إسلام ويب

بين الله سبحانه وتعالى طغيان الجبابرة من الأمم السابقة، وأن ظلمهم للناس وطغيانهم سببٌ في عمايتهم عن الحق، وأهل الحق مهما كانوا مستضعفين فإنهم بتوكلهم على الله وثقتهم به سبحانه رغم انعدام الأسباب يفرج الله عنهم كربهم وينصرهم على عدوهم، ولنا في قصة الطاغية فرعون مع موسى وقومه عظة وعبرة.

قصة موسى عليه السلام مع فرعون

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى جعل في قصص أنبيائه ورسله من العبر والعظات، والنور الذي يهتدي به أهل الإيمان في كل زمن من الأزمنة ما يحتاج معه المؤمنون دائماً إلى تدبر قصص القرآن وسيرة الأنبياء، وإن من أعظم القصص فائدة لأهل الإيمان في سبيلهم وطريقهم إلى الله عز وجل قصة موسى صلى الله عليه وسلم، قال الله سبحانه وتعالى: فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ * فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس:80-92].

التحول من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان

بعد أن بين سبحانه وتعالى آياته على يد رسوله موسى عليه الصلاة والسلام، وأبطل كيد السحرة المجرمين، وأبطل مكر فرعون وفضحه على رءوس الأشهاد في يوم الزينة وقد حشر الناس ضحى، واجتمع الجموع فرأوا آيات الله سبحانه وتعالى، وأبطل سبحانه وتعالى الباطل، وأحق الحق بكلماته، وسجد السحرة وآمنوا، واخترع فرعون المآمرة الوهمية التي اتفقوا عليها ضد موسى ، ومع ذلك وجد من يطيعه في قتل السحرة، وإن كان لا يستطيع أن يمس موسى صلى الله عليه وسلم، مع أن البديهي في مؤامرة كهذه لإخراج أهل البلاد منها، أن يكون كبيرهم الذي دبر معهم هذا المكر على رأس المقتولين، ولكن من العجب يعرض عن موسى عليه السلام، ويصب غضبه على السحرة الذين كفر الله عز وجل عنهم سيئاتهم وخطاياهم وجعلهم في آخر النهار شهداء بررة، بعد أن كانوا في أوله سحرة فجرة كذبة، وهو سبحانه وتعالى أعلم بعباده، يختم لمن شاء بخاتمة السعادة، ويختم لمن شاء بخاتمة الشقاوة، حيث قضى السحرة عمرهم كله في عمل أهل النار والكفر والشرك بالله، والصد عن سبيل الله والتزيين لعبادة فرعون ، وطلب الأجر والقرب منه والعياذ بالله، ثم في لحظات تحول الأمر، وكتب الله عز وجل لهم النجاة، وذلك لما اختاروا الإيمان أول ما ظهر لهم، وقذف الله عز وجل في قلوبهم حب الخير، وقذف في قلوبهم البصيرة التي أبصروا بها الدار الآخرة وبقاءها ودوامها، وألقى الله عز وجل في ظل كلام فرعون الذي يتهددهم به ما ثبتهم سبحانه وتعالى، وذلك بعد أن توعدهم بأنواع العذاب والنكال، وقال في خاتمة كلامه: وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى [طه:71].

وكان في هذا من التثبيت العظيم لهم، ومعرفتهم أن الله هو أشد عذاباً، وأنه سبحانه وتعالى خير وأبقى، فلذلك اختاروا أن يتحملوا عذاب الدنيا، وأن يصبروا على آلامها والتي لا تبقى كثيراً بلذتها وألمها، ويبقى بعد ذلك عمل الإنسان قريباً له في برزخه، ثم ملازماً له في بعثه ونشوره، فلذلك قالوا ما لم يكن يخطر لهم قبل على بال حينما قال لهم فرعون: وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا [طه:71-72] أي: لن نؤثرك على الهدى الذي جاءنا والبينات، ولن نؤثرك على الذي فطرنا سبحانه، فانتبهت قلوبهم إلى معان لم تكن تنتبه إليها، واستيقظت إلى حقائق لم تكن تنظر إليها، إلى بداية الأمر وإلى نهاية الأمر كذلك: قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى [طه:72-76].

معانٍ لم تكن تطلع عليها القلوب، ولكن أيقظها الله وأحياها حين استجابت للإيمان، فبادر يا عبد الله! إلى الاستجابة إلى أمر الله، فإنه سبحانه وتعالى يحب من استجاب لأمره أول ما ظهر له نور التنبيه، وأول ما حصل له من يقظة القلب، فالله عز وجل يضاعف لعبده العطايا والمنن إذا استجاب لأمر الله، وإلا فإنه يحرم التوفيق كما حرمه فرعون، وكما حرمه آله وجنوده وأعوانه وأهله وعامة أهل بلده، قال الله سبحانه وتعالى بعد أن ظهرت الآيات وقامت الحجج: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ [يونس:83] أي: إلا شباباً من قومه من أهل مصر، من قوم الدعوة الذين دعاهم موسى عليه السلام، والأظهر في أن (قومه) هنا المقصود بهم: أهل مصر، وإلا فأكثر بني إسرائيل كانوا مع موسى صلى الله عليه وسلم كما دلت عليه الآيات: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ [الأعراف:138] فأكثر بني إسرائيل كانوا قد آمنوا بـموسى ، وإنما القلة كانت من أهل مصر رغم ظهور الآيات، كمؤمن آل فرعون وغيره من شباب مصر في ذلك الوقت، والذرية: الشباب، وهذا يؤكد أن الشباب دائماً هم أمل الأمم، وهم الذين يستجيبون للحق أول من يستجيب، وعليهم مسئولية عظيمة رغم العقبات التي في طريقهم.

ابتلاء الله للمؤمنين دليل على حبه لهم

قال: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ [يونس:83]، لم يكن الإيمان مع الأمان، ولم يكن الإيمان مع سهولة الطريق، ولم يكن هذا الإيمان مع وجود مرغبات، بل مع وجود الخوف من الفتنة، عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلإهِمْ [يونس:83] وهذا دليل على أنهم من أهل مصر؛ لأن الملأ من بني إسرائيل كانوا مع موسى عليه السلام، أما الملأ الذين خافوا الفتنة فهم ملأ فرعون الذين استجابوا للحق رغم تعرضهم للمخاطر، وهذا الإيمان الذي يكون مع العقبات والتهديدات ثوابه عند الله سبحانه وتعالى من أعظم الثواب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد).

فهو يبين فضله صلى الله عليه وسلم لنعلمه، ويبين فضل من أخيف في الله سبحانه وتعالى فصبر، وفضل من أوذي في الله سبحانه وتعالى فصبر، هذا الإيمان رغم العقبات، وهذا العمل الصالح الذي من أجله قدر الله عز وجل وجود من يفتن أهل الإيمان؛ لأنه يحب سبحانه وتعالى أن يظهر من أهل الإيمان آثار حبهم لله عز وجل، وآثار إيثارهم له عز وجل على من سواه، وآثار خوفهم منه سبحانه وتعالى دون من سواه، رغم أنهم يخوَّفون بأنواع الأذى والاضطهاد، ويقع في قلوبهم ما يقع من الخوف الفطري من هذه الأمور المؤلمة، ومن الفتن والعذاب والقتل وانتهاك الحرمات، وقد تهدد فرعون مرة أخرى بعد ظهور الآيات: قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ [الأعراف:127]، ولقد فعل ذلك بالمقربين منه، فمما ذكر: أنه ممن قتلهم بأشنع القِتْلة امرأته المؤمنة، وكذلك فعل بمن آمن، ومع ذلك فاستجاب المؤمنون وعلموا أن ذلك من حكمة الله سبحانه وتعالى.

تخويف المؤمنين وتهديدهم من أسباب زيادة إيمانهم

في قدرته عز وجل أن يؤمن أهل الإيمان على الدوام، وهو سبحانه وتعالى قدر الابتلاء بشيء من الخوف؛ لتظهر عبودية الصبر، وعبودية التصديق واليقين بوعد الله، واليقين باليوم الآخر، وأنواع الإيمان والإسلام والإحسان، قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157] فإذا وجدتَ الطريق إلى الله سبحانه وتعالى عليه مخاوف وعقبات فاعلم أن ذلك لك، وأن ذلك لمصلحتك، لتزداد إيماناً وإسلاماً، كما قال سبحانه وتعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:172-173].

ما إن قالوا لهم: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، حتى كان ذلك سبباً لزيادة الإيمان، فالله عز وجل جعلهم يزدادون إيماناً عندما قالوا لهم: فاخشوهم، وعقب بالفاء: فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وسرعان ما يزداد الإيمان مع هذه التهديدات التي يريدون بها الصد عن سبيل الله، لكنها تدفع المؤمن إلى اللجوء إلى الله عز وجل، والتوكل عليه والاحتساب، وتدفعه إلى أن يتذكر أمر الآخرة، ويزداد عبادة لله عز وجل من صلاة وركوع وسجود وصيام وغير ذلك، فيزداد إيماناً مع إيمانه، وكذلك يحضر في قلبه معاني الإيمان كأنه يراها بعينيه، فهو يعبد الله كأنه يراه فيزداد إحساناً، فعند ذلك ينتقل إلى مراحل أخرى وأطوار أخرى بفضل الله، قال تعالى: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ .

إذاً: لا تتوقع أن تجد الطريق إلى الالتزام مفروشاً بالورود، ولا تنتظر أن يكون من حولك معيناً لك على أسباب الخير، ولا تعلق التزامك على أن تجد الطريق آمناً، بل ستجد فيه من المتابعة، والمخاوف، والمضارة ما يزيدك بفضل الله عز وجل إيماناً، كما قال سبحانه وتعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ [الشعراء:52] فلتعلم أنك تسير في طريق وسوف يطلبك غيرك فيه ويتابعونك؛ ليردوك ويصدوك، فلن تجد الطريق إلى الجنة مفروشاً بالورود، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) فالجنة حفت بالمكاره حتى ظن جبريل أو خشي جبريل ألا يدخلها أحد، وحفت النار بالشهوات حتى خشي جبريل ألا ينجو منها أحد، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الكبر سبب في هلاك صاحبه

قال تعالى: (( وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ )) متكبر والعياذ بالله، وهذه بداية نهايته، وهذه الأوصاف التي ذكرها الله عز وجل من الكبر والإسراف في الفساد موجودة فيه: (( وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ )).

وهذه مقدمة لبيان هلاكه، واستحقاقه العذاب في الدنيا والآخرة، وهكذا جزاء كل عال متكبر، وجزاء كل مسرف في معصية الله ومخالفة رسله، وإذا وُجد الكفار والظلمة والمنافقين قد أسرفوا وتوسعوا في الإسراف، وزادوا في الكفر والفسوق والعصيان، فذلك؛ لأن الله يريد أن ينتقم منهم، ويريد أن يصيبهم بعذاب من عنده سبحانه وتعالى.

من شروط صحة الإيمان التوكل على الله

قال تعالى: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84].

هذا الدور العظيم الذي يقوم به نبي الله موسى ، والذي يجب أن يقوم به المؤمنون في تواصيهم بالحق، وإن من أعظم التواصي بالحق الذي أمر الله عز وجل به: التواصي بالتوكل على الله، وهو شرط في الإيمان وشرط في الإسلام، أو بالحقيقة هو ركن من أركانهما، بمعنى: أنه لا يصح إيمان عبد إلا بالتوكل على الله سبحانه وتعالى، وكذلك إسلامه الظاهر والباطن.. إسلامه الكامل، وهذا من المواطن التي اجتمع فيها الإيمان والإسلام، وكانا بمعنى واحد وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا أي: عليه وحده، واحتسبوا عند الله سبحانه وتعالى توكلكم ذلك، وهذا الذي يجب أن تهتموا به في مواجهة ما يكيد به فرعون، وما يفتن وما يخطط وما يدبر، فالتوكل على الله خصوصاً عند انعدام الأسباب، كما قال عز وجل مبيناً قول موسى : قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف:128]، وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84].

فـموسى عليه السلام يوحي في قلوبهم، ويجدد في قلوبهم معاني الإيمان والإسلام، وهذا التوكل على الله سبحانه وتعالى هو: اعتقاد بأن الله وحده النافع الضار المعطي المانع الخافض الرافع القابض الباسط مالك الملك المحيي المميت وحده لا شريك له، فلا يملك الناس لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا يملكون ذلك لغيرهم، ولا لأنفاسهم التي تتردد، وقلوبهم التي تنبض، والدم الذي يجري في عروقهم، كل ذلك لا يملكون منه ذرة، ولا يستطيعون استمراره ولا إيقافه، ولو حصل لهم من ذلك شيء، بأن يتوقف وينتهي ما استطاعوا دفعه، وهذا أمر بديهي لا ينكره عاقل، فلا يوجد من يقول: أنا الذي أجعل القلب يدق، ولا يوجد من يتصور أنه هو الذي يجري الدم في عروقه، ومع ذلك فأكثر الناس في غفلة عن هذه العقيدة التي هي أوضح من شمس النهار: أن الله وحده هو النافع الضار، ثم العمل بناء على هذا الاعتقاد في كمال الوثوق بالله عز وجل، وفي جلب مصالح الدين والدنيا والآخرة، ودفع المضار عن العبد في دينه ودنياه وآخرته، وهذا التوكل على الله عز وجل من أعظم صوره التوكل عليه في أمر الآخرة، ثم التوكل عليه سبحانه وتعالى في هداية الخلق، ليس فقط في تحقيق عبودية نفسك، فتتوكل عليه في خاصة نفسك، بل تزيد إليه أن تتوكل عليه في تحقيق العبودية في الأرض لله سبحانه وتعالى، وتتوكل عليه في نصرة الدين، وهذا هو توكل الأنبياء والأولياء خاصة، وإن توكل أنبياء الله عز وجل في أن ينصر الله عز وجل دينه رغم انعدام الأسباب التي بأيديهم، ورغم ضعفهم وعجزهم، لهو من أعظم الأسباب التي يقويهم الله عز وجل بها، ويعينهم بإرادته على كسر الجبارين، وفي التمكين للمستضعفين، فهي إرادة ماضية لا يقف شيء أمامها، فتمضي حيث يشاء سبحانه، وحين يشاء سبحانه وتعالى.

نصر الله لبني إسرائيل وجعلهم أئمة يُقتدى بهم في الخير

قد بين سبحانه وتعالى استجابة بني إسرائيل لدعوة موسى بالتوكل على الله، وفهموا مفتاح الخير الذي دلهم عليه موسى صلى الله عليه وسلم، وهم يرون أمامهم عظيم التوكل على الله، فلا يخافون في الله لومة لائم، ويكثرون من الدعاء والتضرع: فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [يونس:85-86].

فصاروا أئمة في تعليم الناس هذا الخير العظيم، وصار منهم أئمة يعلمون أهل الإيمان على الدوام كيف يدفعون فتنة الظالمين والكافرين، وكيف يتحملون أنواع البلايا والمحن متوكلين على الله عز وجل: فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا .

وذلك لأن المحن تزيد الإيمان، وانعدام الأسباب الذي قد يتألم منه المؤمن هو في الحقيقة لمصلحته، فإن عامة قلوب البشر تتعلق بالأسباب، فمن رحمة الله عز وجل أن يقدر لهم مراحل من سيرهم، ومن دعوتهم، وفي صراعهم مع عدوهم أن تنعدم الأسباب، وذلك حتى تخلص القلوب لله: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا .

فقدم الجار والمجرور؛ للاختصاص وللاهتمام، ولأنه لا يوجد سبب يأخذون به، وفرعون متسلط أعظم التسلط، فقد حصرهم قبل ولادتهم، وقد أحاط بهم هو وجنوده، وجنوده والعياذ بالله مطيعون طاعة تامة مهما كانت الأوامر، ظاهرة في الظلم والطغيان والكذب والباطل، فقد وجد من يصدقه في أنه الرب الأعلى، ووجد من يصدقه في أنه لا يوجد لهم إله غيره، ووجد من يبني له الصرح؛ لعله يبلغ السموات ليطلع إلى إله موسى، ووجد من يقتل له السحرة، فهم كما قال الله عز وجل عنهم: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [الزخرف:54].

فالفسق هو الذي أدى بهم إلى ذلك، وكثرة الخروج على شرع الله سبحانه وتعالى، والمداومة على ذلك أدى إلى هذه النوعية العجيبة من البشر الذين يطيعون حتى في الدخول إلى البحر المنفلق أمام أعينهم بعصا موسى، فعجباً لهؤلاء القوم! ماذا يصنع الفسق بأصحابه؟! ماذا تصنع المعاصي؟! ماذا تصنع بهم من طمس البصائر وانعدامها بالكلية والعياذ بالله؟! وانعدام الفهم، والفسق يؤدي بهم إلى الطاعة العمياء، والتقليد الذي لا نظير له في حياة البشر، نعوذ بالله من ذلك، فهذا كله من شدة الأمر على بني إسرائيل، وهذا لمصلحتهم لتحقيق كمال التوكل: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ثم دعوا ربهم هذا الدعاء العظيم: رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ .

التفسير فيها على وجهين، الوجه الأول: ربنا لا تجعلهم يفتنوننا، وهذا موافق للسياق من أوله؛ لأنهم على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم، فإذا كان أهل مصر على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم، وهم من قومهم ومن جلدتهم فكيف ببني إسرائيل؟! لا شك أنهم أشد خوفاً، وهم يخافون أن يفتنهم فرعون وجنوده.

الوجه الثاني: ربنا لا تجعلنا فتنة لهم، أي: لا تجعلنا إذا هزمنا وقتلنا وفشلنا سبباً لفتنتهم هم، وسبباً لظنهم أنهم على الحق، فإن أكثر الأمم يظنون أن الحق هو الانتصار، ولذلك يكونون تبع المنتصر القوي، حتى ولو كان باطله أظهر من شمس النهار، وحتى لو كان ظلمه وعدوانه لا يتنازع فيه اثنان، ولكن أكثر الناس عندهم الحق هو القوة، وأن من غلب فهو صاحب الحق، والمغلوب محقوق وظالم ومجرم يستحق أنواع العقاب، وهكذا عند الناس، فإذا هزم أهل الحق كان ذلك سبباً لفتنة أهل الباطل، فهذا وجه حسن في التفسير بمعنى: أنهم يخافون أن يصيروا فتنة للقوم الظالمين، أي: أن يكونوا سبباً لفتنتهم، سبباً لبقائهم على الكفر، يقولون: لو كان هؤلاء على الحق لما انتصرنا عليهم، وطالما أننا انتصرنا عليهم فهم على باطل، فيظنون أنفسهم أنهم على الحق، فيفتنون أمماً وأجيالاً تلو أجيال ونعوذ بالله من ذلك، وكلا المعنيين في تفسير الآية صحيح، فالمؤمنون يحتاجون إلى أن يثبتهم الله حتى لا يفتنوا، لأن التثبيت ليس من عند أنفسهم، فالتثبيت من الله، فهو سبحانه مقلب القلوب، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: (اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون).

فيتوسل النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع التوسلات إلى الله عز وجل كالإلهية، وبأنه سبحانه وتعالى الحي الذي لا يموت، وبأن الخلق ضعفاء، ويتوسل بالإسلام، وبالإيمان، وبالتوكل، وبالإنابة، وبالمخاصمة لله عز وجل، وبه سبحانه وتعالى؛ حتى لا يضله الله، ويتوسل بعزة الله (أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون) فإذا كان هذا توسل النبي صلى الله عليه وسلم واستحضار حاجته إلى التثبيت، وقد قال الله عز وجل له: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا [الإسراء:74]، فكيف بحاجتنا عباد الله، وليس لنا من العصمة ما للنبي عليه الصلاة والسلام؟! إن حاجتنا إلى أن يثبتنا الله، وأن ينجينا من الفتن، وأن يهدي قلوبنا حتى نلقاه مؤمنين، لهو أشد من حاجة الغريق الذي يغرق، ولا أحد يغيثه إلا ربه سبحانه وتعالى، فهو يتوسل إليه ويستغيث به موحداً له، ولو أشرك في غيره من المواطن، فالله سبحانه وتعالى يريد منا أن نوحده بالاستغاثة والاستعانة واللجوء إليه، والتثبيت إنما هو منه سبحانه وتعالى، فهو مقلب القلوب، فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.

وأما المعنى الثاني وهو: خوف الفتنة على الناس، فهو معنىً عظيمٌ في قلب الداعي، حيث أنه ليس فقط يبحث عن مستقبل نفسه ونجاته وتثبيته، بل يبحث عن مستقبل أهل الأرض، ولا يريد أن يفتن الناس، ولا يريد أن تكون هزيمة أهل الحق سبباً لبعد الناس عن الدين، فهو يريد أن يهتدي الخلق، وأن يظهر الإسلام، ويظهر الحق ليس فقط لكي يستمتع بالنصر والتمكين، أو يستريح بعد العناء، أو ليجد لذة ونعمة الأمان بعد الخوف، وإنما يريد أن يظهر الحق، وأن يعلو الإسلام ليؤمن الناس؛ وليدخلوا في دين الله أفواجاً، وليهتدي من شاء الله سبحانه وتعالى له أن يهتدي، فالله عز وجل جعل قلوب المؤمنين خير القلوب، وإن خير أمة أخرجت للناس هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يريدون الخير للناس، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله، فهم خير الناس للناس، يودون أن يهتدي الخلق، وأن يعرفوا ربهم عز وجل قالوا: رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ [يونس:85-86].

فنحن لا ننجو بحسن تدبيرنا، ولا بتخطيطنا، ولا بذكائنا، ولا بأعمالنا، وإنما برحمة الله وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ [يونس:86].

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين! اللهم أنج المستضعفين من المسلمين في كل مكان.

اللهم فرج كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، وارفع الظلم عن المظلومين، اللهم انصر المجاهدين والدعاة إليك في كل مكان، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.

اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، اللهم إنا نسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحينا ما علمت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما علمت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك نعيماً لا ينفد، ونسألك قرة عين لا تنقطع، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , وإن فرعون لعال في الأرض للشيخ :

https://audio.islamweb.net