إسلام ويب

التوابع فضلات تتبع غيرها في الإعراب، وهي النعت والتوكيد والعطف والبدل؛ فالنعت تابع متمم لمنعوته بوصفه أو وصف سببيه، ولا يكون النعت إلا بمشتق أو مؤول بالمشتق.

النعت

تعريف النعت

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ النعت ].

النعت في اللغة: الوصف، تقول: نعتُ فلان، أي: وصفه.

وأما في الاصطلاح فإنه سيذكره المؤلف رحمه الله بعد البيت الأول.

والنعت والتوكيد والعطف والبدل كلها توابع لما سبقها في الإعراب، فإن كان مرفوعاً رفعت، وإن كان منصوباً نصبت، وإن كان مجروراً جرت، وإن كان مجزوماً جزمت.

قال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:70-69] فـ (يضاعف) عطف بيان على (يلق) وهو مجزوم، ويخلد معطوف على يضاعف، وهو مجزوم.

فإذاً: الإعراب يكون على أصلي وعلى فرعي، فالفرعي هي هذه التوابع.

قال المؤلف: [ يتبع في الإعراب الاسماء الأول

نعت وتوكيد وعطف وبدل ].

الأسماء: همزتها الثانية همزة قطع كما قال تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا[النجم:23]، فهي على وزن أفعال، لكن هنا جعلت همزة وصل؛ لضرورة الشعر، فتقول: (يتبع في الإعراب الاسماء الأول)، و(الاسماء) محلها النصب على أنها مفعول به مقدم.

ونعت: فاعل يتبع، والتقدير: يتبعه نعت وتوكيد وعطف وبدل.

فالتوابع أربعة: النعت والتوكيد والعطف والبدل، وهي مجموعة في شطر واحد من بيت في ألفية ابن مالك .

قال ابن مالك :

[فالنعت تابع متم ما سبق

بوسمه أو وسم ما به اعتلق].

فالنعت في اللغة العربية بمعنى: الوصف.

وفي الاصطلاح: (تابع) خرج به الأصلي، فإذا قلت: قام زيد، فزيد لا يمكن أن يكون نعتاً؛ لأنه ليس فرعياً، ودخل فيه جميع التوابع: النعت والتوكيد والعطف والبدل، لكن يخرج بقية التوابع بقوله: (متم ما سبق بوسمه) أي: متم ما سبقه وهو المنعوت.

(بوسمه)، الوسم بمعنى: السمة، أي: العلامة، والمراد به الصفة، أي: بصفته.

(أو وسم ما به اعتلق)، يعني: أو صفة ما له علاقة به بضمير أو غيره.

مثال الذي بوسمه، إذا قلت: مررت برجل فاضل، مررت برجل فاضل، فكلمة (رجل) مطلق لم يوصف بأي شيء، فإذا قلت: فاضل، أتممت هذا الرجل بوصفه بالفضل.

(أو وسم ما به اعتلق) مثل أن تقول: مررت برجل فاضل أبوه، فكلمة (فاضل)، تابعة لرجل، لكن الوصف الذي تتضمنه يعود على الأب لا على الرجل، فكان النعت وصفاً لما له به علاقة، وهو أبوه.

والعلاقة هنا بين التابع والمتبوع هي الضمير، ولهذا لو قلت: مررت برجل فاضل زيد، لا يستقيم، فلابد أن يكون فيه ضمير يربط بين هذا وهذا.

فصار النعت إما أن يكون وصفاً للمتبوع مثل: مررت برجل فاضل.

أو وصفاً لما له به علاقة، كمررت برجل فاضل أبوه، فهنا (فاضل) صفة لرجل، لكنها صفة لرجل في الإعراب، فأقول مثلاً:

(مررت) فعل وفاعل.

و(الباء) حرف جر.

و(رجل) اسم مجرور بالباء وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره.

و(فاضل) صفة لرجل -صفة اصطلاحاً لا صفة معنى- وصفة المجرور مجرورة وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره.

(أبوه) فاعل (فاضل) مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل، وهذا مذهب سيبويه كما قاله ابن عقيل .

أو نقول على المشهور: وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة.

حكم مطابقة المنعوت للنعت في التنكير والتعريف

قال المؤلف رحمه الله:

[ وليعط في التعريف والتنكير ما لما تلا ك امرر بقوم كرما ].

قوله: (وليعط) الواو حرف عطف، واللام لام الأمر والأمر للوجوب النحوي لا الوجوب الشرعي.

ولام الأمر الأصل أن تكون مكسورة، لكن ابن مالك سكنها؛ لأنه من المعلوم أن لام الأمر إذا سبقت بالواو أو ثم أو بالفاء سكنت كقوله تعالى: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ [الحج:15] فاللام في (ليمدد) سبقت بالفاء وفي (ليقطع) سبقت بـ (ثم) وفي قوله تعالى: وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ[البقرة:282] سكنت لسبقها بالواو.

قوله: (وليعط)، يُعط: فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل مستتر يعود على النعت يعني: وليعط النعت.

وقوله: (في التعريف والتنكير ما لما تلا)، (ما) المفعول الثاني ليعط؛ لأن المفعول الأول هو نائب الفاعل، يعني: يعط هذين الأمرين في التعريف والتنكير للذي تلاه النعت، وعلى هذا ففاعل تلا يعود على النعت.

فالقاعدة: يجب أن يكون النعت تابعاً للمنعوت في التعريف والتنكير، مثال ذلك: (امرر بقوم كرما) وحذفت الهمزة في (كرماء) لروي القافية، و(كرماء) نعت لقوم، وهي مثلها في التنكير.

إذاً: تبعه في التنكير.

لكن في قوله: (كامرر بقوم كرما) إشكال إذ قد عرفنا أن حروف الجر من علامات الاسم، وهنا (امرر) فعل أمر و(الكاف) دخل على الجملة المكونة من فعل الأمر والفاعل.

وجواب الإشكال: أنها داخلة على جملة مقدرة بالمفرد أو بالاسم والتقدير: كهذا المثال، أو على محذوف والتقدير: كقولك امرر بقوم كرما.

وإذا أردنا أن نحول هذا المثال إلى معرفة، نقول: امرر بالقوم الكرماء.

ولو قلت: امرر بقوم الكرما، لا يصح؛ لأن (قوم) نكرة، و(الكرما) معرفة. وإذا قلت: امرر بالقوم كرماء، يصح على أنها حال لا على أنها نعت.

إذاً: النعت يتبع المنعوت في ثلاثة أشياء: في الإعراب والتعريف والتنكير.

حكم مطابقة النعت لمنعوته في التوحيد والتذكير ونحوهما

قال: [وهو لدى التوحيد والتذكير أو

سواهما كالفعل فاقف ما قفوا]

قوله: (وهو) الضمير يعود على النعت.

(لدى) بمعنى عند.

(التوحيد) يعني: الإفراد.

(أو سواهما)، أي: سوى التوحيد والتذكير.

وما سوى التوحيد هما التثنية والجمع؛ لأنه إما مفرد كزيد، أو مثنى كالزيدين، أو جمع كالزيدين.

وما سوى التذكير هو التأنيث.

يعني: النعت هو في هذه الأمور كالفعل، وهي: الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، فهو في هذه الخمسة كالفعل: فإن عاد إلى ما قبله تبعه، وإن كان وصفاً في غيره تبع ذلك الموصوف.

ومثال ذلك أن تقول: مررت برجل قائم.

فـ(قائم) وصف يتبع المنعوت، فيكون مفرداً مذكراً؛ لأن المنعوت مفرد مذكر.

وكقولنا: مررت بامرأة جالسة، فجالسة وصف لـ (امرأة) وهي مفردة مؤنثة، وجالسة كذلك.

وكقولنا: مررت رجال قائمين.

فرجال جمع، وقائمين وصف للرجال فيتبعهم.

وكقولنا: مررت بنساء جالسات.

وكذلك تقول أيضاً: مررت برجلين قائمين، ومررت بامرأتين جالستين، كما تقول: مررت برجلين قاما، وامرأتين جلستا، كالفعل تماماً.

لكن إذا كان النعت وصفاً في غيره كان له حكم الفعل بالنسبة لذلك الغير، فتقول: مررت برجل قائم أبوه، ومررت برجل جالسة أمه، فـ (جالسة) نعت لرجل، والوصف يعود إلى أمه؛ لأن لها علاقة به بالضمير.

وتقول: مررت بامرأة قائم أبوها، (قائم) صفة لامرأة، و(قائم) مذكر و(المرأة) مؤنث؛ لأن الوصف لأبيه وهو مذكر، فيعطى حكم الفعل، كما تقول: مررت بامرأة قام أبوها، ومررت برجل جلست أمه.

ومررت برجل قائم أبواه.

وأما: مررت برجل قائمان أبواه، فلا يجوز إلا على لغة أكلوني البراغيث، أما على اللغة المشهورة فنقول: مررت برجل قائم أبواه كما تقول: مررت برجل قام أبواه، ولهذا ابن مالك رحمه الله كلامه مضبوط قال:

(وهو لدى التوحيد والتذكير أو

سوهما كالفعل)

إذاً: النعت يتبع المنعوت في واحد من أوجه الإعراب، وهي الرفع والنصب والجر، وواحد من التعريف والتنكير، وواحد من الإفراد والتثنية والجمع وواحد من التذكير والتأنيث، فيتبعه في أربعة من عشرة.

إذاً: يتبع المنعوت في الإعراب، وفي التعريف والتنكير بدون استثناء.

ويتبعه في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث إذا كان الوصف عائداً على المنعوت، فإن كان الوصف عائداً إلى غيره فحكمه حكم الفعل، يذكر مع المذكر، ويؤنث مع المؤنث.

كلام ابن عقيل في شرح ما يتبع النعت فيه المنعوت

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ التوابع: النعت:

يتبع في الإعراب الأسماء الأول نعت وتوكيد وعطف وبدل ].

قال ابن عقيل : التابع هو الاسم المشارك لما قبله في إعرابه مطلقاً، فيدخل في قولك: (الاسم المشارك لما قبله في إعرابه) سائر التوابع وخبر المبتدأ، نحو: زيد قائم، وحال المنصوب، نحو: ضربت زيداً مجرداً، ويخرج بقولك: (مطلقاً) الخبر وحال المنصوب، فإنهما لا يشاركان ما قبلها في إعرابه مطلقاً، بل في بعض أحواله بخلاف التابع فإنه يشارك ما قبله في سائر أحواله من الإعراب، نحو: مررت بزيد الكريم، ورأيت زيداً الكريم، وجاء زيد الكريم، والتابع على خمسة أنواع: النعت والتوكيد وعطف البيان وعطف النسق والبدل.

فالتفت تابع متم ما سبق بوسمه أو وسم ما به اعتلق

عرف النعت بأنه: التابع المكمل متبوعه ببيان صفة من صفاته نحو: مررت برجل كريم، أو من صفات ما تعلق به وهو سببيه نحو: مررت برجل كريم أبوه.

فقوله: (التابع) يشمل التوابع كلها، وقوله: (المكمل إلى آخره) مخرج لما عدا النعت من التوابع.

والنعت يكون للتخصيص نحو: مررت بزيد الخياط، وللمدح نحو: مررت بزيد الكريم، ومنه قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، وللذم نحو: مررت بزيد الفاسق، ومنه قوله تعالى: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، وللترحم نحو: مررت بزيد المسكين، وللتأكيد نحو: أمس الدابر لا يعود، وقوله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ [الحاقة:13] ].

(واحدة) توكيد لنفخة؛ لأن الواحدة مفهومة من كلمة نفخة، ولكن مع ذلك لا نعربها توكيداً، إنما تعربها على أنها نعت، فصار النعت ينقسم إلى هذه الأقسام من حيث المعنى:

التخصيص، والمدح، والذم، والترحم، والتوكيد.

والذي يدلنا على هذه المعاني السياق، فأحياناً تأتي كلمة واحدة تكون ذماً لشخص وتكون مدحاً لآخر، لكن السياق هو الذي يبين أن هذا النعت للمدح أو للذم وأنت إذا قلت: مررت بزيد المسكين أو أعط زيداً المسكين، لا شك أن المقصود بذلك الترحم.

قوله: أمس الدابر، المضي معلوم من كلمة أمس لأنها تدل على هذا المعنى، فالدابر يكون نعتاً، لكن مؤكد لأمس.

قال ابن مالك :

[ وليعط في التعريف والتنكير ما لما تلا كامرر بقوم كرما ]

قال ابن عقيل : [ النعت يجب فيه أن يتبع ما قبله في إعرابه وتعريفه أو تنكيره ].

لا يصلح أن يقول: (تعريفه وتنكيره) لأنه لا يمكن أن يكون معرفة نكرة، إنما المراد (في تعريفه أو تنكيره) وانظر إلى قوله تعالى: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5].

فالواو هذه للتنويع: ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ؛ لأنه لا يمكن أن تكون ثيباً بكراً، لكن الصفات السابقة يمكن أن توجد في امرأة واحدة.

قال ابن عقيل : [ نحو: مررت بقوم كرماء، ومررت بزيد الكريم، فلا تنعت المعرفة بالنكرة، فلا تقول: مررت بزيد كريم ولا تنعت النكرة بالمعرفة فلا تقول: مررت برجل الكريم ].

قوله: (مررت بزيد) هذا إذا أريد به العلمية، أي: شخص معين اسمه زيد، أما إذا أردت به مسمى زيد وأردت التنكير صح، بزيد كريم أي: بمسمى بهذا الاسم كريم، ونظير ذلك ما ذكروه في رمضان قالوا: إذا قصدت رمضان المعين فهو ممنوع من الصرف للعلمية، وإذا أردت غير معين فهو مصروف بالتنكير.

ولهذا يقول الفقهاء: (لا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى ما بعد رمضانٍ آخر)، فرمضانٍ آخر نكرة.

أما إذا قلت: بزيد الذي هو زيد المعين، فزيد معرفة ولا يجوز نعته بالنكرة.

قال ابن مالك :

[ وهو لدى التوحيد والتذكير أو سواهما كالفعل فاقف ما قفوا ].

قال ابن عقيل : [ تقدم أن النعت لابد من مطابقته للمنعوت في الإعراب والتعريف أو التنكير، وأما مطابقته للمنعوت في التوحيد وغيره وهي التثنية والجمع، والتذكير وغيره وهو التأنيث؛ فحكمه فيها حكم الفعل، فإن رفع ضميراً مستتراً طابق المنعوت مطلقاً نحو: زيد رجل حسن، والزيدان رجلان حسنان، والزيدون رجال حسنون، وهند امرأة حسنة، والهندان امرأتان حسنتان، والهندات نساء حسنات، فيطابق في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع كما يطابق الفعل لو جئت مكان النعت بفعل فقلت: رجل حَسُن، ورجلان حَسُنا، ورجال حسنوا، وامرأة حَسُنت، وامرأتان حسنتا، ونساء حَسُنَّ].

وإن رفع -أي النعت- اسماً ظاهراً كان بالنسبة إلى التذكير والتأنيث على حسب ذلك الظاهر، وأما في التثنية والجمع فيكون مفرداً، فيجري مجرى الفعل إذا رفع ظاهراً فتقول: مررت برجل حسنة أمه، كما تقول: حسنت أمه، وبامرأتين حسن أبواهما، وبرجال حسن آباؤهم، كما تقول: حسن أبواهما، وحسن أباؤهم.

فالحاصل أن النعت إذا رفع ضميراً طابق المنعوت في أربعة من عشرة:

واحد من ألقاب الإعراب، وهي الرفع والنصب والجر.

وواحد من التعريف والتنكير.

وواحد من التذكير والتأنيث.

وواحد من الإفراد والتثنية والجمع

وإذا رفع ظاهراً طابقه في اثنين من خمسة:

واحد من ألقاب الإعراب.

وواحد من التعريف والتنكير.

وأما الخمسة الباقية وهي التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع فحكمه فيها حكم الفعل إذا رفع ظاهراً، فإن أسند إلى مؤنث أنث وإن كان المنعوت مذكراً، وإن أسند إلى مذكر ذكر وإن كان المنعوت مؤنثاً، وإن أسند إلى مفرد أو مثنى أو مجموع أفرد وإن كان المنعوت بخلاف ذلك ].

تقول: مررت بامرأتين حسنٍ أبوهما لأن النعت السببي يجري مجرى الفعل، مادام رفع ظاهراً فيكون مفرداً مذكراً.

وتقول: مررت برجال حسنٍ آباؤهم.

حكم كون النعت مشتقاً

قال ابن مالك :

[ وانعت بمشتق كصعب وذرب وشبهه كذا وذى والمنتسب ]

قوله: (وانعت بمشتق) يعني: لا تجز النعت إلا بمشتق، والمشتق معناه: ما دل على الوصف والفاعل، مثل: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل؛ لأنه يدل على الوصف وفاعله، فمثلاً: قائم يدل على القيام وذات متصفة بالقيام، ومظروف يدل على الظرف وذات متصفة بوقوع الظرف عليها، وبطل يدل على البطولة ورجل متصف بها، وأفضل يدل على الأفضلية ورجل متصف بها.

وإنما وجب النعت بالمشتق؛ لأن المشتق وصف لذات، فلابد أن يكون مشتملاً على الوصف والذات.

فإذا قلت: مررت بالرجل الفاضل، فالفاضل وصف لرجل وهو ذات، فلابد أن يشتمل على وصف وذات، وهذا لا يكون إلا في المشتق.

فهذا وجه كونه لابد أن يكون النعت مشتقاً.

ومثل له ابن مالك بقوله: (كصعب وذرب) فأعطى الحكم والمثال، فبالحكم تتقرر القاعدة وبالمثال تتضح القاعدة، ومن حسن التعليم أن الإنسان إذا أتى بالأحكام يعقبها بالأمثلة حتى تتضح، لاسيما الأشياء التي يصعب فهمها، فإنه بضرب الأمثال تعقل المعاني، وهناك كتاب اسمه: النحو الواضح، وكتاب: البلاغة الواضحة قرأناهما في المعاهد يأتي بالأمثلة أولاً ثم يشرحها ثم يستنتج القاعدة، والأولون يأتون أولاً بالأحكام ثم بالأمثلة.

وقوله: (انعت بمشتق كصعب وذرب) (صعب) مأخوذ من الصعوبة، فهي إذاً مشتقة و(ذرب) من الذرابة، فهي إذاً مشتقة.

والصعوبة والذرابة تقتضي أن الإنسان يكون حازماً ولا يكون عنده لين فيضعف، ولا خمول فيكسل.

وقوله: (وشبهه) يعني شبه المشتق، مثل: (كذا وذي والمنتسب)، أي: يجوز أن ينعت بما يشبه المشتق، مثل (ذا) الذي هو اسم إشارة وهي مؤولة بالمشتق، وتأويلها بالمشار إليه، تقول: أكرم الرجل هذا، فـ(هذا) صفة للرجل.

فإذا قال قائل: أسماء الإشارة غير مشتقة، نقول: لكن مؤولة بالمشتق، والتقدير: أكرم الرجل المشار إليه، والمشار اسم مفعول فهو مشتق.

فإذاً: يقول: (وشبهه) أي: مما يؤول بالمشتق كاسم الإشارة (ذا وذي) لكن (ذا) للمفرد المذكر، و(ذي) للمفردة المؤنثة.

(والمنتسب) أي: المنسوب إلى مكان أو قبيلة أو حرفة أو ما أشبه ذلك، تقول: رأيت الرجل التميمي، فالتميمي جامد، لكن نقول: هذه نسبة؛ فيؤول التميمي بالمنسوب إلى تميم، والمنسوب إلى مكان مثل: أكرم الرجل المدني، أكرم الرجل المكي وما أشبه ذلك، فهذا منسوب إلى المكان.

إذاً: ينعت بالمشتق والمؤول بالمشتق وهو اسم الإشارة والمنسوب.

فإن قيل: هذا رجل حجر، فحجر جامد فلا يصح الوصف به إلا إذا كان مؤولاً.

أما أن تقول: هذا رجل حجر؛ تريد الحجر الحقيقي بدون تأويل فهذا لا يصح، فيؤول هذا رجل حجر، أي: رجل قاسٍ.

ويقال: هذا تلميذ زبدة، فالزبدة جامد فلا يصلح الوصف بها إلا أوَّلت، فتكون زبدة بمعنى اللين أي: ليس قوياً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك [49] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net