وبعد:
أيها الأحبة في الله: فإن حاجة القلوب إلى سماع العلم والذكر أعظم من حاجة الأرض إلى نزول الغيث والمطر، فكما أن المطر والغيث هو حياة الأرض فكذلك العلم والدين والإيمان هو حياة القلوب، وحينما يحبس المطر عن الأرض ينعدم خيرها، ويسوء منظرها، وتستحيل الحياة فيها، قال الله: فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج:5] وكذلك القلوب إذا انحبس عنها الذكر والعلم، والإيمان والقرآن انعدمت فيها الحياة وتحجرت، وانقطع عنها الخير وكثر فيها الشر، فإذا جاء القرآن وجاء الإيمان اهتزت وربت وآتت أكلها بإذن ربها، وظهر الخير في سلوك الإنسان وفي تعامله وعقيدته بناءً على سماع العلم والقرآن، ولذا كانت وظيفة الرسل والأنبياء التذكير بهذا الكلام، وقد حدد الله للنبي صلى الله عليه وسلم مسئوليته بقوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] إنما: أداة حصر، حصر للمسئولية التي بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم لها، وهي تذكير الأمة: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] ويقول له: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ [الذاريات:55] لا تنفع الناس كلهم، بل تنفع شريحة واحدة من المجتمع وفئة واحدة من الناس -أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- وهم أهل الإيمان: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] والله يحدد صفات أهل الإيمان في أول سورة الأنفال فيقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً [الأنفال:2-4] هذه شهادة من الله: أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:4].
ماذا تريد من جديد؟ هل العلماء والدعاة يغنون حتى يأتوا لك بجديد؟ لا. العلماء والدعاة أصحاب رسالة يبلغون دين الله، وهل هناك أفضل من كلام الله؟ هل هناك جديد أعظم مما يخبر الله به ويخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا وجدت في نفسك عزوفاً وعدم رغبة وكسلاً وفتوراً عن هذه المجالس فاعلم أن هذه نقطة الخطورة، وبداية الانحدار، وعلامة الهلاك -والعياذ بالله- لماذا؟ لأن القلب تؤثر فيه عوامل التعرية، وعوامل الهدم والنحت من جراء الحياة، ويحتاج القلب إلى صيانة وحماية، ثوبك إذا لم تغسله اتسخ، وسيارتك إذا لم تجر لها صيانة دورية خربت، قلبك لا يريد له صيانة بل يريد له تعهداً لكن كيف تتعهده؟ في مواطن الذكر، وفي مجالس الإيمان، ولذا يخبر الله عز وجل أنه لا يوجد أظلم ممن يذكر ثم يترك الذكر، فهو ظالم في أعلى مستويات الظلم، يقول عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة:22] قال المفسرون: أي: لا أظلم منه، ويخبر الله عز وجل عن حالة المؤمن إذا سمع الذكر، قال عز وجل: الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2] أي: خافت، ويخبر عن حالة البعيد -أعاذنا الله وإياكم منه- صاحب القلب المنكوس أنه يشمئز قلبه، قال عز وجل: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45] أي شيء دون الله، يعبد مباراة أو سهرة أو أكلة أو رحلة أو جلسة، أي شيء يستبشر به، لكنه ينقبض من جلسة علم، لا يريدها.
لماذا؟ لأن قلبه منكوس قال تعالى: الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الأنعام:113].
المحطة الأولى: عالم البطن والأرحام، ومدة الرحلة تسعة أشهر في الغالب.
المحطة الثانية: عالم الحياة ومدة الرحلة من الستين إلى السبعين وقليل من يجاوز المائة أو يصل إليها.
ثم يرتحل الناس عنها، وهذه المحطات الارتحال عنها إجباري وليس بالاختيار. فيوم خلقت هل أخذ رأيك؟ لا. ويوم ولدت هل أخذ رأيك؟ لا. ويوم تموت هل يؤخذ رأيك؟ لا. ولو أخذ رأي الشخص فإنه لا يريد أن يموت. من الذي يريد أن يتنقل من القصر إلى القبر؟ فكل شخص يريد أسرته وزوجته ويريد أولاده وبيته خاصة، ولا يأتي الموت إلا إذا زانه فإذا زانك من كل شيء جاء الموت يخربها من كل شيء:
لهوت وغرتك الأماني وعندما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر |
***
ما للمقابر لا تجيب إذا رآهن الكئيب حفر مسقفة عليهن الجنادل والكثيب فيهن أطفال وولدان وشبان وشيب كم من حبيب لم تكن عيني لفرقته تطيب |
غادرته في بعضهن مجندلاً وهو الحبيب |
تغادر أحب الناس إليك وتهيل عليه التراب ثم تنسى، وتدور الأيام دورتها ويأتي الدور عليك وتدخل في الحفرة ويهيل الناس عليك التراب ثم يخرجون وينسونك تخرج إلى الدنيا وأنت تبكي والناس حولك يضحكون فلا يولد مولود من بطن أمه إلا وهو يصيح، لماذا؟ هنا سرٌ فأنت كنت في الضيق فلماذا تصيح إذا خرجت إلى السعة؟ قال العلماء: لأن الشيطان ينزغه في ضلعه الأيسر فيصيح الولد؛ ويقول: (واء) كل طفل يصيح إلا الميت الذي يكون ميتاً في بطن أمه فإنه لا يصيح، ولهذا يعتبر الفقهاء بالنسبة للميراث أنه إذا استهل صارخاً أي: إذا خرج مستهلاً للحياة صارخاً حكم بحياته وحكم بميراثه، وإذا لم يستهل صارخاً فلا يحكم بميراثه وتأتي الرحلة الثانية ويخرج الإنسان وتنتقل المسألة، فالذين يضحكون يوم خرجت هم الآن يبكون، وأنت حين خرجت وأنت تبكي ماذا خرجت تفعل؟ هنا يتحدد مصيرك بحسب عملك، إن كان عملك حسناً تخرج وأنت تضحك، جئت تبكي وهم يضحكون والآن اقلب المسألة، دعهم يبكون وأنت تضحك، ولكن جئت تبكي وهم يضحكون وبعد ذلك هم يبكون وأنت تبكي هذه مصيبة.
ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا |
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا |
والآن أمامنا المخططات في مدينة جدة وأنا أقول لأحد الإخوة هذا اليوم: أين يدفنون الناس في جدة؟ جدة مدينة الملايين، والمخططات فيها تتوسع ذات اليمين وذات الشمال، والشرق والغرب، والجنوب والشمال، وكل المخططات لا توجد فيها مقبرة ولا مقابر، كأن الناس لا يموتون، كأنهم خلقوا ليبنوا الدنيا وينسوا الآخرة، وإذا وجد مخطط وفيه مقبرة لا أحد يشتري بجانب المقبرة، يقول: نريد مكاناً حياً فالمقبرة وحشة، قف بسيارتك وانزل وسلم على المقبرة وقل: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين) هذه السنة الآن ضاعت وماتت؛ نظراً لأن الناس كانوا يمشون على أقدامهم، فإذا مروا تجدهم بطبيعة الحال ينظرون إلى المقبرة ويسلمون على أهلها، لكنهم الآن يمشون في السيارات، والسيارات تمشي مسرعة، السائق مشغول بالسيارات أمامه وخلفه ويدقق النظر في الإشارة ولا ينظر إلى أمامه ولا ورائه وضاعت سنة زيارة القبور، وإذا نظرت إلى القبور تجد فيها هدوءاً وسكوناً، فغالباً يكون ضجيج السيارات في الخارج لكن تعال إلى المقبرة تجد الهدوء والسكينة، يقول علي رضي الله عنه وهو يخاطب أهل القبور: [يا أهل القبور! أما النساء فقد تزوجت، وأما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت] إذا مات الإنسان وترك مالاً وأولاداً وزوجة وبيوتاً، فالبيوت تسكن، والزوجة تتزوج، والأولاد يتقسمون المال وهو في الحفرة، ثم قال لهم: [هذه أخبارنا فما أخباركم؟] هذه نشرة الأخبار عندنا بعدما ذهبتم عنا أيها الأموات! هذه أخبارنا: وهي أن بيوتكم سكنت، وزوجاتكم نكحت، وأموالكم قسمت، هذه أخبارنا فما أخباركم؟ ماذا عندكم أنتم؟ ثم قال: [أما والله لو تركوا لقالوا: (( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ))[البقرة: 197]] ونحن نعرف هذا حقيقة حين نخرج إلى المقابر مع الأموات، فيخرج مع الميت ثلاثة: ماله الممثل في النعش أو الشيء الذي يؤخذ معه من ماله، وأولاده، وعمله، فيرجع المال ويرجع الولد ويبقى معه العمل، ونحن الآن نحب المال والولد ونكره العمل، نكره صديق الشدة ونحب صديق العافية، فصديق العافية الولد والمال، لكن إذا جاءت الشدة تبرأ منك الولد وتبرأ منك المال.
من الذي معك؟ العمل. يقول العمل: أنا معك، سأكون معك كما كنت معي، إن كنت محسناً كنت لك محسناً، وإن كنت مسيئاً فأنا لك مسيء.
أخي في الله: أنسيت القبر؟ أنسيت أن القبر يناديك ويقول: يا ابن آدم! ألم تعلم أني بيت الدود؟!
ألم تعلم أني بيت الوحشة؟!
ألم تعلم أني بيت الوحدة؟!
ماذا أعددت لي؟!
تصور -يا أخي- أنك الآن في القبر وقد طرحت في حفرة مظلمة، في حفرة قصيرة الطول .. ضيقة العرض؛ فاشتدت بها وحشتك، واستبانت بها غربتك، ضمتك ضمةً كسرت عظامك، وقطعت أوصالك، وقد كنت غافلاً عن هذا المصير، بما كنت تجمع في هذه الدنيا من الحطام، غافلاً عن هذا المكان، فتأمل -رحمك الله- وادفع عن نفسك جوانب الغفلة، واطلب من الله عز وجل أن يؤانس وحشتك في هذا المكان، لعل الله أن يرحمك ويغفر ذنبك ويقبل توبتك.
القسم الأول: عقيدة التوحيد.
القسم الثاني: عقيدة النبوة.
القسم الثالث: عقيدة المعاد واليوم الآخر.
والإيمان باليوم الآخر يشمل:
الإيمان بالموت، وعذاب القبر ونعيمه، والبعث بعد الموت، والحوض، والصراط، والميزان، والكتب، ثم بعد ذلك الجنة أو النار.
قول الله عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27] نزلت هذه الآية كما يذكر ذلك المفسرون في عذاب القبر، ففي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقعد المؤمن في قبره) -أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء-: (إذا أقعد) تبدأ حياته الجديدة، حياة القبر وهي عالم آخر غير عالم الدنيا، له نظامه، مثل عالم البطن الذي له نظامه، أليس الطفل في بطن أمه حي، وترصد حركته؟ لكنها حياة غير حياتنا، عنده أنف لكنه لا يتنفس منه؟ لا يوجد أكسجين في البطن، عنده فم لكنه لا يأكل به؟ فلا يوجد طعام في البطن، عنده عينان لكنه لا يرى بها؛ لأنه لا يرى في الظلمات؟ عنده أذن لكنه لا يسمع بها الكلام الذي في الخارج؟ عنده أقدام لكنه لا يمشي عليها؟ فإذا خرج إلى الدنيا تغير النظام كاملاً، فأصبح يتنفس من أنفه، ويأكل من فمه، ويرى بعيونه، وأصبح له أذن يسمع بها، ويد يبطش بها، ورجل يمشي عليها، فقد خرج إلى عالم جديد غير عالم البطن، ونسبة عالم البطن إلى عالم الحياة كنسبة عالم الحياة إلى عالم القبر، ولو جئنا عند طفل في بطن أمه مهيأ للخروج وقلنا له: يا طفل! سوف تخرج بعد دقائق إلى دنيا فيها جبال وسيارات وسماوات وأرض وأشجار وأنهار وبحار وعمارات وغيرها، فإذا فكر الولد الجنين في بطن أمه بعقلية البطن ونظر يميناً وشمالاً ماذا سوف يقول لهذه الأخبار؟ يقول: هؤلاء مجانين، هؤلاء رجعيون، عقولهم متخلفة، ويؤمنون بالخرافات، أين السماوات؟ وأين الأرض؟ وأين الجبال؟ والسيارات؟ وأين العمارات؟ لا يوجد إلا بطن أمي؛ لأنه لم ينظر إلا بطن أمه، أمامه العمود الفقري وعلى يمينه الطحال ومن هنا الكبد ومن هنا الجهاز الهضمي للأم، فإذا سجلت كلامه الذي قاله وهو صغير ثم خرج إلى الدنيا وعاش، وقلنا له: نحن وأنت صغير كلمناك في بطن أمك وقلنا لك: إنه يوجد دنيا وأنك ستخرج فيها فكذبت، ما رأيك في معلوماتك التي قلتها صحيحة أم خاطئة؟ حتماً سيقول: لا والله خاطئة، فلماذا تُكذِّب؟ قال: والله أنا قست على بطن أمي وتلفت في بطن أمي وما رأيت إلا هذا، فأحسبه كذلك، والآخرة عندما تقيسها على الدنيا تحسب أنه لا يوجد غيرها، لكن عندما تموت وتنظر الآخرة حقه: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ [المؤمنون:112-113] ثم يقولون: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37] ربنا ردنا مرة ثانية لكي نعمل، لكن لا ينفع، نفس الكلام، نفس الميزان، عالم القبر عالم.
عندما تغطى القبور ويدفن الأموات وتبدأ الحياة الثانية، قد يأتي شخص ويقول: كيف يبدأ حياة ثانية؟ من أين يأكل؟ نقول له: يعيش بدون أكل، لكن الجسم يفتت، وتأكله الأرض والطين والدود ويذهب. كيف يتعذب وهو تراب؟! يذكر ابن القيم في كتابه (الروح ) على هذا مثالاً عظيماً يقول: ينام رجلان في غرفة واحدة، هذا على سرير وهذا على سرير، ويرى أحدهما رؤيا حسنة يرى أنه تزوج، وأنه في ليلة العمر ليلة الدخلة، وأنه دخل على الزوجة الجميلة التي يحبها وتحبه، وعاش سعيداً، طوال الليل، والشخص الذي بجواره الذي في السرير الثاني يرى رؤيا سيئة أنه تسلط عليه شخص ومعه سكين وطعنه في بطنه وفي ظهره، يطعنه طوال الليل، فهذا طوال الليل في عذاب، وهذا طوال الليل في نعيم، وجاء شخص وأقامهم وجاء عند صاحب الرؤيا الحسنة قال: قم وتلفت ولم يجد شيئاً لا امرأة ولا غيرها، فقال: لماذا توقظني؟ كنت في حلم جميل: كان عندي زوجة وانبسطت معها، وهذا الذي كان نائماً ويرى أنه يطعن حين أقمته قال: الحمد لله الحمد لله، لا إله إلا الله، جزاك الله خيراً، أيقظتني الحمد لله ليس هناك شيء وينظر وإذا به لا يجد شيئاً، إذاً هذا تنعم طوال الليل، وهذا تعذب طوال الليل، والأجساد سليمة، هذا الجسد نائم على الفراش وليس معه امرأة ولا به شيء، وهذا الجسد الثاني لم يطعن ولا حصل له شيء، لكن من الذي تنعم وتعذب؟ الروح، تنعمت الروح في الحلم الجميل فتنعم الجسد رغم عدم وجود امرأة، ليس معه إلا الفراش، لكنه طوال الليلة معه امرأة .. زوجة، وهذا الذي يطعن تعذب بالطعن وهل يوجد طعون في جسده؟ لا. لكن العذاب في الروح، هذا ما سيحصل في القبر، فإذا كان المؤمن من أهل الإيمان فإنه يتنعم، لكن ليس ساعات في ليلة بل عمر طويل لا يعلمه إلا الله، يتنعم ويعيش في روضة من رياض الجنة، وذاك -أعوذ بالله وإياكم من ذلك، أسأل الله السلامة والعافية- يتعذب نار وحيّات وعقارب، ضمة القبر ومنكر ونكير، والجسد صار تراباً، ولكن الروح تتعذب، وذلك الجسد صار تراباً لكن الروح تتنعم، هذا هو ما سيحصل للناس في قبورهم، قال عليه الصلاة والسلام والحديث في الصحيحين قال: (إذا أقعد المؤمن في قبره أتي -أي: يؤتى من قبل الملائكة- ثم يشهد أن لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله فذلك القول الثابت) هذا القول الثابت، قال عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم:27] أين؟ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [إبراهيم:27] أي: الآن تعيش على لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي الآخرة أي: في القبر، من عاش على لا إله إلا الله وحكم نفسه بلا إله إلا الله وعاش عليها في كل شئون حياته يثبته الله، ومن عاش على غير لا إله إلا الله يضله الله كما قال عز وجل: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27] هذا في الصحيحين .
الدليل الثاني من أدلة أهل السنة والجماعة على إثبات عذاب القبر ونعيمه: قول الله عز وجل عن آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] فدلت الآية على أن عذابهم يوم القيامة في النار ولكنهم الآن في البرزخ يعرضون على النار، قال عز وجل: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً [غافر:46] أي: فترة البرزخ: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ [غافر:46] أي: يوم تنتهي فترة البرزخ في القبور: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] هذا دليل صريح في إثبات عذاب القبر.
قال قتادة -والنقل عن الطبري في تفسيره - يقول قتادة : [يقال لهم: يا آل فرعون هذه منازلكم غدواً وعشياً] على سبيل التوبيخ، وعلى سبيل النقيصة والصغار -والعياذ بالله- وأعوذ بك اللهم أن يكون مصيرنا إلى النار، يعرضون عليها غدواً وعشياً، فرعون الذي كان يقول: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] وكان يقول لأهل مصر : مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] وكان يقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] كانت جداول نهر النيل تتخلل قصوره، وتسري في بساتينه ثم يقول: أَمْ أَنَا خَيْرٌ [الزخرف:52] يقول: أنا أفضل: مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ [الزخرف:52] أي: موسى: وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:52] لا يستطيع أن يتكلم، لكن أين هو اليوم؟ في سافلة آل فرعون في النار أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46].
الدليل الثالث من أدلة أهل السنة والجماعة : قول الله عز وجل: وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ [الطور:47] قال ابن جرير : اختلف في العذاب الذي توعد الله به الظلمة قبل يوم القيامة، فقال معظم أهل التفسير: هو عذاب القبر؛ لأن الله تعالى يقول: وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ [الطور:47] أي: قبل العذاب الأخير الذي في الآخرة، أين يكون هذا؟ قال أهل التفسير: هو في القبر.
الدليل الأول: حديث في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (أن يهودية دخلت على
الدليل الثاني: حديث في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) رواه البخاري ومسلم ، فهذا حديث في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تشهد أحدكم) أي: إذا انتهى من التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يكون في آخر الصلاة في التشهد الأخير قبل السلام حتى عده بعض أهل العلم ركناً من أركان الصلاة، أركان الصلاة أربعة عشر، وبعض أهل العلم يرى أنها خمسة عشر، والركن الخامس عشر: الاستعاذة من أربع في آخر التشهد قبل السلام (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) والدلالة من النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر للأمة بالاستعاذة من عذاب القبر بمعنى: أنه حق وأنه كائن، إذ كيف يأمر أمته أن تستعيذ من شيء ليس صحيحاً، والحديث في الصحيحين!
قال البراء بن عازب رضي الله عنه: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجلٍ من الأنصار) وهذه سنة نبوية أن تخرج مع الميت وتتبع جنازته؛ لأن حقوق المسلم على المسلم ست ومنها: إذا مات أن تتبع جنازته، وفي اتباع الجنازة والصلاة على الميت ثواب عظيم، وفي دفنه ثواب عظيم، يقول عليه الصلاة والسلام: (من تبع الجنازة حتى يصلى عليها كان له من الأجر قيراط، ومن تبعها حتى تدفن كان له من الأجر قيراطان، قيل: وما القيراط يا رسول الله؟ قال: القيراط مثل جبل أحد ).
جبل أحد يكون حسنات إذا تبعت جنازة حتى يصلى عليها، لكن أكثر الناس الآن لا يتبع جنازة يرى جنازة فيقول: أنا مشغول، لا يريد قيراطاً، مشغول! لا إله إلا الله! ألا تعلم أن في خروجك إلى الجنازة موعظة لك؟ فكثير من الناس لم يهتد إلا عندما جاء إلى المقبرة ورأى القبر ورأى الميت وهو يدفن ويدخل في ذلك المكان، وتصور أنه في يوم من الأيام سوف يكون في هذا المكان فذهب يصحح وضعه قبل أن يكون هذا وضعه، وهذا هدي السلف رحمهم الله، استجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فإن الرسول كان يأمر بزيارة القبور يقول: (ألا إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) وكان يزور المقابر صلى الله عليه وسلم، والأحاديث في هذا كثيرة جداً لكن هذه السنة قد ماتت -لا حول ولا قوة إلا بالله-.
انظروا إلى الغرب، لما أقفرت قلوبهم وأرواحهم عن الدين كيف حياتهم تعيسة، رغم أنهم في الجانب المادي في أعلى درجات المادة، لكن هل حققت لهم المادة سعادة؟ لا. أسوأ عيش هو عيشهم؛ لأنه عيش الكلاب، فلا ينامون إلا بالحبوب المخدرة، وأمراض نفسية، وجنون مسرحي وتمثيلي وكروي -والعياذ بالله- وتفكك اجتماعي، وانتحار، فكل شخص يستعمل له حبوباً ويرمي نفسه من جبل، لماذا؟ لكي يتخلص من الحياة، فإنها تضغط على نفوسهم حتى تفجرها من الداخل لماذا؟ لأنه لا يوجد دين، فأنت الآن إذا أتيت تنام على غرفتك (2×2،40م) ما شاء الله تتقلب من الطرف إلى الطرف، لماذا تتوسع؟ حسناً.. في تلك الحفرة كيف تتوسع؟ كيف تنقلب؟ كيف تكف رجلك في ذلك المكان؟ لا إله إلا الله! قال: (ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة وجلسنا حوله، وكأن على رءوسنا الطير) وهكذا شأن المؤمنين إذا جلسوا في المقابر يعتبرون وينظرون ويتفكرون وينزجرون ويتوبون ويبكون، لكن في بعض المقابر -وقد رأيت هذا- على المقبرة يبيعون ويشترون، يبيعون الأراضي في المقبرة، بل جئت في يوم من الأيام وأنا مار في أبها على المقبرة وإذا بشخص من الحفارة جالس بعيداً عن القبر يدخن، يدخن داخل المقبرة!! فأخذته قلت: تعال -يا أخي- بالله هل تسكن في هذا المكان؟ قال: نعم. قلت: كيف تدخن؟ قال: أنا كنت أحفر وتعبت، يقول: لا أقدر أن أواصل الحفر إلا إذا دخنت، قلت: إذا سكنت هناك وجاءك منكر ونكير يسألانك ماذا تقول لهما؟ تقول: أريد (دخاناً) لا أجيب الآن، ائتوا لي بدخان، سيعطونك دخان لكنه دخان في جهنم فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ [الدخان:10] أين عقلك -يا أخي-؟
يقال: إن رجلاً من الذين يشربون الشيشة ويسمونها المعسل، رجل صالح ولكنه مبتلى بهذه الشيشة، فرأى في المنام أنه مات وأن الله أدخله الجنة وأعطاه في الجنة كل شيء، لكنه لم يجد شيشة ولا معسلاً، فقال: أريد شيشة يا ربي! قال: لا توجد شيشة، ولا تصلح الشيشة إلا بنار، وليس في الجنة نار، قال: لابد من شيشة، فلا أنبسط إلا بالشيشة، قال: افتح الغرفة هذه ففتح النافذة وأدخل يده يريد أن يأخذ رأساً ويريد حجراً لكي يضعها وينبسط فاحترقت يده في المنام، وحين استيقظ في الصباح إذا بيده محروقة سوداء كأنها فحمة.
هذه القصة في صحتها نظر لكنها تقال، ولا نجزم بصحتها والعهدة على الناقل، المهم عندما تجلس على القبر فلا تفكر إلا فيه، فهي لحظة اعتبار يمكن أن يتحدد مصيرك في هذه الجلسة.
تشكو لي امرأة وتقول لي: إن زوجها متدين فيه خير، ولكنها قالت: جاءتها الشغالة وقالت لها: زوجها ليس طيباً، تقول: أنا أعرف زوجي من ظاهره ومن صلاته لكنها تعطيني معلومات عكس ذلك، قلت: لماذا؟ قالت: هو يمسكها، كأنه مر من عندها وأمسكها، فأتت بالزوج، وقالت: كيف أنت متدين وظاهرك جيد وتصلي وهذه تقول .. فأراد أن ينكر فقالت: ما الذي يجعلها تقول: إنك لست طيباً، هذه شغالة، ليس لها مصلحة تريد راتبها فقط، فهل من المعقول أنها تأتي لتقول: إنك لست طيباً؟ فأسألك بالله لا تكذب، تقول له زوجته: لا تكذب ولا تغالطني ولو كذبت عليَّ لن تكذب على الله، أخشى أنك تحلف فتحيط بك، لكن تب إلى الله، قال: صَدَقَتْ أنا لست طيباً وأتوب إلى الله وأستغفره، تقول: وتاب، وتاب الله عليه إن شاء الله، هذا أدنى مستوى من المعاملة، أن الشغالة تقول لك: أنت خبيث، لماذا؟ لأنك لست طيباً، مددت يدك إلى الحرام، وما عندك خوف من الله، جاء في الحديث: (من مد يده إلى امرأة لا تحل جاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه) ستسأل عن هذه اليد لماذا مددتها إلى الحرام؟ -لا إله إلا الله- فهنا تقول الملائكة ويقول ملك الموت يخاطب الروح: (يا أيتها الروح الطيبة) أتريد -يا أخي- أن يقال لك هذا الكلام؟ أم تريد أن يقال لك: يا أيتها الروح الخبيثة؟ لا أحد يريد، من الآن اضبط نفسك وكن طيباً، أما أن تصير خبيثاً وتريد أن يقولوا لك: يا أيتها الروح الطيبة، فلا، الخبيث خبيث، فالناس يقولون له: خبيث، وزوجته تقول له: خبيث، وهو نفسه يعرف أنه خبيث، وحين الموت يقول له ملك الموت: خبيث أين يدخل هذا؟ في دار الخبث والخبائث في النار، والطيب طيب، والله طيب، والجنة طيبة للطيبين -اسأل الله أن يجعلني وإياكم من الطيبين- والملائكة تقول لأهل الإيمان: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ [الزمر:73] أنتم طيبين: فَادْخُلُوهَا [الزمر:73] الله أكبر!
والذي في قلبه -والعياذ بالله- أغانٍ وأفلام ومسلسلات ونساء وخمر ونوم عن الصلوات ومعاصٍ وفواحش ماذا نجد إذا كشفنا قدره والعياذ بالله؟ خبث وخزي ويظهر منه ريح كأنتن ريح جيفة وجدت على ظهر الأرض، أما ذاك فكأطيب ريح وجد على ظهر الأرض، قال: (فيصعدون بها -هذه الريح يصعدون بها- فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قال الملائكة: ما هذه الروح؟ وما هذه الريح الطيبة؟ فيقولون: روح فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا) تشريفات تصعد من سماء إلى سماء، واسمك يمر فلان بن فلان، جاء من الأرض .. جاء العبد الصالح، جاء العبد المؤمن .. المصلي .. المتزكي .. الذاكر .. التالي .. صاحب الخشية، هذا هو الفخر، لكن ذاك سترون كيف يقال له -والعياذ بالله- قال: (حتى ينتهون بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون لها -وكل سماء لها أبواب ومغاليق وملائكة- فيفتح لهم) لماذا يفتح؟ قالوا: لأنه معروف عند أهل السماء، فأعمالك الآن تسجل وترفع إلى السماء: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر:10].
فأهل السماء يعرفونه، كل يوم وأنت تمشي للصلاة، فلك حسابات مع أهل السماء، الآن إذا لك حسابات في أي مصرف أو بنك وتأتي ولك حساب جارٍ عندهم، ولك معاملات وتطلب أو تعطي، فأنت معروف عندهم، لكنك عندما تأتي وأنت مجهول وليس لك رصيد عندهم وتطلب منهم يقولون: من أين نعطيك؟ لا نعرفك، كذلك المؤمن له حسابات في السماء، فإذا فتح له قيل: فلان بن فلان، فيقال: ادخل! هذا معروف، هذا يصلي كل يوم، كل يوم يصعد له صلاة فجر وصلاة ظهر وصلاة عصر وصلاة مغرب، ويصعد له قرآن ويصعد له ذكر، هذا حساباته جارية ومتواصلة مع الله عز وجل، فيفتح له السماء الأولى: (ثم يتبعه من كل سماء مقربوها إلى السماء الثانية، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين) عليين: درجة من الجنة قال الله: وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ [المطففين:19-21] -نسأل الله من فضله-.
فيكتب كتابه في عليين، أي: كما قال العلماء: يحجز مكانه، ويحجز كرسيه، قد عرف وسجل أنه من أهل الجنة، وهذا مكانه في عليين، ثم يعاد من أجل إتمام بقية مؤهلات الجنة.
قال: (فتتفرق في جسده فينزعها كما ينزع السفود -وهو الحديد ذو الشاحب من الصوف المبلول- فتتقطع معها العروق والعصب، فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء، فتغلق أبواب السماء) إذا صعد بالروح منع من الدخول، لماذا؟ ليس معروفاً، يقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40] الله أكبر! علقهم الله على المستحيل، إذا دخل البعير في خرق الإبرة دخلوا الجنة، هل يعقل هذا؟ لا. وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41] -نعوذ بالله من عذاب الله-.
قال: (فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: روح فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا يفتح له باب، ثم يقول عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين -قال عز وجل: كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المطففين:7-10]- ثم يقال: أعيدوا روحه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتطرح روحه طرحاً) يرجم بها من السماء، وذلك قوله عز وجل: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31] (فتعاد روحه إلى جسده، وإنه ليسمع خفق نعالهم وصفق أيديهم) وما زالوا عند المقبرة يصفقون، وقد صعدت الروح ونزلت فيأتيانه -الملكان- فينتهرانه ويقولان له: من ربك؟ وهنا لا يعرف؛ لأن الله يقول: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ [يس:65] يمكن في الدنيا يعرف بالكذب، لكن هناك لا يوجد كذب، (فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون فقلت، فيقال: لا دريت ولا تليت -يعني: جعلك ما تدري- ثم ينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه القبر، وتضمه الأرض حتى تختلف الأضلاع -أضلاع اليمين في الشمال، وأضلاع الشمال في اليمين- ثم يأتيه رجلٌ قبيح الوجه قبيح المنظر منتن الريح فيقول له: أبشر بالذي يسوءك -أصبح هو في سوء ويقول: أبشر بالذي يسوءك. قال:- هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت بشرك الله بالشر؟)هل تبشرني على ما أنا فيه؟ من أنت؟ قال: (أنا عملك الخبيث، فوالله ما علمت إلا أنك كنت بطيئاً في طاعة الله، سريعاً في معصية الله، فجزاك الله شراً) من الذي يقوله؟ عملك، لماذا تعمل شيئاً يضرك؟ غريب والله -يا إخواني- هذا يدل على نقص العقول، أنت تعمل عملاً تعرف أنك غداً سوف تؤاخذ عليه، لماذا تعمله؟ هذه عينك الآن تحت حكمك، لماذا تنظر بها إلى الحرام وأنت تعلم أنك غداً سوف تسأل عن نظرك؟ وهذه أذنك تحت حكمك لماذا تسمع بها الأغاني وأنت تعرف أنك غداً سوف تسمع -بعد هذا السمع- رصاصاً مذاباً في جهنم؟ أين عقلك؟ أنت مؤمن بهذا أم لا؟ لكن -أيها الإخوة- القضية كلها ضعف الإيمان.
أولاً: أن الإيمان بعذاب القبر ونعيمه جزءٌ من عقيدتك، فإن المخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه.
ثانياً: يرشدنا إلى أن من كان مع الله في الدنيا كان الله معه في القبر.
ثالثاً: يفهمنا أن المنافق أو الكافر أو الفاجر ينساه الله من رحمته؛ لأنه نسي أمر الله وطاعته.
رابعاً: يعرفنا أن أهل السماء يعرفون أهل الإيمان.
خامساً: يعرفنا -أيضاً- أن أبواب السماء ترحب بنا يوم نموت، وتغلق أمام الكافرين والمنافقين، ويعلمنا -أيضاً- أن المؤمن في قبره في روضة من رياض الجنة، وأن العاصي في حفرة من حفر النار، ويخبرنا الحديث أن العبد يكال له بما كال به لنفسه، الوفاء والنقص مكيال، فإن أردت الوفاء فأوف، وإن أردت النقص فأنقص، والله يجازيك بما عملت لنفسك، يقول الله عز وجل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:89-90].
أخي المسلم: كيف تؤمن بعذاب القبر ونعيمه ثم لا تعمل، أين توحيدك لربك؟ أين متابعتك لسنة نبيك؟ أين صلاتك؟ أين خشوعك في صلاتك؟ أين صلاتك في الفجر؟ أين برك لوالديك؟ أين صلتك لرحمك؟ أين توبتك وندمك؟ هل حفظت ذلك؟ أسأل الله عز وجل أن يتوب عليَّ وعليك، ونعوذ بك اللهم من عذاب القبر، اللهم قنا عذاب القبر، واجعل قبورنا روضة من رياض الجنة.
والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: أولاً: أحبكم الله يا أهل جدة ، وأنا أحبكم كذلك، وأسأل الله عز وجل أن يظلنا وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ببركة الحب فيه.
أما تخصيص درس شهري، فهذا منذ سنتين -والحمد لله- درس شهري في مدينة جدة ، الأخ كأنه لا يعلم بالموضوع، والدرس كل أربعة أسابيع في يوم السبت من آخر كل شهر، وكان الدرس ينتقل من مسجد إلى مسجد، لكن اليوم تم الاتفاق مع مدير مركز الدعوة والإرشاد على تثبيته في مسجد، وتم اختيار هذا المسجد سبحان الله! بالمناسبة أن يكون ثابتاً فيه لعدة اعتبارات:
أولاً: سعة المسجد.
ثانياً: جودة التهوية، وأيضاً جودة التكبير للأصوات.
ثالثاً: عدم وجود أعمدة كثيرة أي: بإمكان أي مستمع في المسجد أن يرى المحاضر.
رابعاً: مواقف السيارات -والحمد لله- جميع طلبة العلم يأتون إلى المساجد والمحاضرات بالسيارات، حتى لو كان المسجد قريباً منه سيأتي بالسيارة، إلا أن هذا لن يكون من الشهر القادم، نظراً لسبق الارتباط، فستكون محاضرة الشهر القادم في مدينة الحرس الوطني بعدها إن شاء الله في شهر ذي الحجة سيكون الدرس ثابتاً في هذا المسجد إن شاء الله، ونسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم بما نقول وما تسمعون.
الجواب: المقابر يجب حمايتها عن طريق تسويرها، وهذه مسئولية البلديات وأمانة العاصمة، فإذا وجد شيء في مدينة جدة تعرفونه، فعلى الحي الذي بجوار هذه المقبرة أن يعدوا استدعاء ويتقدمون إلى الأمانة من أجل القيام بتسويرها وحمايتها، وهذا شيء معروف في كل البلديات -والحمد لله- وإذا كان خارج المدينة، فنفس الناس الذين هم قريب منها، يتبرعون أو يتصلون بالمحسنين ويجمعون تبرعات ويقيمون حولها سوراً إما بالإسمنت إن تمكنوا، وإما فلا أقل من شبك حتى يحموها من المواشي أو الدواب أو من الاعتداء عليها، وربما بعد أيام يعتدى عليها وتحول إلى أرض، ويحفر فيها بيارات ويسكن فيها، وهي مقابر لمسلمين وهذا لا يجوز.
الجواب: إذا أرادت أن تخرج وقد تطيبت في بيتها فإن عليها أن تغير الملابس التي تطيبت فيها؛ لأن الطيب تضعه المرأة دائماً في ملابسها، وإذا كانت وضعت الطيب في شيءٍ من جلدها في وجهها أو في غيره فتغسله حتى لا تتعرض للوعيد الشديد الذي ورد في إثم وعقوبة من تتطيب ثم تخرج ويشم الرجال ريحها، حتى عدها النبي صلى الله عليه وسلم زانية قال: (أيما امرأة استعطرت ثم خرجت ليشم الرجال ريحها، فهي زانية زانية زانية) -والعياذ بالله- فلا ينبغي، لماذا؟ لأن الريح يفتن، إذا مرت المرأة وشم الرجال ريحها وهي محجبة سرت الفتنة إلى قلوبهم برائحتها ولو كانت قبيحة، وإن كانت متغطية وشموا الريح قالوا: ما جاء الريح إلا ووراءه شيء، إذاً فلا يجوز لها أن تتطيب.
يقول الأخ: هل عليها أن تغتسل أم تتوضأ؟ لا. الجنابة هنا والزنا ليس حسياً حتى يلزمها، إنما عليها أن تتوب إلى الله وألا ترجع إلى هذا.
الجواب: نعم. يمكن، الأنبياء لا تأكل الأرض لحومهم، قال عليه الصلاة والسلام: (إنا معشر الأنبياء حرم الله على الأرض أكل لحومنا) أي: لو جئنا إلى قبور الأنبياء تجد الجثة كما هي يوم وضعت، وكذلك قد ينال هذه الكرامة غيرهم من الأولياء والصالحين والشهداء، وقد سمعنا الكرامات التي حصلت للمجاهدين الأفغان أيام الجهاد الأفغاني كثيرة، وجد بعض الشهداء بعد شهر أو شهرين وجدوا رائحته مثل المسك، بينما الكافر من اليوم الثاني بعد دفنه إذا بطنه مثل الكيس انتفخ وأصبح ريحته -والعياذ بالله- متعفنة.
الجواب: استعف -يا أخي- فإذا لم تستطع الزواج فعليك بالعفة؛ لأن الله يقول: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33] ما أمرك الله أنك إذا لم تستطع النكاح أنك تنكح يدك، لا؛ والعادة السرية وهذا من تلطيف اسمها، أما اسمها في الشرع فهو نكاح اليد، وهي محرمة ولا تجوز، وأدلة تحريمها كثيرة جداً منها في القرآن الكريم يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:29-30] أي: الأمة التي يملكها الإنسان فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ [المعارج:30-31] وتدخل العادة السرية في وراء ذلك فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ [المعارج:31] أي: المعتدون المتجاوزون لحدود الله.
وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة -أي: النفقة والزواج- فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ما قال: فعليه بيده، ولو أنه يجوز لبينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولو أنه جائز وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم لكان هذا من كتمان الرسالة، ومن عدم إكمال الدين، لكن الرسول ما أمر إلا بالصوم، بالإضافة إلى الآثار التي وردت: (أن ناكح يده ملعون) (أن ناكح يده يبعث يوم القيامة ويده حبلى له)، وأنه ما من حيوانٍ منوي يخرج عن طريق الاستمناء باليد إلا تحمل به اليد لكن آثار الحمل لا تظهر إلا يوم القيامة. فهذه مصيبة عليك -يا أخي المسلم-.
فنقول لك: عليك أن تتوب وأن تلتجئ إلى الله عز وجل وهناك وسائل تعينك على العفة:
أولاً: الإكثار من قراءة القرآن وذكر الله؛ لأن الاستمناء يأتي عن طريق وسوسة الشيطان، فإذا أكثرت من الذكر لله وقراءة القرآن خنس الشيطان.
ثانياً: عليك أن تمارس عملاً مهنياً حتى تستنفذ الطاقة؛ لأن عندك طاقة فاستعملها في عمل بدني، إما في عمل مع أبيك، أو في تجارتك، أو في مزرعتك، أو في رياضة، حتى لو فعلت لك في البيت عقلة أو أتيت بأثقال حتى تفنى، فإذا تعبت فاذهب ونم فلن تفكر في شيء وسوف تنام سريعاً.
ثالثاً: لا تكثر من الأطعمة المهيجة للجنس ما دمت عزباً، كل قوتاً خفيفاً لكي تعيش، إلى أن تتزوج، فإذا تزوجت فكل؛ لأن معك امرأة، لكن تكثر من الطيبات، وليس معك امرأة أين تذهب؟ تعود إلى يدك، هذا ليس جيداً، دع الطعام ولا تأكل إلا الأشياء الخفيفة، لكن تأكل من العسل والبر والسمن والشحم واللحم والمغذيات هذه لا تصلح لك، اتركها حتى تتزوج إن شاء الله.
رابعاً: لا تنظر إلى الأفلام والمسلسلات، ولا تنظر إلى النساء في الشوارع، ولا تقرأ قصص الغرام والجنس؛ لأن هذه تُذكي فيك الغريزة وتهيج فيك الجنس.
خامساً: إذا أويت إلى فراشك فلا تأتي إلا وأنت تريد أن تنام، من أجل أن تضع رأسك وإذا بك نمت، لكن تأتي وليس فيك نوم وتقعد تتقلب فيأتيك التفكير في هذا الأمر، كيف تصنع؟ اقعد اقرأ في القرآن، اقرأ في السنة، اقرأ في التاريخ، احفظ أبياتاً من الشعر، فإذا تعبت من القراءة قم وصلِّ ركعتين، وإذا جاء الشيطان دفعته بركعتين، والله لن يأتيك أبداً، أحد الإخوة قلت له هذا الأمر يقول: والله فعلتها وما أتاني أبداً؛ لأنه وسواس ، كلما جاء الشيطان فعلها يقول: حتى مات مرة واحدة.
سادساً: اسأل الله العفة -نسأل الله العفة- جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عنده شهوة وجنس يريد النساء فقال: (يا رسول الله! آمنت بك وصدقت ولكن ائذن لي في الزنا) يريد رخصة تصريح في الزنا، فالصحابة استغربوا هذا السؤال الذي لا يعقل، كيف يأذن له في الحرام؟! وكل واحد منهم يضع يده على السيف ينتظرون الإشارة لقطع رأسه، فالنبي صلى الله عليه وسلم هدأ روع الرجل وقال له: (تعال أدن مني، ولما دنى قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا. -الرجل لا يحبه لأمه- قال: أتحبه لبنتك؟ قال لا. قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا. قال أتحبه لزوجك؟ قال: لا. قال: والناس كذلك لا يحبونه لأمهاتهم ولا لأزواجهم، ثم وضع يده على صدره وقال: اللهم طهر قلبه، وحصن فرجه، واغفر ذنبه) هذه ثلاث دعوات والحديث في الصحيح قال: (اللهم طهر قلبه، وحصن فرجه، واغفر ذنبه، ثم قام الرجل يقول: فوالله إنني قمت وليس في الدنيا أكره عندي من الزنا) وهذا مجرب.
عليك دائماً أن تقول في الدعاء: اللهم طهر قلبي، وحصن فرجي، واغفر ذنبي، حتى يحصن الله فرجك -إن شاء الله- من كل شيء، ويطهر الله قلبك من النظر، انتبهوا لا أحد يتساهل ويقول: النظر بسيط، أول شيء تنزلق فيه إلى الزنا العين، ولهذا لما تغضها تستريح، قال الله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30] وحين تزل بك القدم في النظر لن تبقى على العين فقط، ستستمر سنة وسنتين وأنت تنظر وبعد ذلك؟ ينقلك الشيطان إلى الثانية وهي: الكلام، والتليفون، وبعد ذلك تقعد على المكالمات فترة، ثم ينقلك الشيطان يقول: إلى متى هذه المكالمات فإنها لا تنفع؟ ثم موعد ولقاء وزنا ثم جهنم، لكن لو أنك أقفلتها من أول باب من عند العين ارتحت، ولهذا ليس في الدنيا أسعد قلب ولا أريح بال من المؤمن الملتزم الذي يغض بصره ولا يرى شيئاً، كلما رأى امرأة، غض بصره وذهب البيت ونظر إلى امرأته ملكة جمال، وإن كان ليس عنده امرأة صبر حتى تأتيه امرأة، لكن الذي لا يغض بصره في النساء يرى أصناف النساء وبعد ذلك لا يقدر أن يصبر عليهن كلهن، فيتقطع قلبه ويقول:
وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل؟ |
وإنك إن أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر |
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر |
ثم إذا عندك زوجة وذهبت البيت ونظرت إليها وقد نظرت إلى أحسن منها، فتنظر فيها أنها قبيحة، فمن حين تدخل تعمل مشكلة معها ولا تسلم، لماذا؟ لأنك رأيت امرأة في الخارج جميلة، وتقول: ما هذه المرأة القبيحة؟ فيأتي إليها الشيطان ويقول: هذا الذي لا يسلم لماذا لا تأخذي رجلاً أحسن؟ وتذهب تبحث عن رجل يسلم، وتصير الحياة تعيسة بسبب إطلاق النظر، لكن لا تنظر إلا إلى امرأتك، فإذا لم تر إلا هي ترى كأنها ملكة جمال الدنيا؛ لأنك لا ترى إلا زوجتك، ولهذا قال الله: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30].
أحب الصالحين ولست منهم وأرجو أن أنال بهم شفاعة |
هل هذا القول سليم؟ أم أنه يمس في العقيدة؟
الجواب: الأخ طالب علم، جزاه الله خيراً ويقصد بهذا شفاعة الصالحين، هل تصح أم لا؟ أقول: قد تحدث العلماء عن الشفاعة وهي جزء من قضايا العقيدة، وقسمها العلماء إلى ثمانية أقسام.
وهذه الشفاعة لا تتم إلا بشرطين:
أولاً: الإذن من الشافع وهو الله.
ثانياً: الرضا عن المشفوع وهو الذي يشفع له، قال الله عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] هذا هو الشرط. والثانية قال الله: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] فإذا أذن الله ورضي عن المشفوع له نفعت الشفاعة، أما إذا لم يوجد أذن ولا رضا فقد قال الله: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48] فهذا البيت صحيح وينسب إلى الشافعي، يقول:
(أحب الصالحين ولست منهم)
يقول هذا على باب التواضع، وإلا فـالشافعي من أعظم الصالحين، الشافعي -رحمه الله- له سيرة عطرة وتراجم لو المقام يسمح لأتيت لكم بشيء كثير منه، شيء يعطر القلوب، شيء عجيب لدرجة أنه أوتي قدرة وحافظة وكان إذا أراد أن يقرأ كلاماً يضع المسطرة على السطر الثاني حتى لا تسبق عينه السطر الثاني فيحفظه قبل الأول، حفظ الموطأ وهو أعقد كتاب من كتب الحديث، إذا قرأته تريد لك تراجم فيه، حفظه من قراءة واحدة، ولما جلس على الإمام مالك قال: حفظته من قراءة واحدة، قال له: إنك امرؤ نور الله قلبك لكن لا تطفئها بظلمة المعاصي.
ولما خرج إلى السوق فرأى عقب امرأة، عندما هبت الريح فكشفت عن رجلها، ورجع يقرأ وإذا به لم يستطيع أن يحفظ، كما كان من قبل، فذهب إلى وكيع بن الجراح يشكي إليه، وقال له: إني لا أحفظ مثلما كنت، قال له: أين ذهبت اليوم؟ قال: إلى السوق، قال: ماذا رأيت؟ قال: رأيت عقب امرأة، قال:هذه هي، ارجع وتب إلى الله، ويقول في أبيات:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي |
وأخبرني بأن العلم نورٌ ونور الله لا يؤتى لعاصي |
بعض الناس يقول: أريد أن أقرأ القرآن وأحفظ العلم، وهو طيلة ليله على الأفلام والمسلسلات، من أين يأتيك العلم والقرآن؟ والله لا ينظر لك ولا يمر من عندك، العلم يريد له قلباً منوراً قلباً مفتوحاً لله، أما قلب يعشق الشر ويحب المجون ويريد أن يحفظ القرآن، فلا يمكن أبداً، فيقول الشافعي :
أحب الصالحين ولست منهم وأرجو ............... |
هنا أرجو محمولة على أن المرجو هو الله
(وأرجو أن أنال بهم)
أي: بحبهم وبحب الصالحين وبمجالستي إياهم.
(وأرجو أن أنال بهم شفاعة)
عند الله عز وجل.
ثم يقول:
(وأكره من بضاعته المعاصي)
يقول: الذي عنده بضاعة (معاصي) أكرهه.
(وإن كنا سواءً في البضاعة)
يقول: ولو أن بضاعتي مثله، لكنه ليس عنده شيء، فإذا كان عقب امرأة رآه عمل له مشكلة فكيف عنده معاصي؟
فقال له الثاني:
تحب الصالحين وأنت منهم وحب القوم يلحق بالجماعة |
وتكره من بضاعته المعاصي يقيناً لست من أهل البضاعة |
يقول: ما أنت من أهل بضاعة المعاصي -أثابك الله- وأنا رقعتها ولا أدري هل البيت كذا أم لا.
أكتفي -أيها الإخوة- بما قلت، وأرجو الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بما قلته، ونعدكم إن شاء الله بمحاضرة يوم خمسة وعشرين، وسيعلن عنها، ولكن أعلن عنها من الآن حتى يكون الإنسان على علم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر