إسلام ويب

في هذه المحاضرة نحلق جميعاً مع الشيخ في درس نفيس يحوي إجابات كثيرة مفصلة عن: الغرور .. مكمنه ومظاهره، وأسبابه .. الاحتقار: أنواعه، وأسبابه، وعلاجه، وفي طيات هذه المادة تجد فوائد تحل كثيراً من مشكلات الشباب.

الغرور منبعه القوة

الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله: فرصةٌ سعيدة، ومناسبةٌ طيبة أن يتكرر اللقاء في مثل هذه الأماكن التي طالما ظمئت إلى الندوات والمحاضرات، والتي طالما التفت بعض الشباب عنها ظناً أن ليس فيها إلا رياضة الأقدام فقط، وما علموا أن الأندية هي مجتمعات لغذاء الأرواح والعقول والقلوب والأبدان، فلا بد أن نعيد النظرة السليمة الصحيحة إلى أنديتنا، ولا بد أن تتميز أنديتنا بما تتميز به بلادنا وأرضنا وأمتنا عملاً بقول الله جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104].

أيها الأحبة! حديثنا اليوم هو: الشباب بين غرور النفس واحتقار الذات، وقد يقول البعض: ما الحاجة إلى هذا الموضوع؟ ولماذا اختير هذا الموضوع من بين آلاف المواضيع المطروحة على الساحة؟

أقول: نعم، اخترناه واختاره الإخوة الذين رتبوا لهذه المحاضرة؛ لأن هلاك وضلال وبعد كثير من الشباب بسبب واحد من أمرين: إما بسبب الغرور وإما بسبب الاحتقار أعاذنا الله وإياكم منهما جميعاً.

أيها الأحبة! الغرور في الغالب يكون منبعه القوة؛ وشعور الإنسان بأنه قوي، وشعور الإنسان بأنه بما يسر الله جل وعلا له قادر على أن يذلل جميع الصعاب، هذا قد يقوده وقد يدعوه إلى أن يقف لحظات موقف المغرورين وهذا خطر عظيم، ولو تأملنا الإنسان لوجدناه أقوى مخلوقات الله قاطبة، فقد تغلب على كثير من المخلوقات، لقد تغلب على الريح، فاستطاع أن يصرفها بما ألهمه الله جل وعلا، فجعلها دافعة موجهة له في البحر، ولقد تغلب على الجبال، فاستطاع أن يشق الأنفاق فيها، ولقد تغلب على الأودية وعلى البحار، فاستطاع أن يتخذ له طريقاً ومكاناً فيها.

إذاً هذا الإنسان الذي لم يقف أمامه شيء بما سخر الله سبحانه وتعالى له، لا شك أنه قوي وحريٌ لمن كان في هذه الدرجة أن يشعر بالقوة، ولكن ما مقدار هذه القوة؟ وما درجة هذه القوة؟ ذلك الأمر الذي تباينت فيه عقول الناس واختلفت فيه أفهامهم ومداركهم.

أيها الأحبة! بعد أن قلنا إن القوة قد تكون سبباً يفضي إلى الغرور، فإن القوة بأنواعها؛ قوة المال، وقوة الشهرة، وقوة المنصب الاجتماعي، والقوة البدنية، وما شئت من أصناف القوة هي داعية في الحقيقة إلى أن يقع الإنسان في الغرور، ما لم يربط هذه القوة بما أوجب الله عليه، وما لم يخضع هذه القوة بما أمره الله سبحانه وتعالى أن يخضعها له، ومن لم يفعل ذلك؛ فإن نهاية قوته ضلال عليه ووبال على نفسه وماله ومجتمعه.

غرور قارون

ولقد جاء في القرآن الكريم أمثلة لمن نالوا شيئاً من القوة، فبلغ بهم ذلك إلى حد الغرور، فمن أولئك قارون الذي بلغ قوة مالية عظيمة، حتى إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76] مفاتيح خزائنه التي يودع فيها الذهب والجواهر لا تستطيع العصبة من الرجال أن يحملوها، هذا حجم ثقل المفاتيح التي هي مفاتيح الخزائن التي يودع فيها الأموال فما ظنكم بحجم أمواله! ولما نال هذه القوة ولم يسخرها لما أمره الله سبحانه وتعالى؛ أصابه داء العجب والغرور، فقال: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] وخرج على قومه في زينته، وأخذ الناس ينظرون إليه، ويقلبون الطرف فيه، وبعضهم قال: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ [القصص:79].

إن بعض من ترونهم يتقلبون في جنبات القوة، قد ترى من الناس من يحسدهم ويتمنى أن ينال منـزلتهم، ولكن فيما بعد أولئك الذين يتمنون مكانة الأقوياء في جوانب عديدة، يقولون: الحمد لله أن لم نكن مثلهم، وكان نهاية هذه القوة المالية التي لم تربط تسخيراً وإخضاعاً لأمر الله ونهيه: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81] أهذه نهاية القوة التي أفضت بصاحبها إلى الغرور؟!! وبعد ذلك كانت عاقبته وخيمة أن خسف به وبداره الأرض وبكنوزه ومفاتيحه فلم تغنِ عنه شيئاً أبداً.

غرور صاحب الجنة

مثال آخر من كتاب الله جل وعلا على أولئك المغرورين الذين كانت نهايتهم الهلاك: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ [الكهف:35] لاحظوا قول الله جل وعلا: وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ [الكهف:35].. قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً [الكهف:35] كيف تفنى هذه الجنان، هذه الحدائق وهذه النخيل والبساتين قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً [الكهف:35-36] يقول: وما هي الآخرة التي أنتم تقولون إنها ممكن أن تقوم وتأخذ أموالي وتنهيني عن هذه الحياة وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً [الكهف:36] وإن قامت.. وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً [الكهف:36].

أنا فلان بن فلان، أنا مرتبتي كذا، أن من مدينة كذا، لو رددت لأجدن خيراً من هذه الجنة التي أنا فيها في الدنيا وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً [الكهف:36].

جاءه من يحاوره ويقول له: اتق الله! لا يجوز، ما هذا الغرور؟ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ [الكهف:37] أنت الآن في قمة الغرور بالقوة التي عندك، أذكرك بأصل ضعفك أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً [الكهف:37-38] إلى أن بينت لنا الآيات من خلال السياق أن الله جل وعلا جعل عاقبة هذا الغرور أن هلكت بساتينهم جميعاً كما قال الله جل وعلا: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً [الكهف:42] أُحيط بهذه الجنة والبستان وانتهى الأمر وما عاد له من شيء يعتمد عليه بعد أن كان يغتر ويتقلب في نعيم تلك الجنان.

مظاهر الغرور

أيها الإخوة! الغرور داء موجود فينا في الحقيقة، حتى أن طوائف من الضعفاء والفقراء فضلاً عن ذوي المناصب والأثرياء لم يسلموا من داء الغرور، وهذا خطر عظيم جداً، ينبغي أن نصارح أنفسنا، وأن نكتشف داء الغرور من خلال المظاهر التي قد تبدو من معاملاتنا وسلوكنا وتصرفاتنا.

احتقار الآخرين

من مظاهر هذا الغرور: احتقار الآخرين، وكما يقولون: الغرور مقبرة النجاح، تجد إنساناً والله لا مكانة له ولا منـزلة، ولا مرتبة ولا علم ولا درجة، ومع ذلك تجده يحتقر الآخرين، ولا يعني هذا أن من كان في منزلة ومرتبة ودرجة ومكانة وهيئة أن يحتقر الآخرين، لكن هذا مثلما يقال: عائل مستكبر.

فما هي مقومات الغرور التي عندك؟

نحن قلنا: القوة قد تفضي إلى الغرور، لكن للأسف أنك تجد كثيراً من الناس رغم ضعفهم وفقرهم ومستواهم ... إلى آخره تجدهم مع ذلك مغرورين.

إذاً يظهر هذا الغرور من خلال احتقار الآخرين، ومعروف أن القليل يسلمون على الكثير، والماشي يسلم على الراكب أو على الواقف، فتجده يمر ويشمخ بأنفه ويلفت برأسه وكأنه لا يرى أحداً، أو كأنه لا يرى إلا الذر أمامه ولا يقيم لمن حوله وزناً أبداً.

يا أخي! لماذا التطاول، ولماذا الغرور، وأي درجة بلغتها حتى تشمخ بأنفك؟ مغتر بنفسك ولا تؤدي التحية للآخرين!

احتقار الآخرين في مجالات كثيرة: احتقار الآخرين في آرائهم، احتقار الآخرين في كلامهم، تجده في مجلس، فيتكلم أحد الناس نحوه، وهو لا ينظر إليه، وما عنده استعداد ليسمع له، من هو هذا حتى يفتح فمه في هذا المكان، لماذا يا أخي؟! أحرام عليه أن يقول، وحرام عليك أن تسمع؟ لماذا تحتقره.. أليس بشراً مثلك؟ أليس له عينان ويدان ورجلان وأنف واحد؟ ما الذي ميزك وفرق بينك وبينه؟ لا فرق بينك وبينه إلا بالتقوى.

إذاً من مظاهر الغرور أن تجد الإنسان محتقراً للآخرين، وكما قلنا في مسألة سماع آرائهم والالتفات إلى كلامهم، فتجده بكل سهولة عنده استعداد لأن يقطع كلامه، وأن يذهب ويتركه يتحدث لوحده، وبكل سهولة تجده ينشغل، هذا غرور عميق جداً في النفس قد لا يشعر به، وإلا لو أعطى محدثه وزنه وقدره، وأعطى نفسه وزنها وقدرها لما اغتر بنفسه لهذه الدرجة من الغرور التي جعلته ينصرف عن سماع كلامه وعن رأيه، وأذكر قصة، قالوا: إن رجلاً صعلوكاً فقيراً وقف لملك من الملوك، فكان ذلك الملك في موكب لا يمكن أن يقف به أمام هذا الصعلوك، فالتفت إليه ذلك الرجل الفقير، وقال: اسمع! لقد وقف الهدهد يكلم سليمان عليه السلام، فاستمع سليمان للهدهد، ومن أنت حتى لا تسمع لي؟ فعجب الملك من بلاغة بيانه وخطابه، وتوقف وسمع كلامه حتى انتهى.

أحياناً أنت تعرف شخصاً، وأنه هذا فلان بن فلان، وقد يجمعك به النادي، أو يجمعك به زواج، أو مسجد أو مكان ما، ومع ذلك: ما عندك استعداد تعترف أن فلاناً موجود أبداً، وهذا مرضٌ خطيرٌ في النفوس من جانبين: جانب حب الشهرة، وجانب احتقار وازدراء الآخرين، وفيه مسة من مس الكبر.

حصل أن هشام بن عبد الملك كان يطوف بالبيت، ورأى زين العابدين بن الحسين بن علي وقد كان من العباد الزهاد الأئمة الأعلام الفقهاء ومن آل البيت، وكان الفرزدق في نفس ذلك المقام، فكانوا يطوفون حول البيت، فقال هشام بن عبد الملك : من هذا؟ وهشام يعرف أنه زين العابدين بن الحسين بن علي إلى آخر شيء، فالتفت الفرزدق قائلاً:

وليس قولك من هذا بضـائره>>>>>العرب تعرف من أنكرت والعجم

هذا ابن خير عباد الله قاطبة>>>>>هذا التقي النقي الطاهر العلم

ما قال (لا) قط إلا في تشهـده>>>>>لولا التشهد كانت لاؤه نعم

يغضي حياءً فيغضى من مهابته>>>>>فلا يكلم إلا حين يبتسم

فتمنى هشام بن عبد الملك أنه ما ازدراه وما التفت إليه، لأن زين العابدين نال بهذا السؤال مدحاً ومكانة ومنـزلة، وما كان من الذين يشتهون المدح أو الشهرة، لكن حينما تجد من يزدري في الحقيقة فذلك نابع من الغرور والكبر والحسد، ولله در الحسد ما أعدله! بدأ بصاحبه فقتله، وكما قال الشاعر:

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت>>>>>أتاح لها لسان حسود

حينما يريد حاسد من الحاسدين فيه غرور أن يحتقرك وأن ينزل من مقامك، فيسوقه الله جل وعلا للكلام عنك ازدراءً، فإذ بالمقابل تجد في نفس المجلس من يذود عنك ويدافع، ويذب عن عرضك، فهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، إذاً فالذين يغترون بأنفسهم ويحتقرون الآخرين هم في الحقيقة لا يعودون بالاحتقار إلا على أنفسهم.

عدم قبول النصح

ومن المظاهر التي تدلنا على وجود الغرور أن تجد الواحد منا لا يقبل النصح أحياناً، مثلاً: شاب مسبل ثوبه، وإسبال الثياب كما تعلمون الإصرار عليه كبيرة، وفعله لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين ففي النار) والحديث ثابت، فتأتي إلى شاب تقول له: يا أخي! أسعدك الله ومتع الله بك، ثوبك طويل مسبل -وذلك بينك وبينه، دون أن تفضحه على ملأ، بل تنصحه على انفراد- يقول لك: ليس بطويل! يا أخي! ثوبك طويل يسحب على الأرض تحت الكعب (ما أسفل من الكعبين ففي النار) يقول لك: لا، ليس بطويل، أنا خاص بنفسي، هذا ثوبي وأنا أدرى به.

أو تجد الآخر يقول: والله يا أخي! الخياط دائماً يتهاون بالثياب، لكن الخياط ما ألزمك أنك تلبس هذا الثوب بدليل لو لم تدفع له الأجرة إلا بعد أن يعدل هذا الثوب كما ترى لعدل أموراً كثيرة.

وآخر يقول لك: أنا عارف أن ثوبي طويل، لكن أنا ما ألبسه خيلاء ولا ألبسه تكبراً يعني: اطمئن، هذه نصيحة ينبغي أن تقبلها، يجب عليك أن تقبل النصيحة ولا عذر لك في ردها ورفضها، وإن رددتها، فهذا باب من الكبر كما قال صلى الله عليه وسلم: (الكبر بطر الحق وغمط الناس، قالوا: وما بطر الحق؟ قال: رده مع من جاء به، وغمط الناس هو احتقارهم) إذاً فرد النصيحة مرتبط بالكبر وباحتقار الآخرين وبالغرور أيضاً.

عدم الخضوع للكبير والإجلال للعالم

كذلك أيها الإخوة من مظاهر الغرور الذي نجده كثيراً في أنفسنا وما أجمل الصراحة! كلٌ يسأل نفسه هل هذا يوجد فيه أم لا؛ سواء ما قلناه أو ما سنقوله؟

عدم الخضوع للكبير والإجلال للعالم وطالب العلم؛ تجد البعض يقول: لماذا أنتظر هذا العالم؟ أنا في خير، أنا عندي فلوس وعندي مال وأكل وشراب، في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة) هذا رجل شاب في الإسلام، فإن من إجلالك لله سبحانه وتعالى؛ أن تكرم شيبة شابت في الإسلام، بغض النظر عمن شاب في الإسلام على علم وعلى دعوة وعلى جهاد، وعلى الأمور الحميدة التي تشهد لصاحبها بكل خير وفضل وسابقة إحسان، فمن مظاهر وجود الغرور في النفس أن تجد هذا لا يخضع للكبير ولا يجل العالم، ولا يحترم كبير السن، وهذه مصيبة من المصائب.

الناس الذين يحبون لله وفي الله إذا كان لديهم شيخ من المشايخ الكبار الأجلاء، تجدهم هذا يسلم، وهذا يبدي مشاعره، وبعضهم ينظر من بعيد والله أعلم ما الذي في قلبه، كأنه ليس عنده استعداد أن يجل هذا الرجل الذي بلغ خمسين سنة أو بلغ ستين سنة.

وقد تكون المسألة أحياناً مسألة توازن فيما يتعلق بالمستوى الاجتماعي، أو من نفس الأسرة أو المنطقة، لكن ما هو الذي فضله علينا؟ وهذا أمرٌ قاد أبو جهل إلى أن يدفع الحق ولا يقبله، لما قابل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، قال: يا محمد! إني أعلم أن ما جئت به حق، ولكن ماذا نفعل إذا أطعمتم الحجيج وأطعمنا، وسقيتم وسقينا، وأكرمتم وأكرمنا، حتى إذا كنا وإياكم كفرسي رهان وتجافينا على الركب قلتم منا نبي! من أين نأتيكم بنبي؟

فبالمقابل نحتقره حتى يظهر من أسرتنا واحد، وفي تلك الساعة نرفع الرأس بأمر واحد، ومن خالط الناس ودقق في أحوالهم، وجد أن هذا موجود.

كلام العامة

ومن الأمور التي فيها شيء من الغرور والكبر: كلام العامة يقولون: من عرفك صغيراً احتقرك كبيراً، وهذه عقدة موجودة عندنا، أما عند الغرب وليس إعجاباً بهم، إذا رأوا فيه منذ الصغر شيئاً من النباهة والفهم والذكاء، فتجد له عناية ومعاملة خاصة.

يوجد في أمريكا برنامج اسمه رعاية النابغين، النابغون وفيه من الذين يقيسون قدرات الذكاء العقلي في المرحلة الابتدائية، وفي المرحلة المتوسطة، وفي المرحلة المتقدمة، فمثلاً: المرحلة الابتدائية فيها مائة ألف أو مليون طالب فيختار على عدد الأصابع من كل مدرسة من جاوز مقياس الذكاء العقلي عندهم حداً معيناً، وبالتالي يعطونهم عناية معينة خاصة بالنابغين، ثم بعد ذلك يفرغون لأبحاث تخص هذا المجتمع وتخص هذه الأمة، مكفيين في شأن أكلهم وشربهم ومعاشهم، والدولة مستعدة أن تقدم كل شيء، فالمهم أن نرعى هذا النابغ منذ الصغر رعاية خاصة؛ حتى ينتج لنا في المستقبل أمراً نستطيع أن نستفيد منه، وما القمر الصناعي الذي أطلقته إسرائيل قريباً ولا شك هو قمر تجسس ومحاولة جديدة لنقل المعلومات بأساليب متقدمة ومبتكرة، ولم يولد هذا القمر بين عشية وضحاها، بل ظلوا عشرين سنة في الأبحاث؛ ولد فيها علماء ومات علماء، ودخل أجيال وخرج أجيال في هذه الأبحاث، حتى خرجت إسرائيل بهذا القمر التجسسي الذي أطلقته.

والمسألة مسألة اعتراف بالآخرين وليست احتقاراً للآخرين، طائفة معينة من المجتمع ينظر إليها نظرة معينة فتعزل وحدها، ليست عزلة مقاطعة، تغزل في منهجها التعليمي؛ في معاملتها ودخلها في أمر معين من أجل أن تخدم مصالح الأمة خدمة متقدمة متطورة مبتكرة، فنحن أيها الإخوة! إذا استمرينا على مشكلة الغرور التي تفضي وتؤدي إلى احتقار الآخرين، فإننا لن نرعى نابغاً في مجتمعنا، ولن نقدم أحداً لكي يأتي يوماً ما فيعلو منبراً أو يقدم اختراعاً، أو يأتي بنظرية جديدة، وهذا خطر الغرور لا يعود على الفرد فحسب، بل ينقلب على المجتمع بأسره، لذلك فإن من علامة سلامة النفس من الغرور: أن يتمنى الإنسان الخير للآخرين ولو كانوا يفوقونه في سبيل خدمة أمته ومجتمعه، المهم أن الناس تقدم إلى الخير، أن الناس يرتقون بالأمة، أن الناس يقدمون أشياء نافعة للجيل والمجتمع، فهذا دليل صادق على عدم وجود الغرور المرتبط بالاحتقار والكبر وغمط الناس حقوقهم ودرجاتهم.

من الصور التاريخية الجميلة التي تشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء بصفاء السيرة ونقاء السريرة والسلامة من الغرور: أن كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم ومعه ثلة من الصحابة يمشون في الطريق، فأوقفته عجوز فخضع برأسه وطأطأ وقال لها: ما حاجتك يا أمة الله؟ قالت: أنت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين وبالأمس يدعونك عمير، كنت ترعى إبل الخطاب . انظروا عمق النصيحة وصدق المواجهة، وقوة قبول الحق في النفس وعدم الغرور، فسمع لها وطأطأ، ثم كلمته كلاماً طويلاً حتى شق ذلك على أصحاب عمر الذين وقفوا ينتظرونه، فلما انتهت وقضت حاجتها منه، عاد إلى أصحابه فكأنه وجد في وجوههم شيئاً، قال: [كأني أجد في وجوهكم ما أرى! أما تعلمون من هذه؟ هذه التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أفلا أسمع لها، هذه خولة بنت ثعلبة التي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تجادله في زوجها فأنزل الله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1]] سمع الله كلامها من فوق سبع سماوات، تقول عائشة : [جاءت المجادلة تحادث النبي صلى الله عليه وسلم، والله ما بيني وبينها ورسول الله إلا الستر، والله ما سمعت لها كلاماً وسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات] يقول عمر : [هذه المجادلة أفلا أسمع إلى امرأة سمع الله كلامها من فوق سبع سماوات] والحاصل أن عمر قد خضع وطأطأ برأسه لها وسمع كلامها.

قمة إذابة الغرور من النفس، لا يوجد غرور ولا يوجد احتقار للآخرين مهما كانت منازلهم ودرجاتهم، وبالمناسبة الذين يُقيّمون الناس بالسيارات والمظاهر، والأسر والمال والمراتب والمناصب تقييمهم فاسد، العبرة من حيث القرب والدنو والبعد من الله جل وعلا، وبمقدار التقوى والحسنات والصالحات: (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)رب أشعث الرأس، أغبر الجسم، ذي طمرين: ثياب بالية أطمار ممزقة، مدفوع في الأبواب، يدق الباب فلا يقال له: تفضل، مدفوع في الأبواب لو أقسم على الله لأبره.

إذاً أيها الإخوة: الناس لا يقدرون بملابسهم ولا بمظاهرهم ولا بمراتبهم ولا بمناصبهم، التقدير الحقيقي للناس هو بحقيقة مدى قربهم وبعدهم من الله، نعم إنزال الناس منازلهم أمر مطلوب، لكن التقييم الدقيق الشديد ليس فقط في هذه الملابس والمراتب والمناصب والأسر وغيرها.

في الحقيقة أيها الإخوة: يوجد احتقار من كثير من الناس لبني جنسه، والدليل على ذلك أن تجلس في مجلس ما، واطرح موضوعاً معيناً، تكلم في السياسة مثلاً، يقول لك: هؤلاء السياسيون أهل دجل وكذب لا يفهمون شيئاً، ولا يقضون حاجة، يكذبون على الناس؛ احتقار الآخرين وعدم تقدير الجهود بأي حال من الأحوال، اطرح موضوعاً آخر، تكلم مثلاً عن طائفة معينة، يقول: هؤلاء يتأخرون، لا يعطون الناس وجهاً، لا يتلفتون ... إلى آخره.

تعجب في كثير من المجالس أن تجد من الناس من لا يرضى عن أحد، أينما اتجهت بالحديث عن طائفة معينة في المجتمع، فهو ليس راضياً عن أحد أبداً كما يقولون: (لا يعجبه عجب، ولا الصيام في رجب) فهو ليس راضياً عن أحد أبداً، فمثل هذا الذي تجده دائم الاحتقار والانتقاد لكل فئة وطبقة من طبقات المجتمع، هذا في الحقيقة مصاب في قرارة نفسه بداء الغرور الذي جعله يحتقر الآخرين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اعتزاز الإنسان بنفسه

كذلك أيها الإخوة من علامات الغرور: أن تجد الإنسان سريع الاعتزاز بالنفس، وتجده دائماً معتزاً برأيه ومعتزاً بنفسه، ويهمه أن يطبق الناس ما يقول، ويهمه أن تكون المشورة مشورته والقول ما يقوله والذي يُنَفَّذ هو ما رآه.

تجد الإنسان الذي هو مصاب بداء الغرور دائماً عنده اعتزاز شديد وقوي إلى درجة أنه لا يود الاستشارة ولا يستشير أحداً أبداً؛ لأن في الاستشارة شيئاً من طأطأة الرأس لمن تستشيره، والاستشارة أمر مطلوب، وقد مدح الله سبحانه وتعالى الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم بأن أمرهم شورى بينهم، وأمر الله نبيه أن يشاور أصحابه: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159] والنبي صلى الله عليه وسلم مؤيد بالوحي، لكن لكي تتعلم الأمة أن المسألة ليست غروراً بالرأي ولا بالذات، وليست اعتداداً بالشخصية دون الآخرين، بل إذا كنت موجوداً فالآخرون موجودون، إذا كنت تسمع فالآخرون يسمعون، إذا كنت تبصر فالآخرون يبصرون، إذاً فلا بد أن يكون لهم نصيب من هذا القرار الذي سيكون منك، ولابد من الشورى، وبدون الشورى فإن هناك مظاهر أو إشارات تدل على وجود الغرور ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تجد الإنسان المصاب بداء الغرور لا يستشير إلا نفسه، أما الآخرون فلا يرى وجودهم، أما من سلم من هذا الأمر، فإنه يستشير في كل أمر يقول ابن الوردي :

لا تحقر الرأي يأتيك الحقير به>>>>>فالنحل وهو ذباب طائر العسل

فلا تحتقر أحداً، ولو كان هناك أمر من الأمور وأردت بنفسي أن أعتد برأيه فبه، قد أحصل نسبة الصواب فيه (10%) لكن لو أنني اجتمعت بعشرة من أصدقائي وأصحابي، وقبل أن أقرر عملاً من الأعمال استشرت وأبعدت الغرور والاعتداد بالنفس بعيداً وجانباً، ما الذي يحصل؟ فلنقدر أن كل واحد منا تكلم لمدة عشر دقائق، نفرض أن نسبة اثنين إلى عشرة من الدقائق كلام سليم وما سوى ذلك ليس بصحيح أي: أن كل واحد أصاب الصواب أو وفق إلى الصواب في دقيقتين من مجموعة عشر دقائق ونحن عشرة إذاً فقد حصلنا عشرين دقيقة من الصواب، ولو قررت في نفسي فإني لا أملك إلا دقيقتين صواب، إذاً فالمشورة دلالة على عدم الغرور، والاعتداد بالنفس هي في الحقيقة من أعظم دلالات وجود الغرور بالنفس.

أيها الأحبة: القرآن الكريم كثيراً ما يتناول هذا الداء والمرض لكي يشعر الإنسان ألا قيمة له ولا وزن إلا بخالقه الذي أوجده من العدم، وهداه إلى الإسلام، وآتاه السمع والبصر والفؤاد، والعقل والقوة، ولولا ذلك لكان جماداً من الجمادات أو بهيمة من سائر الحيوانات، يقول الله جل وعلا: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ [النحل:53] ليست من قوتك ولا من ذاتك ولا رصيدك: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ [النحل:53] إذاً بأي شيء نغتر؟ الأمر كله لله: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114].. وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76] لا تعجب بنفسك:

فقل لمن يدعي في العلم معرفة>>>>>علمت شيئاً وغابت عنك أشياء

بعض الناس يغتر إذا عرف مسألتين أو ثلاثاً، وقد يصاب بالغرور لأنه يحدث عامة الناس، لكن لو جلس أمام العلماء وطلبة العلم الكبار لم يجد إلا كلمة صواباً وكل كلامه أصبح خطأً، إذاً فلا يغتر الإنسان أبداً: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76] هناك من هو أعلم منك، وهناك من هو أقوى منك في هذا الجانب العلمي فلا تغتر بنفسك أبداً، ثم أيضاً: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء:85] فلنفرض أنك نلت العلم، فهل نلت العلم كله؟ لا، ما أوتيت من العلم إلا قليلاً.

ثم لو عرجنا أيضاً وعدنا إلى شيء من الصور الجميلة التي ذابت فيها قضية الغرور ذوباناً عجيباً بحيث لا وجود له بتاتاً، أو لم يوجد هذا الغرور أساساً على الإطلاق، تعرفون أنه في مراحل النصر العسكري يكون الإنسان مزهواً غاية الزهو بالنصر، خاصة إذا كان عدوه صلب المراس شديد القتال والعداوة طويلة، كم دامت العداوة بين رسول الله وبين قريش؟ منذ أن نزل عليه وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] وصدع بالدعوة إلى أن فتح مكة وهو في حرب مريرة ومكائد وتدبير من قومه وأهل أرضه وتربته، فلما أن فتح الله له ذلك الفتح المبين ودخل مكة صلى الله عليه وسلم، هل سل السيف وأخذ يقول: إني أرى رءوساً قد أينعت وحان قطافها؟

لا ما قال ذلك صلى الله عليه وسلم، دخل مكة مطأطأً رأسه قال الرواة: حتى أن رأسه ليكاد يمس قتب الرحل من شدة خضوعه صلى الله عليه وسلم لله سبحانه وتعالى وعدم الزهو أو الغرور أو الإعجاب.

والناس في أمر عظيم لقد ملك أمرهم محمد الذي قاتلوه عشرين سنة، ترى ماذا سيفعل بهم؟ فلما وقف الناس وكلهم لا يدري من سيقتل، من سيأخذ ماله أولاً، التفت إليهم صلى الله عليه وسلم، قال: (يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً يا محمد! أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء) وهذا أمر ربما تظنونه سهلاً، لكن جرب أخي نفسك في عداوة مع أحد البشر، تجد أنك تتمنى اللحظة التي يقع فيها بين يديك، تقول: يا ليت القرار هذا بيدي حتى أنفيه من الخدمة المدنية تماماً، وأسحب منه الجنسية بالكلية، وأخرجه خارج المملكة.

لكن الحمد لله أن أمر البشر بيد رب البشر وفي أيدي أمة عادلة وإلا فالبشر ظلمة:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد>>>>>ذا عفة فلعلةٍ لا يظلم

من ذا الذي يسلم من الغرور خاصة في لحظة قمة النصر مع عدو طال مراسه، أنت تلاحظ أن هذا إنسان تكرهه وتبغضه، تجد الدنيا ما تسعك وما تسعه، وقديماً قيل: القبر يسع متحابين والدنيا لا تسع متباغضين، تجد قلبك يضيق عليه وإن ذكر في بلاد وأنت في بلاد أخرى.

إذاً فيا أيها الإخوة! هذه صورة جميلة من الصور النبوية التي علمنا فيها النبي صلى الله عليه وسلم ألا نغتر حتى وإن ظفرنا بأعدائنا أو كنا في أعلى مراحل ودرجات الانتصار على الأعداء.

كذلك أيها الإخوة من المواقف النبوية الجميلة التي تعود الإنسان على عدم الغرور وتعوده على لين الجانب وخفض الجناح للآخرين: موقفٌ حصل للنبي صلى الله عليه وسلم فقد كان ذات يوم يوزع غنائم حنين، وكانت كثيرة جداً من السبي والإبل والغنم، فأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم الأقرع بن حابس التميمي مائة من الإبل، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أعطى عيينة بن حصن الفزاري مائة من الإبل، وكان إعرابياً من الأعراب ينظر إلى الغنم لها ثغاء في واد من الأودية، وذلك الأعرابي يقلب النظر والطرف معجباً بهذه الغنم في الوادي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيسرك أن لك مثل هذا الوادي غنماً؟ قال: أي نعم يا رسول الله! قال: فهو لك) كاد يجن هذا الأعرابي، وأخذ يصيح بأعلى صوته: يا قومي اسلموا فقد جئتكم من عند رجل يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.

وجاءه أعرابي وكان على النبي برد نجراني غليظ الحاشية، فجذب النبي صلى الله عليه وسلم جذبة شديدة حتى أثرت في رقبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فما الذي حصل من النبي صلى الله عليه وسلم؟

التفت إليه مبتسماً، فقال الإعرابي: يا محمد! أعطنا من مال الله الذي آتاك، فإنك لا تعطينا من مالك ولا من مال أبيك، ومع سوء التصرف فأنت ترى العبارة الجافة، وهكذا كان شأن الأعراب الحاصل أنه التفت إليه صلى الله عليه وسلم وأرضاه بكلام وأعطاه ما أعطاه، وقال: (لو كانت الدنيا كلها بين يدي ما وجدتموني بخيلاً عليكم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

تمييز النفس عن غيرها

كذلك أيها الإخوة من الأمور التي يلاحظ فيها الغرور عند كثير من الناس: أن تجده يحاول تمييز نفسه بشيء معين، وتجد حب الكلام عن الأنا والذات، وبعضهم تمل مجلسه من كثرة ما يتحدث عن نفسه، ويحاول أن يتكلم بطريقة فيها مبالغة لكي يميز نفسه عن سائر الناس، فنقول: ما الذي يدعوك إلى هذا؟

أنت بشر من سائر البشر، إن كنت تتكلم عن خير وعبادة فحديث الإنسان عن نفسه في العبادات مدخل إلى الرياء، تكلم عن الحق، تكلم عن الخير، تكلم عن مكارم الأخلاق، لكن تمييز نفسك حتى تنظر إلى الآخرين وتضعهم في درجة غير لائق، تجد مثلاً بعض الناس يقول: والله أنا ما أعالج إلا في تخصصي، ونحن ما نشتري ملابسنا إلا من المكان الفلاني، وأنا ما أفصل إلا عند الخياط الفلاني، أنا بصراحة ما يعجبني إلا البنـز فقط، أي سيارة ثانية لا أستطيع أن أقودها، فهو مغرور بنفسه غروراً عجيب جداً، ويحاول أن يميز نفسه بطريقة ممقوتة، وإن كان الجالسون يهزون رءوسهم أمامه إعجاباً ظاهرياً وهم في حقيقة الأمر يحتقرونه ويمقتونه.

إذاً محاولة تمييز النفس بشيء دون سائر الناس من علامات الغرور ولا حول ولا قوة إلا بالله، النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل، فقال: (يا رسول الله! أين أبي؟ فقال: أبوك في النار، فولى الأعرابي يبكي، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا أعرابي! أبي وأبوك في النار) يعني: المسألة أني وإياك في أمر واحد، فمحاولة تميز الإنسان بشيء من أجل أن يظهر وضع نفسه، أو مكانة نفسه بدرجة معينة عن الآخرين هذا في الحقيقة من قمة الغرور، وهذا والله ملاحظ وموجود عند كثير من الناس.

أسباب الغرور

ما هي أسباب الغرور أيها الإخوة؟

من أسباب الغرور: الشهرة، والشهرة الرياضية بالذات من أسباب الغرور، نجم الكرة الفلانية لا يلتفت ولا يريد أحداً يسلم عليه.

هداف الدوري لهذا العام فلان بن فلان، لماذا لا يسلم، وما هو الذي ميزه عن عباد الله أجمعين؟

أليس سيقف مع سائر الخلائق يوم القيامة؟

أليس الموت سيأتيه كما سيأتينا؟ فما الذي ميزه؟

فالشهرة سواءً كانت في الجانب الرياضي، والحديث يكون عليها مناسباً ما دمنا في نادي النصر.

الشهرة المالية: إنسان مشهور بالمال والثراء، تجد كثيراً من الناس وهذا للأسف موجود بكل صراحة، ومن خالط الناس لاقى منهم نصباً، يعرف هذا الأمر الذي يخالط طبقات الناس على مختلف مستوياتهم الفكرية والعلمية والمادية والاجتماعية والوظيفية، فتجد الإنسان الذي في الطبقة الرابعة عشرة أحياناً لا يريد أن يسلم، لأن هذا في السادسة والخامسة، وكأنه لا يعلم أن الله قادر على أن يميت كل ليلة واحداً، وأن الطبقة الرابعة عشرة سيحل فيها شخص محل الثاني، أقصد أنه: ينبغي للإنسان ألا يغتر بشيء زائل، وإن كان هناك من شيء نرتفع به ونرتقي به، فهو أمر باق، ولا يبقى للإنسان ذكر إلا ما كان بالدعوة إلى الله والطاعة والانقياد والخضوع لله سبحانه وتعالى.

شهرة المنصب، شهرة المستوى الاجتماعي، كونك من أسرة معينة من جهة معينة تنظر للناس، لكن: (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) أتدرون من أغنى الناس؟ أتدرون منهم الملوك؟ الذين يقنعون بما آتاهم الله ويستغنون عن الناس، يستوي أغنى الناس وأفقر الناس إذا كان هذا الفقير غنياً عن هذا الغني ولا يمد يده إليه.

لماذا ساد الحسن البصري أهل البصرة؟

قالوا: احتاجوا لما عنده من العلم واستغنى عما عندهم من المال، فكن غنياً عن الناس تكن أغنى الناس، وإذا احتاج الناس إلى علمك وفقهك ومشورتك وفزعتك ونحو ذلك، فستكون سيداً عليهم وإن كنت من أفقرهم.

إذا أيها الإخوة: كل شهرة زائلة إلا ما كان مرتبطاً بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وبالفقه في دين الله، فكم نجم رياضي مر علينا في تاريخ النجوم والرياضة ولكنه يلمع شهراً شهرين ثم ينتهي، وكم نجم مالي لمع فقيل: فلان بن فلان رأس ماله ملياران، ولكن مات وانتهى، والناس تشمت في ورثته حين يتقاتلون على قسمة المال.

كم رجل تولى منصباً كبيراً ثم انتهى.

إذاً كل مظاهر الشهرة تنتهي وقد تعود وبالاً وضلالاً على صاحبها:

إن أهنا عيشةٍ قضيتها>>>>>ذهبت لذاتها والإثم حل

يبقى الحساب والعقاب ويبقى الموقف بين يدي الله جل وعلا على هذه الشهرة التي وقفت بها هل سخرتها في طاعة الله؟

هل سخرتها لدعوة إلى الله؟

هل بذلتها لله سبحانه وتعالى أم بذلتها لكي تفتح لك السيارات، وتعطيك الكرة توقع عليها، وتعطيك الفنيلة تختم عليها وإلى آخره؟

الشهرة التي تبقى في الحقيقة هي الشهرة المرتبطة بدين الله، فبإمكانك أن تكون لاعباً مشهوراً في دنياك وبعد مماتك إذا ربطت هذه الشهرة بطاعة الله، يأتي لاعب في دولة معينة، فيؤذن ويصدح ويقول: الله أكبر في تلك البلاد الكافرة، نعم هذه شهرة أوجبت له ذكراً حميداً في حياته وبعد موته، يأتي لاعب يصلي في الملعب والناس يقفون ويصلون معه، فيقتدون بصلاته، هذه أوجبت له ذكراً حميداً في حياته وبعد مماته، هذه هي الشهرة الباقية، أما الشهرة الزائفة الزائلة والضعيفة المؤقتة فسوف تنتهي ويبقى عليك حسابها.

احتقار الذات

الشق الثاني وهو الاحتقار: الشباب بين غرور النفس واحتقار الذات:

كما أننا نجد في مجتمعنا صوراً كثيرة متعددة من شباب وشيب وصغار وكبار على اختلاف أعمالهم الإدارية والميدانية والوظيفية من أصيب بدار الغرور ففي المقابل نجد عينات كثيرة، بل أعداداً كبيرة من الذين ابتلوا ولا حول ولا قوة إلا بالله باحتقار الذات، ولا شك أن أصل الإنسان مجرداً عن الكرامة الإلهية حقير، الذي يغتر ينبغي أن يذكر بأصل الحقارة؛ لأنه اغتر بجانب مادي بحت، فإذا اغتر بالجانب المادي، فنقول له: أين منشأ هذا الجانب المادي؟ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المرسلات:20-21].. فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:5-7] نذكره أيضاً بأصله من حيث التكوين والخلقة؛ لكي يعرف إذا كان يغتر بهذا العظم واللحم والجسم، والطول والعرض والمال؛ نذكره أيضاً أنك مرتبط بماء مهين، فما خلقت من يواقيت الجنة، ولا من جواهر الفردوس، ولا من لآلئ العطش، أنت مخلوق من ماء مهين، ما هو الأمر الذي تجد لنفسك به علاوة على الناس؟

يا بن آدم تقتلك الشرغة، وتدميك البقة وهي بعوضة وحشرة ضعيفة جداً تقع على يدك، ثم تدخل هذا الأنبوب الماص في جسدك وتمص الدم، ثم فجأة تلتفت فلا تجدها وتجد الدم على يدك.

تقتلك الشرغة وتدميك البقة، وتحمل في جوفك العذرة، إذاً فلا تتكبر، أنت تحمل في بطنك مثلما يحملون إذا كنت تنظر إلى مقياس نفسك من هذا الجانب المادي البحت.

وأنت بعد ذلك جيفة قذرة، بعد الموت لولا أن الله شرع الدفن لكان أحبابك يتضايقون من وجودك بينهم، تصبح جيفة قذرة فعلام الكبر إذن؟

أنواع الاحتقار

الاحتقار قد يكون مباشراً وقد يكون بسبب، ومن الناس من يكون عنده ضعف نفسي عجيب جداً مع ضعف الإرادة، تجده دائماً يحتقر نفسه احتقاراً عجيباً جداً، إذا قيل له: احضر هذه المحاضرة، قال: أنا لا أقدر، أي: لا يقدر أن يقف بين الناس، من أنا حتى آتي هذه المحاضرة؟!!

يا أخي ادع الله جل وعلا.

أنا إنسان ضعيف مسكين مغلوب على أمري لا أستطيع.

يا بن الحلال تسبب في هذه الدنيا المباركة فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك:15].

ما أصلح لشيء.

تجده دائماً يحتقر نفسه احتقاراً مباشراً.

وأحياناً قد يكون الاحتقار بسبب أنه أعمل جهده وجوانب من نفسه في أمور رديئة خبيثة سببت له احتقاراً عظيماً.

وتلاحظ أن كثيراً من الذين يحتقرون أنفسهم عندهم تحطم في الأعصاب، الإرادة مسلوبة، تعطيه أملاً معيناً ولو مدة أسبوع أو شهر أو ستة أشهر أو سنة، ما عنده أدنى أمل أبداً، وبعد ذلك تجده لا يدرك دوره في الحياة إطلاقاً، يقول: أنا ما لي مكانة، أنا ما لي منـزلة، والشيطان يغذي وينمي هذا الاحتقار نماءً عجيباً إلى أن يصل الإنسان إلى أن يقول: ما دوري أنا في الحياة؟

لماذا لا أرتاح؟

لماذا لا أنتحر؟

تجده دائماً في قلق وفي شرود وفي عذاب عجيب جداً جداً، وهذا الشيطان يحقر من نفسه وينقص من نفسه تجاه نفسه، وفي النهاية تجده يقتل نفسه وينتحر.

الإسلام يزيل احتقار الذات

مرض الاحتقار خطير جداً، وإذا بليت الأمة به بلاءً، فذلك يجعلهم يعجبون بالأعداء ويتمنون القرب منهم والذلة بين أيديهم والخضوع والخنوع لهم، وفي المقابل لا يريدون أن يقدموا أو يؤخروا بالنسبة لهم في أي حال من الأحوال.

إن دين الإسلام قد بعث هذه الأمة بعد أن كانت أمة تأكل خشاش الأرض، بعد أن كانت جاهلة فقيرة مريضة، أعزها الإسلام، فإذا بك تجد من نفسك احتقاراً للذات! انظر ما الذي رفع أمة حقيرة، ففتحت قصور الأكاسرة والقياصرة، أمة سيوفها مثلمة، خيولها قصيرة، ملابسها بالية، هددت وروعت العالم وبنت حضارة في مدة قياسية، وحطمت حضارات كان لها من العمر القرون الطويلة، إذاً ما السر الذي رفع هذه الأمة؟ فالحق به وأدركه، وابحث عنه وتأمله، وقم به لعلك أن تصل إلى ما وصلت إليه تلك الأمة.

والقرآن الكريم يرفع من شأن هذه الأمة لكي يشعر الإنسان بالعزة في النسبة إليها، فأنت لا تحتقر نفسك وأنت تنتسب إلى الله الذي خلقك وتنتسب إلى هذه الأمة الإسلامية وتنتسب إلى الرسالة التي أنت مكلف بأوامرها ونواهيها: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] كنتم خير أمة وهذا شرف ما بعده شرف، فضلنا الله وجعلنا من أمة محمد وجعل لنا الخيرية وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:143] ومعنى وسطاً أي: عدولاً وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143].

قد رضي الله شهادتنا على سائر الأمم لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:143].. وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ [آل عمران:139] قد رفع الله من مكانتنا ومن مكانة أمتنا.

النبي صلى الله عليه وسلم دائماً يحرص على أن يشعر الإنسان باستقلاليته الشخصية وألا يحتقر نفسه، (لا يحتقرن أحدكم نفسه) كما جاء في الحديث، وفي الحديث الآخر: (لا يكون أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساء الناس أسأت، ولكن عليه أن يحسن إذا أحسنوا، وألا يسيء إذا أساءوا).

الحاصل أن النصوص النبوية والآيات القرآنية كلها تحث الإنسان أن يستقل بشخصيته، وفي الحقيقة لا يوجد في الإسلام احتقار للذات، كما لا يوجد في الإسلام العبارة المشهورة عند كثير من الناس فناء الذات أو تناسي الذات أو تجاهل الذات، هذا غير موجود في الإسلام على الإطلاق، بعض الناس يقول لك: فلان متجاهل لذاته يمدحه، أو يقول لك: فلان شمعة يحرق نفسه ليضيء للآخرين، المسلم يضيء طريقه ويضيء للآخرين طريقهم، المسلم ينفع نفسه؛ لأن الذي يحرق نفسه من باب أولى ألا يقدم للآخرين نوراً، الذي يحرق نفسه لا يقدم للآخرين إلا إحراقاً، فاقد الشيء لا يعطيه، إذاً لا يوجد في الإسلام إلا تحقيق للذات، واعتراف المسلم بدوره ومكانته في الحياة، ولا يوجد اعتداد بالذات ولا يوجد تجاهل أو نسيان للذات، بل يوجد تحقيق للذات، ومن حقق ذاتها؛ فإن تحقيق الذات هذا يودي به في نهاية المطاف إلى أن يكرم أمته ومجتمعه وأن ينفعهم، هذا نوع من الاحتقار المباشر وتكلمنا عنه قبل قليل.

أسباب الاحتقار

الاحتقار له أسباب عديدة منها:

ابتذال النفس

أن يبتذل الإنسان نفسه، تجد بعض الشباب عنده احتقار عجيب لنفسه؛ لأنه ابتذل نفسه ابتذالاً عجيباً في جوانب عديدة، فقد يكون ابتذل نفسه في الجانب الجنسي، فتجده فتح على نفسه المراهقة وبلا حسيب ولا رقيب، فوقع في الفواحش والمنكرات والآثام إلى الحضيض، وتجده لا يتورع في سفره إلى الخارج فيفعل فيه كل ما يفعله الشاذون والزناة وغيرهم.

وإذا وجد فرصة للمعصية والفاحشة والشذوذ واللواط لا يفوتها أبداً.

هذا أيها الإخوة يورث صاحبه احتقاراً للذات، فلا يستطيع أن يرفع رأسه، تجده دائماً يطأطئ ويطنن برأسه؛ لأنه هو الذي احتقر وابتذل الجانب الجنسي في نفسه، فهذا الابتذال سبب له احتقار نفسه، ولذلك قال الحسن البصري رحمه الله: [إنهم وإن هملجت بهم البغال وطقطقت بهم البراذين؛ إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه] فتجد الذين يبتذلون أنفسهم ابتذالاً رخيصاً شاذاً في الجنس والفساد واللواط وغيره، والله لو ركب أطيب مركب وسكن أكبر مكان، فإنك حينما تقابله تجد في وجهه ذلة.

فمن ابتذل نفسه فإنه يحتقرها ولا يعرف لنفسه قيمتها، ومن ثمَّ فإن الإنسان يشعر باللذة والسعادة والعلو إذا رفع نفسه عن الابتذال.

وأدنى درجات الابتذال ابتذال النظر: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس مسموم، من تركه مخافتي أورثته إيماناً يجد حلاوته في قلبه) لأنه لم يبتذل النظر، وفي المقابل عزة وحلاوة وطمأنينة عالية في النفس.

فيا أيها الإخوة: اعلموا وأدركوا هذا الأمر إدراكاً جيداً لكي تخبروا به من يقعون في هذه الفواحش والمنكرات، قولوا لهم: إن انفتاح الإنسان على ما يشتهي من الملذات والمنكرات لا يعني أن يكون محققاً للسعادة، وكونه محققاً لشهوات الذات، فهو يحفر لنفسه قبراً تحت قبر تحت قبر يهين نفسه في قاعه.

ابتذال الوقت

كذلك -أيها الإخوة- من أسباب احتقار النفس: أن يبتذل الإنسان وقته، تجد الإنسان يبتذل وقته، فيلعب ليلياً البلوت من الساعة الثامنة ونصف إلى الساعة الواحدة، يقول ابن هبيرة:

والوقت أعظم ما عنيت بحفظه>>>>>وأراه أهون ما عليك يضيع

الوقت ثمين جداً، وهذا مسكين عنده ابتذال شديد للوقت، ويضيق صدره إذا لم تجتمع (الشلة) ذاك اليوم، يذهب يبحث عنهم فلا يجدهم، ينادي فلاناً ببوق السيارة، ويدق بابه، ويذهب إلى فلان ويذهب إلى فلان، وأخيرًا يعود إلى البيت وصدره ضيق، ونفسه منكسرة، لقد وجد احتقاراً حقيقياً في النفس؛ لأن الإنسان إذا كان في لحظات العزة يجد سعادة، وفي لحظات الأنس يجد رفعة، لكن في لحظات احتقار الذات يجد انكساراً وضعفاً، فهذا مسكين ابتذل وقته، فمن ثم أفضى إلى أن يحتقر ذاته فعاد منكسر البال، وهذا شأن كثير من شبابنا نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية.

ابتذال العقل

كثير من الناس تفكيره سطحي حتى وإن بلغ ثلاثين أو أربعين سنة، أو حتى ولو كان جامعياً، عندما تناقشه في مدركات عقله وفي أمنياته، يقول: أتمنى سيارة بورش تأتي من ألمانيا.

ثم ماذا؟

وأتمنى قطعة أرض.

ثم ماذا؟

وأتمنى زوجة.

ثم ماذا؟

ما أريد شيئاً!

أماني ضعيفة وهابطة، العقل مبتذل في الحقيقة، ولذلك أصبحت الأماني على قدر هذا الابتذال، لكن الإنسان الذي همته عالية وكبيرة، تقول له: ماذا تتمنى يا أخي؟ فيقول: لا تكفيني سيارة بورش، أتمنى أن يسخر الله هذه الأموال في خدمة الجهاد والمجاهدين.

أتمنى أن أكون غنياً عن الناس بما آتاني الله، مستغنياً بعلم الله وفضله، نافعاً لهذا المجتمع، مؤدياً دوراً مهماً يذكرني الناس به بعد موتي، لا حباً في الثناء والشهرة، بل طلباً للدعاء والذكر الصالح؛ لأن الخلق هم شهود الله في هذه الأرض:

إذا كانت النفوس كباراً>>>>>تعبت في مرادها الأجسام

وأتعب الناس من جلت مطالبهم وإنسان همته علية ما يكفيه:

ولو كان ما أسعى لأدنى مذلةٍ>>>>>كفاني ولم أطلب قليلاً من المال

المسألة لست مسألة عَرَضٍ قليلٍ من الدنيا، فالمسلم الذي لا يحتقر ذاته ولا يبتذل عقله؛ تجدون همته عالية، ليست الهمة محدودة، وكثير من الناس للأسف همته ضعيفة ومحدودة جداً، وذلك يدلك على حجم التفكير.

أذكر أن شاباً كنت في مقابلة جادة معه، قلت له: يا أخي الكريم! ما هي أمنيتك؟ قال: أفتح سوبر ماركت، آخر ما يفكر فيه أن يفتح سوبر ماركت! هذه همة شاب؟! لا أقول: إنه عيب أن تفتح سوبر ماركت، لكن ينبغي أن تكون الهمة أعلى، قد تفتح سوبر ماركت، تفتح متاجر، تفتح محلات، تفتح مؤسسات، مباني، إنشاء، تعمير، لكن هذه وسيلة لغاية أعلى وأسمى ينبغي أن ترفع نفسك إليها، إذا لم تجعل لنفسك غاية وهدفاً تسعى وتتمنى أن تحققه في يوم من الأيام؛ فما هو دورك في هذه الحياة؟

الناس في هذا العالم كثر ولكن وكما قال إبراهيم بن أدهم:

فحسبك خمسة يبكى عليهـم>>>>>وباقي الناس تخفيف ورحمه

وباقي الخلق هم همج رعاع>>>>>وفي إيجادهم لله حكمه

فأنت إذا لم يكن لك شأن ومكانة وعلو منزلة فلا تحتقر نفسك، اعترف بوجودك، وحقق ذاتك في هذا الوجود؛ لكي لا تكون من الذين هم من سقط المتاع أو من الذين لا يعدون بأي حال من الأحوال.

إذاً أيها الإخوة الاحتقار من جانبين:

احتقار مباشر؛ نتيجة إحباط أو نتيجة ضعف نفسي، وهذا قد يقول له إبليس: يا أخي لماذا لا تريح نفسك وتنتحر وتريحنا منك؟ وقد يفعلها، وقد فعلها كثير من الناس.

وفي الجانب الآخر يكون الاحتقار بسبب ابتذال النفس جنسياً، وبسبب ابتذال الوقت، وبسبب ابتذال الفكر.

علاج الاحتقار

شغل الوقت بالنافع

من الأمور التي ترفع هذا الابتذال: أن يحرص الإنسان على إشغال وقته بالنافع، والحقيقة أنه لا حد لإشغال النفس بالنافع، الأمور النافعة كثيرة جداً، وانظر هوايتك فوجهها توجيهاً نافعاً، وتقدم وانفع بها، أنا أعرف شاباً تخصصه فيزياء، لكنه أشغل وقته بالأمور النافعة في مجال الكمبيوتر لأنه هوايته، وبعد ذلك أخرج برنامج المواريث عبر جهاز الكمبيوتر، فأنت يا أخي الكريم لابد أن توجد عندك همة، ولا بد أن توجد عندك موهبة، وتجد في المقابلات الفنية إذا سئل أحد الفنانين: الأخ الفنان الموسيقار الكبير! لو سمحت من الذي اكتشف الموهبة الفنية الموجودة فيك؟ قال: في الحقيقة كان محمد عبد الوهاب أو كان فلان أو فلان هو الذي اكتشف هذه الموهبة فيَّ، أي: أنه كان يجهل الموهبة الموجودة فيه، وهذا في الحقيقة قد يصدق، ونقولها لكثير من الشباب: فيكم مواهب دفينة ومطمورة، ويوجد في جنباتكم طاقات معطلة، لو بحث الإنسان عن نفسه لاستطاع أن يكتشف أن لديه جانباً سيبرز فيه وسينتج فيه، وسيحقق فيه ما لا يحققه غيره، ولذلك فإن الله فاوت بين الناس في المدركات والدرجات والمستويات؛ لكي تكتمل البشرية بهذا التسخير المتبادل.

حسن اختيار الصحبة

كذلك من الأمور التي تجعل الإنسان يبعد عن نفسه احتقار الذات: أن تبحث لنفسك عن صاحب لا يحييك بلعنة، ولا يكلمك بكلام خبيث، ولا يحدثك بعبارات ساقطة، ولكن هذا شأن الكثير من الشباب في مجالسهم للأسف، فلا تجد أسباب الاحترام في مجالسهم أبداً.

فعليك أن تبحث من جديد عن صحبة طيبة تبعد جانب الاحتقار، فتجد الفرد فيها حينما يقابلك، يقابلك بالبشاشة، يصافحك، يلتزمك، يعانقك، يسأل عن أحوالك؛ ماذا قرأت البارحة؟ رأيت الخبر الجميل في المجلة الفلانية عن الجهاد؟

تجده يحدثك بأمور عالية جداً، ليس عن آخر أغنية، وكم سجلوا من هدف؟ وأنا لا أعترض بهذا على الرياضة على أية حال، لكن أقول: تجد الاهتمامات محصورة في هذه الجانب فقط؛ سمعت الشريط الفلاني، ما سمعت الشريط الفلاني، ما خرج الفيلم الفلاني، وهذا غاية مسعاهم من العمل ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فحينما يكون لك جلساء صالحون فإنهم يرتقون بمستواك، وأنا ألاحظ هذا جيداً، تجد شاباً عادياً أو من الشباب الذين أسرفوا على أنفسهم بالذنوب والخطايا، ثم يمن الله عليه بالجلساء الطيبين الصالحين، وبعد مدة تلاحظ مشيته تعجبك، ومظهره وملابسه وطريقته، تجد الرجل تغير حتى في أسلوب كلامه، لأن الرجل وجد من يرتقي به، ووجد من يطرد عنه احتقار الذات، وفي الحقيقة حتى هو وإن لم يشعر باحتقار الذات إلا أن سلوكه وتصرفاته دالة على احتقار ذاته، لكن لما منَّ الله عليه بالهداية وبالجلساء الصالحين الصادقين، وأكرمه بهذه الدرجة العلية تغير أسلوبه، وتغيرت هيأته وطريقته في ذهابه وإيابه وخطابه إلى آخر ذلك.

عاقبة إضاعة طاقات الإنسان

الذين يضيعون الطاقات الموجودة في النفس الإنسانية هم بهائم.

الذين يصرون على إهدار الطاقة الجنسية والطاقة العقلية والأوقات، ومختلف الطاقات الموجودة في هذا البدن؛ الذين يضيعونها هم والله لا يكونون إلا كالبهائم، ولذلك تجد في مواضع كثيرة من كتاب الله مثل قول الله جل وعلا: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] هناك سمع راقٍ ولكن لا يوجد عقل وتدبر على مستوى، إذاً ما هي محصلة الأمر؟

إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ [الفرقان:44] وكذلك قول الله جل وعلا: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179] وقول الله جل وعلا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ [محمد:12] وقول الله جل وعلا: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة:18] الذين يعطلون وسائل العلم والمعرفة بالنفس وقد قال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36] سمعك وبصرك وفؤادك وعقلك هي آلات التعلم والتعليم والإنتاج والابتكار فلا تضيعها، فمن ضيعها وأصرَّ على ابتذالها في جوانب ناقصة وهابطة، فوالله ليكونن كالبهيمة، بل إن البهائم قد تنفعنا ولا تضر، وذلك قد يضر ولا ينفع ولا حول ولا قوة إلا بالله!

سبب احتقار الشباب للنفس

ختاماً أيها الإخوة نقول لبعض الشباب: لماذا تحتقر نفسك؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد لها أمر دينها).

لماذا لا يكون أحدكم هو المجدد وليس ذلك أمراً عجيباً، ولا على الله بعزيز أن يكون من بينكم مجدد، ليس على الله بعزيز أن يكون أحد لاعبي نادي النصر هو مجدد الأمة في يوم من الأيام.

إذاً أيها الإخوة: لماذا نحتقر أنفسنا؟ لماذا أولئك يعجبون بأنفسهم إعجاباً بليغاً وهم كفار، والمسلم وهو على حق يذل نفسه ويحتقرها ولا يرى لنفسه دوراً ولا مكانة؟ والبعض قد تحدث له صدمة تهزه حتى يبتعد عن الاحتقار إلى تحقيق الذات، ومن أولئك الإمام الطحاوي الذي كان في حلقة مجلس، وكان شيخ تلك الحلقة هو خاله أخو أمه، فكان يجلس بجوار خاله، وكان خاله يشرح ثم يسأله: فهمت يا ولدي؟ قال: ما فهمت، فضرب على كتفه ذات يوم، وقال: قم، أنت لا تصلح لشيء، فقام ذلك العالم النحرير، قال: أنا لا أصلح لشيء؟ ثم طلب العلم حتى انتهت إليه إمامة الدين في زمانه، وجلس ذات يوم في حلقة خاله، وقال: أين خالي ليرى ذلك الذي لا يصلح لشيء.

فأنت يا أخي قد يقابلك من يقول لك: أنت لا تنفع في شيء، أنت لا تصلح لشيء، أنا أذكر شاباً قابل مدير مدرسة أو شيء من هذا، وقال: أنت ما تصلح حتى خباز (طردة شنيعة للأسف!) أخبرني بها وأدركها جيداً، فاستمر حتى أنهى دراساته العليا كاملة عقب هذه الكلمات.

فيا إخواني: ينبغي ألا تكون عبارات الآخرين المسلطة علينا سبباً في احتقار ذواتنا، أنت أدرى بنفسك: بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة:14] مهما حاول الآخرون أن يحتقروك، أو أن يغضوا من شأنك، فأنت أدرى بنفسك درايةً عجيبةً دقيقة، ولكن إياك والغرور، ولا تحتقر نفسك بأي حال من الأحوال.

أيها الإخوة! أقول: ينبغي ألا نحتقر أنفسنا، وينبغي أن يظهر من هذه القاعة عدد من الدعاة والخطباء والمصلحون في هذا النادي وفي المجتمع وفي أماكن عديدة، ينبغي ألا نستسلم للشيطان، وينبغي أن نحقق ذواتنا في مجتمعنا، ينبغي أن نعرف دورنا في الحياة، نحن -أيها الإخوة- ما خلقنا لكي نأكل ونشرب: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] جهاز هضمي، وجهاز عقلي، وجهاز تنفسي، وعروق وشرايين، وقلوب وأفئدة، هذا الإنسان قد أودع الله فيه أعجب مخلوقاته ودقيق صنعه سبحانه! ما أودع الله فيك هذا الأمر إلا لسرٍ عظيمٍ جداً ألا وهو أن تكون عامراً لهذه الأرض، وأن تقوم بعمارتها على الوجه والجانب الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، فينبغي ألا يحتقر أحد نفسه، ومن ابتلي بشيء من هذا، فليتذكر قول القائل:

دواؤك منك وما تشعرُ>>>>>وداؤك فيك وما تبصر

وتزعم أنك جسمٌ صغيرٌ>>>>>وفيك انطوى العالم الكبير

لا تحتقر نفسك، بل أنت كل شيء إذا منَّ الله عليك بالهداية وأكرمك بالاستقامة والملازمة واتباع كتابه وسنة نبيه، ولا أود أن أطيل أكثر من هذا، فإن الإخوة قد أرسلوا لي كرتاً أصفر أو أحمر ما أدري ماذا تسمونه، المهم أنه حان وقت الصلاة بعد قليل.

وأختم هذه المحاضرة بأن أسأل الله جل وعلا أن تكون خالصة لوجه، فهذه نفثات من محب لكم في الله، ومن محب للأندية الرياضية خاصة أن تعود على أنشطة اجتماعية وثقافية ورياضية، وأن يعود التوازن إليها من جديد، وأن تتميز أنديتنا تميزاً، فهذه نفثات ميسورة إن وافقت فيها حقاً فمن الله وحده لا شريك له، وإن كان فيها خطأ فمن نفسي والشيطان.

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

الأسئلة

حكم التعصب للأندية

السؤال: هناك بعض الإخوة هداهم الله متعصبون لبعض الأندية لدرجة أنهم يطلقون مثلاً على نادي الهلال: الاتحاد السوفيتي ، فما رأيكم جزاكم الله خيراً؟

الجواب: أنا أعرف حقيقة لماذا كتب هذا السؤال، لأننا في نادي النصر والكلام يتعلق بنادي الهلال، لكن وليكن ما يكن، الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.

يا إخواني! ليس هناك شيء يمنع الإنسان من أن يمارس الرياضة، الرياضة في الإسلام كما تعلمون وسيلة لا غاية، ما هناك شيء يمنع، لكن أن تصل ممارسة الرياضة إلى حد التعصب للأندية تعصباً يوقع الشحناء والعداوات والبغضاء والفراق إلى آخره، فهذا لا ينبغي ولا يليق بأي حال من الأحوال، وما يضيمك إن كنت من محبي نادي النصر مثلاً لأن اللاعبين يعجبك لعبهم، أو من محبي نادي الشباب أو الهلال أو أي نادٍ من الأندية، هذه رياضة معينة، والناس بين نوعين: بين من يمارس هذه الرياضة، وبين من يشجعها ولا يمارسها، ولا نطلق عبارات التحليل والتحريم على الفريقين، لكن نقول: الأمر مشروع بحدوده، أما أن يرمي الإنسان غيره من مشجعي الأندية أو من أصحاب الأندية بمثل هذه العبارات، فهذا لا ينبغي ولا يليق بأي حال من الأحوال، وأنا أظن أنه من وصل به التشجيع إلى هذه الدرجة التي أصبح بموجبها يسب ويشتم ويفرق ويغير فقد احتقر نفسه احتقاراً ينبغي أن يبعده عن نفسه؛ لأن المسلم لا يصل إلى درجة الاحتقار (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) إلى آخر ما جاء في الحديث.

فكل عبارة فيها بغضاء أو شحناء أو عداوات، فينبغي أن تزول، نحن نريد أن تعود الجماهير الرياضية من جديد عوداً على بدأ والعود أحمد، فقد مرت حقبة من الزمن عرف الناس عن الرياضة والرياضيين الكلام السيئ والسمعة الرديئة، نريد أن نبعث هذا الأمر من جوانب جديدة، نريد أن يعرف الناس أن الأندية فيها مدارس تحفيظ القرآن وهي محاضن للدعوة والدعاة وهي أماكن لتربية العقول والأبدان والأجسام، وفيها فرص مناسبة لممارسة الرياضة بأنواعها، وحينما ننظر إلى هذه الأندية بهذه النظرة الشمولية ونعرف الهدف من هذه الأندية الرياضية، عند ذلك لن نجد هذه العبارات ولن نجد الجنون في التشجيع، الذي نراه من بعض الشباب، يفوز نادٍ على نادٍ فيخرجون في الأسواق بالأعلام وبالطبول والكلام الذي لا يليق، وبإزعاج الآخرين بالليل، أذكر أن المنتخب في المملكة منذ مدة فاز، والحاصل أن خرج الناس بأعلام المملكة يتجولون في الشوارع، هذا علم دولة رسمي تهينه وتعلقه على رفرف دراجة.

وفي الحقيقة حينما تحصل مظاهرات في جامعة أمريكية بين الليبيين والإيرانيين أو بين العراقيين والإيرانيين، يقوم الإيرانيون بإمساك العلم الإيراني فيمزقونه ويعلقونه على صدامات المواتر وفي المقابل كذلك، فالذي يفعل هذه القضية يمارس إهانات رسمية ممنوعة نظاماً، قبل هذا كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله كلمة التوحيد والوحدانية والرسالة، فيسقط العلم، فتظؤها السيارات في الشوارع والناس هذا جنون، ونوع من احتقار الذات حيث لا يشعر الإنسان بقيمة نفسه ولا بقيمة دينه، ولا بقيمة هذه الراية التي يحملها، ولا بالكلام الذي في طياتها وجنباتها.

إذاً فالمسألة ليست مسألة جنون، فنريد أن تعود الجماهير ٍمن جديد بكل عقل وروية وبكل قناعة، شاب يسأل، يقول: حرام عليّ أن أرى المباراة في التلفزيون؟ الحقيقة المسألة ليست مسألة حلال أو حرام، قد نقول: ليس هناك ما يمنع، لكن لا تكون الرياضة هي شغلك الشاغل أربعاً وعشرين ساعة؛ ترى السعودية والكاميرون في الفيديو، السعودية والإمارات في الفيديو، وتجده يشغل أفلام فيديو للمنتخب ومباريات على الشاشة، هذا وقته ضائع، فابتذاله للوقت سبب لاحتقار الذات، فنحن نريد ممن كان رياضياً أن يحترم الرياضة، وأن يحترم نفسه أمام الرياضة، فلا تطغى عليه ولا يطغي نفسه فيها.

إيقاظ الجار لصلاة الفجر

السؤال يقول: لي جار أوقظه لصلاة الفجر، ولكن يقابلني بقوله: إنك أزعجتني وأزعجت أهلي فلا توقظني أبداً؟

الجواب: على أية حال يا أخي! الواجب عليك أنك لا تمل في دعوته إلى الله سبحانه وتعالى، والذي أراه لك في البداية أن تنصحه نصيحة بينك وبينه، وألا تمل النصيحة، قد يكون الرجل يصلي في بيته ولا نظن بمسلم أنه يترك الصلاة بالكلية، لا شك أن ترك الصلاة في المسجد لا يجوز، لكن ليس السبيل أن تذهب وتتركه، ولا شك أنه ينـزعج، ولا تضرب الباب في هذا الوقت، وليس هذا من أجل راحته، ولكن من أجل أن تصل إلى قلبه في لحظة قبول واقتناع واستجابة، فعند ذلك سيصبح يصلي بنفسه بدون أن تطرق عليه الباب، أو قد يطلب منك في المستقبل، يقول: أعني على نفسي واطرق علي الباب لكي أشهد الصلاة مع الجماعة، فهذا أمر مطلوب.

علاج داء الغرور لدى المسئولين

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

لدينا مسئولون عندهم داء الغرور، فمال الحل لإقناعهم أن لديهم داء؟

الجواب: أسمعوهم هذه المحاضرة لعل الله أن ينفع، ونسأل الله جل وعلا أن ينفع بجهودنا وجهودكم هذا شيء.

الشيء الثاني يا إخوان: أن الغرور داء دفين في النفس، والأمراض الخفية تكون في خبايا النفس خاصة في الجوانب السلوكية، وداء الغرور يكتشف من سلوك الإنسان؛ من دخوله وخروجه وقدومه وانصرافه ومقابلته للناس ومعاملته مع الناس، فعلى أية حال هذا الذي عنده داء الغرور أكثر له من الأشرطة التي فيها بيانٌ لأصل هذا الإنسان وأصل خلقته تكوينه، وأنه ضعيف، ومناقشة الغرور لا ينتهي أبداً، يا أخي بأي شيء تغتر؟! قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ [الإسراء:50-51] أي: لو كنتم حجارة أو حديداً أو خلقاً أكبر من هذا فسيأتي بكم الله ويعذبكم ويحاسبكم، فالمسألة ليست بحديد فولاذي لا تبلى ولا تفنى، بل بالعكس فأنت بشر ضعيف، الواحد لو أصابه جرح في إصبعه، فمن نعمة الله أن توجد مادة في الدم تسبب التجلط حتى يقف الجرح ويعود بناء الأنسجة من جديد، وإلا فإن هذا الجرح ربما ينزف قطرة قطرة لمدة يومين أو ثلاثة أيام حتى ينتهي، فهذا الإنسان الذي شق الأنفاق وركب البحر والغواصات والطائرات والصحاري له جهوده في مجالات عديدة، لكن أيضاً هو ضعيف جداً.

الكلى: أسأل الله أن يعافي الذين ابتلوا بمرض الفشل الكلوي، وأن يمن عليهم بالشفاء والعافية، انظروا هذه الكلية حجمها بنصف حجم القلم وبشكل قريب من نصف الدائرة، من الذي يعوضها؟

الإنسان ضعيف جداً وانظر إلى هذه الناحية من أمرين:

الأمر الأول: دقة وعظيم خلق الله لعبده.

والأمر الثاني: لا يعوضك أحد إذا تخلى عنك الله سبحانه وتعالى، وإذا زالت عنك عافية الله جل وعلا فلن تستطيع أن تعوضها بشيء.

الذين أصيبوا بالفشل الكلوي مستعدون لأن يبذلوا ملايين من أجل أن تعود الكلية كما كانت، وذلك لا يكون إلا إذا أذن الله جل وعلا لأحدهم بأن توجد له زراعة كلية من إنسان آخر أو من متبرع وتكللت عمليته بالنجاح، فالإنسان ضعيف.

وآخر فقرة في العمود الفقري لو سقطت عليها لأصبت بشلل نصفي، نقطة بسيطة في الدماغ إن تتحرك عن مكانها يحصل شلل كامل، وقد تتعطل حاستين أو ثلاث.

فالخلاصة: أنك ضعيف جداً جداً، وأدنى شيء يؤثر في حياتك، ويجعلك تتألم وتتعذب، لكن من كان في العافية فهو لا يعرف قيمتها، ولا يعرف قيمة العافية إلا من ذاق المرض:

لكل ما يؤذي وإن قل ألم>>>>>ما أطول الليل على من لم ينم

لو أن الإنسان تقلب على فراشه ساعتين من وجع سن، قال: أقلعوا حنكي كله وليس ضرسي فقط، دعوني أرتاح، لأنه يتألم ألماً شديداً.

إذاً هذا الإنسان أكثر له من الأشرطة والرسائل والمحاضرات، وأيضاً إذا وجدت الجلسة المناسبة معه لكي تبين له أن الإنسان ضعيف ومسكين، ولا بقاء ولا قدرة ولا ثبات له إلا إذا منَّ الله عليه بالشفاء والعافية، إذاً فهو محتاج لأن يرتبط بالله حتى يتمتع بهذه العافية، إنسان يملك ملياراً، لكنه محروم من السكريات والنشويات، ومحروم من أن يمشي كثيراً، ومحروم من تناول الملح لأن عنده ظغطاً في الدم؛ ما هذه الحياة!

حقيقة يا إخوان! هل الدنيا مال؟ لا، الدنيا بعد طاعة الله عافية، ولذلك ينبغي للعبد أن يسأل الله سبحانه وتعالى؛ اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، العافية نعمة عظيمة من أكبر النعم، فإذا أكثرت على هذا المسئول من هذه الجوانب وهذه النقاط، فلا بد أن يعود ويئوب إلى الله يوماً من الأيام.

الرد على من يقول: المحاضرات ليس مكانها النادي

السؤال: فضيلة الشيخ: أعيانا الرد على بعض الإخوة الذين يجادلون بأن المحاضرات الإسلامية ليس هذا مكانها فما تقولون لهم؟

الجواب: فهل مكان المحاضرات المساجد فقط؟ لا. نحن لا يوجد عندنا فصل الدين عن الدولة، الدين في المسجد فقط وما سوى ذلك فلا علاقة له بالدين أبداً! الدولة من أكبر جهاز فيها إلى أصغر جهاز فيها هي محل بالدين، وما هي إلا مطبقة للدين وحاكمة للدين ومأمورة بأمر الدين، لا يمكن أن نتصور هذا الأمر، والذي يقول: هذه الأندية ليست للمحاضرات، نقول: فماذا تكون؟ تكون لتربية الأجسام فقط؟ تربية عجول؟ لا، هذه الأندية لتربية العقول وتربية الأبدان على مستوى متوازن متمازج وإلا ما قيمة بدن قوي نشيط لكن ما عنده عقل.

أذكر في يوم من الأيام في الشارع الثلاثين في العلية بعد مباراة من المباريات كان هناك مجموعة شباب واقفون في سيارة (جيمس) يلبسون فنايل (نصف كُم) وقد سدوا الطريق بالسيارة في ممر بجوار شارع الثلاثين فلا تمر منه سيارة، هل هذه الأندية تقر هذه الأعمال؟ لا، هو الآن يشجع نادياً أو يشجع نخبة من مجموعة أندية، فهل تأثر بهذه الأندية إلى هذا الحد؟!

ليست الأندية التي فرضت عليه هذا الفعل، سلوكه وخطؤه ينسب إليه ولا ينسب إلى الأندية، لكن ما دام أحب الأندية، فلا بد أن يسمع كلمة في النادي حتى يصلح من الخطأ في سلوكه.

ثم يا إخوان لا بد للدعاة أن يدخلوا كل مكان، شاب لا يدخل المسجد لكنه يدخل النادي؛ أليست فرصة أن تقابله فيه وتوصل إليه كلمة الحق؟ بلى والله، بل إن من الدعاة من دخل أماكن لهو لم يجلس فيها لاهياً وإنما اقتنص صيده واحداً تلو الآخر لكي يهديهم إلى الله جل وعلا، وحصل أن اهتدت طوائف بهذه الطريقة.

الداعية الذي يهمه أن يهتدي الناس، والذي يشفق على الآخرين من عذاب الله، الداعية المحب لإخوانه لا بد أن يدخل إليهم في كل محل، ما هي العداوة بيني وبين أبناء النادي حتى لا أدخل إليهم؟ وما هي العداوة بينهم وبيني حتى لا يسمعوا مني في النادي؟ هم إخواني وأنا أخوهم، يصلون معي الجمعة وآتي إليهم في ناديهم، ويزورونني وأزورهم، ويأتون إلي في المكان وآتي إليهم في المكان، لماذا نحاول أن نجعل المجتمع طبقات، طبقة أندية لا يمكن أن تهتدي، وطبقة مطاوعة شغلها في المساجد، وطبقة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر (صلوا صلوا).

لا. المجتمع كله بوظيفة ومهمة واحدة في حفظ الأمة، حفظ شباب الأمة، حفظ كيان الأمة، هذا ليس مسئولاً عنه النادي وحده، كل دائرة من دوائر الدولة بجميع وزاراتها ومؤسساتها وأجهزتها مسئولة عن حفظ كيان الأمة وأمن الأمة وشباب الأمة جميعاً.

استمرار المحاضرات في الأندية

السؤال: فضيلة الشيخ حفظك الله: أخبرك أني أحبك في الله، ثم أخبرك أننا معشر الشباب في أشد الحاجة إلى مثل هذه المحاضرة المباركة، وأتمنى أن تتكرر وتكون في مكان أكبر من هذا لأن الذين رجعوا إلى منازلهم أكثر من الذين وجدوا مكاناً لهم؟

الجواب: على أية حال نسأل الله للذين رجعوا أن ينفعهم بما سمعوا، وأن يجعل بقاءهم معنا المدة التي جلسوا فيها في موازين أعمالهم، وأن يثيب الجميع، وأن يثيب من بقي معنا، وفي الجميع البركة إن شاء الله، على أية حال ليس هذا هو اللقاء الأول، هذا فيما نرجوه لإخواننا في نادي النصر الرياضي، وأيضاً نرجو من جميع المسئولين عن الأندية أن يجعلوا من الأندية منابر نور وإشعاع للمجتمع، ما ظنكم أن نادي النصر الرياضي يتبنى كل شهر ولا نقول نصف شهر مناسبة ثقافية، أمسية شعرية، حفلاً مسرحياً، محاضرة، مسابقة، قصيدة، كلمة، المهم أن نرفع من مستوى أبناء المنطقة؛ منطقة الدخل المحدود ما شاء الله مكتظة بالسكان، هذه الكثافة السكانية بحاجة إلى الوعظ والإرشاد والتوجيه والإفادة، وخير من يقوم بهذا التوجيه هي الأندية الرياضية، فليس دور الأندية الرياضية فقط أن تربي أجيالاً تلعب الكرة جيداً، وتحسن أن تسدد الأهداف جيداً في الشباك، لا، أيضاً من مهامها أن تنفع المجتمع، وكل نادٍ رياضي يفتح لائحة تأسيسية فيقال: نادي رياضي اجتماعي ثقافي ينفع المجتمع، المهم أن مهمة الأندية نفع رياضي مع الثقافي والاجتماعي وتوجيه وإيصال هذا الخير إلى أكبر أفراد المجتمع، فلماذا تخلف الجانب الثقافي والاجتماعي في النادي؟!

هذه مسئولية المسئولين في النادي، ولا أدري هل في الحضور أحد من العلاقات العامة، وكنا نطمح أن يحضر عدد أكبر من إدارة النادي نفسه، ما يكفي واحد أو اثنين أو ثلاثة، نطمع أن يكون في مثل هذه المناسبات مستوى أكبر من إدارة النادي أن يكونوا موجودين لكي يثبتوا لكم معاشر الإخوة أن إدارة النادي حريصة على هذا الأمر، وليس جهد واحد أو اثنين أو ثلاثة فقط في هذا النادي.

ستر العورة أثناء لعب الكرة

السؤال: فضيلة الشيخ حفظه الله: نحن اللاعبين الموجودين في الأندية، نحب أن نلبس سراويل تستر العورة، ولكن من يفعل ذلك يتهم بالتعصب، مع أن اللاعبين في الدول الغربية يلبسون (هيلاهب) كامل ولا أحد يتهمهم بتعصب وتزمت فما قولك في ذلك؟

الجواب: على أية حال عليك أن تعرف الصواب وتعمله، ثم بعد ذلك لا يضرك من خالف:

إذا الكلب لم يؤذك إلا بنبحـه>>>>>فدعه إلى يوم القيامة ينبح

نعم. ما دام أنك تعرف أن هذا هو الحق، وأنه لا ينبغي لرجل أن يلعب وفخذه مكشوفة، فافعل ذلك ثم العب، ثم ماذا إذا لبس سواء تحت الركبة بقليل أو لبس الترنك الطويل هل هذا يؤثر على أداء اللاعب رياضياً؟ بالعكس أظن أنه يضفي إليه شعوراً بالطمأنينة والارتياح بأنه يمارس رياضة مباحة، ولم يفعل في ممارسته أمراً حراماً، عند ذلك يضفي عليه قناعة وارتياحاً وحسن أداء.

حكم رد السلام على النساء ومخاطبتهن لغير المحارم

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: هل يجوز رد السلام على النساء وإفشاء السلام عليهن، ومخاطبتهن لحاجة وهن ليس من محارمي، والله الموفق؟

الجواب: يجوز رد السلام على المرأة، ويجوز إفشاء السلام عليها ما لم تكن صغيرة يخشى الفتنة من صوتها، ولا تجوز مصافحتها ولا الخلوة بها إذا كان ليست بمحرم لك.

حب المدح والثناء من الناس

السؤال: أنا عندما اختلط بناس لا أعرفهم، أحاول أن أجمل أخلاقي وأحسنها، وأحاول ألا أحد يتكلم بشيء ينـزل بقيمتي، وعندما أختلي بنفسي أحاسبها على ذلك، ويعجبني إذا كان أحد يمدحني وأنا أسمعه، وأتراءى له كأني لم أسمعه، فكيف أتخلص من تلك الظاهرة السيئة جزاكم الله خيرا؟

الجواب: على أية حال -يا أخي- فالنفس مولعة بحب العاجل، كثير من الناس يحب الثناء والمديح، لكن إذا كان الإنسان يفعل أعماله من أجل أن يثنى عليه، فهذا رياء ومحبط للعمل، لأنه لا يفعل الشيء ابتغاء وجه الله، بل ينتظر من الناس أن يمدحوه وأن يثنوا عليه، وإذا جاء وقت لا تمدحه الناس ولا تثني عليه سيحزن، ولن يفعل شيئاً، وهذا لا يصلح، فينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه.

ثم يا أخي! أي عمل من الأعمال أنت تبذله فسوف يكون هناك مشقة وارتباط، فجهدك ومشقتك وارتباطك بدلاً من أن يضيع هباءً منثوراً، احتسب واخلص نيتك لله سبحانه وتعالى.

ثم يا أخي! هب أن كل من في القاعة مدحوك، هل قدموك إلى الآخرة درجة؟! وهب أن من في القاعة ذموك هل ردوك عن الجنة؟

إذاً لا تنتظر الثناء والمديح من أحد، والذي يغرق في حب الثناء والمديح فهو في خطره شديد، وقد يقع في الرياء ولا حول ولا قوة إلا بالله، لكن إذا فعلت أمراً محموداً، ثم أثني عليك بعد ذلك فلا حرج عليك، ولو أعجبك ذلك كما ورد في الحديث لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يفعل الخير، فيحمده الناس على ذلك فيعجبه، فقال صلى الله عليه وسلم: (تلك عاجل بشرى المؤمن) هو أساساً ما فعل هذا الفعل لكي يمدحوه، هو عمل عمله ابتغاء مرضات الله، فأثنى الخلق على عمله، فتلك عاجل بشرى المؤمن بالرضا والقبول، فلا حرج في ذلك، أما أن تشتهي هذا وتحب أن يمدحك الناس وأن تكون دائماً في الطليعة: (رحم الله امرءاً إن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في الميمنة كان في الميمنة، وإن كان في الميسرة كان في الميسرة).

يا أخي! إن كنت داعية إلى الله بحق خالصاً مخلصاً لا يهمك أين تكون على الخشبة، أو وراء الباب، أو خلف الستارة، أو خلف البوابة، المهم أن يكون عملك لله، وأن يمضي لك عمل بينك وبين الله سبحانه وتعالى، إذا بلغت هذه الدرجة؛ فأنت على مرتبة من الإخلاص، أما إذا كان لا يحلو لك الحديث إلا تحت الأضواء، فهذا خطر عظيم فراجع نفسك وحاسبها.

ظاهرة انتشار المقاهي ومحلات الفيديو

السؤال: فضيلة الشيخ: في الآونة الأخيرة انتشرت المقاهي ومحلات الفيديو، ونرجو من فضيلتكم التعليق على هذا الوباء الخطير؟

الجواب: كلها من مظاهر الفراغ، ومن مظاهر ابتذال الوقت المفضي إلى احتقار الذات، تعال انظر إلى مقهى من المقاهي وعد كم سيارة واقفة عنده وادخل على هؤلاء الشباب، ثم ماذا؟ مضيعة وقت.

هل يحلون قضية الشرق الأوسط؟ لا.

أعندهم مشاريع نافعة؟ لا.

بل مضيعة وقت، وإفساد أخلاق، وإتلاف أبدان، وخسارة أموال، كل هذه مجتمعة، فلا غرابة أن تجد الذي يخرج من هذا المقهى بعد ما أخذ له عشرة رءوس أو اثني عشر رأساً؛ أن تجده مسكيناً هزيلاً ضعيفاً، عندما تخاطبه يجد من نفسه ذلة وإهانة، هو بنفسه يحتقر نفسه لفعلها، والحاصل أنها دلالة على الخطر العظيم.

منذ مدة قدم لي أحد الشباب ورقة فيها مقالة: أين المتنفس؟ يقول: أين يتنفس الناس إذا أردنا أن تكون المقاهي خارج المدينة؟

وهذه كلمة حق أريد بها باطل، وكاتب يقول: لماذا يحرصون على إبعاد المقاهي من داخل البلد، ونحن نقول هذا ونكرر: هذه المقاهي يشربون فيها الشيشة، وتجد الطفل الصغير يأتي ويضع رجلاً على رجل، ويقول: أعطني رأساً، أعطني رأسين، والعامل مستعد أن يعطيه عشرة رءوس ما دام يدفع على الرأس كذا مبلغ، مستعد يعطيه إلى أن ينفجر رأسه، لكن القضية وما فيها في كيفية تأثيرها على الشباب، يخرج الولد من المدرسة إليها فيأخذ له رأساً أو رأسين حتى يُدمن، ويأتي الولد البريء النزيه ويقولون له: اجلس اشرب معنا شاي، ثم يجلس يشرب الشاي، ويقول: أعطني رأساً، ثم ثبت بما لا يتطرق إليه الشك أن نسبة من هذه المقاهي خاصة التي يتناول فيها ما يسمى بالشيشة تستخدم لتهريب وتوزيع المخدرات: (الكمية المطلوبة اثنا عشر حبة، الموعد قهوة كذا في المحل الفلاني، سلم واستلم، الكمية المطلوبة خمسين حبة، من أي نوع؟ من النوع الفلاني كبتاجون، هروين، كوكائين، الموعد المحل الفلاني) وهم أذكياء يبدلون المحطات، وفي فترة من الفترات انتشرت على خط الحجاز محلات تغيير زيوت انتشاراً رهيباً وبشكل غريب جداً، وما بين هذه المحطة والتي بجانبها إلا عشرين متراً أو خمسين متراً، أيعقل هذا؟! فينبغي للشاب الذكي أن يقف عند أي ظاهرة معينة ويحلل، وأخيراً قال: هؤلاء كلهم ما وجدوا إلا الزيوت، ربما يكفي واحد، لكن لماذا يوجد خمسة ستة متجاورين؟ فتبين بعد مدة أن فيها ما فيها من المخدرات.

إذاً المسألة يا إخوان لا يوجد من وراء محلات الفيديو والمقاهي داخل البلاد إلا الشر المستطير، وحينما تجد شاباً عمره أربع عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة ولديه مجموعة أشرطة داخل محل الفيديو يبدل ويغير، فيمكن أن يأتي يوم يطمع صاحب المحل في هذا الشاب ويعطيه شريط خلاعة، ومن يقول: إن هذه المحلات ليس فيها أشرطة خليعة؟ أتصدقون هذا الكلام؟ هل نحن بلداء إلى هذه الدرجة؟!

لا شك أن الأنظمة تمنع وجود الأشرطة حتى التي فيها القبلة أو الفخذ العارية، لكن هل التزم أصحاب المحلات بهذا؟! والذي يتورع من أن يبيع خناً وفساداً وخلاعة ورقصاً ودفاً ومزماراً، هل فعل مثلما فعلت تسجيلات الهداية؟! للأسف محل واحد هو مركز الهداية للصوتيات، وأنا من هذا المنبر أدعوكم لزيارته والتعامل مع مركز الهداية للصوتيات في شارع الأمير عبد الله في الرياض محل واحد وعندنا الكثير من محلات الفيديو، من منكم يبدأ بخطوة جبارة ويفتح محل فيديو إسلامي، أول ما فتح هذا المحل وقف ضده بعض الصالحين هداهم الله يقول: لا يجوز، يا أخي هذا نقطة نور في بحر الظلام، الآن تستطيع أن تؤثر على مجموعة عندما تكلم الناس عن وضع الجهاد بدون صورة؛ لكن خذ شريطاً من أفلام الجهاد الأفغاني واعرضه على الناس وانظر كيف الوضع.

وبالمناسبة أدعو إدارة النادي والأخ مسئول العلاقات موجود أن يدعو مجموعة في يوم من الأيام وأن يعرضوا فيلم عن الجهاد في أفغانستان كما فعل نادي الشباب حيث وضع يوماً ثقافياً أو معرضاً عن هذا لـأفغانستان ، فلابد أن تكون هذه الوسائل نافعة لا أن تكون ضارة.

ففي الحقيقة وجود المقاهي ووجود أفلام الفيديو فيه ضرر بالغ على الأمة، كم عندنا من محل فيديو؟ لا يخطر على بالك لو ذكرت لك الرقم الموجود، ولن أعطيك إياه، أريدك أن تبحث وتسأل.

مقابل محل واحد فقط لا غير؛ هل جاء أحد يطلب منه تصريحاً أو رفضه؟انظر أنت إلى التسجيلات الإسلامية كيف انتشرت وكيف فشت في المجتمع، وكثير من الشباب قلبوا محل الفيديو والأغاني إلى محل فيديو إسلامي، فهل توجد خطوة جديدة لمحلات الفيديو؟ نسأل الله ذلك.

التردد بين مجالس الذكر والدراسة المتوسطة

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: فضيلة الشيخ! أفيدكم بأنني من الشباب الذين هداهم الله ومنذ فترة وأنا ألازم مجالس الذكر وأجد فيها زاد نفسي ومتعة روحي، ولكنني سجلت في المدارس المتوسطة في الليل وهذا أدى إلى انقطاعي عن مجالس الذكر، وأنا الآن في حيرة من أمري هل أواصل دراستي أم أحرص على مجالس الذكر، علماً أنني أستفيد من مجالس الذكر أكثر من استفادتي في المدرسة، فبماذا توصيني جزاك الله خيراً؟

الجواب: والله يا أخي هذه قضية شخصية، فإذا وجدت أنك تستفيد من دراستك الليلية شيئاً يعود عليك بالعلم النافع الذي يعود عليك في الدين والدنيا، فنقول: هذا خير لك، وأما إن كنت تجد من نفسك قدرة وقوة على ملازمة حلقات ومجالس الذكر، فابحث عما يقربك إلى الله، وابحث عما يزيد نفسك زاداً إلى الآخرة، فأيهما وجدت فيه زاد نفسك، فتقدم إليه ولا تتردد أبداً.

الخشوع في العبادة وحكم تقصير اللحية

السؤال: كيف يكون الإنسان خاشعاً في عبادته وخاصة في الصلاة، وتكون أعماله خالصة لوجه الله.

ثانياً: روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يمسك لحيته بيده وما زاد عن ذلك يقصه، فهل يجوز تقصير اللحية أو يجب أن يتركها ولا يمسها أبداً؟

الجواب: بالنسبة للسؤال الأول: الخشوع في الصلاة هو العبادة المفقودة في هذا الزمان، وفي آخر الزمان لا ترى فيها خاشعاً أبداً، ونسأل الله لنا ولكم التوبة والمعافاة، ومسألة الخشوع الجميع مقصرون فيها تقصيراً عظيماً، لا من حيث التلاوة ولا من حيث الركوع ولا من حيث السجود، لكن وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] نجاهد أنفسنا لعل الله جل وعلا أن يرزقنا الخشوع ولذة المناجاة بين يديه سبحانه، ومن الأمور المعينة على الخشوع:

أن تدخل إلى الصلاة وأنت متفرغ من المشاغل بالكلية.

أن تبكر إلى الصلاة، وأن تسبقها براتبة أو بتحية المسجد، وأن تقرأ ما يسر الله لك.

كذلك متابعتك لقراءة الإمام وتدبرك للمعاني.

كذلك أن يكون بصرك إلى موضع سجودك، لا أن تطلق البصر يميناً ويسار.

أما بالنسبة لما قلت إنه عن عمر فلم يثبت عن عمر ، وإنما روي عن ابن عمر ؛ أنه كان يقبض لحيته وما زاد على القبضة قصه، ولا يظن أن هذا دليل على جواز الأخذ أو التقصير، لأن الأحاديث والنصوص بإكرام وتوفير وإعفاء اللحى ما استثنت شيئاً من ذلك أبداً، فيبقى الأمر على إطلاقه ما لم يرد مخصصاً أو صارفاً صريحاً.

التمارين من وقت صلاة المغرب إلى العشاء

السؤال: فضيلة الشيخ! أنا لاعب من لاعبي النادي، وأتمرن في وقت صلاة المغرب وأحضر قبل هذا الموعد كما يأمرني المدرب ولا أصلي صلاة المغرب، وينتهي التدريب بعد صلاة العشاء، فما رأيك بهذا الأمر؟

الجواب: آمرك أن تأمر مدربك أن يصلي أولاً، وأن تذهب أنت وإياه سوياً إلى الصلاة، وإذا كان وقت التدريب يتعارض مع وقت الصلاة اتصل بإدارة النادي، ولا أظن أن إدارة النادي تمانع في أن تعدل برنامج التدريب، ما نظن بأي حال من الأحوال، ولو ظننا لاتصلنا بهم شخصياً، المسألة وما فيها ينبغي أن تعدل البرنامج، إذا كان وقت التدريب مع وقت الصلاة إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103] احترام المسلم لعبادته هذا فيه عزة وفيه كرامة وفيه قمة له لا يتصورها أحد.

طبيب سعودي ذهب يمثل المملكة في مؤتمر طبي في الولايات المتحدة ، ولما أقلعت الطائرة حان وقت الأذان فأراد أن يؤذن، فذهب إلى كابتن الطائرة الأمريكي وقال له: لو سمحت أريد أن أؤذن؟ قال: لا يمكن أن تؤذن، قال: يا ألله! أفرجها من عندك، الرحلة إلى واشنطن أو إلى نيويورك ست عشرة ساعة، وكل ثمان ساعات يتغير الطاقم، المهم تغير الطاقم في اللحظات القريبة من كلامه، جاء إلى الكابتن السعودي، قال له: لو سمحت أؤذن؟ قال: أنا الذي أؤذن عنك، وما هي إلا لحظات إلا وهو يصدع بالأذان بين السماء والأرض، ثم صلى، ولما نزل إلى المطار استقل طائرة صغيرة من نيويورك إلى الولاية التي يعقد فيها المؤتمر، يقول: حضرت صلاة أخرى وأردت الأذان، قلت: يا ليتني جمعت الصلاة حتى ما أحرج معك، أخيراً استعنت بالله أن أؤذن، فرجعت إلى مؤخرة الطائرة ورفعت الآذان قليلاً وإذا برئيس الأمن والمضيفة أو لعلها مساعدة الطيار جاءا فوراً، أرادا أن يتقدما، أشرت عليهما قفوا مكانكما وهو يكمل أذانه، فلما انتهى، قالوا: خيراً ماذا بك؟ هم متوقعون في الطيران الأجنبي أنه سكران، ثم يبدأ ينهق ويصيح، فيأتوا يمسكوا رقبته، لكنه طبيب على مستوى عالي من العلم والأخلاق والفقه والالتزام والاستقامة، ولما انتهى؛ قالوا: ما بك؟ قال: أنا معي موعد دقيق ومهم لا أستطيع أن أؤخره، قالوا: مع من؟ قال: مع الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103] والله يأمرني أن أقيم الصلاة في وقتها وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] فأنا لا يمكن أن أتردد في هذا الموعد، فشد انتباه المرأة شداً عجيباً، من هذا الذي يلتزم بمواعيده مع الله حتى في الطائرة؟!! قالت: أريد أن أتحدث معك، قال: دعيني أصلي، ثم صلى وجلس في محاورة معها انتهت بإسلامها، ولما حضر المؤتمر -والقصة شيقة جداً أكملها للفائدة- لمدة ثلاثة أياماً كان المؤتمر يبحث قضية دور الكالسيوم في جسم الإنسان، في الجلسة الأخيرة قال رئيس المؤتمر: نعطي الصوت لفلان لكي يحدثنا، يريدون أن يسمعوا منه شيئاً، فتقدم للمنصة وحمد الله وأثنى عليه، وتحدث مثنياً على المؤتمر والأبحاث التي قدمت في هذا المؤتمر، ثم قال: أنتم تبحثون منذ ثلاثة أيام عن دور الكالسيوم في جسم الإنسان، وأنا أطرح بحثاً ما هو دور الإنسان في الحياة؟ شد انتباههم إلى أمر، ثم أخذ يحدثهم عن هذا الإنسان كيف خلق وبأي تركيب.

إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] الأطباء وكما يقال: الطب مجرى الإيمان، الأطباء أقرب الناس لمعرفة هذا الإعجاز الدقيق في خلق الإنسان، انتهت كلمته، كان الحضور ثلاثمائة، انفضوا جميعاً إلا ستة وأربعين، أسلم من الستة والأربعين ستة رجال وامرأتان في تلك الجلسة.

المسلم الذي يعتز بإسلامه محبوب وله كرامة، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عليه الناس، حتى لو عاندت المدرب وذهبت وصليت؛ سيرضى عنك المدرب رغماً عن أنفه، لكن لو جاملته من أجل أن ترضيه، والله ليسخطن الله عليك وليسخطن عليك المدرب، لأنك أردت سخط الله برضى الناس، فهذا لا يجوز أبداً ولا ينبغي، وإذا كان وقت التدريب يتعارض مع وقت الصلاة فالمرجو من الإخوة المعنيين بأمر النادي تعديل هذه النقطة والتنسيق مع الإدارة فيها.

حكم إحضار مدربين كفار

السؤال: بعض الأندية تحضر مدربين كفار هل يجوز ذلك؟

الجواب: الله أعلم.

حكم حلق اللحية واستماع الأغاني

السؤال: فضيلة الشيخ: هل حلق اللحية حرام أم مكروه، ما حكم استماع الأغاني؟

الجواب: لا شك أن حلق اللحى لا يجوز، والأحاديث الآمرة بإعفائها صريحة ومتواترة وثابتة، فالذي يخالفها معاند، ولكن نسأل الله له الهداية، نعرف الكثير ممن يقعون في هذا وهم يعتقدون ويشعرون بالذنب وما يجحدون النصوص النبوية؛ لأن من جحد الشيء كفر، هم يقولون: نحن نعتقد أن توفير اللحية يجوز، لكن نحن نتساهل، نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية، وينبغي ألا يسوفوا في هذا الأمر أبداً.

وكذلك فيما يتعلق بالملاهي والمعازف وغيرها، فحكمها واضح ولا أظن أحداً يجهله، والناس في هذا الزمان يعلمون الأحكام، لكن نريد منهم الالتزام بالأحكام.

حكم التصوير بالفيديو

السؤال: فضيلة الشيخ ما حكم التصوير بالفيديو في مثل هذه المحاضرة؟

الجواب: لا حرج إن شاء الله.

حكم رؤية المسلسلات

السؤال: هل المسلسلات حرام؟

الجواب: ما هذه المسلسلات؟ مسلسل حب وغرام، وتعرفت عليه في التليفون، وقابلته في العمل، وتواعدت معه في الشاطئ، وصارت لا ترقد الليل، وصار لا يرقد الليل ولا عاد له يرغب في الأكل، وكلام فارغ، ذبحنا من هذه الأفلام والمسلسلات والكلام الفارع، والله ما أضيع نصف ساعة على مسلسل لا يستحق، ما هذا الكلام؟

إذا كان هناك إنتاج إسلامي على مستوى فأهلاً وسهلاً، إذا كان هناك إنتاج على مستوى عمر المختار هذا إنتاج إعلامي فعلاً فيه مكسب وإن كان فيه شيء من الملاحظات، لكنه إنتاج يستحق أن تجلس له ويأخذ من وقتك، لكن أن أجلس لمسلسل فيه ذهب وذهبت، ومات وماتت، وأحبها ثم اكتشفت أنه تزوج عليها وأصابتها سكتة قلبية، هذا كلام فيه احتقار للنفس.

والله يا جماعة إن الوقت أثمن من هذا، يا أخي! ضع في رأسك سماعة واسمع لك محاضرة، اسمع لك آيات من كتاب الله، خذ كتاباً، اقرأ نوراً ومعارف، والله لو تأتي بهذه الآلة التي تنسج ثم تجلس لتنسج لولدك الصغير جورباً لكان أشرف من أن تضيع وقتك في فيلم ساقط، ما الفائدة من هذا يا إخوان؟

الأمة بحاجة إلى ما ينفعها، أما أفلام ليست نافعة، ولابد أن نبث أربعاً وعشرين ساعة فلا، دعنا نتوسط، أنتم تعلمون أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الرابحة من كل هذا البث، تنتج سنوياً ثلاثمائة ألف ساعة برامجية (إنتاجها الإعلامي) سبعين ألف ساعة لمصالح الولايات المتحدة الخاصة، ومائتين وسبعين ألف ساعة لمصالح اليهود سواء كانت مصالح مباشرة أو تتضمن مصالح اليهود، يعني: هذا السيل من الأفلام والمسلسلات والغزو، لا تظنوه حباً في ترفيهنا.

الذي ينام مبكراً يجد لذة النوم في الليل ويجد لذة الاستيقاظ في الفجر، ويشم أفضل هواء طلق في الصباح الباكر، لكن شأن هذه المسلسلات سهر إلى آخر الليل، وترك لصلاة الفجر، ويقوم متأخراً، هذه حياة كثير من الناس مع الأفلام والمسلسلات، وأنا أعرف شاباً ما تقدر تقول أنه ملتزم وهو بنفسه يحكم، ويقول: هذه أفلام ساقطة.

فإما أن ترى شيئاً يستحق لأنه يفيدك وينفعك وإلا فنم، وبالمناسبة أنا أدعو الشباب أن يتابعوا أفلام الجهاد الأفغاني، هذا الفيلم يصنع في قلبك حياة، فترى فيه وجهاً مشوهاً؟ والذي شوهه هم هؤلاء المجرمين الروس لأنهم قالوا لا إله إلا الله، طفلة جميلة صغيرة مقطوعة اليد، رجل منقطعة رجله، لغم، صاروخ، قنبلة، تعيش مآسي الأمة، تعيش حياة الجهاد، عندما تشرب ماء بارداً تتذكر هل هم يشربون مثلي أم لا، تأكل لقمة فتقول: هل هم يأكلونها كما آكل، تركب سيارة مريحة فتفكر كيف يركبون، وماذا وبأي طريقة ينتقلون، تعيش قضايا الأمة، تصبح همتك أعلى، وليس همك الدنيا، فبالمناسبة أقول: البديل الآن موجود، الأفلام كثيرة عن الجهاد في أفغانستان ، وأفلام محاضرات وغيرها، وأيضاً لا أقول: أغلق التلفاز بالكلية أو على طريقة البعض يأتي بالفأس ويكسره، توجد برامج مفيدة في التلفاز بإمكانك أن تستفيد منها، المهم أن الشيء الذي تعرف أنه ساقط وغير نافع عليك تجنبه وتركه، الأفلام المصرية مع تقديري واحترامي لـمصر هل هي تعالج مشاكلنا الخاصة؟ هل هي تبحث في مجتمعنا يا إخوان؟! هم مجتمع قائم مستقل له عاداته وتقاليده وطبيعته وأموره الخاصة، ونحن مجتمع مستقل مرتبط بحكومة وتشريع معين، إذاً لماذا أضيع وقتي هنا؟ استفد وتوجه لما ينفعك يا أخي الكريم.

قول العصاة: الدين يسر

السؤال: فضيلة الشيخ! حفظك الله نحن إذا نصحنا الشباب الذين يسمعون إلى الملاهي ومنها الأغاني وما شابهها، فيقولون: لماذا تتعصبون في الدين وتتعقدون والدين يسر وليس بعسر، ما تعليق فضيلتكم على هذا الرد؟

الجواب: أنا أقول: هم صادقين في أن الدين يسر وليس عسراً، وهذا لا شك فيه، لكن يا إخواني! إذا دعوت أحداً إلى الله فاقبل منه من الخير ما تيسر، شاب لا يصلي، وثوبه مسبَل، وهو حليق، ويسمع أغاني، وعنده أسفار وسهرات، إذا وافق معك على الصلاة مع الجماعة فهذا خير عظيم وكثَّر الله خيره، فإنه لا يمكن أن يصلي الجميع، ويترك الملاهي والمعازف، ويرفع ثوبه ويوفر لحيته في يوم وليلة، فنقل الجبال أسهل من نقل الطباع، لا سيما الشباب تجد فيهم العناد والصلابة، فإذا جاء الشاب معك إلى المسجد وصلى وأصبح يحافظ على الصلاة فكثر الله خيره، وماذا بعد الصلاة؟

أشد الأمور تحريماً في الأمور الباقية ناقشه فيها قليلاً قليلاً، وينبغي أن تعطيه فرصة، ربما هو بنفسه يعدل من ذاته، فابدأ بالأهم، ثم بعد ذلك هو سيلتفت إلى المهم ويتغير من ذات نفسه، أما أنك لا تقبل شاباً إلا إذا فعل هذه الأمور جميعاً فلا، ولماذا التحجر على الناس؟

نعم مطلوب منا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] أي: ادخلوا في الإسلام جميعاً، لكن مقام الدعوة مقام فقه، ومقام عناية وترتيب أولويات، فابدأه بالصلاة مع الجماعة، ثم رويداً رويداً فيما يتعلق بما تبقى من المنكرات التي هو مرتكبها والرجل سيهتدي، المهم أعطه خفض الجناح ولين الجانب، ولا تحدثه من منطق الغرور، كثير من الشباب -نكررها ونقول:- إذا جاء يأمر أحداً يأمره بصيغة الآمر للمأمور، بصيغة السيد لعبده، بصيغة العلو إلى الدنو، فنقول: لا. انزل معه إلى مستواه واجعله يحبك، قدم له هدية إذا كنت تريد أن يهديه الله، وكنت داعية بصدق، والنفوس لا تقبل إلا ممن تحب، لو كنت تبغض إنساناً فلن تقبل منه خيراً، بل بالعكس، فلو جاء بالخير فإنك سترده عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله، لكن إذا شعر منك بالمحبة فتهديه شريطاً ممتازاً، شريط فيديو مناسب طيب تهديه إياه، زجاجة عطر، قلم باركر، قطعة قماش، ومع هذا كله رسالة، فهنا ستفتح الطريق إلى قلبه، لكن تريد مباشرة أن تحقق ما أردت بدون أن تفتح الطريق إليه، فلن تستطيع أن تفعل شيئاً، لأن الناس عندهم استقلالية من هو فلان بن فلان، يأتي يأمرني ثم أنا أنقاد له؟! المسألة ليست سهلة، مراعاة مشاعر الناس وأوضاعهم ومنازلهم أمر مطلوب.

ظاهرة الإعجاب بلاعبي الكرة العالميين

السؤال: فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ظهرت ظاهرة خطيرة منذ مدة، وهي الإعجاب بلاعبي الكرة العالميين المشهورين مثل مارادونا وأمثاله من الكفرة، والتي تتجاوز إلى تعليق صورهم، وتقديرهم التقدير الذي لا يليق بالمسلمين، نرجو منك التنبيه لذلك؟

الجواب: نقول والله يا إخوان:

لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ>>>>>إن كان في القلب إسلامٌ وإيمان

مايكل جاكسون هذا الذي أزعج العالم، فذهب الشباب بالمئات والآلاف للأسف في الإعجاب به وتشجيعه، آخر تصريح له يقول: لو أعلم أن العرب يسمعون الأغاني التي غنيتها ما غنيت، إنسان تأخذه على كتفك وتطبل له وتعلق صورته، ومع ذلك هو غير راضٍ بالاعتراف بك أساساً.

ولو اعترف بك ماذا حقق لك؟

فالمسلم عزيز، في نادي الهلال أذكر جرى سؤال: هل يجوز حمل المدرب بعد فوز المنتخب أو فوز الفريق إذا كان كافراً؟ أأحمل كافراً! أين الولاء والبراء؟ أين حب التوحيد وأهل التوحيد؟ رجل يكفر بالله أحمله على كتفي! شلت هذه الكتف إن حملت كافراً، لو كان المسلم في قلبه ولاء وبراء لما سأل عن هذا، لكن ذهبت قضية العقيدة أمام الغزو الفكري، فأصبح الإنسان يجري وراء البالون المنفوخ بالهواء (الكرة) وفي سبيل ذلك مستعد لأن يحمل كافراً ويقبل رأس كافر، هذا لا يجوز، فالرياضة كما قلنا حينما تعطيها قدرها ووزنها ستتعامل مع الرياضة والرياضيين بحدود، ونحن لا زلنا نرجو ونأمل أن تكون هذه البلاد بأنديتها إذا تميزت نموذجاً للرياضة في الدول الإسلامية، لا أن تكون كما هي الحال مجمع شباب وضياع وفراغ ولهو إلى آخر ذلك، وهذا التميز ملحوظ ولله الحمد، فإلى المزيد من هذا التميز مع بقاء الرياضة على أصولها، نحن لا نقول: اجعلوا الأندية مجالس وعظ وذكر وصياح وحلقات، لا، تبقى جميع الأنشطة كما هي ولا يمنع من هذا، ولكن بشكل لا يتعارض مع العبادات والصلوات والأحكام والأخلاق الإسلامية، فعند ذلك يوفق المسلم بين التزامه بدينه وبين ممارسة نشاطه ورغبته.

حكم قول: الله لنا يا أخي

السؤال: حكم هذه العبارة عندما يرى واحد متكبراً، يقول: الله لنا يا أخي؟

الجواب: قصده بهذا أن الله سبحانه وتعالى لا ينسانا ولا يضيعنا ولا يتركنا، على آية حال من العبارات ما لا يقصد بها الإنسان معناها، وبعض العبارات ليس فيها محذور واضح، نعم لك الله سبحانه وتعالى يحفظك ويبقيك ويغنيك ويوفقك، والأمر فيه سعة إن شاء الله.

السروال وقانون اللعبة

السؤال: ما هو الحل في لبس السروال القصير إذا كان قانون اللعبة يجبرك على لبسه جزاكم الله خيراً؟

الجواب: الأولى بالإنسان أن يخرج من هذا الإشكال سواءً بلبس الترنك أو اللباس الآخر، وأظن أن الذي يكون في موقع حساس وجيد في ناديه أو في منتخبه لن يفرط النادي فيه من أجل لبس سروال.

والشيء الثاني: أنه ينبغي علينا إذا كان هذا الشيء موجوداً أن نقنع الإدارة الموجودة، ثم إذا لعبنا بترنك أو لعبنا بما دون الركبة بقليل فما الذي يمنع منه؟ فمحاولة إثبات وغرس هذه الفكرة لدى إدارة الأندية هذا أمر ينبغي أن يقوم به شباب الأندية، وأنا أعرف ولله الحمد والمنة في نادي النصر وفي نادي الهلال والشباب والشعلة، وأندية كثيرة من اللاعبين الممتازين شباباً على مستوى الاستقامة والصلاح والالتزام، وكذلك على المستوى المشرف من حيث الأداء الرياضي ونقول لهم: اثبتوا مكانكم، بعض الشباب إذا فتح الله على قلبه، قال: مباراة اعتزال وسلام عليكم، فنقول: قد هداك الله سبحانه وتعالى فاثبت في فريقك واثبت في ناديك، وحقق الخير لنفسك وللآخرين.

كلمة قصيرة عن الآخرة

السؤال: نرجو تذكيرنا بكلمة قصيرة عن الآخرة وجزاك الله خيراً؟

الجواب: في الحقيقة لعلي أحوجكم إلى التذكير والله، لكن لا بأس أن يداوي الطبيب وإن كان مريضاً.

إخواني! نحن أمام ثلاثة أمور: الرصيد، والخاتمة، والمستقبل، أما الرصيد فأعني به الحسنات والسيئات، فالمسلم لا يضيع عليه شيء، جلوسكم في هذا النادي مكتوب لكم عند الله جل وعلا، وسوف تفتح السجلات والصحف يوم القيامة وكلٌ سيرى أعماله، فمن قدم خيراً فسيجده مكتوباً، ومن قدم غير ذلك فسيجده مكتوباً ولا يضيع عند الله شيء: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] اللمز والغمز، وإماطة الأذى عن الطريق، والبشاشة والمصافحة والكلمة الطيبة، وكل دقيق وجليل سوف تجده مكتوباً: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه [الزلزلة:7-8].. وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49].

فيا إخوان! الرصيد دائن ومدين، له وعليه، فينبغي أن تجتهدوا في ملء الرصيد ما دام أن هناك حركة وقدرة على العبادة والدعوة وإمكانية التزام، لكن إذا وضع الإنسان في قبره: قَال رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100].

المسألة ليست بالأمر الهين، فالذي يهمه رصيده في الدنيا، فليفكر في رصيده في الآخرة، والذي يدخلك الجنة بعد رحمة الله سبحانه وتعالى هو العمل، فالميزان سوف يوضع لك، وتوزن الحسنات والسيئات، نعم الكثير منا يعمل حسنات كثيرة، لكن رجل عنده مليونان، والمطلوب منه ثلاثة ملايين، هذا لا شك أنه خاسر، فلا يغرك يا أخي! إذا صليت الفجر مع الجماعة، وكذلك الظهر والعصر والمغرب فكثر الله خيرك، لكن فلنقدر أن ذلك اليوم رصيدك من الحسنات كان ألف حسنة وجلست ذلك المجلس، فأخذتم فلان بن فلان، وأخذتم تغتابون عرضه، وهكذا غيبة وراء غيبه حتى استلم من حسناتكم خمسمائة حسنة، وقلتم: خذ يا فلان هذه حسناتنا مجاناً، فأنتم بفعلكم هذا توزعون الحسنات التي اكتسبتموها على الناس، بقي لكم خمسمائة حسنة مثلاً فقلتم: هاتوا لنا شريطاً وشغِّلوه وفيه صورة امرأة، ومقطع أغاني، ومعزف وذهبت ثلاثمائة حسنة ... وإلى آخره، ما باقي لك من عملك إلا مائتي حسنة، وفي المقابل قد يكون عندك سيئات تفوق هذا كله، إذاً مسألة الرصيد انتبهوا لها جيداً وحساب الادخار والتوفير مهم جداً، اسأل نفسك كم بلغ رصيدك في الحسنات والسيئات تلق الطوام والمصائب.

سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: يا رسول الله! الذي لا دينار له ولا درهم، قال: لا، المفلس من يأتي يوم القيامة بأعمال وصلاة وصيام كالجبال، فيأتي وقد ظلم هذا، ولطم هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته؛ أخذ من سيئاتهم فطرح على سيئاته، ثم طرح في النار) ولا حول ولا قوة إلا بالله!

فيا إخوان لا تقدموا على الله مفلسين، وحاسبوا أنفسكم، وقدموا لأنفسكم خيراً، ومن ثم ننتقل من قضية الرصيد إلى قضية الخاتمة:

متى نموت؟

لا ندري، هل نضمن أن هؤلاء الموجودين كلهم يعيشون إلى الغد؟ ربما أن واحداً منهم يموت الليلة ونسأل الله طول العمر للجميع، لكن:

يا غافلاً عن العمل>>>>>وغره طول الأمل

الموت يأتي بغتة>>>>>والقبر صندوق العمل

ينبغي للإنسان أن يستعد، لو قيل لك: ملك الموت عند الباب، فهل أنت مستعد جاهز؟ فتقول: لا والله، هذه الحاجة الفلانية لم أتب منها، والوديعة الفلانية ما أرجعتها، والمظلمة الفلانية ما تحللت منها، والإنسان في الختام تبرز أمامه ذنوبه في الأفق، فليحرص الإنسان أن يقدم على الله خفيفاً من الذنوب، مثقلاً بالحسنات والأعمال الصالحة، فالخاتمة يا إخوان أمر ينبغي أن يشغلنا، وكفى بالموت واعظاً.

لماذا قست القلوب وماتت؟

يسهر الواحد من بعد المغرب إلى آخر الليل ما ذكر الله قط، ثم يأتي ويرمي نفسه كالجيفة مضيعاً لصلاة الفجر، ويقوم الصباح وفمه ذو رائحة نتنة، ويأتي وينظر إلى الناس بعيون جاحظة من السهر، ثم هو متأخر عن أعماله ووظيفته، ثم يعود إلى البيت بصياح أعدوا الطعام.. إلى آخره، ثم ينام إلى العصر ويستيقظ، هذه حال كثير من الناس المساكين؛ سهرات في الليل وتأخر عن العمل، وسوء علاقة مع أهله، إنها حياة مملة، حياة الموت أريح منها والله، لا يذكر الله أبداً، من حين يركب إلى حين ينـزل وهو في موسيقى ودندنة ما هذه الحياة!

أخي المسلم! أعط نفسك حظاً كاملاً من الراحة والنوم، يصلي الفجر: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78] صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل والنهار، ثم يجلس في مكانه يستغفر قليلاً، ثم يشم هواء الصباح الذي ما خبثته ذنوب بني آدم بعد، ثم ينطلق قوياً نشيطاً، ثم بعد ذلك يعود إلى بيته أنساً بأهله وأولاده ويفتح بابه لإخوانه، حياة الطاعة والاستقامة والالتزام بأمر الله ومجالسة الصالحين والأبرار؛ حياة كلها لذة.

قبل أيام يقول لي شاب في مسجد: والله كانت حياتنا أفلام سكس، وخلاعة وسهرات، وقلة أدب وسفرات، يقول: كنا نعيش عيشة نكد، يقول: ونحن نعطي كل ما تريده النفس، نعطيها سفرة لـبانكوك أو كازبلانكا، نشرب ونشرب، نفعل ونفعل، شريط وشريط، كل ما تشتهيه النفس، يقول: والله ما وجدنا راحة، وأنظر إليه وأتأمل في وجهه، وإذا في وجهه نور، وهذه اللحية الموفرة، ثم ماذا يا أخي؟ قال: والله ما وجدت الراحة إلا في التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ومجالسة الأبرار والصالحين، والالتزام بأمر الله، لقد اطمأننت اطمئناناً عجيباً حتى لو جاء الموت فأنا مستعد.

الأمر الآخر: أمر المستقبل: كثير من الشباب يهمه أمر المستقبل، أقول: يا أخي أطمئن نفسي وأطمئنك أن إذا كنت حريصاً على المستقبل فالزم طاعة الله، وفي الحديث: (من أصبح وهمه الدنيا، جعل الله فقره بين عينيه، ووكله إلى نفسه، وشتت الله عليه ضيعته، ومن أصبح وهمه الآخرة، تكفل الله برزقه، وأتته الدنيا راغمة، وجمع الله له ضيعته).

إذاً يا إخوان إذا كان يهمك مستقبلك خاصةً المستقبل المادي والمستقبل الوظيفي فالعمر بيد الله، إذا كتبت لك حياة، فالزم طاعة الله وسيأتيك من الخيرات: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96] هات إيمان وتقوى وخذ حظوظاً من المال والنعم والخيرات من الله، بل قد يكون حظك من الدنيا ملايين، لكن أنت تفنيها وتذيبها بالمعاصي كما في الحديث: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) تصبح ذاك اليوم وقد كتب الله لك مكسباً خمسين ألفاً أو ستين ألفاً في صفقة ما خطرت على بالك، لكن تصبح على معصية -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فتحرم الرزق بالذنب، ثم بدلاً من أن تكون الخمسين الألف لك صارت لعبد من عباد الله الصالحين؛ لأنها كانت مقسومة لك، فدفعت ما قسم لك بمعصية ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والله لا يزيد العباد إلا بالطاعة: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7] فلا بد يا أخي أن تطمئن إلى أن أمر المستقبل بيد الله، فألح بسؤال الله دائماً:

من يسأل الناس يحرموه>>>>>وسائل الله لا يخيب

الله يغضب إن تركت سؤالـه>>>>>وبني آدم حين يسأل يغضب

بقدر سؤالك وإلحاحك إلى الله؛ فالله يعطيك: (ما من عبد يسأل ربه مسألة إلا دفع عنه من البلاء بقدرها أو ادخرها له في الآخرة أو آتاه إياها) اسأل الله كل شيء، ارتبط بالله، تفتح لك خيرات الدنيا، وإذا التزمت بأمر الله وكتابه، فلك نعيم الآخرة.

أسأل الله أن يجمعني وإياكم في دار كرامته، وأن يغفر لنا ولكم، وأن يجعل اجتماعنا هذا مبروراً وذنبنا مغفوراً، وألا يجعل من بيننا شقياً ولا محروماً، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الشباب بين غرور النفس واحتقار الذات(1-2) للشيخ : سعد البريك

https://audio.islamweb.net