إسلام ويب

فرض الله عز وجل الحج على كل مسلم مكلف بالغ عاقل مستطيع، إذا كان مالكاً للزاد والراحلة، وقد أوجبه الله عز وجل على الذكر والأنثى، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم مناسك الحج قولاً وعملاً، ولم يترك مجالاً لمستزيد، فحري بالمسلم أن يقتفي سنن النبي الكريم في هذه الشعائر العظيمة، متقرباً بذلك إلى الله تعالى.

الترغيب في التوبة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل كان في فلاة فضلت راحلته، فيئس منها، فاستظل تحت ظل شجرة وقد أيس من راحلته -أي: ينتظر الموت- فنام نومة، فاستيقظ فوجد راحلته أمام عينه -فأراد أن يحمد الله جل وعلا- فقال: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) يبين أنه ذهب عقله فأخطأ، وعفا الله عن هذا الخطأ.

وجاء عند الشافعي في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لله أشد فرحاً بتوبة العبد من فرحة هذا العبد الذي وجد راحلته).

والله جل وعلا لا يترك ليلة وإلا وينزل فيها نزولاً حقيقياً يليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى، لا نعلم كيفيته، وإنما نؤمن بهذه الصفة، بأن الله ينزل، لا كما ينزل البشر، بل ينزل الله نزولاً يليق بجلاله وكماله وعزته وقدرته إلى السماء الدنيا فيقول: (هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأستجيب له؟).

والشاهد فيه أنه قال: هل من مستغفر فأغفر له؟ فما من عبد يستغفر الله جل وعلا إلا ويغفر الله له.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (عبدي إن أتيتني نهاراً قبلتك، وإن أتيتني ليلاً قبلتك. إن تقربت إلي شبراً تقربت إليك ذراعاً، وإن تقربت إلي ذراعاً تقربت إليك باعاً، وإن أتيتني تمشي أتيتك هرولة). فالله يهرول، لكن هرولة تليق بجلاله وكماله.

تعلم العقيدة من فروض الأعيان

أصول علم العقيدة فرض من فروض الأعيان، التي لا بد لكل امرأة أن تتعلمها، فإن لم تتعلمها فهي آثمة، وهذه الأصول هي علم التوحيد وما ينافيه من الشرك، فهو فرض عين على كل امرئ أن يتعرف على أسماء الله جل وعلا، وصفاته وتوحيده، أي: توحيد الإلهية، وتوحيد الربوبية.

مجمل أعمال الحج يوم الثامن والتاسع والعاشر من ذي الحجة

تبدأ مناسك الحج في اليوم الثامن، وكما فعلت المرأة في العمرة تفعل في الحج، فتغتسل الغسل المسنون المعلوم، وترتدي الملابس غير البيضاء، ثم تلبي: لبيك اللهم بحجة، وتذهب وقت الزوال إلى منى، فتصلي بها الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والمغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين، ثم بعد ذلك تبيت بمنى، وهذا المبيت سنة ليس بواجب، يعني: يمكن للمرأة ألا تذهب، فتبيت بمنى إلى الفجر، فتصلي الفجر، ثم تذكر الله جل وعلا، وتقرأ القرآن، وتأتي بالأذكار، ثم بعد طلوع الشمس تدفع مع زوجها إلى عرفة، وتجلس في وادي نمرة إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وإن لم تستطع تجلس في مخيمها مع زوجها، ومع أخواتها، فيصلين الظهر والعصر جمعاً وقصراً ركعتين ركعتين، بأذان واحد وإقامتين.

وإذا بلغتهن خطبة الإمام صلين خلف الإمام، وإن لم تبلغهن يقمن شيخاً من الشيوخ يخطب بهن، ويصلي بهن في المخيم ركعتين ركعتين.

وبعد ذلك تنشغل بالدعاء والذكر والاستغفار والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل يوم عرفة، ثم تكثر من الدعاء حتى يسقط حاجب الشمس عند الغروب، فتدفع من عرفة إلى مزدلفة، ولا تصلي المغرب والعشاء إلا في مزدلفة جمع تأخير وقصر، ثلاث ركعات للمغرب، وركعتين للعشاء، وتجلس حتى ينتصف الليل، فتدفع مع محرمها إلى منى، وتلتقط من منى -وهو الأصل- وإن التقطته من مزدلفة فليس فيه شيء، فتلتقط سبع حصيات، وتذهب مع محرمها وترمي جمرة العقبة، -وهي الجمرة الكبرى، آخر جمرة- فتستقبلها لترميها، وتجعل الكعبة على يسارها، ومنىً على يمينها، فترميها بسبع حصيات، وتكبر الله مع كل حصى، وخلال كل ذلك تكبر وتلبي، لا تقطع التلبية بحال من الأحوال، إلا عند أول حصى ترمي بها الجمرة، وبعد ذلك تذهب إلى البيت فتطوف بالبيت، ثم تسعى بين الصفا والمروة، ثم تقصر شعرها في بيتها، وبذلك تكون قد تحللت التحلل الأصغر والأكبر، ثم تعود إلى سكنها، فتغتسل وتتحلل وتنام في السكن حتى قبيل غروب الشمس، وتدفع بعد ذلك إلى منى؛ لتبيت فيها.

أيام التشريق هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. ولها فضل كبير، وهي من أعظم الأيام، وهي أيام تسبيح وتكبير وتحميد وتهليل وذكر لله، وهي أيام أكل وشرب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن أيام التشريق: (هي أيام أكل وشرب وذكر لله جل في علاه)، بل جاء في بعض الروايات: (إن أعظم الأيام عند الله هي أيام التشريق)، فهي تابعة للعشر الأوائل من ذي الحجة، وهي أفضل الأيام عند الله جل في علاه على الإطلاق.

مناسك الحج أيام التشريق

من مناسك الحج: أن تبيت المرأة وجوباً في منى ثلاثة أيام أو يومين، ثلاثة أيام لمن أرادت أن تتأخر، ومن أرادت التعجيل فتبيت ليلتين:

الليلة الأولى بمنى، فتبيت وتنتظر إلى زوال الشمس، يعني: قبيل الظهر بعشر دقائق أو بربع ساعة بالكثير، فتقف وقت الزوال ولا ترم حتى تزول الشمس عن كبد السماء، ثم ترمي الجمرة الأولى -وهي الصغرى- بسبع حصيات، تكبر مع كل حصاة، وتتأكد أن الحصاة قد نزلت في الحوض، ثم تتقدم قليلاً فتأخذ ناحية اليمين، وتجعل هذه الجمرة على يسارها، وتستقبل الكعبة وتدعو طويلاً.

وقد كان ابن عمر يطيل الدعاء جداً بعد رمي الجمرة الوسطى، ويرفع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: هذه سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)، فهو قد رمى هذه الجمرة، ثم تقدم عنها وجعلها على يساره واستقبل القبلة ودعا طويلاً.

ثم تذهب إلى الجمرة الوسطى فتستقبلها أيضاً وترميها وتكبر مع كل حصاة، ثم تتقدم أيضاً قليلاً فتجعل الجمرة عن يمينها، -فالأولى كانت على اليسار، وهذه تكون على اليمين- وتستقبل الكعبة ثم تدعو طويلاً، ثم تذهب إلى الجمرة الكبرى، وترميها بسبع حصيات، ولا تستقبل الكعبة في هذه، ولا تقف ولا تدع، فليس ثم دعاء عند الجمرة الكبرى، وإنما الدعاء عند الجمرة الصغرى والوسطى.

ووقت الزوال هو وقت الرمي، ومن رمى قبل وقت الزوال فلا يجزئه ذلك، وهو باطل؛ لأن أول وقت الرمي وقت الزوال؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على التيسير على الأمة، وهو الذي رخص للنساء في الدفع من مزدلفة ليرمين جمرة العقبة، وهو نفسه الذي كان يرمي وقت الزوال، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً ليسر النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة، ورخص فيه؛ لأنه قال: (ما بعثت معسراً، إنما بعثت ميسراً) -وقال: (يسروا ولا تعسروا)-، فالتيسير من أصول هذا الدين السمح الحنيف، والنبي صلى الله عليه وسلم لو كان يعلم أن الأيسر للأمة أن ترمي قبل الزوال لأذن به، فلما لم يأذن لأحد أن يرمي قبل الزوال، ولم يرم هو قبل الزوال، وهو القائل: (خذوا عني مناسككم)، دل ذلك على حرمة الرمي قبل الزوال، ومن يقول: إن للمرأة أن ترمي قبل الزوال، أو للرجال أن يرموا قبل الزوال فقوله ليس بصحيح، وهذا الرمي باطل وغير مجزئ، ومن فعل ذلك فحجه ناقص وعليه دم.

إذاً: أول وقت الرمي هو وقت الزوال، وآخر وقت الرمي هو قبيل الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا ليلاً، وهذا فيه دلالة على أنها ترمي في الفجر، يعني: أنها ترمي ليلاً إلى الفجر.

فيمكن للمرأة أن تخرج مع محرمها بعد المغرب أو العشاء وترمي، فيكون الأمر أيسر عليها؛ لأنه لا يكون عند الجمرات في ذلك الوقت إلا النادر اليسير من الناس، وهذا أيسر لها وأفضل، ثم ترجع إلى منى فتبيت هذه الليلة بمنى، ثم في اليوم الثاني عشر والثالث عشر ترمي المرأة كما رمت في اليوم الأول، فترمي الجمرة الأولى وهي الصغرى، ثم تجعلها عن يسارها وتتقدم قليلاً، ثم تدعو طويلاً، كما كان يفعل ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه، وكما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: (خذوا عني مناسككم).

ثم ترمي الجمرة الوسطى أيضاً بسبع حصيات، ثم تتقدم أيضاً، وتجعلها عن يمينها، وتدعو طويلاً، ثم ترمي جمرة العقبة، فتستقبلها، وتجعل مكة عن يسارها، والمسجد عن يمينها، وترميها بسبع حصيات.

فإذا انتهت المرأة من الرمي وأرادت التعجيل تعجلت، وإن كان الأفضل لها أن تتأخر، امتثالاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعملاً بفعله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله جل وعلا قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203]. وهي زيادة طاعة، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يختار إلا الأفضل، إلا أن يشق على أمته. فالله جل وعلا رخص في التعجيل، والنبي صلى الله عليه وسلم اختار الأفضل، فمن أراد أن يتعجل فلابد أن يرمي قبل غروب الشمس، ويرحل من منى، ولو جلس في منى حتى غربت الشمس، فقد وجب عليه المبيت والتأخير، وإذا جلس مختاراً في منى حتى سقط حاجب الشمس فقد وجب عليه التأخير.

فإذاً: ضابط الأمر: أنها ترمي بعد الزوال، وتبيت بمنى ثلاثة أيام أو ليلتين وجوباً، وإن تخلفت عن المبيت فإن عليها هدياً، إلا إذا كانت مريضة.

طواف الوداع

فإذا أكملت الرمي فلتذهب إلى البيت، وتطوف طواف الوداع، فتستقبل الحجر وتشير وتكبر، ثم تجعل الكعبة على يسارها، وتطوف سبعة أشواط، وتصلي ركعتين. وبهذا تكون قد أتمت حجها، وقضت تفثها.

لابد أن يكون آخر عهد الحاج بالبيت

لا يجوز لمن طاف طواف الوداع أن يشتري أشياء، أو يشتغل في الأسواق، فمن فعل ذلك فعليه أن يرجع إلى البيت مرة ثانية ثم يطوف طواف الوداع، إذ أن آخر عهد المرء لا بد أن يكون بالبيت، فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رخص للحيض ألا يطفن طواف الوداع إن كن قد طفن طواف الإفاضة، فإذا حاضت المرأة بعد أن طافت طواف الإفاضة فليس عليها طواف الوداع.

أسأل الله جل وعلا أن يتم الحج، وأن يجعله حجاً مبروراً.

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح مناسك الحج للنساء [2] للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net