إسلام ويب

عبر من قصص النساء في القرآنللشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أورد الشيخ -حفظه الله- قصصاً لنساء وردت قصصهن في القرآن، وذكر العبر المستفادة من هذه القصص، وما يجب على المرأة المسلمة عمله تجاه هذا المجتمع، فإن أسلافها قد قمن بالكثير من الأدوار عبر العصور المختلفة، فهي على ثغرة من ثغرات الدين، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلها.

    1.   

    ما يتطلبه الواقع من المرأة المسلمة

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    أيتها الأخوات المستمعات! السلام عليكن ورحمة الله وبركاته وبعد:

    فهذه فرصة طيبة أن نلتقي من وراء حجاب لنتدارس وإياكن بعض الأمور التي تهم المرأة المسلمة، والمرأة المسلمة أصبح ما يطلب منها في هذا الزمن كثيرٌ جداً، وما يُتوقع منها أكثر، ونسأل الله أن يعيننا أجمعين على مواجهة مسئولياتنا.

    وما يتطلبه الواقع الإسلامي اليوم من المسلمين رجالاً ونساء أن يكونوا على مستوى الأحداث، وأن يكونوا على مستوى الواقع الذي نحيا فيه، هذا الواقع الذي يعيش فيه المسلمون غربتهم الثانية وهم ينتظرون فرج الله عز وجل بعودة الحياة الإسلامية إلى بلاد المسلمين، هذه العودة التي تتطلب جهوداً كبيرة وسعياً حثيثاً سيسألنا الله عز وجل عنه يوم القيامة، سيسألنا عن هذا الكتاب، وسيسألنا عن هذا النبي، وسيسألنا عن هذا الدين ماذا عملنا من أجله؟ وماذا ضحينا في سبيله؟ وهل سعينا لنصرته وإقامة هذا الشرع المطهر؟

    ولأجل ذلك صار الواقع يتطلب أن تقوم المرأة المسلمة بمجهود كبير في مواجهة هذه الحياة من القيام بالواجبات .. إحياء الشريعة .. الالتزام بإحكام الدين .. مواجهة الانحرافات المتفشية، خصوصاً وأن المرأة المسلمة واقعها صار مخترقاً من كثير من أعداء الدين في قضايا الحجاب والفواحش وضياع الأوقات، وكثير من المعاصي التي حصلت ممن انحرفن من الكثيرات من المسلمات عن شرع الله.

    والآن تشهد الساحة الإسلامية ولله الحمد عودة مباركة طيبة إلى هذا الدين؛ لم تقتصر على مجال الرجال أبداً، بل إن العودة في مجال النساء قد تفوق في بعض المواقع الرجال ولله الحمد والمنة، ولا بد في هذه الصحوة من تقديم المنهج الصحيح للمرأة المسلمة حتى تسير عليه ويبين للمرأة المسلمة ما هو المطلوب منها في هذا الوقت.

    وشخصية المرأة المسلمة من الأمور المهمة التي يجب تكوينها، وعند تكوين شخصية المرأة المسلمة لا بد من الرجوع في هذا التكوين إلى المراجع الأصيلة، وعلى رأس هذه المراجع -ولا شك- كتاب الله عز وجل، ومن هذا المنطلق سنتكلم في هذه الليلة في حديث عن المرأة في القرآن الكريم.

    لقد وردت أيتها الأخوات الكريمات سيرة المرأة في القرآن الكريم في عدة مواضع دالة على ما أولاه هذا الدين لهذه المرأة وعلى ما أعطاها من الرعاية والاهتمام البالغين، انظرن مثلاً في هذه القصص التي نسردها الآن مع بعض تحليلات وذكر للعبر منها.

    1.   

    امرأة عمران تبني بيتها

    إن على رأسها قصة امرأة عمران التي تطالعنا في سورة آل عمران، شخصية المرأة المسلمة.. المرأة المؤمنة التي تبدأ في تكوين البيت المسلم بداية من الحمل.

    إن رعاية هذا الطفل والقيام عليه من الأمور المنوطة بالمرأة ولا شك، وتحتاج إلى جهد بالغ؛ ولذلك فإن امرأة عمران قالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران:35].

    ثم لما وضعت حملها، قالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36].

    أولا:ً ملاحظة كيف أن هذه المرأة المسلمة رضيت بما آتاها الله عز وجل، لم تسخط أن آتاها أنثى كما تفعل كثير من النساء، تريد ذكراً لأن زوجها يريد ذكراً؛ لأن المجتمع يطلب منها أن تأتي بذكر؛ لأن أمها وأباها وأم زوجها وأبا زوجها والجميع ينتظرون ذكراً، ولكن ليس دائماً تأتي الأمور بما تشتهي النفوس، وبذلك فإن امرأة عمران قد وضعت أنثى ولكنها امرأة تعرف ربها، وتعرف بأنه يجب عليها أن ترضى بالقضاء والقدر وبما قسم الله لها، ولذلك قالت: إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى [آل عمران:36] والصحيح أنها تعترف بالقاعدة.. تعترف بقضية ليس الذكر كالأنثى، ولكن هذا قدر الله، ماذا تفعل؟ أتمسكه على هون؟! أتدسه في التراب؟!

    كلا.

    حسن اختيار الاسم للمولود

    انتقت الاسم المناسب، وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36] الاسم الجيد لهذه المولودة.

    وإنني أقول لكن أيتها النساء: إنه قد حدث من الخلط في قضية التسمية من البعد عن شريعة الله أمورٌ كثيرة في المجتمع، فقد رأينا نساءً سمين بناتهن بأسماء أجنبية، رأينا من سمت ابنتها: سوزان، ورأينا من سمت ابنتها: مايا، ورأينا من سمت ابنتها: ليندا، ورأينا من سمت ابنتها: سالي، وغير ذلك من الأسماء التي جاءت من بلاد الكفار، ورأينا من انتقت لابنتها اسماً تافهاً يدل على تفاهة ما تفكر به هذه المرأة من الواقع، اسماً مقتبساً من كثير من المسلسلات والمسرحيات التي تذكر فيها أسماء الدلع لكثير من النساء فيها، وبعد ذلك تكبر هذه البنت لكي تنادى وهي جدة بذلك الاسم التافه الذي ألصق بها.

    إن الجرائم والذنوب من الممكن أن تمحى ومن الممكن أن يزول أثرها، ولكن الاسم باقٍ ومشهور، فإذا تفشى بين الناس وانتشر فكيف يُغير؟! لا يُغير بسهولة، فلا بد من البداية أن يحصل رفع شعار الإسلام بتسمية المواليد تسمية إسلامية.

    دعاء الوالد لولده

    ثم الدعاء لهذه المولودة: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36] ليس الدعاء لها هي فقط وإنما الدعاء لذريتها، هل تفقه الأم المسلمة في هذا الزمان أهمية تعويذ الطفل من الشيطان والدعاء له حتى لا يتسلط عليه الشيطان؟

    فإذا أخلصت الأم المسلمة فإن الله سيتقبل وليدها بقبول حسن، ألم يقل الله عن امرأة عمران: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً [آل عمران:37].

    بعض النساء تظن أن الأخذ بالأسباب البشرية في التربية كافية، ولا لجوء إلى الله، وهذا جهل فظيع، فإن بعض الناس يبذلون من الأسباب الكفيلة لصلاح الأولاد شيئاً عظيماً ومع ذلك لا يصلح الأولاد، لماذا؟

    لم يكن هناك لجوء إلى الله بالدعاء، فما معنى قوله عز وجل: وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37]؟!

    إن الله سبحانه وتعالى قد رعى هذه البنت وجعلها تنبت في منبت حسن، جعلها تنشأ على طاعته عز وجل متمسكة بشرعه، حفظها من السوء ومن أهل السوء، بل إن الله قيَّض لها رجلاً كريماً شريفاً عفيفاً إنه نبيٌ وهو زكريا عليه السلام، صار يكفلها، كفلها زكريا وجعل أمر رعايتها إليه، ألقوا الأقلام، وجعلوا يستهمون من يكفل مريم، فكانت من حظ ونصيب زكريا عليه السلام: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً [آل عمران:37].

    1.   

    شخصية مريم المؤمنة العابدة

    ننتقل الآن إلى شخصية أخرى من الشخصيات، وهي: مريم المسلمة المؤمنة العابدة القانتة الطائعة لربها، التي جعلت لها محراباً تصلي فيه وتعبد ربها، ومحراب المرأة أيتها النساء في قعر بيوتهن، كلما كان أعمق في البيت كلما كان أفضل، تصلي فيه الفرائض والنوافل.. تجلس لتقرأ القرآن، وتحاول أن تقوم بهذه العبادات لله عز وجل كما أمرها الله سبحانه وتعالى، ولذلك يقول الله: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42] .

    مسألة الاصطفاء بين النساء تحتاج إلى دراسة ونظر، هناك من النساء كافرات ولا شك، فأنت أيتها المسلمة بالنسبة لتلك الكافرة في نعمة وهذا اصطفاء من الله، وعندما تكون المرأة المسلمة طائعة لله فإنها قد اصطفيت على تلك المسلمة العاصية، وعندما تكون المرأة المسلمة متعلمة العلم الشرعي تكون مقدمة ومصطفاة على بقية النساء اللاتي عندهن خير وصلاح ولكن ليس لهن نصيب من العلم الشرعي فلا يعرفن أحكام العبادات، وعندما تكون المرأة تدعو إلى الله على بصيرة بين بنات جنسها تتنقل وتعظ وتنصح وتبين وتوجه وترشد وتسدد، تقدم الخير في كل مكان كما أمر الله، دون تكشف أو تبرج أو كثرة الخروج من البيت، إنما إذا كانت طالبة تنصح في وسط الطالبات، وإذا كانت مدرسة تنصح وسط المدرسات والطالبات، وإذا كانت إدارية في جميع المدرسة تقوم بالنصح، وإذا كانت أُمّاً فهي القائمة بأمر البيت.. وهكذا فهي تستغل المناسبات، والمناسبات النسائية كثيرة.. تستغلها في الدعوة إلى الله، وتقديم الكتيبات الإسلامية، وإيصال الشريط الإسلامي النافع، وينبغي أن يوصل إلى المرأة المسلمة كثيراً من العلم الموجود في هذه الوسائط التي تنقل العلم، لأن هناك جهلاً كبيراً لا يمحوه إلا نشر العلم الشرعي بين النساء، نشر فتاوى أهل العلم، ثم انظرن أيتها الأخوات الكريمات لمريم التي دعت لها أمها، ودعاء الوالدة مستجاب ولا شك، فثلاث دعوات مستجابات ومنهن (دعوة الوالد لولده)، وفي رواية: (دعوة الوالد على ولده) سواء دعا له بالخير أو دعا عليه بالشر، فإن دعاءه مقبول لعظم منزلته.

    أيتها الأمهات! لماذا تدعين على أولادكن بالشر؟! لماذا تدعين عليهن وعليهم بأن يأخذهم الله، أو يريح منهم أو يخزيهم.. ونحو ذلك مما نسمع كثيراً من دعاء بعض الأمهات على أبنائهن؟

    لا تدعين على أنفسكن ولا على أولادكن إلا بالخير، لأن الملائكة تؤمِّن على دعاء الوالدين، ولذلك نشأت هذه البنت التي دعت لها أمها طائعة، انظروا إلى قوله تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] فلما أحصنت فرجها، وابتعدت عن الحرام من ناحية التكشف والتبرج.. ابتعدت عن الحرام من ناحية الاختلاط بالرجال الأجانب.. ابتعدت عن الحرام من ناحية الكلام مع الرجال الأجانب دون داع.. ابتعدت عن الحرام بكافة صوره وأشكاله، عند ذلك حدثت الكرامة من الله: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران:45].

    كثيرٌ من النساء يهبهن الله أولاداً صالحين بسبب صلاح الأم.

    إذاً: المرأة المسلمة تحتاج إلى عبادة.. المرأة المسلمة تحتاج إلى الإكثار من الصلوات، والنوافل، والصيام وبالذات عندما تكون في فترة الطهر، ينبغي للمرأة أن تستغل فترة طهرها بالإكثار من العبادات، لأنها تعلم أنه يأتي عليها وقت حيض لا تستطيع فيه الصلاة ولا الصيام، ولذلك فهي تقدم لنفسها خيراً فتنتهز هذا الوقت لاستغلاله في طاعة الله في هذه الفروض، ولو أنها حاضت وأتتها الدورة فهذا لا يعني أن تكف عن العبادة ولا أن تتوقف عنها، فإن الله قد شرع من الأذكار المختلفة والأعمال الصالحة غير الصلاة والصيام ما تستطيع المرأة أن تقوم به ولو كانت في فترة العادة، ولذلك لا تنقطع المرأة عن العبادة مطلقاً.

    1.   

    مواجهة يوسف لفتنة امرأة العزيز

    لننتقل إلى قصة أخرى من قصص النساء في القرآن الكريم، وهي قصة مختلفة نوعاً ما.. إنها قصة المرأة التي راودت يوسف عن نفسه، هذه المرأة التي حصل أن خانت زوجها ورأت في ذلك الخادم مليح الوجه.. حسن الشكل.. جميل الصورة، إنه كان بالنسبة لها فتنة، ولذلك فقد أعدت العدة لجعل المكان ملائماً ومناسباً للوقوع في الفاحشة ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولذلك لما فتنها هذا الغلام في بيتها فإن إيمانها قد تلاشى في تلك اللحظات وخططت للجريمة وللفاحشة.

    إننا أيتها الأخوات يجب أن نفرق بين الشر العشوائي الذي أتى هكذا وبين الشر الذي جاء نتيجة تخطيط وترتيب، إن الشر الذي يأتي نتيجة تخطيط وترتيب ليدل على أن صاحبته عندها من البعد عن شريعة الله وقسوة القلب ما يجعلها تخطط للشر سلفاً.. ما يجعلها تهيئ للأمر سلفاً.. ما يجعلها تعد العدة لمعصية الله، كما يفعل كثيرٌ من السفهاء عندما يسافرون إلى الخارج في العطل ونحن مقدمون على عيد، والناس في العادة يسافرون في هذا العيد إلى البلدان المجاورة، إلى أين يذهبون؟ إلى مساجد.. إلى مراكز إسلامية.. إلى دروس.. إلى زيارة أناس في الله.. إلى زيارة أقاربهم؟!

    كلا. إن الأمر مختلف، إنهم كثيراً ما يذهبون لمعصية الله، والتجول هنا وهناك، سياحة زعموا! وهي مليئة بالمنكرات.

    إنني أقول: إن التخطيط للفساد الموجود عند بعض الأسر وبعض النساء مصيبة عظيمة ينبغي أن يُقضى عليه، وينبغي أن تستبدل المعاصي بطاعات يخطط لها، بدلاً من أن نخطط لسفرية فيها من المعاصي ما لا يعلمه إلا الله.. نخطط لرحلة حج، لرحلة عمرة، لزيارة أرحام، لزيارة أقرباء، لا بأس أن نذهب للفرجة والترويح عن النفس أو التسلية، لكن إلى أماكن ليس فيها منكرات.. إلى أماكن ليس فيها تبرج.. إلى أماكن ليس فيها اختلاط، قد تقولين لي: إن هذه الأماكن نادرة؟ أقول لكِ: نعم: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2].

    جرأة امرأة العزيز على الفاحشة

    هذه المرأة في سورة يوسف لما افتتنت بهذا الغلام الجميل، ماذا فعلت؟

    إنها غلقت الأبواب، وأخلت المكان وتفردت بهذا، ثم قالت له: هيت لك.

    عجباً! إن الرجل في العادة هو الذي يدعو المرأة إلى الفاحشة، ولكن الذي حصل في هذه القصة أن المرأة هي التي دعت هذا الذكر للفاحشة ليفجر بها.

    إذاً: هذا دال على زوال الحياء بالكلية، وعلى مدى ما وصل إليه الأمر من الافتتان، ولذلك فإننا نقول: ما ترك صلى الله عليه وسلم بعده فتنة أضر على الرجال من النساء.

    والمسألة لا يمكن حلها إلا بالعمل على جهتين: إصلاح الرجل، وإصلاح المرأة.

    الرجل لو صلح لم يدع المرأة إلى الفاحشة، ولم يختلِ بها أصلاً، والمرأة لو صلحت لن تخلو به ولن تستجيب له ولو دعاها، ولذلك فإن الإصلاح لا بد أن يسير على محورين اثنين: إصلاح المرأة، وإصلاح الرجل، يسير الإصلاحان جنباً إلى جنب، المهم أنها لم تكتفي بأن أخلت المكان وغلقت الأبواب، وخانت زوجها، ودعت يوسف إلى السوء والفحشاء، ولكن لما رفض يوسف هل ارعوت؟ هل أنزجرت؟

    كلا. إنه صار يهرب منها وهي تطارده، ولما طاردته وجاء زوجها ووصل، هل اكتفت بما فعلت؟

    كلا. بل إنها أضافت إلى جرمها وجرائمها جرماً آخر، ألا وهو الافتراء على الأبرياء والقيام بالبهتان.. ما هو البهتان؟

    إنه إلصاق تهمة ببريء.. إنه نسبة جرم إلى شخص هو منه بريء، ولذلك فإن هذه المرأة بلغ بها الكيد أن قلبت المسألة في الحال واللحظة، زوجها داخل من الباب وهي تطارد يوسف، فجأة توقفت وغيرت الموضوع، فقالت: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [يوسف:25] فوضعت التهمة على يوسف وهو البريء، ولذلك فإن القذف من أخطر الأمور، ورمي الرجل بجرم وهو منه بريء من قبل امرأة هو عبارة عن ذنب واضح كما فعلت امرأة هذا العزيز بيوسف عليه السلام.

    صحيح أن المرأة يُفترى عليها أيضاً كما حصل لـعائشة عندما افترى عليها المنافقون، ولكن نأخذ الدرس نحن في هذا المقام من هذا التلفيق الحاصل الذي هو نتيجة لكيد النساء أحياناً إذا لم يتقين الله.

    يا ترى! هل اكتفت المرأة بهذا الأمر؟

    كلا. لما سمعت النسوة في المدينة يتبادلن الأحاديث وتشيع الشائعات عنها وعن يوسف وقد شغفها حباً، وقول النساء: إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف:30] أرادت بحيلة ماكرة خبيثة أن تستعين بالنساء على يوسف، فجمعتهن وأخرجته عليهن، وحصلت القصة المعروفة، ثم قالت متبجحة:وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ [يوسف:32] اعترفت، هل توقفت؟

    كلا. لم تستعن فقط بكيد النسوة، وكيد النسوة كان عظيماً على يوسف، حتى قال لربه: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ [يوسف:33] جميعاً، أي: صار الكيد مجتمع على يوسف، هل اكتفت؟

    كلا. بل إنها هددته بالسجن إذا لم يفعل بها الفاحشة -والعياذ بالله- فماذا قالت للنسوة: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف:32] وفعلاً دخل يوسف البريء السجن مظلوماً بافتراء امرأة عليه.

    فضيلة رجوع المرأة عن خطئها

    نقول: درس مهم جداً في تحصين المرأة نفسها من الرجال الأجانب، هناك خدم في البيوت وكثيرٌ من السائقين، وهؤلاء مصدر فتنة، وينبغي للمرأة أن تعلم جيداً أن المحافظة على العرض سواء كان للزوج أو على عرضها أن هذا من أساسيات الأمور، ولكن ينبغي ألا نقف عند هذا الحد، بل ينبغي أن نستعرض ما وصل حال المرأة إليه، لأن الله سبحانه وتعالى قد يغير الأحوال، ويبدل الضلال بهدى، وقد يأتي بعد الضلال بهدىً من عنده سبحانه وتعالى، ولذلك فإن هذه المرأة قد منَّ الله عليها بنوع من الهداية والصدق، وذلك أنها اعترفت وقالت في نهاية القصة لما حصل الاستجواب من الملك: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف:51].

    إذاً: أيتها المرأة المسلمة! إن رجوعك عن الخطأ والاعتراف بالخطأ وقول الصدق هو من الأخلاق.

    كلنا خطاءون ولكن خير الخطائين التوابون، ولذلك فلا يكفي عندما يُتهم بريء من قبل امرأة أن البريء يخرج بريء، ولكن لا بد أن تعين المرأة التي اتهمته بتبرئته، وكثيراً الآن ما نلاحظ اتهامات من قبل النساء لأناس أبرياء سواء لنساء أخريات، أو سواء للرجال، وأعراض تلاك بالألسن ولا يعلم الإثم المترتب على حصائد هذه الألسن إلا الله عز وجل، واعتراف المرأة بأن الله مطلع عليها وبأن الله معها في كل وقت: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف:52] ثم تقول: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53] لا أبرئ نفسي أبداً، إنني أخطأت: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف:53].

    لو أخطأت امرأة من النساء هل أغلق باب العودة؟ لو أخطأت امرأة بارتكاب ذنب أو جرم هل يعني أنها قد دخلت في عالم من الظلمة لا رجعة فيه أبداً إلى نور الحق؟

    كلا. إنك أيتها الأخت المسلمة إذا تبت إلى الله تاب الله عليك.

    جدية التوبة بين صفوف النساء

    نحن نلحظ الآن في المجتمع كثير من النساء يتبن إلى الله باستمرار وهذه حركة طيبة مباركة نسأل الله أن تستمر.

    نساء تبن من ترك الصلوات فانتظمن عليها، ونساء تبن من ترك الصيام فانتظمن عليه.

    وكنَّ في الماضي نساء يصمن وقت الدورة ولا يقضينها حرجاً من أهلهن، الآن يسألن ويقلن: ماذا نفعل؟

    وكنَّ نساء في الماضي لا يقضين ما فاتهن من الصيام، ويسألن: ماذا نفعل؟

    وكنَّ نساء لا يخرجن الزكاة ويسألن الآن: ماذا نفعل؟

    وكنَّ نساء قد تركن الحجاب وتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأظهرن أذرعتهن ووجوههن وطائفة من الشعر والقدم والخلاخيل والزينة بالثياب والحلي أمام الرجال الأجانب، وهن الآن يسألن: أين الطريق؟ وكيف نعود إلى الله؟

    وهذا شيء يجب أن نكبره ونعظمه ونثني عليه ونمدح فاعلته، ما هو هذا الشيء؟

    المرأة إذا تركت الحجاب ليس من السهل عليها أن ترجع إليه.. المرأة إذا تعودت على التكشف والتبرج ليس من السهولة أن تعود إلى الحجاب الكامل بعد ذلك، ولذلك فإن الحركة التي نشهدها الآن من كثير من النساء وحتى الشابات منهن في قضية ترك التبرج مع ما فيه من الاستمتاع المحرم الذي كان يحدث في الماضي، والعودة إلى ستر الأجزاء من البدن التي كانت تكشف من الماضي، أقول: إن هذه مسألة ينبغي أن نعظمها وأن نثني على فاعلاتها؛ لأن الحقيقة تدل على مجاهدة للنفس ليست بسيطة.

    وكنَّ نساء على علاقة خاطئة بكثير من الشباب الطائشين الماجنين بالهاتف أو غيره، فتبن إلى الله وجئن يسألن: أين الطريق؟ وكيف نعود؟

    ونساءٌ كنَّ يقرأن في المجلات ويشاهدن المسلسلات التي تحرف المسلم وتدمر العقيدة والأخلاق وتنشئ الذهن على تقبل الاختلاط وتقبل ما يسمى بالحب البريء -والإسلام من هذا بريء- صرن يسألن الآن: كيف نستبدل أشرطة الأغاني والأفلام بالأشياء الإسلامية المفيدة؟

    إنني أجد من خلال الصلاة في المسجد صفوفاً تتزايد من النساء في صلاة التراويح، وهذا دليل آخر على أن هناك في المجتمع كثيراً من النساء يردن العودة إلى الله فعلاً، وأظن أن هذه خطوة مباركة بدأت تؤتي ثمارها في هذا الزمان ولله الحمد والمنة، وقد كان في الماضي ليس على الاستقامة إلا عدد قليل من النساء مضطهدات يسخر منهن من بنات جنسهن.

    إن كثيراً من المظاهر الخاطئة بدأت تتلاشى ولله الحمد والمنة.

    1.   

    مريم واجتنابها للشبهات

    ننتقل الآن إلى قصة أخرى، وهي استمرار لقصة مريم السابقة، إنها قصتها في سورة سميت باسمها.. إنها سورة مريم، لماذا سميت؟

    لأن المرأة إذا تمسكت بمنهج الله فقد ترتفع فوق مستوى كثير من الرجال المسلمين.. (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) مريم عليها السلام لا شك أنها أفضل من كثير من الرجال الصالحين، وأن منزلتها عند الله عالية.. يا ترى! بسبب أي شيء؟

    إن الله قد أرسل إليها جبريل فنفخ في جيب درعها، فنزلت النفخة إلى فرجها فدخلت فصار هذا الحمل المبارك في بطنها رحمها الله ورضي عنها وأرضاها، ولكن هذه المرأة تواجه الآن مشكلة عويصة، إنها ليست متزوجة -كما يظهر للناس- وكذلك هي في الحقيقة، والناس قد لا يفهمون أن هذا خلقٌ خلقه الله في بطنها، بل إن الناس سيتبادر إلى أنفسهم ظن السوء، وسيقولون لمريم: أنت زنيتِ وفعلتِ الفاحشة، ولذلك فقد فرت مريم في البداية من الأمر وحاولت أن تتخفى عن الناس، فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً [مريم:22]، لأنها لا تريد الكلام من الناس، وهذا صحيح.

    ينبغي على المرأة المسلمة أن تبتعد عن مجالات التهمة، وإذا وجدت طريقاً تستطيع بواسطته حماية نفسها من كلام الناس ينبغي عليها أن تسلكه، لا يصلح للمسلم ولا للمسلمة أن يضع نفسه مواضع التهم وإنما يحاول أن يبرئ نفسه من كل ما يُلصق به.

    هذه مريم عليها السلام حاولت أن تتفادى نظر الناس: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم:22-23] وهنا تقول بكلمات منبعثة من نفس متأسفة.. من نفس تتحرك، وتخشى من كلام الناس عليها، فقالت: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً [مريم:23] لماذا تمنت الموت؟

    لأن الموقف شديد عليها، امرأة في بطنها ولد وهي ليست متزوجة، هنا الدرس: مريم بريئة وتتمنى الموت مع ذلك، وتقول: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً [مريم:23] فماذا يكون الحال بالنسبة لبعض النساء -والعياذ بالله- اللاتي وقعن في الفاحشة وفي هذا الأمر المنكر وهن لا يشعرن بأدنى درجة من الندم؟ كيف ينبغي أن يكون الحال؟

    والله سبحانه رحم مريم ونوديت من تحتها: فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً [مريم:24-26] هذه نِعم من الله، ولذلك قال بعض أهل التفسير: إن الرطب من أنفع الطعام للمرأة النفساء.

    ثم أتت به قومها تحمله وهي صائمة عن الكلام كما أمرت فاتهموها: مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً [مريم:28] من أين خرجت؟ هذا يدل على أن الناس يحكمون على المرأة من خلال البيت الذي تعيش فيه، فأشارت إليه، وعند ذلك تكلم عيسى عليه السلام وشهد ببراءة أمه، ولذلك نحن الآن نعلم أيتها الأخوات عظم الفرية التي يفتريها اليهود على مريم، فإنهم يقولون: إن مريم زانية، وإن عيسى ولد زنا، نستغفر الله العظيم من هذا البهتان، لنعلم ولتعلمن مدى ما وصل إليه ٍاليهود من الخبث والكيد لأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

    1.   

    إيمان بلقيس ورجاحة عقلها

    ثم ننتقل أيتها الأخوات إلى قصة أخرى من القصص، وهي قصة ملكة كانت كافرة وكان عقلها راجحاً، فملَّكها قومها عليهم حتى صارت تحكم الرجال، فأرسل لها سليمان عليه السلام يدعوها إلى الله عز وجل، فاستشارت قومها: أَفْتُونِي فِي أَمْرِي [النمل:32] المرأة العاقلة لا تقطع أمراً بمفردها وإنما تحاول أن تستشير، تستفتي من حولها من أوليائها.. من أهلها.. من أقربائها.. من أهل العقل الراجح، خصوصاً عندما تقدم على أمرٍ مهم، فأشاروا عليها بأمرٍ لكن خالفتهم لما رأت أن ما يأمرونها به من استعمال القوة ليس راجحاً.

    وقد جعل الله لسليمان عليه السلام من القوة وأسبابها ما أتى بعرشها من بلدها حتى وصل إلى قصره فأدخل حتى رأته، قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ [النمل:42] قال المفسرون: هذا يدل على كمال عقلها، فهي لم تنفي، قالت: ليس هو، لأنه يشبهه حقيقة، ولم تقل: إنه هو لأنه متغير، فدل كمال عقلها على أن قالت: كأنه هو، والحقيقة أن هذه المرأة يقول الله: وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ [النمل:43].

    كثير من النساء الآن يعشن في بيوت وفي مجتمعات وعندهن عقل راجح، ونفس طيبة وفطرة، لكن طمست أنوار هذه الفطرة بالبيئة السيئة التي يعشن فيها، هناك نساء يعشن فيما يشبه القصور.. يعشن في أنواع من الترف، وأنواع من النعيم، وأنواع من المعاصي والمنكرات الكثيرة، هذه المعاصي والمنكرات.. الأب السيئ والأخ الفاجر والبيت الفاسد، هذه العوامل تكون عقبة، تكون حجر عثرة أمام هداية المرأة إلى الطريق الصحيح، لذلك يقول الله: وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ [النمل:43] لماذا لم تهتدِ هذه المرأة في البداية؟ لماذا كانت تسجد للشمس كما أخبر الهدهد سليمان؟

    بسبب وجودها في مجتمع كافر فاجر، لذلك أيها الأخوات ينبغي أن تعيش المرأة في واقعٍ طيب.. في مجتمع طيب، ينبغي أن يكون بيتها طيباً، البيت الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكداً، لذلك كيف نتوقع أن تكون هناك نساء ملتزمات في بيوت فاسدة؟! لكن عندما تنتشر الدعوة، تتحول البيوت شيئاً فشيئاً.

    إنني أقول: إن كثيراً من النساء -ولله الحمد- كن سبب هداية أزواجهن أو إخوانهن أو آبائهن أو أمهاتهن وكثيرٌ من أقربائهن، وكم من امرأة كانت سبباً للخير والبركة في بيتها.

    الشاهد من الكلام: أن النساء يجب أن يوفر لهن الأجواء الطيبة، وهذا كلام يهمس في آذان الداعيات إلى الله، ينبغي أن يفهم لماذا لا يلتزمن النساء بالإسلام؟ ما هي العوامل التي تصد المرأة عن التمسك بالحجاب؟ لماذا المرأة المسلمة عندما يقدم لها شريط إسلامي قد لا تسمعه؟ لماذا عندما يقدم لها كتاب إسلامي تقول من قدمته لها: اتركيه عندكِ وفريه لنفسك؟ لماذا يقال هذا الكلام؟

    بسبب معيشة المرأة في وسط فاسد.. وبيئة سيئة.. المعاصي من كل جانب، كيف ستهتدي؟! ولذلك هذه تصد.

    قال تعالى: وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ [النمل:43] لكن عندما يكون العقل وافراً، ماذا يحصل؟ إنها تهتدي إلى الحق عندما يعرض عليها، ولذلك سليمان عليه السلام لما وضع لها هذا الصرح من الزجاج الممرد من القوارير، وشيده له، وأمرها أن تدخل قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً [النمل:44] ماء لُجَّةً، وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرًَ [النمل:44] قيل: إنه أراد أن يخطبها فنظر إليها بهذه الحيلة، ولكن الله أعلم بما كان، وهذه من قصص السابقين، ونحن لنا شرعنا الذي نعمل به.

    ماذا حصل عندما كانت المرأة ذات عقل؟ قال الله -اعترفت-: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:44] لذلك أقول لكن أيتها الأخوات: من كانت منكن عندها عقل راجح فلا بد أن يهديها الله إذا استعملت عقلها للوصول إلى الحق ولو كانت في منبت سوء، أو بيئة فاسدة، أو في وسط مظلم، إذا استعملت وحكمت عقلها، والعقل في القلب: لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46] فإذا عقلت عن الله مراده، فإنها ستنتشل من هذا الوسط لتدخل في بيئة السعداء.

    1.   

    ثبات أم موسى أمام الابتلاءات

    ننتقل إلى قصة أخرى من قصص النساء في القرآن الكريم: ألا وهي قصة أم موسى صلى الله عليه وسلم.. هذه المرأة التي ربط الله على قلبها.. هذه المرأة التي أوتيت خيراً كثيراً.. هذه المرأة بلغ بها الخير أن الله أوحى إليها وحياً من نوع خاص، ليس من وحي الأنبياء، لما ولدت يوسف وأرضعته أوحى إليها إذا خافت عليه من جند فرعون الذين كانوا يذبحون أولاد بني إسرائيل أن تلقيه في اليم.

    عظم توكل أم موسى وتفويض أمرها إلى الله

    هنا مسألة مهمة: التوكل على الله واليقين بالله، هذه من الأشياء الأساسية التي ينبغي أن تتوفر في شخصية المرأة المسلمة، الآن أسألكن أيتها الأخوات عندما تخشى المرأة على ولدها عادة ماذا تفعل به؟ إنها قد تهرب به وتخبئه في مكان آمن، لكن يقول الله لأم موسى فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص:7] سبحان الله! يأمرها بأمر بعكس ما هو جار في الأسباب العادية، إلقاء الولد في البحر شيء خطير، لأنه يتعرض للغرق، ولكن الله له إرادة وحكمة ومشيئة سبحانه وتعالى، وهو خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64]، ولذلك أمرها بأن تفعل ما هو عادة من أسباب الهلاك وهو إلقاء الولد في البحر، ولكن الله يريد بحكمته أن إلقاء موسى سيذهب به إلى بيت الطاغية فرعون ليتربى في ذلك البيت ويكبر، ويحصل ما كان يخشى منه فرعون، ويكون موسى الذي تربى في بيت فرعون هلاك فرعون على يديه، ولذلك فإن أم موسى عندها يقين بالله، هذا هو الدرس: اليقين بالله سبحانه، عندما نتأكد أن الله أمرنا بأمرٍ فإننا ننفذ ونعلم أنه لن يضيعنا سبحانه وتعالى، وخافت فعلاً أم موسى لما جاء جنود فرعون يطلبون أبناء بني إسرائيل يقتلونهم، فألقت ولدها في النهر، فماذا قال الله؟ أمرها بأمرين: أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص:7] وأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص:7]، ونهاها نهيين: َلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي [القصص:7]، وبشرها بشارتين: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ [القصص:7] هذه البشارة الأولى، والثانية: وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7] ولذلك فإنها ألقته، ولكن الأم قلبها يبقى قلب أم؛ ولذلك: أَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ [القصص:10] أوشكت أن تظهر أمره: لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [القصص:10].

    فاعلمي أيتها المرأة أن الله سبحانه وتعالى إذا ربط على قلبك واستعنت به فإنه يعطيك قوة ورباطة جأش، وزيادة ثبات، والثبات من الله ونحن لا نستطيع أن نثبت أنفسنا بأنفسنا، ولكن نسأل الله الثبات لكي يثبتنا.

    أخت موسى.. وتنفيذها أمر أمها

    هنا تظهر شخصية نسائية أخرى في هذه القصة وهي شخصية أخت موسى التي نفذت أمر أمها فخرجت تتبعه عن بعد بحذر.. أخت موسى الذكية التي ما فضحت القصة وما فضحت القضية وإنما قالت لأخته: قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ [القصص:11] صارت تراقب المهد يتهادى على سطح الماء من طرف عينها، هذا معنى عن جنب فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ [القصص:11] فتظاهرت أنها لا تنظر إليه ولكن بطرف عينها تنظر وتلحظ إليه، إنها عين الأخت الساهرة على أخيها الصغير، وهكذا ينبغي أن يكون دور الأخوات في البيت تجاه إخوانهن الصغار الذين يحتاجون إلى الرعاية، فإن الأم قد تنشغل أحياناً فنقول لهذه الأخت في البيت: إن عليك واجباً تجاه أخيك الصغير من ناحية العناية به، والحرص عليه، والخوف من الأسباب التي تهلكه، ومساعدة الأم في القيام بشئون هذا الولد الصغير، فكوني أيتها الأخت المسلمة عوناً لأمكِ في رعاية هؤلاء الأولاد الصغار في البيت، وتشبهي بأخت موسى وهي ترعى أخاها الصغير وهو يتهادى على سطح الماء، والله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئاً هيأ له أسبابه، كيف يرجع الولد إلى أمه؟

    دخل قصر فرعون وأخذوه ولداً لهم، كيف يرجع؟

    إن الله يخلق أشياء تجعل البشارة تتحقق.. حرم الله عليه المراضع، مهما عرضوه على ثدي لا يقبله، وهنا تدخلت أخت موسى لتقول لهم ولهن: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12] طبعاً عجلي، من هي هذه المرأة؟ نريد أي امرأة ترضع الولد.. إن فرعون وزوجته قررا أن يكون لهما ولداً فإذاً لا بد من حماية الولد، عجلي بهذه المرأة التي ترضعه، فصارت أم موسى تأتي لترضع ولدها وتأخذ أجرها، تضمه إلى صدرها تتظاهر أنه ليس ولدها، لكن عندما تضمه إلى صدرها تشعر بحنان الأم وهي ترضع ولدها الصغير، وتأخذ أجراً على ذلك.. بأي شيء حصل لها اطمئنان الولد والأجر؟ إنه بسبب اليقين بالله والصبر على أوامر الله عز وجل.

    1.   

    شخصية خولة بنت ثعلبة في القرآن

    ننتقل إلى قسم آخر من الشخصيات النسائية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، إنها شخصية المرأة المسكينة المظلومة، إنها خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، التي قال لها زوجها كلاماً منكراً مشيناً محرماً: أنتِ علي كظهر أمي، أنتِ محرمة علي مثل أمي، صارت لا هي مطلقة ولا زوجة إنما صارت معلقة، فظاهر منها فظلمها زوجها، فجاءت تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وهنا لا بد أن تأخذ النساء درساً في أن التوجه يكون إلى أهل العلم.. شكوى الحال.. طلب الحل.. طلب الفتوى.. جواب السؤال.. حل المشكلة يكون بسؤال أهل العلم، إلى من ذهبت خولة رضي الله عنها؟

    ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلب الحل.. تطلب الحكم: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1] محاورتها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو عليه الصلاة والسلام ما عنده جواب، ولكن الله الرءوف الرحيم يرعى المرأة، والله سبحانه وتعالى قد سمع قولها بسمعه سبحانه وتعالى، فلم يرض عز وجل أبداً بالظلم، ولا يرضى سبحانه وتعالى مطلقاً بالظلم، وإنما حرمه على نفسه وعلى العباد، فأنزل من أجل هذه المسكينة آيات تتلى إلى يوم القيامة لكي تحل المشكلة لكي تزول.

    تقول: يا رسول الله، نثرت له بطني حتى إذا كبر سني ورق عظمي ظاهر مني، أشكو إلى الله، والله إذا لجأ إليه الضعيف فإنه ينصره، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: (دعوة المظلوم ترفع إلى الله على الغمام، يقول الله: لأنصرنك ولو بعد حين).. (دعوة المظلوم تصعد إلى السماء كشرارة) كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، تصعد مثل الشرارة سريعة جداً لذلك نزل الجواب، تقول عائشة : [سبحان الذي وسع سمعه الأصوات! إني في ناحية البيت ما أسمع ما تقول] تجادل الرسول صلى الله عليه وسلم، لكني لا أسمع تفاصيل القصة، لا أسمع تفاصيل الحوار، وإذا بالآيات تنـزل مباشرة: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1].

    إنني أقول بهذه المناسبة: أيتها الأخوات الكريمات! إلى من يجب الذهاب في حل المشاكل؟ إلى من يجب اللجوء في الاستفتاءات لأهل العلم الثقات؟

    إنني أنعي وأقول بأسف: إن بعض النساء يذهبن في حلول المشكلات إلى أصناف من البشر الله حسيبهم على ما خربوا ولوثوا وأفسدوا وأضلوا من جمهور المسلمين، يذهبون إلى من يعتبرونهم شيوخ، وأنهم علماء وعندهم علم، وهم جهال ربما يكون الواحد منهم أجهل من سائله في هذه المسألة التي يسأله عنها، فيفتيه بغير علم، فيَضل ويُضل ويحمل أوزار من أضله على ظهره يوم القيامة، ولذلك بعض النساء تكتب إلى أناسٍ أو تتصل بأناس تظنهم شيوخاً وليسوا بشيوخ، أو بعض النساء تكتب مشكلتها إلى محرري المجلات والصحف، وهذه قضية خطيرة جداً، ولقد اطلعت على قصص كتبت فيها بعض البنات والفتيات مشكلاتهن، يردن الخلاص من المشكلة لكن تظن الواحدة منهن أن الحل عند محرر الجريدة وعند كاتب الصحيفة، وهو خبيث رجس نجس يريد أن يتسقط هؤلاء البنات، لكي يصل إلى مآرب من وراء نشر رسائلهن في هذه الجريدة أو تلك المجلة، ولذلك فإنني أتعجب جداً عندما أقرأ في بعض المجلات أو الجرائد أو يصل إلى علمي مثلاً أن بعض النساء يكتبن إلى أولئك القائمين على تحرير تلك الصحف، مع أنهن يعلمن جيداً بأن تلك الصحف والمجلات تنشر الأمور السيئة وتنشر الفجور والخنا والخبث بين الناس وتفسد المجتمع، وينطبق عليهم قول الله: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [النور:19].

    أقول: كيف بالله عليك تلجئين إلى مثل هؤلاء، ألم يقل الله: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]؟

    لماذا لا نتصل بالثقات من العلماء.. نكاتبهم.. نراسلهم.. نكلمهم هاتفياً؟ لماذا لا نلجأ إلى كتب العلم؟ لماذا لا نلجأ إلى طلبة العلم؟ نقول: ابحثوا لنا في الكتب، هاتوا لنا الأجوبة؟ لماذا لا نستمع إلى البرامج الإسلامية المفيدة، مثل برامج الفتاوى، أشرطة الفتاوى؟ يمكن أن هذه المسألة التي يسأل عنها الآن أو مسجلة في الشريط قد تتعرضين أنت لها في المستقبل، فإذاً يكون عندك الجواب.

    فهذا درس آخر يؤخذ من قصة خولة بنت ثعلبة رضي الله تعالى عنها.

    فاسألوا أهل الذكر

    إنني أقول بهذه المناسبة: أيتها الأخوات الكريمات! إلى من يجب الذهاب في حل المشاكل؟ إلى من يجب اللجوء في الاستفتاءات لأهل العلم الثقات؟

    إنني أنعي وأقول بأسف: إن بعض النساء يذهبن في حلول المشكلات إلى أصناف من البشر الله حسيبهم على ما خربوا ولوثوا وأفسدوا وأضلوا من جمهور المسلمين، يذهبون إلى من يعتبرونهم شيوخ، وأنهم علماء وعندهم علم، وهم جهال ربما يكون الواحد منهم أجهل من سائله في هذه المسألة التي يسأله عنها، فيفتيه بغير علم، فيَضل ويُضل ويحمل أوزار من أضله على ظهره يوم القيامة، ولذلك بعض النساء تكتب إلى ناس أو تتصل بناس تظنهم شيوخ وليسوا بشيوخ، أو بعض النساء تكتب مشكلتها إلى محرري المجلات والصحف، وهذه قضية خطيرة جداً، ولقد اطلعت على قصص كتبت فيها بعض البنات والفتيات مشكلاتهن، يكون عندهن إخلاص فعلاً يردن الخلاص من المشكلة لكن تظن الواحدة منهن أن الحل عند محرر الجريدة وعند كاتب الصفحة، وهو خبيث رجس نجس يريد أن يتسقط هؤلاء البنات، لكي يصل إلى مآرب من وراء نشر رسائلهن في هذه الجريدة أو تلك المجلة، ولذلك فإنني أتعجب جداً عندما أقرأ في بعض المجلات أو الجرائد أو يصل إلى علمي مثلاً أن بعض النساء يكتبن إلى أولئك القائمين على تحرير تلك الصحف، مع أنهن يعلمن جيداً بأن تلك الصحف والمجلات تنشر الأمور السيئة وتنشر الفجور والخنا والخبث بين الناس وتفسد المجتمع، وينطبق عليهم قول الله: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [النور:19].

    أقول: كيف بالله عليك تلجئي إلى مثل هؤلاء، ألم يقل الله: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]؟

    لماذا لا نتصل بالثقات من العلماء، نكاتبهم، نراسلهم، نكلمهم هاتفياً، لماذا لا نلجأ إلى كتب العلم؟ لماذا لا نلجأ إلى طلبة العلم، نقول: ابحثوا لنا في الكتب، هاتوا لنا الأجوبة؟ لماذا لا نستمع إلى البرامج الإسلامية المفيدة، مثل برامج الفتاوي، أشرطة الفتاوي؟ يمكن أن هذه المسألة التي يسأل عنها الآن أو مسجلة في الشريط قد تتعرضين أنت لها في المستقبل، فإذاً يكون عندك الجواب.

    فهذا درس آخر يؤخذ من قصة خولة بنت ثعلبة رضي الله تعالى عنها.

    1.   

    أثر فساد المرأة حتى على الأنبياء

    اعلمي بأن الله سبحانه وتعالى قد ضرب مثلاً في القرآن الكريم لامرأة نوح وامرأة لوط، زوجتان كافرتان، أما زوجة نوح فكانت -فيما ذكر في التفسير- تخبر الكفار من قومها بأسرار نوح والمسلمين معه.. إنها الجاسوسة.. إنها الخائنة التي توصل الأخبار إلى أعداء الله فيبطشوا بالمسلمين الذين كانوا مع نوح.

    وأما امرأة لوط فإن خيانتها ليست خيانة زوجية في العرض والشرف، فإن نساء الأنبياء لا يخن ولو كن كافرات، كما قال أهل التفسير، ولذلك فإن خيانتها كانت بأن دلت قومها الذين كانوا يقعون في الفاحشة ويستعلمون الفاحشة على ضيوف لوط، فجاءوا إليه يهرعون، يقولون: هات ما عندك، يريدون الضيوف الذين عند لوط ليفعلوا بهم الفاحشة.

    وكان الأمر بعد ذلك من إهلاكهم وهلكت امرأة نوح في الطوفان وولد نوح الكافر، وهلكت امرأة لوط بهذه الحجارة والصيحة، وقلب عالي القرية سافلها، وطمس الأعين الذي أرسل الله به الملك فطمس أعينهم، فنجى الله لوطاً إلا امرأته.

    الشاهد: أنه قد يوجد في المجتمع رجال صالحون ولهم زوجات فاجرات، وقد يوجد في المجتمع رجال فجار ولهم زوجات صالحات، ولو المسألة عندنا في الإسلام بالنسبة للكفر واضحة، إذا كان الرجل مسلم وزوجته كافرة، لا يجوز له أن يتزوجها، ولا يجوز أن يبقيها عنده إذا كفرت ويجب أن يفارقها، والمرأة إذا كان زوجها كافراً فإنه لا يجوز أن تبقى تحت كافر تفارقه ويبطل العقد، وينفسخ تلقائياً بكفر أحد الزوجين إذا بقي الآخر مسلماً، وتدخل المرأة في العدة، وتعتد وتنتهي، وتتزوج ممن تشاء إذا بقي زوجها على كفره، ما هو الدليل؟

    يقول الله تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] لا تحل المرأة الكافرة لرجل مسلم، ولا يحل الرجل الكافر لامرأة مسلمة، هكذا قضى الله، إلا الاستنثاء في أهل الكتاب من اليهوديات والنصرانيات بشرط أن يكن محصنات، وأما الفاجرات فلا يجوز الزواج منهن، أي: من اليهوديات والنصرانيات.

    مشكلة صلاح أحد الزوجين وفساد الآخر

    الآن عندنا مشكلة في المجتمع حقيقية وهي: ماذا نفعل عندما يكون هناك رجل فاجر تحته امرأة متدينة؟

    هذه الحالة لها احتمالات، أحياناً يكون الرجل فاجر متستر بالدين، والمرأة تقصر في السؤال عنه، لا تسأل جيداً، وبعد ذلك تقع الطامة الكبرى، والكارثة العظيمة، فتكتشف المرأة بعد الزواج وبعد فوات الأوان بأن الرجل يهمل الصلوات ويتعاطى أشياء محرمة، ويتصل بنساء أجنبيات، وله سفريات يرتكب فيها المحرمات، وتكتشف عنده من أدوات اللهو المحرم أشياء كثيرة، وعند ذلك ماذا يكون وقد فات الأوان؟ السبب هو عدم السؤال الجيد قبل الإقدام على الزواج من جهة المرأة بواسطة أهلها، ومن تثق بهن من أخواتها الذين يأتونها بالخبر عن طريق أزواجهن مثلاً.

    أقول: هذا سبب من أسباب حدوث المشكلة، والسبب الآخر: أن تكون المرأة مقصرة مثل زوجها، ثم بعد ذلك يحدث أن تلتزم المرأة بالدين وزوجها ما زال مصراً على فجوره وضلاله وعصيانه، فماذا تفعل المسكينة؟

    إنني أقول: إن هناك في الواقع حالات كثيرة، المرأة تريد أن تتحجب والرجل يقول: لا تتحجبي، وينزع الحجاب من رأسها.. المرأة لا تريد الاختلاط بأصدقاء الزوج، وهو يضربها ويقول: اخرجي قدمي الأكل للرجال واجلسي معنا، لا تريد الكشف على إخوانه، وهو يقول: إذا لم تكشفي الحجاب على إخواني سأطلقك ولكِ مهلة أسبوع، أصبح الفجور إلى درجة أن يعطي الرجل مهلة لكي تخالف المرأة ربها، ومهلة لكي تنفذ المعصية وتقوم بها، ماذا يكون عند ذلك الحل؟ المرأة ضعيفة.. المرأة أسيرة، ما هو الحل؟ الحل صعب.. ينبغي على المرأة أن تصبر وتتدارك نفسها، وتحاول بشتى الوسائل أن تتمسك بشرع الله وهديه وأحكامه، فإذا أكرهت بالقوة.. بالضرب.. باستخدام اليد من الزوج مثلاً، والتهديد المستمر اليقيني عند ذلك تعذر عند الله، ولو أنه أرغمها على شيء بالقوة، وفعله بها عمداً، فهو الآثم وهي البريئة، حتى يحكم الله بينها وبينه، فيتوسط أهل الخير إما أن يلتزم الزوج أو يعطيها الحرية في دينها، إذا كان الرجل عاصياً.. إذا كان كافراً لا يجوز أن تبقى معه، وعليه أن يسرحها بإحسان.

    والشاهد: أن الواقع والحاصل أنه يوجد كثير من التفريط الحادث ومن المتناقضات التي تحتاج إلى حل.

    1.   

    أهمية كتمان الزوجة لأسرار الزواج وفوائد ذلك

    موقف أخير أيتها الأخوات أذكره لكن من سورة التحريم في بعض القصص المتعلقة بشخصيات نسائية في القرآن الكريم.

    إن بعض نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دفعتهن الغيرة لأن يقمن بمحاولة للإيقاع بينه وبين بعض زوجاته الأخريات لما كان بينه وبينهن صلة معينة، وميزة عند إحداهن ليست موجودة عند الأخريات، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلى بعض أزواجه حديثاً، قال لها كلاماً وطلب منها أن تكتمه ولكنها نبأت به، فأطلع الله رسوله أنها قد قالت: فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا [التحريم:3] لما كشف لها القضية، قال: نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم:3]، ماذا قال الله: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [التحريم:4] وأقف عند هذه القصة لأقول بعض الفوائد:

    أولاً: إن من واجب المرأة المسلمة أن تكون وفية لزوجها، لا تؤذيه بالكلام، ولا تنشر أسراره، لأن الزوج أحياناً يقول لزوجته بعض الأسرار، ويطلب منها ألا تبوح لأحد، وبعض النساء لا يكتمن شيئاً، فبمجرد أن يقول لها الزوج: إن هذا شيء خاص اليوم، إذا به غداً منتشر عند النساء عن طريق المرأة، لا تستطيع أن تمسك لسانها في كثير من الأحيان، فتظن أن ما قاله لها زوجها شيء مهم، وإنها تقول للناس: إن زوجها عنده أشياء مهمة، وأن هذه أسرار مهمة، وأنه استودع الأسرار عندي، ولو لم أكن أهلاً للثقة لما قالها لي، فهي تحب أن تظهر ميزتها عند زوجها للناس، ويترتب على ذلك شرور ومفاسد، ويحرج الزوج إحراجات كثيرة، لذلك إذا استكتم الرجل زوجته أمراً فلا يجوز لها أن تظهره مطلقاً، إلا إذا كان كتمه شيئاً محرماً.

    ثانياً: المرأة المسلمة راعية في بيت زوجها، والمفروض أن تحوطه من ورائه وأن تسعى بذمته وتأخذ بيده وتساعده، والرجل المسلم وبالذات الداعية وطالب العلم يحتاج إلى جو هادئ وإلى جو سكينة، لا يحتاج إلى باب مشاكل يفتح عليه من جهة زوجته.

    إن الزوجة عليها أن تقوم بدور تستلهم فيه دور خديجة ، فمثلما كانت خديجة رضي الله عنها تشد من أزر زوجها وتعينه وتشجعه وتقول له: والله لا يخزيك الله أبداً، وتعينه، وتدفعه إلى الخير، وإلى الدعوة، ينبغي أن تكون المرأة معينة لزوجها على الطاعة وليست سبباً من أسباب المشاكل، إذا رأته نائماً عن صلاة الفجر توقظه، إذا جاء من الدوام بعد الظهر ونام عن الصلاة وجاء وقت العصر توقظه، لا تقول: أتركه، أرحمه ولا أوقظه للصلاة، كلا؛ إن الرحمة به أن توقظه للصلاة، إذا رأت عليه منكراً تنصحه، كيف تفعل هذا؟ هذا شيء ليس بجائز، تحثه على حضور مجالس الخير، تعينه على ضيافة إخوانه الذين يحضرون إلى بيته، ولسنا الآن بصدد الكلام عن حقوق الزوج على زوجته أو حقوق الزوجة على زوجها، سيكون له مناسبة منفصلة إن شاء الله تعالى.

    لكن الشاهد: أن طالب العلم والداعية لديه من المشكلات ما يكفيه وليس بحاجة لأن ينفتح عليه باب مشكلات من جهة زوجته، ولذلك فإن الزوجة الصالحة معينة.. الزوجة الصالحة تسرك إذا نظرت إليها، وإذا غبت عنها حفظتك في عرضها ومالك.

    ولذلك فإنني أقول ختاماً: إن هذه القصص التي ذكرها الله تعالى في القرآن عن المرأة المسلمة ينبغي أن تكون مثلاً حياً في أنفسكن أيتها الأخوات المسلمات، ينبغي أن تضعن نصب أعينكن أن المرأة المسلمة كان لها دور عبر العصور المختلفة.. المرأة المسلمة كانت مؤثرة، ليست المرأة المسلمة هامشية إنها حارسة القلعة.. إنها على ثغرة من ثغرات الدين، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلك.

    والسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.

    1.   

    الأسئلة

    المرأة.. وظاهرة التدخين

    السؤال: ما حكم التدخين للمرأة في الإسلام؟

    الجواب: إن المرأة المسلمة تطيع ربها، وربها يقول: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] فقسم الله الأشياء في الدنيا من المطعومات والمشروبات إلى قسمين لا ثالث لهما: طيب وخبيث، فما لم يكن طيباً فإنه خبيث، والدخان هل هو طيب؟ هل هو مفيد للصحة؟ الأموال التي تنفق فيه هل تنفق في وجهها الشرعي الصحيح؟ هل يريح الناس ويريح الملائكة؟ كلا.

    فإذاً المرأة تعصي ربها عدة مرات عندما تدخن.. تعصيه مرة عندما تنفق الأموال في طريق محرم، وهذا تبذير، وتعصيه مرة أخرى عندما تضر بصحتها فتدخن، وتعصيه مرة ثالثة عندما تؤذي الملائكة الذين معها بهذا التدخين، وتعصيه مرة رابعة عندما تؤذي أخواتها أيضاً، وتعصيه خامسة بإلقاء نفسها للتهلكة، وبإدخال هذا الضرر على نفسها، ولذلك فالحكم واضح جداً وهذا من نتيجة التحلل والتفسخ الذي حل في المجتمع، فمن كان يصدق أن المرأة في يوم من الأيام ستدخن لكن حصل فعلاً!!

    حكم الأمور التي تفعل في القرقيعان

    السؤال: ما حكم ما يفعل في القرقيعان من أمور مباحة؟

    الجواب: هذا من عادات المسلمين موجودة عند بعض المسلمين، الأصل في العادات أنها جائزة إلا إذا اقترن بها منكر من المنكرات، وقد سبق أن ذكرت إذا اعتقدوا فيها فضلاً معيناً، أو أجراً معيناً، أو اعتقدوا أن في يوم (15رمضان) أجراً معيناً، فتتحول إلى بدعة، لكن لو صاروا جارين على العادة.. من إعطاء الأولاد الحلويات والمكسرات في هذا اليوم لا بأس، لكن أحب أن أنبه إلى مسألة تربوية وهي: أن دوران الأطفال على بيوت الجيران يطرقون الأبواب، ويقولون: أعطونا الله يعطيكم، أو أعطونا من مال الله، لا أدري الكلام الطويل، أقول: إن بعض هذا الكلام فيه نوع من تعويد الولد على التسول والشحاذة وإراقة ماء الوجه، ولا نستحب ذلك، لكن لو أنهم قرقعوا كما يقولون في بيوتهم، وأعطوا للأطفال مكسرات وحلويات في البيوت، فإن شاء الله لا بأس في ذلك.

    حكم قيء الطفل الرضيع

    السؤال: ما حكم قيء الطفل الرضيع؟

    الجواب: حكمه حكم بوله، فإذا كان ذكر قد أكل الطعام واستقاء فحكمه حكم بوله، أي: نجس، وإذا كان الذكر لا يزال يرضع ولم يأكل الطعام فحكم قيئه حكم بوله، وأما البنت الصغيرة فإن بولها نجس حتى لو كانت في الرضاع.

    استحباب الوضوء بعد تنظيف الولد

    السؤال: هل تنظيف الولد من منقضات الوضوء؟

    الجواب: الظاهر أنه لا يبطل الوضوء، ولكن الأحسن أن تتوضأ.

    حكم زكاة الحلي

    السؤال: ما حكم زكاة الحلي؟

    الجواب: زكاة الحلي واجبة سواء كان مستخدماً أو غير مستخدم، والدليل على ذلكم ما رواه أبو داود بسند حسن (أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب -أي: سواران من ذهب- فقال لها عليه الصلاة والسلام سائلاً: أتؤدين زكاة هذا؟ -فكانت المرأة لا تعلم الحكم- قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار يوم القيامة؟ قالت: هما لله ورسوله) لو كانت الزكاة في الحلي غير واجبة، لماذا يهددها الرسول صلى الله عليه وسلم بالنار؟ ما هددها بالنار إلا والزكاة في الحلي واجبة، كم مقداره؟ (2.5%) من قيمة الحلي عندما يحول عليه الحلول.

    حكم أولاد زوج البنت من امرأة أخرى

    السؤال: ما حكم الكشف على أبناء زوج البنت؟

    الجواب: أولاده من امرأة أخرى لا علاقة لها بهم، ولو تزوج رجل ابنتك وعنده أولاد من زوجة أخرى غير ابنتك، وهؤلاء الأولاد ليس لهم علاقة فيك، لا من رضاع ولا من نسب، ولذلك لا يوجد محرمية، بخلاف زوج البنت الذي ثبتت محرميته بالمصاهرة.

    نزع المرأة ملابسها في غير بيتها

    السؤال: يقول الرسول صلى الله عليها وسلم: (أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت ستراً بينها وبين الله) ما المقصود بهذا الحديث؟

    الجواب: سألت الشيخ/ عبد العزيز بن باز عن هذا الحديث؟ فقال: المقصود فيه الوعيد والتحذير من التبرج أمام الأجانب، كشف المرأة لشيء من جسدها أمام الأجانب، لكن لو أن المرأة ذهبت إلى بيت أهلها فلا يجوز أن تضع ثيابها؟

    أحياناً تذهب إلى دورة المياه فتضع ثيابها، أو تذهب إلى بيت أختها وزوج أختها غير موجود فلا يجوز أن تزيل خمارها عن رأسها، فإذا صارت في بيتٍ آمنة على نفسها من نظر الأجانب فلا بأس عند ذلك بأن تضع عن وجهها وشعرها الحجاب.

    مخاطبة المرأة المحادة للرجال

    السؤال: ما حكم مخاطبة المرأة المحادة للرجال الأجانب بهاتف أو غيره؟

    الجواب: إذا كان لضرورة فلا بأس بذلك، وإنني أقول بهذه المناسبة: إنني وجدت أن البدع في مجال العدة قد لا يفوقها بدع أخرى، فوجدنا أشياء الله عز وجل أحلها، وهؤلاء يحرمونها ببدعهم، يقولون بزعمهم الكاذب: المرأة المحادة لا تكلم الرجال الأجانب لا بالتلفون ولا من وراء الباب، ولا تكلم الولد البالغ، ولا الصغير، ولا تسلم على زوج بنتها ولا تسلم على امرأة متزوجة.. ولا تنظر إلى المرآة، ويحرمون عليها الاغتسال، والاغتسال مباح، وعليها إذا انتهت من العدة أن تذهب مغمضة العينين إلى البحر وتفتح عينيها عند البحر، ثم تذهب إلى المسجد وتصلي فيه ركعتين، وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان.

    المرأة المحادة ماذا تفعل؟

    أول أمر: أن تلزم البيت الذي كانت فيه عندما مات زوجها، أربعة أشهر وعشرة أيام، وتمتنع من الزينة، لا تلبس ذهباً ولا حلياً، ولا أساور، ولا خواتم، ولا قلائد، ولا حلق في الآذان، ولا تمس الطيب، ولا تلبس ملابس مزينة ومزخرفة ومزركشة، كملابس حفلات وملابس الأعراس، وإنما تلبس المتيسر، والذين يوجبون لباس السواد عليها بدعة من البدع، تلبس أزرق، بني، أخضر، المتيسر لا بأس بذلك، ولكن لا تلبس ملابس زينة، ولا تضع الكحل، أو الحناء، أو الزينة، أو العطورات أو صابونات معطرة هذه قضية.

    أما أنهم يوجبون عليها أشياء ما أنزل الله بها من سلطان فهذا لا يجوز وهو من البدع.

    هذا ما تيسر من الإجابة على الأسئلة التي وردت، وأسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكن الفقه في الدين، وأن يرد بنا خيراً، وأن يحسن عملنا أجمعين، وأن يتوب علينا إنه هو التواب الرحيم، وأن يدخلنا الجنة برحمته إنه أرحم الراحمين.

    وصلى الله على نبينا محمد، والله تعالى أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755835605