إسلام ويب

ستر العورة شرط من شروط الصلاة، لا تصح الصلاة إلا به، فمن صلى كاشفاً عورته بطلت صلاته، وعورة المرأة في الصلاة جميع بدنها إلا وجهها وكفيها، أما قدمها فالصحيح أنه عورة يجب سترها في الصلاة.

أحكام ستر العورة للمرأة في الصلاة

الأدلة على وجوب ستر العورة في الصلاة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

ستر العورة في الصلاة شرط من شروط الصلاة، لا تصح الصلاة إلا به، والأدلة على ذلك ما يلي:

أولاً: قال الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، قال ابن حزم والمقصود هنا هو ستر العورة بالاتفاق.

ثانياً: عن عائشة مرفوعاً: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، وهذا دليل على ستر العورة، وهذا الحديث أعله الدارقطني بأنه موقوف على عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ومع ذلك إذا كان عن عائشة موقوفاً صحيحاً فلا بد أن يأخذ بعين الاعتبار؛ لأن المسألة توقيفية.

ثالثاً: أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها تصف لنا الثياب التي تستر بها المرأة عورتها فتقول: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور القدمين، صحت الصلاة فيه.

أنواع العورة وحكم كل نوع

والعورة عورتان: عورة نظر، وعورة صلاة، وعورة النظر لها أحكام:

فيجب على المرأة أن تكشف الوجه والكفين وهي تصلي، ولا يجوز لها أن تكشفهما أمام الأجانب، فإذاً: عورة النظر تخالف عورة الصلاة.

حكم من صلى وليس على عاتقه شيء

وأيضاً: النبي صلى الله عليه وسلم لم يبح للمرء أن يصلي وليس على عاتقه أي شيء، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يصلين أحدكم وليس على عاتقه شيء)، ومع ذلك يصح، فيمكن للإنسان أن يظهر أمام الناس عاري الكتفين، وإن كان ذلك من خوارم المروءة لكنه ليس بعورة.

فإذاً العورة عورتان: عورة نظر وعورة الصلاة، وعورة الصلاة بالنسبة للرجال على الراجح من أقوال أهل العلم: أنها من السرة إلى الركبة.

وعند الحنابلة: أن العاتق عورة، وقالوا: لا يجوز للمسلم أن يصلي بغير تغطية عظم العاتق، وفي رواية لهم: أن من صلى وليس على عاتقيه شيء بطلت صلاته.

والجمهور يرون: أن تغطية العاتق في الصلاة سنة، وأن كشفه يكره، والكراهة: كراهة تنزيهية وليست تحريمية، ويستدلون على ذلك تأويلاً بحديث: (لا يصلين أحدكم وليس على عاتقه شيء)، وبحديث جابر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صليت وعليك ثوب واحد فإن كان واسعاً فالتحق به)، أو قال: (ضع على عاتقك منه شيئاً)، قال: (فإن كان ضعيفاً فاتزر به)، وإن كان واسعاً فلابد أن تضعه على عاتقيك.

فالجمهور أخذوا بهذا الحديث، فصرفوا به حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه شيء).

والصحيح الراجح: ما فصله الحنابلة خلافاً للجمهور، وهو إن كان الثوب واسعاً بحيث يلتحف به ويضعه على عاتقيه، أو كان له ثوبان فلا تصح الصلاة بألا يضع شيئاً من هذا الثوب على عاتقه، وإن كان ضيقاً لا يستطيع أن يلتحف به فله أن يتزر لتصح الصلاة له.

فهذا التفصيل من أجود التفاصيل الذي يعمل بها كلام النبي صلى الله عليه وسلم بأسره، ولا يترك واحداً من هذه الأحكام إلا ويعمل به في موضعه، فالراجح الصحيح الذي ندين الله به: أنه لو كان عنده ثوب ولم يغط كتفه به فصلاته لا تصح، أو يأثم وصلاته صحيحة على أدنى الأقوال، وهذا بالنسبة للرجال.

عورة المرأة في الصلاة

أما بالنسبة للنساء فإن النساء لهن أحكام في ستر العورة في الصلاة، والأصل في المرأة: أنها عورة كلها، فإذا كانت المرأة كلها عورة وجب تغطية كل بدنها في الصلاة.

والأدلة في ذلك كثيرة منها مرفوعة ومنها موقوفة، فالدليل المرفوع قول عائشة : (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، وعمر بن الخطاب وعائشة وابن عمر رضي الله عنهم بينوا صفة الأثواب في الصلاة.

أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عمر بن الخطاب قال: تصلي المرأة في ثلاثة أثواب.

أيضاً: ورد عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه، أنه قال: إذا صلت المرأة فلتصل في ثيابها كلها، وكانت عائشة تقول: إذا صلت المرأة فلتصلي في ثلاثة أثواب، في درع وخمار وجلباب، والمقصود من هذا: مبالغة الدرع بالنسبة للمرأة؛ لأن المرأة عورة كلها.

وهنا مسألتان: المسألة الأولى: هل يشترط أن تصلي المرأة في ثلاثة أبواب؟

الصحيح الراجح في هذه المسألة: أن المطلوب هو ستر بدن المرأة فقط، سواء استترت بملحفة أو استترت بجلباب، فالمهم أن كل جسد المرأة يستتر، سواء بثوب واحد أو بثوبين أو بثلاثة، فالأصل في ذلك أن تستر المرأة جسدها فتصح الصلاة بذلك، كما قال ابن المنذر : على المرأة أن تخمر جسدها في الصلاة، أو قال: تخمر في الصلاة جميع البدن سوى الوجه والكفين، ويجزئها إذا صلت في ثوب واحد أو ثوبين أو ثلاث.

هل قدم المرأة في الصلاة عورة أم لا؟

المسألة الثانية: هل من ستر بدن المرأة ستر ظهور القدمين أم لا؟

قال الأحناف: أنه ليس بشرط أن تستر ظهور القدمين، وجماهير أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين يرون: أن ستر ظهور قدم المرأة شرط لصحة الصلاة، فلو صلت المرأة وظهور القدمين منكشفة فإن صلاتها لا تصح بذلك.

ويستدل على هذا بحديثين: حديث أم سلمة -وفيه كلام- قالت: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور القدمين أجزأها في الصلاة.

فهذا قيد وشرط صحيح صريح يبين أن المرأة إذا صلت وظاهر القدم منكشف لم تصح الصلاة، وإذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور القدمين أجزأها ذلك.

وأيضاً حديث آخر صحيح عن أم سلمة عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسبال بالنسبة للمرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يرخين شبراً)، فلما قال (يرخين شبراً)، دل هذا على أن أقل من شبر يكون عورة، وإرخاء الشبر يصل إلى ظهور القدمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , أحكام انفرد بها النساء عن الرجال - ستر العورة للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net