إسلام ويب

ليلة الزفاف هي أول ليلة يلتقي فيها الزوجان، وقد يقع بينهما من سوء التفاهم ما يضر بالعلاقة الزوجية، فعلى الزوج أن يعالج ذلك بحكمة، وكذلك قد تتصرف الزوجة تصرفاً غير سليم يحتاج من الزوج إلى صبر، ولا يعالج الخطأ بالخطأ.

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد:

فبين يدي كلمتنا نذكّر بشيء من فضل الصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: يقول النبي صلوات الله وسلامه عليه: (من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام) ، هناك -كما لا يخفى عليكم- ملائكة موكلون برحم المرأة، وملائكة موكلون بقبض الأرواح، وملائكة وقفوا على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول، وملائكة وقفوا على أبوب القرى يسجلون الذين يزورون إخوانهم في الله، وملائكة وكلت بالرعد، وملائكة وكلت بالحفظ والكتابة، وملائكة وظيفتهم حمل الصلاة والسلام إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم من المصلين عليه، هذه وظيفتهم فقط، فهم يبحثون في الطرقات إن وجدوا أحداً تلفظ بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم حملوا ذلك إليه قائلين: فلان بن فلان يسلم ويصلي عليك يا رسول الله، فيرد النبي صلى الله عليه وسلم عليك مصلياً مسلماً، فإذا غنمت من هذا المجلس خمس صلوات على رسولك محمد، صلى الله عليك بها خمسين صلاة، وكذلك صلى وسلم عليك نبيك محمد عليه الصلاة والسلام، فينبغي أن يُحرص على الاستكثار من الصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ امتثالاً لأمر الله حيث قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، ورغبة في الأجر والثواب.

عبرة وعظة من قوله تعالى: ( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً )

موضوعنا في ليلتنا هذه إن شاء الله تعالى، كلمات حول آية من الآيات لعلنا والزوج ننتفع بها، وأنتم تعرفون أن كتاب الله كتاب مبارك كله خير، شهد الله له بذلك، فقال تعالى عن كتابه الكريم: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29] ، وقال تعالى: وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ [الأنبياء:50] فكتاب الله كتاب مبارك، كل كلمة منه فيها نفع، يقتبس منها هدي، ويُتأدب منها بأدب، وقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وقال ربنا: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79] فتعلُمنا آية يرفعنا الله بها درجة، فضلاً عن الاستفادة في الآداب والأخلاق وغير ذلك.

والآية التي تناسب المقام والزوج هي قول الله تبارك وتعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم:3].

قوله تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا [التحريم:3] ما السر الذي أسره النبي صلى الله عليه وسلم إلى أزواجه؟

ابتداءً: للآية ولما قبلها من الآيات سببان من أسباب النزول كلاهما صحيح، وكما يقول علماؤنا يرحمهم الله: (قد تتعدد أسباب النزول للآية الواحدة)، فيحصل أمر، ثم يحصل أمر آخر، ثم يحصل أمر ثالث، فتنزل الآية في كل الأسباب التي حدثت، فيأتي صحابي جليل يقول: الآية نزلت في كذا، ويأتي الآخر يقول: الآية نزلت في كذا، وقد نزلت الآية فيهما جميعاً، فأحياناً تتعدد أسباب النزول للآية الواحدة.

فهذه الآية والآيات التي سبقتها تعددت لها أسباب النزول وهي صحيحة، فمنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلوى والعسل، فكان يدخل عند أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، فيطيل المكث عندها فتسقيه عسلاً، فغارت عائشة وحفصة رضي الله عنهما، فتواطأتا فيما بينهم، وقالت واحدة منهما للأخرى: أيتُنا دخل عليها الرسول صلى الله عليه وسلم فلتقل له: ما هذه الريح التي أجدها منك يا رسول الله؟ هل أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغافير.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب دائماً أن يكون طيب الرائحة، وكان يحث على ذلك ويحذر من رديء الرائحة وخبيثها، وكان يقول: (من عُرض عليه ريحان فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل)، وكان يقول للذي أكل ثوماً أو بصلاً: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا وليعتزل مساجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) فكان الرسول طيب الرائحة، يقول أنس: (ما شممت ريحاً قط أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فالشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عند زينب وقد شرب عسلاً، فلما دنا من عائشة واقترب منها قالت: ما هذه الريح التي أجدها منك يا رسول الله؟ أأكلت مغافير؟ إني أجد منك ريح مغافير يا رسول الله؟ فشق ذلك على رسول الله وقال: (لا، ولكني شربت عسلاً) فقالت عائشة رضي الله عنها: جرست نحله العرفط، يعني: أنت شربت عسلاً، والنحل الذي أخرج هذا العسل كان يرعى في شجر ليس بطيب الرائحة وهو شجر العرفط، فأخرج عسلاً ليس بطيب الرائحة فسكت الرسول عليه الصلاة والسلام.

ثم ذهب إلى حفصة رضي الله عنها، فلما اقترب من حفصة قالت: يا رسول الله! ما هذه الريح التي أجدها منك؟ هل أكلت مغافير؟ إني أجد منك ريح مغافير، قال: (لا، ولكني شربت عسلاً ولن أعود، وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحداً) فنزلت الآيات: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2]. الآيات.

وهناك سبب نزول آخر:

كما لا يخفى عليكم أن الرجل إذا كان متزوجاً باثنتين لزمه أن يقسم لكل واحدة منهما يوماً وليلة، ولكن إذا كانت عنده أمة من الإماء فلا يجب عليه أن يقسم لها، إنما يأتيها في الوقت المتيسر له من ليل أو نهار، فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، وكانت عنده جارية يقال لها: مارية، فكان يقسم للتسع ولا يقسم لـمارية؛ لأنها أمة من الإماء.

فالحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مارية ليلة، فعلمت بذلك حفصة، فقالت: أفي نوبتي وعلى فراشي؟ قال: (لن أعود ولا تخبري بذلك أحداً وقد حلفت)؛ فنزلت لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1] فهذان سببان من أسباب النزول.

ويستفاد مما سبق: أن النساء ذوات حيل، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنكُن لأنتنُ صواحب يوسف)، فالنساء ذوات حيل قد تكون في الخير أو تكون في غيره. وهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها جاءها رجل من الفقراء ذات يوم فقال لها: يا أم عبد الله ! إني أريد أن أبيع في ظل داركِ، قالت: إن الزبير رجلٌ غيور، وإذا جئت تبيع في ظل داري غار الزبير ، فانتظر حتى يأتي الزبير فاسأله واستأذنه، فلما جاء الزبير جاء الرجل الفقير يقول: يا أم عبد الله ! إني أريد أن أبيع في ظل داركِ فهل تأذنين لي؟ قالت: الدور كثيرة أما وجدت غير ظل داري فابتعد الرجل، فقال الزبير وقد أخذته الشفقة بالرجل: كيف تمنعين رجلاً فقيراً من البيع في ظل داركِ؟ قالت: تأذن له أنت؟ قال: آذن، قالت: من أجلك أذنت له أن يبيع في ظل داري. إذاً: قد تكون الحيلة في الخير وقد تكون الحيلة في غير ذلك.

الشاهد: أن النبي أسر إلى بعض أزواجه حديثاً، قيل إنها حفصة، والسر هو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تخبري بذلك أحداً) فالذي أسر بالسر هو الرسول عليه الصلاة والسلام، وأسره لفاضلة من الفضليات وأم من أمهات المؤمنين، وأكد عليها بقوله: (فلا تخبري بذلك أحداً) فأفشت زوجة رسول الله سر رسول الله، فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الإخبار، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زوجته أفشت السر، ونزل عليه قول ربه تعالى: فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ [التحريم:3].

الحث على الرفق بالمرأة والتجاوز عنها

من قول الله تعالى: فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ [التحريم:3] نتعلم آداباً وأخلاقاً كريمة؛ فقوله: عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ [التحريم:3] يقول العلماء يرحمهم الله: إن المرأة إذا أخطأت عشرة أخطاء فإن من الظلم لها أن تؤاخذها في الأخطاء العشرة، وإنما تؤاخذها في بعض الأخطاء وتعفو عن البعض الآخر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في شأن النساء: (إنهن ناقصات عقل ودين)، فإذا جئت تعامل ناقص العقل كما تعامل الكبير العاقل ظلمت ناقص العقل؛ فإذا كان هناك طفل، وجئت أُعامله معاملة الكبير وأحاسبه كما أحاسب الكبير، قال الناس عني: مجنون، ولكن هذا الطفل الصغير يُعفى له عن بعض أخطائه ويؤاخذ بالبعض الآخر.

فكذلك المرأة إذا صدر منها أخطاء -لأنهن ناقصات عقل ودين- فلا تؤاخذ المرأة بكل الأخطاء التي تصدر منها، ولكن تؤاخذها في البعض وتعفو لها عن البعض، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ما يؤيد ذلك، يقول: (إن المرأة خُلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإذا ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوجاً، فاستوصوا بالنساء خيراً)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة -أي: لا يبالغ في انتقاصها وازدرائها- فإن كره منها خلقاً رضي منها آخر)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (الناس كإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة)، فالناس عموماً كالإبل المائة، إذا جئت تختار ناقة سريعة المشي، قليلة الأكل، طيبة المركب، هادئة الطبع، فقد تجد ناقة واحدة تتوافر فيها الخصال القوية والجيدة في مائة ناقة.

كذلك الناس، كإبل المائة، تبحث عن رجل صالح وطيب، واصل للرحم، مقيم للصلوات، متبع للجنائز، يحضر مجالس العلم، ينكر المنكر، ويقر المعروف، تجد في المائة واحد، فإذا كان الناس كذلك، فالنساء من باب أولى، فلابد وأن تجد في المرأة عيباً، وإذا ظننت أنك لن تجد عيباً في المرأة فأنت مخطئ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسيا ومريم عليهما السلام).

فإذا جئت تبحث عن امرأة جميلة، فقد تجد الجميلة لكن نسبها ليس بطيب، وقد تجد الجميلة ذات النسب الطيب لكنها مبذرة مسرفة، وقد تجدها مقتصدة لكنها فاشلة في عمل البيت لا تعرف الطهي، فيفسد بسببها الطعام يوماً بعد يوم، وقد تجدها جميلة وطيبة وتعرف الطهي ومقتصدة، لكن تفاجأ بأنها عقيم لا تلد، وقد تجدها ولوداً لكن سليطة اللسان، فلزاماً أن تجد خللاً في المرأة؛ لأن النساء ناقصات في الأصل، ويدل على ذلك وصف الرسول لهن بذلك، وقد قال ربنا أيضاً: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] والسفهاء تفسيرها عند أكثر العلماء: النساء والصبيان، وقد قال الله تعالى أيضاً في شأن النساء: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ [الزخرف:18] أي: ينشأ من الصغر في الحلية والزينة، فالبنت من صغرها تُلبسها أمها ثوباً جميلاً، وعقداً وحلقاً وغير ذلك.

كما قال الشاعر:

وما الحلي إلا زينة من نقيصةيتمم من حسن إذا الحسن قصّرا

أما إذا كان الجمال موفراًفحسنكِ لم يحتج إلى أن يزوّرا

المرأة أصلاً ناقصة العقل، ولن تستطيع أن تجدها كاملة أبداً، وأسوق لك أمثلة على ذلك من خير القرون، قرن النبي عليه الصلاة والسلام، فمثلاً:

أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: إن سألت عن نسبها، فهي ذات نسب، فهي ابنة عمة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإن سألت عن جمالها فهي في غاية الجمال، تقول عائشة: -مع أن زينب كانت ثيباً- فهي التي كانت تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من ناحية النسب فهي ذات نسب، من ناحية الجمال جميلة جداً، من ناحية الدين فقد كانت في غاية الاجتهاد في العبادة، وكانت تقوم من الليل تصلي، فإذا تعبت علقت حبلاً في السقف تربط به وسطها حتى لا تسقط وهي تصلي، إلى أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم الحبل فقال: (ما هذا؟ قالوا: حبلٌ لـزينب إذا قامت تصلي من الليل ففترت تعلقت به، فقال عليه الصلاة والسلام: حلوه، ليصلي أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد) فهي رضي الله عنها مصلية كثيرة التطوع.

كذلك إن سألت عن صدقتها رضي الله عنها فقد كانت كثيرة الإحسان والتصدق، تشتغل في بيتها شغلة فتأتي بالجلود وتدلكها تمهيداً لدباغتها، وتأخذ مقابل ذلك نقوداً لا لشيء إلا كي تتصدق بهذه الأموال، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه ذات يوم: (أسرعكن لحاقاً بي -يعني: التي ستموت من بعدي- أطولكن يداً) فكن نساء النبي يقسن الأذرع: من أطولهن ذراعاً؟ فكانت سودة بنت زمعة أطولهن ذراعاً، لكنهن فوجئن بأن التي ماتت بعد الرسول هي زينب بنت جحش، فعلمن أن المراد بطول اليد طول اليد بالصدقة، فقد كانت يدها رضي الله عنها كريمة سخية بالصدقة.

إذاً: من ناحية النسب هي ذات نسب، من ناحية الجمال ذات جمال، من ناحية العبادة ذات عبادة، من ناحية الصدقة متصدقة محسنة. قبل أن يتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم تزوجها زيد بن حارثة رضي الله عنه، ولكنها رضي الله عنها كان في لسانها حِدة تسرع، لكنها تراجع نفسها سريعاً، وقد تصدر منها كلمات شديدة ثم بعد ذلك تعتذر عن هذه الكلمات، فكانت رضي الله عنها مع زيد بن حارثة رضي الله عنه وعنها على هذا المنوال، فيأتي زيد يشكوها للرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: زينب تصنع وتصنع يا رسول الله، وتقول كذا، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم واعظاً له: (أمسك عليك زوجك واتق الله)، ولكن قدر الله وما شاء الله فعل، آل الأمر إلى أن طلقت من زيد بن حارثة ، فقال الرسول لـزيد لما انقضت عدتها: (اذهب فاخطبها لي) فذهب يخطبها للرسول، فقالت لـزيد: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أستخير ربي عز وجل -أي: لست بموافقة ولا رافضة حتى أستخير الله عز وجل- فذهبت إلى مصلاها تصلي، فزوجها الله من فوق سبع سماوات: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] فدخل عليها الرسول صلى الله عليه وسلم بدون إذن منها ولا من أوليائها، فقد زوجها الله من فوق سبع سماوات، وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: (كلكن زوجكن أهاليكن وأنا زوجني الله من فوق سبع سماوات).

الشاهد من هذا معشر الإخوة: أنها رضي الله عنها مع كل ما فيها من خير وجد فيها شيء وهو حدة لسانها.

تقول عائشة: ما رأيت امرأة أورع ولا أخشى لله، ولا أتقى لله، ولا أتقن للعمل الذي تتقرب به إلى الله من زينب بنت جحش، وهي التي كانت تساميني من نساء النبي صلى الله عليه وسلم في المنزلة عند رسول الله، وهي وإن كانت حادة اللسان إلا أنها كانت تراجع نفسها بعد ذلك.

هذه امرأة مع ما فهيا من خير اعترتها حدة اللسان.

ننتقل إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فهي عالمة، فقيهة، جميلة حسناء، صديقة بنت صديق، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بكراً، خصال الخير مجتمعة فيها، لكن قدر الله أن تكون عقيماً لا تلد للرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضاً فقد كانت شديدة الغيرة، ... أرسلت امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً للنبي في قصعة وهو عند عائشة، فقامت عائشة رضي الله عنه إلى حجر وضربت القصعة بقوة فكسرت القصعة بما فيها. فقد كانت رضي الله عنها شديدة الغيرة حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (غارت أمكم غارت أمكم).

وننتقل إلى امرأة أخرى من النسوة الفضليات: إلى ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، أسماء ذات النطاقين، كانت تعلف فرس الزبير زوجها وتسوسه، وتجمع النوى وتدقه للفرس، وتخدم الزبير، وفيها خصال خير كثيرة جداً، لكنها كما تقول هي عن نفسها: (لكني كنت لا أحسن الخبيز، فكانت لي جارات صدق كنّ يخبزن لي ويهدينني الخبز).

هدي السلف في التعامل مع أخطاء الزوجة

الحاصل من ذلك أيها الأخ الكريم: أنك إذا أردت أن ترى في المرأة كل خصال الخير ستفشل في الحياة معها، وتأكد من هذا، فالنساء ناقصات عقل ودين، وخصال الخير ما اجتمعت في امرأة إلا في امرأتين آسيا ومريم عليهما السلام، فإذا أخطأت زوجتك عشرة أخطاء فتجاوز لها عن خمسة وعاقبها في خمسة.

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: والله إني لا أحب أن استنصف جميع حقي على امرأتي -يعني: أنا لا أحب أن آخذ جميع حقوقي من امرأتي- لأن الله يقول: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]. يعني: لابد أن تكون أنت الأفضل، أما إذا أخطأت المرأة عشرة أخطاء، وجئت تؤاخذها بالأخطاء العشرة فأنت رجل ناقص العقل، قد جعلت نفسك كالمرأة بالضبط سواءً بسواءً، ولكن أهل الفضل يتركون لمن دونهم أخطاءً يخطئون فيها، وأهل العقل الكامل يتركون للمجانين ولأصحاب أنصاف العقول شيئاً من الأخطاء يخطئون فيها؛ وإلا فلو آخذوهم بكل الأخطاء التي تصدر منهم لظلموهم.

فعلى الزوج أن يراعي الزوجة ويعلم أنها ليست كالرجل، فإذا جاء يعاملها كما يعامل الرجال سيفشل، فإذا جاء يطبق المعاملات مع الرجال هي هي سواءً بسواء مع النساء سيفشل، فالرجل مع الرجل قد يتكلم بكلمة شديدة، لكن النسوة لا يتحملن ذلك. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (رفقاً بالقوارير) قد تشتد مع الرجل في الكلمة وتشتمه أحياناً، ويتحمل لأنه رجل، كما يقولون: جثته قوية يتحمل، لكن بالنسبة للمرأة فلو تتكلم بكلمة يسيرة جداً ترى الدمع يذرف من عينها، فالنساء رقيقات القلوب، والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بهن خيراً، لما كان الرسول في سفر وكان أنجشة حادياً لرسول الله، يغني للإبل أغاني أو يحدو بكلمات ينشط الإبل على المسير، فكان ينشط الإبل فتسرع الإبل في المسير، والنسوة فوق الإبل، فيقول الرسول: (يا أنجشة رويدك، رفقاً بالقوارير). يعني: إذا حدوت كثيراً فالإبل حينئذٍ ستمشي سريعاً، فيخشى على النساء من السقوط، (يا أنجشة رويدك يا أنجشة، رفقاً بالقوارير).

وفي هذا الباب أيها الإخوة -باب المؤاخذة ببعض الشيء والعفو عن الشيء الآخر- أذكرّ بما حدث للنبي عليه الصلاة والسلام مع عائشة رضي الله تعالى عنها، وأذكر موقفين حدثا لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها.

تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحب خديجة حباً شديداً، فقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً على فراق خديجة رضي الله تعالى عنها، وكان النبي عليه الصلاة والسلام حسن العهد لا ينكر المعروف، ولا يجحد الإحسان، فلما ماتت كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها، وإذا ذبح ذبيحة يقول لنسائه: (أرسلوا إلى أصدقاء خديجة) وهذا من حسن العهد.

وفي يوم جاءت هالة بنت خويلد، أخت خديجة تستأذن على الرسول عليه الصلاة والسلام، فارتاح النبي صلى الله عليه وسلم بقدومها، فغارت بسبب ذلك عائشة رضي الله عنها، فقالت للرسول: كل يوم تذكر خديجة، خديجة، خديجة، ما تذكر من امرأة عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين -تعني: أن أسنانها سقطت من فمها، وأنها كبيرة في السن، ولم يبق في فمها إلا حمرة الشدقين- قد أبدلك الله خيراً منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني رزقت حبها) ولم يشدد صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها لما تكلمت بهذا الكلام، وإنما قال: (إني رزقت حبها). والشاهد في ذلك أنه لما كان الحامل لـعائشة على ما قالته هو الغيرة الشديدة لم يشدد النبي صلى الله عليه وسلم في مؤاخذتها رضي الله عنها.

وحصل موقف آخر من عائشة رضي الله عنها، حاصله: أن عائشة رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله حسبك من صفية كذا وكذا -أي: يكفيك من صفية كذا- وأشارت بيدها إلى أنها قصيرة -يعني: ما الذي عند صفية- فقال عليه الصلاة والسلام حينئذٍ: (يا عائشة ! لقد تكلمتِ بكلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) واشتد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها.

فالشاهد: أن الزوج عليه أحياناً أن يؤاخذ، ولا يترك المجال دائماً للزوجة تتصرف كما تشاء، وعليه أحياناً أن يعفو، وله أحياناً أن يؤاخذ، على حسب ما يقتضيه المقام، فهذا هدي نبيكم محمد صلوات الله وسلامه عليه.

وكان عليه الصلاة والسلام أحياناً يمازح عائشة رضي الله عنها، بل ويسابقها، وفي الوقت نفسه يقول عليه الصلاة والسلام: (رحم الله رجلاً قام من الليل يصلي فأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل تصلي فأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء) كان صلى الله عليه وسلم أحياناً يسابقها فقد خرج مسافراً ذات يوم، فأمر الجيش بالتقدم وعائشة كانت معه فقال: (سابقيني يا عائشة فسابقته عائشة فسبقته) وكانت صغيرة، ثم لما تقدم بها العمر قال: (سابقيني يا عائشة -في واقعة مشابهة- فسبقها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذه بتلك) ومع ذلك فهو صلى الله عليه وسلم لا يقصر في إيقاظها للصلاة، فإذا أراد أن يوتر أيقظها فأوترت رضي الله تعالى عنها.

فرسولنا صلى الله عليه وسلم كان وسطاً في أموره وأذكر على ذلك مثالاً يتعلق بالاحتياط مع حسن الظن بالزوجة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا طال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً يتخونهم يلتمس عثراتهم) يعني: إذا تأخرت في السفر فلا تأت تفاجئ الزوجة بالطرق والفتح السريع تتخونها، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: (ولكن أمهلوا حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة) أي: حتى تزيل شعر عانتها للفترة التي غاب عنها زوجها.

في ذات يوم رجع أبو بكر رضي الله عنه وكان قد تزوج بـأسماء بنت عميس بعد مقتل زوجها جعفر رضي الله عنه، فوجد في البيت رجالاً، فذهب يشكوها إلى النبي فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا أبا بكر هل رأيت شيئاً تكرهه؟ قال: ما رأيت إلا خيراً يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام -مدافعاً عن أسماء- إن الله قد برأها من ذلك) أي: برأها مما تظنه بها، ثم قام خطيباً فقال: (ألا لا يدخلن رجل على امرأة مغيبة بعد يومي هذا إلا ومعه الرجل أو الرجلان والثلاثة) فمع أنه كان حسن الظن إلا أنه أيضاً سلك سبيل الاحتياط لأمته، فقال ما قد سمعتموه، وقد قال مع ذلك أيضاً: (إياكم والدخول على النساء، فقام رجل فقال: أرأيت الحمو يا رسول الله -يعني: أخو الزوج- فقال عليه الصلاة والسلام: الحمو الموت) أي: خطره كخطر الموت، فمنع الرسول من دخول ابن العم أو ابن الخال أو قريب الزوج على الزوجة، وبين أن خطره كخطر الموت وقال: (ألا لا يخلون رجلٌ بامرأة فإن ثالثهما الشيطان).

وأرجع فأقول موصياً نفسي والزوج وإخواني: إذا أخطأت الزوجة في عشرة أخطاء فلا تؤاخذها في الأخطاء العشرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عرف بعضه وأعرض عن بعض، بل آخذها في خمسة وأعفو لها عن خمسة، ولا تظن أيها الزوج أن المرأة كالرجل، فالله يقول: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36] فالرجل جُبل على أمور وهي جُبلت على أمور، جُبلت هي على الضعف، وأنت قواك الله، فلا تستطل ولا تبغِ عليها، قال تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34] أي: الله أكبر منك إن ظننت أنك قوي على زوجتك تظلمها بلا سبب ولا مبرر، فأيقن أن الله أقوى منك وأقدر عليك منك على زوجتك، فكن رحيماً رفيقاً. يقول نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)، وقال في رواية : (خيركم ألطفهم بأهله)، وقال عليه الصلاة والسلام: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق، وإذا حرمهم الرفق فقد حرموا الخير) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

وفقنا الله وإياكم لعمل ما يرضيه، ولحسن التعامل مع القريب والبعيد، ومع الزوجة والولد، والجار الجنب والصاحب بالجنب، وصل اللهم على نبينا محمد وآله وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ما يقال للزوج في ليلة الزفاف للشيخ : مصطفى العدوي

https://audio.islamweb.net