاد المسلمين الآن، ويا للأسف! ويا للخيبة! ويا للضياع! أن يأخذوا قوانين نابليون، ويتركون قوانين: إياك نعبد وإياك نستعين.

فهذه بعض النواقض وتركت بعضها لمتابعة العناصر؛ لكي يكون الموضوع في قضية ومسار واحد.

الفهم الخاطئ لكلمة لا إله إلا الله

العنصر السادس: مسألة الفهم الخاطئ الذي يفهمه بعض الناس عن لا إله إلا الله، بمعنى أنهم يفهمون أن هذه الكلمات تنجيهم من النار، ولو تركت الأعمال أو ناقضتها، ولو كان كما قالوا لكان الكافر الذي يقول: لا إله إلا الله داخل في الإسلام، والوثنيون يقولون: لا إله إلا الله ولكن لا يعتقدونها، فلا بد -أولاً- من اعتقادها، ولا بد -أيضاً- من النطق بها للمستطيع، ولا بد من العمل بمقتضاها.

مقتضى لا إله إلا الله

يعرف أهل السنة الإيمان: بأنه اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان.

والاعتقاد بالجنان -بالقلب-: أن تعتقد أن لا إله إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ولا رسول إلا رسوله صلى الله عليه وسلم.

والنطق باللسان: أن تشهد بلسانك أن لا إله إلا الله، وتشهد برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وتعمل بالأركان؛ أي: تزاول بجوارحك الأعمال التي تقتضيها لا إله إلا الله محمد رسول الله.

لا إله إلا الله والمرجئة

بطلان شبهة المرجئة في الإيمان

المرجئة قوم يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، ويقولون: إن إيمان الفاجر مثل إيمان أبي بكر الصديق!! والسبب في ذلك: لأن أبا بكر يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، والفاجر الذي يشرب الخمر ويسرق يقول: لا إله إلا الله -إذاً- فحصل الإيمان عند الجميع.

وقالوا: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وكذبوا وعارضوا الكتاب والسنة؛ بل الإيمان يزيد وينقص، قال سبحانه: لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً [الفتح:4] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17] وروي عن الإمام مالك في روايةٍ أنه قال: "الإيمان يزيد، أما النقص فما أدري"، والسبب أن الإمام مالك لم يجد نصاً فيه نقصان الإيمان، لا في الكتاب ولا في السنة، والصحيح أن الإيمان يزيد وينقص، وقال البخاري وغيره: "إن يقبل الزيادة يقبل النقصان بمفهوم المخالفة، وهذا أمر معلوم، أن كل شيء يزيد فهو يقبل النقصان.

ونعلم ونشهد بالله العظيم أن إيمان أبي بكر أعظم من إيماننا، وجهاده أعظم من جهادنا، وإخلاصه أعظم من إخلاصنا، وأن إيمان عمر أعظم من إيماننا.

سبحان الله! نحن الذين نترك صلاة الفجر في الجماعة، نحن الذين أكلنا نعم الله وما شكرناه، نحن الذين نرى المنكر وما غيرناه، وأبو بكر قد دفع دمه ووقته ودموعه وكل ما يملك من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم نتساوى مع إيمان أبي بكر، فكيف بالفجرة والفساق؟!

فهذا مذهب خطير وقد ألفت فيه رسائل.

خطر الإرجاء على الأمة الإسلامية

والمرجئة فرقة خطيرة وهم موجودون في هذا العصر، ولو لم يتسموا بـالمرجئة، بل بعض الناس يقول: لا تحكموا على الناس بالمعاصي، فما دام أني أحب الله عز وجل، وشهدت أن لا إله إلا الله، ولو صليت في بيتي، فما الداعي أن أصلي في المسجد، ويقول: أيجب أن أصلي في المسجد؟ وهو يرتكب المعاصي، ويقول: والله أني أحب الله ورسوله، محبة ماذا؟!

يقول ابن المبارك:

تعصي الإله وأنت تزعم حبه>>>>>هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته>>>>>إن المحب لمن يحب مطيع

وهذا هو الصحيح؛ فإن من علامات المحبة موافقة المحبوب، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على لسان اليهود: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ]المائدة:18] أي: لو كنتم صادقين فلم يعذبكم وأنتم مذنبون.

{ أتى اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد! أما الله فنشهد أنه موجود وأما أنت فلا نتبعك، فأنزل الله عز وجل قوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]} فليعُلم أن إيمان المرجئة خطير، وهو الذي جعل كثيراً من الناس لا يصلون في المسجد، فتجد بعض الناس -الآن- ربما تمر به أشهر لا يعرف صلاة الفجر في المسجد؛ بينما لو كان دوامه في العمل قبل صلاة الفجر لحضر إلى دوامه، ولو دعاه مسئول قبل صلاة الفجر لحضر، وهذا مشاهد ومعروف، ففي بعض المناسبات بعض الناس طُلب منهم الحضور في بعض الأمور عند صلاة الفجر فقام الذين لم يكونوا يصلون إلا متأخرين وحضروا.

فهذا إيمان المرجئة -والعياذ بالله- ولو كان هناك إيمان والله لما قر للإنسان قرار حتى يقوم ليصلى صلاة الفجر في المسجد.

ومنها: أنك تجد كثيراً من الناس يمر به كتاب الله ولا يقرؤه ولا يتدبره؛ بل يهجره، بينما يقرأ من الصحف والمجلات في الأسبوع ويتدبرها ويبحث عنها أكثر بكثير من قراءته للقرآن، وهذه المجلات والصحف هي كلام فارغ وأكثره زبد: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17].

قوة دين الإسلام ومتانته

أسلم أحد الغربيين، فقالوا له: ما سبب إسلامك؟ قال: أنظر إلى كل كتابٍ يؤلفه البشر، فأجد المؤلف في أول صفحة يقول: سامحوني على التقصير إن أتى خلل في مؤلفي، ومعذرة إذا أخطأت، والقرآن أتى مخالفاً لذلك، بل تحدَّى الله في أول كتابه فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2].

انظر إلى كتب السنة، وكتب الفقه، والتفسير، والتاريخ، وافتح كلام المؤلف، تجده يقول: فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله منه ورسوله، ومعذرةً إن حصل من هذا بيان أو تلعثم لفظ، ومن وجد خطأً فلينبهنا مشكوراً مأجوراً، إلا الله فقال سبحانه: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2] وقال سبحانه: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] أي: أن كتبكم هذه التي بين أيديكم فيها اختلاف، فسبحان الذي تفرد بالكمال، وتفرد رسوله صلى الله عليه وسلم بالعصمة، والآن ما هو أصح كتاب بعد كتاب الله هو كتاب البخاري؟ وقد وجد فيه خطأ ليبقى الكمال لكتاب الله، ففيه بعض الأوهام وقد نبه عليها كثير من الحفاظ، وهي مجموعة في بعض المجاميع؛ ليبقى الكمال لله عز وجل: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].

قالوا: فأسلم هذا الرجل الغربي، ودخل في دين الله عز وجل؛ لأنه بهذه القوة والمتانة أن يتحدى الله الناس أن يخرجوا خطأً من كتابه، وتحداهم أن يأتوا بسورة، بل بعشر السورة، بل بالقرآن، قال تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ [البقرة:23] وقال سبحانه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88].

وأُحذِّر -إخواني- من أن يغتروا بأعمالهم، إذا سمعوا مثل حديث معاذ.

ترك معاذ التحديث به حتى حضرته سكرات الموت، فقال: [[خشيت أن أكتم علماً، ثم أخبر به عند موته تأثماً]].

فبعض الناس إذا سمع حديث (لا إله إلا الله وأنها تدخل صاحبها الجنة) ترك الأعمال الصالحة، وارتكب المحرمات، وقال: أدخل بلا إله إلا الله الجنة، ولو صدق لعمل المأمور، واجتنب المحذور، وصدّق الخبر.

لوازم لا إله إلا الله

من لوازم لا إله إلا الله: شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلمة لا إله إلا الله لا تنفع بمفردها إلا أن تقرنها بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بالشهادة له بالرسالة، فمن شهد أنه لا إله إلا الله قادراً قاهراً محيياً مميتاً ولم يشهد بالرسول صلى الله عليه وسلم، دخل النار، ومن شهد بمحمد رسول الله وآمن بها ولكنه كفر بلا إله إلا الله؛ دخل النار.

فهما كلمتان مقترنتان لا بد للأولى من الثانية، ولابد للثانية من الأولى، ولا يسعد العبد إلا بهذه الكلمة، وبالعمل بمقتضاها -لا إله إلا الله محمد رسول الله- ولا تصح لا إله إلا الله وحدها إلا بهذه الكلمة؛ لأن من عارض محمد رسول الله فما آمن بالله وحده، ولا صدَّق بألوهية الله عز وجل؛ لأن معرفة ألوهيته سُبحَانَهُ وَتَعَالى إنما أتت عن طريق الرسول عليه الصلاة والسلام.

أول ما يجب على المكلف

أول واجبات المكلف -أيها الإخوة الكرام-: الشهادة -شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله- فأول ما ينـزل الطفل من بطن أمة ينـزل على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، سبحان الخالق! حتى أبناء الخواجات والوثنيين والشيوعيين والبعثيين والناصريين والقوميين أول ما ينـزل الطفل من بطن أمة ينـزل على التوحيد، قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30].

وقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172].

هذا هو الميثاق، يقول أحد النبلاء:

ولدتك أمك يابن آدم باكياً>>>>>والناس حولك يضحكون سروراً

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا>>>>>في يوم موتك ضاحكاً مسروراً

وصح عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

فتجد أول ما المولود يأتي على لا إله إلا الله إلا الله محمد رسول الله، ثم تبدأ الأم والأب بتعليمه الكفر والانحراف، والزندقة -والعياذ بالله- أو الإسلام والتوحيد والهدى والنور.

أول واجب على المكلف عند أهل الكلام

أول واجب على المكلف هو أن يشهد أن لا إله إلا الله؛ لأن المناطقة وعلماء الكلام قالوا: يجب على العبد قبل أن يقول: لا إله إلا الله أن يفكر وينظر في السماء والأرض وبتأمل، وهذا خطأ، وتجدون تعليقاً في فتح الباري، لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز على كلام الجويني حين ذكره الحافظ ابن حجر يقول: "لا بد من النظر والاستدلال"، فقال الشيخ ابن باز -رحمة الله-: لا. بل أول واجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن: لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله تعالى} فانظر! كيف بين عليه الصلاة والسلام أنه لا بد للمكلف أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

النطق بالشهادتين أول واجب على المكلف

وعند مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان: {أن أسامة بن زيد خرج إلى الحرقات من جهينة تجاه ساحل البحر، فتقاتل هو والصحابة مع المشركين، فأتى مشرك فطارده أسامة، فلما أراد أن يقتله قال المشرك: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فقتله أسامة، فعادوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فدخلوا عليه، فسبق بعض الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: يا رسول الله! إن أسامة قتل رجل يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم وغضب، فأتى أسامة! فقال: السلام عليك يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله! إنما قالها تعوذاً، قال: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله! إنما قالها تعوذاً، قال: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله! إنما قالها تعوذاً، قال: يا أسامة! من لك بلا إله إلا الله إذا أتته يوم القيامة تحاج عنه، قال أسامة: فوالذي نفسي بيده! لقد وددت أني ما أسلمت إلا تلك اللحظة} أي: كأن إسلامه الأول ذهب.

فالمقصود هنا أنه يجب على المكلف أن ينطقها قبل النظر والاستدلال..!!

عوامل الثبات على لا إله إلا الله

عوامل الثبات على لا إله إلا الله محمد رسول الله، كيف نكون صادقين بلا إله إلا الله محمد رسول الله؟ كيف تبقى معنا لا إله إلا الله؟ وكيف نقيم لا إله إلا الله إلا الله بلا ضعف؟! وهناك عدة عوامل للثبات على لا إله إلا الله منها:

أولاً: العبادة

في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: {ما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به} ومما يُقوي لا إله إلا الله في القلب النوافل مع الفرائض والسنن، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، وبر الوالدين، وحسن الخلق، وحسن الجوار فهذه تقوي لا إله إلا الله محمد رسول الله.

انظر كيف فترت لا إله إلا الله محمد رسول الله في قلوب المسلمين؟! فالآن تجد الجيران عندهم من المشاكل إلا ما رحم ربك، ترى الجار مع جاره إلى القاضي والمحكمة في خصومة ما، فأين لا إله إلا الله؟

بعض المسنين بلغ من العمر سبعين سنة وهو يشهد شهادة الزور؛ وقد أخبرنا بعض القضاة أن بعض الناس في السبعين من عمره وهو لا يزال يشهد شهادة الزور ليختم بها حياته، فأين لا إله إلا الله محمد رسول الله؟

وتجد بعض الناس ممن يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ولكنه يعق والديه سنوات مديدة؛ لا يسلم على أبويه، ولا يتلطف معهما، لا يلين ولا يرحم ولا يجيب طلب، ومع ذلك يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فأين مقتضى لا إله إلا الله محمد رسول الله؟

تجد الغش في البيع والشراء، والمخادعة، وأكل الربا، والتهتك في الحدود، وكلها من مخالفة لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ثانياً: التفكر في آيات الله الكونية

كل شيء في الكون يدلك على لا إله إلا الله محمد رسول الله:

وفي كل شيء له آية>>>>>تدل على أنه واحد

فوا عجباً كيف يعصى الإله>>>>>أم كيف يجحده الجاحد

ترى الزهرة، والشجرة، والنهر، والسماء، والأرض، قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191].

ثالثاً: التفكر في آيات الله الشرعية

ومن لوازم ما يقوي لا إله إلا الله التفكر في الآيات الشرعية، قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] وأعظم ما أوصي به نفسي والمؤمنين بالله عز وجل؛ وخاصة المهتدين بهداية الالتزام: أن يكثروا من التأمل في كتاب الله عز وجل، والنظر إليه، وتدبر آياته، ويحرصوا على الخشوع عند تلاوته، ليزدادوا إيماناً، فإن الإيمان الشرعي لا يأتي إلا من السماع الإيماني، والسماع الرحماني، والمحمدي، لا السماع الشيطاني الغنائي، الذي هو من رجس وكلام المغنيين والمغنيات، أعاذنا الله وإياكم منه.

متابعة النبي صلى الله عليه وسلم

متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام من عوامل الثبات على لا إله إلا الله، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

فمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في السنن الظاهرة والباطنة تقوي لا إله إلا الله محمد رسول الله، لأنك تجد بعض الناس يخالف السنة، في لبسه، وجلوسه، وأكله، فتقول له: لماذا؟ قال: يكفي لا إله إلا الله.

وأقول: من لوازم لا إله إلا الله أن تتبع الرسول عليه الصلاة والسلام، ومما يصدِّق هذه الكلمة أن تقتفي أثره صلى الله عليه وسلم، فهذا مما يثبت لا إله إلا الله محمد رسول الله في قلوبنا.

كيفية الثبات على لا إله إلا الله

هناك مسألة: وهي أن بعض الناس يظن أنه قد يُسدد عند الموت من قول: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقولها ويموت، فيسعد ويدخل الجنة، مع العلم أنه ليس كل أحد يستطيع أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله في سكرات الموت، ولو كان يحمل الدكتوراه في العلم، ولو كان من أعلم أهل الدنيا وهو منحرف فلا يكفي، بل لا بد من دافع ومن قول: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) في سكرات الموت؛ لأن الله يقول: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27] وقد ذكر ابن القيم -رحمة الله- في الجواب الكافي: أن رجلاً حضرته سكرات الموت، وكان عاشقاً مغنياً شارداً عن الله عز وجل منحرفاً، فقالوا له: قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ قالوا: قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال: أين الطريق إلى حمام منجاب، فمات عليها.

والله يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

وذكر ابن أبي الدنيا: أن رجلاً حضرته الوفاة، فقالوا: قل: لا إله إلا الله كان تاجراً منحرفاً عن أمر الله فقال: خمسة في ستة كم تصير؟ قالوا: قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ قال: خمسة في ستة كم تصير؟ لا يثبت بها إلا من اعتقدها وعمل بمقتضاها، أما المخادعة فالله يقول: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142] فنعوذ بالله من المخادعة، ونعوذ بالله من خاتمة سيئة تختم للعبد على غير لا إله إلا الله محمد رسول الله.

وأسأل الله أن يحيينا وإياكم على لا إله إلا الله، وأن يتوفانا وإياكم على لا إله إلا الله، وأن يدخلنا وإياكم الجنة بلا إله إلا الله، وأن يجعلنا من أنصار لا إله إلا الله، وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويوم يقوم الأشهاد، وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، وأن يتولانا وإياكم، وصلى الله على محمد وعلى آل محمد وسلم تسليماً كثيراً..

الأسئلة

الدين الإسلامي دين الثبات والمرونة

السؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن قال: إن الدين الإسلامي يتصف بالثبات والمرونة، فالثبات في الأصول والمرونة في الفروع، والقياس على ما يستجد؟ ثم أرجو من فضيلتكم أن تبين كيف يكون الدين الإسلامي مواكباً للحضارة ومستجدات الحياة؟

الجواب: هذا السؤال يحتاج إلى محاضرة، وإلى كلام طويل، وتفريعات، ولكن أذكر بعض الأمور:

أما قضية الثبات والمرونة، فكلمة لا غبار عليها، فالإسلام ثابت في أصوله، مرن في مسألة مستجدات العصر، أما الصور التي وقعت وفقه النوازل التي نزلت على المسلمين، فإن الإسلام أوجد لها حلاً بالقياس، وغيره من صور التشريع، وعلى كل حال كلامك وارد أيضاً، وأما مواكبة الإسلام للزمن فهذا وارد، والشاهد أننا نعيش -الآن- في القرن الثامن عشر والحمد لله، فإن أحسن الناس اجتماعاً وأمناً من حكم شريعة الله عز وجل، وما وجدنا مسألة وجدت إلا وفي الإسلام جواباً لها مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38] لكن من يأتي بهذا الجواب: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] فما وجدت مسألة إلا واجتمع العلماء وقالوا: قولهم في المسألة وأفتوا بذلك؛ إلا أن الأصول ثابتة، والشريعة ثرية، والكتاب والسنة موجودان، يقول شوقي:

شعوبك في شرق البلاد وغربها>>>>>كأصحاب كهف في عميق سبات

بأيمانهم نوران ذكر وسنة>>>>>فما بالهم في حالك الظلمات

فعندنا القرآن والسنة، ولكن كثيراً من الناس في حالك الظلمات؛ لأنه ما عرف كيف يهتدي إلى الكتاب والسنة، ومن قال: إن الكتاب والسنة والإسلام لا يواكب الزمن، فقد افترى على الله عز وجل؛ بل -والله- إن من أسعد الأمم الآن هي الأمم الإسلامية.

كم عمر الشيوعية؟

اثنتان وسبعون سنة، ولكنها انهارت ولعنت وتمزقت، والبعث كُسر ظهره الآن، واحترقت أوراق الشرائع الدنيوية الأرضية، وما بقى إلا الإسلام والمستقبل له، وسوف يطوق الدنيا بإذن الله، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] فعلى كل حال هذا يحتاج إلى محاضرة حتى نبين هذه المسألة، وهي: مواكبة الشريعة للزمن، ومرونة وثبات وشمول الشريعة.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبة وسلم تسليماً كثيراً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , آفاق لا إله إلا الله للشيخ : عائض القرني

https://audio.islamweb.net