إسلام ويب

إن الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، فقد بذلوا في سبيلها الغالي والنفيس. وطريق الدعوة طريق طويل، فقد تعب فيه آدم، وناح فيه نوح، وألقي في النار إبراهيم، وشق بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وعاش مع الوحوش عيسى، وأوذي فيه محمد صلى الله عليه وسلم. فقم بواجبك أيها المسلم تجاه الدعوة إلى الله تكن من الفائزين.

مكانة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وأهميتها

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.

ثم أما بعد:

فيقول الله تبارك وتعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ [الزمر:64].

ويقول تعالى: وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:22].

وقال تعالى: وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:41-44].

أناضل إلى دين عظيم وهبتـهعطاء مقل مهجتي وحياتي

وممتثل لله أسلم وجههيقول أنا وحدي سأحمي ديني

بظهري ببطني بالضلاع بمقلتيبجنبي بعظم الصدر حتى التراقي

على ذروة التوحيد تخفق رايتيوتحت روابيها تصب دمائي

إن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى عظيمة كريمة رفيعة في كل ما يمت إليها بصلة، رفيعة لأن الله هو العلي، وكريمة لأنها أتت إلينا: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس:13-16].

والدعوة إلى غير الله دعوة خسيسة لئيمة، يقول الله تبارك وتعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:9-14].

إن الرجل يستطيع أن يعمي ويلبس على كل من في الأرض، لكنه لا يستطيع أن يعمي ويلبس على من في السماء، ويستطيع أن يكذب على أهل الأرض جميعاً، لكنه لا يستطيع أن يكذب على من في السماء، قال تعالى: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الملك:13].

والدعوة إلى غير الله تبارك وتعالى لئيمة، يقول تعالى حاكياً عن فرعون: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى [غافر:26]، وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26].

ويقول الله تبارك وتعالى عن قوم لوط: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل:56].

ويقول الله تبارك وتعالى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8].

فهؤلاء الذين يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل لا تكون دعوتهم إلى الله تبارك وتعالى أبداً، وإنما هي دعوة إلى الطواغيت المقنعة:

هبل رمز السخافة والخيانة والعمالة والدجل

هتافه التهريج ما ملوا الثناء

زعموا له ما ليس عند الأنبياء

ملك تجلبب بالضياء

وجاء من كبد السماء

هو عالم ومعلم

هو عبقري ملهم

ومن الجهالة ما قتل

وثن يقود جموعهم يا للخجل!

لقد بذل الصالحون في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى الكثير، بل بذلوا الأنفس والمهج في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى؛ لأن هذه الدعوة ربها وسيدها ومالك أمرها هو الله تبارك وتعالى.

وقفة: إذا أردت أن تخدم فاعقل من تخدم، وإلى من تدعو، ثم ادع بعد ذلك، فحينئذ تصيب في تلك الخدمة والدعوة.

وإذا تدبرت علمت أن رب هذه الدعوة مستو على العرش، يدبر أمر الممالك، فيعز ويذل، ويداول الأيام بين الناس، ويقلب الليل والنهار، ويذهب بدولة ويأتي بأخرى، له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله.

إليه يا أهل الموت والفناء! يا من تفني آجالكم ممر الساعات، واختلاف الليل والنهار، وهما شعبة يسيرة من سلطانه، كيف تستنكفون عن عبادته ولا رب لكم غيره، ولا وارث لكم سواه، ينادى على باب عزته: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ويصاح على محجة حجته: لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون؟!

قال تعالى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:13-14].

وقال تعالى: وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:72-73].

وقال تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:15-16].

وقال الله تبارك وتعالى: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ [فصلت:47]، اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8].

وقال الله تبارك وتعالى: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه:111].

فكل موافق ومخالف يمشي وفق مشيئته، وتحت قبضته، يقول أبو جعفر المنصور لأحد العباد: لم خلق الله الذباب؟ قال: ليذل به أعناق الجبابرة. هذا في دار الدنيا فكيف بقهر الله لعباده في الآخرة؟ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:61-62].

إذاً: فهذه الدعوة ربها وسيدها هو الله عز وجل، وإن بذل الناس فيها ما بذلوا.

تكفل الله سبحانه بنصر عباده ودعوته ودينه

إن الله تبارك وتعالى قد تكفل بنصر عباده، وبنصر دعوته، قال سبحانه: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52].

قال جبريل لأم إسماعيل عليها السلام هاجر: لا تخشي الضيعة؛ إن الله لا يضيع أهله.

فلا تنظر إلى الدعوة فإن لها رباً سيحميها ويحفظها، ولكن انظر إلى نفسك أنت، إن الله لا يضيع أهله، فاحرص على أن تكون من أهل الله، واترك الأمر إلى رب السماوات والأرض:

لا تدبر لك أمراًفأولو التدبير هلكى

سلم الأمر تجدنانحن أولى بك منكا

والله تبارك وتعالى يحفظ عباده بما يغيب عن عقولهم، ويحفظ عباده بالنواميس الأرضية، فالمهم أن يكون عند العباد ثقة، فهذا سيدنا نوح عليه السلام ماذا قال لقومه عندما سحروا منه بقولهم: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ [هود:38]، لم يقل: فإنا سنسخر منكم يوم القيامة، وإنما قال: فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود:38] يعني: في لحظتنا هذه وفي وقتنا هذا.

وقال تعالى: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:61-62].

ويزعم أنه منا قريبوإنا لا نضيع من أتانا

ويسألنا على الإقتار جوداًكأنا لا نراه ولا يرانا

وقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما)!

وهذا مثال لحفظ الله لدعوته ولأنبيائه ولعباده الصالحين: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7].

انظر كم قتل فرعون من أجل ذبح موسى، قتل آلافاً مؤلفة من بني إسرائيل، وجعل الجواسيس يبحثون عن أي طفل رضيع فيذبحونه، وعندما ولدت أم موسى موسى ألهمها الله تبارك وتعالى أن تلقي بولدها في لجج البحر وأمواجه، مع أن المرأة إذا خافت على وليدها ضمته إلى صدرها، فما بال أم موسى تلقيه في البحر؟ ثقة بما عند الله تبارك وتعالى، ويقيناً بما عند الله تبارك وتعالى، فألهمها الله تبارك وتعالى أن تضع ولدها في تابوت وتلقيه في البحر، فسبحان من جعل من موج البحر لموسى مستراحاً ومأمناً ومناماً، وجعل النار على إبراهيم برداً وسلاماً.

فيتهادى التابوت ليصل إلى قصر فرعون؛ لتكون المعركة في بيت فرعون، يا فرعون لقد تعبت في سبيل البحث عن موسى فها نحن قد أتينا إليك بموسى رضيعاً فافعل به ما شئت، وحينما يفتح التابوت يرى الذي قال فيه المولى تبارك وتعالى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39]، فأسر الجمال الموسوي آسية عليها السلام، وقالت: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [القصص:9].

فماذا قال فرعون البائس؟ قال: أما لك فنعم قرة عين وأما لي فلا، والبلاء موكل بالمنطق، فنفعها الله تبارك وتعالى بهذه الكلمة فآمنت بموسى، وفرعون خذله الله تبارك وتعالى، فانظر يا فرعون كم قتلت من بني إسرائيل من أجل موسى، ونحن نقول لك: لا نربيه إلا في حجرك؛ ليكون هلاكك بعد ذلك على يده.

إن الله تبارك وتعالى يا إخوتاه! لم يحم عبده وكليمه بكوكبة من الملائكة، ولا بفرسان من البشر، وإنما حماه بستر رقيق من المحبة يغلف قلب آسية ، ففرعون أهون وأحقر عند الله تبارك وتعالى من أن يوكل عليه ملكاً من الملائكة، هذا الذي طغى وعتا حمى الله تبارك وتعالى كليمه منه بقول امرأة: لا تَقْتُلُوهُ [القصص:9]، فيقول لها فرعون: سمعاً وطاعة لا تَقْتُلُوهُ، فينفذ أمر آسية التي بعد ذلك آمنت بموسى، وتخلت عن ملكها وعن أبهات الملك، والمرأة بطبيعتها أضعف ما تكون أمام إغراء المجتمع، ولكن آسية الصامدة تتخلى عن هذا كله، وكانوا يعذبونها، فإذا ذهبوا عنها أظلتها الملائكة، قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11].

وقلب الله تبارك وتعالى النعم التي أعطاها لفرعون نقماً عليه، فقد عذب بالماء وبكل ما يتصل بالماء، وبالجراد وبالقمل وبالضفادع، ثم كانت نهايته أن أغرقه الله تبارك وتعالى بالمياه التي افتخر بها.

يقول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم: (لو رأيتني يا محمد! وأنا أدس في فيه من حال البحر المنتن؛ حتى لا تدركه رحمة الله تبارك وتعالى)، فكونوا على يقين بنصر الله تبارك وتعالى لجنوده وأوليائه وأنبيائه وعباده الصالحين.

ضرورة إعطاء الدعوة حقها من التضحية والفداء

لا تسترخصوا الدعوة؛ فالدعوة غالية، فأعطوها كل أوقاتكم، ونهاية الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ومآلها إلى الجنة، ولا مستراح للعابد إلا تحت شجرة طوبى، ولقد أعطي النبيون ما أعطوا، وأعطي العلماء والدعاة ما أعطوا بالدعوة إلى الله، قال تعالى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:132-133].

ورسول الله صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت ما غفل عن الدعوة، تقول السيدة أم سلمة : (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، حتى ما يفيض بها لسانه) تعني: حتى ثقل لسانه الطاهر المطهر عن أن ينطق بها، ونحن ما زلنا أحياء أقوياء أفلا نعطي الدعوة حقها؟ إن كان الله تبارك وتعالى يقول لنبيه: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:6] يعني: تكاد تموت من الغم على هذه الدعوة، وعدم استجابة الناس لها.

تقول السيدة عائشة للرسول صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! هل مر عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: يوم العقبة، يوم عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم فلم أستفق إلا وأنا في قرن الثعالب).

يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مشى في الطريق ولم يعرفه ولم يفق إلا في قرن الثعالب؛ وذلك بسبب همه في أمر الدعوة، فقد ينطلق الرجل مهموماً للبحث عن لقمة العيش إذا وجد أولاده يصرخون من الجوع فلا يفيق إلا في منتصف الطريق، فنريد من الرجل أن يمضي في طريقه وهو مهموم يحمل عبء الدعوة، فلا يفيق إلا بعد مدة، هذا حال أنبياء الله تبارك وتعالى.

قال: (فلم أستفق إلا وأنا في قرن الثعالب، وإذا بسحابة قد أظلتني فيها جبريل، فسلم علي ثم قال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وقد بعث معي ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فسلم ملك الجبال بالنبوة ثم قال: يا رسول الله إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، ولكني أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً).

(وجاء أعرابي مشرك ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم تحت شجرة وسيفه معلق عليها فاخترط سيفه، ثم لوح بالسيف في وجه رسول الله فقال له: أتخافني؟ قال: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال: الله، فيبست يده وسقط السيف منها، ثم قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أتخافني؟ قال: يا محمد! كن خير آخذ، قال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: لا، ولكني لا أكون مع قوم يقاتلونك، ولا أقاتلك أبداً، فلما رجع قال: أيها الناس! جئتكم من عند خير الناس، جئتكم من عند محمد صلى الله عليه وسلم).

فالدعوة الهادئة تصل إلى قلوب الناس بسرعة، ودعوة الفطرة تصل إلى قلوب الناس بسرعة، ويتحمس لها الدعاة إلى الله تبارك وتعالى.

وهذا سيدنا أبو بكر رضي الله عنه عند أن بلغ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وثلاثين رجلاً أصر على رسول الله بالظهور بالدعوة، فقال: (إنا قليل يا أبا بكر) فما زال حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق رسول الله والصحابة كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر خطيباً بين الناس، فكان أول خطيب يدعو إلى الله تبارك وتعالى ورسول الله جالس يستمع.

قال: فقام المشركون إلى المسلمين وضربوهم ضرباً شديداً، وقام الفاسق عتبة بن ربيعة الكافر إلى أبي بكر بنعلين مخصوفتين يضرب بهما وجه أبي بكر، حتى ما يعرف أنفه من وجهه، وأقبلت بنو تيم فحملوا أبا بكر في ثوب وهم لا يشكون في موته، فأوصلوه إلى البيت ثم عادوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن مات أبو بكر قتلنا به عتبة بن ربيعة، ولم يفق أبو بكر إلا في آخر الليل، فكانت أول كلمة قالها: ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فنالوا منه بألسنتهم، ثم وكلوا به أمه أم الخير، فما زالت به، قال: والله! لا أذوق طعاماً حتى أنظر ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعث بها إلى أخت عمر بن الخطاب، ثم استند على أمه حتى وصل إلى رسول الله، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم رق له وبكى، وبكى المسلمون.

يقول سيدنا أنس : (ضرب المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غشي عليه، فدفعهم عنه أبو بكر الصديق وقال لهم: أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله، فقالوا: من هذا؟ قالوا: أبو بكر المجنون، فتلهوا به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا رسول الله، ثم أتوا إلى أبي بكر رضي الله عنه فظلوا يضربونه حتى حمله قومه إلى دارهم، فجعل أبو بكر لا يمس شيئاً من غدائره إلا وسقط معها لحم الرأس، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام!).

يقول سيدنا علي : والله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون؛ هذا يكتم إيمانه، وهذا يعلن إيمانه.

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أوذيت في الله ما لم يؤذ أحد، وأخفت في الله ما لم يخف أحد، ولقد أتت علي ثلاثون ما بين يوم وليلة وما لي وبلال ما يأكله ذو كبد إلا ما يواريه إبط بلال)، ورسولكم صلى الله عليه وسلم شد الحجر على بطنه من شدة الجوع، ولله خزائن السماوات والأرض، وقتل عمه حمزة بن عبد المطلب ومثل بجثته، وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم، وشق رأسه، ولله جنود السماوات والأرض.

ويقول له الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر:1-5]، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر:7].

ضرورة نشر الدعوة في كل مكان وعدم اختصاصها بالمساجد

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

ثم أما بعد:

فلقد كان رسولكم صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله تبارك وتعالى في السوق وفي الطريق، وكلكم تعلمون حديث ابن عباس : (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك)، قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لـابن عباس في الطريق.

يقول سيدنا معاذ : (كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له: عفير، فقال: أتدري يا معاذ ! ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟) قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق، فما بالنا لا ندعو إلا في المسجد، لتنتشر الدعوة حتى تشمل الطرقات، وحتى تشمل تجمعات الناس.

اصرخ بدينك في الطريق

اصرخ بجرحك في رءوس لا تفيق

قل: إنه الطوفان يأكلنا ويطعم من بقايانا كلاب الصيد

والغربان والفئران في الزمن العقيم

لا بد من الدعوة إلى الله تبارك وتعالى في الطريق وفي الأسواق، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى الأسواق يدعو إلى الله تبارك وتعالى، ويقول: (أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ويراه أبو لهب فيحثو التراب على وجهه، ويقول: لا تتبعوا هذا الصابئ، إنه يريد أن يصدكم عن عبادة اللات والعزى) ونحن يا إخوتاه! ما دعونا إلى الله ولم يحث التراب على وجوهنا، ما فعل بنا هذا، وأمامنا طريق طويل، وإن وضع على رءوسنا التراب فإننا على الدرب، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل به هذا ونحن لسنا أكرم على الله تبارك وتعالى من رسوله، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يبشرك إن ذهبت إلى السوق بأنك ستأخذ أجر دعاء السوق، والحديث حسنه الشيخ الألباني، وإن ضعفه الشيخ مقبل.

فاخرج إلى السوق وادع إلى الله تبارك وتعالى، وإن لم يكن عندك علم فقل: أيها الناس! تعالوا إلى المسجد فصلوا تدخلوا الجنة، وأظن الجميع يستطيع أن يقول هذا، إن بائع الفاكهة حين يبيع سلعته يرفع صوته عند الدعوة إلى بضاعته، فما بالنا نستحي من الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ونخجل، وكأنها بضاعة كاسدة، مع أن هذه البضاعة تؤدي بنا إلى الجنة؟! وما بالنا لا ندعو إلى الله تبارك وتعالى في السوق؟ (فرسولكم صلى الله عليه وسلم ركب حماراً له بأرض سبخة، فقال له عبد الله بن أبي بن سلول : ابتعد عني يا محمد! فإن رائحة حمارك تؤذيني، فقال أحد الأنصار: والله لريح حمار رسول الله أطيب من ريحك).

ونحن نقول للعلمانيين وللمنافقين وللزنادقة: لريح حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب من ريحكم، فما ظنك بنقاب عائشة رضي الله عنها! فالنقاب الذين تتكلمون عنه هو أطهر من الطهر.

ويسخر كل أفاك دعيديوث من نساء المسلمين

ويهزأ بالحرائر بالنقابوقد لبسته أم المؤمنين

فلستم من نقاب وليس منكمفذا شرف لسكن الطاهرين

وما عرف العفاف لكم طريقاًوفاح الطهر من بيت الأمين

أترم بيوت طهر يا لئيم!وبيتك من زجاج هش لين

يعني: هب أن النقاب سنة، ولكن قد لبسته أمهات المؤمنين، فبهذا يصير شعاراً ويجب أن يحترم، وأما أن يسخر منه فهذا شأنهم، فإن كانوا مسلمين فليحكموا بيننا وبينهم الكتاب والسنة، وإلا فليفعلوا ما يشاءون.

فالأمر ليس أمر نقاب وليس تطرف وليس كذا ولا كذا، إنما المتطرف هو الخبيث عادل إمام الذي يطعم كلبه لحم حمام مشوي بمائة وعشرين جنيهاً يومياً، مرتب اثنين من الموظفين، هذا هو المتطرف والله، المتطرفون هم الذين يذبحون المسلمين في البوسنة والهرسك، وهم الذين يحاصرون الآن تسعين ألف مسلم، فهؤلاء هم المتطرفون، ولسنا نحن المتطرفين، وإنما نمضي على طريق الله تبارك وتعالى، فادع إلى ربك إنك على صراط مستقيم.

تضحية الأنبياء والمرسلين وأتباعهم في سبيل الدعوة إلى الله

في سبيل هذه الدعوة لاقى الصالحون ما لاقوا، فأين أنت يا مخنث العزم! والطريق طويل، تعب فيه آدم، وناح فيه نوح، وألقي في النار إبراهيم، واضطجع للذبح إسماعيل، وشق بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وعاش مع الوحوش عيسى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار في البكاء داود، واتهم بالسحر والشعوذة والجنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل اتهم في عرض زوجته، وذبح سعيد بن جبير وما في الأرض رجل إلا وهو محتاج إلى علمه، وذبح الحسين بن علي، وداست الخيل فمه الذي قبله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن أجل هذه الدعوة ضرب ابن حنبل ، يقول شاباص التائب الذي كان يكلف بضرب ابن حنبل : والله لقد ضربت ابن حنبل ضرباً لو كان في فيل لهده.

وقال أيضاً: لقد فاق أحمد بن حنبل الشطار، يعني: صبر أكثر مما يصبر المجرمون، قال: لقد فاق أحمد بن حنبل الشطار، والله لقد ضربته لو أنيخ لي بعير فضربته لنقبت عن جوفه، وتحمل الإمام أحمد بن حنبل ما تحمل، وكانت نفسه عليه مثل ما قالوا عن سعيد بن المسيب: كانت نفسه عليه في الله أهون من ذباب، تلمحوا ببصيرتهم عاقبة ما عند الله تبارك وتعالى، فهان عليهم كل شيء في سبيل دينهم.

كان أحدهم إذا أريد على دينه دارت عينه في حماليقها، وغضب لله تبارك وتعالى، ولولا سياط على ظهر ابن حنبل ما صار إمام أهل السنة والجماعة، وقال له رجل: يا بن حنبل ! اصبر لأمر الله، فإن يقتلك الحق تمت شهيداً، وإلا تعش حميداً مجيداً.

وكان الإمام أحمد يدعو لـأبي الهيثم اللص الطرار، كان يقول: اللهم اغفر لـأبي الهيثم ، اللهم سامح أبا الهيثم ، فقال له ولده: من أبو الهيثم يا أبت؟ فقال: أبو الهيثم اللص الطرار، قال: لما مددت للسياط إذا برجل يجذب ثوبي من خلفي وقال: يا ابن حنبل: أما تعرفني؟ قال: قلت: لا، قال: أنا اللص الطرار أبو الهيثم، ضربت ثمانية عشر ألف سوط تحملتها من أجل الدنيا ومن أجل الشيطان، أفلا تصبر أنت لطاعة الرحمن؟ فنفع الله تبارك وتعالى الإمام أحمد بهذه الكلمة.

وهذا أبو نعيم الفضل بن دكين لما أتي به ليتكلم في مسألة خلق القرآن قال: والله لعنقي أهون علي من زري، فقام أحمد بن يوسف وكان بينه وبين الفضل بن دكين شحناء، قام إليه وقبل رأسه، وقال: جزاك الله عن الإسلام خيراً.

وهذا البويطي تلميذ الإمام الشافعي يقول عنه الربيع بن سليمان المرادي: إنه مات في حديده في فتنة خلق القرآن، وكان يقول: والله لأموتن في قيدي؛ حتى يأتي أناس من بعدنا يعلمون أنه في سبيل هذا الأمر مات أناس في حديدهم.

يا دامي العينين والكفين إن الليل دائملا غرفة التعذيب باقية ولا ضرب السلاسل

وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل

من يتهاون عن الدعوة يظل قلقاً أبداً، ومحروماً أبداً من الطمأنينة الإيمانية، فيا إخوتاه! انشروا الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

قيل للشافعي : يبتلى الرجل أم يمكن؟ قال: لا يمكن حتى يبتلى.

فاصبروا على أمر الله تبارك وتعالى، وادعوا في كل مكان وفي كل طريق وعمارة وشارع، فالدعوة إلى الله تبارك وتعالى لا تدانيها منزلة بعد منزلة النبوة.

يقول الإمام ابن القيم : والدعوة إلى الله أشرف مقامات التعبد: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

ويقول الحسن البصري : هذا ولي الله، هذا حبيب الله.

يا إخوتاه! إن الداعي إلى الله تبارك وتعالى الذي يفضح شبه العلمانيين والأقزام والزنادقة والمنافقين يأخذ أجر المهاجر في سبيل الله، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، بل ويأخذ أجر المجاهد في سبيل الله، كما قال الله تبارك وتعالى: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:52] أي: بالقرآن، وهذا في سورة مكية.

ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من أتى إلى مسجدي هذا لعلم يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره).

فلا تقيسوا دعوتكم بدعوة الظالمين، فدعوتكم سندها الله تبارك وتعالى العلي الأعلى، ولا تقيسوا دعوتكم بدعوات أرضية ترتبط بأشخاص، تخلقها الضرورات، وتذهب بها الأحداث والليالي، ادعوا إلى الله تبارك وتعالى كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما دعا نوح، وكما دعا يوسف، فقد دعا يوسف إلى الله تبارك وتعالى وهو في السجن، دعا الرجلين قبل أن يجيب مسألتهما؛ دعاهما إلى الله تبارك وتعالى.

وشغلت عن فهم الحديث سوىما كان عنك فإنه شغلي

وأديم نحو محدثي وجهي ليرىأن قد عقلت وعندكم عقلي

ونوح دعا إلى الله تبارك وتعالى ليلاً ونهاراً، ورسولكم صلى الله عليه وسلم وهو مطارد في يوم الهجرة دعا بريدة بن الحصيب الأسلمي وقومه إلى الله تبارك وتعالى، فأسلموا.

يا إخوتاه! إن أنفاس الدعاة وقف لله تبارك وتعالى، فمن أراد المنزلة القصوى من الجنة فعليه بالمنزلة القصوى في الدنيا، وهي الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، رب اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين، إليك أواهين مخبتين منيبين.

اللهم تقبل توبتنا، وأجب دعوتنا، واسلل سخائم صدورنا.

اللهم بك نستنصر فانصرنا، وعليك نتوكل فلا تكلنا، وإياك نسأل فلا تحرمنا، وبباك نقف فلا تطردنا.

اللهم إنا نشهد أن لا إله إلا أنت، لك الحمد كله، ولك الملك كله، اللهم يا حنان يا منان اللهم فك الكرب عن إخواننا في البوسنة والهرسك، اللهم فك الكرب عن إخواننا في البوسنة والهرسك، اللهم احفظ أعراضهم، اللهم احفظ دماءهم، اللهم احفظ دماءهم، اللهم احفظ أعراضهم، اللهم آمنهم في بلادهم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأقم الصلاة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الدعوة إلى دين رب العالمين للشيخ : سيد حسين العفاني

https://audio.islamweb.net