إسلام ويب

لكل حكم شرعي سبب لا بد من وجوده ليوجد الحكم، وشرط بعدمه يعدم الحكم، وإذا وجد مانع للحكم امتنع، وكل هذا يسمى صحة إن سلم من المعارض ووافق الشرع، ويبطل إن وجد المعارض، سواء كان ذلك في العبادات أو المعاملات.

تعريف السبب

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

الوضع هو: أن تجعل شيئاً علامة وأمارة لشيء.

السبب من الأحكام الوضعية.

السبب لغة هو: ما يتوصل به المرء إلى مقصود ما, قال الله جل وعلا: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ [الحج:15].

وفي الاصطلاح: ما يجعله الشارع علامة لحكم شرعي وجوداً وعدماً.

فيوجد الحكم الشرعي بوجود هذه الأمارة، وينتفي الحكم الشرعي بانتقاء هذه الأمارة, فمثلاً : الحكم الشرعي لمن زنا بعدما أحصن أنه يرجم، فجعل الشارع الزنا مع الإحصان علامة على حكم شرعي، وهو: الرجم حتى الموت؛ فمن زنا بعد أن أحصن فقد أتى بسبب حكم شرعي، وهو: أن يرجم حتى الموت.

(وجوداً): أي: إذا وجد الزنا وجد الحكم، وهو: الرجم حتى الموت.

(وعدماً): أي: إذا لم يزن المحصن لم يرجم حتى الموت.

مثال ذلك أيضاً: زوال الشمس عن كبد السماء علامة على صلاة الظهر, ووجود مثلي الظل علامة على صلاة العصر, وهكذا.

أيضاً: حلول شهر رمضان علامة على حكم شرعي، وهو: صيام هذا الشهر.

علاقة السبب بالعلة

من المباحث التي تتعلق بالسبب: العلة, فدائماً يقولون هذا الحكم علته كذا.

والسبب والعلة بينهما عموم وخصوص, فالسبب أعم من العلة, وهما يتفقان عند معرفة المناسبة للحكم الشرعي، فيطلق على السبب العلة, كرجل شرب الخمر، يقام عليه الحد أربعون جلدة, وهناك مناسبة للحكم وهي: زوال العقل، فالإسكار سبب لتحريم الخمر, أو أن الإسكار علة لتحريم الخمر؛ لأن الشرع جاء بحفظ العقل الذي يحفظ المال والعرض، فإذا وجد ما يفسد ما جاء الشرع بحفظه فهو محرم.

إذاً: الحكمة من تحريم الخمر هي حفظ العقل, والمناسبة في تحريم الخمر: أنه يذهب العقل، والحكمة من التحريم يسمى: علة أو سبباً.

إذاً: هما يتفقان في معرفة المناسبة للحكم.

مثاله: رجل بكر زنى بامرأة ثيب؛ فالحكم أن الرجل عليه مائة جلدة وتغريب عام, والمرأة ترجم حتى الموت, والحكمة من ذلك: أن الشرع جاء ليحفظ العرض؛ لأن المحصن عندما يرى أن الزاني المحصن يرجم حتى الموت سيرتدع.

وينفرد السبب عندما لا نعلم الحكمة من الحكم الشرعي, مثال ذلك: ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78]، ما الحكمة من أن الظهر يكون في هذا الوقت أو ذاك؟ فهذا يسمى: سبباً.

كذلك القصر في السفر؛ فالسفر سبب ليس له علة, وكذلك أباح الله للمسافر أن يفطر, والعلة قول الله: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].

تعريف الشرط وأمثلته

الشرط في اللغة: العلامة اللازمة, أي: لا تنفك عن الإنسان.

واصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود. والشرط خارج عن الشيء وليس في ماهية الشيء.

مثاله: الوضوء شرط من شروط الصلاة؛ فمن لم يتوضأ فصلاته باطلة, ويقال له: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل, وعدم الوضوء يدل على عدم صحة الصلاة.

أو: رجل توضأ ثم قال: سمعت ربي يقول: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]، فهل أقول له: قم فصل؟ لا؛ لأنه لا يلزم من وجوده الوجود.

أو: الشاهدان شرط لصحة عقد النكاح: رجل أخذ ابنته وذهب يزوجها بلا شاهدان؛ فهنا اختل شرط من الشروط وهو: شاهدا عدل، فيلزم من عدم وجود الشهود عدم صحة العقد.

أيضاً: رجل يبيع الذهب؛ فجاءته امرأة تبيع خاتمها؛ فأخذه منها وأعطاها نصف القيمة. فهنا وجد شرط التقابض واختل شرط التماثل؛ فلما عدم التماثل عدم صحة العقد.

الفرق بين الشرط والركن

الفرق بين الشرط والركن من عدة أمور:

الأول: أن الركن في ماهية الشيء, والشرط خارج الماهية.

الثاني: أن الركن يلزم من وجوده الوجود، والشرط لا يلزم من وجوده الوجود.

مثال ذلك: الرضا في عقد النكاح: فلو أن الأب عقد لبكر عن رضا منها صح العقد, أما الثيب لو عقد لها وليها عن غير رضاً منها فإن العقد مفسوخ؛ فعدم الرضا يلزم منه عدم صحة العقد، ولا يلزم من وجوده وجود العقد، هذا في الثيب, أما في البكر ففي المسألة خلاف فقهي عريض, والجمهور يرون أن للولي أن يجبر موليته على النكاح إذا كانت المصلحة في ذلك, وخالف في ذلك الأحناف.

تعريف المانع وأمثلته

المانع: هو ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم.

مثاله: من كان ذاهباً إلى المسجد فوجد الباب مغلقاً. فهذا مانع من أداء العبادة في المسجد.

أيضاً: القتل والرق والكفر موانع الإرث, وكذلك وجود من هو مقدم في الدرجة على الترتيب المعروف: بنوة ثم أبوة ثم أخوة ثم عمومة؛ فيحجب الأول الثاني ويمنعه من الإرث, ومن قتل أباه يمنع من الإرث, لأنه تعجل الشيء قبل أوانه فعوقب بحرمانه.

كذلك: التوحيد مانع من الخلود في النار؛ فمن سرق ونهب وغش وقتل؛ ثم مات فتوزن حسناته وسيئاته ثم يجازى بحسب ذلك في النار، ثم يخرج من النار بعد ذلك مادام قد قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهي مانع من الخلود في النار, وعلى هذا يحمل قول الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93]؛ فحتى يستحق الخلود في النار لابد من توافر الأسباب والشروط وانتفاء الموانع.

مثال ذلك أيضاً: الزواج من البنت مانع من العقد على خالتها أو عمتها أو أختها؛ فالإيجاب والقبول والشهود شرط, لكن الزواج من أختها مانع من موانع العقد عليها؛ لقول الله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ [النساء:23]؛ فمع أن الأصل الحل إلا أن المانع لما وجد وجد الحكم بالمنع.

كذلك: عدم إرسال الرسل مانع من العذاب, كما قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15].

تعريف الصحة وأمثلته

الصحة في اللغة: السلامة من المرض.

واصطلاحا: موافقة أمر الشرع في العبادات أو المعاملات.

فالعبادة إذا كانت صحيحة فإنه يترتب عليها آثارها الشرعية, أي: أن العبادات التي تتوافر فيها الشروط والأسباب والأركان وتنتفي فيها الموانع فهي عبادة صحيحة, تبرأ بها الذمة.

مثاله: من صلى في المسجد إلى القبلة وقرأ الفاتحة في كل ركعة وبركوع وسجود واطمئنان فصلاته صحيحة.

كذلك: من وفى ماله النصاب وحال عليه الحول فأخرج زكاته كاملة عن طيب نفس منه صحت زكاته, ولم نطالبه بإخراجها مرة أخرى.

كذلك: من نوى صيام رمضان وامتنع عن الأكل والشرب والجماع في نهار رمضان صح صيامه، ولم نطلب منه أن يعيده مرة أخرى, وبرئت ذمته منه. وهذا معنى الصحة في العبادات.

كذلك في المعاملات: إن كانت الشروط صحيحة واستوفت الأركان, قلنا: هذا العقد صحيح, وإذا صح العقد ترتبت عليه آثاره.

مثاله: رجل اشترى من آخر سيارة معلومة واطلع على عيوبها, وسلم البيع من الغرر, وقال الأول: اشتريت, وقال الآخر: بعت, ووجد الإيجاب والقبول والتقابض, واكتملت أركان العقد صح البيع, وبرئت الذمة, وتمت الملكية، وترتبت على الملكية آثارها.

تعريف البطلان وأمثلته

البطلان لغة: الفساد.

واصطلاحاً: عكس الصحة.أي: عدم موافقة الشرع.

حكمه: عدم ترتب الآثار الشرعية عليه.

مثاله: رجل صلى وأطال الصلاة, ولكنه لم يقرأ بالفاتحة؛ فصلاته باطلة, ويلزمه أن يعيد الصلاة.

أيضاً: رجل أعطى للآخر سيارة على أن يجربها لمدة أسبوع؛ فإذا أعجب بها اتصل به وأعطاه سعرها؛ فهذا عقد باطل؛ لأن الثمن مجهول, والعقد باطل؛ ولذلك المشتري لا يمتلك السيارة، والبائع لا يمتلك المال. هذا هو معنى البطلان.

كذلك: من رأى خلخال امرأته في نهار رمضان؛ فداعبها فأنزل؛ فصيامه صحيح؛ لأن البطلان لا يكون إلا بالجماع, ولا دليل على البطلان من الإنزال, ولا يترتب عليه كفارة.

اختلف الأحناف مع الجمهور في الفساد والبطلان, فالبطلان والفساد عند الجمهور واحد, وعند الأحناف مختلفان؛ فهما يستويان في العبادات فقط, أما في المعاملات فهناك عقد باطل, يعني: لا يترتب عليه آثاره, وعقد فاسد, وهو: يلزم صاحبه ويترتب عليه آثاره؛ فلو وجد عقد فيه شرط باطل؛ فالعقد فاسد ويترتب عليه آثاره.

والله أعلم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تيسير أصول الفقه للمبتدئين - السبب والشرط والمانع والصحة والبطلان للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net