إسلام ويب

إن من نعم الله تعالى علينا نعمة سهولة الاتصال بالآخرين التي تتم عن طريق الهاتف، فهي نعمة عظيمة إذا أُحسن استخدامها، وبالمقابل قد تكون نقمة ووبالاً، إذا أُسيء استخدامها. فله منافع كثيرة، وأيضاً مضار كثيرة، لذلك فقد تكلم الشيخ عن الهاتف من عدة جوانب أولها: اختراع الهاتف. ثم ثنى باستخدام الهاتف للتجسس والمخابرات وأنه لا يجوز، ثم ثلث بالمرأة والهاتف، وذكر خطره على المرأة، وختم الدرس بالكلام عن بعض إيجابيات الهاتف.

قصة اختراع

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونصلي ونسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد، فالسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته. مع هذا الدرس التاسع والخمسين، من سلسلة الدروس العلمية العامة في الجامع الكبير بـبريدة، في هذه الليلة المباركة -إن شاء الله- ليلة الإثنين، التاسع من ذي القعدة من سنة 1412هـ (قصة مكالمة هاتفية).

إنها ليست قصة واحدة فقط؛ بل هي قصص كثيرة، ولن تفهم هذه القصة إلا إذا أعرتني من وقتك واهتمامك، ما يكفل سماعك هذا المجلس حتى نهايته.

أولها: قصة اختراع:

فقد كان أول تليفون يعمل بصورة مُرضية في سنة 1876م، أي: قبل ما يزيد على مائة وخمسة عشر عاماً.. وهو من اختراع مهندس يدعى: إلكسندر جرهام بل، ولكن توصيله كان ضعيفاً، ولذلك أجرى عليه رجل آخر اسمه: توماس أديسون تعديلاً مهماً، أعطى إشارات كهربائية أقوى بكثير، ثم شملت التطورات الإرسال اللاسلكي وغيره، وأصبحت كيابل التليفون تمتد آلاف الكيلومترات؛ بل أصبح مركز التبادل الذي يسمى بالسنترال يتضمن مفاتيح إلكترونية معقدة، لتسهيل الترحيل الذاتي للرسائل الصوتية المختلفة والكثيرة.

وعموماً: فقد شهد العالم في النصف الثاني من هذا القرن، ثورة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية، وساهم هذا الإنجاز في تحقيق القفزات الحضارية الهائلة، وتيسير سُبل الاتصال، فأصبح بمقدور الإنسان التفاهم مع إنسان آخر، في أي مكان من الأرض، وتبادل الحديث، وعقد الصفقات التجارية والسياسية في بضع دقائق، دون أن يتجشم عناء السفر؛ بل أصبح بإمكان مجموعة أن يعقدوا اجتماعاً مشتركاً فيما بينهم، ويتبادلوا الرأي، وينتهوا على عقد اتفاقية مشتركة مكتوبة؛ بل يقومون جميعاً بالتوقيع عليها في آن واحد، ثمة عدد من التعليقات على هذه المعلومات:

من هم المخترعون

أولها: أسماء المخترعين الكبار، ليس من بينهم من يسمى محمد، أو أحمد، أو علي، أو صالح، أو سليمان، والعلم -كما يقال- ليس له وطن صحيح، لكن العجيب من قوم دينهم يحث على العلم، ويقرر الله عز وجل لهم في كتابه، أنه سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، ثم تكون قصاراهم أن يكون بلدهم، أو تكون بلادهم سوقاً للبضاعة الأجنبية، بل حتى استخدام التقنية لم ينجحوا فيها بما فيه الكفاية!

فلا غرابة إذا انفصل العلم عن الدين والخلق، أن يصبح العلم لعنة تدمر الإنسان وتأتي على حياته.. القنابل الهيدروجينية، والنووية، والأسلحة الكيماوية والجرثومية؛ تدمر الإنسان وتحافظ على المنشآت.. فقد أصبحت المباني الشاهقة والقصور والمصانع، أغلى وأنفس من الإنسان، فاخترع الإنسان سلاحاً يدمر أخاه الإنسان، ويبقي على المنشآت دون أن يمسها بأذى!.. ولا غرابة إذاً أن يحاول الإنسان اكتشاف الكواكب، على حين لم يفلح في تحقيق السعادة لنفسه، ولا لأخيه الإنسان على وجه الأرض، فالملايين يتضورون جوعاً، وقبل ما يزيد على عشرين سنة، صرخ شاعرٌ من شعراء الشام، يقال له: شفيق جبري، محتجاً على ما يسمونه بغزو الكواكب، غزو الفضاء، فقال ضمن قصيدة طويلة عنوانها غزو الكواكب:

ما للغزاة على الأفلاك تزدحم>>>>>أجرهم أمل أم غرهم حلم

أضاقت الأرض عن آثام إثمهم>>>>>ألم يروا كم جنوا فيها وكم أثموا

يا راكب الريح تطويه وتنشره>>>>>كأنه كرة تلهو بها قدم

ما أنت والقبة الزرقاء تقحمها>>>>>أما على جنبات الأرض مقتحم

أي أنه يقول: هناك لا يوجد بشر تعتدي عليهم وتظلمهم إذا طاب لك الطغيان والظم.

أتعبت فكرك ما في جوفها نسم>>>>>تعدو عليها إذا طابت لك النسم

لا العشب ينظر في آفاق تربتها>>>>>ولا البحار عليها الموج يلتطم

ما تسمع الأذن حسّاً في مسارحها>>>>>ولا ترى العين ما يجري به القلم

لا الجن في جوفها يعلو عزيفهم>>>>>إذا سجى الليل أو ماجت به الظلم

ولا على الإنس خوف من مصارعهم>>>>>إذا تلهبت الهيجاء واصطدموا

فما يجول بها وحش يروعها>>>>>ولا يعيش بها ذئب ولا غنم

ولا الأسود تدِّوي في مفاوزها>>>>>ولا العنادل يبدي شجوها النغم

كنا نعيش على وهم يخامرنا>>>>>والناس في غبطة الأيام ما وهموا

لو قلت للقبح أنت الحسن أجمعه>>>>>لراح من قولك الخلاب يبتسم

دنيا الحقائق ما تنفك مؤلمة>>>>>فكم تمادى على أفيائها الألم

لا تحسبن كمال الحسن في قمرٍ>>>>>غنى به الشعر وازدانت به الكلم

فما على أرضه غير التراب ولا>>>>>على الأهاضيب غير الصخر ينحطم

خابت ظنونك أين الحسن تطلبه>>>>>فليس يفصح عن بدر التمام فم

ما أعظم الكون من يدري مجاهله>>>>>ضاعت على وجهه الأحقاب والأمم

هل أدركت هده من سره طرفاً>>>>>أليس تفنى على أطرافه الهمم

sh= 9902398>غابت عن العين أفلاك مبعثرةتضنها العين فوضى ليس تنتظم

لكنها إن نأت عنها وإن شمخت>>>>>فما تظل على أجوازها النجم

بئس العلوم إذا الإهلاك مطمحها>>>>>فليت من علموا في الخلق ماعلموا

متى نرى الخلق في سلطان دولتها>>>>>تمضي الليالي وقد لذوا وقد نعموا

أغاية العلم أن نفنى بمخترع>>>>>من الصواريخ في نيرانها العدم

فكم أزاحوا رجالاً عن ديارهم>>>>>فهل حوتهم على جنح الدجى الخيم

وكم أبادوا شعوباً في مرابعهم>>>>>فسل مناهجهم في العلم هل رحموا

بردٌ وجوعٌ فكل العمر في سقم>>>>>فما الحياة إذا أودى بها السقم

أينفق المال في الأفلاك في سعة>>>>>والناس في البؤس لا نعمى ولا نعم

ضاقت قلاعهم في الأرض فالتمسوا>>>>>لهم قلاعاً عن الأنظار تكتتم

كي يصبحوا بأمانٍ في فضائهم>>>>>فلا يبالون بما هدوا وما هدموا

sh= 9902409>أيزعمون سبيل العلم وجهتهمأما لهم وجهة غير التي زعموا

غزو الكواكب كشف العلم ظاهره>>>>>والله يعلم ما أخفوا وما كتموا

إذاً: العلم لا غرابة أن يكون دماراً ووبالاً على الإنسان، وأن يضل طريقه إذا انفصل عن الدين الذي بعث به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هداية للبشرية كلها! حتى المسلمون اليوم تجد أن أنظارهم كثيراً ما تتجه نحو الصناعات التسليحية، دون الصناعات التي تساهم في تيسير حياة الإنسان.

كثيرة هي الدول من العالم الإسلامي، أو ما يسمى بالعالم الثالث، التي تتجه -مثلاً- لامتلاك السلاح النووي، أو الجرثومي، أو الكيماوي، لكنها لا تتجه بالحماس نفسه، لتطوير الصناعات الأخرى المفيدة في حال السلم وامتلاكها، حتى الأسماء، لم يفلح المسلمون في اختراع أسماء عربية لهذه المخترعات الغربية، اللهم إلا في مجال التسليح، وعلى نطاق ضيق، فكلنا نعرف -مثلاً- اسم السلاح الذي استخدمه العراق، وسماه صواريخ الحسين، أو صواريخ العباس، لكن الأكثرين منا إذا أرادوا أن يعبروا عن الهاتف، فإنهم يقولون: التليفون، ولا يستخدمون ذلك الاسم العربي الفصيح الصحيح (الهاتف) أو كما يسميه بعضهم (المسرة) وذلك لانفصال العلم عن الدين والإسلام، وبُعد المسلمين عن القيام بمثل هذه الأمور.

جزاء الذين قدموا للبشرية هذه الاختراعات

ثانياً: هؤلاء الذين قدموا هذه الأعمال للبشرية، فاخترعوا الكهرباء، أو الهاتف، أو غيره، ما هو جزاؤهم؟ جزاؤهم أن الله -تعالى- كتب لأسمائهم الخلود في الدنيا، فصار يتحفظها صغار الطلبة في مدارسهم، فيشكرون فلاناً لأنه أخترع المصباح الكهربائي، أو فلاناً لأنه اخترع الهاتف أو غير ذلك، فهذا جزاؤهم في الدنيا.. أما في الآخرة فليس لهم عند الله -تعالى- من خلاق، لأنهم افتقدوا القاعدة التي يجازى على ضوئها الناس في الدار الآخرة، ألا وهي قاعدة الإيمان، يقول ربنا عز وجل: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5] ويقول: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] ويقول لنبيه، ومصطفاه عليه الصلاة والسلام: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار}.

ولما سأل إبراهيم ربه -كما في صحيح البخاري- في أباه وقال: يا رب وعدتني ألا تخزيني، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد -أي كونه في النار- فقال له الله عز وجل: {يا إبراهيم إني حرمت الجنة على الكافرين} وفي الصحيح -أيضاً- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وإن الله -تعالى- ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر} ولما سألت عائشة -كما في صحيح مسلم- رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان، وكان في الجاهلية يصل الرحم، ويقرئ الضيف، ويحسن إلى الناس فهل ينفعه ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم:{لا يا عائشة إنه لم يقل يوماً من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين} وفي حديث ضعيف أن عدي بن حاتم، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه، وكان من أجود العرب، وكرمائهم، هل ينفعه ذلك؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {إن أباك أراد أمراً فبلغه}.

أراد أن يذكر بالجود والكرم، فأصبح مضرب المثل إلى يوم الناس هذا، فيقولون: أكرم من حاتم. هذا كل ماله على عمله.. وهكذا من اخترع الهاتف -مثلاً-، أو المصباح الكهربائي، أو التطعيم ضد الأمراض أو غيره، كل ما له أن يذكره الناس بما عمل، فيكون له الذكر الحسن في هذه الدنيا، جزاءً عاجلاً، لأن الله تعالى لا يظلم أحداً، أما في الآخرة، فليس له عند الله تعالى من خلاق. ولهذا لا تعجب أن يكون مخترع الكهرباء يعيش في ظلمات الجحيم، وأن يكون مخترع الهاتف يعيش أصم في نار جهنم كما قال الله تعالى: لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ [الأنبياء:100]

وأن يكون مخترع المدفأة وصانعها يقاسي برد الزمهرير، وأن يكون صانع التكييف ينضج جلده على لهيب النار، نسأل الله تعالي العفو والعافية.

قصة المخبر السري

الورقة الثانية: قصة المخبر السري.

ربما لم يخطر في بال جرهام هذا، أن جهازه الذي اخترعه سيكون مخبراً سرياً، وحارساً غير أمين في حالات كثيرة، وأن أعداداً كبيرة من ذوي الضمائر الوحشية، والصلف المتجاوز، وقلة الإيمان، سوف يصغون بآذانهم إلى حديث بين اثنين، يستأمن فيه بعضهم بعضاً ألا يبوح به لأحد، فإذا الخيانة الكبرى تأتي من طرف ثالث، يتنصت عليهما دون علمهما، ويسجل ربما مكالماتهما، ويقدم أحياناً صوراً من هذه المكالمات، وينسخها، ويوزعها بين الناس عند اللزوم.. مَنْ يفعل هذا؟! الكثيرون! تفعله أجهزة الاستخبارات الدولية التي تحاول أن تعد الأنفاس، وتحسب نبضات القلب، -كما يقال- ومن يقرأ تقارير المخابرات الأمريكية، أو الـ k b g، أو الموساد، أو السافات، أو الخاد، أو غيرها من أسماء الأجهزة العالمية، يحس أنه يعيش في عالم الأشباح، وبالمناسبة فإن الاستخبارات العربية من أنجح الاستخبارات في العالم، أي أنها من أبشع الاستخبارات في أساليب الإيذاء، والوحشية والقمع، لكن على مَنْ؟ على شعوبها.

الصورة القائمة المليئة بالمبالغة

وهاهنا علامة تحذير كبيرة! لقد أصبح هذا الهاجس هماً مخيفاً لدى الكثيرين، فينامون ويصحون على الخوف من المخبر، وعلى الخوف من أجهزة الاستخبارات، وعلى الخوف من أشياء كثيرة، وربما أصبح الرعب شيئاً قاتلاً يطحن في دوامته آلاف المخلصين؛ فهم يخافون من كل شيء، ويحسبون حسابات طويلة لكل شيء، ويقول أحدهم للآخر: لا تنطقوا إن الجدار له أُذن وأقول: كلا.. فهذه الكتب التي ذكرتها، وهذه الأسماء التي تلوتها، وهذه البلاغات؛ هي أحياناً مقصودة لنوع من الحرب النفسية على الناس وعلى الشعوب، خاصة على المسلمين، فهم -أعني: رجال الاستخبارات الدولية والعربية- كلهم داخلون في عموم قوله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] فالمؤمن لا يخاف إلا من الله عز وجل أما هؤلاء فيحتقرهم.

لقيني قبل أيام أستاذ في كلية الطب، فحادثني قليلاً، وقال: أتمنى أن تتكلم عن موضوع مهم قلت له: أي شئ هو هذا الموضوع؟ قال: موضوع: أن الناس أصبحوا يخافون من الغرب، ويخافون من أمريكا، حتى كأنها شبح، وكأنها تقدر على كل شيء؛ وتفعل كل شيء، مع أنني عشت في أمريكا، ورأيت الرجل الأمريكي يخاف من زوجته.. فالرجل الذي يخاف من زوجته، هل يليق بالمسلم أن يخافه؟! لا؛ بل ينبغي أن يبين للناس أن هذه الدول إنما هي مصنوعة من الكراتين، وأن الله تعالى سوف يأذن بزوالها، فينبغي ألا نخاف منها، ولا من أجهزة مخابراتها وأمنها، وتهويلها.

لقد أحدثت هذه المخاوف كثيراً من العقد النفسية، التي يجب القضاء عليها، وقديماً قال عمر رضي الله عنه: [[لست بالخبّ ولا الخبُّ يخدعني]].. تبرز هذه المخاوف على لسان أحد الشعراء، وهي في الواقع هاجس في نفوس الكثيرين؛ لكنني أحببت أن أنقل لكم أبياتاً من الشعر، تعبر عن الخوف من هذا الهاجس عند أحد الشعراء، والشاعر عادة يبالغ فيقول:

ومن حذري أمارس دائماً حرية التعبير في سري

وأخشـى أن يبـوح السر بالسـر

أشـك بحـر أنفاسـي

فلا أدنيه من ثغـري>>>>> >>>>>

أشك بصمت كراسي

أشك بنقطة الحبر

وكل مساحة بيـضاء بين السطر والسطر

ولست أعد مجنوناً بعصر السحق والعصر

إذا أصبحت في يوم أشك بأنني غيري

وأني هارب مني

وأني أقتفي أثري

ولا أدري

ويقول -نفسه- أيضاً:

في زمن الأحرار أصابعي تخاف من أظفاري

دفاتري تخاف من أشعاري ومقلتي تخاف من إبصاري

فكـرت فـي التفكيـر بالفـرار من بدني

لكننـي خشـيت من وشـاية الأفكـارِ

وقديماً كان شاعر هارب يقول:

لقد خفت حتى لو تمر حمامة >>>>>لقلت عدو أو طليعة معشر

فإن قيل أمن، قلت هذي خديعة>>>>>وإن قيل خوف، قلت حق فشمر

فينبغي أن نـزيل هذه الصورة القاتمة المليئة بالمبالغة، والتي لا يمكن قبولها إلا على حد قول الله عز وجل: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا [الشعراء:224-227].

موقف الإسلام من التجسس

نحن جميعاً نؤمن بأن المطلع على كل شيء والعليم بكل شيء هو الله تعالى وحده، أما البشر فيحاولون، ويحاولون؛ ولكنهم بالضعف والنقص والغفلة موصومون؛ فلا يصلون إلى ما يطلبون، ويفوت عليهم كثير من الأمور وهم لا يشعرون: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227].

وعلى كل حال.. فقد كان موقف الإسلام من التصنت واضحاً من البداية، فالتصنت على الناس؛ سواء أن تتصنت على مجموعة يتحدثون، أو يتسارون فيما بينهم، أو بأي وسيلة عصرية، هو تجسس، والله تعالى يقول: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12] وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {ولا تحسسوا} بل في صحيح البخاري، في كتاب التعبير عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من تحلم بحلم لم يره، كلف أن يعقد بين شعيرتين -يعني يوم القيامة - وليس بفاعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صب في أذنه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ}.

والآنك هو: الرصاص المذاب، والجزاء من جنس العمل، فكما أنه تصنت على الناس بأذنه، فإنه يعاقب يوم القيامة بأن يصب الآنك -وهو الرصاص المذاب- في أذنه يوم القيامة، هذا جزاء من تسمع أو استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، وهذا كمن نظر إلى قوم وهم لا يأذنون له في النظر في دارهم -مثلاً-، كما في الحديث: {من نظر إلى قوم ففقئوا عينه فعينه هدر} وهذا في الصحيح.

ومثله حديث معاوية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: {إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم} والحديث رواه أبو داود ويقول النووي: إسناده صحيح.

فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم بما علمه الله تعالى أن معاوية سيكون أميراً وحاكماً، فلفت نظره إلى هذا الأمر، وهو ألاَّ يتتبع عورات الناس، وأن يأخذ الناس بالأمر الظاهر، ولا يأخذهم بالظنة؛ لأن فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، هو أساس كل بلاء، ورأس كل مصيبة.

ليست هذه المهمة -مهمة التصنت- هي مهمة أجهزة الاستخبارات العالمية فحسب لا؛ بل إن الكثيرين من الشباب -مثلاً- يتصنتون على جيرانهم، أو يتصنتون من خلال أجهزة الهاتف على أصدقائهم، أو على زملائهم في العمل، أو يتصنت الأخ على أخيه، أو الأخت على أختها، بل إن هناك بعض الأجهزة تمكنهم من اكتشاف أي مكالمة، وعلى سبيل المثال: كثيرون يمتلكون موجة fm، ويستطيعون أن يلتقطوا مكالمات الهاتف السيار، أو الأجهزة اللاسلكية، حتى أن الرجل قد يتصنت على أهل بيته -على بناته، أو على زوجته- دون أن يكون هناك ريبة تدعو إلى هذا. وكل ذلك يدخل في عموم النهي فيمن تسمّع إلى حديث قوم وهم له كارهون، وكل هذا يؤدي إلى النتيجة المحتومة، التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي: {... فإن فعلت أفسدتهم أو كدت تفسدهم}.

المرأة والهاتف

الورقة الثالثة: هي ورقة المرأة والهاتف.

والمرأة والهاتف موضوع يطول، لكني أُلخصه في فقرات. كثير من الفتيات تمتلك رقم هاتف خاص بها. في غرفتها، وليس لأحد أي سيطرة عليه، ومع ذلك فإنها -أحياناً- لم تتلق في البيت التربية الإيمانية، والرعاية الأبوية الكافية، أو لم تتلق من ذلك شيئاً يذكر، وهنا الخطر الكبير! الثقة في غير محلها، وقد يسيء الإنسان أحياناً الظن بالأباعد؛ ولكنه لا يتوقع أبداً من أولاده وبناته إلا الخير، لماذا؟

لأنه يعرفهم منذ الصغر.. يعرفهم من أيام البراءة -براءة الأطفال- ويحس بأنهم لم يكبروا بعد، ويلاحظ أنهم يتميزون بالحياء والخجل، حينما يحادثهم.. فالبنت -مثلاً- لو كلمها أبوها في أمر الزواج؛ لطأطأت رأسها ولم تستطع أن تتكلم، فكيف يظن بها أبوها أنها من ورائه، قد تدير قرص الهاتف على ما لا يسوغ؟ يستبعد الأب هذا كثيراً؛ لما يرى من حيائها وخجلها منه، ولكنه يلصق هذا بالآخرين.

والواقع أن هذه الثقة في غير محلها، وأن الشيطان لا يوقر أحداً، ولا يحترم أحداً، ولا يقدر أحداً، وأنه يهجم على كل إنسان، وأن أي فتى، أو فتاة لم يتلق التربية الكافية، فإنه معرض لأن يسيء استخدام هذا الجهاز، خاصة حين يكون الجهاز خاصاً له في غرفته الخاصة.

جهاز البيجر، يقول لي أحد الإخوة: إن حوالي (50%) من أجهزة البيجر التي تسجل الرقم المتصل، أنها سجلت بأسماء فتيات، ومعنى ذلك أنه من الممكن أن تتصل على أي أحد، ثم يقوم هو بالاتصال عليها، من داخل البلد، أو من خارجها.

أصبحت المرأة الآن بحكم قعودها في المنـزل، واهتمامها أحياناً ببعض أمورها، أصبحت أكثر اهتماماً ببعض هذه الأمور من اهتمام الرجل، أصبحت لا تجد غضاضة في الاتصال بجهات شتى، أكثر مما يتصل الرجل، أو ربما لا يتصل بها الرجل أصلاً.

فمثلاً: تتصل بالمدرسة للسؤال عن ولدها، أو عن أخيها ومستواه، وسبب فشله.. وتتصل بالخياط لأي تعديل طارئ على الموديل الذي اتفقت معه على الخياطة، أو لتأكيد الموعد المحدد، أو لغير ذلك من الأغراض.. وتتصل على مكتب الخطوط للحجز، وتأكيد الحجز، وتغيير وجهة السفر، بل وتحجز ليس لنفسها، بل لأهل البيت كلهم جميعاً، وتتصل ببعض الصحف والجرائد للسؤال عن مشاركتها ما مصيرها؟ أو لمجرد الحديث عن الكاتب فلان، أو لمجرد الإعجاب في المشاركة الفلانية، خاصة إن كان الكاتب كاتباً رياضياً.. وكثيرون يملكون القدرة على جر المرأة بالثناء، والمديح والإعجاب بفكرها، والإعجاب بأسلوبها الواعد، وقديماً قال الشاعر:

خدعوها بقولهم حسناء>>>>>والغواني يغرهن الثناء

وقل أيضاً: والغواني يجرهن الثناء.. تتصل بالإذاعة عبر العديد من البرامج، لمجرد إسماع صوتها، وتعويدها على التحرر من عقدة الحياء -زعموا- فمثلاً: أفراح وتهاني، هذا برنامج يذاع، تهنئ البنت أختها فلانة، التي رزقت بمولود، وأختها فلانة هذه معها في المنـزل، فتهنئها عبر هذا البرنامج، تهنئ زميلتها التي تزوجت، وقد تكون ساكنة إلى جوارها، وزميلتها الأخرى التي نجحت.. وقد تكافأ أحياناً بأغنية في الإذاعة، أو بمقطع من أغنية يسمعه الطرفان.

أما برنامج: (ألو إذاعة الرياض) فتتصل فتاة -مثلاً- لتطلب إعادة البرنامج الرياضي، الذي فاتها سماعه قبل يومين أو ثلاثة؛ لتعرف منه أخبار الدوري؛.. بل في بعض البرامج حديث مع فتاة -وقد سمعت هذا بأذني- حديث مع فتاة على أبواب الزواج، يسمعه الألوف؛ بل الملايين من الناس، وهي تتكلم عن أمر الزواج، وقصة الزواج، والملابس، والأفراح، والمناسبة، وقضاء الإجازة و.. و.. إلى إلخ، وكل ذلك يتم بأصوات عذبة رقيقة، وكلمات ناعمة، وضحكات أحياناً تشق عنان الفضاء، وتبسط لا حدود له، وبدون مبالغة أقول: أكثر مما لو كان الحديث بين اثنتين في مجلس خاص، إذ أن مراعاة كسب إعجاب الآخرين، والمستمعين والمستمعات، هو أمر مهم، ونحن جميعاً ندرك مشاعر الإنسان، (الرجل، والمرأة) وما جُبل عليه من ضعف، ورغبة في الثناء والمديح، وكرهٍ لأن يقال: إن صوته كان خشناً، أو وحشاً، أو غير ذلك.

وقد تتصل الفتاة بالنادي الرياضي، لتأخذ رقم اللاعب، وقد رأيت هذا في جريدة رياضية، حيث يعتذرون عن نشر هذا الرقم، والوسيلة للحصول عليه على أي حال، ممكنة من غير طريق الجريدة.. وقد يتحدث معها السكرتير، ويعطيها الرقم، ولك أن تكمل بقية القصة.. وقد تتصل أحياناً بأي رقم لمجرد حب الاستطلاع، أو تسجية وقت الفراغ، أو يرمي لها رجل ورقة في السوق، فتجد بها رقماً؛ فتتصل عليه لمجرد المعرفة، فتقع على شاب تعود على أساليب الخداع والتضليل، وأصبح لديه خبرة في أساليب وطرق جر الفتاة شيئاً فشيئاً إلى ما يريد؛ وما هي إلا أيام، حتى يصبح هذا الشاب بقدرة قادر قيساً، لا يستطيع أن يعيش بدونها أبداً، وأن تركها له يُعد حكماً عليه بالإعدام، ولا يزال يمنيها بأحلام الزواج الذي لا يجيء، حتى تنصاع معه وتمضي معه إلى نهاية المشوار الأثيم.

ترق هذه المسكينة لحاله، تتلطف معه!! ويجلس معها على الهاتف أحياناً -وأنا أقول لكم عن معلومات، وليس عن ظن، ولا عن مبالغة- أكثر من ست ساعات.. نصف ساعة منها -على الأقل- في النهاية؛ لتحديد موعد المكالمة القادمة.. وجهاز التسجيل -أحياناً- يحتفظ -من حيث لا تدري- هي بكل ما يدور، وأخيراً! إذا جد الجد، وحزم الأمر، قال لها: لابد من اللقاء، فتمنعت وأصرت، فقال: لابد من اللقاء؛ وإلا فالأشرطة مسجلة عندي، وبعد اللقاء لابد من المصافحة، ولابد من... وإلا...، وكما يقول الأول:

كل الحوادث مبدؤها من النظر>>>>>ومعظم النار من مستصغر الشرر

دور الهاتف في وقوع الجرائم

أنا أقول: كل جريمة تقع اليوم، فلا بد أن للهاتف دوراً بارزاً فيها، وأرجو أن تصغوا جيداً لهذه الكلمة، وأنا مسئول عنها، (كل جريمة تقع اليوم، فالهاتف طرف فيها، في أي مرحلة من المراحل) إما أن يكون هو السبب الأول ونقطة البداية، أو يكون دوره في المرحلة الثانية أو الثالثة، أو الأخيرة، وأعني بذلك: كل الجرائم، سواء كانت جريمة خلوة، أو جريمة زنا، أو جريمة قتل، أو أي جريمة أخرى.

وهذا ثابت من خلال دراسات لمئات الحالات في هذه البلاد وفي غيرها؛ التي كشفت والتي لم تكشف أيضاً، نعرف أخباراً كثيرة منه، من خلال بعض الشكاوي وبعض المشكلات. وقد تتصل الطالبة بزميل لها في الجامعة، خاصة إن كانت منتسبة، لتسأله عن المنهج، ورقم الأستاذ، وطريقة الأسئلة، وتناقشه في الموضوعات التي تقول هي: إنها غير مفهومة، وتحتاج هي إلى شرح وبيان.

الرد على الهاتف

أما الرد على الهاتف: فحدث ولا حرج، فهو من مهمة البنت غالباً؛ أن تقوم بالرد على الهاتف، وهي فرصة للسؤال عن الحال.. كيف أحوالكم؟! وكيف الأهل؟! وكيف الجيران؟! وكيف الوالد؟! وكيف الوالدة؟! إلى غير ذلك من الأسئلة، وكثيرون يرغبون في محادثة المرأة، والاسترسال معها في الحديث، والشيطان يغريهم بذلك كثيراً. أما اتصال الفتاة بفتاة أخرى، فهذا باب آخر؛ فالصديقات يقضين وقتاً طويلاً في الحديث، وأحياناً المعجبات أيضا، فالفتاة قد تقع في إعجاب -تعجب بفتاة أخرى- ولا تصبر عنها، فإذا فارقتها في المدرسة، أصبحت تتصل بها في المنـزل، وأيضاً تحدثني بعض البنات الصالحات، أن هذه المكالمات قد تمتد لثلاث وأربع ساعات أحياناً، وهي لا تخرج بطائل، إلا الإعراب لها عن محبتها والإعجاب بها، وأنها تتمنى أن تكون مثلها.

وأحياناً تكون الحالة -في حقيقة الأمر- لا تعدو أن تكون حالة عشق واضحة صريحة، ولكنها قد تلبس لبوساً آخر، مثل لبوس الحب في الله، أو الإعجاب أو غير ذلك، والله -تعالى- يحب الصدق، ويقول جل وعلا: بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة:14-15] والمسميات لا تغير من الحقائق شيئاً.

الجارة أحياناً تتصل بجارتها، وليست المشكلة في الاتصال بذاته، فالهاتف -أصلاً- إنما يفرح به؛ لأنه ييسر سبيل الاتصال، لكن المشكلة في السلبيات الناجمة عن الاتصال، والتي يلخص بعضها فيما يلي:

سلبيات استخدام المرأة للهاتف

أ/ أولاً: الخضوع بالقول:

يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32] هذا الأدب من الله تعالى لـعائشة، وخديجة، وزينب، وسودة، وأمهات المؤمنين، فما بالك بالناس في هذا الزمان، وقد كثرت الفتن، والمغريات، وارتفع أجيج الشهوات، وضعفت النفوس، وتسلط الشيطان، ومع ذلك يكون الخضوع بالقول سرّاً وعلانية!!

ب/ ثانياً: العشق؛ وقديماً كان بشار يقول:

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة>>>>>والأذن تعشق قبل العين أحياناً

وهو في الواقع عشق مزيف.. الخاسرة الكبرى فيه هي البنت، ولهذا يقول أحد الأدباء، واسمه فاروق جويدة عن الحب عن طريق الهاتف، يقول -ومن فمهم ندينهم-: إنه حب بارد، حتى لو وصفه الخط التليفوني في وقتها بأنه ساخن جدّاً!

ومن الطرائف: أن إحداهن اتصلت، وكان صوتها عذباً رقيقاً؛ فاتصلت برجل وتحدثت معه طويلاً، ثم واعدها مكاناً قصيا، ولما اقترب منها على سيارته، رأى منها ما يكره، فمضى لحاله وهو يولول وتركها، حتى طال انتظارها؛ فانصرفت.. فالخاسر الأكبر هي المرأة، ثم الأسرة التي قد تجرها هذه الأمور، إلى فضيحة لا يعلم مداها إلا الله عز وجل.

ج/ ثالثاً: التدرج في المعصية:

قال ربنا جل وعلا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21] فهي خطوة تجر إلى خطوات، والذي وضع قدمه في بداية الطريق السيء، لا يلومن إلا نفسه إذا مشى في هذا الطريق، دون أن يملك التوقف فيه! نظرة، فابتسامة، فسلام، فكلام، فموعد، فلقاء! مكالمة.. بعد ذلك تعطيه رقم هاتفها، ثم تواعده ليراها، ثم يخلو بها ثم {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} فما ظنك باثنين إبليس ثالثهما، ماذا يمكن أن يصنع رجل وامرأة؟! حقيقة لا أعرف -أنا- كيف أتصور فتاة تلتقي بفتى مراهقين خاليين، وفيهما الغريزة الفطرية التي ركبها الله تعالى في بني آدم كلهم كافة، لا أعرف كيف أتصور ألا يفكر أحدهما في الآخر؟ فهو يتصورها في أجمل هيئة، وأفضح وضع، ويتصور نفسه إلى جوارها، وهي الأخرى كذلك، شاءا أم أبيا، وشاء أولياء الأمور أم أبوا.

كثيرون هم الذين وقعوا في الفاحشة الكبرى، ولم يكونوا يخططون لذلك في البداية، خاصة من الفتيات، بل الذي يضع قدمه في أول الطريق؛ يجره إلى النهاية، والله تعالى يقول: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].

فنهى عن قربان الزنا، وقربانه: كل وسيلة تؤدي إليه.. فالآية: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32] نهي عن النظرة إلى الرجل، ونهي الرجل عن النظرة إلى المرأة الحرام، ونهي عن المحادثة الحرام، ونهي عن الخلوة، ونهي عن الضمة، ونهي عن القبلة، ونهي عن الضحكة التي تغري أحدهما بالآخر، كل ذلك ذرائع وبريد، والله تعالى يقول: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32] وفي صحيح البخاري من حديث سمرة في قصة رؤياه الطويلة.. أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بشيء مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، وفيه نيران، ورجال، ونساء فإذا ارتفع بهم اللهب صرخوا وضوضوا، فإذا انخفض لم يسمع صراخهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {من هؤلاء يا جبريل؟ فقال له: هؤلاء الزناة والزواني} نسأل الله تعالى العفو والعافية.

الزنا -أيها الإخوة والأخوات-: سبب لكل مصيبة.. وباختصار: الهم، والفقر، وأولاد الحرام، وفقدان الحياء، وقلة الخوف من الله، والفضيحة، وعقوق الأولاد، وبغض الله -تعالى- للعبد، وبغض الناس له، وتكدير العيش، وحرمان البركة، وسوء الخاتمة، وفقدان لذة العبادة، وحب الدنيا، وشدة الخوف والجبن، وسوء الظن، وكل بلاء في الدنيا وفي الآخرة. وربما جر إلى تعاطي المخدرات أيضاً، بدءاً بالتدخين، وانتهاءً بالمخدرات الأخرى -أعني: الهاتف- التي تجعل متعاطيها ديوثاً ليس فيه قطرة من الغيرة، لا على نفسه ولا على محارمه، وربما قدَّم مدمن مخدرات بنته ضحية لزملائه؛ مقابل الحصول على هذه الأقراص، وفي ذلك قصص وأخبار.

د/ رابعاً: ضياع الوقت: الذي هو رأس المال، وبه يحاسب الإنسان، وعليه يعاقب، والله تعالى يقول في محكم تنـزيله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:36] فاسمع ماذا يأتيهم الجواب من الرحيم.. الحليم.. اللطيف.. الخبير.. البر.. الجواد.. المتفضل.. المنعم: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] نعمركم أي: نعطيكم أعماراً، ونعطيكم أياماً، وليالي، ونعطيكم ساعات، ودقائق، وسنوات، بل وجاءكم النذير، فكثيرٌ منكم وصلوا إلى حد المشيب، وبعث إليهم الرسل، ومع ذلك هم مصرون على ما هم عليه.

فبالعمر يعاقب الإنسان أو يثاب، وعليه يجازى في دار المآب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث الصحيح الذي رواه أصحاب السنن، عن ابن مسعود، وأبي الدرداء وغيرهم: {لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع منها: عن عمره فيما أفناه، ومنها: عن شبابه فيما أبلاه} فالإنسان يسأل عن الشباب خاصة مرتين: مرة باعتباره جزءاً من العمر، ومرة يسأل عنه سؤالاً خاصاً؛ لأهمية هذه المرحلة وخطورتها.. ولهذا يقول شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي رحمه الله يقول: "الوقت سريع التقضي، أَبِيُّ التأتي، بطيُّ الرجوع".

والوقت أعظم ما عُنيت بحفظه>>>>>وأراه أسهل ما عليك يضيع

من العجيب أيها الأحبة: أن الكثيرين سُرُّوا حينما أُلغيت الرسوم على المكالمات الداخلية للهاتف! وهذا أمر لا يعاتبون عليه، لما فيه من توفير المال الذي يحتاجون إليه؛ لكنني أتعجب أكثر!! هؤلاء الذين ضاعفوا من مكالماتهم باعتبار أنها بلا رسوم، ألم يدركوا أن ذلك أحدث عندهم أثراً سلبيّاً؟ وأنه جعلهم يخسرون ما هو أثمن من المال، وأثمن من الرسوم ألا وهو الوقت؟ فأصبحت الفتاة مثلاً تجلس - أو الفتى - أربع ساعات على الهاتف، في مكالمة لبنت الجيران، أو لفلانة لماذا؟ قالت: ما في رسوم -نعم.. هناك شيء آخر، رسوم من نوع آخر- رسوم ملزمة للإنسان بمقتضى النص الذي يقول: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ [الطارق:4] ورسوم بمقتضى النص الآخر، الذي يقول: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] فيتخلل الكلام من ذلك الشيء الكثير الذي يعاقب عليه الإنسان، ولذلك -أحياناً- تجد الموظف مثلاً في مكتبه يتصل طويلاً، وربما قضى جزءاً كبيراً من وقته الرسمي في مكالمة لفلان أو لعلَّان، وينسى أن هذا الوقت ليس ملكاً له، بل ملك للناس.. ملك للمراجعين الذين ينتظرون أن يقوم بالإنجاز، وإذا انشغل بذلك؛ فلابد أنه سوف يكون ناقصاً نقصاً كثيراً بيناً في الإنتاجية، والعطاء؛ الذي ينتظره منه مجتمعه.

هـ/ خامساً: كثرة الكلام في هذا الهاتف وما يعتاد عليه الإنسان من ذلك، والكلام -كما أسلفت- محسوب، ويتخلل الكلام القيل والقال، والغيبة والنميمة، والكذب، والتصنع فيتظاهر الفتى للفتاة -مثلاً- بشيء آخر، وتتظاهر هي له بغير حقيقتها والغش والغزل.. وكم سينطق الهاتف لو استشهدته، ينطق بعبارات الغرام، وعبارات الغزل، والقصائد، قصائد الحب وغير ذلك؛ بل قد يتطور الأمر أحياناً إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.

أقول: في بلاد الغرب تمارس الرذيلة -أحياناً- من خلال الهاتف، حيث يتصل الفتى فتصف له الفتاة حالها، ولباسها وهيئتها وشكلها ووضعها.. إلى آخره.

ويؤسفني أن أقول في قناة ليست في بلاد الغرب، بل في بلاد الشرق، بل في مهبط الوحي، في القناة الثانية وقبل فترة، كان هناك لقطة نقلت عبر الشاشة، من اختيار أحد المستمعين أو المشاهدين، تصور المشهد الذي ذكرته لكم قبل قليل، لكن في صورة أخرى.. فقد برز على الشاشة طفلان، بنت وولد في المهد، وكل واحد في جواره سماعة، وهم يتبادلون الحديث، إشارة إلى تلك الطريقة الموجودة في الغرب، ومكتوب على الشاشة ممنوع الاتصال لأقل من ثمانية عشر شهراً، إشارة إلى أنهم في بلاد الغرب، يمنعون أن يمارس الفساد عن طريق الهاتف، من كان أحياناً أقل من ثمان عشرة سنة.

و/ سادساً: ضياع الشخصية:

فلا عمل، ولا إنتاج، ولا خدمة في البيت، ولا دراسة، ولا حل واجب، ولا قراءة مفيدة، ولا سماع شريط نافع، بل الهم الوحيد هو الجلوس إلى الهاتف، ومحادثة فلان وفلان، فيوجد ذلك من التزهد، وضعف الهمة، والاسترخاء، ما يجعل هناك جيلاً من الأولاد والبنات، لا يحب الواحد منهم أن يصنع أي شيء، لأن بضاعته تبدأ وتنتهي بالكلام، والكلام ليس أي كلام، فمن الكلام ما ينفع.. فمن الكلام ما يدخل الجنة، كذكر الله تعالى وقراءة القرآن؛ ولكن المؤسف أنه كلام يضر ولا ينفع، فيشترون ما يضرهم ولا ينفعهم.

ز/ سابعاً: الانشغال عن طاعة الله:

وأضرب لكَ ولكِ مثلاً واحداً: ألا وهو (المكالمات الليلية)، التي تبدأ غالباً بعد الساعة الثانية عشر ليلاً، وقت نـزول الرب-جل وعلا- إلى سماء الدنيا، كما في الصحيحين وغيرهما، بل هو حديث متواتر حيث يقول سبحانه: {يا عبادي! هل من سائل فأعطيه سُؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ وذلك حتى ينفجر الفجر} على حين أن هذا الفتى وتلك الفتاة، غارقان في مكالمة هاتفية تضرهم ولا تنفعهم، وتبعدهم عن ربهم جل وعلا.

ح/ ثامناً: العزوف عن الزواج:

فطالما تأخرت الفتاة عن الزواج، في انتظار فارس الأحلام، الذي خدعها عن طريق الهاتف وهو لا يجيء أبداً.

الخدم والأطفال

الورقة الرابعة: الخدم والأطفال.

الخدم في البيوت كثير، في كثير من الأحيان هم نوع من الترف والمفاخرة، وفي أحيان أخرى قد يكونون حاجة مُلحة.. المهم! كيف يستخدمون الهاتف؟!

استخدام الخادمة للهاتف

أولاً: الخادمة بلا زوج، وأحياناً كثيرة تكون غير مسلمة، ومن بيئة أخرى، فلا مشكلة لديها البتة في محادثة أي إنسان تعرفه أولا تعرفه، ما دامت تعرف اللغة العربية، سوف تتحدث مع أي إنسان، وإن لم تكن كذلك؛ فإنها سوف تتحدث مع بني جنسها، وتربط معهم المواعيد، وأحياناً تكون وسيطاً لبعض البنات في المنـزل، وتجرهن معها في شبكة فاسدة، فضلاً عن إفشائها لسر البنت، والبوح بكل ما تعرف من أحوال أهلها.

سلبيات استخدام الأطفال للهاتف

أما الأطفال فثمة سلبيات كثيرة منها:

أولاً: تعويد الأطفال على الرد على الهاتف عند كثير من الأسر، دون أن يعلموهم أدب الرد، فهذا يغرس في نفوس الأطفال حب أخذ السماعة، والرد على المتكلم مع عدم تعويده على الأدب في الحديث -كما ذكرت- مع الآخرين، وعدم تبصيره بطرق ضعفاء النفوس، في الوصول إلى ما يريدون.

فبعض الأطفال يجرهم ذلك إلى شر، أو يكشف أحوال البيت، ولا أنكر أن هناك أطفالاً كثيرين، قد دربهم أهلهم على حسن الرد على الهاتف، فتجد أنهم يردون بعبارة مختصرة: مَنْ؟ فإذا قال مثلاً: أين فلان؟ يقول: مَنْ تريد؟ بيت مَن تريد؟ إذا قال: أريد بيت فلان أبو فلان قال له:مَنْ تريد؟ بأجوبة مختصرة بقدر الحاجة، بحيث لا يمكن أن يفوت عليهم شيء، أو يصل عابث من خلالهم إلى ما يريد.

ثانياً: نقل المعلومات -أحياناً- ببراءة عن أهل البيت، فمثلاً: يتصل إنسان على طفل ويقول له: ما اسم أمك؟ ما لون غرفتها؟ ما شكل ثوبها؟ ما لون المنـزل؟ ما لون الديكور؟ إلى آخره، ويكون نتيجة لذلك تدمير المنـزل، وهذه قصة حصلت.. فبعدما يأتي رب الأسرة، يتصل الشاب الذي أخذ المعلومات كاملة، فيقول لرب الأسرة: أنت فلان؟ يقول: نعم، فيقول: أنا قبل قليل كنت مع زوجتك، ليقول له: أنت كاذب. فيقول: لا، ففي الغرفة كذا، وكان لونها كذا، وشكلها كذا، والمكان الفلاني كذا، وكانت الأزهار موجودة في المكان الفلاني، والطاولة موجودة.. ويعطيه التفاصيل التي أخذها عن طريق هذا الطفل؛ فيدمر البيت من خلال هذه اللعبة.

ثالثاً: تعويد الأطفال -أحياناً- على سماع الكلام البذيء الفاحش، الذي لا يسمعونه أصلاً في البيت، ما دام البيت محافظاً، وربما لا يسمعونه حتى في الشارع أحياناً، ومن ثم تنحرف أخلاقهم.

رابعاً: قد يكون الأطفال أحياناً وسطاء أبرياء للإيقاع بين طرفين، إما في التعريف.. فأحياناً يقول الطفل ببراءة للمتصل: هل تريد أمي؟! تريد أختي؟! ثم يقول ذلك: نعم، ويأتي بها إليه.. وأحياناً يسأله أسئلة، ويحصل من خلالها على المعلومات التي يستفيد منها في مكالمات أخرى.

خامساً: بعض الأطفال يتدرب على كيفية استعمال الهاتف -أي: أن يقوم هو بالاتصال دون تربية أيضاً- فيؤذي آخرين بهذه الاتصالات، وقد يكون سبباً في التعرف على أهله، وقد يؤذي جهات أخرى رسمية، أو بيوتاً، أو غير ذلك.

أرقام عشوائية

يعمد الكثيرون من الضائعين والضائعات -أيضاً- إلى ضرب أرقام عشوائية على الهاتف، إما أن يكونوا أخذوها من خلال الدليل، وبذلك يعرفون اسم من له الرقم، أو بمجرد تغيير الأرقام في الجهاز، وضربها بسرعة، بحثاً عن ضحية، وغالب هؤلاء من المراهقين والمراهقات، يفعلون ذلك في غيبة الأهل. عند أحدهم رقم خاص في غرفته، أو عنده فرع متوارٍ مختلفٍ في مكان لا يشعرون به، أو في حال خروج الأهل من المنـزل، وكثير من الأسر تخرج وتترك الولد المراهق، أو البنت المراهقة في البيت لوحدها، بحجة أنها تذاكر.. أو بحجة أنه ليس له رغبة في الخروج، أو بحجة أنها متعبة، أو بأي حجة؛ بل كثير من الناس ينامون مبكرين، وفي ساعة مبكرة، ويتركون المراهقين من الأولاد والبنات، دون حسيب أو رقيب.

مفاسد الأرقام العشوائية

ويحصل من جراء ذلك أمور ومشاكل قد لا يعلمها الكثيرون، لكننا نحن نعلم كثيراً منها، والجهات المعنية أيضاً تعلم الكثير من ذلك، ففي هدأة الليل يبدأ الحديث، وفي أحيان كثيرة، يحصل من جراء ذلك مفاسد أيضاً منها:

أن هناك جهازاً يعيد المكالمة، فإذا اتصلت بشخص ما، ثم وضعت السماعة، استطاع صاحب الجهاز أن يعيد المكالمة، أي أن يتصل بك هو، حتى لو كان لا يعرف رقمك بالضبط. فقد تتصل الفتاة -مثلاً- برجل، وتقول له شيئاً، أو تعبث معه، ولكنها لا تريد أن تطلعه على رقمها، ولا أن يتصل بها هو؛ ولكنه من خلال هذا الجهاز يتصل بها، وعندما يرن الجرس لديها، تفاجأ بأن هذا الشخص الذي كلمته قبل قليل؛ هو الذي على سماعة التليفون.. وتحت التهديد يهددها بأن يمسك الحرارة حتى يحضر ولي أمرها، إذا لم تنصع لأوامره، فتوافق على ما يريد خوفاً من والدها.

هذا الإزعاج الذي يحصل بالاتصالات العشوائية، هو محرم شرعاً، وهو مذموم عقلاً؛ فأما الشرع: فإنه إيذاء للمؤمنين والمؤمنات، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً َإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58] ويقول صلى الله عليه وسلم: {لا ضرر ولا ضرار}.

فالضرر مدفوع، والأذى ممنوع، ولا يجوز لإنسان أن يؤذي أحداً بقول ولا فعل، ولا حركة؛ حتى لو كانت يسيرة خاصة وأن هذا الإزعاج يأتي -في أحيان كثيرة- في وقت الهدوء، ووقت الراحة، ووقت الخلوة بالأهل، ووقت النوم، فيتحول الجهاز -بهذا- من وسيلة اتصال نافعة، إلى ذريعة تخريب وفساد.. وإذا ابتلي الإنسان بمثل هذا وطال به الأمر، فبإمكانه أن يسلك أسلوب تغيير الرقم واستبداله، كما أنه يمكن مراقبة الرقم رسمياً، لاكتشاف الإزعاج المتكرر، ومنعه من ذلك.

من المفاسد: أن هذا الأمر يشغل الخط كثيراً، وقد يتصل أحد لديه ظرف طارئ، يريد الإخبار عن شيء، عن مريض، أو عن وفاة، أو عن حادث، ولكن عبثاً يحاول فالخط مشغول، ولكن بماذا؟!

من مفاسده ومن أعظم مفاسده: دعاء الناس على مَنْ يؤذيهم: فبعض الشباب يحدثونني عن أشياء من هذا طويلة وعجيبة، قد يكون من يتصلون به رجلاً صالحاً، في هدأة الليل، وربما كان في صلاة، فإذا اتصلوا به؛ ظن أن هناك أمراً خطيراً، فإذا هو رجل يمزح ويعبث، أو بنت تعبث، فتجد أن هذا الإنسان الصالح يقول: أصابك الله بالموت، أعطاك الله بالسرطان، أعطاك الطاعون، أو غيره....

فهذا دعاء عليك من رجل آذيته، وربما في ساعة إجابة، وربما يكون من الصالحين، وقد يكون وقت قبول، وقد يكون منـزعجاً لأنك أيقظته من نومه، أو قطعت عليه صلاته، أو أزعجته وأخفته، إلى غير ذلك. وأحياناً قد لا يكون الشخص المُزْعج مستقيماً، فتسمع منه ما يسوؤك، وأقلها: أن تسمع شتم والديك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن عليّ: {لعن الله مَنْ لعن والديه} ويدخل في ذلك من تسبب في لعنهما، فكثيرٌ إذا أُوذوا؛ شتموا والدي منْ آذاهم.. فتكون تسببت في لعن والديك، وقد تسمع مِنْ ألفاظ البذاءة والتعيير، والقذف لك ولأهلك ولأجدادك ولأسرتك؛ ما تشمئز منه نفسك.. فأي خير يرجى بعد هذا؟!

بل بلغني أن بعض الناس لا يكتفي بالاتصال فقط، بل يزيد على ذلك لوناً آخر من الإزعاج، لا يكتشفه إلا الشيطان.. أو من أملاه عليه الشيطان، فيتصل ببعض الأسر الذين يعرفهم، ويعرف أن ولدهم مسافر إلى الرياض، فيقول لهم: فلان ولدكم قد حصل عليه حادث، وهو الآن في المستشفى ينازع محتضر، أو يقول لهم: إنه قد قطعه الحادث إرباً إرباً، وعليكم المجيء سريعاً لاستلامه من الشرطة، أو من المستشفى.. وقد حصل هذا، وأحدث في البيت إرباكاً وإزعاجاً لا يعلمه إلا الله عز وجل، وهذا العمل (الاتصال، وتكريره، وضرب الأرقام العشوائية) يتحول أحياناً إلى نوع من الإدمان، الذي يصعب علاجه، فكلما وجد الفتى، أو وجدت الفتاة وقت فراغ ولو يسيراً، امتدت الأصابع عفوياً إلى أرقام الهاتف، تضغطها دون تفكير، وهي السهم الأولى التي تجر صاحبها إلى بؤرة الرذيلة والانحراف.

ومن عقوبات هذا العمل حرمان الإنسان من المتعة الحلال، وتعلق قلبه بالأصوات، وما تجره من خيالات وصور وهمية، وهي بذلك تفتح للإنسان باب السفر إلى الخارج، ومعاقرة الرذيلة في مواقعها وأماكنها، والخطوة الأولى تتلوها الثانية.

خُذ الرقم

أرى بعضكم أحضر ورقة حتى يأخذ الرقم! لا. هذا مجرد عنوان.

أصبح من السهل الحصول على رقم ما، ليس عن طريق الاستعلامات، فهذا أمر معلوم؛ لكن عن طريق صاحب الرقم نفسه، فأحياناً إذا اتصل به إنسان أو بها -ولو كان اتصاله عشوائياً- أعطاه الرقم، وكل جهة رسمية أو غير رسمية يمكن أن تعطى رقم الهاتف.. مثلاً: عند فتح الملف في مستوصف الحي، يطلبون بيانات من ضمنها -ربما- كل أرقام المنـزل، ليس هناك مسوغ مقنع لهذا الطلب، وفي حالة اللزوم يمكن الاتصال على رقم واحد إذا كان ولابد.

بل أعرف أشد من ذلك! وهذه ورقة وزعت على بعض البيوت، وانظروا إليها، الآن في هذا البلد توزع!! وتباع أيضاً مع بعض الكتب أحياناً! يقول: احتفظي بهذه القسيمة، وانتظري المفاجأة السارة - هذا لربة البيت - الاسم بالكامل، السن، الحالة الاجتماعية، متزوجة، أم غير متزوجة، وظيفة الزوج، عدد أفراد الأسرة، هل الزوج يهوى المطالعة؟ بماذا؟! باللغة العربية.. لغات أخرى.. رياضة.. علوم.. كمبيوتر.. موسيقى.. أنواع أخرى...

بعد ذلك: عدد الأبناء.. ذكور.. إناث.. السن - أيضاً البنات مطلوب عددهن وأسماؤهم أيضاً - هل لديكم كمبيوتر؟ هل لديكم فيديو؟ هل هم يهوون الفيديو؟ أي نوع؟ يهوون المطالعة؟ ما هي الاهتمامات؟ خياطة.. نـزيكو.. طبخ.. أزياء.. مطالعة.. طب.. تنسيق.. زهور.. اهتمامات أخرى؛ جوائز قيمة لمسابقة قادمة، هذه الورقة إلى أين سوف تذهب؟! هذه الورقة إلى شركة الديار في إيطاليا، فتصور المكر إلى أين وصل.

وأعطاني آخر -أمس- ثلاث مذكرات، فيها أسئلة كثيرة عن الماركة التي تتعاطاها من التبغ، وهل تنوي تغيير هذه الماركة؟! ومن أين تشتريها؟! وأين تقرأ إعلاناتها؟! وأين تقضي وقت فراغك؟! وفي ذلك سؤال عن رقم الهاتف، وهو يوزع على الشباب، ويقوم بعض الصغار من الصبية المستأجرين لهذه الشركة، التي لا أدري ماذا وراءها؟ يقومون بالاتصال ببعض الناس، حتى في المطار وغيره، وسؤالهم، وتعبئة البيانات في مثل هذا الأمر.

بعض الشباب ذوو الميول المنحرفة -يعملون استبيانات- أحياناً تطوعية من عند أنفسهم، وقد رأيت من ذلك شيئاً، ويوزعونها أحياناً على مدارس الأولاد للبنات، فيقولون: أعطِ أختك تكتب هذا البيان.. وفيه اسمها، وماذا تهوى؟! وماذا تشاهد من برامج التليفزيون؟! ورقم هاتفها.

مؤسسات المجتمع

التلفاز

التلفاز يشجع -من خلال ما يعرض على شاشاته من أفلام رديئة، ومن قصص الحب والغرام، التي تبدأ أحياناً بالهاتف، ومن الكلمات التي يحفظها للطلاب والمشاهدين؛ يشجع كثيراً على استخدام الهاتف فيما لا يحسن بل يسوءه الصحافة والمجلات، تجعل المهاتفات أمراً عادياً، وتبادل مشاعر الحب والغرام يتم على صفحاتها أحياناً، وبعضها -على كل حال- خير من بعض؛ ولذلك نرجع إلى أهمية ما يقرأ من الصحف والمجلات والكتب وغيرها.. فينبغي للأب أن يوفر لأولاده وبناته الكتب الإسلامية المفيدة، والصحف الإسلامية المفيدة، وكل ما ينفعهم، ويحذرهم ويبعدهم عما يضرهم.

المدرسة

الصديقات في المدرسة، وتبادل الأرقام؛ هذا يحصل كثيراً بين الشَِلل الموجودة في مدارس البنات، وخطر التهويل من شأن هذا الأمر، فهي تقول لزميلتها: الأمر سهل، الأمر بسيط، مجرد اتصال وحديث.. وتصبح الواحدة منهن تستحي أنه ليس لها صديق تتصل به فتستحي، وإذا كانت الشِّلة كلها على نفس النمط؛ فربما تدَّعي ذلك وهو كذب، وربما تحاول أن تتصل ببعض الشباب، ويدعو إلى ذلك شيء من الفضول.

ولذلك من الضروري اختيار الصديقة الملتزمة بالنسبة للفتاة، ومن الضروري أن يكون للأهل دور في اختيار الصديقة التي تكون مع بنتهم، وألا يرضوا أن تصحبها أي فتاة، دون أن يكونوا واثقين من أخلاقها ودينها، ولابد من الإشارة إلى دور المديرة والمدرسة، والمرشدة الاجتماعية؛ في التوعية، وإقامة حلقات الذكر في المدرسة، والنصيحة في الفصول، والمراقبة أيضاً للبنات فيما يأتين به أحياناً من بعض الأمور، خاصة البنات التي تثور حولهن علامات استفهام.

البيت

البيت هو أهم المؤسسات، فلابد أن يقوم البيت بدوره في تعويد الجميع على النوم مبكراً، وعدم ترك المراهقين لوحدهم، ومراقبة الأطفال والخدم، وحصر أجهزة الهاتف في أماكن عامة، أو في مكان واحد فقط، وترشيد عدد الأرقام، خاصة مع الحاجة إليها من الآخرين. لماذا يوجد في بيتك أربعة، أو خمسة أرقام -في كل غرفة رقم خاص-؟! الناس يحتاجون هذه الأرقام، ومساعدة المسلم لأخيه المسلم مما يقربه إلى الله عز وجل، هذا الأمر ينفعك اقتصادياً، ويوفر عليك رسوم الاشتراكات، والأجور والمكالمات وغيرها، ثم هو يحفظ لك خلق أهل بيتك، وكرامتهم، ويجعلك تطمئن على سلوكهم، وعدم استخدام هذه الأجهزة استخداماً سيئاً.

أمر مهمٌّ جدّاً في البيت وهو التربية الحسنة، من التربية: تخويفهم بالله عز وجل وترغيبهم فيما عند الله تعالى، وإقامة درس -ولو أسبوعياً- للبنين والبنات، وجَعل الكتاب والشريط في متناول أيديهم، وتعويدهم على أسلوب الرد على الآخرين كباراً وصغاراً، وأضرب لكم مثالين:

أولاً: سوء الظن: بعض الناس نتيجة هذا الكلام أو غيره، يصبح عندهم سوء ظن، فكل من اتصل بهم؛ اعتقدوا فيه سوء الظن، ولهذا يردون بشراسة وقوة.. وقد يكون المتصل مازحاً أحياناً وهو يعرفهم، وقد يكون المتصل مخطئاً في الرقم، فيواجه أحياناً بالدعاء، أو بالشم.

وأذكر لكم مثالاً حصل لي: اتصلت يوماً من الأيام على صديق لي فقال لي: نعم.. فسلمت عليه، فرد عليَّ السلام، فقلت له مازحاً: هل هذا بيتكم؟ فوضع سماعة الهاتف، واعتقد أنني أعبث بهذا الاتصال؛ لأنه لم يعرفني، وفي الواقع أنه لم يكن الأمر إلا مداعبة.

فلا بأس! أعط المتصل فرصة لتعرف مَنْ هو؛ فإن وجدت أنه عابث، فلا داعي للانـزعاج، وشد الأعصاب، والهيجان والغليان، والكلام والقيل والقال، والشتم والسب والدعاء، ضع السماعة بهدوء، وإذا تكرر الاتصال؛ فكرر هذا العمل، وإذا وجدت أنه يتصل غالطاً في الرقم أو مخطئاً، أو ما أشبه ذلك، فلتعذره.

مثال آخر: -كذلك أحياناً- يتصل البعض ويقول: هذا بيت فلان فيقولون: نعم، ومن أجل أن يطمئنوا إليه ويعطوه معلومات صحيحة، يقول: معكم فلان.. إذا جاء قولوا له: اتصل بك فلان، وهو ليس هو في الواقع؛ لكنه يعطيهم اسماً وهمياً، حتى يعطوه المعلومات التي يريد، فيقول: متى ذهب؟ ومتى سيأتي.. إلى آخره؟ فإذا حصل على المعلومات التي يريد؛ استفاد منها ووظفها فيما يقصده.

مراقبة الهاتف

متى تراقب الهاتف؟ وما هو أسلوب المراقبة؟

أولاً: ينبغي أن نُبعد عن النفس الشك والوسوسة.. فإن كثيراً من الناس ابتلوا بالوسواس في أنفسهم، وفي أزواجهم، وفي بناتهم، وأولادهم، وهذا غير مطلوب، فالمطلوب -دائماً وأبداً- هو الاعتدال والعدل، فلا يغلو الإنسان في الشك والمراقبة، وأيضاً لا يغلو الإنسان في حسن الظن والغفلة، (لست بالخب ولا الخبُّ يخدعني) اجعل هذا شعارك.

لكن إذا وجد الإنسان أن هناك شبهة قوية، وأوضاعاً مريبة وشكوك، أو سمع كلاماً أو غير ذلك؛ فإن له أكثر من وسيلة. فبإمكانه أولاً: تلافي هذا الأمر دون مراقبة؛ لكن إذا احتاج إلى المراقبة؛ فإن ذلك ممكن.. من خلال أجهزة موجودة في السوق، توضع على أحد النقاط في البيت، ويكون الجهاز -جهاز التسجيل- يشتغل بمجرد رفع السماعة، فيسجل كل المكالمات المطلوبة، وهذا نوع من التصنت -كما ذكرت قبل قليل- فهو لا يجوز! حتى الأب لا يجوز له أن يتصنت على ابنته أو زوجته، أو الرجل على زوجته، أو الأخ على أخيه، إلا إذا وجد ما يدعو إلى ذلك، مثل: الشك والريبة، أو غير ذلك.

فتوى على الهاتف

لقيت كثيراً من الشيوخ -منذ زمن طويل، وفي الأسبوع الماضي على وجه التخصيص- يشتكون كثرة الاتصالات الهاتفية! وهذا -في الواقع- بشير خير، يدل على إقبال الناس على العلم الشرعي، وثقتهم بالمشايخ والعلماء؛ حيث يسألون عن أمور دينهم ودنياهم ومشاكلهم الاجتماعية، والاقتصادية وغيرها..

ولكنني أود أن أقول: حتى هؤلاء الشيوخ الذين بذلوا لنا أوقاتهم، لهم خصوصياتهم.. ومن حقهم أن يستمتعوا بأوقات الراحة، كما يستمتع بها غيرهم، وأن يحظوا منا بالرعاية وحسن الأدب؛ أكثر مما يكون مع غيرهم مثلاً: في رمضان يقول لي أحدهم: طيلة أربع وعشرين ساعة، والهاتف يرن لا يهدأ أبداً؛ لأن من الناس من ينام في الليل، ويصحون بالنهار، فيظن أني مثله، فيتصل بالنهار -حتى بعد صلاة الظهر، في منتصف الظهر- يتصل ويقول: طبيعي؛ لأنه ما دام نام في الليل فإنه لا ينام في النهار، وبعض الناس على العكس! في رمضان ينامون في النهار، ويسهرون في الليل، فيتصل الواحد منهم ربما في الساعة الثانية والثالثة ليلاً، وهو يكون يقظ؛ لأنه ما دام نائماً في النهار؛ فلن ينام في الليل. فكل إنسان يقيس الناس على نفسه، ولا يحس إلا بقدر حاجته.

هناك أمور يجب مراعاتها في موضوع الاتصالات الهاتفية، حين نتصل بمشايخنا، وعلمائنا لنسألهم عما أشكل علينا وأختصر أيضاً:

أولاً: الاقتصار على الوقت المخصص، إذا حدد وقت لا تأخذ غيره.

ثانياً: عدم الإطالة بالمقدمات: مثل:كيف حالكم؟ كيف الأولاد؟ كيف الصحة؟ كيف الأحوال؟ كيف الأهل؟ كيف الجيران؟ لا داعي لهذا.

ثالثاً: عدم ذكر التفاصيل التي لا تتعلق بموضوعه، أو أن تكون القضية مجرد بث الشكوى دون مصلحة: امرأة -مثلاً- تعاني مشكلة مع زوجها، تقتصر على ذكر المشكلة.. أما كونها تتحدث عن الأمور، وعن الماضي والحاضر، والواقع، وكذا... لمجرد بث الشكوى؛ فهذا من الممكن أن تشتكي إلى أمها، أو إلى صديقتها، أما أوقات الآخرين فلا يمكن أن تكون لمثل هذا. وقد يأتي الرجل ليسأل عن مسألة طلاق؛ فتجده يسرد لك قصة زواجه، من خمس وعشرين سنة إلى اليوم، وما جرى فيها وما حصل والمشكلات.. ولا داعي لهذا.

رابعاً: عدم الاتصال على أكثر من واحد؛ فالبعض يتصل بفلان، وفلان، ويقارن بين الفتاوى.

خامساً: حسن الأدب: فالبعض يخاطب الشيخ فيقول: أنت ما فهمت!! أو أنت لا تدري -مثلاً-!! أو هل أنت فعلاً فلان؟! وبعد كل قليل.. هل أنت فعلاً فلان؟!! ما هو السبيل لأن يثبت أنه فعلاً فلان، أو يقول: أنت أخطأت خطأ أريد أن أنبهك عليه، لا داعي لأن تجزم بأنه خطأ إلا بعد أن تذكره، ويوافقك على أنه خطأ؛ فلابد من الأسلوب المناسب.

سادساً: رعاية هذا الإنسان في أهله، وولده: فلا يسيء المتصل إليهم بقول ولا يفعل.

سابعاً: عدم الاتصال لغير حاجة: مجموعة يلتقون أحياناً فيثور بينهم أي سؤال، كل ما في الأمر أنه يتصل بالهاتف، ويسأل فلاناً، مع أن القضية قد لا تكون ملحة. وكثير من الناس؛ خاصة الفتيات والنساء، يتصلن من أجل السؤال عن الرؤيا.. عن الأحلام، وفي الواقع هناك فرق كبير بين من يتصلون للسؤال عن أحلام رأوها، وبين من يسألون عن فتاوى، ولو سأل الناس عن أمور دينهم، كما يسألون عن الأحلام التي يرونها في منامهم؛ لأصبحوا فقهاء.

ثامناً: البدء بالسلام (تحية الإسلام) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تاسعاً: عدم المقاطعة: إذا تكلم الإنسان وأجاب، لا داعي لأن تقاطعه في الكلام.

عاشراً: لا بد من وضوح الصوت: هذه تحدث مشكلة! تصور -مثلاً- أن موظف الخطوط، أو موظف البريد، أو الهاتف، الذي يستقبل مكالمات على مدى وقت الدوام، فأنه يعاني مشكلة ولابد -مع الوقت- في أذنه! فكيف بمن يكون طيلة وقته هكذا.

الجانب الإيجابي للهاتف

الورقة التاسعة والأخيرة: كل الحديث الذي مضى، أو غالبه أو جله، عن الجانب السلبي، أما الجانب الإيجابي في هذا الجهاز الحساس، فهو الأصل: فهو اختصار للوقت، وتسهيل للاتصال بالقريب والبعيد، وغنية عن اللقاء، حين يتعذر اللقاء أو يتعسر، أو يمتنع شرعاً أو واقعاً، وفرصة للدعوة إلى الله، وشكر من يستحق الشكر، ونصيحة من يحتاج إلى نصيحة، وتواصل بين الشرق والغرب، وأداة تيسير العلم وسهولة الحصول عليه، ومعرفة حكم الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما ينـزل بالإنسان، وقناة للتعرف على الأحوال والمتغيرات، ومجال لتبادل الناس في أمور معاشهم.

وعلى كل حال: فهو من الإنجازات العلمية الهائلة بكل تقدير، وعلى رغم مضي أكثر من مائة وخمس عشرة سنة على اختراعه، فهو لا زال ينافس أحدث المخترعات الأخرى التي ساهمت في صياغة حياة الإنسان في هذا العصر، وبعد هذا وقبله لا أعجب أن يخرج علينا صحفي غداً، أو بعد غد؛ ليقول: إن فلاناً يحرم استخدام الهاتف! فقد دأب بعض الناس على تحريف الكلم عن مواضعه.

الأسئـلة

كتابات جمال سلطان

السؤال: هذا يسأل عن كتابات جمال سلطان، ومن ضمنها كتاب تجديد الفكر الإسلامي وجذور الانحراف في الفكر الإسلامي؛؟

الجواب: في الواقع أن هذه كتابات جميلة جدّاً، وأنصح باقتنائها، وقراءتها، لما فيها من العمق، وجودة الأسلوب، ونصاعة الفكرة.

مشاركة شعرية

السؤال: هذه أيضاً بعض المشاركات التي ألح أصحابها على المشاركة فيها، منها قصيدة للشاعر عبد الرحمن العشماوي، وجهها إلى أحد قادة المجاهدين الأفغان، وهو رئيس الحزب الإسلامي

قلب الدين حكمتيار، أقرأ شيئاً منها مراعاة لضيق الوقت:

أزف تحية وأزف عشراً>>>>>فأنت بهذه وبتيك أحرى

كشفت مدى مؤامرة الأعادي>>>>>فلم ترفع لهم بالصمت قدراً

وكنت أمامهم سداً منيعاً>>>>>وكانوا الناطحين وكنت صخراً

أقلب الدين ما ناداك شعري>>>>>بل القلب الذي ناداك شعرا

أزف إليك إعجابي وألقي>>>>>إليك تحية تنهل عطرا

أخي في الله ما بدلت قلبي>>>>>ولا غيرت في الأحداث ذكرا

أرى الإعلام ينفخ في أناس>>>>>تفوح ثيابهم حقداً ومكرا

عمائمهم تلف على انحراف>>>>>تباع به مبادؤهم وتشرى

أراهم أزمعوا أمراً فهذي>>>>>عيون المرجفين تفيض غدرا

أقلب الدين قد رسموا خيوطاً>>>>>لتمزيق الجهاد وأنت أدرى

فلا تلق السلاح ولا تهادن>>>>>ولا تفتح لما يبغون صدرا

أنادي كل من رفعوا لواءً>>>>>قصدوا به للدين نصرا

أيا سياف لا تسمع دعاوي>>>>>من اتخذوا إليك الود جسرا

ويا برهان لا تركن إليهم>>>>>فقد مدّوا إلى يمناك يسرا

لقد أحببتكم في الله حباً>>>>>أناصحكم به سراً وجهرا

دم الشهداء يدعوكم فلبوا>>>>>فلست أرى لكم في الصمت عذرا

جهادكم العظيم جهاد جمٍ>>>>>أبى أن يمنح الطاغوت أمرا

أيا إخواننا صبراً جميلاً>>>>>فإن لكم مع العسرين يسرا

سيسقط غربهم كسقوط شرق>>>>>وسوف تريهم الأيام خسرا

أقلب الدين ما طوعت حرفي>>>>>لأهوائي ولا أرخصت حبرا

كفرت بليل حسرتنا فإني >>>>>أرى في ثوب هذا الليل فجرا

إلى آخر القصيدة.

أخبار المسلمين في البوسنة والهرسك

هذه أخبار عن البوسنة والهرسك، وقد جاءتني أمس وهذه الأخبار نوعاً ما قديمة، عن أن الجيش يستمر في نهب المسلمين وإرهابهم في مناطق شرق البوسنة، وحصار محطات الهاتف - الاتصال الهاتفي والبث التلفزيوني - وتوجيهها إلى بلجراد، كما يهدد بشلل حركة الاتصال كليّاً، وقد تم ذلك في بعض المناطق؛ وهذا النوع من الإرهاب لم يعهده العالم من قبل؛ حيث أدى إلى عزل الجمهورية عن العالم.

وفي منطقة سراييفو يجري سحب المعدات العسكرية من ثكنات الجيش، كما يستمر تهجير العوائل إلى صربيا تحت حراسة مشددة.. المهم: نشرت الصحف أخباراً مزعجة جداً، بل نشرت صوراً أكثر إزعاجاً.. نشرت صورة الصربي القناص، وهو يوجه بندقيته إلى المسلم الذي جعل له ظهره؛ فيرديه قتيلاً، برصاصات يسددها إلى رأسه، ثم تأتي زوجته لتنكب عليه فيرد بها هي الأخرى. وصورة ثالثة لصربي كافر نصراني، يضع قدمه على وجه هذه المرأة المسلمة دون رحمة ولا هوادة، كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع من العالم.

الأمر الذي طال العجب منه: أن الإذاعات والصحف، ووكالات الأنباء، أعلنت أمس، أن لقاءً سرياً تم بين الصرب والكروات، وكلهم من النصارى، وقد قلت: إن أخطر ما نخافه؛ أن يجتمعوا على حرب المسلمين، وحدث هذا فعلاً؛ فقد التقوا في فينا في النمسا، التقوا واتفقوا على تقاسم الأرض الإسلامية، وتقاسم التركة الإسلامية؛ بعضها للكروات، وبعضها للصرب، والأغرب والأعجب من ذلك: أن المسلمين لم يحضروا الاجتماع، ولم يدعوا إليه، وليس لهم من الأمر شيء.

ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ>>>>>ولا يستأذنون وهم شهود

والأغرب والأدهى والأمرّ: أن دول المجموعة الأوروبية التي اعترفت سابقاً بـالبوسنة والهرسك، أنها قد أقرت هذه القسمة، وأعلنت القبول بها، بل إن ذلك الاجتماع كان عن تخطيط مسبق من دول المجموعة الأوربية، وأنا أقول لكم بملء فمي: أبشروا أيها المسلمون! أتاكم نصر الله عز وجل لقد أصبح النصارى الآن أكثر وقاحة، وجرأة من ذي قبل، وأصبحوا يعلنونها حرباً صليبية شرسة!

ونحن نعلم أن المسلمين من المشرق إلى المغرب، حين يعرفون، ويدركون أن الحرب حرباً دينية، تستهدف عقائدهم وأخلاقهم، والله لا يقف في وجههم شيء! فليبشر المسلمون، وليدركوا أن مثل هذه الأمور لن تزيدنا إلا يقظة -بإذن الله تعالى- وصبراً وإيماناً بوعد الله عز وجل بل معرفةً بقرب النصر: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ [يوسف:110].

بعض ما يحصل في المستشفيات من مخالفات شرعية

السؤال: هذه أسئلة وهي في الواقع أوراق من مجموعة من الإخوة ورقة أو ورقتان أو ثلاث، فيها ذكر ما يقع في المستشفيات، والشئون الصحية.. فسائقو الإسعافات -مثلاً- يحضرون مريضاً من قرية بعيدة، ويذهب السائق ليس معه إلا ممرضة.

وهذا يقول: النقل الداخلي يتم عبر سيارات معينة، وفيها ضيق؛ والأدهى أنك... إلى آخره!

ويقول: في الصيدليات -أحياناً- لا يفصل بين الرجل والمرأة فاصل، وكثير من الممرضات تقوم بوضع أحمر الشفاه، وغير ذلك على وجهها، وتتعمد فتح صدرها.. وذكر كلاماً لبعض الشباب....

يقول: أيضاً الحديث عن الممرضين العرب لا يسعه -والله- المقام.. يقول: فأحدهم أصبح وقد استغنى عن تحية الإسلام، بمساء الخير وصباح الخير، إعجاباً بهن.. وأعظم من ذلك! الاختلاط داخل الأقسام، ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، كموظفات الاستقبال "الرسبشن" ويقول: إحداهن تُبعد؛ لأنها ضبطت وهي تُعاكس صدفة.

بل يضعون أيضاً أحسنهن وجهاً، وأزرقهن عيوناً -هكذا تقول الرسالة- وأقومهن أنوفاً، ومن ثَمَّ يدورون عليهن حجاب الحشمة، فتصبح كقمر جلل سحاب، ويقولون للمراجع: أغلق عينيك. هذه بعض المعاناة، وما تخفي جدرانهم أكبر.

وهذه ورقة أخرى -أيضاً- فيها: عن وجود صالة تنس محاطة بحواجز زجاجية، ووجود سوق مركزي مشترك، ووجود ما يسمى (بكوفي شوب)، أي: محل للبيع، فيه نساء مزينات، ويباع فيه القهوة والشاي.. والملاعب الرياضية: (طائرة وسلة). وتقام حالياً دورة رياضية لمنتسبي المستشفى، نساءً ورجالاً، للنساء يوم يلعبن فيه، والرجال يتفرجون، والحكام -أيضاً- من الرجال، واليوم الآخر للرجال، والمتفرجات من النساء، وأصوات الضحكات تسمع من مسافة كيلو متر وخمسمائة متر بالضبط، أي أصوات الصراخ.

وهناك الورقة الثالثة: فيها مبالغات، ويتكلم عما يتحدث به في المجالس، من وجود ألوان من الفساد، أو ما يسميه الأخ في رسالته بـ(الدعارة).

الجواب: وأنا أدعو الإخوة، أولاً: إلى التثبت في مثل هذه الأمور، فنحن نقر أن ما ذكر في الرسائل الأولى صحيح وموجود، لكن لم تصل الأمور إلى الحد الذي ذكره بعض الإخوة، ووجود حالة أو حالتين، أو ثلاث حالات فساد تكتشف في المستشفى -جرائم أو غيرها- فهذا لا يعني أننا نتنكر لجهود كبيرة موجودة، ووجود أناس صالحين سواء من الأطباء، أو من العاملين، أو حتى من الشباب الذين تخرجوا من المعاهد الصحية.

وينبغي أن تعالج هذه المنكرات بالأسلوب المناسب، الاتصال بالشئون الصحية، وإذا لم يُجدي هذا يتصل بوزارة الصحة، ويتصل بالعلماء أيضاً، ويبذل الجهود؛ لأن المستشفى -مع الأسف- قطاع يحتاجه الجميع، ولا يمكن لأحد أن يستغني عنه في حالات كثيرة! فينبغي أن نبذل وسعنا في تصحيح الأوضاع الأخلاقية، بل والأوضاع الفنية أيضاً.

وهناك شكاوى كثيرة من أوضاع فنية، موتى يموتون تحت العمليات، وهم دخلوا أصحاء، وأمور ومشاكل كثيرة، يطول فيها الحديث، ومع الأسف أحياناً لا يكون هناك تجاوب من الجهات المختصة بما فيه الكفاية! وهو الذي يجعل هذه الأمور مجالاً لحديث الناس في مجالسهم، ويتطور الأمر إلى أمور ذكرت لكم طرفاً منها، وهي روائح تزكم الأنوف.

فأدعو الإخوة -عموماً- إلى التثبت، وعدم التعجل في ذكر بعض الأخبار -خاصة المفزعة- إلا بعد التأكد منها يقيناً، وحتى عند حصولها لا داعي لأن يتكلم بها في المجالس العامة، بل يحدث بها من يعنيهم الأمر كالعلماء وطلبة العلم.

الفنانة السعودية ناجية الربيع

السؤال: يقول: الفنانة السعودية ناجية الربيع تقول: انتظر الدور المناسب بالمسرح والإخراج للسينما قريباً، هذه في جريدة الأنباء الكويتية الجمعة 6/11/1412 هـ، وقد صورها صورتين قادمة من أمريكا، درست فيها فن الإخراج السينمائي، وقامت بعدة محاولات في السعودية، وهي الآن تجرب حظها في الكويت، ولها بعض الآراء ووجهات النظر، إنها الفنانة السعودية ناجية الربيع، وماذا في جعبتها حالياً؟

الجواب: على كل حال: في مقابلة طويلة، إنما هي تنتظر الدور المناسب للمسرح، للخروج بوجه سينمائي سعودي، وأسأل الله تعالى ألا يتم ذلك، وأن يكون لجهود المخلصين ما يحول دون ذلك.

مشاركة شعرية أخرى

السؤال: هذه قصيدة لها قصة، وهي مشاركة أيضاً بعث بها إليَّ أحد الإخوة، وكنت وأنا صغير في المتوسط -أقرأ قصائد في بعض المجلات الإسلامية، وخاصة مجلة كان اسمها: الشهاب، وكانت تصدر من لبنان، فكان يشتريها بعض أقاربي فتقع في يدي، فأشتريها وأجد فيها قصائداً لشاعر فلسطيني اسمه الدكتور: عبد الرحمن بارود، فأحفظ كثيراً منها، وأكتبها في دفتر عندي، فسمعت أن هذا الدكتور يدرس في جامعة الملك عبد العزيز بـجدة، فتمنيت أن ألقاه لأسأله عن قصائده، ولقيته فعلاً فسألته عن تلك القصائد، فقال لي: إنها ضاعت ضمن ديوان أخذ منه حين سجن في مصر، وكان سجن فيه سبع سنوات، وضاع ذلك الديوان، فقلت: إني كنت أحتفظ بها زماناً، فدعاني إلى أن أزوده بها، فقرأت عليه بعض تلك القصائد، فوجدت أنه قد نسيها، حتى إنه أنكر أحدها وقال: ليست لي!!

فلما أعدتها عليه تذكرها، ثم بعث لي -جزاه الله خيراً- ببعض القصائد التي عنده، ومنها قصيدة جميلة جداً، أقرأ عليكم شيئاً منها، عنوانها: (صريع الهوى)، وهي مناسبة لموضوع اليوم، كما إنها مناسبة لموضوع قادم إن شاء الله بعنوان: مصارع العشاق يقول:

صريع الهوى غرتك وهي غرور>>>>>وعمرك طيرٌ من يديك يطيرُ

رمتك ابنة للدهر في طرفها الردى>>>>>تناذرها الركبان وهي نذير

إذا أقبلت أنست أخا اللب لبه>>>>>وهان عليه الرق وهو أمير

عروس بلا قلب يطيف بها الورى>>>>>لها من سويداء القلوب ستور

ولولا الهوى لم يهو في النار من هوى>>>>>ولا عقرت أهل الحلوم عقور

لها شرك من ينج منه فقد نجا>>>>>حبائله كالسيف وهي حرير

تُغير وتمضي كالخيال وخلفها>>>>>دماءٌ ودمع واكف وقبور

عشاء ضحى والليل داجٍ ومخبر>>>>>أصيلاً سُحيراً والبلاد حرور

فيا لك ركباناً على البيد كالقطا>>>>>وفوقك عُقبانٌ عتت ونسور

أطارت رماة الدهر قوس قديمة>>>>>ورام بحبات القلوب خبير

فكن واحد الدنيا فأنت وريقة>>>>>على طرق الركبان منك كثير

لقن كل ريح في قفار مخوفة>>>>>لهن عواءٌ تارةً وصفير

يخاطب العاشق وصريع الهوى يقول:

إلهك ليلى ما لنا فيك حيلة>>>>>عليها قصرت العمر وهو قصيرُ

ذللت فعزت واستقدت فقيدت>>>>>فأنت بأغلال الحديد جدير

قعدت وجدَّ الطيبون إلى الحمى>>>>>ولذَّ لك الخطبان وهو مرير

ولو حدقت عيناك حولك لحظة>>>>>رأيت الرحى السود وهي تدور

فيا عجباً أدبرت والدهر قُلَّبٌ>>>>>ولله في الدنيا صباً ودبور

أما أنت إذْ ألقى ألست بربكم>>>>>علينا وللأقلام ثم صرير

فقلنا بلى قال المواثيق بيننا>>>>>وأنت سميع يوم ذاك بصير

يعني إنك كنت موجوداً يوم أخذ عليك الميثاق أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف:172].

قصمت عراها يا خؤون ولم تزل>>>>>عليك شهودٌ منك فيك حضور

الشهود هي: الجوارح.

ورثت تراثاً لست تعرف قدره>>>>>وأُلبست تاجاً أنت عنه صغير

فسقياً لعهد بالديار إذ الحصى >>>>>قناديل في جوف الظلام تنير

قرونٌ خلت كانت لباباً قشورها>>>>>وفي قرننا هذا اللباب قشور

وذرية كالذرِّ قدراً وقدرةً>>>>>على ظهر سيل حيث سار تسير

إذا مجها التيار ظلت نفاية>>>>>وما لنفايات السيول شعور

تعهدها إبليس حتى تهودت>>>>>وعلمها الملعون كيف تغيرُ

أكل أبي جهل لديكم مؤلَّهٌ>>>>>وأنتم قرابين له وبخور

تصوغون عار الدهر تيجان عسجد>>>>>وكلٌ يولي والحساب عسير

تعفن وجه الأرض حتى تسمم >>>>>الجنا وتعادت أفرع وجذور

وإعصار جنكيز يدوي وبحره>>>>>رعودٌ وليل عاصف وهدير

هي الحرب في كل الميادين خلفها>>>>>مراجل قار في الصدور تفور

هي الحرب فانظر هل هناك بقية>>>>>من الدار وانظر هل هناك ثغور

يدير رحاها ألف كسرى وقيصر>>>>>وألف حييّ للمدير مدير

أعز ضحاياها القلوب تخالها>>>>>خرائب بُصرى ليلهن دهور

لك الله يا أقصى تقنعت باكياً>>>>>وكل صناديد الرجال أسير

بكيت وأيدي الجاهليات تلتقي>>>>>عليك وعجل السامري يخور

فجازاك ربي يا غثاء ألا ترى>>>>>إلى أي درك في الوحول تغور

ملايين يا ليت الملايين لم تكن>>>>>ويا ليت أرض الجاهلية بور

وسرب من الإنس السماواتُ تحته>>>>>ووجهته عرش المليك يزور

ربيب المقادير الأعز كأنه>>>>>من القرب والحب المقدس نور

على لهب المأساة أحكم صقله>>>>>فليس له في العالمين نظير

يروع حيياً طيفه كل ليلة>>>>>إذا جاء يومي لا تقيك جحور

غداً يأخذ الإيمان مجراه عنوة>>>>>ويعتق أقنان ويحرق نير



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , قصة مكالمة هاتفية للشيخ : سلمان العودة

https://audio.islamweb.net