اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كيف أستحي من الله؟ للشيخ : خالد الراشد
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:
عباد الله! قال الله جل في علاه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الشعراء:217-220] قال السعدي رحمه الله : وأعظم مساعد للعبد على القيام بما أُمر به الاعتماد على ربه ، والاستعانة بمولاه على توفيقه للقيام بالمأمور، فلذلك أمر الله تعالى بالتوكل عليه، فقال سبحانه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [الشعراء:217] .
والتوكل هو: اعتماد القلب على الله تعالى في جلب المنافع ودفع المضار، مع ثقته به وحسن ظنه بحصول مطلوبه؛ فإنه عزيز رحيم، فبعزته يقدر على إيصال الخير ودفع الشر عن عبده وأمته، وكل ذلك أيضاً برحمته.
ثم قال: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الشعراء:220] أي: السميع لسائر الأصوات على اختلافها وتشتتها وتنوعها، العليم الذي أحاط بالظواهر والبواطن، والغيب والشهادة، فاستحضار العبد رؤية الله له في جميع أحواله، وسمعه لكل ما ينطق به، وعلمه بما ينطوي عليه قلبه من الهم والعزم والثبات والنيات يعينه على بلوغ مرتبة الإحسان.
فالإحسان هو: استحضار عظمة الله ومراقبته في كل حال. إذاً فما هي المراقبة؟
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين من منازل إياك نعبد وإياك نستعين: منزلة المراقبة وهي: دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، فاستدامته لهذا العلم واليقين هي المراقبة، وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب عليه .. ناظر إليه .. سامع لقوله.. مطلع على عمله، ومن راقب الله في خواطره عصمه في حركات جوارحه.
وقال أحدهم: والله! إني لأستحي أن ينظر الله في قلبي وفيه أحد سواه.
وقال ذو النون : علامة المراقبة: إيثار ما أنزل الله، وتعظيم ما عظم الله، وتصغير ما صغر الله.
وقال إبراهيم الخواص : المراقبة: خلوص السر والعلانية لله تبارك وتعالى.
وقالوا: أعظم العبادات: مراقبة الله في سائر الأوقات.
فهيا معاً أحبتي! ننظر في معاني هذه الأسماء وهذه الصفات وبعضاً من آثارها:
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وفي كتاب الله تبارك وتعالى من ذكر أسمائه وصفاته أكثر من ذكر آيات الجنة والنار وآيات المعاد، وإن الآيات المتضمنة لأسمائه وصفاته أعظم قدراً من آيات المعاد.
وجاء ذكر (الرقيب) في قوله تعالى في أول آية من سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
قال ابن جرير في قوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا أي: أن الله لم يزل عليكم رقيباً حفيظاً محصياً عليكم أعمالكم متفقداً أحوالكم.
وجاء أيضاً ذكر (الرقيب) في سورة الأحزاب في قوله جل في علاه: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا [الأحزاب:52].
قال ابن القيم في نونيته:
وهو الرقيب على الخواطر واللوا
حظ كيف بالأفعال والأركان
فهو سبحانه رقيب على الأشياء بعلمه الذي وسع كل شيء، كما قال جل وعلا: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر:7]، وهو عز وجل يعلم ما كان وما سيكون، وما هو كائن لو كان كيف سيكون، وهو رقيب على الأشياء ببصره الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، وهو رقيب على الأشياء بسمعه المدرك لكل حركة وكلام، فأين أثر هذا في حياتنا، وفي تصرفاتنا، وفي معاملاتنا، وفي عبادتنا، وفي أخذنا وعطائنا!!
الله أكبر ولا إله إلا الله! وتدبر معي -أخي المسلم- قوله تبارك وتعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء:108] فأين أثر هذه الآيات في حياتنا؟! بل أين أثر قوله تبارك وتعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:235]؟!
قال الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل
خلوت ولكن قل: علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعةًولا أن ما يخفى عليه يغيب
ألم تر أن اليوم أسرع ذاهبوأن غداً للناظرين قريب
لقد أسلم عمير ؟ عندما استشعر عظمة الله ومراقبته، وإحاطته بكل شيء، فهلا استشعرنا ذلك، واستشعرنا قوله تبارك وتعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59]؟!
ومعنى: (احفظ الله يحفظك) أي: احفظ حدود الله وحقوقه، وأوامره ونواهيه، وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا نتجاوزها، والمقصود: فعل الواجبات جميعاً وترك المحرمات جميعاً، وقد مدح الله عباده الذين يحفظون حدوده، فقال في معرض بيانه لصفات المؤمنين الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:112]، فهؤلاء بشرهم بأن يحفظهم في دينهم ودنياهم، وفي أولاهم وأخراهم، إذا حفظوا أوامره وحدوده.
فحق العباد على الله إن هم عبدوه ووحدوه ولم يشركوا به شيئاً: ألا يعذبهم، وإن لم يعذبهم أدخلهم جنته، فهذا هو الحق العظيم الذي أمر الله سبحانه عباده أن يحفظوه ويرعوه، ومن أجل حفظه أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكان الله رقيباً على الجميع، كما قال عز وجل: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن:28].
ووالله! لن تلقى الله بعمل بعد توحيده أعظم من المحافظة على الصلوات.
قال ابن القيم رحمه الله: والصلاة مجلبة للرزق .. حافظة للصحة .. دافعة للأذى .. مطردة للأدواء .. مقوية للقلب .. مبيضة للوجه .. مفرحة للنفس .. مذهبة للكسل .. منشطة للجوارح .. ممدة للقوى .. شارحة للصدر .. مغذية للروح .. منورة للقلب .. حافظة للنعمة .. دافعة للنقمة .. جالبة للبركة .. مبعدة من الشيطان .. مقربة من الرحمن .
وللصلاة تأثير عجيب في دفع الشرور ولا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استُدفعتْ شرور الدنيا وعذاب الآخرة بمثل الصلاة والمحافظة عليها؛ وسر ذلك: أن الصلاة صلة بالله جل في علاه، وعلى قدر صلة العبد بربه تفتح عليه من الخيرات أبوابها وتقطع عنه من الشرور أسبابها، وتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث القدسي عن الله عز وجل: (يا ابن آدم! اركع لي من أول النهار أربع ركعات أكفك آخره).
ومن حفظ الله للمصلين: أن صلاتهم تنهاهم عن الفحشاء والمنكر. وأما من ضيعها فقد توعده الله بالهلاك والشر العظيم، فقال سبحانه: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59] فكيف هي صلاتنا اليوم؟ وهل حفظناها؟ وهل راقبنا الله فيها؟ وهل تدبرنا قوله: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219]؟ قل لي بالله العظيم: كم مرة تفوتك صلاة الجماعة؟ وكم مرة تفوتك تكبيرة الإحرام؟ وكم مرة تنام عن صلاة الفجر؟ والله! لن يستقيم الحال إلا إذا استقام العبد في أداء الصلاة، ووالله! لن يستقيم للعبد حال إلا إذا استقام في صفوف المصلين.
فرفعت إلى ربها شكواها، ونزل الدفاع عنها من ربها تبارك وتعالى، فيا أخي! أسألك بالله العظيم: أين أثر هذا في حياتنا؟
وجاء في السير والآثار أن عمر سار يوماً ومعه أبو عبيدة ، فلقيته امرأة في الطريق، فقالت: إيه يا عمر ! لقد كنت تدعى عميراً تصارع الفتيان في أسواق عكاظ، ثم أصبحت تدعى عمراً ، ثم ما لبثت حتى أصبحت أميراً للمؤمنين، فاتق الله يا عمر ! واعلم أن الله سائلك عن الرعية كيف رعيتها؟ فبكى عمر بكاءً شديداً، فلام أبو عبيدة المرأة لقسوتها على عمر ، فقال له عمر : (دعها يا أبا عبيدة ! فهذه التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، فحري بـعمر أن يسمع كلامها).
فسبحان الذي يسمع دعاء الخلق وألفاظهم عند تفرقهم وعند اجتماعهم! ولا تختلف عليه اللهجات ولا اللغات، يعلم ما في قلب القائل قبل أن يقول، وقد يعجز القائل عن التعبير عن مراده، والله يعلم ذلك فيعطيه الذي في قلبه.
وقد جاء اسمه السميع مقترناً بغيره من الأسماء، فجاء سميع عليم، وسميع بصير، وسميع قريب، وكلها تدل على الإحاطة بالمخلوقات، وأن الله محيط بها لا يفوته ولا يخفى عليه شيء منها، بل الجميع تحت سمعه وبصره وعلمه، وفي ذلك تنبيه للعاقل، وتذكير للغافل حتى يراقب نفسه وما يصدر عنها من أقوال وأفعال، ومتى آمن الناس بذلك وتذكروه فإن أحوالهم تتغير من القبيح إلى الحسن، ومن الشر إلى الخير، وإذا تناسوا ذلك فسدت أخلاقهم وأعمالهم.
عباد الله! سأسوق إليكم بعضاً من الآثار والأخبار والتي كلنا يعرفها، لكن أين أثرها في حياتنا؟
سمع عمر ليلة عجوزاً تقول لبنيتها: امزجي اللبن بالماء، فقالت البنية: أما علمت يا أماه! أن أمير المؤمنين عمر نهى عن مزج اللبن بالماء؟ فقالت العجوز في لحظة غفلة: وأين عمر حتى يرانا؟ فقالت المؤمنة الصغيرة الصادقة الموقنة بنظر الله: إن كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا!
إنها قصة يعرفها الصغار والكبار، ولكن أين أثرها في حياتنا، وفي معاملاتنا؟
وفي ليلة أخرى خرج عمر يتجول، فإذا بامرأة في ظلام الليل تردد هذه الأبيات:
تطاول هذا الليل واسود جانبهوأرقني أن لا خليل ألاعبه
فوالله! لولا الله لا شيء غيره
لحرك من هذا السرير جوانبه
ولكن تقوى الله عن ذاك صدنيوحفظاً لبعلي أن تنال مراكبه
لقد عظموا الله فراقبوه، واستحيوا من الله فهابوه، وأحبوا الله فأطاعوه، وكما قيل: إذا عظم الآمر عظمت الأوامر.
وهذا خبر آخر وهو: أن ابن عمر مر على رويعي غنم في الصحراء، فقال له امتحاناً: بعنا من هذه الشياه، فقال: أنا مملوك ومؤتمن عليها، ولا يحق لي التصرف فيها، فقال ابن عمر ممتحناً أمانته: قل للمالك: أكلها الذئب، فقال رويعي الغنم بكل صدق وإيمان: وماذا أقول لله؟! أي: إن كنت قلت للمالك: أكلها الذئب، فماذا سأقول لله؟ ماذا سأقول إذا استنطق الله الجوارح والأركان، كما قال عز وجل: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]؟ فبكى ابن عمر وأرسل إليه من يعتقه. وقال له: كلمة أعتقتك في الدنيا أسأل الله أن تعتقك يوم أن تلقاه.
فهذه أخبار كلنا نعرفها وسمعنا بها مرات ومرات، لكن أيها الغالي! أين أثر هذا في حياتنا؟!
عباد الله! إن هذه بعضاً من أسمائه وصفاته، فأين أثرها في حياتنا؟ وأين أثر الإيمان بها؟ وأين مرتبة الإحسان في حياتنا؟ إذا أردت أن تعرف مدى إيمانك فراقب نفسك في الخلوات، فإن الإيمان لا يظهر في صلاة ركعتين أو صيام نهار، بل يظهر في مجاهدة النفس والهوى، والله! ما صعد يوسف عليه السلام ولا سعد إلا في مثل
ذلك المقام، قال عز وجل: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله).
أتدري من الرجل؟ الرجل والله! من إذا خلا بما يحب من المحارم وقدر عليها تذكر وتفكر، وقال: الله يراني في كل مكان، فترك المعصية خوفاً وحياءً من الله تبارك وتعالى، إذاً كيف يعصيه وهو يراه؟! والله! لن تنال ولاية الله حتى تكون معاملتك له خالصة، حتى تترك شهواتك، وتصبر على مكروهاتك، وتبذل نفسك في مرضاته.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
أحبتي! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله! وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281].
عباد الله! إن ما نراه اليوم من كثرة الفواحش والمنكرات، وما نلمسه من ضعف الوازع عن المحرمات، وما تأتي به الأخبار عن ضعف التربية وقلة المراقبة في الخلوات أمر خطير، فهذا يتساهل في النظر، وذاك يمارس عادات سيئة، وآخر يأكل الربا، وآخر يتمايل مع الغناء.. إلى غير ذلك.
عباد الله! إن كثيراً من الناس وجودهم كالعدم، لم يتأملوا دلائل الوحدانية، ولم يقفوا عند أوامر الله ونواهيه، فهم كالأنعام بل هم أضل، إن وافق الشرع مرادهم قبلوه وإن لم يوافق تركوه، وإن حصلوا على الدرهم والدينار رضوا وأخذوه ولم يبالوا أمن حلال أم من حرام كسبوه، وإن سهلت عليهم الصلاة فعلوها وإن لم تسهل تركوها.
تمضي السنون وتنقضي الأيام
والناس تلهو والأنام نيام
والناس تسعى للحياة بغفلةلم يذكروا القرآن والإسلام
والمال أصبح جمعه كتهجدوتمتع الشهوات صار قيام
قد زين الشيطان كل رذيلةوالناس تفعل ما تريد حرام
يا نفسي! يكفي فالذنوب كثيرةإن الغرور يسبب الإجرام
هل تعلم اليوم المحدد وقته
الله يعلم وحده العلام
ماذا تقول إذا حُملت جنازةودفنت بالقبر الشديد ظلام
هذا السؤال فهل علمت جوابه
ماذا تجيب إذا نطقت كلام
ماذا مصيرك إن روحك غرغرت
جاء المفرط كي يقول ختام
اليوم تفعل ما تشاء وتشتهيوغداً تموت وترفع الأقلام
واعلم -بارك الله فيك- أنه لا يقطع الطريق إلا بالصبر والتسلية، وكما قيل:
فإن تشكت فعللها المجرة من
ضوء الصباح وعدها بالرواح ضحى
حكي عن بشر الحافي أنه سار في طريق ومعه رجل، فعطش هذا الرجل، فقال له: نشرب من هذا البئر، فقال بشر : اصبر إلى البئر الأخرى، فلما وصلا إليها، قال له: اصبر إلى البئر الأخرى، فما زال يعلله ويصبره، ثم قال: هكذا تنقطع الدنيا.
وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. فدرب النفس على هذا الأصل وتلطف بها وعدها الجميل لتصبر على ما قد حملت.
وكان بعض السلف يقول لنفسه: والله! ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلا الإشفاق عليك.
وقال أبو يزيد : ما زلت أسوق نفسي إلى الله تعالى وهي تبكي حتى سقتها وهي تضحك. أي: أكرهتها على العمل حتى استقامت على أوامر الله برضاها.
فمن هجر اللذات حصل على المنى
ومن أكب على اللذات عض على اليد
ففي قمع أهواء النفس اعتزازها
وفي نيلها ما تشتهي ذل سرمد
فالله الله في مراقبة الحق عز وجل، والله الله في الخلوات، البواطن، والله الله في الثبات، فإن عليكم من الله عين ناظرة، فلا تجعل الله أهون الناظرين إليك، بل قل: سبحان الله! الذي وصف نفسه بقوله: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الشعراء:218-220].
فراقب العواقب تسلم، ولا تمل مع الهوى فتندم، فأين لذة المعاصي؟! وأين تعب الطاعات؟! لقد رحل كلٌ بما فيه، فياليت الذنوب إذا تخلت خلت.
إن كنت تعتقد أن الله سبحانه لا يراك فما أعظم كفرك! وإن كنت تعصيه مع علمك باطلاعه عليك فما أشد وقاحتك! وما أقل حياءك! فاقبل الموعظة واعمل بالنصيحة؛ لأنه من أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار، كما قال عز وجل: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر:49-51].
واعلم أنك ستقف بين يدي الله، فبأي لسان ستجيب، فأعد للسؤال جواباً وللجواب صواباً، فماذا أعددت للنجاة من عظيم عقاب الله تبارك وتعالى وأليم عذابه؟! واعلم أنه لا يندفع العذاب وتستجلب الرحمات إلا بحسن التوحيد وخندق الطاعات.
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك قول الحق في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك اللهم لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء دينك، اللهم انصرهم في العراق، وفي الشيشان، وكشمير، والفلبين، وأفغانستان، وأيدهم في فلسطين وفي كل مكان.
اللهم كن لهم عوناً وظهيراً ومؤيداً ونصيراً، صن أعراضهم، واحقن دمائهم، وفك أسرانا وأسراهم يا رب العالمين.
اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزم الصليبيين وزلزلهم، ودمر اليهود الغاصبين وزلزلهم، واهزم المنافقين وأعداء الملة والدين، واشدد وطئتك عليهم، وأنزل عليهم بأسك ومقتك إله الحق، فإنهم لا يعجزونك يا قوي! يا عزيز!
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والفواحش والفتن ما ظهر منه وما بطن، ووفقنا لتوبة نصوح يا رب العالمين، وثبتا حتى الممات يا رب الأرض والسماوات.
اللهم اجعلنا ممن يخشونك في السر وفي العلن، وفي الخلوات يا رب العالمين!
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كيف أستحي من الله؟ للشيخ : خالد الراشد
https://audio.islamweb.net