إسلام ويب

للفلاسفة والمعتزلة والرافضة أصول في العقائد يعتمدون عليها، ويعتقدون صحتها، وهي مخالفة للكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة.

حقيقة إيمان الفلاسفة بأركان الإيمان

قال المصنف رحمه الله: [قوله: (ونؤمن بالملائكة والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين).

هذه الأمور من أركان الإيمان. قال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة:285] الآيات. وقال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177] الآية.

فجعل الله سبحانه وتعالى الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة، وسمى من آمن بهذه الجملة مؤمنين، كما جعل الكافرين من كفر بهذه الجملة، بقوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:136]، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته حديث جبريل وسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره).

فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل.

وأما أعداؤهم ومن سلك سبيلهم من الفلاسفة وأهل البدع، فهم متفاوتون في جحدها وإنكارها، وأعظم الناس لها إنكاراً الفلاسفة المسمون عند من يعظمهم بالحكماء، فإن من علم حقيقة قولهم علم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا رسله ولا كتبه ولا ملائكته ولا باليوم الآخر، فإن مذهبهم أن الله سبحانه موجود لا ماهية له ولا حقيقة، فلا يعلم الجزئيات بأعيانها، وكل موجود في الخارج فهو جزئي، ولا يفعل عندهم بقدرته ومشيئته، وإنما العالم عندهم لازم له أزلاً وأبداً، وإن سموه مفعولاً له، فمصانعة ومصالحة للمسلمين في اللفظ، وليس عندهم بمفعول ولا مخلوق ولا مقدور عليه، وينفون عنه سمعه وبصره وسائر صفاته! فهذا إيمانهم بالله.

وأما كتبه عندهم، فإنهم لا يصفونه بالكلام، فلا يكلم ولا يتكلم، ولا قال ولا يقول، والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص: قوة الإدراك وسرعته، لينال من العلم أعظم ما يناله غيره، وقوة النفس، ليؤثر بها في هيولى العالم يقلب صورة إلى صورة، وقوة التخييل، ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة، وهي الملائكة عندهم، وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيء وترى وتخاطب الرسول، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان.

وأما اليوم الآخر، فهم أشد الناس تكذيباً وإنكاراً له في الأعيان، وعندهم أن هذا العالم لا يخرب، ولا تنشق السماوات ولا تنفطر، ولا تنكدر النجوم، ولا تكور الشمس والقمر، ولا يقوم الناس من قبورهم ويبعثون إلى جنة ونار، كل هذا عندهم أمثال مضروبة لتفهيم العوام، لا حقيقة لها في الخارج كما يفهم منها أتباع الرسل، فهذا إيمان هذه الطائفة - الذليلة الحقيرة - بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وهذه هي أصول الدين الخمسة].

قد ذكرنا أن الإيمان له أركان ستة، وأنها ذكرت في القرآن، قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177] هذه بعض أركان الإيمان، وقال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة:285] وهذه أيضاً من أركان الإيمان، ولقد مدح الله المؤمنين بها، وقال تعالى في ذم الذين يكذبون بها في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً [النساء:137]والمراد بإيمانهم هو تصديقهم بشيء ثم تكذيبهم به، وإيمانهم بشيء آخر أو نحو ذلك، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً [النساء:136]أمرنا أن نؤمن بالله، وأن نؤمن برسله، ونؤمن بالكتب المنزلة على الأنبياء قبلنا، وبالكتاب المنزل على نبينا عليه الصلاة والسلام، وأخبر بسوء وعاقبة من كذب بهذه الأركان الخمسة.

ولا شك أن الإيمان بها يستلزم اعتقادها واعتقاد صحتها، وإذا كنا نؤمن بالله تعالى، فمن أي شيء نأخذ صفات ربنا؟ نأخذها من كلامه ومن كلام رسوله، فنؤمن بما جاء في صفاته سبحانه من صفات الكمال، وننزهه عما نزه نفسه عنه من صفات النقص، هذا كمال الإيمان بالله تعالى.

الإيمان بالله عند الفلاسفة

الفلاسفة ونحوهم لم يؤمنوا بالله حقيقة، إنما يؤمنون بوجود مجرد ليس له وجود في الخارج، وإنما هو وجود في الذهن يرجع في الحقيقة إلى العدم، حيث وصفوه بصفات العدم، مما يجل عن أن يوصف به، هذا إيمانهم بالله وهم مع ذلك يسمون بالحكماء وبالعلماء، والفلسفة عندهم هي نوع من الحكمة، هي علم المعتقد الذي يدور على الأدلة، فهو عندهم علم له أهميته، هذا إيمانهم بالله تعالى، ويوجد هذا التفسير في مؤلفات أكابرهم كمؤلفات عالمهم الكبير المشهور بـابن سيناء ، وعالم آخر يقال له: الفارابي ، وعالم آخر منهم يقال له: الطوسي ، وأشباههم، وهؤلاء علماء إسلاميون كما يقال لهم، وهم معظمون عند الكثير في هذه الأزمنة ومقدسون، وكتبهم لها ثمن رفيع، ولها منزلة عالية عند الكثير في هذه الأزمنة؛ وذلك لما فيها بزعمهم من الأفكار، ولما فيها من الابتكارات والاختراعات والعلوم العقلية كما يسمونها، فلذلك صارت محل تقدير عندهم، وكتب ابن سيناء تتعلق بالطب أو تتعلق بالكلام أو تتعلق بالعلوم التي يسمونها علوماً، أو تتعلق بالأحكام وغير ذلك، وكذلك كتب الفارابي .

ولا شك أن هؤلاء وإن سموا فلاسفة إسلاميين فإنهم أبعد عن الصواب، وبالأخص في الإيمان بالغيب، فهم أبعد الناس عنه، فلا يغتر بمن يمدحهم ومن يثني عليهم ومن يزعم أنهم علماء إسلاميون أجلاء، وأن لهم منزلة رفيعة، ولهم مكانة عند المسلمين، لا يغتر أحد بذلك.

الإيمان بالرسل عند الفلاسفة

الرسل عند الفلاسفة لم ينزل عليهم الوحي، ولكن الرسل عندهم أناس أذكياء لهم فطنة استطاعوا بفطنتهم وبذكائهم أن يلبسوا على الناس وأن يقولوا: إنما أنزل علينا، وإننا مشرعون، وجاءنا الشرع، وإننا رسل من الله، ولم يكن هناك رسالة، ولم يكن هناك شرع، وإنما أرادوا أن يكون لهم أتباع، فصار لهم أتباع بهذه الفكرة، هذه عقيدتهم في الرسل، ويسمون ذلك: تخييلاً، ولا شك أنهم ما آمنوا بالرسل حقيقة الإيمان.

الإيمان بالكتب عند الفلاسفة

الفلاسفة لا يعتقدون أن لله تعالى كلاماً، ولا أن الله تعالى يتكلم، ولا أن له صفات حقيقة ما دام أنهم يجعلون وجوده وجود في الأذهان لا في الأعيان؛ فإذاً ليس لله كلام عندهم، وهذا القرآن ليس هو كلامه، وإنما هو إما من نظم البشر وإما من تركيب الملك أو نحو ذلك، فليس لله عندهم كتب منزلة متضمنة لشرع الله.

الإيمان بالملائكة عند الفلاسفة

الفلاسفة يؤمنون بأن هناك ملائكة ذات أرواح يصعدون وينزلون ويسمعون ويتكلمون ويحملون الوحي، لا يؤمنون بذلك.

وعندهم أن الروح التي في الإنسان عبارة عن حياة عامة في هذا الكون، إذا اتصلت بالمخلوق حس بالحياة، وإذا انفصلت عنه انتقل إلى الوفاة، هذه حقيقة الروح عندهم.

وعندهم أن الملائكة ليس لهم حقيقة وجود، وليس لهم أجنحة يصعدون بها وينزلون، فإذاً ليس للملائكة عندهم وجود.

الإيمان باليوم الآخر عند الفلاسفة

الفلاسفة لا يؤمنون باليوم الآخر، وعندهم أنه لا حقيقة للبعث، ولا حقيقة لانقضاء الدنيا، بل من معتقدهم أنه ليس هناك بعث ولا نشور، ولا حياة للأجساد، ولا جمع لها بعد أن تتفتت، ولا إعادة للأرواح إليها، وليس هناك جنة ولا نار يثاب بهذه ويعاقب بهذه، بل ليس عندهم مبدأ، والعالم هذا لم يزل موجوداً منذ القدم، ولم يسبق بعدم، ويكذبون بخلق آدم، ويقولون: ليس هناك شخص اسمه آدم خلق من تراب، بل هذا الخلق وهذا الوجود وهذه الأرض قديمة ما سبقت بعدم، هذه عقائد الفلاسفة، فهم كذبوا خبر الله تعالى، وكذبوا أخبار الرسل وكذبوا ما جاءت به، فخالفهم بذلك أهل السنة وأقروا بها على ما جاءت به، وأخذوا تفاصيلها عن الرسل الذين جاءوا بهذه الشرائع وقبلوها كما جاءت، وصاروا بذلك أحق باتباع الرسل.

أصول الدين وأركانه عند المعتزلة

قال الشارح رحمه الله: [وقد أبدلتها المعتزلة بأصولهم الخمسة التي هدموا بها كثيراً من الدين، فإنهم بنوا أصل دينهم على الجسم والعرض، الذي هو الموصوف والصفة عندهم، واحتجوا بالصفات -التي هي الأعراض- على حدوث الموصوف الذي هو الجسم، وتكلموا في التوحيد على هذا الأصل، فنفوا عن الله كل صفة، تشبيهاً بالصفات الموجودة في الموصوفات التي هي الأجسام، ثم تكلموا بعد ذلك في أفعاله التي هي القدر، وسموا ذلك: العدل.

ثم تكلموا في النبوة والشرائع، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، وهي مسائل الأسماء والأحكام، التي هي المنزلة بين المنزلتين، ومسألة إنفاذ الوعيد.

ثم تكلموا في إلزام الغير بذلك، الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضمنوه جواز الخروج على الأئمة بالقتال.

فهذه أصولهم الخمسة، التي وضعوها بإزاء أصول الدين الخمسة التي بعث بها الرسول.

والرافضة المتأخرون، جعلوا الأصول أربعة: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة.

وأصول أهل السنة تابعة لما جاء به الرسول.

وأصل الدين: الإيمان بما جاء به الرسول، كما تقدم بيان ذلك، ولهذا كانت الآيتان من آخر سورة البقرة - لما تضمنتا هذا الأصل - لهما شأن عظيم ليس لغيرهما، ففي الصحيحين عن أبي مسعود عقبة بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (بينا جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته) ، وقال أبو طالب المكي : أركان الإيمان سبعة، يعني هذه الخمسة، والإيمان بالقدر، والإيمان بالجنة والنار. وهذا حق، والأدلة عليه ثابتة محكمة قطعية. وقد تقدمت الإشارة إلى دليل التوحيد والرسالة].

لما ذكر الشارح تأويلات الفلاسفة لأركان الإيمان الستة، ذكر بعد ذلك أركان الدين عند المعتزلة.

المعتزلة يتسمون بأنهم مسلمون، ويدعون أن الحق بجانبهم، ولهم مؤلفات ولهم كتب على مذهبهم ومعتقدهم، وجدوا وكثروا في القرن الثالث،ولكن تمكنوا بقوة وسيطروا على أكثر الأمة في القرن الرابع وما بعده، وأصبح وجود أهل السنة قليلاً في تلك القرون.

أركان الدين عندهم خمسة: يسمونها بأسماء حسنة: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما أحسنها من أسماء! ولكن محتوياتها وما تتضمنه وما تفسر به فيها الشر، فما المراد بهذه الأصول عندهم؟

التوحيد عند المعتزلة

التوحيد عند المعتزلة هو نفي الصفات، يقولون: إذا أثبتنا سمعاً وبصراً وقدرة وعلماً ورحمة ومحبة ويداً ووجهاً وعلواً ونزولاً، وما أشبه ذلك؛ لم نثبت واحداً بل أثبتنا عدداً فلا نكون موحدين، الموحد هو الذي يثبت واحداً، وهو الله، ولا يجعل له صفات، فإن الصفات تكون زائدة عن الذات عندهم.

ويقولون: إن القدم لله وحده، ولو كانت الصفات قديمة لكان القدماء عدداً، وهذا من شبههم.

والجواب: أن الصفة من الموصوف، ولا يلزم من إثباتها تعدد، فأنت تقول: جاءني رجل، وهو واحد، ولا تعدد فيه. ولا تقول: جاءني زيد ورجله ويده ورأسه وبطنه وظهره وروحه، ونفسه، ما تقول ذلك، هو رجل واحد، فما دام أن الصفة تابعة للموصوف، فلا يلزم من إثبات الصفات إثبات العدد، فبطلت بذلك شبهتهم في إنكارهم للصفات، وزعمهم أن إنكارها هو التوحيد.

العدل عند المعتزلة

العدل عند المعتزلة هو إنكار القدرة العامة، يقولون: إن الله لا يقدر على خلق أفعال العباد، كيف يخلقها ثم يعذب العصاة، ويثيب المطيعين، وهو الذي خلق حركات هؤلاء وحركات هؤلاء.

وقد تقدم الكلام على القدر وذكرنا أن الله هو الذي خلق أفعال العباد، ولكنه سبحانه مع خلقه للعبد وعمله قد أعطى العباد قدرة خاصة، يتمكنون بها من مزاولة أعمالهم، وبها تنسب إليهم، فيقال: هذا هو المؤمن، وهذا هو الكافر، وهذا هو البر، وهذا هو الفاجر، وهذا هو المصلي، وهذا هو التارك للصلاة، وهذا هو المزكي، وهذا هو البخيل، تنسب لهم أعمالهم، ويثابون على حسنها، ويعاقبون على سيئها، وإن كانت مخلوقةً لله تعالى.

أما المعتزلة فيقولون: إذا أثبتنا أن الله هو الذي خلقها فكيف يعذب عليها؟! بل ننفي خلقها ونقول: لم يخلقها الله، ولا يقدر الله على ذلك، وليس لله قدرة على أفعال العباد، وليس الله عندهم على كل شيء قدير، وقدرة العبد عندهم تغلب قدرة الله، تعالى الله عن قولهم، وعندهم أنه لا يقدر أن يهدي من يشاء، ولا يضل من يشاء، ولا يعطي من يشاء، ولا يمنع من يشاء، كل هذا عندهم يسمونه عدلاً، هذا معتقد باطل.

المنزلة بين المنزلتين عند المعتزلة

الأصل الثالث عند المعتزلة هو: المنزلة بين المنزلتين، وماذا يريدون بذلك؟ يتعلق هذا بأسماء الأحكام والدين، عند أهل السنة أن المؤمن لا يخرج من الإيمان بالذنوب، ولا يدخل في الكفر، بل يقال للمذنب: مؤمن عاصٍ، ويقال له: فاسق، ويقال له: مؤمن بإيمانه، وفاسق بكبيرته، ولا نخرجه من الإيمان كلياً، ولا ندخله في الكفر، ولا نحكم عليه بالنار، ولا نستحل قتله ولا قتاله، ولا أخذ ماله، ولا سفك دمه؛ لأن معه الأصل الأصيل الذي هو الإيمان بالله وحده، ولو صدر منه ما صدر.

أما المعتزلة فإنهم يخرجونه من الإيمان ولا يدخلونه في الكفر، يجعلونه في منزلة بينهما، فيقولون: ليس بمؤمن وليس بكافر، (ليس بمؤمن) بمعنى: أننا لا نعامله معاملة المؤمن حتى ولو كان يصلي ويزكي، ما دام أنه مثلاً يأكل الربا أو يزني أو يشرب الخمر أو يكذب وما أشبه ذلك، يخرجونه من الإيمان ولا يدخلونه في الكفر، يجعلونه في منزلة بينهما، لو أدخلوه في الكفر لاستحلوا سفك دمه، ولاستحلوا أخذ ماله، ولاستحلوا سبي نسائه، لكنهم لا يفعلون ذلك بل يجعلونه في منزلة بينهما، وهذه المنزلة مبتدعة، أهل السنة يقولون: إنه لا يخرج بذلك من الإيمان والله سبحانه وتعالى إذا شاء عفا عنه، وإذا شاء عذبه.

إنفاذ الوعيد عند المعتزلة

الأصل الرابع عند المعتزلة هو: إنفاذ الوعيد، وما أدراك ما إنفاذ الوعيد؟ الوعيد عندهم هو ما توعد الله به على الكبائر، يقولون: الله لا يخلف وعيده، ولابد أن تقع تلك العقوبات التي رتبت على تلك الذنوب والكبائر، فيخلدون أصحاب الكبائر في النار، ويكذبون بقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]ويقولون: صاحب الكبيرة مخلد في النار، وهذه الطريقة أخذوها من الخوارج، الخوارج امتازوا بأنهم يخرجونه من الإيمان وأنهم يستحلون دمه وماله وسبيه، وأما المعتزلة فإنهم يخرجونه من الإيمان ولا يدخلونه في الكفر، ولا يعاملونه في الدنيا معاملة الكفار، ولكن في الآخرة الخوارج والمعتزلة متفقون على أنه مخلد في النار لا يخرج منها.

وعقيدة أهل السنة أنهم يجعلون أصحاب الكبائر تحت مشيئة الله، إذا شاء الله غفر لهم وأدخلهم الجنة، وإذا شاء أدخلهم النار بقدر سيئاتهم، ثم أخرجوا من النار بإيمانهم وبعقيدتهم وبتوحيدهم، يخرجون منها بعدما امتحشوا صاروا فحماً أو حمماً، ويلقون في نهر الحياة، وينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، وكل ذلك مذكور في الأحاديث النبوية الصحيحة.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة

من أصول المعتزلة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويضمنون ذلك الخروج على الأئمة، فيقولون: إذا عصى إمام المسلمين العام وأصر على معصية حتى ولو كانت صغيرة لم نقره، بل نخرج عليه ونقاتله، ويسمون ذلك: أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.

وأهل السنة يقولون: لا نكفر الأئمة بذنب، ولا نخرج عن طاعتهم ما لم نر كفراً بواحاً، كما أمرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، هذه أصول الإسلام وأركان الدين عند المعتزلة.

أصول الدين وأركانه عند الرافضة

الرافضة أصولهم أربعة: التوحيد والعدل -وهما كما تقدم عند المعتزلة- والإمامة -وهي أصل من أصولهم- والرسالة.

أما الإمامة فهي عندهم من أقوى أركان دينهم، والذي لا يؤمن بالإمامة لأهل البيت لا يكون مؤمناً ولا مسلماً، ولا يقبل منه إسلام ولا دين ولا أعمال صالحة.

ويجعلون الأئمة اثني عشر، وليس لهم أئمة إلى هذا اليوم؛ لأن الإمامة عندهم قد انقطعت منذ سنة مائتين وخمسين للهجرة، ليس لهم إمام، إمامهم الثاني عشر ينتظرونه إلى اليوم، ويسمونه: المهدي المنتظر الذي دخل سرداب سامراء، وفي كل ليلة يوقفون فرساً عند طرف ذلك السرداب في ذلك النهر، ويصيحون طوال ليلهم: اخرج يامولانا، اخرج يامولانا، ولا يجيبهم أحد طوال هذه القرون، هذا معتقدهم.

الإمامة عندهم محصورة في الأئمة الاثني عشر من أهل البيت، يؤمنون بأنهم هم الأئمة، وأنه ليس للناس إمام، وأنه لا تصح الصلاة إلا خلف إمام معصوم، وأن صلاتهم خلفنا لا تقبل أبداً، وكذلك صلاتهم خلف غير المعصوم.

وعلى كل حال فهي عقائد باطلة يعرف بطلانها بمجرد سماعها.

أما أهل السنة فإنهم يؤمنون بأن واجب المسلمين طاعة ولاة أمورهم، والسمع لهم والطاعة، والصبر على ما يرى منهم من المخالفات أو من المعاصي، ما لم يروا كفراً بواحاً عندهم فيه من الله تعالى برهان، وعند ذلك يخرجون عن طواعيتهم ولا يدخلون في الديانة لهم.

فضل الآيتين من آخر سورة البقرة

الإيمان بالملائكة والرسل ونحو ذلك مذكور في أواخر سورة البقرة: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285] هذه أربعة من أركان الإيمان ذكرها الله تعالى في هذه الآية.

وهذه الآية في آخر سورة البقرة ورد فيها فضل، مع الآية التي بعدها، وفي الحديث (من قرأهما في ليلة كفتاه)، يعني: أصبحت كافية له عن الأوراد، ومن سأل الله تعالى بها أعطاه؛ وذلك لأن الله تعالى أجاب الدعاء الذي ذكر فيها، إذا قال العبد: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] قال الله: قد فعلت، وإذا قال: رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [البقرة:286] قال الله: قد فعلت، وإذا قال: رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة:286] قال الله: قد فعلت، إذا كمل الآية إلى قوله: فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286] قال الله: قد فعلت، فيعتبر قراءة هاتين الآيتين تجديداً للإيمان، وختمت سورة البقرة بهذا الدعاء الذي ترجى إجابته إن شاء الله.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح العقيدة الطحاوية [36] للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

https://audio.islamweb.net