إسلام ويب

أباح الله ورسوله أنكحة وصحح عقودها، وفي المقابل حرم أخرى وأبطل عقودها.. فأباح الزواج بكل امرأة غير متزوجة أو ليست في العدة، أو كانت ملك يمين، وحرم نكاح المحصنات، وأبطل نكاح الشغار والتحليل والمتعة؛ كي تحفظ الأنساب ولا يسقي رجل زرع غيره، وتصان الفروج عن العبث والإهانة والفوضى التي تعيشها المجتمعات الكفرية.

الأنكحة المحرمة في الإسلام

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد:

فبصدد بيان المحرمات يقول الله سبحانه وتعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:24].

معنى المحصنات في الشرع

قوله تعالى: (والمحصنات من النساء) معناه: والمحصنات من النساء حرام عليكم أن تتزوجوهن.

من المراد بالمحصنات؟

كثير من العلماء يقولون: إن المراد بالمحصنات هنا: المتزوجات؛ فحرام عليك أن تتزوج امرأة لها زوج.

هذا رأي جمهور المفسرين في تفسير المحصنات هنا. أي: حرام عليكم أن تتزوجوا المتزوجات إلا إذا طلقهن الأزواج.

ومن العلماء من قال: إن المحصنات هنا المراد بهن: الحرائر. أي: والحرائر لا يجوز لكم أن تتزوجوهن إلا بولي وصداق.

لكن جمهور المفسرين على القول الأول، وتقدم أن الإحصان يطلق على عدة معاني، منها: العفة، فالعفيفة محصنة، ودليله قوله تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [التحريم:12]، والمؤمنة محصنة، والحرة محصنة، والمزوجة محصنة. فكل هؤلاء محصنات.

وأصل الإحصان مأخوذٌ من المنع، فالزواج يحصن فرج المرأة من الزنا. أي: يمنعها من الزنا، والإسلام كذلك يمنع المرأة من الزنا، والحرية كذلك تمنع المرأة من الزنا، ومن هذا الباب ما ورد بإسناد فيه كلام: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ البيعة على النساء وذكر: أن لا يسرقن ولا يزنين، قالت هند: أوتزني الحرة يا رسول الله؟) ، فأفاد هذا الكلام: أن الزنا لم يكن متفشياً في الحرائر.. بل كان متفشياً في الإماء.

فالشاهد: أن الحرية تحصن. أي: تمنع من الزنا؛ فالإسلام والحرية والعفة والزواج كله يحصن المرأة. أي: يمنعها من الزنا. وكل هذه الأصناف من النساء يطلق عليهن محصنات.

لكن المراد بالآية الكريمة معنىً واحد من معاني الإحصان وهو: الزواج، فالمتزوجات من النساء حرام عليكم أن تتزوجوهن إلا إذا طُلقن، أو فسخ عقدهن نكاحهن، أو انخلعن، أو فارقن أزواجهن بأي سبب من أسباب الفراق.

نكاح السبايا الحوامل

في حالة واحدة يجوز لكم فيها أن تتزوجوا المحصنات، أو يجوز لكم فيها أن تطئوا المزوجات، وهي: حالة الحرب إذا كنّ من سبايا الحرب، فإذا حدثت معركة بين المسلمين والكفار، وسبى المسلمون نساء كافرات، جاز لهم -أي: للمسلمين- أن يطئوا ويجامعوا هؤلاء الكافرات؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم غزى غزوة يقال لها: غزوة أوطاس -وأوطاس بلدة قريبة من الطائف- فأصاب سبياً -أي: من النساء- وكان لهؤلاء السبي أزواج، فتحرج الصحابة من وطئهن، فأباح لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطئوهن إذا استبرءوهن بحيضة، لكي يتأكد من سلامة الرحم من الحمل تحيض المرأة منهن حيضة، كما في حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم ، ولا يجوز وطؤهن في حالة واحدة، وهي: إذا ما كن هؤلاء السبايا حوامل؛ لأنه والحالة هذه -حالة كونهن حوامل- الولد ينسب للزوج الجديد أو القديم؟

ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأةً مجح على باب فسطاط -أي: حامل وظهر حملها واستبان- فقال: (ما له، لعله يريد أن يلم بها -أي: يجامعها- لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره) كيف يأخذ شيئاً وهو لا يحل له؟! فالسبايا إذ كن حوامل يحرم على الذي سباهن أن يطأهن إلا -وإلا هنا بمعنى: لكن- إذا لم يكن حوامل فيستبرأهن بحيضة، ويجامعهن بعد الحيضة، كما هو رأي الجمهور، والله أعلم.

تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها

قال تعالى في بيان المحرمات المحصنات بعد أن ذكر المحرمات بالنسب وهن سبع، ومن الرضاعة وهن سبع، وبالمصاهرة وهن أربع.

قال سبحانه: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24] أي: غير المذكور كله حلال لكم، وقوله: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) تفيد: أن كل النساء اللواتي لم يذكر تحريمهن في الآية حلال، ولكن كما لا يخفى أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين القرآن فتخصصه أحياناً، وتنسخه أحياناً أخرى، وتقيده أحياناً، فالسنة أحياناً تزيد عليه أحكاماً أخرى، فمثلاً: يقول الله سبحانه في مسألة الإشهاد: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة:282]، أضيف صنف ثالث، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بالشاهد ويمين الشاهد، إذا لم يوجد رجل وامرأتان ولا رجلان، فيأتي الشاهد ويقسم، فمسألة: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ [الأنعام:145]، معنى الآية: ليس في الشيء الذي أوحي إلي في القرآن شيء محرم على آكل يأكله إلا ثلاثة: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ [الأنعام:145]، لكن السنة أضافت أشياء أخر محرمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم حرم كل ذي مخلبٍ من الطير، وكل ذي ناب من السباع، فأضيف إلى المحرمات شيءٌ آخر.

كذلك في النكاح، قوله: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) يفهم كل مسلم: أن النسوة حلال إلا اللواتي ذُكرن، لكن جاءت السنة بمنع أصناف من النساء، ومن هذه الأصناف: الجمع بين المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها، فهذا لم يذكر في كتاب الله، ولكن في المتفق عليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها). ففي هذه تحريم للجمع بين المرأة والعمة أو المرأة والخالة.

والعلماء يقولون: إن هذا التحريم خشية القطيعة التي تحدث بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، ومن هنا: إذا كانت هناك امرأتان متصادقتان ومتحابتان، فهل يستحب لهما أن يتزوجا برجلٍ واحد أو يكره لهما ذلك؟! يكره ذلك خشية القطيعة؛ لأنه لو كان مستساغاً لاستسيغ الجمع بين المرأة وأختها وهن أقرب مودة من المرأة وصديقتها.

ويستنبط من قوله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ [النساء:23]، وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها)، يستنبط: أن المرأتين إذا كانتا متصادقتين لا يتزوجا برجل واحد؛ لأن الغيرة تنبت فيهما، ويحدث بينهما شيءٌ مما يحدث بين سائر النساء، فلسن هن خيرٌ من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التي كسرت إحداهن صحفة أخرى وأسقطت الطعام على الأرض أمام رسول الله عليه الصلاة والسلام.

قال الله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، قيل: إنه أضيف إليها الجمع بين المرأة وعمتها: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24]، استثني منه: الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها.

حرمة نكاح التحليل

واستثني من الأنكحة الجائزة: نكاحُ التحليل. فالرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن المحلل والمحلل له)، وفي بعض الروايات المتكلم فيها: (أن النبي عليه الصلاة والسلام وصف المحلل بالتيس المستعار).

فهذا التيس الذي استعير لتحليل المرأة لزوجها الأول مرتكبٌ لكبيرة؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعنه، وكل من لعنه رسول الله عليه الصلاة والسلام يعتبر مرتكباً لكبيرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له، فلو أن رجلاً تزوج امرأة وفي نيته أن يحللها لزوجها الأول، فإنها لا تحل للزوج الأول إلا إذا نكحت زوجاً غيره وجامعها هذا الزوج الجديد ثم طلقها برغبة منه، فحينئذٍ يجوز للأول أن يتزوجها، ولو أن رجلاً أضمر النية في قلبه أنه سيتزوج فلانة كي يحللها لفلان لكنه لم يصرح بذلك عند العقد، فالعقد صحيح ولا إشكال فيه.

وهذا يجرنا إلى مسألة وهي: الزواج بنية الطلاق: رجلٌ نزل بلدة من البلدان، وخشي على نفسه الفتنة فيها، فقال: أتزوج امرأة من هذه البلدة وبعد ذلك إذا جئت لأسافر طلقتها، فالجمهور من أهل العلم على أن العقد صحيح؛ واستدل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لصحته بحديث: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها)، فقال: قد يقدم الرجل الزواج بهذه النية وبعد ذلك تتعدل نيته، ولسنا مأمورين بالنظر في النيات، فكم من رجل تزوج امرأة وفي نيته دوام المعاشرة وبعد مدة تفسد نيته ويطلقها أو تتغير نيته ويطلقها.

واستدل بأثرين عن عمر في كليهما ضعف، أحدهما: أثر ذو الرقعتين من طريق محمد بن سيرين : أن امرأةً كانت تحت رجلٍ قرشي فطلقها القرشي ثلاثاً، فبت طلاقها، فلم تعد تحل له إلا إذا نكحت زوجاً غيره، فذهب قومها يفتشون ويبحثون عن رجلٍ يتزوجها ويطلقها وترجع لزوجها الأول، فأرسلوا امرأةً إلى رجل كان يجلس عند باب المسجد يلبس ثوباً مرقعاً فقالت له المرأة الوسيطة: هل لك يا ذا الرقعتين أن نزوجك امرأة الليلة تبيت معها وتستمع بها، ونأتيك بثوبين جديدين، وتفارقها الصباح! قال: نعم أفعل، ففي الليل أعجبت به المرأة وأعجب بها، وكانت متبرمة من زوجها الأول، فقالت له: إنهم سيأتون في الصباح ويأمرونك بالطلاق فلا تطلقني، إن اشتدوا عليك فاذهب إلى أمير المؤمنين عمر فأخبره بذلك، فبعد صلاة الفجر إذا بالباب يطرق ويقولون له: اخرج، قال: لماذا أخرج فهذه زوجتي؟ فاشتدوا عليه فذهب إلى أمير المؤمنين عمر ، فأمره عمر أن يبقى معها ولا يطلقها، وعزر المرأة التي كانت وسيطاً في الزواج، وكان عمر كلما قابله قال: مرحباً بك يا ذا الرقعتين، سبحان من كساك هذه الرقعتين.

فقال أتباع الإمام الشافعي ما حاصله: إن الرجل تزوجها وفي نيته أن يطلقها، والنية هذه لا تعتبر شيئاً ولم تؤخذ بالاعتبار، إنما أمضى عمر الطلاق مع علمه أن الرجل أقبل عليها وفي نيته أن يطلقها فدل ذلك على صحة العقد.

واستدلوا بدليل آخر، وهو: ما أخرجه البخاري في صحيحه: أن امرأة رفاعة القرظي أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن رفاعة طلقني فبت طلاقي، يعني: انتهت التطليقات التي هي له عليّ، وإني تزوجت بعده بـعبد الرحمن بن الزبير فوالله يا رسول الله ما معه إلا مثل الهدبة -وأشارت إلى هدبة من طرف ثوبها- لا يغني عني شيئاً -أي: أن ذكره قصيرٌ لا يشبعها- فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء زوجها الجديد عبد الرحمن بن الزبير ، فقال: يا رسول الله! إنها والله امرأةٌ ناشز، وإني أنفضها نفض الأديم وأتى معه بولدين، فرأى إليهما النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بهما أشبه بأبيهما كما أن الغراب يشبه الغراب، فقال: هذا الذي تزعمين أن ما معه إلا مثل الهدبة، لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك).

فقال هؤلاء المستدلون من الشافعية: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة: (لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة )، فتزوجت عبد الرحمن وفي نيتها أن تُطلّق، لكن النبي صلى الله عليه وسلم صحح العقد، وما قال: إن العقد باطل.

ولكن: أجيب على هذا الاستدلال: بأن نية المرأة لا تؤثر في الطلاق بشيء، فإن الطلاق هو بيد الرجل، والله سبحانه وتعالى أعلم.

نكاح الشغار تعريفه وتحريمه

قال تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24]، استثني منه: الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، واستثني منه نكاح التحليل.

أما نكاح الشغار فقد اختلف في تفسيره.

أولاً: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار ولا شك في هذا، ولكن ما هو الشغار؟

القدر الذي اتفق عليه أكثر العلماء في الشغار هو: أن يقول الرجل للرجل: زوجني أختك أو ابنتك أو موليتك، على أن أزوجك أختي أو موليتي أو ابنتي ليس بينهما صداق.

من العلماء من رأى هذا التفسير، سواءً كان بينهما صداق أو ليس بينهما صداق، المهم أنك لا تجعل زواج الشخص بامرأة شرطاً لزواج الآخر بأخته أو بابنته، فسواء كان بينهما صداق أو ليس بينهما صداق فإنه يعد شغاراً عند كثير من العلماء.

وتفسير الشغار كما في الحديث: (أن يقول الرجل للرجل: زوجني أختك أو ابنتك على أن أزوجك ابنتي أو أختي ليس بينهما صداق).

قوله: (الشغار أن يقول الرجل للآخر) هل هو مدرجٌ على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، أم هو من كلام رسول الله؟ هل الرسول نهى عن الشغار، وقال: الشغار كذا وكذا، أم أن أحد الرواة عن رسول الله هو الذي قاله؟

الحديث مروي من طريق مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الإمام الشافعي يقول: لا أدري تفسير الشغار من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أم من قول ابن عمر أم من قول نافع ، أم من قول مالك ؟

ومن أهل العلم من قال: إن تفسير الشغار من قول مالك ، ومنهم من قال: إنه من قول نافع ، ومنهم من قول: إنه من قول ابن عمر ، ومنهم من قال: إنه من قول رسول الله.

لكن جمهور العلماء قالوا: إن تفسير الشغار من قول نافع .

وأحياناً الإدراج يشكل ويسبب خلافاً طويلاً في المسائل الفقهية، ولعلنا مثلّنا من قبل هذا لمسألة ذات أهمية في هذا الباب وهي: (أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم) والسبعة الأعظم جاء تفسيرها: الجبهة -وأشار إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأصابع القدمين، فكلمة: (وأشار إلى أنفه) فهل هي من قول رسول الله، أم هي من قول الصحابي الذي يرويها عن رسول الله، أم من قول التابعي الذي يرويها عن الصحابي، أم غير ذلك؟ لأنه ينبني عليها حكم فقهي قوي: فمن سجد ولم يجعل أنفه تمس الأرض فقد أخطأ، وكثير من الناس يسجد وأنفه مرتفعة، فهل صلاته صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنفه، أم ليست صحيحة؛ لأنه لم يجعل الأنف تمس الأرض؟

فالحكم بالدرجة الأولى حكم فقهي؛ لكنه مبني على الحديث.

والمهمة هنا مهمة أهل الحديث لا أهل الفقه؛ لأن المدار على تصحيح زيادة: (وأشار إلى أنفه)، إن كانت من قول الرسول فقد قطعت جهيزة قول كل خطيب كما يقول القائل، وإن كانت من قول طاووس فقد أصبحت محتملة للأخذ والرد، والمدققون من أهل الحديث من المتقدمين بينوا أن هذه من قول طاووس وليس من قول رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإذا ثبت أنه من قول رسول الله فقد انقطع النزاع، فإذا قال الرجل للآخر: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، لكن صداق ابنتك ألف وصداق ابنتي ألفين جاز ذلك والمعنى: أنه إذا كان بينهما صداق جاز الشغار على هذه الرواية.

وقد جاءت رواية في صحيح مسلم من طريق عبد الله بن نمير أيضاً: يرويها بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار، والشغار أن يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي)، واقتصر على هذا الحد، ولم يذكر كلمة: (ليس بينهما صداق)، فلذلك دبّ الخلاف بين العلماء في من قال للآخر: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي وكان بينهما صداق، هل يصح الزواج أو لا يصح؟

فرأى فريق من أهل العلم: أنهما إذا جعلا بينهما صداقاً يصح؛ لأن تفسير نافع : (ليس بينهما صداق)، وهؤلاء كان بينهما صداقاً.

والذين بنوا على رواية ابن الزبير قالوا: إن جعل زواج هذه شرطاً لزواج تلك فإن العقد لا يصح، واستدل له العلماء بحديث معاوية : أن ولداً من أولاد العباس تزوج بامرأة، قال له: أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، وجعلا لكل منهما صداقاً، ففرق بينهما معاوية وقال: هذا هو الشغار الذي نهى عنه رسول الله.

إذاً: فرق بينهما رضي الله عنه مع أنهما قد جعلا لكل واحدة صداقاً.

لكن الجمهور قالوا: إن هذا استنباط من معاوية وهذا من فهمه، ونقل هذا الفهم عن رسول الله، لكن غيره نقل عن رسول الله أنهما ليس بينهما صداق.

والشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله له رسالة في هذا الموضوع، واختار فيها رأي أمير المؤمنين معاوية ، سواء تزوجها على صداقٍ أو لا فالعقد باطل، لكن إن جاء عفواً وتزوجت أخت رجل، والرجل بعد ذلك تزوج أختك بدون مواطأة ولا اشتراط فالنكاح صحيح ولا إشكال فيه.

فقوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24]، استثني منه نكاح الشغار، ونكاح التحليل، والجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها.

حكم الزواج بخدينة الأب

تأتي صور فيها منازعة، وهي:

-رجل زنى بامرأة -عياذا بالله- فهل يجوز لابنه أن يتزوجها؟

الجواب: قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24] يفيد الجواز، لكن الذين قالوا: إن النكاح يراد به الوطء سواءً كان وطئًا شرعياً صحيحاً أو غير شرعي يمنعون من مثل هذه الحالة، ولكن الصحيح من أقوال العلماء ما قاله فريق منهم: أن الحرام لا يحرم حلالاً، والحلال لا يحل حراماً، فإذا كان الشيء من أصله حلال فإن الحرام لا يحرمه، فمثلا: أصل زواج الرجل بالمرأة حلال فجاء أبوه زنى بها، فالزواج ما زال حلالاً له، أو العكس: ابن زنى بامرأة فهل يجوز لأبيه الزواج بها؟ كل هذا على نمط واحد، لكن المانعون يمنعون احتياطاً؛ لأن الرجل إذا كان متزوجاً بامرأة وابنه زنى بها عياذاً بالله، فإنه يتمكن من الدخول عليها كثيراً لكونه ربيباً لها، فالمسألة تكون عظيمة، فيمنعون منه سداً للذريعة.

وما هي الأدلة على سد الذريعة؟

هناك أدلة كثيرة على سد الذريعة، وقبلها ما تعريف قولنا: (سداً للذريعة)؟

مثلاً: قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، سداً للذريعة الموصلة إلى الزنا، ومثله: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108]؛ فسب هبل واللات والعزى جائز، لكن إذا كنت ستسبهم ويسب الكفار رب العزة جل وعلا، فلا تسب آلهة المشركين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يسب الرجل أباه؟ قالوا: وكيف يسب الرجل أباه يا رسول الله؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه).

ومنها: كما قال فريق من العلماء: تحريم التصاوير، ومنها: النهي عن البيعتين في بيعة، وذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه: إعلام الموقعين تسعة وتسعين دليلاً على سد الذريعة، وقال: نكتفي بهذا القدر الموافق لأسماء الله الحسنى، فمن أراد الرجوع إليها فليرجع؛ لأن سد الذريعة باب مهم جداً في الفقه في الدين.

يعني: مثلاً تتعامل به مع كل الناس حتى مع الشرير المفسد، تتعامل به مع الشرار والمباحث، وتتعامل به مع التجار، وتتعامل به مع أي صنف من الناس، مثلاً: باب يأتي لك منه أذى قد تسده بطريقة شرعية وتمنع عن نفسك الأذى بشيء يقره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لولا أن قومك حديثي عهد بكفر لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم)، فسد الذريعة التي تدخل الشك على قلوب الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

قال الله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء:24].

(كتاب) أي: كتبه الله وفرضه الله عليكم، وننبه على أن الباب ليس كتاباً مستقلاً لـابن القيم إنما هو باب في كتابه: إعلام الموقعين عن رب العالمين، والفصل طويل جداً واسمه: سد الذرائع، لكن يؤخذ في الاعتبار: أن من الأحاديث التي استدل بها العلامة ابن القيم رحمه الله أحاديث بعضها ضعيف لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكن قد يسلم له من هذا الباب خمسون دليلاً مثلاً.

الأنكحة الجائزة في الإسلام

نكاح ملك اليمين

أما ملك اليمين فهي حلال لكن قوانين الأمم المتحدة الكافرة منعتها، وإلا فالأصل أن ملك اليمين حلال، تذهب إلى السوق تشتري أمة من الإماء -ليست من الحرائر- أو من سبايا الحرب، تشتريها وتستمتع بها، وإن شئت أن تكرمها وتعتق رقبتها وتتركها حرة لوجه الله فهذا بابٌ طيب محمود، حث عليه رب العزة حين قال: فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [البلد:13-14]، وقال: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92]، وقال في كفارة الصيام: إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89]، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الرقاب أفضل -أي: في العتق- قال: أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمناً)، كل ذلك حث عليه رسول الله، وكانت الرقاب من الإماء والعبيد موجودة في السعودية إلى عهد قريب، إلى أن شنع جمال عبد الناصر على الملك فيصل عند ما حدثت بينهم خلافات، وقال عبد الناصر: إن أولاد سعود يبيعون ويشترون في النساء والبشر، فأصدر الأخير قراراً بإعتاق كل الرقاب، وعمل عملاً جيداً، فإنه لم يجبر الناس على أن يعتقوا الرقاب، بل اشترى الرقاب من الناس واعتقها، فخرج بمنفذ شرعي: أنه اشترى الرقاب من الناس، وكان في الناس من له خمسمائة رقبة وأربعمائة رقبة من عبيد وإماء، فاشتراهن كلهن وأعلن أنهم عتقاء وأحرار.

فلذلك تجد هناك من القبائل من هو إلى الآن من قبيلة فلان ابن فلان المولد، والمولد تعمل له أصلاً، فقد يكون مولداً من عبيد مع حرائر، ولا زال بعضهم موجوداً إلى الآن في موريتانيا، وجزر القمر، ونيجيريا.

قال الله سبحانه وتعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24] أي: تتطلبوا بأموالكم، وهو الصداق الذي تدفعونه.

مُحْصِنِينَ [النساء:24] أي: متعففين، غَيْرَ مُسَافِحِينَ [النساء:24] أي: غير زناه، أن تتزوجوا ولا تزنوا، وهذا خلاف الواقع الذي نعيشه، فيباح الآن في بعض الدول اتخاذ العشيقات ويمنع الحلال، ففي بعض الدول كتونس وغيرها إذا زنا الرجل بمائة امرأة لا شيء عليه، لكن إذا تزوج بأخرى سُجن، ورب العزة يقول: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ، في الحلال ( غير مسافحين ) يعني: غير زناة، بنكاح غير سفاح.

نكاح المتعة ونسخ جوازه

قال تعالى: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ [النساء:24]، قوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) ما المراد به؟

البعض يقولون: المراد به نكاح المتعة، لكنه نسخ: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24] يعني: التي تتمتع بها من النساء فرض عليك أن تدفع إليها الأجر.

إذاً: من العلماء من يقول: إن هذا كان في نكاح المتعة الذي كان جائزاً في أول الأمر ثم نسخ.

ومنهم من يقول: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24] أي: الصداق، وهذا في: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) أي: بالزواج. وعلى أي تفسيرٍ كان فنكاح المتعة منسوخ، كما هو رأي جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة، فنكاح المتعة كان في أول الإسلام وفي أواخره أيضاً: وكان الرجل إذا تقابل مع امرأة فأعجبته ولم تكن ذات زوج، فإنه يتفق معها على أن يتعاشرا يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أكثر أو أقل في مقابل قدر من المال أو الأشياء العينية التي يعطيها لها، ثم بعد ذلك يفترقان من غير طلاق إذا انتهت المدة المتفق عليها، وهذا النكاح كان جائزاً ثم نسخ.

قال: سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه: تقابلت أنا وابن عم لي بامرأةٍ بكر عيطاء -بكر يقصد: كالناقة- فعرضنا عليها أنفسنا أنا وابن عمي، فقالت: ماذا تبذلان؟ قلت: أن أبذل بردي، أي: ثوبي أو شيء مشابه للثوب، وقال ابن عمي: وأنا أبذل بردي، وكان برد ابن عمي أجمل من بردي -يعني: ثوبي كان قديماً جداً وثوب ابن عمي كان جديداً- ولكني أحسن من ابن عمي وأجمل، فجعلت تنظر إليّ وإلى بردي، فتراني جميلاً وترى ثوبي مهلهلاً، وتنظر إلى ابن عمي وإلى برده، وفي آخر الأمر قالت: هذا بردٌ جيد، وهذا بردٌ لا بأس به، وتعاشرت معها ثلاثاً، ثم سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: (من كان تمتع من هذه النساء بشيء فليتتاركا؛ ففارقتها).

جاء تحريم نكاح المتعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة مواطن: فقد جاء أنه حرم المتعة عام خيبر، وعام الفتح، وفي غزوة أوطاس، وفي غزة تبوك، وفي حجة الوداع، لكن الرواية أنه حرمها في غزة تبوك ضعيفة، والرواية التي حرمها في حجة الوداع ضعيفة أيضاً، والثابت أنها حرمت في خيبر، وغزوة أوطاس، وعام الفتح، فقال بعض العلماء: إن الصحابة قد تمتعوا في عهد أبي بكر: قال جابر : (متعتان نهى عنهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه: متعة الحج: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196]، ومتعة النساء).

وهذا ثابت إلى جابر رضي الله عنه، لكنه قد أشكل على من قال: إن المتعة حرمت عام أوطاس، فقال: لو كانت حرمت عام أوطاس فلماذا استمتع الناس في حياة أبي بكر الصديق؟ ووصفوا الروايات التي فيها: أن المتعة حرمت في خيبر، ثم حرمت في الفتح، ثم حرمت في أوطاس أنها مضطربة لكون هذه بعد تلك، وقالوا: فإذا كانت حرمت في خيبر فلماذا حرمت مرة ثانية في الفتح، ولماذا حرمت في أوطاس؟ وهذا الرجل سبرة بن معبد تمتع في أوطاس وهي بعد الفتح؟

فأجيب: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها، ثم حرمها، ثم أباحها، ثم حرمها إلى الأبد.

أما ما ورد أن بعض الصحابة تمتعوا في حياة أبي بكر رضي الله عنه؛ فلربما فعلوا ولم يصلهم النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعبرة بالحجة الدامغة من النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي نهى عن جملة أشياء ولم تبلغ كبار الصحابة، وقد نهى رسول الله عليه والصلاة والسلام عن التطبيق في الصلاة.

والتطبيق: هو أن يضع الرجل يده اليمنى مع اليسرى مضمومتين بين فخذيه وهو راكع، وفعل ذلك ابن مسعود وخفي عليه حتى فعله وهو في زمن أبي بكر، حتى قال سعد بن أبي وقاص : (يرحم الله أبا عبد الرحمن قد كنا نفعل ذلك ثم نهينا عنه).

وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم المتعة إلى الأبد، وكون بعض الصحابة فعلها في حياة عمر ، فهذا لا يطعن فيهم؛ لأن الصحابي قد لا يبلغه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبلغ صحابة آخرين، وهذا له جواب يجاب به على هذه المسألة.

وبعض الصحابة كـعبد الله بن عباس أخذ من كون النبي صلى الله عليه وسلم أحلها ثم حرمها ثم أحلها ثم حرمها فقهاً، قال: هذا يرجع إلى إمام المسلمين إن شاء أباحها للناس وإن شاء حرمها، لكن ردّ عليه ردٌ شديد في هذا الباب خاصة من قبل علي ، فقال له: يا ابن عباس كيف تفتي بإباحة نكاح المتعة؟! إنك رجلٌ تائه! لقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الحمر الأهلية عام خيبر ونكاح المتعة، ولذا وصفه علي رضي الله عنه بأنه رجلٌ تائه.

والعجب من الشيعة البغضاء أنهم يدعون محبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعلي ينهى أشد النهي عن نكاح المتعة، كما في الصحيحين وغيرهما، وأنه يصف عبد الله بن عباس بأنه رجلٌ تائه لما أباح نكاح المتعة، ولكنهم قومٌ متبعون للأهواء لا للدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد كانت بين ابن الزبير وبين ابن عباس أيضاً مشادة في هذا الباب.

قال ابن الزبير معرضاً بـابن عباس -وكان ابن عباس كبر فعمي- ما بال أقوام أعمى الله بصيرتهم كما أعمى بصائرهم يفتون بجواز نكاح المتعة؟! فقال له عبد الله بن عباس: والله إنك لجلف جافٍ، ولقد فعلت على عهد إمام المتقين صلى الله عليه وسلم، فقال له ابن الزبير : جرب بنفسك فوالله لئن فعلت لأرجمنك كما رجم قبر فلان، فاشتدت المسألة بينهما في هذا الصدد وجمهور الصحابة على منع نكاح المتعة منعاً باتاً؛ لأن النبي حرمها إلى الأبد عليه الصلاة والسلام.

ما يشرع من المهور في الأنكحة

يقول الله سبحانه وتعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:24] أي: لا إثم عليكم: فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ [النساء:24].

وفي قوله تعالى: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ، دليل على وجوب الصداق، ودليل على أن الصداق من حق المرأة وليس من حق أبيها؛ لأن الله قال: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، فدل ذلك على أن الصداق للمرأة، ونحوه: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (فلها صداق بما استحللت من فرجها)، فالصداق للمرأة، ثم إن شاءت بعد ذلك أن تتصدق به على أبويها فعلت، ولا تجبر على ذلك.

قال تعالى: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أي: لا أثم عليكم.

فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ يعني: إذا أرادت هي أن تتنازل لك على شيء من الصداق تنازلت، وإن شئت أن تزيدها شيئاً فوق الصداق زدتها ما دامت الأنفس متراضية وطيبة: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:24].

وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

حكم مصافحة النساء الأجنبيات

السؤال: ما حكم مصافحة النساء الأجنبيات؟ وما صحة حديث معقل بن يسار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لئن يطعن أحدكم بمخيط من حديد في رأسه خيرٌ له من أن يمس امرأة أجنبية

الجواب: الحديث ثابت وصحيح؛ أخرجه الطبراني بإسناد صحيح، وأقل أحواله إن تشددنا في أمره أن ننزل به فقط إلى الحسن من حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه: (لئن يطعن أحدكم بمخيط من حديد في رأسه خيرٌ له من أن يمس امرأة لا تحل له)، وفي البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، إنما يقول: قد بايعتك كلاماً)، أما الوارد من حديث عمر : (أنه كان يبايع النساء ويصافحهن من وراء ستار)، فهو حديث ضعيف، وفي إسناده مسلم بن خالد الزندي ، وهو ضعيف.

أما حكم الإمام السيوطي رحمه الله على الحديث فلا يعتبر؛ لأنه ليس من المدققين في التصحيح والتضعيف، ومن ثم استدرك عليه جماهير العلماء جملة تحصيلات لم يوفق بها، وجملة تصحيحات لم يصب فيها أيضاً، والله تعالى أعلم.

صلاة المأسور في غير بلده

السؤال: ما حكم صلاة الأسير الذي يبعد عن بلده بكثير، هل عليه قصر؟

الجواب: إذا كان بعيداً عن بلده فله القصر.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة النساء [24] للشيخ : مصطفى العدوي

https://audio.islamweb.net